تفسير سورة الأعلى

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآيتها تسع عشرة
بسم الله الرحمان الرحيم
وتسمى سورة سبح

﴿ سبح... ﴾ نزه أسماءه تعالى عم كل مالا يليق بها ؛ فلا تلحد فيها بالتأويلات الزائغة، ولا تطلقها على غيره بوجه يشعره بتشاركهما فيها، ولا تسم لها غيره تعالى إذا كانت مختصة به ؛ كلفظ الجلالة، والرحمان، ولا تذكرها في موضع لا يليق بها، أو على وجه ينافي التعظيم والإجلال. أو نزه ربك عما لا يليق به سبحانه في ذاته وصفاته، وأفعاله وأحكامه وأسمائه، وعما يصفه به الملحدون. أو قل : سبحان ربي الأعلى.
﴿ خلق فسوى ﴾ خلق الأشياء كلها، فجعلها سواء الإحكام والإتقان حسبما اقتضته حكمته ؛ قال تعالى : " ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت " ١.
١ آية ٣ الملك..
﴿ قدر فهدى ﴾ جعل الأشياء على مقادير مخصوصة في أجناسها وأنواعها وأفرادها، وصفاتها وأفعالها، وآجالها. فوجّه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه، وينبغي له طبعا واختيارا. ويسره لما خلق له بخلق الميول والإلهامات، ونصب الدلائل وإنزال الآيات.
﴿ أخرج المرعى ﴾ أنبت ما ترعاه الدواب أخضر غضا رطبا.
﴿ فجعله ﴾ بعد ذلك﴿ غثاء ﴾ يابسا جافا. وأصله : الهالك البالي من ورق الشجر ؛ ومنه غثاء السيل [ آية ٤١ المؤمنون ص ٦٦ ]. ﴿ أحوى ﴾ أسود من القدم والعتق ؛ من الحوة، وهي سواد إلى الخضرة. أو حمرة تضرب إلى السواد. وصف به الغثاء ؛ لأن الغثاء إذا قدم وأصابته المياه اسود وتعفن فصار أحوى.
﴿ سنقرئك... ﴾ بيان لهدايته صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي، وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين، وتوفيقه لهداية الناس أجمعين. أي سنقرئك القرآن على لسان جبريل، فتحفظه ولا تنساه في وقت من الأوقات، إلا وقت مشيئة الله أن تنساه كله ؛ لكنه سبحانه لا يشاء ذلك، بدلالة قوله : " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " ١. وقوله : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ٢. والمقصود من هذا الاستثناء : بيان أنه تعالى لو أراد أن يصيّره ناسيا للقرآن لقدر عليه ؛ كما قال تعالى : " ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك " ٣إذ هو على كل شيء قدير، ولكن لم يشأ ذلك فضلا منه وإحسانا. أو المعنى : لا تنسى مما سنقرئك إياه شيئا، إلا ما شاء الله أن تنساه ؛ فيذهب به عن حفظك برفع حكمه وتلاوته.
١ آية ١٧ القيامة..
٢ آية ٩ الحجر..
٣ آية ٨٦ الإسراء..
﴿ ونيسرك لليسرى ﴾ نوفقك توفيقا مستمرا للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين : علما وعملا، واهتداء وهداية. ومن ذلك تيسير تلقى الوحي، والإحاطة بما فيه مما يتعلق بتكميل نفسه وتكميل غيره. وقيل : اليسرى هي الأمور الحسنة هي الدين والدنيا والآخرة.
﴿ فذكر... ﴾ فذكر الناس – حسبما يسرناك له – بم يوحى إليك، واهدهم إلى ما فيه خيرهم، وحذرهم من متابعة أهوائهم. وخص بالتذكير – بعد أن ذكرت الناس عامة وبالغت في ذلك – من يرجى منه التذكر، ولا تتعب نفسك في تذكير من لا يورثه التذكير إلا عتوا ونفورا. وهو كقوله تعالى " فذكر بالقرآن من يخاف وعيده " ١ وقوله سبحانه : " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا " ٢ أي بعد أن ذكرت وبلغت، كرر التذكير لمن يخاف الوعيد، ولا تكرره لمن أعرض عن ذكرنا.
١ آية ٤٥ ق..
٢ آية ٢٩ النجم..
﴿ سيذكر... ﴾ سينتفع بتذكيرك من في قلبه خشية من الله تعالى، وخوف من عذابه، وهم المؤمنون.
﴿ ويتجنبها... ﴾ ويتحامى الذكرى ولا ينتفع بها الكافر المصر على العناد وإنكار المعاد، الذي خلا قلبه من خشية الله ؛ فكان أشقى الناس !
﴿ الذي يصلى النار الكبرى ﴾ وهي الطبقة السفلى من أطباق جهنم.
﴿ ثم لا يموت فيها ﴾ فيستريح بالموت. ﴿ ولا يحيى ﴾ فيها حيا طيبة يتلذذ بها.
﴿ قد أفلح ﴾ قد ظفر بالمقصود، ونجا من المكروه من تطهر من الشرك والمعاصي، واتعظ بالذكرى وانتفع بالموعظة.
﴿ وذكر اسم ربه ﴾ أي ذكر ربه بقلبه ولسانه. أو كبر لافتتاح الصلاة. ﴿ فصلى ﴾ الصلوات الخمس. أو هي وما تيسر من النوافل.
﴿ بل يؤثرون ﴾ أي بل تؤثرون أيها الكفار﴿ الحياة الدنيا ﴾ وترضون بها، وتعرضون عن الآخرة إعراضا كليا. والالتفات فيه لتشديد التوبيخ وقيل : الخطاب للناس عامة. وإيثارهم الدنيا : ترجيحها على الآخرة في السعي وترتيب المبادئ والالتفات فيه لتشديد التوبيخ في حق الكفار، وتشديد العتاب في حق المؤمنين.
﴿ والآخرة خير... ﴾ لأن لذائذ الدنيا مشوبة بالآلام. والآخرة ليست كذلك. والدنيا فانية، والآخرة باقية.
﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى ﴾ أي إن المذكور من قوله تعالى : " قد أفلح من تزكى " إلى قول : " وأبقى " لثابت بمعناه في الصحف الأولى.
والله أعلم
Icon