ﰡ
المدخل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، وأنزل عليه: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
أحمده سبحانه أن خصّنا بالقرآن العظيم والنّور المبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، علّم القرآن، وجعله معجزة خاتم أنبيائه باقية ما بقي الزمان.
وأشهد أنّ سيّدنا محمدا عبد الله ورسوله، المؤيد بهذا القرآن صلّى الله عليه وسلّم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما دائما إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن العلماء قد عنوا بالقرآن عناية بالغة من جميع جوانبه، فمنهم من عني بحل ألفاظه وبيان معانيه وأحكامه، ومنهم من عني بمعرفة ناسخه ومنسوخه، وخاصه وعامه، ومنهم من كتب في أسباب نزوله، ومنهم من عني بذكر بلاغته وإعجازه... وكتبوا في ذلك الكثير مما يعجز القلم عن حصره.
ولما كانت علوم القرآن أشرف العلوم وأفضلها، ودراسته والعكوف على أسراره ومعانيه تعطي المسلم ذخيرة تنفعه في عاجله وآجله، فإنني وجهت اهتمامي إلى دراسة وتحقيق كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» للشّيخ العلامة بيان الحق محمود بن أبي الحسن النيسابوري رحمه الله تعالى.
وذكر «١» - رحمه الله- أن كتابه هذا على رغم صغر حجمه قد اشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة: من تفسير وتأويل، ودليل ونظائر وإعراب وأسباب نزول، وأحكام فقه، ونوادر لغات، وغرائب أحاديث.
وقال: فمن أراد الحفظ والتحصيل، وكان راجعا إلى أدب وتمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
وقد التزم المؤلف- رحمه الله- بالمنهج الذي ذكره في مقدمته، وأورد الفوائد التي أشار إليها.
ولا شك أن دراسة مثل هذا الكتاب تعطي الباحث حصيلة علمية جيدة في العلوم التي يعتمد عليها التفسير، ويحتاج إليها المفسر، مثل علم اللغة والقراءات، والإعراب... وغيرها.
وقد جاء كتاب إيجاز البيان للنيسابوري بعد عشرات الكتب التي صنّفت في معاني القرآن «٢».
وقد كانت كتب المعاني القديمة تخلط بين المعنى والإعراب لكن الغالب عليها ذكر الإعراب ووجوه القراءات واللغة.
ولعل من أقدم وأشهر هذه الكتب: معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن
(٢) ينظر الفهرست لابن النديم: ٣٧، وكشف الظنون: (٢/ ١٧٣٠)، ومعجم مصنفات القرآن الكريم: (٤/ ٢٠٩- ٢٢٠).
وفي أوائل الذين صنفوا في المعاني يقول الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:
١٢/ ٤٠٥ بعد أن ذكر كتاب أبي عبيد في معاني القرآن: «وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش.
وصنف من الكوفيين الكسائي، ثم الفراء، فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها... ».
وقد عني الفرّاء في معاني القرآن عناية ظاهرة بإعراب الآيات، وتوجيه القراءات، وذكر الشواهد الشّعرية... وغير ذلك».
وصنّف في معاني القرآن- أيضا- سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف ب «الأخفش الأوسط» المتوفى ٢١٥ هـ «٣»، صنف «معاني القرآن» استجابة لطلب الكسائي.
ويغلب على كتاب الأخفش الجانب النّحوي، ويعتبر مصنّفه كتابا في إعراب القرآن، كما يعنى فيه بشرح الألفاظ الغربية، وذكر الشواهد الشعرية «٤».
كما صنف في معاني القرآن أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج المتوفى سنة ٣١١ هـ.
ويهتم الزجاج في هذا الكتاب «٥» - بجانب إعراب الآيات وتوجيه القراءات- بذكر أسباب النزول، والاستشهاد بالأحاديث والآثار.
ثم جاء أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس المتوفى سنة ٣٣٨ هـ- وهو تلميذ أبي إسحاق الزجاج- فصنف كتابا في معاني
٢/ ٣٣٣.
(٢) طبع كتابه بالهيئة المصرية العامة للكتاب في ثلاثة أجزاء، وقد اشترك في تحقيقه الأساتذة: أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، وعبد الفتاح شلبي. (٣) وقيل: إن وفاته كانت سنة ٢٠٧ هـ، أو ٢١٠ هـ، أو ٢٢١ هـ، أو ٢٢٥ هـ.
ينظر مقدمة الدكتور عبد الأمير لمعاني الأخفش: ١/ ١١.
(٤) طبع معاني القرآن للأخفش بتحقيق الدكتور عبد الأمير محمد أمين الورد، ونشرته دار عالم الكتب في بيروت عام ١٤٠٥ هـ.
وحققه- أيضا- الدكتور فائز فارس، ونشرت هذه الطبعة في الكويت عام ١٤٠٠ هـ، وطبع بتحقيق الدكتورة هدى محمود قراعة، ونشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة عام ١٤١١ هـ.
(٥) طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور عبد الجليل عبده شلبي، ويقع في خمسة أجزاء.
أما كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» لبيان الحق النيسابوري- وهو موضوع هذه الدراسة- فسيأتي الحديث عنه مفصلا في مبحث مستقل.
هذا وقد اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه إلى قسمين رئيسين:
قسم الدراسة، وقسم التحقيق.
أما قسم الدراسة فيتكون من مقدمة وفصلين:
المقدمة: وفيها ذكر الباعث على اختيار هذا الكتاب وخطة البحث فيه.
الفصل الأول: يشتمل على دراسة عصر المؤلف وحياته الشخصية، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: عصر النيسابوري.
المبحث الثاني: حياة المؤلف، وفيه المطالب الآتية:
المطلب الأول: اسمه، نسبه، أصله، كنيته، لقبه.
المطلب الثاني: موطنه، مولده، وأسرته.
المطلب الثالث: نشأته العلمية.
المطلب الرابع: آثاره العلمية.
المطلب الخامس: وفاته.
الفصل الثاني: في التعريف بكتاب إيجاز البيان ودراسته، وفيه مبحثان:
والنسخة الخطية التي اعتمدت في هذه الطبعة مخرومة وناقصة، حيث سقط جزء منها من سورة البقرة، وسقطت- أيضا- سورتا طه، والأنبياء، وتنتهي هذه الطبعة بنهاية سورة الفتح.
المطلب الأول: الباعث على تأليفه.
المطلب الثاني: منهج المؤلف في هذا الكتاب.
المطلب الثالث: مصادره.
المطلب الرابع: قيمة الكتاب العلمية.
المطلب الخامس: فيما يؤخذ عليه.
المبحث الثاني: عملي في التحقيق، ويشتمل على المطالب التالية:
المطلب الأول: عنوان الكتاب والتحقيق فيه.
المطلب الثاني: توثيق نسبته إلى المؤلف.
المطلب الثالث: وصف النسخ الخطية.
المطلب الرابع: منهج التحقيق.
أما القسم الثاني: فتضمّن النّصّ المحقّق تتبعه الفهارس العامة.
وفي هذا المقام أجد لزاما عليّ أن أجدد شكري وأكرره إلى كل من كان له إسهام في هذا العمل العلمي، لوالديّ الكريمين، ولأهل بيتي الذين وفّروا لي الاستقرار الذهني والنفسي حتى انتهيت إلى هذه المرحلة، ولأساتذتي الأفاضل، وزملائي الكرام، الذين كان لهم عظيم الأثر في التوجيه والإرشاد والإفادة وفي مقدمة هؤلاء أستاذي المفضال الدكتور/ أحمد بن الشّيخ محمد نور سيف المهيري، الذي لم يبخل عليّ بوقته وعلمه، بل أشرف وتابع خطوات هذا العمل، منذ كان فكرة، وحتى صارعملا علميا من ثمار جهده وتوجيهاته السديدة.
كما يسعدني أن أتقدم بالشكر والتقدير إلى: الشريف الدكتور/ منصور بن عون العبدلي، وسمو الأمير الأخ الدكتور/ محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود، والأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن إسماعيل، والأخ الدكتور/ عابد يشار، على رعايتهم للباحث وبحثه، وتقديم كل عون علمي
وإنني إذ أثني على الجميع، فإنما أسأل المولى سبحانه وتعالى، أن يبارك هذا الجهد، وأن ينفع به: زادا فكريا وثقافيا يشارك به عربيّ مسلم في مسيرة العلم، والفكر المستنير، والثقافة النقية، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
د. حنيف بن حسن القاسمي مدينة العين في التاسع والعشرين من جمادى الأولى ١٤١٥ هـ ٣/ ١١/ ١٩٩٤ م
الفصل الأول عصر النيسابوري وحياته الشخصية
المبحث الأول: عصره:
لم تسعفني المصادر التي- وقفت عليها- والتي ترجمت لبيان الحق النيسابوري بكثير من الأخبار عن حياته، فلم تذكر شيئا عن زمن مولده أو وفاته، ولم أقف على تحديد للفترة التي عاش فيها.
ومن المرجح أن يكون النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري، وأن وفاته كانت بعد سنة ٥٥٣ هـ.
فقد ذكر إسماعيل باشا «١» أن النيسابوري فرغ من تأليف كتابه «إيجاز البيان عن معاني القرآن» ب «الخجند» «٢» سنة ٥٥٣ هـ.
ويبدو أنه وقف على نسخة من الكتاب المذكور ورد فيه هذه الفائدة لأنه ذكر جميع ما أشار إليه النيسابوري من مصنفاته، أو ربما اطلع على نص من المتقدمين على ذلك. فإن هذا الأمر لا يدرك إلا بدليل أو تنصيص.
وفي القرن السادس الهجري كانت الدولة العباسية تمر بمرحلة من أضعف مراحلها وتنتظر أفولها وانهيارها، حتى إنه لم يبق من الخلافة إلا اسمها.
(٢) بضم الخاء المعجمة، وفتح الجيم، وسكون النون: مدينة بما وراء النهر على شاطئ سيحون، وهي أول مدن فرغانة من الغرب.
معجم البلدان: ٢/ ٣٤٧، وبلدان الخلافة الشرقية: ٥٢٢.
ومن أهم الأحداث التي وقعت في هذا العصر سقوط نيسابور في يد غير المسلمين، وكذلك «مرو» و «سرخس». وقتل في نيسابور عدد كبير من الأهالي بينهم طائفة من العلماء الذين عرفوا بزهدهم وورعهم «٢».
كما شهد أواخر القرن الخامس الهجري ومطلع القرن السادس صراعات بين أفراد الأسرة السلجوقية التي كانت تحكم البلاد فعليا في ظل الخلافة العباسية الشكلية «٣»، وقد كانت تلك الصراعات دموية ومؤسفة في كثير من الأحيان، وأدت في نهاية الأمر إلى ضعف الدولة السلجوقية السنية، وكان هذا الضعف سببا مباشرا للهجمات الصليبية على البلاد الإسلامية، وانقسمت الدولة السلجوقية العظيمة إلى دويلات الأتابكة التي حكمت البلاد بعد ذلك «٤».
والأتابك- في الأصل- كانوا قوادا وأمراء للسلاطين السلاجقة، تولوا بعض الأقاليم التابعة للدولة السلجوقية، ثم انفردوا بحكم تلك الأقاليم عقب
ينظر تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: (٤/ ٩٥، ٩٦).
(٢) الكامل لابن الأثير: (١١/ ٨٧، ٨٨)، والبداية والنهاية: ١٢/ ٢٤٨، وتاريخ الإسلام: ٤/ ٥٨.
(٣) ينتسب السلاجقة إلى سلجوق (بفتح السين)، أحد رؤساء الأتراك، وكانوا يسكنون بلاد ما وراء النهر في مكان قريب من بخارى، وكان عدد السلاجقة- كما يقول ابن خلكان- يجل عن الحصر والإحصاء، ظلوا في الحكم أكثر من مائة عام (٤٤٧- ٥٥٢ هـ)، وإلى السلاجقة يرجع الفضل في تجديد قوة الإسلام وإعادة تكوين وحدته السياسية.
ينظر الموسوعة العربية الميسرة: ١/ ٩٩٣، وتاريخ الإسلام: ٤/ ١.
(٤) تاريخ الإسلام: ٤/ ٦٢. [.....]
وقد شهد هذا القرن أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين، وذلك بدخول صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله تعالى- بيت المقدس عام ٥٨٣ هـ بعد احتلال دام أكثر من ثمانين عاما «٢».
وتعاقب على الخلافة العباسية- الصورية- في القرن السادس الهجري والسابع الهجري سبعة خلفاءهم:
١- المستظهر بالله بن المقتدي (٤٨٧- ٥١٢ هـ).
٢- المسترشد بالله بن المستظهر (٥١٢- ٥٢٩ هـ).
٣- المنصور الراشد بالله بن المسترشد (٥٢٩- ٥٣٠ هـ).
٤- المقتفي لأمر الله بن المستظهر (٥٣٠- ٥٥٥ هـ).
٥- المستنجد بالله بن المقتفي (٥٥٥- ٥٦٦ هـ).
٦- المستضيء بأمر الله بن المستنجد (٥٦٦- ٥٧٥ هـ).
٧- الناصر الدين الله بن المستضيء (٥٧٥- ٦٢٢ هـ).
أما المجتمع الإسلامي في ذلك العصر فقد كان يتكون من عدة أجناس ففي المشرق كان أبرز تلك الأجناس الجنس العربي، والتركي، والفارسي.
وفي المغرب الإسلامي والأندلس كان العرب والبربر والمولدون «٣» وكانت الدولة تضم- بجانب المسلمين- أقليات دينية كاليهود والنصارى، حيث كانت الحرية مكفولة لهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وتقلد بعضهم مناصب عليا في الدولة.
كما ظهرت بعض الفرق الباطنية كانوا محسوبين على المسلمين،
(٢) الكامل لابن الأثير: ١١/ ٥٤٦، والبداية والنهاية: (١٢/ ٣٤١- ٣٤٤)، وتاريخ الإسلام: ٤/ ١١٠.
(٣) هم أعقاب الأسبان الذين أسلموا بعد الفتح الإسلامي للأندلس.
ينظر نهاية الأندلس: ٧٠.
كما كان هناك الدروز والإسماعيلية في بلاد الشام وفارس «١».
ولا شك أن الوضع السياسي المضطرب في ذلك العصر قد أثر سلبا على حياة الناس من حيث الاستقرار والأمان، والمحافظة على قواعد الشريعة والأخلاق.
وتأثر المجتمع العباسي خصوصا، والمجتمعات الإسلامية على وجه العموم بالخلافات السياسية، وبضعف السلطة الحاكمة، حيث إن الحكام مشغولون بالصراع على الحكم، وبتسيير الجيوش لقتال بعضهم بعضا، منصرفين عن الاهتمام برعاية مصالح العباد وتدبير شؤونهم الدينية والدنيوية.
ونتيجة لذلك انتشر الفقر، وظهر الفساد الخلقي في معظم طبقات المجتمع بما في ذلك الطبقة الحاكمة التي كانت تدير البلاد، فأدمن بعضهم الخمر، واقترف الظلم وظهر الغش في المعاملات والبيوع وانتشر الربا، وضعفت القيم الروحية والأخلاق الفاضلة في نفوس الناس، وتهاون كثير منهم في أداء العبادات، وعظم الجهل في معرفة أحكامها وشروطها.
وانعدم الأمن، وكثرت الجرائم والسرقات «٢».
كما أدى ظهور الاتجاهات الفكرية والفرق الكلامية المختلفة إلى وقوع كثير من الفتن والمحن، وذلك بسبب اشتداد الخلاف بين تلك الاتجاهات المتباينة «٣».
أما النشاط العلمي والثقافي فقد تأثر بالوضع المتدهور الذي كان سائدا
(٢) ينظر صيد الخاطر لابن الجوزي: (٢٦٢- ٢٦٦)، والبداية والنهاية: (١٢/ ٢٣٧، ٢٤٠، ٢٤٦، ٢٤٨)، وتاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: (٤/ ٦٢٥- ٦٣٢).
(٣) المنتظم: (١٠/ ١٩٨، ٢٨٥).
منهم- على سبيل المثال- الحافظ أبي طاهر السلفي المتوفى سنة ٥٧٦ هـ، والحافظ ابن عساكر المتوفى سنة ٥٧١ هـ، والزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ هـ، وابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ.
وقد خلف هؤلاء ثروة عظيمة ضخمة، نهل من مواردها من جاء بعدهم وأفادت الأجيال اللاحقة فائدة عظيمة.
وقد شهد ذلك العصر- أيضا- ظاهرة حميدة وهي اهتمام الخلفاء والسلاطين والوزراء ببناء المدارس والأربطة، وتخصيص الأوقاف لعلماء وطلاب تلك المدارس.
ومن أشهر المدارس التي كانت قائمة في ذلك الوقت وكانت مصدر نور وإشعاع- المدارس النظامية، التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي المتوفى سنة ٤٨٥ هـ، وقد اكتمل بناء كبرى هذه المدارس ببغداد وبدأ التدريس بها عام ٤٥٩ هـ «١».
كما كانت حلقات العلم والمجالس العلمية تعقد في المساجد المختلفة، ويتصدر للتدريس في تلك الحلقات أبرز العلماء في ذلك العصر.
وقد وصف الحافظ الذهبي الوزير نظام الملك بقوله: الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل سائس، خبير سعيد، متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء.
أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته... ».
ينظر سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٩٤.
المبحث الثاني: حياة المؤلف:
المطلب الأول: اسمه، ونسبه، وأصله، وكنيته، ولقبه:
هو محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري أبو القاسم، وبيان الحق «١».
هكذا ذكر اسمه ونسبه وأصله وكنيته في مقدمة كتابه «إيجاز البيان عن معاني القرآن».
ويلقب- أيضا- ب «نجم الدين»، ذكر ذلك حاجي خليفة «٢».
وصرح المؤلف- رحمه الله- باسمه ونسبه في مقدمة كتابه «جمل الغرائب» «٣».
فقال: «مؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري» وزاد ياقوت في معجم الأدباء في نسبه، فقال، «الغزنوي»
- معجم الأدباء: (١٩/ ١٢٤، ١٢٥).
- الوافي بالوفيات: (٧٩/ ب، ٨٠ أ، ٨٠ ب) نسخة طوب قابي رقم (٢٩٢٠).
- بغية الوعاة: ٢/ ٢٧٧.
- طبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٣١١.
- كشف الظنون: (٢٠٥، ٦٠١).
- هدية العارفين: ٢/ ٤٠٣.
- الأعلام: ٧/ ١٦٧.
- معجم المؤلفين: ١٢/ ١٨٢.
- ومعجم المفسرين لعادل نويهض: ٢/ ٦٦٦.
- كما ورد له ذكر في الدارس للنعيمي: ١/ ٥٨٩...
(٢) كشف الظنون: ٢٠٥.
(٣). ٢/ أ.
وذكر صاحب هدية العارفين «القزويني» «٢» بدل الغزنوي.
أما «النيسابوري» فنسبة إلى «نيسابور» «٣» مدينة مشهورة.
ينتسب إليها طائفة من العلماء الأعلام.
يقول السمعاني «٤» :«والمنتسب إليها جماعة لا يحصون، وقد جمع الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ البيع تاريخ علمائها في ثمان مجلدات ضخمة».
ومن أشهر من ينتسب إلى نيسابور: يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي النيسابوري الإمام المحدث الورع المتوفى سنة ٢٢٦ هـ.
- وعبد الرحمن بن الحسن الحافظ المحدث المتوفى سنة ٣٠٧ هـ.
- والإمام الحافظ المحدث الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون النيسابوري المتوفى سنة ٣٢٤ هـ.
- والإمام محمد بن عبد الله بن حمدويه الطهماني النيسابوري الشهير بالحاكم، من أكابر حفاظ الحديث، وهو صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، وغيرهما، توفي سنة ٤٠٥ هـ.
قال ياقوت في معجم البلدان: ٤/ ٢٠١: «وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان، وهي الحد بين خراسان والهند... ».
(٢) نسبة إلى قزوين، بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو. مدينة مشهورة على نحو مائة ميل شمال غربي طهران.
معجم البلدان: ٤/ ٣٤٢، والروض المعطار: ٤٦٥، وبلدان الخلافة الشرقية: ٢٥٣.
(٣) نيسابور: بفتح النون من أكبر مدن خراسان.
قال الحميري في الروض المعطار: ٥٨٨: «ونيسابور قلب لما حولها من البلاد والأقطار».
ينظر أيضا معجم البلدان: ٥/ ٣٣١، وبلدان الخلافة الشرقية: ٤٢٤.
(٤) الأنساب: ١٢/ ١٨٤. [.....]
- والحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري، نظام الدين، المفسّر، صاحب كتاب غرائب القرآن ورغائب الفرقان، وغيره، توفي بعد ٨٥٠ هـ.
المطلب الثاني: موطنه، مولده، وأسرته:
يبدو أن بيان الحق النيسابوري- رحمه الله تعالى- عاش مدة من حياته في نيسابور، ولعله خرج منها بعد سقوطها عام ٥٣٦ هـ، ورحل إلى الخجند، ثم إلى دمشق حيث استقر به المقام هناك حتى وفاته في تاريخ لم أقف عليه.
ولم تذكر المصادر التي وقفت على ترجمته فيها شيئا عن المكان الذي ولد فيه، ولا نعرف شيئا عن نشأته، فأخباره في الكتب شحيحة جدا، وأكثر اعتماد المترجمين له في ذلك على ياقوت في معجم الأدباء.
أما أسرته فقد ذكر النيسابوري اثنين من أبنائه في مقدمة كتابه جمل الغرائب «١»، وهما قاسم ومحمد.
وذكر حاجي خليفة»
«محمد بن محمود النيسابوري» فيمن صنف في خلق الإنسان، فلعله ابن نجم الدين النيسابوري.
وقد خلف محمد أباه في التدريس بالمدرسة المعينية بدمشق، ذكر ذلك النعيمي «٣».
المطلب الثالث: نشأته العلمية ومكانته:
لم تسعفنا المصادر التي ترجمت للنيسابوري بذكر شيء عن نشأته العلمية المبكرة، ولم تذكر تلك المصادر- أيضا- شيئا عن شيوخه الذين
(٢) كشف الظنون: ١/ ٧٢٢.
(٣) الدارس: ١/ ٥٨٩.
كما أغفلت تلك المصادر رحلاته العلمية، ولعلي أقف في المستقبل- إن شاء الله- على تلك الجوانب الخفية في حياة هذه الشخصية.
وقد ذكر النّعيمي «١» أن النيسابوري تصدر للتدريس بالمدرسة المعينية «٢» بدمشق، واستمر في التدريس بها حتى وفاته، وخلفه بعد ذلك ابنه محمد.
وإشارة أخرى ذكرها إسماعيل باشا «٣»، حيث قال إن النيسابوري فرغ من تصنيف كتابه إيجاز البيان سنة ٥٥٣ هـ بالخجند «٤».
أما مكانته العلمية فقد وصفه ياقوت «٥» بقوله: «كان عالما بارعا مفسرا لغويا فقيها متفننا... ».
وأورد ياقوت بيتين من شعره هما «٦» :
فلا تحقرنّ خلقا من النّاس علّه... وليّ إله العالمين ولا تدري
(٢) المدرسة المعينية: إحدى مدارس الحنفية بدمشق، أسسها معين الدين أنر بن عبد الله الطغتكيني مقدم عسكر دمشق، ذكره الذهبي في العبر: ٤/ ١٢١ في وفيات سنة ٥٤٤ هـ. وذكر فيمن تولى التدريس في هذه المدرسة- أيضا- عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المتوفى سنة ٥٦٤ هـ، وأبا المظفر محمد بن أسعد بن الحكيم العراقي الحنفي المتوفى سنة ٥٦٧ هـ.
(٣) هدية العارفين: ٢/ ٤٠٣.
(٤) تقدم التعريف بها ص ١١.
(٥) معجم الأدباء: (١٩/ ١٢٤، ١٢٥).
(٦) كما أوردهما الصفدي في الوافي بالوفيات: (٨٠/ ب) نسخة طوبى قابي رقم (٢٩٢٠)، وذكر سبب إنشاده هذين البيتين عن أبي الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله العليمي قال: سمعت القاضي أبا العلاء محمد بن محمود بن أبي الحسن الغزنوي:
قدم علينا بنيسابور رسولا يقول: شهد عند الإمام- والدي- شيخ على بعض أصحابه، فاعترته شبهة في صدقه، وهمّ برد شهادته، فأخذ المشهود عليه يزكيه وينسبه إلى كل خير، فندم والدي على ما بدر منه وقال:
فلا تحقرن...
.
أما المناصب التي تولاها النيسابوري فيبدو أنه كان قد تولى القضاء، لذا وصفته حاجي خليفة «١» ب «القاضي بيان الحق محمود... ».
وجاء هذا الوصف- أيضا- في خطبة كتابه وضح البرهان «٢».
المطلب الرابع: آثاره العلمية:
كان الإمام بيان الحق النيسابوري من المكثرين في التصنيف في مختلف العلوم الإسلامية، فله في التفسير- مثلا- أكثر من مصنّف، أفاد ذلك المؤلف- رحمه الله- في مقدمة كتابه جمل الغرائب «٣» حيث قال:
«ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن... قد وفقه الله تبارك وتعالى- منه- في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب إيجاز البيان في معاني القرآن... » اهـ.
أما مصنفاته التي صرح بها المؤلف، أو نسبت إليه فهي:
١- إيجاز البيان عن معاني القرآن، وهو موضوع هذه الدراسة، وسيأتي الحديث عنه مفصلا في الفصل الثاني.
٢- وضح البرهان في مشكلات القرآن «٤».
تبدأ النسخة المنشورة من هذا الكتاب بخطبة المؤلف، ثم تفسير سورة الفاتحة، وتنتهي بنهاية سورة التكوير.
(٢). ١/ ٨٧.
(٣). ٢/ ب.
(٤) طبع هذا الكتاب عام ١٤١٠ هـ- ١٩٩٠ م، ببيروت، بتحقيق صفوان عدنان داوودي.
كما قامت بتحقيقه الطالبة/ سعاد بابقي ضمن متطلبات نيل درجة الماجستير في الكتاب والسنّة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وقد أشرف على هذه الأطروحة شيخنا العلامة الجليل الشريف الدكتور منصور بن عون العبدلي حفظه الله.
٣- جمل الغرائب «٣»، وهو كتاب في غريب الحديث ومشكله، قسمه المؤلف- رحمه الله- أربعة عشر كتابا وهي:
الأول: كتاب التوحيد والإيمان وما جاء في القرآن.
الثاني: كتاب النبوات وذكر بعض المعجزات.
الثالث: كتاب البدء والحياة والحال والمآل.
الرابع: كتاب الموت والبعث والثواب والعقاب.
الخامس: كتاب العبادات.
السادس: كتاب أحكام المعاملات.
السابع: كتاب زواجر الجنايات.
الثامن: كتاب الحرب والسلطان.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: ٣٠: «ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصّرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة- وإنما منع منها الصّرفة- لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون المنع هو المعجز، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه» اهـ. [.....]
(٢) وضح البرهان: (١/ ١٥٨، ٢١٧، ٢١٩).
(٣) ينظر في نسبة هذا الكتاب إليه في معجم الأدباء: ١٩/ ١٢٤، وبغية الوعاة: ٢/ ٢٧٧، وطبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٣١١، وكشف الظنون: ١/ ٦٠١، وهدية العارفين:
٢/ ٤٠٣.
العاشر: كتاب الحكم والآداب.
الحادي عشر: كتاب الألفاظ والأمثال.
الثاني عشر: كتاب المحاسن والمحامد.
الثالث عشر: كتاب المساوئ والمناهي.
الرابع عشر: كتاب النساء.
وذكر المؤلف- رحمه الله- في مقدمته المصادر الرئيسة التي اعتمد عليها وهي غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، والأصمعي، وأبي سعيد الضرير، وقطرب (محمد بن المستنير)، والنّضر بن شميل، وإبراهيم الحربي، وابن الأنباري، وأبي سليمان الخطابي، وأبي عبيد الهروي،... وغيرهم.
ثم قال: «وانتخبت من فوائدهم واستعذبت من مواردهم ما حقّه أن يكتب بالتّبر على الأحداق لا بالحبر على الأوراق... ».
ووضع لكل واحد من تلك المصادر رمزا للاختصار، فعلامة «ص» للأصمعي وعلامة «هـ» للحربي، وعلامة «ق» لابن قتيبة... وهكذا.
ويعد كتاب النيسابوري هذا من المصادر المهمة التي اعتمد عليها الصاغاني في كتابه العباب الزاخر واللباب الفاخر، حيث صرّح الصاغاني بذلك في مقدمة العباب: ١/ ٢٦.
ولهذا الكتاب «جمل الغرائب» نسختان خطيتان، إحداهما بمكتبة الأسكوريال بمدريد، والأخرى بمكتبة أحمد الثالث بتركيا.
٤- كتاب خلق الإنسان «١»، أي في أسمائه وأعضائه وصفاته كما في كشف الظنون: ١/ ٧٢٢.
٢/ ٢٧٧، وطبقات المفسرين للداودي: ٢/ ٢١١.
كما أن المادة العلمية في هاتين القطعتين تتناول جوانب الزهد والأخلاق وغير ذلك من الفضائل والآداب، فالكتاب في خلق الإنسان لا في خلقه.
٥- التذكرة والتبصرة (في متفق الفقه)، ويشتمل على ألف نكتة، ذكر ذلك المؤلف- رحمه الله- في مقدمة كتابه جمل الغرائب «١»، ووصف هذا الكتاب بقوله: «يطرد أكثر مسائل الفقه عليها، ويسند الاجتهاد في الفتاوى ظهره إليها».
٦- الأسئلة الرائعة والأجوبة الصادعة: ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان «٢»، وهو كتاب في التفسير.
٧- غرر الأقاويل في معاني التنزيل، أشار إليه المؤلف- رحمه الله- في مقدمة إيجاز البيان «٣»، فقال: ومن أراد التبحر والتكثر فعليه بكتابنا غرر الأقاويل في معاني التنزيل.
٨- شوارد الشواهد وقلائد القصائد. ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان «٤»، وقال: «ومن أراد ريحانة العلوم، وباكورة التفاسير وأمهات الآداب، ومقلدات الأشعار، فلينشر من كتابنا «شوارد الشواهد وقلائد القصائد» حلل الوشي وأنماطه، وليبسط منه زرابي الربيع ورياطه... ». وهذا الكتاب يشتمل على أشعار مختارة.
(٢) ص ٥٦، ونسب إليه- أيضا- في إيضاح المكنون: ١/ ٨٣.
(٣) ص ٥٥.
(٤) إيجاز البيان: ٥٦.
١٠- قطع الرياض في بدع الاعتراض، صرح به المؤلف في كتابه وضح البرهان «٢»، عند تفسير قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة: ٢٣].
قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا اعتراض بين الشرط والجزاء، مثل:
«وأنت منهم» في بيت شعر:
لو أن المخلفين وأنت منهم | رأوك تعلموا منك المطالا |
تعلم- ولو كاتمته الناس- أنني | عليك- ولم أظلم بذلك- عاتب |
١١- شرح الأبيات الواردة في كتاب وضح البرهان، أشار إليه المؤلف في وضح البرهان «٣» عند تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: ١٢٩]، فنقل عن ابن الأعرابي: سفه الرجل يسفه سفاهة وسفاها إذا جهل، وسفه نفسه يسفهها إذا جهلها، وأنشد:
هيهات قد سفهت أمية رأيها | فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها «٤». |
(٢). ١/ ١١٨.
(٣). ١/ ١٧٠.
(٤) كذا ورد في طبقات فحول الشعراء: ١/ ٣٦٥ برفع «حلماؤها» و «سفهاؤها» وفي مجالس ثعلب: ١/ ٥٧: «حلماءها سفهاؤها» بنصب الأول ورفع الثاني.
وذكر العلّامة الشيخ محمود محمد شاكر في هامش طبقات فحول الشعراء توجيه الجواليقي لرواية الرفع فيهما، وهو أنه يجوز أن يكون حلماؤها بدل من أمية، بدل اشتمال. وسفهاؤها رفع ب «استجهلت»، تقديره: قد سفهت حلماء أمية، فاستجهلت سفهاؤها».
وأورد الشيخ محمود شاكر روايات البيت مع ذكر التوجيه لكل منها.
١٢- ملتقى الطرق إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها، وهو كتاب في مختلف الفقه، ذكره المؤلف- رحمه الله- في مقدمة جمل الغرائب «١»، فقال:
كما هداه جل وعز- بفضله- في مختلف الفقه من كتاب «ملتقى الطرق | » بحيث دوخت «٢» له ساحتها ودونت في دفتيه كافتها. |
وقد أوردت في أصول الفقه- تصنيفي- جملة أنواع المجاز إلى الاتساع، والتوكيد، والتمثيل | فمن أراد تحقق هذه التأويلات فعليه بذلك الكتاب. |
وقد نسب إلى النيسابوري «٥» كتاب بعنوان «زبدة التفاسير
(٢) بمعنى ذلّلت.
الصحاح: ١/ ٤٢١ (دوخ).
(٣). ١١/ أ. [.....]
(٤). ١/ ١٣٩.
(٥) نسبه إسماعيل باشا في هدية العارفين: ٢/ ٤٠٣.
وليس في كلام المؤلف- رحمه الله- ما يدل على ذلك، وإنما هذه العبارة وصف لكتاب «الأسولة الرائعة والأجوبة الصادعة».
كما نسب إلى النيسابوري كتاب الموجز في الناسخ والمنسوخ، وتوجد منه نسخة بمكتبة شستربتي رقم (٣٨٨٣) تقع في عدة ورقات.
وهذه النسخة ليست للنيسابوري قطعا، لأن بها نصوصا متقدمة جدا عن علماء من أواخر القرن الرابع الهجري، ينقلها مؤلف الكتاب مباشرة عن شيوخه.
المطلب الخامس: وفاته:
لم تحدد المصادر التي ترجمت له تاريخ وفاته، ولعله توفي بدمشق، فقد تقدم أن النعيمي «١» ذكر أنه تصدر للتدريس بالمدرسة المعينية بدمشق واستمر على ذلك حتى وافته المنية، ولم يذكر السنة التي توفي فيها النيسابوري.
والمؤكد أن وفاته كانت بعد عام ٥٥٣ هـ بفترة ليست بالقصيرة، لأنه كان في تلك السنة بالخجند- وهي بلدة بما وراء النهر- ثم رحل إلى دمشق وأقام بها حتى وفاته رحمه الله.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: دراسة كتاب إيجاز البيان، وفيه المطالب التالية:
المطلب الأول: الباعث على تأليفه:
ذكر المؤلف- رحمه الله- في مقدمة الكتاب «١» الأمور التي دفعته إلى تأليف كتاب إيجاز البيان، فقال: إن تفاسير الأولين مقصورة على قول واحد أو مقصودة بالتكثير والتكرير عند المتأخرين، والأولى لعجمة الطباع واللسان لا تشفي القلب، والثانية لا تطاوع الحفظ لإطالة القول.
كما ذكر أن كتابه على رغم صغر حجمه قد اشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة، من تفسير، وتأويل ودليل، ونظائر، وإعراب، وأسباب النزول، وأحكام فقه، ونوادر لغات، وغرائب أحاديث. ثم قال: فمن أراد الحفظ والتحصيل، وكان راجعا إلى أدب وتمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
كما أن تأليفه لإيجاز البيان جاء بعد أن صنّف أكثر من كتاب مطول في معاني القرآن وتفسيره.
المطلب الثاني: منهج المؤلف في هذا الكتاب:
استهل المؤلف- رحمه الله تعالى- الكتاب بمقدمة موجزة، بين فيها الباعث على تأليفه هذا الكتاب، وذكر جملة من مصنفاته في معاني القرآن
بعد ذلك شرع في تفسير سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية القرآن.
وفي ضوء مراجعتي لهذا الكتاب ودراستي له أمكنني حصر أهم ملامح منهجه فيما يأتي:
أولا: اعتماده على القرآن في التفسير، وهو يفعل ذلك إما لبيان لفظة مبهمة ورد تفسيرها في موضوع آخر، مثال ذلك:
ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس: ٣٠]. قال «١» : ينكشف لها ما أسلفت فتختبر جزاءها، كقوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.
وأحيانا يستشهد في إعراب الآية بذكر آية مماثلة تعينه على التفسير بالوجه الذي يريده، كما صنع في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء: ٢٦]، فقال «٢» : اللام في تقدير المصدر، أي: إرادة الله التبيين لكم كقوله تعالى: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي: الذين هم رهبهم لربهم.
وقد يستعين في بيان وتفسير الألفاظ القرآنية الغريبة بالمقارنة بنظائرها التي وردت في مواضع أخرى كما صنع في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ [البقرة: ٥٥] حيث قال «٣» : والصاعقة هنا الموت، كما في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. ثم إنه قد يستعين بالآيات المماثلة والنظيرة لدفع وهم ظاهر التعارض فيجمع بين تلك الآيات رادا شبهة التعارض.
(٢) إيجاز البيان: ٢٣٦، وانظر أمثلة هذا النوع في الصفحات التالية: (٢٩٧، ٣٤٠، ٤٢٦، ٤٣٨، ٤٤١، ٤٤٨، ٥٢٤).
(٣) إيجاز البيان: ٩٦، وينظر نظائر هذا النوع في الصفحات التالية: (٩٧، ١٠٨، ١١٧، ١١٩، ١٤٧، ١٨٨، ٢٠٠).
وقوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ مع قوله: عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فالمراد هو النطق المسموع المقبول.
ثانيا: اعتماده على الحديث والأثر في تفسير القرآن، ويلاحظ كثرة ورود الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، وأغلب الأحاديث التي يوردها من غريب الحديث، حيث يربط بين اللفظة القرآنية الغريبة ويفسرها بما ورد في الحديث لبيان وتفسير تلك اللفظة.
من ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: ٢]، قال «٢» : الكتاب والفرض والحكم والقدر بمعنى واحد، واستشهد بحديث: «لأقضين بكتاب الله» «٣» أي بحكمه. وفي قوله تعالى:
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [البقرة: ٣] قال «٤» : الصلاة: الدعاء، وفي الحديث:
«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائما فليصل» أي فليدع لصاحبه.
كما أنه يستعين بما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تفسير بعض الآيات، مثال ذلك: ما أورده عند تفسير قوله تعالى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة: ٤٨]، حيث قال «٥» : والعدل: الفدية، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد تكرر استشهاده بالحديث المرفوع- في المواضع التي صرح
(٢) إيجاز البيان: ٦٤.
(٣) ينظر تخريجه في موضع وروده في الكتاب.
(٤) إيجاز البيان: ٦٥، وانظر: (٦٧، ٦٨، ٧٠، ٧١، ٧٣، ٧٤، ٤٧٩).
(٥) إيجاز البيان: ٩٣. وانظر أمثلة هذا النوع في الصفحات التالية: (١٨٧، ١٨٨، ٢٠٦، ٣٤٩، ٣٧٧، ٣٩٣).
كما يعتمد النيسابوري- رحمه الله- على أقوال الصحابة والتابعين بذكر أقوالهم في التفسير، وأسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأوجه القراءات المأثورة عنهم.
وأبرز الصحابة الذين نقل عنهم في تفسيره: ابن عباس «٢»، وابن مسعود «٣»، وعلي بن أبي طالب «٤»، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وقد بلغت الآثار الموقوفة ثلاثة وتسعين.
ومن التابعين: الحسن البصري «٥»، ومجاهد «٦»، وقتادة «٧»، وسعيد بن جبير «٨»... وغيرهم.
وبلغت هذه الآثار عن التابعين تسعة وخمسين أثرا.
ثالثا: عنايته بذكر أوجه القراءات القرآنية، فاهتمام المؤلف بهذا الجانب ظاهر في كتابه، فهو يعنى بذكر القراءات المختلفة وتوجيهها وتبيين الاختلاف في المعاني باختلاف القراءة.
وغالب القراءات التي يوردها سبعية، وأحيانا يورد القراءات العشرية.
(٢) إيجاز البيان: (٨٠، ٨٣، ٢٤١، ٢٤٢، ٣١٩، ٣٤٦، ٤٥٧، ٥١١، ٥١٦، ٥١٧). [.....]
(٣) إيجاز البيان: (١٨٥، ٢٤٠، ٣٥٧، ٤٩٠).
(٤) إيجاز البيان: (٦٨، ٣٢٦، ٤٦١، ٤٨٨).
(٥) ينظر إيجاز البيان: (٨٣، ٩٠، ٢٢٧، ٢٣٦، ٢٦٠، ٣٦٧، ٤٥٤).
(٦) إيجاز البيان: (٢٦٦، ٣٢١، ٧٦٨، ٧٧٦، ٧٧٧).
(٧) إيجاز البيان: (٩٥، ٤٦٥، ٥١٩).
(٨) إيجاز البيان: (٢٤١، ٤٤٨، ٤٤٩).
كما أنه ينقل عن أئمة القراءات واللغة في توثيق النصوص التي يوردها في توجيه القراءة مثل أبي عمرو بن العلاء، وسيبويه، والزجاج، وأبي علي الفارسي... وغيرهم.
رابعا: اهتمامه بذكر أسباب النزول، وهو في ذلك- غالبا- يعتمد على الصحيح الوارد في هذا الشأن.
مثال ذلك ما ذكره «٢» عند تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً... [النساء: ١٩]، حيث قال: يحبسها وهو كارهها ليرثها، أو على عادة الجاهلية في وارثة الميت امرأته، يمسكها بالمهر الأول أو يزوجها ويأخذ مهرها. نزلت في كبشة بنت معن الأنصارية ومحصن بن قيس الأنصاري «٣».
خامسا: عنايته بذكر المسائل الفقهية، فقد تعرض المؤلف- رحمه الله- في كتابه لآيات الأحكام ذاكرا أقوال الفقهاء في ذلك «٤».
وغالبا ما يورد قولي الحنفية والشافعية في تلك المسائل، مرجحا مذهب الحنفية بالدليل، مع ذكر حجج المخالف والرد عليها.
فعند ذكر قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: ١٧٣]، ضعّف قول من قال: غير باغ على الإمام ولا عاد في سفر،
(٢) إيجاز البيان: ٢٣١، وانظر بعض الأخبار في أسباب النزول في الصفحات التالية:
(٢٣٨، ٢٤٥، ٢٤٦، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٧، ٢٦٠).
(٣) ينظر تخريج هذا الخبر في موضعه، ص ٢٣١.
(٤) ينظر بعض هذه المسائل في الصفحات التالية: (١٣٩، ١٤٠، ١٤١، ١٤٢، ١٥٩، ١٦٠، ٥٩٥).
وعند تفسير قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... [البقرة: ١٩٦]، أورد معنى الإحصار ومذاهب العلماء فيه «٢».
وعند تفسير قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ [البقرة: ٢٢٦]، ذكر حكم الإيلاء ومدته وكفارته «٣».
وقد أفاد النيسابوري كثيرا من كتاب أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص لكنه لم يصرح بالنقل عنه في هذا الكتاب، وصرح بذلك عند تعرضه لآيات الأحكام في كتابه وضح البرهان.
سادسا: اهتمامه بالجانب اللغوي والنحوي في تفسير القرآن، فقد عني عناية كبيرة بشرح الألفاظ الغريبة، وبيان اشتقاقها، مستعينا في ذلك بنظائرها في القرآن الكريم، وبالحديث والأثر، وبلغة العرب.
ففي قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكر معنى «الاسم»، وأصل وضعه، واشتقاقه، وأورد الأقوال في ذلك «٤».
وفي قوله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [البقرة: ٣٤] ذكر معنى «إبليس»، وأصلها واشتقاقها «٥».
كما أنه يهتم بذكر اللغات الواردة في الألفاظ القرآنية، وبيان معانيها،
(٢) إيجاز البيان: (١٤١، ١٤٢).
(٣) إيجاز البيان: (١٥٢، ١٥٣).
(٤) إيجاز البيان: (٥٧). [.....]
(٥) إيجاز البيان: (٨٤).
أما إعراب القرآن فهو ظاهر في كتابه، وقد عول في ذلك كثيرا على أبي إسحاق الزجاج، وأفاد منه إفادة كبيرة، لكنه قليل التصريح بالنقل عنه.
كما ينقل عن أئمة النحو المتقدمين مثل الكسائي، وسيبويه، والفراء، وأبي عبيدة، والأخفش، وأبي علي الفارسي... وغيرهم.
وهو في إعرابه للآية يذكر أوجه الاختلاف فيها، كما فعل في إعراب غَيْرِ في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ حيث ذكر ثلاثة أوجه فيها «٣»، وكذلك في هُدىً من قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: ٢] ذكر وجهين فيها «٤».
وأحيانا يرجح بين تلك الوجوه في إعراب الآية، ويورد الدليل على ذلك، كما صنع «٥» عند تفسير قوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
قال: «ما» بمعنى المصدر، وليس بمعنى «الذي» لأن «الذي» يحتاج
(٢) إيجاز البيان: ٣٦٥، وانظر بعض أمثلة هذا النوع: (٤٨٢، ٧١٥، ٧٧١).
(٣) ينظر إيجاز البيان: ٦١.
(٤) إيجاز البيان: ٦٥.
(٥) إيجاز البيان: ٦٩، وينظر بعض الأمثلة على ذلك في الصفحات التالية: (٧٢، ٧٦، ٩٤، ١٣٣، ١٨٢).
وينتصر المؤلف- رحمه الله- في النحو للمذهب البصري، وذلك بترجيح أقوالهم، كما صنع في قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ [يوسف: ١٥] حيث قال «١» : محذوف الجواب، والكوفيون يجعلون «أجمعوا» جوابا، والواو مقحمة، وإقحامها لم يثبت، ولا له وجه في القياس.
وقد يذكر- أحيانا- بعض المصطلحات الكوفية، مثل: النصب على القطع، أي: على الحال «٢». ولعله تأثر في ذلك بالفراء الذي جرى على هذه الاصطلاحات في كتابه معاني القرآن.
أما استشهاد المؤلف في هذا الكتاب بأشعار العرب وأمثالهم وأقوالهم فقليل جدا، لكنه توسع في ذلك في وضح البرهان حيث أكثر من ذكر الشواهد الشعرية حتى إنه أفرد تلك الشواهد بمصنف خاص شرح فيه تلك الأبيات.
سابعا: ذكر لطائف تتعلق بالنظم القرآني، وذلك من حيث أسلوبه وبلاغته، فأورد من ذلك على سبيل المثال، سبب تقديم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فقال «٣» :«وإياك نستعين» على نظم آي السورة، وإن كان «نعبدك» أوجز، ولهذا قدم «الرحمن» والأبلغ لا يقدم. وقدمت العبادة على الاستعانة لهذا، مع ما في تقديم ضمير المعبود من حسن الأدب.
وعند تفسير قوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: ٨] قال «٤» :
(٢) إيجاز البيان: ٥٦٤.
(٣) إيجاز البيان: ٦٠.
(٤) إيجاز البيان: ٦٨.
وعند قوله تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة: ١٤] قال «١» :
أبلغ من «خلوا بهم»، لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء، لأن أول لقائهم للمؤمنين، أي: إذا خلوا من المؤمنين إلى الشياطين.
وذكر فائدة «عشرة كاملة» في قوله تعالى: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة: ١٩٦] فقال «٢» : المراد رفع الإبهام، فقد يتوهم في الواو أنها بمعنى «أو».
المطلب الثالث: مصادره:
إن كتاب إيجاز البيان لبيان الحق النيسابوري يعتمد على أصلين يكثر المؤلف النقل عنهما، وهما «جامع التأويل لمحكم التنزيل» لأبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المتوفى سنة ٣٢٢ هـ، و «النكت والعيون» للإمام علي بن حبيب الماوردي المتوفى سنة ٤٥٠ هـ.
فقد أكثر من نقل أغلب فوائد هذين الكتابين، وتأثر بأقوالهما تأثرا واضحا، ونجده تارة يصرح بالنقل عن ابن بحر، وأحيانا كثيرة ينقل عنه دون الإشارة إليه، لكنه يصرح بذلك- أحيانا- في كتابه وضح البرهان. أما الماوردي فلم يصرح باسمه في هذا الكتاب «إيجاز البيان»، ويفعل ذلك عند ما ينقل عنه في وضح البرهان.
وقد أشرت أثناء التعليق على هذا الكتاب إلى المواضع التي تطابقت النصوص بألفاظها مع تفسير الماوردي.
ثم إن النيسابوري- في غالب نقوله- لا يشير إلى المصدر الذي ينقل
(٢) إيجاز البيان: ١٤٢.
ثم إنه في كثير من الأحيان يسرد الأقوال دون عزوها إلى أصحابها وقائليها، وأجدها منسوبة في كتبه الأخرى مثل وضح البرهان في مشكلات القرآن، وجمل الغرائب في غريب الحديث، فيمكن التعرف عليها وتوثيقها من تلك المصادر، وقد أشرت إلى ذلك عند ورودها أثناء التعليق على هذه الأقوال.
أما أهم الكتب التي يمكن أن تعدّ من مصادره المباشرة فهي:
١- الكتاب لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف ب «سيبويه» (ت ١٨٠ هـ).
٢- معاني القرآن لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي (ت ١٨٩ هـ).
٣- معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت ٢٠٧ هـ).
٤- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت ٢١٠ هـ).
٥- معاني القرآن لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش (ت ٢١٥ هـ).
٦- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت ٢٥٦ هـ).
٧- صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت ٢٦١ هـ).
٨- تأويل مشكل القرآن لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ).
٩- تفسير غريب القرآن لابن قتيبة أيضا.
١١- المقتضب للمبرد أيضا.
١٢- معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزّجّاج (ت ٣١١ هـ).
١٣- الزاهر لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت ٣٢٨ هـ).
١٤- تاج المعاني في تفسير السبع المثاني لأبي نصر منصور بن سعيد بن أحمد بن الحسن.
١٥- تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت ٣٧٠ هـ).
١٦- أحكام القرآن لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف ب «الجصاص» (ت ٣٧٠ هـ).
١٧- الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت ٣٧٧ هـ).
١٨- غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد الخطّابي (ت ٣٨٨ هـ).
١٩- مجمل اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت ٣٩٥ هـ).
٢٠- تفسير أبي القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري (ت ٤٠٦ هـ).
٢١- الكشف والبيان في تفسير القرآن لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (ت ٤٢٧ هـ).
٢٢- شروح المتفق، والمتفق كتاب في فروع الحنفية لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي المتوفى سنة ٣٨٨ هـ.
المطلب الرابع: قيمة الكتاب العلمية:
إن أهمية كتاب إيجاز البيان تتجلى في الفوائد الكثيرة التي ضمنها النيسابوري هذا الكتاب على رغم صغر حجمه.
وغير ذلك.
ومن أهم الفوائد التي لاحظتها في كتابه ما يأتي:
١- كثرة الأحاديث والآثار التي وردت في الكتاب، الضعيف منها قليل جدا.
٢- إعراضه عما لا فائدة فيه من ذكر الأخبار الإسرائيلية، وسرد القصص والحكايات الغريبة.
٣- عنايته بالمسائل العقدية خاصة فيما يتعلق منها بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد حرص المؤلف- رحمه الله- على الدفاع عنهم، رادا للشبه التي أثيرت حولهم والتي تنافي عصمتهم، موردا الدليل على بطلان تلك الشبه.
ومن ذلك رده لما أثير حول إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- من شبهة في قوله «١» : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي... فقال: هو على وجه تمهيد الحجة، وتقرير الإلزام، ويسميه أصحاب القياس: القياس الخلفي، وهو أن تفرض الأمر الواجب على وجوه لا يمكن ليجب به الممكن «٢».
وكذلك تفسيره لقوله تعالى «٣» : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها... بما يتفق مع عصمة يوسف عليه الصلاة والسلام، فقال: ولقد همت به
(٢) إيجاز البيان: ٢٩٩، وانظر توجيه المؤلف- رحمه الله- لقوله تعالى: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ... وَتُبْ عَلَيْنا البقرة: ١٢٨، وتوجيهه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أحق بالشك منه» ص (١٦٨، ١٦٩)، وتوجيهه لقوله تعالى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ (٥٨١، ٥٨٢). [.....]
(٣) سورة يوسف: آية: ٢٤.
ومن ردود المؤلف على المعتزلة ما أورده من قولهم في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا [البقرة: ٢١٢] حيث قالت المعتزلة: المزين هو الشيطان، وعقب عليه المؤلف بقوله: بل الله يفعل ذلك ليصح التكليف وليعظم الثواب «٢».
٤- اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على مصادر أصلية، فقد أكثر من النقل عن أئمة القراءات، واللغة، والنحو المتقدمين وقد احتوى هذا الكتاب على نصوص لغوية ونحوية من كتب الأئمة المتقدمين مثل الكسائي، والأخفش، والمبرد... وغيرهم.
وقد فقد بعض مصنّفات هؤلاء، فحفظ المؤلف بذلك نصوصا مهمة في هذا الجانب.
المطلب الخامس: فيما يؤخذ عليه:
ويمكن تلخيص تلك المؤاخذات التي مرت بي أثناء دراسة هذا الكتاب في أمور منها:
١- أنه يورد- أحيانا- بعض القراءات الشاذة، وهو قليل جدا. مثال ذلك ما ذكره «٣» في قوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ
(٢) كما نقد المؤلف قول المعتزلة بالصرفة في المشيئة.
ينظر إيجاز البيان: ١٦٤.
(٣) إيجاز البيان: ٩٩.
وانظر بعض الأمثلة على ذلك في الصفحات التالية: (١٣٦، ١٨٩، ١٩٧، ٢١٠، ٢٧١).
٢- ورود الأحاديث الضعيفة والموضوعة «١»، وهي قليلة جدا بالنسبة إلى عدد الأحاديث التي وردت في الكتاب.
٣- إنه يذكر- أحيانا- قولا ضعيفا في الآية رغم ورود الصحيح في ذلك كما فعل في سبب نزول قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ... [التوبة: ٥٨] قال «٢» : وهو ثعلبة بن حاطب، قال:
إنما يعطي محمد من يحب. اهـ. والصحيح أنه ذو الخويصرة التميمي.
٤- إنه- في الغالب- ينقل نصوصا كاملة دون الإشارة إلى مصدره في ذلك وأكثر هذه النقول كانت عن تفسير الماوردي، ومعاني القرآن لأبي إسحاق الزجاج.
٥- يلجأ- أحيانا- إلى تأويل بعض الآيات وصرفها عن الظاهر دون الحاجة إلى ذلك حيث فسر «الغضب» في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بقوله «٣» : والغضب من الله إرادة المضار بمن عصاه، وكذلك عامة الصفات تفسر على أحوالنا بما هو أغراضها في التمام لا أغراضها في الابتداء.
٦- إيراده لبعض أقوال المعتزلة دون تعقيب على تلك الأقوال وبيان فسادها. مثال ذلك ما ذكره من قول أبي علي الجبائي عند قوله تعالى:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ... [الأنعام: ١١٠]، حيث قال «٤» : في جهنم على لهب النار.
(٢) إيجاز البيان: (٣٨١، ٣٨٢).
(٣) إيجاز البيان: ٦١، وانظر بعض الأمثلة الدالة على ذلك في الصفحات التالية:
(٧٨، ١٨١، ٣٣٣، ٤٥٣).
(٤) إيجاز البيان: ٣٠٨، وانظر آراء المعتزلة التي أوردها في المواضع التالية: (٥١٨، ٦١٢).
٨- الإخلال بترتيب الآيات في السورة الواحدة من حيث التقديم والتأخير، وقد تكرر ذلك في بعض المواضع «٢»، وإن كان المؤلف- رحمه الله- جاريا على ترتيب الآيات حسب ورودها في المصحف في الغالب.
المبحث الثاني: عملي في التحقيق، ويشتمل على المطالب الآتية:
المطلب الأول: عنوان الكتاب والتحقيق فيه:
عرّف المؤلف- رحمه الله- باسم كتابه في مقدمته «٣»، وذكر في هذه المقدمة أهم الفوائد التي أوردها في هذا الكتاب.
ونصّ المؤلف على التسمية- أيضا- في كتابه جمل الغرائب «٤» فقال- حكاية عن نفسه-: «وقد وفقه الله- تبارك وتعالى- منة في تفسير كتابه لغير واحد، حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب «إيجاز البيان في معاني القرآن» أوجز كتاب لفظا وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة... ».
كما نص على هذه التسمية كل من ياقوت في معجم الأدباء:
١٩/ ١٢٤، والسيوطي في بغية الوعاة: ٢/ ٢٧٧، والداودي في طبقات المفسرين: ٢/ ٣١١، وحاجي خليفة في كشف الظنون: ١/ ٢٠٥.
(٢) إيجاز البيان: (٣٥٦، ٤٧٩، ٧٧٢).
(٣) إيجاز البيان: ٥٧.
(٤). ٢/ ب.
أجمعت الأدلة على ثبوت نسبة كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» إلى النيسابوري، من ذلك.
١- ما جاء في مقدمة الكتاب ونصه: «قال الشيخ الإمام السيد بيان الحق فخر الخطباء أبو القاسم محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري:
بعد حمد الله كفاء حقه، والصلاة على نبيه محمد خير خلقه | افتتاح كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن». |
٣- ما كتب على غلاف النسخة الأصلية المعتمدة في هذا التحقيق، وكذلك نسخة كوبرلي.
٤- كتب التراجم التي ترجمت للنيسابوري ذكرت هذا الكتاب في مصنفاته.
المطلب الثالث: وصف النسخ الخطية:
بعون من الله- سبحانه وتعالى- وحسن وتوفيقه عثرت على ثلاث نسخ خطية للكتاب، نسخة مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عن مكتبة شورى ملي بإيران ونسختين بتركيا، ووصف هذه النسخ كالآتي:
١- نسخة الأصل: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة شورى ملي بطهران رقم (٤٢٤٠) مصورتها في مكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى رقم (٣٦٢) ويبدو أن هذه النسخة أقدم النسخ الثلاث، ويرجح أن تكون من خطوط القرن السادس الهجري. ليس فيها تاريخ النسخ أو اسم الناسخ.
وهي نسخة كاملة للكتاب تقع في (١٠٨) ورقات، قياسها (٢٠ ٢٢ سم)، وعدد أسطر كل صفحة (٢١ سطرا) في كل سطر اثنتا عشرة
كما أن هذه النسخة تمتاز- أيضا- بقلة وجود التصحيف والتحريف بها ويبدو أن ناسخها كان متقنا متمرسا.
وقد قوبلت هذه النسخة بنسخة أخرى أشار الناسخ إلى الفروق بينهما في الحاشية، ورمز لذلك ب «خ».
وورد في الحاشية- أيضا- شرح لبعض الألفاظ الغريبة، وبيان للمبهم من المواضع... وغير ذلك من الفوائد.
٢- نسخة ك: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة كوبرلي باسطنبول بتركيا، رقم (١٥٨٩)، عندي مصورتها، وهذه كاملة تشمل جميع سور القرآن، تقع في (٣٧) ورقة، قياسها (١١ ٢٢ سم)، وعدد أسطر كل صفحة (٣٧) سطرا، في كل سطر عشرون كلمة تقريبا، مكتوبة بخط نسخي جميل دقيق، كتبت الآيات فيها باللون المذهب، يكثر فيها التصحيف والتحريف، لذا لم أفد منها فائدة كبيرة.
وجاء في آخر هذه النسخة اسم ناسخها، وهو عبد العزيز الملقب ب «ركن عدل»، وتاريخ نسخها: في عشرين من شهر محرم الحرام لسنة أربع وخمسين وسبع مائة بدار الملك شيراز...
٣- نسخة ج: وهي النسخة المحفوظة بمكتبة جامعة اسطنبول بتركيا.
تقع هذه النسخة في (٨٠) ورقة، وهناك سقط في هذه النسخة أقدره بسبع ورقات، يبدأ هذا السّقط من الآية ١٢ من سورة طه حتى الآية ٤٥ من سورة النور.
وجاء في آخر هذه النسخة اسم ناسخها، وهو محمد بن فضل الله الملقب بالضياء في عام ٧٨٣ هـ.
وقد ذكر بروكلمان في تاريخ الأدب العربي: (الذيل: ١/ ٧٣٣) نسخة من كتاب «إيجاز البيان» نسبها إلى النيسابوري، وأشار إلى
المطلب الرابع: منهج التحقيق:
بعد اختياري نسخة طهران أصلا في التحقيق حاولت- قدر استطاعتي- ضبط النص وذكر الفروق بينها وبين نسخة كوبرلي ونسخة جامعة اسطنبول، وإثبات الصواب في الأصل والإشارة إليها في الهامش.
أما أهم الأعمال التي قمت بها أثناء التحقيق فهي:
١- ترقيم الآيات المفسرة التي أوردها المؤلف على يمين الصفحة، أما الآيات التي ترد في ثنايا الكتاب على سبيل الاستشهاد فقد أشرت إلى السورة ورقم الآية في الهامش.
٢- ضبط الآيات القرآنية، وكل ما يحتاج فهمه إلى ضبط من نصوص الكتاب، وراعيت في كتابه الآيات رسم المصحف.
٣- تخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية، مشيرا إلى الجزء والصفحة، والكتاب والباب.
فإن لم أعثر عليها في مظانها من كتب الحديث أشرت إلى مواضعها من كتب التفسير، وإذا كان الحديث مخرجا في الصحيحين أو في أحدهما فإني أكتفي بعزوه إليهما أو إلى أحدهما دون الإشارة إلى المصادر الأخرى التي خرجته.
٤- تخريج معظم أقوال العلماء ونصوصهم من مصادرها الأصلية.
٥- شرح الألفاظ الغريبة بالرجوع إلى معاجم اللغة المعتمدة.
٦- التعريف بالأعلام والتعليق على الأماكن التي تحتاج إلى توضيح.
٧- فهرسة الكتاب بفهارس علمية مختلفة، خدمة للكتاب وتسهيلا للرجوع
أ- فهرس الآيات القرآنية التي وردت في ثنايا الكتاب.
ب- فهرس الأحاديث والآثار.
ج- فهرس الأعلام.
د- فهرس المفردات اللغوية.
هـ- فهرس المواضع.
وفهرس الأمثال والأقوال.
ز- فهرس الأشعار.
ح- فهرس الجماعات والقبائل والفرق.
ط- فهرس المصادر والمراجع.
ي- فهرس الموضوعات.
بعد حمد الله كفاء حقّه، والصّلاة على نبيّه محمد خير خلقه، إنّ أفضل العلوم علم كتاب الله النازل من عنده، والسّبب الواصل بين الله وعبده، وتفاسيره مقصورة على قول واحد من الأولين، أو مقصودة بالتكثير والتكرير كما هو في مجموعات المتأخرين، والأولى لعجمة الطباع واللسان لا تشفي القلب، والثانية لا تطاوع الحفظ لإطالة القول، وهذا المجموع يجري من جميعها مجرى الغرّة «١» من الدّهم «٢» والقرحة من الكميت «٣»، قد اشتمل مع تدانى أطرافه من وسائطه، وتقارب أقرانه من شواكله على أكثر من عشرة آلاف فائدة، من تفسير وتأويل ودليل ونظائر وإعراب وأسباب نزول، وأحكام فقه، ونوادر لغات، وغرائب أحاديث.
فمن أراد الحفظ والتحصيل وكان راجعا إلى أدب وتمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
ومن أراد التبحر والتكثر فعليه بكتابنا «غرر الأقاويل في معاني التنزيل».
وقيل: الأغر من الخيل الذي غرته أكبر من الدرهم. والقرحة قدر الدرهم فما دونه.
ينظر اللسان: ٥/ ١٤ (غرر).
(٢) الدّهم: السواد. اللسان: ١٢/ ٢٠٩ (دهم). [.....]
(٣) الكميت: لون بين السّواد والحمرة.
الصحاح: ١/ ٢٦٣ (كمت).
ومن أراد ريحانة العلوم وباكورة التفاسير وأمهات الآداب ومقلدات الأشعار فلينشر من كتابنا «شوارد الشواهد وقلائد القصائد» حلل [الوشي] «١» وأنماطه «٢» وليبسط منه زرابي «٣» الربيع ورياطه «٤»، وكل من ذلك ركض في ميدان قد حسرت عنه الجياد، وانقطعت دونه الآماد، ولكنه سنّة العلماء [١/ ب] الأولين أجمعين في تفسير ما أشكل للآخرين الأعجمين، والله وليّ التوفيق/ فيما نقصد، وعليه نتوكل وبه نستعين ونعتضد.
والوشي: الثياب، والوشي في اللون: خلط لون بلون.
اللسان: ١٥/ ٣٩٢ (وشى).
(٢) النمط: ضرب من البسط، والجمع أنماط.
وفي اللسان: ٧/ ٤١٧ (نمط) عن أبي منصور قال: «والنمط عند العرب والزوج ضروب الثياب المصبغة ولا يكادون يقولون نمط ولا زوج إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة، فأما البياض فلا يقال: نمط، ويجمع أنماطا اهـ.
(٣) الزرابي: البسط، وقيل: كل ما بسط وأتكئ عليه، وقيل: هي الطنافس، والمراد ب «الزرابي» هنا النبت والخضرة.
ينظر اللسان: ١/ ٤٤٧ (زرب).
(٤) الرّيطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، والجمع: ريط ورياط.
الصحاح: ٣/ ١١٢٨، واللسان: ٧/ ٣٠٧ (ريط).