ﰡ
وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه مسلم أيضا.
الاستعاذة من شرّ الشياطين
[سورة الناس (١١٤) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
الإعراب:
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ إما بدل من شَرِّ الْوَسْواسِ وتقديره: أعوذ بربّ الناس من شرّ الجنّة والناس، وإما متعلق بمحذوف تقديره: الكائن من الجنة والناس، الذي يوسوس في صدور الناس. وفي يُوَسْوِسُ ضمير الجنّة، وذكّره لأنه بمعنى الجنّ، وكنى عنه مع التأخير لأنه في تقدير التقديم، كقوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى [طه ٢٠/ ٦٧] فتقدم الضمير لأن موسى في تقدير التقديم، والضمير في تقدير التأخير.
البلاغة:
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وما بعدها: الإضافة للتشريف والتكريم والاستعانة، فقد أضيف الرّب إلى الناس لأن الاستعاذة من شرّ الموسوس في صدورهم، استعاذوا بربّهم مالكهم وإلههم، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر. قال أبو حيان: والظاهر أن مَلِكِ النَّاسِ، إِلهِ النَّاسِ صفتان. وقال الزمخشري: عطف بيان للرّب، فإن الرّب قد لا يكون ملكا، والملك قد لا يكون إليها.
بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلهِ النَّاسِ إطناب بتكرار الاسم، زيادة في التكريم والعون، ومزيد البيان، والإشعار بشرف الإنسان.
يُوَسْوِسُ والْوَسْواسِ بينهما جناس اشتقاق.
ويلاحظ أن الفواصل منتهية بالسين الذي فيه جرس خافت ومهيب وله وقع في النفوس.
المفردات اللغوية:
أَعُوذُ ألتجئ وأحتمي. بِرَبِّ النَّاسِ مربّيهم ومعتني بشؤونهم، قال البيضاوي: لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضارّ البدنية، وهي تعمّ الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من المضارّ التي تعرض للنفوس البشرية، وتخصها، عمم الإضافة ثمة، وخصصها بالناس هاهنا، فكأنه قيل: أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربّهم الذي يملك أمورهم، ويستحق عبادتهم.
مَلِكِ النَّاسِ، إِلهِ النَّاسِ صفتان تدلان على أنه تعالى حقيق بالإعاذة، قادر عليها، غير ممنوع عنها. الْوَسْواسِ الموسوس الذي يلقي في النفوس خواطر الشرّ والسوء. ويصح أن يراد به المصدر أي الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. الْخَنَّاسِ صيغة مبالغة، أي من عادته أن يخنس، أي يتأخر بذكر اللَّه، والخنوس: الرجوع والتأخر. مِنَ الْجِنَّةِ بيان للوسواس، جمع جني كإنسي وإنس، والجن: خلق مستتر لا يعلم به أحد إلا اللَّه تعالى.
التفسير والبيان:
قُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلهِ النَّاسِ أي قل أيها الرسول: ألجأ وأستعين باللَّه مربي الناس ومتعهدهم بعنايته ورعايته، وخالقهم ومدبر أمرهم ومصلح أحوالهم، وله الملك التام والسلطان القاهر، وهو الإله المعبود الذي يعبده الناس، واسم الإله خاص باللَّه لا يشاركه فيه أحد، أما الملك فقد يكون إلها وقد لا يكون.
وهذه صفات ثلاث للَّه عزّ وجلّ: الربوبية، والملك، والألوهية، فهو ربّ كل شيء، ومليكه، وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة، عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية، ثم ذكر الملكية لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه، ثم ذكر الألوهية لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ أي ألجأ إلى اللَّه وأحتمي من شرّ الشيطان ذي الوسوسة، الكثير الخنوس أي الاختفاء والتأخر، بذكر اللَّه، فإذا ذكر الإنسان اللَّه تعالى خنس الشيطان وانقبض، وإذا لم يذكر اللَّه انبسط على القلب. قال ابن عباس في هذه الآية: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر اللَّه خنس.
وقد سلط اللَّه الشيطان على الناس إلا من عصمه اللَّه، للمجاهدة والفتنة والاختبار،
ثبت في الصحيح أنه «ما منكم من أحد إلا وكّل به قرينه، قالوا:
وأنت يا رسول اللَّه؟ قال: نعم إلا أن اللَّه أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير».
وثبت في الصحيحين عن أنس في قصة زيارة صفية للنّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو معتكف، وخروجه معها ليلا، ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسرعا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «على رسلكما، إنها صفية بنت حييّ، فقالا: سبحان اللَّه، يا رسول اللَّه، فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا- أو قال: شرّا».
وروى الحافظ أبو يعلي الموصلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر اللَّه خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخنّاس».
وروي الإمام أحمد عن أبي تميمة يحدث عن رديف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «عثر بالنّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حماره، فقلت: تعس الشيطان، فقال النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا
وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر اللَّه تصاغر الشيطان وغلب، وإن لم يذكر اللَّه تعاظم وغلب.
ثم أبان موضع وسوسته، فقال:
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ أي الذي يلقي خواطر السوء والشرّ في القلوب، وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي على القلوب، والخواطر محلها القلب، كما هو المعهود في كلام العرب.
ثم بيّن اللَّه تعالى أن الذي يوسوس نوعان: جني وإنسي، فقال:
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي أن ذلك الموسوس إما شيطان الجن، فيوسوس في صدور الناس، كما تقدم، وإما شيطان الإنس، ووسوسته في صدور الناس:
أنه يري نفسه كالناصح المشفق، فيوقع في الصدر كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة، فيجعله فريسة وسوسة الشيطان الجني. وهذا يدل على أن الوسواس قد يكون من الجن وقد يكون من الناس، كما جاء في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام ٦/ ١١٢] أي ليست العداوة قهرية جبرية، وإنما بما أودع اللَّه فيهم من قدرة الاختيار، فمنهم من يختار الإصغاء لوسوسة الشياطين، ومنهم من يحذر عداوتهم ووسوستهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
علّمنا اللَّه تعالى في هذه السورة رحمة بنا كيفية الاستعاذة من شياطين الإنس والجن، وعرفنا أنه بصفاته الثلاث: الربوبية، والملك، والألوهية، يحمي
وإنما ذكر أنه بِرَبِّ النَّاسِ وإن كان ربّا لجميع الخلق، لأمرين:
أحدهما- لأن الناس معظّمون، فأعلم بذكرهم أنه ربّ لهم، وإن عظموا.
الثاني- لأنه أمر بالاستعاذة من شرّ الناس فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم «١». ثم ذكر صفتي الملك والألوهية ليبين للناس أنه ملكهم الحقيقي، وإن كان لهم ملوك، وأنه إلههم ومعبودهم، لا معبود لهم سواه، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به، ويلجأ إليه، دون الملوك والعظماء.
أوضحت السورة أن الموسوس إما شيطان الجن، وإما شيطان الإنس. قال الحسن: هما شيطانان أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية. وقال قتادة: إن من الجنّ شياطين، وإن من الإنس شياطين، فتعوّذ باللَّه من شياطين الإنس والجن.
ويلاحظ أن المستعاذ به في سورة (الفلق) مذكور بصفة واحدة وهي أنه «ربّ الفلق»، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي «الغاسق» والنَّفَّاثاتِ و «الحاسد». وأما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث: وهي الرّب والملك والإله، والمستعاذ منه آفة واحدة، وهي الوسوسة، وسبب التفرقة: أن المطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن، والمطلوب في هذه السورة سلامة الدين، ومضرة الدين، وإن قلّب، أعظم من مضارّ الدنيا وإن عظمت «٢».
(٢) تفسير الرازي: ٣٢/ ١٩٩
وكان أول مؤلف لي في بلدتي «دير عطية» من نواحي دمشق الفيحاء، التي ولدت فيها سنة ١٩٣٢ م، وهو آثار الحرب في عام ١٩٦٢ م، ثم تابعت التأليف والبحث وكتبت أغلب مؤلفاتي وبحوثي التي أربت على الثلاثين في رياض دمشق والعين، فاللهم لك الحمد والشكر، اجعل كل حرف من كتابك وتفسيره وجميع ما صنفت خالصا لوجهك الكريم، وحقق به النفع والخير، وأعتق به من نارك في الآخرة كل جزء من جسمي وروحي، وشعري وبشري، وعظمي ولحمي، وسمعي وبصري، ومخي ودمي، وأدخلني الجنة بستر وسلام.
سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا لطيفا فوق كل لطيف الطف بي في أموري كلها كما أحب، ورضني في دنياي وآخرتي، واغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات.
من أحكام الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، أي بالبداهة أن إنزال القرآن المجيد على نبي هذه الأمة الإسلامية قصد به العمل بكل ما جاء فيه من الأحكام والشرائع والعقائد والآداب والأخلاق والمواعظ، وأنه لا يكفي المسلّم أو المسلمة مجرد قراءته أو تلاوته للتعبد والبركة، وإنما للاستفادة بما جاء فيه، فهو دستور الأمة، ونظام حياة الفرد والجماعة، والرعية والدولة.
والسائد في الوسط العلمي أنه لا يستغنى بتفسير قديم عن تفسير آخر، لاختلاف مناهج المفسرين، وامتياز كل تفسير بميزة لا تتوافر في الآخر، فهذا في العقيدة، وهذا في الأحكام، وذاك في الآثار والروايات الكثيرة، وآخر في التأويل بالمعقول أو في العلوم الكونية، والكل يكمل بعضه بعضا، أما في العصر الحديث فيصعب على كل مسلّم أو بيت اقتناء جميع التفاسير المطولة والمتوسطة والمختصرة، فضلا عن عسر فهمها أحيانا، وإطالتها، واستطرادها في كثير من الأحوال لأمور بعيدة أو قريبة عن التفسير، وينقصها جميعها التفسير الشامل الموضوعي للآيات، لفهمها جملة واحدة، بسبب عنايتها بالجزئيات والفرعيات، دون وجود تصور متكامل أو عام فيها للآية أو لطائفة من الآيات، وصعوبة إدراك مشتملات السورة وارتباط أجزائها ببعضها، أو التعرف على موضوعها المقصود.
وكذلك يكثر السؤال في وقتنا عادة عن أحسن تفسير يعتمد عليه لمتوسط الثقافة، فلا يكاد المرء يجد جوابا شافيا لأن القديم وعر المسالك، والجديد فيه
لذا وجب وضع تفسير شامل معتدل غير متطرف، يجمع بين مزايا التفاسير المختلفة وييسر على القارئ والتالي فهم الآيات الكريمة بدقة ووعي، ويحيط بكل ما هو ضروري يحقق مقاصد القرآن العظيم في العقيدة والعبادة والتشريع والآداب والأخلاق والسلوك القديم في الحياة، ويفسر القرآن بالقرآن وبالسّنة الصحيحة والسيرة الثابتة، وهذا ما أوردته في هذا الكتاب، كما أردت بيان ما يستنبط من الآيات من أحكام شرعية مختلفة.
وذلك بعد أن ألحّ علي بعض إخواني لتحقيق هذه الغاية، فتوقفت أولا، ثم شرح اللَّه صدري للعمل الذي يحتاج لجهود مكثفة ووقت طويل الأمد، فوضعت هذا التفسير الشامل لطريقتي أهل المأثور والمعقول، والجامع لأحكام القرآن الذي أنار الطريق أمام كل تال للقرآن، بعبارة سهلة واضحة، وأسلوب سلس بيّن، ومنهج منظم متدرج من المفردات إلى الكليات، وكان بحمد اللَّه تعالى جامعا بين طريقة الوجيز والوسيط والمبسوط، فبيان المفردات اللغوية والإعراب والبلاغة يحقق الإيجاز لمن يكتفي به والتعرف على أسباب النزول والمناسبة بين الآيات والسور وقصص القرآن والبيان لكل طائفة من الآيات، يلبي مطلب التوسط في المعرفة والعلم والانتقال إلى بيان فقه الحياة بمعنى «الفقه الأكبر» الشامل للعقيدة والأخلاق والأعمال والأحكام العملية المستنبطة من الآيات، يتجاوب مع رغبة من أراد التوسط والإطالة والاستيعاب.
ومن أجل السير في هذه المراتب الثلاثة المتدرجة، قد يوجد تكرار بينها بقصد تلبية الحاجة، وتيسير المطلب دون حاجة للرجوع إلى ما سبق.
أما المصادر: فقد نبهّت عليها في المقدمة، وأكرر القول بأنني اعتمدت على
كما اعتمدت على تفسير الإمام القرطبي، وأحكام القرآن لابن العربي، وأحكام القرآن للجصاص الرازي في معرفة الأحكام الفقهية، ورجعت في ذلك وغيره أيضا إلى تفسير الحافظ ابن كثير وفتح القدير للشوكاني والتسهيل لعلوم التنزيل لابن جزيّ، لبيان معاني الآيات وتأييدها بالأحاديث والأخبار الصحاح، كما استقيت بعض المعلومات من تفسيري الخازن والبغوي.
واستأنست أحيانا بعبارات بعض المفسرين الجدد الجميلة والمفيدة، كتفسير المنار للشيخ رشيد رضا، ومحاسن التأويل للقاسمي، وتفسير المراغي، وفي ظلال القرآن، رحم اللَّه الجميع وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
وقد تجنّبت الأخذ في أسباب النزول وغيرها بالأحاديث والروايات الضعيفة والإسرائيليات الدخيلة التي لا تتفق مع عصمة الأنبياء، وضمان سلامة الوحي.
وأما الإعراب فمرجعي الأصلي كتاب (البيان في إعراب القرآن) لأبي البركات بن الأنباري، وأما البلاغة فمرجعي في الغالب كتاب (صفوة التفاسير) للشيخ محمد علي الصابوني، وأما قصص الأنبياء فكنت أرجع مع الحذر
وأستطيع أن أقول عن خبرة وتجربة وبعد أن عانيت التأليف في رحاب الجامعات مدة ربع قرن فأكثر في الفقه الإسلامي وأصوله وفي الحديث النبوي، وتفسير كتاب اللَّه وغير ذلك: إنه لا تصح العقيدة، ولا تشرق في النفس معانيها إلا بالقرآن، ولا يستقيم سلوك مسلّم إلا بفهم كتاب اللَّه، ولا تلين النفس بعد القرآن إلا بالحديث النبوي وروحانيته الفياضة، ولا يصح عمل المسلّم إلا بالأحكام الشرعية المقررة في الفقه، ولا يعصم العقل والفهم عن الخطأ، ولا تنضبط أحكام الشريعة إلا بأصول الفقه.
ولا أجد الآن خيرا من إهداء شيء للمسلمين في كل مكان، حكاما ومحكومين، غير هذا
الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه الترمذي والدّارمي عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي اللَّه عنه مرفوعا: «كتاب اللَّه تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه اللَّه، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه اللَّه، هو حبل اللَّه المتين، ونوره المبين، والذّكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرّد، ولا تنقضي عجائبه، ولا تفنى غرائبه، هو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته أن قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه، هدي إلى صراط مستقيم».
وكلمتي الأخيرة: إنني في نفسي بالذات كلما فسّرت آية أو سورة من كتاب اللَّه، ازددت إيمانا بصحة تنزيل هذا الكتاب المجيد على محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
الأستاذ الدكتور/ وهبة مصطفى الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق