تفسير سورة الأعلى

التفسير المنير
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب التفسير المنير .
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، زادت عائشة: والمعوذتين.
وروى أحمد عن علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحبّ هذه السورة: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى.
تنزيه اللَّه تعالى وقدرته وتحفيظه القرآن لنبيه
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨)
الإعراب:
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى إن كانت (جعل) بمعنى (خلق) كان غُثاءً أَحْوى منصوبا على الحال. وإن كانت بمعنى (صير) كان غُثاءً أَحْوى مفعولا به ثانيا، أي جعله غثاء أسود يابسا، ولا يكون: فَجَعَلَهُ غُثاءً فصلا بين الصلة والموصول لأن قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً داخل في الصلة، والفصل بين بعض الصلة وبعضها مما يتعلق بها غير ممتنع، وإنما الممتنع الفصل بين بعضها وبعض بأجنبي عنها.
فَلا تَنْسى لا: نافية، لا ناهية، ولهذا ثبتت الألف في قوله: تَنْسى والمعنى:
لست ناسيا.
البلاغة:
خَلَقَ فَسَوَّى وقوله: قَدَّرَ فَهَدى حذف المفعول ليفيد العموم لأن المراد: خلق كل شيء فسواه، وقدر كل شيء فسواه.
أَخْرَجَ الْمَرْعى، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى، سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى سجع غير متكلف.
187
الْجَهْرَ وَما يَخْفى بينهما طباق.
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى بينهما جناس اشتقاق.
المفردات اللغوية:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى نزّه اسم اللَّه ربك عما لا يليق به من صفات النقص في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه، واذكره دائما على وجه التعظيم، فإنه الأسمى والأعلى من كل شيء،
جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره كما سيأتي: «لما نزل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة ٥٦/ ٧٤] قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، قال:
اجعلوها في سجودكم، وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفي السجود: اللهم لك سجدت»
.
خَلَقَ أبدع الكائنات. فَسَوَّى سوى مخلوقه بأن جعله متناسب الأجزاء، غير متفاوت، وعلى نظام كامل. قَدَّرَ جعل الأشياء على مقادير مخصوصة، فوضع قدرا لكل حي، وقدّر أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها حسبما تقتضي مدة بقائها. فَهَدى عرّفه وجه الانتفاع بما خلق له، وبيّن له طريق الخير والشر بالميول والإلهامات وإقامة الدلائل وإنزال الآيات. الْمَرْعى كل ما تخرجه الأرض من العشب والنبات والثمار والزروع. فَجَعَلَهُ بعد خضرته. غُثاءً جافا هشيما يابسا. أَحْوى أسود.
سَنُقْرِئُكَ القرآن على لسان جبريل عليه السلام بأن نجعلك قارئا ونلهمك القراءة.
فَلا تَنْسى ما تقرؤه، بل تحفظه، مع أنك أمي ليكون ذلك آية أخرى على صدق نبوتك، ولا: للنفي لا للنهي. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أن تنساه، بنسخ تلاوته وحكمه. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ما ظهر من الأحوال وما بطن، سواء أكان قولا أم فعلا، ومنه الجهر بالقراءة مع جبريل مخافة النسيان والجملة اعتراضية. وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى نوفقك لأعمال الخير التي تؤدي إلى اليسر وسهولة الحياة. وإنما قال: نيسرك، أي نعدّك للطريقة اليسرى في حفظ الوحي أو التدين أو نوفقك لها، لا نيسر لك، عطفا على سَنُقْرِئُكَ.
سبب النزول: نزول الآية (٦) :
سَنُقْرِئُكَ:
قال مجاهد والكلبي: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي، لم يفرغ جبريل من آخر الآية، حتى يتكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأولها، مخافة أن ينساها فنزلت: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى بعد ذلك شيئا، فقد كفيتكه.
188
وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس: فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات.
التفسير والبيان:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أي نزّه اللَّه عن كل ما لا يليق به، بقولك:
«سبحان ربي الأعلى». قال القرطبي: والأولى أن يكون الاسم هو المسمى «١».
وقال أبو حيان: الظاهر أن التنزيه يقع على الاسم، أي نزهه عن أن يسمى به صنم أو وثن، فيقال له: ربّ أو إله، وإذا كان قد أمر بتنزيهه اللفظ أن يطلق على غيره، فهو أبلغ، وتنزيه الذات أحرى، وقيل: الاسم هنا بمعنى المسمى، فالاسم: صلة زائدة، والمراد الأمر بتنزيه اللَّه تعالى «٢». والمراد بالأعلى: أن اللَّه هو العالي والأعلى والأجل والأعظم من كل ما يصفه به الواصفون، كما يوصف بالكبير والأكبر.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عقبة بن عامر الجهني: «لما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: اجعلوها في سجودكم».
ثم وصف ذلك الاسم الأعلى بصفات تكون دليلا على وجود الرب وقدرته لمن أراد معرفته، فقال:
١- الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى أي الذي خلق الكائنات جميعها، ومنها الإنسان، وسوّى كل مخلوق في أحسن الهيئات، فعدل قامته، وناسب بين أجزائه، وجعلها متناسقة محكمة غير متفاوتة ولا مضطربة، للدلالة على إتقانها من إله حكيم مدبر عالم.
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ١٤
(٢) البحر المحيط: ٨/ ٤٥٨
189
٢- وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى والذي قدر لكل مخلوق ما يصلح له، فهداه إليه، وعرّفه وجه الانتفاع به، أو قدّر أجناس الأشياء، وأنواعها، وصفاتها، وأفعالها، وأقوالها، وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له، ويسره لما خلقه له، وألهمه أمور دينه ودنياه، وقدّر أرزاق الخلق وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسان، ولمراعيهم إن كانوا وحشا، وخلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منه «١».
ونظير الآية كقوله تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لفرعون: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه ٢٠/ ٥٠] أي قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه، كما
ثبت في صحيح مسلم عن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن اللَّه قدر مقادير الخلق، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء».
والخلاصة: أن التقدير: عبارة عن التصرف في الأجزاء الجسمية، وتركيبها على وجه خاص لأجله يستعد لقبول تلك القوى.
والهداية: عبارة عن خلق تلك القوى في تلك الأعضاء، بحيث تكون كل قوة مصدرا لفعل معين، ويحصل من مجموعها إتمام المصلحة.
٣- وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى أي والذي أنبت العشب وما ترعاه الدواب من النبات الأخضر، وأنبت جميع أصناف النبات والزروع ليأكلها الإنسان.
ثم جعل ذلك المرعى بعد أن كان أخضر، غثاء أحوى، أي باليا هشيما جافا، أسود بعد اخضراره لأن الكلأ إذا يبس اسودّ.
(١) فتح القدير للشوكاني.
190
وبما أن التسبيح الذي أمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والذي يليق به هو الذي يرتضيه لنفسه، حرص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على معرفته وحفظه بقراءة ما أنزله اللَّه تعالى عليه من القرآن، فوعده ربه وبشره بأنه سيقرئه من القرآن ما فيه تنزيهه وأنه لا ينسى، فقال:
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي سنجعلك يا محمد قارئا، بأن نلهمك القراءة، فلا تنسى ما تقرؤه، وقد كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن، لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأولها، مخافة أن ينساها، فنزلت هذه الآية، فألهمه اللَّه وعصمه من نسيان القرآن.
ونظير الآية قوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه ٢٠/ ١١٤] وقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
[القيامة ٧٥/ ١٦- ١٧].
ثم قال: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي إنك ستحفظ القرآن المنزل إليك، ولا تنساه، إلا ما شاء اللَّه أن تنساه، فإن أراد أن ينسيك شيئا، فعل. وقيل:
المراد بالاستثناء ما يقع من النسخ، أي لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء اللَّه رفعه أو نسخه، مما نسخ تلاوته، فلا عليك أن تتركه.
والمعنى الأول أصح قال قتادة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينسى شيئا إلا ما شاء اللَّه. قال أبو حيان: الظاهر أنه استثناء مقصود، وكذلك قال الألوسي:
والظاهر أن النسيان على حقيقته.
ثم أكد اللَّه تعالى الوعد بالإقراء وعدم النسيان إلا ما شاء اللَّه أن ينسيه لمصلحة، فقال:
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى أي يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء. ومن الجهر: كل ما يفعله الإنسان
191
أو يقوله علانية، وَما يَخْفى: كل ما يسرّه بينه وبين نفسه، مما لا يعلمه إلا اللَّه تعالى، فالذي وعدك بأنه سيقرؤك ويحفّظك عالم بالجهر والسرّ.
وهذا على الرأي بأن قوله: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ يعني النسخ: يعد تعليلا للنسخ، وإذا كان كذلك، كان وضع الحكم ورفعه واقعا بحسب مصالح المكلفين.
ونظير الآية كثير، مثل قوله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ [الأنبياء ٢١/ ١١٠].
ثم بشره ببشارة أخرى وهو تيسيره، أي توفيقه للأيسر في أحكام الدين والشريعة، فقال:
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى أي نسهل عليك أفعال الخير وأقواله، ونشرع لك شرعا سهلا سمحا، ونوفقك للطريقة اليسرى والشريعة السمحة في الدين والدنيا، فلا نشرع لك إلا الأيسر، ولا تختار لأمتك إلا الأسهل الذي لا يصعب على النفوس تحمله والقيام به.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- ينبغي للإنسان تعظيم اللَّه وتمجيده وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من صفات النقص في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه.
ويستحب للقارئ إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أن يقول: «سبحان ربي الأعلى» قاله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
وجماعة من الصحابة والتابعين.
وروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب هذه السورة
، وأكثر السلف كانوا يواظبون على قراءتها في التهجد، ويتعرفون بركتها.
والمقصود بالآية تنزيه اللَّه وتسبيحه بذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه، حتى
192
ولو سلمنا أن كلمة اسْمَ ليست صلة زائدة، فإن تسبيح اسمه، أي تنزيهه عما لا يليق، معناه بذاته تعالى وصفاته، أو بأفعاله، أو بأحكامه، فإن العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة لم تنشأ إلا من هذه الفكرة، وهي: هل الاسم نفس المسمى أم لا؟
٢- وصف اللَّه تعالى نفسه بصفات كمال ثلاث: هي أنه الذي خلق جميع الخلائق، وجعلها متناسبة الأجزاء، متناسقة التركيب، وجعل الإنسان في أحسن تقويم.
وقدر لكل مخلوق ما يصلح له، فهداه إليه وأرشده لسلوكه، وعرّفه وجه الانتفاع به.
وأنبت العشب وأخرج النبات والزرع، ثم صيّره باليا هشيما جافا أسود.
وهذه الأوصاف تدل على كمال القدرة الإلهية وتمام الحكمة والعلم.
٣- بشر اللَّه تعالى نبيه ببشارتين:
الأولى- أن يقرأ عليه جبريل الوحي بالقرآن، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه، إلا ما شاء اللَّه أن ينسى، ولكنه لم ينس شيئا منه بعد نزول هذه الآية.
والثانية- التوفيق لأعمال الخير، وتشريع الشريعة اليسرى، وهي الحنيفية السمحة السهلة.
٤- إن اللَّه تعالى يعلم تمام العلم كل ما يجهر به الإنسان وهو الإعلان من القول والعمل، وكل ما يخفيه، وهو السر، لذا شرع لعباده ما فيه الخير والمصلحة، ورفع عنهم كل ما فيه مشقة وعسر، وحماهم من كل ما فيه ضرر وشر ومفسدة.
193
التذكير وتزكية النفس والعمل للآخرة
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ٩ الى ١٩]
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨)
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
الإعراب:
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى جواب إِنْ دل عليه ما قبله وهو فَذَكِّرْ وقام مقامه وسد مسده.
البلاغة:
لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى بينهما طباق.
فَذَكِّرْ والذِّكْرى بينهما جناس اشتقاق.
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى بينهما مقابلة.
المفردات اللغوية:
فَذَكِّرْ التذكير: تنبيه الإنسان إلى شيء علمه ثم غفل عنه، والمراد هنا التذكير والوعظ بالقرآن. إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى معنى اشتراط النفع إما لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، فلم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا، فقيل له هذا بعد إلزام الحجة بتكرار التذكير، وإما أن يكون ظاهره شرطا ومعناه ذم المخاطبين واستبعاد تأثير الذكرى فيهم. وعلى كل فإن التذكير مطلوب وإن لم ينفع، فقد ينفع البعض، وقد أخبر تعالى أن المنتفع بالتذكير هو من يخشى اللَّه سبحانه.
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أي سيتعظ وينتفع بالذكرى من يخاف اللَّه تعالى، وهو إما مصدق باللَّه وبالبعث أو متردد في ذلك، كما قال تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق ٥٠/ ٤٥]. يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى
يتجنب الذكرى الكافر، فإنه أشقى من الفاسق. الَّذِي
194
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى
الذي يدخل ويذوق حر نار الآخرة، والنَّارَ الْكُبْرى أسفل دركات الجحيم والصغرى: نار الدنيا. ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أي لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة هنيئة تنفعه ويسعد.
قَدْ أَفْلَحَ فاز ونجا. تَزَكَّى تطهر من الكفر والمعصية بالإيمان والتقوى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بقلبه ولسانه، أو كبر تكبيرة الإحرام. فَصَلَّى صلاته المفروضة. تُؤْثِرُونَ تفضلون الدنيا على الآخرة. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى الآخرة المشتملة على الجنة خير من الدنيا وأدوم لا ينقطع نعيمها. إِنَّ هذا فلاح من تزكى وكون الآخرة خيرا وأبقى. لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى المنزلة قبل القرآن. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وهي عشر صحف. وَمُوسى وهي أيضا عشر صحف غير التوراة.
المناسبة:
بعد التبشير بالبشارتين السابقتين: وهما حفظ القرآن وعدم نسيانه، والتيسير والتوفيق للشريعة السهلة السمحة، ولأعمال الخير، أمر اللَّه نبيه بتذكير الخلق بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ودعوتهم إلى الحق، وبيّن من ينتفع بالذكرى وهو من يخاف اللَّه، ومن يعرض عنها وهو من يعصي اللَّه، ويكون في قعر جهنم.
وبعد وعيد المعرضين عن العظة بالقرآن، ذكر اللَّه تعالى وعد من طهر نفسه من الكفر والشرك والرذائل، وندّد بمن يؤثر الدنيا على الآخرة، مع أن الخير في تفضيل الآخرة على الدنيا، وأخبر بأن أصول الدعوات الدينية واحدة، فما في القرآن من عظات هو ما في صحف إبراهيم وموسى.
التفسير والبيان:
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أي عظ يا محمد الناس بالقرآن، وأرشدهم إلى سبل الخير، واهدهم إلى شرائع الدين، وذكّر حيث تنفع الذكرى، والناس نوعان: فريق تنفعه الموعظة، وفريق لا تنفعه، وإنما الذي
195
ينتفع ويتعظ بما تبلّغه يا محمد من كان يخاف اللَّه تعالى بقلبه، ويعلم أنه ملاقيه.
وأما من أصر على الكفار والعناد، وتمادى في الجحود والإنكار، فلا فائدة في تذكيره.
قال ابن كثير: ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله «١»،
أخرج مسلّم عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما أنت بمحدّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».
وروى الديلمي في الفردوس عن علي، والبخاري موقوفا قوله: «حدّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذّب اللَّه ورسوله». وقال عيسى عليه السلام: «لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، وكن كالطبيب يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع».
وقوله: سَيَذَّكَّرُ.. إيماء إلى أن ما جاء به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم صار من الوضوح بحيث لا يحتاج إلا إلى التذكير فحسب. والخلاصة: أن التذكير مشروط بالانتفاع.
وهناك اتجاه آخر في تفسير الآية، وهو أن التذكير مطلوب، وإن لم ينفع، ولا يكون التعليق بالشرط في قوله: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى مرادا، وإنما هو لتصوير وبيان الواقع، مثل آيات كثيرة أخرى، منها قوله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور ٢٤/ ٣٣]. قال الرازي: إن الناس في أمر المعاد ثلاثة أقسام: القاطع بصحته، والمتردد فيه، والجاحد له، والفريقان الأولان ينتفعان بالتذكير والتخويف.
وكثير من المعاندين إنما يجحدون باللسان فقط، فتبين أن أكثر الخلق ينتفعون بالوعظ، والمعرض نادر، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٠٠
196
كثير، فلهذا وجب تعميم التذكير، وإن كان لا ينتفع بالتذكير إلا البعض الذين علم اللَّه انتفاعهم به، ونحن لا نعلمهم، فبعد أن أمر اللَّه نبيه بالتذكير، بيّن في قوله: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى الذي تنفعه الذكرى من هو «١».
ثم أوضح اللَّه تعالى من الناحية الواقعية عدم جدوى التذكير بالنسبة للمعاندين، فقال: وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى أي ويتجنب الذكرى ويبعد عنها الأشقى من الكفار، لعناده وإصراره على الكفر باللَّه، وانهماكه في معاصيه.
لذا فإنه يقاسي حر نار جهنم ويدخلها ويذوق وبالها، فهي النار العظيمة، ونار الدنيا هي النار الصغرى، أو أن النار الكبرى: دركات جهنم، كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء ٤/ ١٤٥].
والذي يصلى النار الكبرى يخلد في عذابها، فلا يموت فيها، فيستريح مما هو فيه من العذاب، ولا يحيا حياة طيبة هنيئة ينتفع أو يسعد بها، كما قال تعالى:
لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [فاطر ٣٥/ ٣٦].
وسبب تخصيص الكافر بالذكر: أن الفاسق لم يتجنب التذكير بالكلية، فيكون القرآن ساكتا عن الشقي الذي هو أهل الفسق.
وبعد وعيد الأشقياء الذين أعرضوا عن ذكرى القرآن، ذكر وعد السعداء الذين يعنون بتزكية نفوسهم وتطهيرهم من الشرك والتقليد في العبادة ودنس الرذائل، فقال تعالى:
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى أي قد فاز ونجا من العذاب من تطهّر من الشرك، فآمن باللَّه ووحّده وعمل بشرائعه، وتعهد نفسه بالتزكية
(١) التفسير الكبير للرازي: ٣١/ ١٤٤- ١٤٥، غرائب القرآن: ٣٠/ ٧٧
197
والتهذيب والتطهير من الرذائل والمفاسد والأخلاق الوضيعة، وتابع ما أنزل اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وذكر بلسانه اسم ربه بالتوحيد والإخلاص، وتذكر ربه العظيم في قلبه، فأقام الصلوات الخمس المفروضة في أوقاتها، ابتغاء رضوان اللَّه، وطاعة لأمر اللَّه، وامتثالا لشرع اللَّه، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ، وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال ٨/ ٢].
وروى أبو بكر البزار عن جابر بن عبد اللَّه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى.. قال: «من شهد أن لا إله إلا اللَّه، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول اللَّه».
وفي قوله: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى قال: «هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها».
ثم وبّخ المؤثرين الدنيا، المهملين أمر الآخرة، فقال:
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى أي لا تفعلون ما أمرتم به سابقا، بل تؤثرون اللذات الفانية في الدنيا، والآخرة ونعيمها أفضل وأدوم من الدنيا، وثواب اللَّه في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دار فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!!
أخرج الإمام أحمد عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له».
وأخرج أحمد أيضا عن أبي موسى الأشعري أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى».
ثم أبان اللَّه تعالى وحدة الشرائع في أصولها وآدابها العامة، فقال: إِنَّ هذا
198
لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى
أي إن كل ما ذكر من فلاح من تزكى، وما بعده من تذكر اسم اللَّه، وإيثار الناس للدنيا، ثابت في صحف إبراهيم العشر وكذا صحف موسى العشر غير التوراة، فقد تتابعت كتب اللَّه عز وجل أن الآخرة خير وأبقى من الدنيا.
والمراد أن ذلك مذكور بالمعنى لا باللفظ في صحف جميع الأنبياء التي منها صحف إبراهيم وموسى، فمعنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف، فهو في الأولى وفي آخر الشرائع، وتقدير الآية: إن هذا لفي الصحف الأولى التي منها صحف إبراهيم وموسى. وإنما خصت هذه الصحف بالذكر لشهرتها بين العرب. ونظير الآية قوله: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٩٦].
أخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر رضي اللَّه عنه: «أنه سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائلا: كم أنزل اللَّه من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب، منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسون صحيفة، وعلى إدريس ثلاثون صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان».
وجاء في صحف إبراهيم: «ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه، عارفا بزمانه، مقبلا على شأنه».
روى الآجرّي وغيره من حديث أبي ذرّ المتقدم قال: قلت: يا رسول اللَّه، فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «كانت أمثالا كلّها: أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردّها ولو كانت من فم كافر.
وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، يفكر فيها في صنع اللَّه عز وجل إليه، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
199
وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث: تزود لمعاد، ومرمّة لمعاش، ولذة في غير محرّم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن عدّ كلامه من عمله، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه.
قال: قلت: يا رسول اللَّه، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح! وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب. وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يطمئن إليها!! وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل!! قال: قلت: يا رسول اللَّه، فهل في أيدينا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى، مما أنزل اللَّه عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذر: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى، إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى
واللَّه تعالى أعلم بصحة هذا الحيث كما قال الألوسي.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- المطلوب تذكير الناس وموعظتهم، سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع، ولكنها في النهاية لا تنفع إلا المؤمنين الذين يخشون اللَّه ربهم، قال الحسن البصري: الذكرى تذكرة للمؤمن، وحجة على الكافر. وقال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع.
٢- يتجنب الذكرى عادة ويبعد عنها الشقي في علم اللَّه الكافر، الذي يصلى ويدخل النار الكبرى، أي العظمى، وهي السفلى من أطباق النار، أو أن نار جهنم هي الكبرى، والصغرى نار الدنيا.
200
وإذا دخلها الكافر خلّد فيها إلى الأبد، فلا يموت فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة تنفعه.
٣- قد نجا وفاز كل من تطهر من الشرك بالإيمان، وجنّب نفسه رذائل الأخلاق، وعمل بما يرضي ربه من الأعمال الصالحات، وذكر ربه بلسانه وقلبه فصلى الفرائض.
٤- احتج بعض العلماء بقوله تعالى: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء اللَّه عز وجل، والمسألة خلافية بين الفقهاء.
واحتجوا بها أيضا على وجوب تكبيرة الافتتاح، واحتج أبو حنيفة رحمه اللَّه بالآية على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة لأن الصلاة معطوفة عليها، والعطف يستدعي المغايرة. وأجيب بما روي عن ابن عباس: أن المراد ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه، فصلى له.
٥- يؤثر بعض الناس أو أغلبهم الدنيا، ويترك الاستعداد للآخرة، والآية: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى إشارة إلى الزجر عن الالتفات إلى الدنيا، والترغيب في الآخرة وفي ثواب اللَّه تعالى، وهذه أمور لا يجوز أن تختلف باختلاف الشرائع.
٦- الشرائع الإلهية متفقة في أصولها الاعتقادية والأخلاقية وتوجيه العبادة الخالصة للَّه عز وجل، وهذه نماذج من وحدة الشرائع: وجوب تزكية النفس وتطهيرها من الشرك والكفر ودنس الرذائل، ووجوب التذكر الدائم للَّه عز وجل وإقامة الصلوات المفروضة في أوقاتها، وضرورة الاستعداد للآخرة وإيثار ثوابها على ملذات الدنيا الفانية.
بل إن ما في السورة كله من التوحيد والنبوة والوعد والوعيد كان ثابتا في صحف الأنبياء الأقدمين لأنها قواعد كلية لا تتغير بتغير الأزمان.
201

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الغاشية
مكيّة، وهي ست وعشرون آية.
تسميتها:
سميت سورة الغاشية، لافتتاحها بقوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ والغاشية: من أسماء يوم القيامة، وهي الداهية التي تغشى الناس بأهوالها، والاستفهام للتهويل وتفخيم شأنها.
مناسبتها لما قبلها:
هذه السورة تفصيل وتبسيط لما جاء في سورة الأعلى من أوصاف المؤمن والكافر والجنة والنار إجمالا، فلما قال تعالى في الأعلى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى إلى قوله: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى [الآيات: ١٠- ١٧] فصل ذلك في هذه السورة بقوله: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى ناراً حامِيَةً.. [الآيات: ٢- ٧] ثم ذكر صفات وأحوال المؤمنين في الآيات: [٨- ١٦]. ولما قال تعالى في الأعلى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى أبان صفة الجنة في الآيات السابقة أكثر من صفة النار، تحقيقا لمعنى الخيرية.
ما اشتملت عليه السورة:
تتحدث هذه السورة المكية عن أصول الاعتقاد في موضوعات ثلاثة وهي:
أ- وصف أهوال القيامة، وما يلقاه الكافر والمؤمن فيها من الشقاء والسعادة، وو صف أهل الجنة وأهل النار.
202
Icon