هي مكية، نزلت بعد سورة الفلق.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير المفردات :﴿ رب الناس ﴾ أي مربيهم ومنمّيهم ومراعي شؤونهم.الإيضاح :﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ أمر رسوله أن يستعين بمن يربي الناس بنعمه، ويؤدبهم بنقمه.
وإنما قدم الربوبية ؛ لأنها من أوائل نعم الله على عباده، ثم ثنى بذكر المالكية ؛ لأن العبد إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مفكرا، ثم ثلث بذكر الألوهية ؛ لأن المرء بعد أن يدرك ويعقل يعلم أنه هو المستوجب للخضوع والعزة والمستحق للعبادة، وإنما قال : رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وهو رب كل شيء، ومالك كل شيء، وإله كل شيء، من قِبل أن الناس هم الذين أخطؤوا في صفاته وضلوا فيها عن الطريق السوي، فجعلوا لهم أربابا ينسبون إليهم بعض النعم، ويلجؤون إليهم في دفع النقم، ويلقبونهم بالشفعاء، ويظنون أنهم هم الذين يدبرون حركاتهم، ويرسمون لهم حدود أعمالهم.
وبحسبك أن تقرأ قوله تعالى :﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ﴾ [ التوبة : ٣١ ]، وقوله :﴿ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ﴾ [ آل عمران : ٨٠ ].
والخلاصة : إنه سبحانه أراد أن ينبه الناس بأنه هو ربهم، وهم أناس مفكرون، وملكهم وهم كذلك، وإلههم وهم هكذا، فباطل ما اخترعوا لأنفسهم من حيث هم بشر.
﴿ من شر الوسواس الخناس ﴾ أي ألجأ إليك رب الخلق وإلههم ومعبودهم أن تنجينا من شر الشيطان الموسوس الكثير الخنوس والاختفاء ؛ لأنه يأتي من ناحية الباطل، فلا يستطيع مقاومة الحق إذا صدمه، ولكنه يذهب بالنفس إلى أسوإ مصير، إذا انجرت مع وسوسته، وانساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال.
وهذه الأحاديث النفسية إذا سلط عليها نظر العقل خفيت واضمحلت، ولكن الموسوس عند إلقائها.
وحديث النفس بالفواحش وضروب الأذى للناس، يذهب هباء إذا تنبهت النفس لأوامر الشرع، وهكذا إذا وسوس لك امرؤ وبعثك على فعل السوء، ثم كَرّته بأوامر الدين يخنس ويمسك عن القول، إلى أن تسنح له فرصة أخرى.
وقد وصف الله هذا الوسواس الخناس بقوله :﴿ الذي يوسوس في صدور الناس* من الجنة والناس ﴾ أي إن هذا الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور البشر، قد يكون من الجنة، وقد يكون من الناس، كما جاء في قوله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ]، فشيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس أخرى، وشيطان الإنس كذلك، فكثيرا ما يريك أنه ناصح شفيق، فإذا زجرته خنس وترك هذه الوسوسة، وإذا أصغيت إلى كلامه استرسل واستمر في حدوثه وبالغ فيه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به " رواه أبو هريرة وخرّجه مسلم.
وإنما جعل الوسوسة في الصدور من قِبل أنه عهد في كلام العرب أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، ألا تراهم يقولون : إن الشك يحوك في صدرك، ويجيش في صدري كذا، ويختلج ذلك بخاطري، وما الشك إلا في نفسه وعقله، وأفاعيل العقل تكون في المخ، ويظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب، وضيق الصدر وانبساطه.
قال الأستاذ الإمام : الموسوسون قسمان :
( ١ ) قسم الجنة، وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثرا ينسب إليهم، ولكل واحد من الناس شيطان، وهي قوة نازعة إلى الشر، ويحدث منها في نسفه خواطر السوء.
( ٢ ) قسم الناس، ووسوستهم ما نشاهده ونراه بأعيننا، ونسمع بآذاننا.
وما أوردوه في خرطوم الشيطان وخطمه ومنقاره وجثومه على الصدر أو على القلب ونحو ذلك ؛ فهو من قبيل التمثيل والتصوير اه ملخصا. وقد بدئت السورة برب الناس، ومن كان مربيهم فهو القادر على دفع إغواء الشيطان ووسوستهم.