تفسير سورة النّاس

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة الناس من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[[أهمية علم التفسير بالمأثور]]
أما بعد: فإن علم التفسير من أجلِّ العلوم وأفضلها وأشرفها باعتبار أساسه وتاريخه وموضوعه وغايته، فأساسه: القرآن الكريم والحديث الشريف، وتاريخه: أول العلوم الإسلامية. وموضوعه: كلام الله تعالى. وغايته: معرفة معانيه وإدراك مراميه. وسنام هذه المعرفة: التفسير بالمأثور لأهميته الكبرى في فهم القرآن العظيم، لأنه تفسير من رب العالمين، أو من رسوله الأمين، أو تفسير صحابي شهد التنزيل وعرف التأويل، (١) أو تفسير تابعي نهل من مدرسة النبوة عن الصحابة المفسرين النابغين.
فلابد من التفسير بالمأثور لمن أراد أن يستجيب لله تعالى فيتدبر كلام الله، وكذا لمن أراد أن يفسر بالرأي يتحتم عليه أن يطلع على معرفة: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والغريب، والمشكل، والوقف والابتداء، والقراءات وأوجهها، والقراءات الشاذة التفسيرية، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، والأحاديث المخصصة للعام، والمقيدة للمطلق... وهذه العلوم لا تؤخذ إلا بالنقل الصحيح ولا تنفك عن التفسير بالمأثور بل هي نابعة منه
ولما أوجب الله عز وجل علينا أن نعمل بهذا القرآن بالاستجابة لأوامره والازدجار عن نواهيه والاعتبار بقصص الأمم السالفة... فقد كان لزاماً أن نتدبر معاني هذا القرآن وأن ندرك مراميه لنعمل به ونتحرى ما ثبت في تفسيره لنستقيم على نهجه.
_________
(١) المراد بالتأويل: التفسير. وما ذكر اقتباس من الحديث الثابت في دعاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس رضي الله عنهما: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". رواه أحمد في المسند ١/٣٢٨.
5
ولهذه الأمة تجربة خالدة حينما تدبرت هذا القرآن وأخذته بقوة، حيث أسعفها في طفرتها الكبرى حينما انتشلها من دياجير الجاهلية إلى مشاعل النور (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (١) فلما التزمت بهدية هداها، ولما تركته تركها كما نرى الحال في هذا الزمان.
وبما أن العلماء هم الذين ينصحون الأمة ويحذرونها من مغبَّة البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد صدرت نداءاتهم المتكررة في كل زمان وحثهم الأمة على العودة إلى القرآن والسنة وغالباً ما يواكب هذه النداءات الدعوة لتنقية التفسير من الدخيل بأنواعه أو تصنيف تفسير نقلي بعدما ثبت فشل المدرسة العقلية -عندما زهدت بالأحاديث والآثار الصحيحة إذ لابد من الاستفادة منها- (٢)، وذلك من خلال نصائح العلماء وطلاب العلم والمثقفين، وهو مطلب مهم لأن التفسير علم جامع للقرآن والسنة.
وإن جندياً من جنود القرآن والسنة ليدرك من غير شك أهمية هذا المطلب الإسلامي والمسؤولية التي تناط به وخصوصاً في عصرنا الحاضر، وآمل ساعياً أن أحقق أملاً من الآمال التي تعقد على طلاب العلم.
من أجل هذا المنطلق جاءت فكرة تصنيف هذا الكتاب حيث قررت أن أجمع كل ما صح إسناده من التفسير بالمأثور؛ لأن الرواية التفسيرية الصحيحة تتقبلها النفوس -إن كانت صادقة- بكل اطمئنان وتأخذها بقوة وجدية، وخصوصاً إذا كانت الرواية من الصحيحين أو على شرطهما أو على شرط
_________
(١) الإِسراء ٩.
(٢) وقد صنف فضيلة د. فهد الرومي في هذا الموضوع كتاباً بعنوان: منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير.
6
أحدهما، أو صحح تلك الرواية بعض النقاد المعتمدين. ويكفينا تجربة تقبل الصحيحين (١). وهذا التقبل والأخذ يقوي صلة المسلم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفي الوقت نفسه إن جمع الروايات التفسيرية الصحيحة يؤدي إلى تنقية التفسير من الدخيل بأنواعه، وفي هذا الجمع غربلة لجميع الروايات التفسيرية الثابتة الموجودة في كتب التفسير المسندة المطبوعة والمخطوطة، والموجودة في الكتب المسندة في العلوم الأخرى والتي سيأتي ذكرها في الحواشي والمصادر، وطريقة هذه الغربلة بنقد جميع الأسانيد لتلك الروايات وخصوصاً للأسانيد المتكررة كثيراً، فقد أفردت لها دراسة نقدية خاصة بها كما سيأتي في آخر هذه الديباجة.
هذا ومن فضل الله تعالى ومَنِّه أن هيأ الأسباب لهذا العمل حيث قيض لهذه الأمة في كل عصر ومصر من يقوم بنشر هذا العلم والعناية به، فخلفوا لنا تركة من كتب التفسير المسندة التي خزنت وحفظت كتب السابقين، وهذه من خصائص هذه الأمة.
وإن تكفلَ الله تعالى القرآن بالحفظ والبيان لمن أعظم ما خص الله تعالى هذه الأمة من الفضيلة والشرف حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٢) وقال أيضاً: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ). (٣) وَعَدَ سبحانه -ووعده حق-، فبَيّن وفصّل بأدق أساليب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٤).
_________
(١) ولا أدعي أن هذه الروايات وصلت مرتبة الصحيحين إلا أن جزءاً كبيراً مأخوذ من الصحيحين أو من كتب أسانيدها على شرطهما أو على شرط أحدهما وذلك في مجال التفسير النبوي.
(٢) سورة الحجر ٩.
(٣) سورة القيامة ١٧-١٩.
(٤) سورة فصلت ٣.
7
وقال عز وجل أيضاً: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (١).
[[نبذة عن نشأة التفسير بالمأثور]]
كما جعل الله تعالى سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بياناً للقرآن وتطبيقاً له في أقواله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله، ليكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسوة الحسنة كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢).
وأوحى الله تعالى إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبين للأمة ما تحتاج إلى بيانه فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٣). وقد قام الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأداء الأمانة فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. (فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها. فلبث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر.
_________
(١) سورة البقرة ٢١٩ وقال الطبري عند هذه الآية: أي كما بينت لكم أعلامي وحججي وهي (آياته) في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدي فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آياتي وحججي وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي... (التفسير ١/٣٤٧-٣٤٨).
(٢) سورة الأحزاب ٢١.
(٣) سورة النحل ٤٤.
8
قال الله عز وجل (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) (١) (٢).
[[نبذة عن مراحل التفسير بالمأثور ومنهج الصحابة والتابعين فيه]]
وما أن فاضت روحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير (٣)، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا -رضوان الله عليهم- الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.
(وتلقى التابعون التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة) (٤)، وقد قام التابعون الذين تحملوا هذا العلم بواجبهم تجاه هذا القرآن العظيم، فكرسوا اهتمامهم وبذلوا جهودهم لتلقي ما ورد من آثار لبيان معاني ومرامي هذا القرآن الكريم، فعرفوا تفسيره وأسباب نزوله، وفضائله وأمثاله، وأحكامه وأقسامه، وغريبه ومعربه، وبينوا المحكم من المتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعموم من الخصوص، والمفصل من المجمل، والمقدم من المؤخر، والمطلق من المقيد.
_________
(١) سورة النساء١٦٥.
(٢) قاله أبن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ص ٢.
(٣) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ٤٠، ٤١ والإتقان ٢/٢٣٩.
(٤) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ١٠.
9
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان من أعظم ما أنعم الله عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم: فيه نبأ من قبلهم، وخبر ما بعدهم، وحكم ما بينهم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، فلا يستطيع أن يزيغه إلى هواه، ولا يحرف به لسانه، ولا يخلق عن كثرة الترداد، فإذا ردد مرة بعد مرة لم يخلق ولم يمل كغيره من الكلام، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع عنه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم. فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل. والنقل -يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين- إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولا فيهم من يقول: إن له ذوقاً أو وجداً أو مخاطبة أو مكاشفة، تخالف القرآن والحديث... (١).
وهذا أنموذج من النماذج الدقيقة التي تدل على رصانة المنهج المتبع عند الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم والعمل به، وقد نشروا منهجهم في أصقاع الخلافة آنذاك فحينما بدأت الفتوح على أيديهم في الجزيرة العربية وما جاورها انتشر الصحابة للدعوة إلى الله وتوحيده يفقهون الناس بما أنزل
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ١٣/٢٨، ٢٩.
10
إليهم، فكان ابن عباس في مكة والبصرة، وابن مسعود في الكوفة، والخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وأبو موسى الأشعري باليمن، وعمرو بن العاص بمصر، وكان من منهجهم في التعليم: الفهم والتطبيق العملي لما قرأوا وتعلموا من القرآن الكريم.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن (١).
وكان بعضهم إذا أشكل عليه مسألة سأل من هو أعلم منه في تلك المسألة، ويتكاتبون فيما بينهم إذا كانوا متباعدين.
فقد كتب ابن عباس - رضي الله عنه - إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي... أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي. قاله الحافظ ابن حجر ثم قال: وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي -وابن عباس بالبصرة- أني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه أن أعط الجد سدساً (٢) ولا تعطه أحداً بعده (٣).
وقد أثَّر هؤلاء الصحابة -رضوان الله عليهم- في تلاميذهم من التابعين رحمهم الله حيث اجتمع في كل بلد لفيف من التابعين (٤) حول هؤلاء الصحابة
_________
(١) أخرجه من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي قال: سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش عن شقيق، عن ابن مسعود به (التفسير رقم ٨١)، وأخرجه البيهقي (شعب الإيمان ٤/٥١٠ رقم ١٨٠١) والحاكم من طريق أبي عبد الرحمن عن ابن مسعود بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٥٥٧).
(٢) قوله سدساً: صحفت في فتح الباري إلى سبعاً وانظر فتح الباري ١٢/٢١ وقارن مع الدارمي ٢/٣٥٤.
(٣) فتح الباري ١٢/٢١ وسنن الدارمي كتاب الفرائض - باب قول علي في الجد ٢/٣٥٤.
(٤) ذكر ابن حبان مشاهير التابعين في مكة والمدينة والبصرة والكوفة ومصر واليمن (انظر مشاهير علماء الأمصار ص ٦٢، ٨١، ٨٧، ٩٩، ١١٩، ١٢٢).
11
فكان من أصحاب ابن عباس الذين يقولون بقوله ويفتون ويذهبون مذهبه: سعيد بن جبير وجابر بن زيد وطاووس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة (١).
ومن أصحاب ابن مسعود الذين يفتون بفتواه ويقرأون بقراءته علقمة ابن قيس والأسود ابن يزيد ومسروق وعبيد السلماني والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل (٢).
هذا بالنسبة لابن عباس وابن مسعود وهما مكثران، وهكذا الحال بالنسبة للآخرين من الصحابة المذكورين فلهم تلاميذ سطرت أسمائهم في تراجم الصحابة ومسانيدهم، وقد تتلمذ هؤلاء التابعون على الصحابة المفسرين قراءة وحفظاً وتفسيراً وعملاً.
وكان من منهج الصحابة الدقيق في تعليم التابعين العرض والتفسير والكتابة.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: أكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله (٣).
وقال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها (٤). وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق معنعناً به (٥)، وإسناده حسن لأنه ثبت تصريح محمد بن إسحاق بالسماع. فقد أخرجه الحاكم
_________
(١) ذكره علي بن المديني عن يحيى بن سعيد (علل الحديث ومعرفة الرجال ص ٤٥، ٤٨، ٤٩).
(٢) ذكره علي بن المديني (المصدر السابق ص ٤٤).
(٣) أخرجه عن أبي كريب قال حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة به (التفسير رقم ١٠٧).
(٤) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ٤٤.
(٥) التفسير رقم ١٠٨.
12
من طريق محمد بن إسحاق سمع أبان بن صالح يحدث عن مجاهد قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أوقفه على كل آية أسأله فيما نزلت وكيف كانت... (١).
وكذا كان سعيد بن جبير حريصاً على الكتابة عن ابن عباس. قال الدارمي: أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا مندل بن علي العنزي، حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهورها (٢). وأخرجه بن سعد والدارمي أيضاً من طريق يعقوب القمي عن جعفر به مختصراً (٣)، وأخرجه الرامهرمزي من طريق مندل به (٤).
وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق حبان عن جعفر بن أبي المغيرة به (٥).
وأخرج الدارمي أيضاً عن أبي النعمان، ثنا عبد الواحد، ثنا عثمان بن حكيم قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه (٦)، أخرجه الخطيب البغدادي من طريق طارق عن سعيد بن جبير بنحوه (٧).
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعرض المصحف على بعض تلاميذه ويبين سبب نزول بعض الآيات فقد روى النسائي بسند صحيح عن كعب بن علقمة عن أبي النضر عن نافع مولى ابن عمر قال: أن ابن عمر كان عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
_________
(١) المستدرك ٢/٢٧٩.
(٢) السنن - باب من رخص في كتابة العلم ١/١٢٨.
(٣) المصدر السابق والطبقات الكبرى ٦/٢٥٧.
(٤) المحدث الفاصل ص٣٧١.
(٥) تقييد العلم ص ١٠٢.
(٦) السنن ١/١٢٨.
(٧) تقييد العلم ص ١٠٢، ١٠٣.
13
شِئْتُم) فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم) (١). وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح، وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن الحسين ابن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب ابن علقمة فذكره (٢).
وأما ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد كان يقرأ على تلاميذه السورة ثم يفسرها في وقت كاف. فقد أخرج الطبري بسنده عن مسروق قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار (٣). ولهذا نرى التابعين الذين تحملوا هذا العلم من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرحلون من بلد إلى بلد في طلب تفسير آية واحدة، فهذا سعيد بن جبير يرى أهل الكوفة قد اختلفوا في قول الله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) (٤). فيرحل إلى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيسأله عنها فيجيبه بقوله: نزلت هذه الآية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) وهي أخر ما نزل وما نسخها شيء.
أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري (٥).
_________
(١) البقرة ٢٢٣.
(٢) التفسير ١/٤٦٥.
(٣) أخرجه عن يحيى بن إبراهيم المسعودي عن أبيه، عن أبيه عن جده عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به. (التفسير رقم ٨٤).
(٤) النساء ٩٣.
(٥) صحيح البخاري - التفسير - سورة النساء، ب (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) رقم ٤٥٩٠ وصحيح مسلم. التفسير رقم ٣٠٢٣.
14
وهذا مسروق رحل إلى البصرة في طلب تفسير آية فقيل له: الذي يفسرها رجع إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها (١).
وأما زر بن حبيش فيقول: وفدت في خلافة عثمان بن عفان وإنما حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه الخطيب البغدادي بسنده عن زر (٢).
وكان من منهجهم الرائع التورع في التحمل والرواية فيبحثون عن علو الإسناد وعمن هو أهل للرواية، فهذا أبو العالية يقول: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أتفقد صلاته فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه، وإن أجده يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت: هو لغير الصلاة أضيع".
رواه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي العالية (٣). وهو القائل أيضاً: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم. رواه ابن سعد (٤) والبغدادي (٥) بسنديهما عنه واللفظ لابن سعد.
وقد ظفر أبو العالية بعَرضه القرآن على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس، وصح أنه عرض على عمر رضي الله عن الجميع (٦)، كما حظي برواية نسخة أُبي بن كعب في التفسير كما سيأتي في عرض أشهر الأسانيد في التفسير.
_________
(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ١/١٣ وروى ابن عبد البر نحوه في جامع بيان العلم وفضله - ب ذكر الرحلة في طلب العلم ١/٩٤.
(٢) الرحلة في طلب الحديث ص ٩٢.
(٣) المصدر السابق ص ٩٣ وأخرجه أبو نعيم بنحوه (حلية الأولياء ٢/٢٢٠).
(٤) الطبقات الكبرى ٧/١١٣.
(٥) الرحلة في طلب الحديث ص ٣٩.
(٦) ذكره ابن الجزري في غاية النهاية ١/٢٨٤ وذكره أبو عمرو الداني فيما نقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤/٢٠٨.
15
وأما مسروق فيحذر من التساهل في التفسير فروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن هشيم أنبأنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله (١).
وفي هذه الفترة برزت جماعة من التابعين اشتهروا بمعرفة التفسير فبرعوا ونبغوا فيه ومنهم سعيد بن جبير ت ٩٥ هـ وعكرمة ت ١٠٧ هـ ومجاهد ت ١٠١ أو ١٠٢ أو ١٠٣ أو ١٠٤ هـ وأبو العالية ت ٩٠ هـ وقتادة ت ١١٠هـ وعامر الشعبي ت ١٠٥هـ ومسروق ت ٦٣ هـ والحسن البصري ت ١١٠ هـ والضحاك بن مزاحم ت ١٠٥ أو ١٠٦هـ وغيرهم.
وقد استفادوا من تلك المنهجية العلمية الدقيقة التي بوأتهم مكانة مرموقة، فتصدروا مجالس العلم وبدأ بعضهم بتدوين التفسير فكانوا طليعة الفرسان في هذا الميدان، ففي عصرهم بدأ تدوين التفسير، وأول من قام بذلك سعيد ابن جبير الأسدي ت ٩٥ هـ عندما كتب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يسأل سعيد ابن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن وقد استجاب له فصنف التفسير وقد وجد عطاء بن دينار هذا التفسير في الديوان، فرواه عن سعيد وجادة (٢).
وفي هذا العصر انتشرت كتابة التفسير، روى الدارمي عن عمرو بن عون، أنا فضيل، عن عبيد المكتب قال: رأيتهم يكتبون التفسير عن مجاهد. (٣)
وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق وكيع بن فضيل ابن عياض به (٤).
وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يحيى الكناسي قال: كان مجاهد يصعد بي إلى غرفته فيخرج إليّ كتبه فأنسخ منها (٥).
_________
(١) انظر المقدمة ص ٥٠ ومجموع الفتاوى ١٣/٣٧٤. كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) رواه ابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح والتعديل ٦/٣٣٢.
(٣) السنن - باب من رخص في كتابة العلم ١/١٢٨.
(٤) تقييد العلم ص ١٠٥.
(٥) تقييد العلم ص ١٠٥.
16

[[أشهر تفاسير أتباع التابعين وما بعدهم]]

وقد واكب هذا التدوينُ الفتحَ الإسلامي الذي امتدت أطرافه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مما أدى إلى اتساع انتشار هذا العلم إضافة إلى ذلك ازدياد الرحلات العلمية، وكان لتدوينه أيضاً أثر كبير في انتشاره وتداوله عند أهل العلم من صغار التابعين وأتباع التابعين مثل:
الضحاك بن مزاحم الهلالي ت ١٠٥ هـ أو ١٠٦ هـ.
ومقاتل بن سليمان البلخي ت ١٠٥هـ وقد طبع تفسيره (١).
وطاوس بن كيسان اليماني ت ١٠٦هـ.
وقتادة بن دعامة السدوسي ت ١١٠هـ.
ومحمد بن كعب القرظي ت ١١٨هـ.
والسدي الكبير ١٢٧هـ.
وعبد الله بن يسار المعروف بابن أبي نجيح ت ١٣١ هـ.
وعطاء الخراساني ت ١٣٥ هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٢).
وزيد بن أسلم العدوي ت ١٣٦هـ.
والربيع بن أنس البكري ت ١٤٠هـ.
وعلي بن أبي طلحة ت ١٤٣هـ استخرج السيوطي أغلب صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم (٣).
وكل هذه التفاسير قد أفرد لكل تفسير مؤلف جمعت في مرويات كل مفسر، وأغلبها رسائل جامعية.
_________
(١) حققه د. عبد الله محمود شحاتة وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.
(٢) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٣) انظر الإتقان ٢/ ٦- ٤٦.
17
والأعمش سليمان بن مهران ت ١٤٧هـ أو ١٤٨هـ (١).
وغيرهم من المفسرين المتقدمين فقام هؤلاء بجمع نسخ وروايات وصحف كبار التابعين وتدوينها فسطع قبس التفسير في أرجاء العالم الإسلامي آنذاك ثم أزداد تألقاً في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث استنار العلماء الذين تلقوا هذا العلم من شيوخهم واعتنوا به فحفظوه أو كتبوه ثم رووه لتلاميذهم فتوسعت حركة تدوين التفسير وظهرت تفاسير مشابهة للتفاسير المتقدمة وقد تكون أوسع منها مثل: تفسير سفيان الثوري ت ١٦١هـ (٢).
وتفسير معاوية بن صالح ت ١٥٨ هـ أو ت ١٧٢هـ وهو الراوي لصحيفة علي بن أبي طلحة.
وتفسير شيبان بن عبد الرحمن النحوي ت ١٦٤ هـ وهو راوي التفسير عن قتادة.
وتفسير نافع بن أبي نعيم القارئ ت ١٦٧هـ أو ١٦٩هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٣).
وتفسير أسباط بن نصر الهمداني ت ١٧٠ هـ وهو الراوي لتفسير السدي.
وتفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت ١٧٩ هـ.
وتفسير مسلم بن خالد الزنجي ت ١٧٩ هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٤).
وتفسير عبد الله بن المبارك المروزي ت ١٨١هـ.
_________
(١) كل هؤلاء المفسرين لهم تفاسير ذكرت في كتب طبقات المفسرين للسيوطي والداوودي وعمر نزيه التركي -باللغة التركية- ومعجم المفسرين لعادل نوهيض، وكتب فهارس التراث مثل كشف الظنون وفهرست ابن النديم وتاريخ التراث لسزكين وكتب الإجازات مثل المعجم المفهرس لابن حجر (مخطوط طبع مؤخرا) وللمزيد عن هذه التفاسير وطريقتي في استخراجها من مظانها. انظر مقدمتي لتفسير ابن أبي حاتم -المجلد الثاني- والقواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية.
(٢) مطبوع في جزء واحد.
(٣) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
(٤) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
18
وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت ١٨٢ هـ.
وتفسير هشيم بن بشير السلمي ت ١٨٣ هـ.
وتفسير يحيى بن يمان العجلي ت ١٨٩ هـ، وقد حققتُ قطعة من تفسيره (١).
وتفسير إسماعيل بن علية ت ١٩٣ هـ.
وتفسير يحيى بن سلام البصري ت ٢٠٠ هـ (٢).
وفي هذا العصر ازدادت كتب التفسير وبقيت على هيئة أجزاء ونسخ كتفسير الإمام مالك بن أنس فقد وصفه ابن كثير (٣) والذهبي (٤) وابن حجر (٥) والروداني (٦) بأنه جزء وكذلك التفاسير التي تقدمت في القائمة السابقة حيث ذكرت الموجودة منها وكلها على هيئة أجزاء ونسخ.
[[أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع]]
وفي القرن الثالث والرابع الهجري دخل التفسير في مرحلة جديدة وهي مرحلة الموسوعات الجامعة في التفسير، فظهرت تفاسير ضخمة مروية ومستوعبة لكثير من الأجزاء والنسخ المبثوثة في رحاب العالم الإسلامي آنذاك ذلك العالم الذي استطاعت حضارته أن تجمع وتؤلف بين العرب والعجم والبربر تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا جاءت بعض تفاسير العلماء حافلة بتفاسير السابقين وشاملة للقرآن كله وذلك بسبب انتشار العجمى ومن هذه التفاسير:
_________
(١) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٢) توجد منه أجزاء مخطوطة في المغرب وقد حققتْ في تونس، وهذه التفاسير المتقدمة ذكرت في المصادر السابقة في حاشية القائمة السابقة ويضاف إليها الرسالة المستطرفة ومفتاح السعادة ومصباح السعادة.
(٣) انظر التفسير ٢/١٩٢.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ٨/٨٠.
(٥) المعجم المفهرس ل ٤٤ ب.
(٦) صلة الخلف بموصول السلف ص ٤٣، ٤٤.
19
تفسير عبد بن حميد الكشي ت ٢٤٠ هـ (١).
تفسير ابن جرير الطبري ت ٣١٠ هـ.
تفسير ابن المنذر النيسابوري ت ٣١٨ هـ (٢) [[وقد اتحفني الشيخ عاصم قارئ بوريقات منه]] (*).
تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٧ هـ (٣).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه التفاسير عند كلامه عن الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة فساق أسماءهم -وذكر أولهم بأنه من طبقة شيوخهم- ثم قال: فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها... (٤).
وكذلك ابن أبي حاتم فقد حاول أن يفسر كل آية بل كل كلمة وحرف وقد يسوق أكثر من عشرة أوجه في الكلمة الواحدة (٥).
ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً:
١ - تفسير الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ت ٢٤١هـ.
وتفسيره ضخم حافل بمائة وعشرين ألف رواية، صرح بهذا الرقم أبو الحسين بن المنادي في تأريخه فيما رواه عنه القاضي أبو الحسين أبو يعلى حيث ذكر عبد الله وصالح ابني الإمام أحمد فقال: كان صالح قليل الكتاب عن أبيه، فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند
_________
(١) توجد منه قطعة في حواشي تفسير ابن أبي حاتم في المجلد الثاني.
(٢) توجد منه قطعة في ألمانيا الشرقية - مكتبة جوتا.
(٣) يوجد نصفه تقريباً وقد حقق في جامعة أم القرى.
(٤) العجاب في بيان الأسباب د-٣.
(٥) انظر تفسير سورة آل عمران رقم ١٨١-١٩٨ عند قوله تعالى (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَة).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية. أقول: وقد طُبعت القطعة (التي أشار إليها المؤلف) بتحقيق الدكتور سعد بن محمد السعد، وهي ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة)
20
وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مئة ألف وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة... (١) ونقله أيضاً الخطيب البغدادي (٢) والذهبي (٣)، وأبو موسى المديني في خصائص المسند (٤)، وصرح بهذا الرقم ابن الجوزي (٥).
وقد ذكر هذا التفسير ابن النديم (٦)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (٧)، والداوودي (٨)، ومحمد السعدي الحنبلي ت٩٠٠ هـ (٩)، وحصل الروداني المغربي على إجازة روايته فذكره في ثبته ثم ساق إسناده إلى الإمام أحمد بن جعفر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه (١٠).
ولكن الإمام الذهبي أنكر وجود هذا التفسير، فبعد أن ذكر قول ابن المنادي قال: لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير ولا بعضه ولا كراسة منه ولو كان له وجود أو لشيء منه لنسخوه... (١١).
ويبدو أن الإمام الذهبي لم يحظ بجزء أو كراسة من تفسير الإمام أحمد علما بأن جزءا من تفسير أحمد كان موجودا في زمنه حيث نقله بنصه وفصه الإمام ابن قيم الجوزية -وهو معاصر للذهبي وتوفي ابن القيم سنة٧٥١ هـ أي بعد وفاة الذهبي بثلاث سنوات- فقال ابن القيم في بدائع الفوائد: ومن خط
_________
(١) طبقات الحنابلة ١/١٨٣.
(٢) تاريخ بغداد ٩/٣٧٥.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٣/٣٢٨، ٣٢٩.
(٤) ص ٢٣ من مقدمة أحمد شاكر لمسند أحمد
(٥) مناقب الإمام أحمد ص ٢٤٨.
(٦) الفهرست ص ٢٨٥.
(٧) الفتاوي ٦/٣٨٩، ١٣/٣٥٥ ودرء تعارض العقل والنقل ٤/٢٢٨.
(٨) طبقات المفسرين ٢/٢٢.
(٩) الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد في بداية عرضه لمؤلفات الإمام أحمد.
(١٠) صلة الخلف ص ٣٩
(١١) سير أعلام النبلاء ١٣/٥٢٢ وانظر ١١/٣٢٨، ٣٢٩.
21
القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد. ثم ساقه بأكمله في تسع صفحات (١) إضافة إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر أفاد من تفسير أحمد وصرح بنقله منه (٢).
والحق أن تفسير الإمام أحمد لم يشتهر كشهرة مسنده الذي ذاع صيته في الآفاق وكثر قصاده إلى العراق.
٢- التفسير الكبير لأمير المؤمنين محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح ت ٢٥٦ هـ.
ذكر بروكلمان نسخة منه في باريس -المكتبة الوطنية- وقطعة منه في الجزائر في المكتبة الوطنية أيضاً (٣). ولعلها من صحيح البخاري.
وقد سألت عن هاتين النسختين فلم أجد أحدا رآهما!! ويبدو من عنوانه أنه تفسير كبير.
٣- تفسير أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازى ت ٢٥٨ هـ.
قال إبراهيم بن محمد الطيان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلا أدخلت في تصنيفي ثلاث مئة وعشرة وعطلت سائر ذلك وكتبت ألف ألف حديث وخمس مئة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مئة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيره (٤).
٤- تفسير القرآن الكريم لابن ماجة القزويني ت ٢٧٣ هـ.
وصفه ابن كثير بالحافل فقال: ولابن ماجة تفسير حافل (٥).
_________
(١) ٣/١٠٨-١١٦
(٢) انظر مثلا تغليق التعليق ٤/٢٢٨ ومن أراد الاستزادة في إثبات وجود تفسير أحمد فليراجع مقدمتي لمرويات أحمد في التفسير ص ٤-١١.
(٣) تاريخ الأدب العربي ٣/١٧٩.
(٤) انظر تهذيب الكمال ١/٤٢٥.
(٥) البداية والنهاية ١١/٥٢.
22
والحافل الكثير الممتلئ (١)، وذكره ابن خلكان والمزي والذهبي والداوودي (٢)، وللمزيد عن هذا الكتاب راجع مقالي بعنوان: استدراكات على تاريخ التراث العربي (٣)، والكتاب مفقود وقد جمعت روايات تفسيرية كثيرة من سننه، ومن الدر المنثور، ومن تهذيب الكمال في مواضع تراجم الرجال الذين رمز لهم المزي (فق) أي رجال ابن ماجة في التفسير.
٥- التفسير الكبير لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بابن راهويه ت ٢٣٨هـ.
ويبدو أنه كبير من عنوانه. ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي والسمعاني والداوودي (٤).
٦- التفسير لإبراهيم بن إسحاق الحربي ت ٢٨٥ هـ قال الذهبي في ترجمته: مصنف التفسير الكبير (٥). وهو كسابقه وذكره ابن حجر والداوودي (٦).
٧- التفسير لابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت ٣١٦ هـ. روى المفسر أبو بكر النقاش أنه سمع أبا بكر بن أبي داود يقول: إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث (٧).
وذكر هذا التفسير الخطيب البغدادي والعليمي والداوودي (٨).
_________
(١) الصحاح ٤/١٦٧٠ والنهاية ١/٤٠٩.
(٢) انظر وفيات الأعيان ٤/٢٧٩ وتهذيب الكمال ٤/٩٠، ٧/٤١٣ وسير أعلام النبلاء ١٣/٢٧٧ وطبقات المفسرين ٢/٢٧٤.
(٣) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد ٦٧، ٦٨.
(٤) انظر الفهرست ص ٢٦٨، وتاريخ بغداد ٨/٣٦٩، والتحبير في المعجم الكبير ٢/١٩٠، وطبقات المفسرين ١/١٠٣.
(٥) تذكرة الحفاظ ٢/٧٠١.
(٦) تهذيب التهذيب ١٠/٢٨١ وطبقات المفسرين ١/٧.
(٧) انظر سير أعلام النبلاء ١٣/٢٨١ ولسان الميزان ٣/٢٩٥.
(٨) انظر تاريخ بغداد ٩/٤٦٤ والمنهج الأحمد ٢/١٥ وطبقات المفسرين ١/٣٣٦، ٣٣٧.
23
٨- التفسير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت ٣٦٠ هـ.
قال الداوودي في طبقات المفسرين: وله تفسير كبير. ا. هـ.
وقد جمعت روايات تفسيرية من معاجمه الثلاثة وكتاب الدعاء، ومكارم الأخلاق، وجزء من سمع من عطاء. كلها للطبراني المذكور.
٩- تفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق البستي ت ٣٠٧ هـ.
توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية بمصر وقد وصل إلى النصف الثاني ويبدأ من سورة الكهف إلى نهاية التفسير، وصورته من مكتبة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
وقد قرأت هذا التفسير الجليل ولاحظت عدم التصريح باسم المؤلف في الغلاف ولكن صرح باسمه في الورقة ١٢٦ ب، ومما يؤكد أن هذا التفسير لهذا المؤلف ما نقله العيني من هذا التفسير بأسانيد مماثلة له كما صرح باسم المؤلف أيضاً (١).
ووجدت لهذا التفسير مزايا كبرى:
أولها: أن [[أغلب]] (*) أسانيده على شرط الصحيحين.
ثانيها: أن مؤلفه طويل النفس في إيراد الأحاديث والآثار وعمله كصنيع ابن أبي حاتم في التفسير بالمأثور المجرد من أي قول آخر.
ومن أجل ذلك اقترحت تحقيقه على فضيلة د. عوض العمري وفضيلة د. عثمان المعلم وقد حققاه ونالا به درجة الدكتوراه.
١٠- تفسير عمر بن أحمد بن عثمان المشهور بابن شاهين ت ٣٨٥ هـ.
قال الخطيب البغدادي في ترجمته: له التفسير الكبير. ا. هـ.
_________
(١) عمدة القاري ١٩/١٤، ٢٢، ٨/٢٨٣، ١٨/١٥٣، ٢١٨
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية
24
وتفسيره كبير كما وصف حيث احتوى على تفاسير منها تفسير أبي الجارود (١).
وقال الكتاني: وهو في ألف جزء ووجد بواسط في نحو من ثلاثين مجلدا (٢).
فهذه نماذج من كتب التفسير في ذلك العصر الذي برز فيه صرح التفسير بالمأثور شامخا مسندا كاملا للقرآن الكريم، فقد تكاملت أسسه التي أرسيت بثمار تلك الجهود المباركة السابقة، فاجتمعت مع جهود المتقدمين عنايةُ اللاحقين حيث جمعوا وأضافوا ونقدوا، وكان جميعهم عاكفين على هذا العلم، وعضوا عليه بالنواجذ لأنه جمع بين القرآن والسنة، وقد زاد اهتمامهم عندما تلوث هذا العلم بالدخيل بسبب تساهل بعض العلماء في إيرادهم الإسرائيليات بأنواعها، وبسبب صنيع الزنادقة والقصاص والكذابين وأهل الأهواء فوقع التحريف والتأويل والوضع.
فما ورد عن المفسرين الكذابين طرح وفضح كتفسير محمد بن السائب (٣) الكلبي وتفسير محمد بن مروان السدي الصغير (٤)، وكذلك ما ورد عن أهل الأهواء كصالح بن محمد الترمذي فقد كان مرجئا جهميا داعية يقول بخلق القرآن (٥)، وكمقاتل بن سليمان البلخي وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه
_________
(١) انظر تاريخ بغداد ١١/٢٦٧.
(٢) الرسالة المستطرفة ص ٧٦، ٧٧.
(٣) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/٧٦ والمجروحين ٢/٢٥٢، والكامل في الضعفاء ص ٢١٢٧.
(٤) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/١٢٦ والمجروحين ٢/٢٨٦، والكامل ١٢٦٦.
(٥) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في المجروحين ١/٢٧٠ وميزان الاعتدال ٢/٢٠٠.
25
اشتهر عنه القول بالتجسيم (١). قال إبراهيم الحربي مصنف التفسير الكبير (٢) : وإنما جمع مقاتل تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع. قال إبراهيم: لم أدخل في تفسيري منه شيئا (٣).
وكذا الحال بالنسبة للزنادقة فقد وضعوا روايات وأحاديث كثيرة ومن المعروف أن كثيرا من هذه الروايات والأحاديث لها علاقة وطيدة بالتفسير.
أخرج ابن عساكر عن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا (٤) ؟.
ولهذا انبرى جهابذة السلف إلى نقد الروايات والتفتيش عن الأسانيد، وقد بدأ هذا التحري بعد اندلاع الفتنة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - أو في زمن ابن الزبير وقد رجح الرأي الأخير مؤرخ السيرة أ. د. أكرم ضياء العمري (٥).
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن سيرين: قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (٦). فكان أهل السنة بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يأتي بدخيل ولهذا وضعوا ضوابط محكمة وقواعد دقيقة للرواية.
_________
(١) العجاب د-١٦ وأنظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/٢٢٨ والمجروحين ٢/١٤والكامل ٢٤٢٧.
(٢) انظر تذكرة الحفاظ ٢/٧٠١.
(٣) انظر تهذيب التهذيب ١٠/٢٨١.
(٤) انظر تاريخ الخلفاء ص ٢٩٣.
(٥) انظر بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٤٨-٥٠.
(٦) المقدمة - باب بيان أن الإسناد من الدين ١/١٥.
26
قال محمد بن حاتم بن المظفر:... وهذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا... (١).
هكذا كان منهجهم في الرواية والتصنيف واستمر الحال على ذلك إلى القرن الثالث والرابع الهجري وكان أكثر المفسرين المصنفين يروون بالإسناد، فبرأوا ذمتهم لأنهم سموا شيوخهم ورواتهم وكانوا يميزون بين الصحيح والسقيم، وبعضهم يرى وجوب هذا التمييز بل وجوب نقد الرواة لمعرفة الثقة من الضعيف مثل ابن أبي حاتم وهو الذي صنف موسوعته في الجرح والتعديل من أجل بيان الثابت من التفسير ومن سنن البشير النذير صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تبين القرآن الكريم، فها هو يقول في تقدمة الجرح والتعديل: فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة (٢).
إن هذا المنهج الدقيق وتلك الحلقات التفسيرية كانت متصلة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع الهجري، وبدخول القرن الخامس الهجري بدأ تدريجيا إهمال الأسانيد بحذفها أو باختصارها مما ساعد على شيوع الإسرائيليات ورواج الأحاديث الواهية والموضوعة ونسب الأقوال الباطلة إلى الصحابة والتابعين، وهم برآء منها، وكانت فرصة سانحة للكذابين والوضاعين والزنادقة وأهل الأهواء، فاختلط الصحيح بالسقيم والحق بالباطل وانتشر ذلك في كتب
_________
(١) رواه السخاوي من طريق أبي العباس الدغولي عنه (فتح المغيث ٣/٣).
(٢) تقدمة الجرح والتعديل ص ٥.
27
التفسير بالمأثور، ولم يسلم منها إلا القليل كتفسير البغوي (١) وابن كثير وعبد الرزاق بن رزق الرسعني ت ٦٦١هـ (٢) الذي روى أغلب تفسيره بإسناده واستمر الحال على ذلك إلى يومنا هذا.
[[من أسباب تأليف هذا التفسير]]
وقد تعالت صيحات وتوصيات لكثير من الغيورين في الأوساط العلمية لتنقية التفسير من الدخيل ولتمييز الصحيح من السقيم، وقد بذلت جهود لا بأس بها لغربلة بعض كتب التفسير من الدخيل وخصوصا في جامعة الأزهر، ولكن لم يقم أحد بنقد التفاسير بتمييز الصحيح من السقيم أو بجمع ما أثر من الصحيح المسند في التفسير، وكنت أفكر بهذا العمل منذ سنة ١٤٠٤ هـ ولكني كنت أتردد بسبب ضخامة الموضوع وتعدد شعابه، وغزارة مصادره المطبوعة والمخطوطة القريبة والبعيدة، وعندما أسند إليَّ تدريس مادة التفسير ومناهج المفسرين في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية ومادة طبقات المفسرين ومادة مناهج المفسرين والتفسير الموضوعي في شعبة التفسير بقسم الدراسات العليا والإشراف على رسائل الدكتوراه والماجستير ومناقشتها، رأيت الحاجة ماسّة لتصنيف تفسير بالمأثور ينتقى من الصحيح المسند من كتب التفسير المسندة ومن كتب الفنون الأخرى التي حوت التفسير بالمأثور المسند والتي سيأتي ذكرها في الهوامش وفي قائمة المصادر إن شاء الله، وكان لابد لي من القيام بشيء من هذا في تحضيري للطلاب وخصوصا لطلاب كلية القرآن الكريم باعتبارها كلية تخصص في التفسير إضافة إلى القراءات. فكان من ضمن التحضير نقد الكثير من الروايات التفسيرية معتمدا على أقوال كبار النقاد المشهورين كشيخ الإسلام ابن تيمية وأمير التفسير ابن كثير والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذهبي ومستأنسا بأقوال النقاد المعاصرين، وكان هذا النقد في تفسير السور التالية: سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأنفال والحج والإسراء والنور، وتشكل هذه السور ثلث القرآن تقريباً.
_________
(١) ساق أغلب أسانيده في مقدمة كتابه.
(٢) انظر الذيل على طبقات الحنابلة ٢/٢٧٤-٢٧٦ والأعلام ٣/٢٩٢.
28
وقد سبق هذا التحضير عملي في تحقيق المجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت ٣٢٧ هـ) وفيه سورتا آل عمران والنساء وقد بلغ عدد الروايات (٤٦٠٢) رواية فيها المرفوع والموقوف والمرسل، وعند هذا التحقيق لمست أن معظم كتب التفسير بالمأثور للمصنفين المتقدمين مفقودة، ولهذا قررت أن أجمع الروايات التفسيرية لهؤلاء المفسرين، وقد قمت بذلك بعد الانتهاء من التحقيق فجمعت مرويات أشهر المفسرين من أصحاب التفاسير المفقودة كالإمام مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن إسحاق وعبد الله بن المبارك ووكيع والدارمي وابن خزيمة وابن ماجة والطبراني ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد بن حميد كما جمعت روايات من تفسير ابن أبي حاتم من القسم المفقود من تفسيره، كما قمت بتحقيق تفسير يحيى ابن يمان ونافع بن أبي نعيم ومسلم ابن خالد الزنجي وعطاء الخراساني، برواية أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي ت ٢٩٥ هـ (١).
وقد واكب هذا العمل اكتشاف تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني ت ٢٢٠ هـ (٢). والاشراف والمناقشة على رسائل الدكتوراه والماجستير في علم التفسير وعلوم القرآن التي ناف عددها على الأربعين رسالة. وظهور بعض التحقيقات في التفسير وعلوم القرآن كتفسير عبد الرزاق الصنعاني وتفسير سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٧ هـ (٣)، وأبي بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي ت ٣٨٨ هـ ويسمى تفسيره (الاستغناء في علوم القرآن) وقد حقق منه سورة الفاتحة، وتفسير (الوسيط بين المقبوض والبسيط) للواحدي ت ٤٦٨ هـ، كما ظهرت كتب أخرى كموسوعة في فضائل القرآن تصنيف الشيخ محمد رزق الطرهوني، وتحقيق فضائل القرآن للنسائي والفريابي وابن الضريس، والعجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر، والصحيح المسند في أسباب النزول لمقبل الوادعي، وتحقيق الناسخ والمنسوخ للنحاس، وتحقيق نواسخ القرآن، وتحقيق تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي.
_________
(١) طبعته ونشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٢) وهو المنسوب إلى مجاهد انظر استدراكات على كتاب التراث العربي في كتب التفسير والقراءات بقلمي نُشرت في مجلة الجامعة الإسلامية عدد ٨٥-١٠٠ ص ١٨٢-١٨٦.
(٣) يوجد نصفه تقريبا وقد حقق بجامعة أم القرى لنيل ثلاث عشرة رسالة دكتوراه وماجستير.
29
كما وقفت على قطع نادرة من تفسير عبد بن حميد ت ٢٤٩ هـ وتفسير ابن المنذر النيسابوري ت ٣١٨ هـ (١) وتفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم البستي ت ٣٠٧ هـ (٢) وتفسير يحيى ابن سلام (٣)، وقد بلغني أنه حقق في بلاد المغرب، وتفسير عبد الرازق الرسعني ت ٦٦٠ هـ وهو تفسير أغلبه مسند (٤). وأحكام القرآن لإسماعيل بن إسحاق الجهضمي ت ٢٨٢ هـ. ومن فضل الله تعالى أن أتاح لي بلوغ الإطلاع والاقتناء لهذه الكتب قبل أن تطبع، وقد طبع أغلبها.
إن اجتماع هذه العوامل المتقدمة من تحضير وتحقيق وجمع وإطلاع واقتناء شجعني على أن أخوض غمار موضوع الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور فانتقلت من مرحلة التردد إلى مرحلة التنفيذ، فاقتنيت ما يلزم من مصادر مطبوعة، وحصلت وصورت ما يلزم من المخطوطات والرسائل العلمية المكتوبة بالآلة الكاتبة ومنها ما تقدم ذكره آنفا، ولم أظفر ببعض كتب التفسير الهامة فكلفت بعض الزملاء لتصويرها، كتفسير ابن المنذر ت ٣١٨ هـ (*)، وأحكام القرآن للطحاوي ت ١٢٣ هـ (*)، وتوجد قطعة من الأول في مكتبة جوتا بألمانيا الشرقية وقطعة من الثاني في القيروان في تونس وأما كتاب الطحاوي فبلغني أنه يقوم بتحقيقه باحثان تركيان في مكة المكرمة، ولازلت أنتظر تصوير هذه الكتب.
_________
(١) يوجد قطعة منهما في حواشي تفسير ابن أبي حاتم المجلد الثاني.
(٢) يوجد نصفه وقد صورته عن صورة من مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن نسخة الإسكندرية بمصر.
(٣) توجد قطعة منه في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
(٤) يحقق بجامعة أم القرى وقد أتحفني الأخ د. عبد العزيز العثيم بقطعة منه.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كلاهما (القطعة الموجودة من تفسير ابن المنذر، وأحكام القرآن للطحاوي)، قد طُبع، وتجده ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة)
30
المنهج في الجمع والتخريج والاختصار:
وقد قمت بجولة علمية باحثا عن الكتب المتعلقة بهذا المشروع، فاستكملت مكتبتي حسب الحاجة، وجمعت ما تفرق من الشوارد والفرائد من تحضيراتي وتقييداتي الصالحة لهذا الباب، حيث انتخبت منها الصفو واللباب، ورتبتها حسب سور القرآن الكريم وآياته، ثم بدأت بالتفسير مصدرا السورة بفضائلها إن صحت الرواية، ثم بتفسير القرآن بالقرآن إن وجد وهو قمة البيان وغالبا ما أعتمد على كتاب أضواء البيان ثم تفسير ابن كثير وتفسير القاسمي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طريق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له (١).
وقد سلكت هذا الطريق متحرياً ما ثبت عن رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: "ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه" (٢)، وقدمت ما اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما، ثم ما انفرد به أحدهما ولا داعي لتخريج الحديث من مصادر أخرى لأن هدفي من التخريج التوصل إلى صحة الحديث وكفى بإطباق الأمة على صحتهما.
قال الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا هو الطراز الأول ولكن يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير وإن سواد الأوراق سواد في القلب... (٣).
_________
(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٣٩.
(٢) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب السنة - باب في لزوم السنة رقم ٤٦٠٤ وما ذكرته قطعة من الحديث وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح ١/٥٨ وصحيح الجامع الصغير ٢/٣٧٥.
(٣) البرهان في علوم القرآن٢/١٥٦.
31
وقد استفدت من تحذير الزركشي، فتركت كل ضعيف وموضوع، فإذا لم أجد الحديث في الصحيحين أو في أحدهما ألجأ إلى كتب التفسير وعلوم القرآن المسندة كفضائل القرآن وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وإلى كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات والجوامع وغيرها من كتب السيرة والتاريخ والعقيدة المسندة مبتدئا بالأعلى سندا أو بما حكم عليه الأئمة النقاد المعتمدين، وأقوم بتخريجه تخريجا يوصلني إلى صحة الإسناد أو حسنه مستأنسا بحكم النقاد الجهابذة، فإذا لم أجد حديثا مرفوعا فأرجع إلى أقوال الصحابة الذين شهدوا التنزيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن (١) والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم (٢).
أما إذ وجدت الحديث المرفوع الثابت فقد أسوق معه بعض أقوال الصحابة الثابتة إذا كان فيها زيادة فائدة وإذا لم يكن فيها فأكتفي بما ثبت من الحديث الشريف، وقد أوردت أقوال الصحابة رضوان الله عليهم بأصح الأسانيد عنهم. علما بأن بعض الأحاديث لا يندرج تحت التفسير مباشرة وإنما لها علاقة وتناسب مع الآية المراد تفسيرها، وفي بعض الأحيان يفيد إيراد ذكر اسم الباب والكتاب عند ذكر المصدر لتوضيح مناسبة إيراد الحديث.
وهذا المنهج المتقدم في إيراد وانتقاء الأحاديث والآثار المروية عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه رضوان الله عليهم هو منهج ابن أبي حاتم القائل:
فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم،
_________
(١) قوله (من القرآن) كذا في الأصل ولعلها القرائن.
(٢) مقدمة في أصول التفسير ص ٤٠.
32
فإن قيل فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان (١). وكذا منهج سفيان الثوري وعطاء الخراساني وعبد الرزاق ويحيى بن يمان وسعيد بن منصور وابن المنذر فإنهم يقتصرون على الرواية فقط.
فجدير لمن تاقت نفسه ليشتغل بعلم التفسير أن يسلك هذا المنهج فهو المعول عليه في هذا العلم، وقد مكنني من اتباع هذا المنهج العكوف على الأسانيد الواردة في التفسير وانتقاء الصحيح والثابت منها مع تركيز البحث على حكم الأئمة النقاد على هذه الأسانيد (٢).
فإذا لم أعثر على قول صحابي فحينئذ ألجأ إلى ما ثبت من أقوال التابعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين (٣).
وبالنسبة لأقوال الصحابة والتابعين فأغلبها كتب ونسخ رويت بأسانيد متكررة، فبعضها يتكرر آلاف المرات في تفسيري الطبري وابن أبي حاتم، وبعضها يتكرر مئات المرات فمثلا تكرر إسناد علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكثر من (١٥٠٠) مرة في تفسير الطبري وذلك حسب إحصائية الشيخ أحمد عايش الذي قام بجمع روايات علي بن أبي طلحة.
_________
(١) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢.
(٢) انظر مثلا: المنتخب من أسانيد التفسير الثابتة عن ابن عباس بقلمي وانظر الأسانيد الواردة في آخر هذه المقدمة.
(٣) المصدر السابق ص ٤٤، ٤٥.
33
وقال الأستاذ سزكين عند تفسير قتادة: ويبدو أنه كان تفسيرا كبير الحجم ذكره الطبري أكثر من (٣٠٠٠) مرة، ربما يكون قد نقل كل مادته بالرواية التالية: حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
وقال أيضاً عند تفسير مجاهد: وقد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي (٧٠٠) مرة وذكره بالرواية التالية: حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ت ٢٤٩ هـ قال: حدثنا أبو عاصم النبيل (ت ٢١٢ هـ) قال حدثني عيسى بن ميمون المكي قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد. وذكر أن الطبري نقل من تفسير عطية العوفي عن ابن عباس في (١٥٦٠) موضعا وبإسناد واحد أيضاً (١).
وكذا الحال في تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني الذي روى أغلب تفسيره عن معمر عن قتادة.
[[دراسة أشهر الطرق والأسانيد المتكررة]]
ولهذا قررت أن أجعل دراسة الأسانيد والطرق المتكررة في المقدمة وذلك لعدم التكرار ثم لبيان موضع الحكم على صحتها وحسنها، وما لم أذكره في هذه المقدمة فهو من قبيل غير المتكرر فأحكم عليه في موضع وروده.
وذكرُ الأسانيد في المقدمة من صنيع ابن أبي حاتم الرازي والبغوي في تفسيريهما والحافظ ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب وقد رتبت هذه الأسانيد على حروف المعجم كما يلي:
الإسناد إلى أُبي بن كعب - رضي الله عنه -:
- طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي: وقد اعتمد هذا الإسناد كبار المصنفين كالإمام أحمد في مسنده (٢)، وأبو داود في
_________
(١) انظر تاريخ التراث العربي ١/٧١-٧٥.
(٢) انظر مثلا: (٥/١٣٣، ١٣٤).
34
سننه (١)، والترمذي في جامعه (٢)، والطبري (٣) وابن أبي حاتم (٤) في تفسيريهما، وابن خزيمة في التوحيد (٥)، والحاكم في مستدركه (٦)، والواحدي في أسباب النزول (٧)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٨)، والثعلبي (٩) والبغوي (١٠) في تفسيريهما. وكثيرا ما اعتمد على هذا الإسناد الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ويرويه ابن أبي حاتم عن عصام بن داود العسقلاني عن آدم بن إياس العسقلاني، عن أبي جعفر به (١١). وقد حكم الحافظ ابن حجر العسقلاني على الإسناد بأنه جيد (١٢). كما يرويه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه به. وقواه الحافظ ابن حجر (١٣). ويرويه الحاكم من طريق جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق عن أبي جعفر الرازي به، ويرويه أيضاً من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن الربيع بن أنس به، وصححه هو والذهبي (١٤).
_________
(١) انظر مثلا: كتاب الصلاة - ب من قال أربع ركعات رقم ١١٨٢.
(٢) انظر مثلا: التفسير - باب ومن سورة الإِخلاص رقم ٣٣٦٤، ٣٣٦٥.
(٣) انظر مثلا: (٣/٣٤٢).
(٤) انظر مثلا: سورة البقرة الجزء الثاني رقم ٢٨.
(٥) انظر مثلا: ص ٤١.
(٦) انظر مثلا: (٢/٥٤٠).
(٧) انظر مثلا: ص ٢٦٢.
(٨) انظر مثلا: ص ٣٢.
(٩) انظر مثلا: الكشف والبيان ل ٦ أ.
(١٠) انظر مثلا: (٤/٤٢١).
(١١) انظر مقدمة ابن أبي حاتم في التفسير.
(١٢) قارن فتح الباري ٨/١٧٢ مع تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الثاني رقم ٢٨.
(١٣) انظر تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الأول رقم ١٠٨٣ وقارن مع العجاب في بيان الأسباب ص ١٢٧.
(١٤) انظر مثلا: المستدرك ٢/٢٧٦٦، ٣٢٣، ٤٠١، ٥٤٠.
35
وقال السيوطي: وأما أُبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح (١). وحسنه الألباني (٢).
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا الإسناد بأنه معروف فقال: وهذا التفسير معروف عن أبي العالية ورواه عن أبى بن كعب. ورواه ابن أبي حاتم وغيره من (طريق) (٣) الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب (٤). وقال أيضاً: هكذا رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن الربيع بن أنس (٥)، ونقل أيضاً عن ابن عبد البر قال:
وروى بإسناده (٦) في التفسير المعروف عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب (٧). بل قد اعتمد شيخ الإسلام هذا الإسناد في تفسير سورة الإخلاص (٨).
وأبو جعفر الرازي هو: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة. مات في حدود الستين والمائة، وروى له الجماعة إلا البخاري فروى له في الأدب المفرد (٩).
والربيع بن أنس: البكري أو الحنفي، بصري نزل خراسان صدوق له أوهام ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة أو قبلها روى له الأربعة (١٠).
_________
(١) الإتقان ٢/٢٤٢.
(٢) صحيح سنن الترمذي - سورة الإخلاص رقم ٢٦٨٠.
(٣) قوله طريق سقط من الأصل.
(٤) انظر دقائق التفسير ٥/٣٠٤.
(٥) انظر دقائق التفسير ٥/٣٠٤.
(٦) أي بإسناد ابن عبد البر.
(٧) انظر درء تعارض العقل والنقل ٨/٤٣٨.
(٨) ص ٤٨.
(٩) انظر التقريب رقم ٨٠١٩ وتهذيب التهذيب ١٢/٥٦، ٥٧.
(١٠) انظر التقريب رقم ١٨٨٢ وتهذيب التهذيب ٣/٢٣٨، ٢٣٩.
36
وأبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والياء، ثقة كثير الإرسال، مات سنة تسعين أو بعدها، وروى له الجماعة (١).
وبما أن الرواية من نسخة فلا يضر سوء حفظ أبي جعفر ولا أوهام الربيع لأن نقلهم هنا عن طريق السطور لا الصدور، فما يروونه عن كتاب، ولهذا صححه الحاكم والذهبي والسيوطي وجوده ابن حجر واعتمده ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية كما تقدم.
ومما يؤكد أن هذا الإسناد ينقل من كتاب قول ابن أبي حاتم الرازي في مقدمة تفسيره: فأما ما ذكر عن أبي العالية في سورة البقرة بلا إسناد فهو: ما حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية... (٢).
الإسناد عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي:
طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية: يروي هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم وتقدم الكلام عنه في طريق أُبي بن كعب رضي الله عنه فلينظر هناك.
الأسانيد عن ابن عباس:
روى عنه جمع غفير من التابعين ذكرت طرقهم في كتاب المنتخب في الأسانيد الثابتة المروية عن ابن عباس في التفسير وسأذكر في هذه المقدمة بعض الطرق التي تتكرر كثيرا في التفسير عن ابن عباس وهي:
(١) طريق سعيد بن جبير:
من أشهر الطرق المتكررة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:
- طريق محمد ابن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس.
_________
(١) انظر التقريب رقم ١٩٥٣ وتهذيب التهذيب ٣/٢٨٤.
(٢) مقدمة تفسير ابن أبي حاتم ص ١٤٥.
37
قال الطبري: إن أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا! قالوا: يا محمد، لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! فأنزله الله عز وجل في ذلك من قولهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) إلى قوله: (لأُولِي الأَبْصَارِ) (١)، (٢).
وهذا الإسناد يتكرر كثيرا في كتب التفسير وخصوصا في تفسير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير، والراوي دائما عن محمد بن أبي محمد هو محمد ابن إسحاق.
وذكره الحافظ ابن حجر من طريق ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس (٣) وفي موضع آخر قال: سنده جيد (٤) أي أنه حسن وجود طريق ابن إسحاق إلى ابن عباس وهو نفس الإسناد المذكور حيث ذكره ابن كثير من طريق آخر غير طريق ابن عباس ثم ساقه بهذا الإسناد فقال: ورواه ابن إسحاق أيضاً عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس فذكره (٥)، ووردت هذه الرواية في سيرة ابن هشام بدون إسناد، وقد ساق ابن إسحاق مثل هذا المتن بدون إسناد ولعله حذف الإسناد أو حذفه ابن هشام؛ لأن هذه الرواية سبقت
_________
(١) آل عمران ٢١.
(٢) التفسير. رقم ٦٦٦٦.
(٣) فتح الباري ٧/٣٣٢
(٤) انظر العجاب في بيان الأسباب ل ٣٦ ب.
(٥) التفسير ٢/١٢، ١٣.
38
بروايات محذوفة الأسانيد وكأنه اعتمد على الإسناد نفسه في بداية الروايات؛ لأن هذه الروايات غير المسندة أسندها ابن إسحاق كلها بالإسناد نفسه فيما نقله عنه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق (١).
وأخرج ابن أبي حاتم رواية طويلة من طريق يونس بن بكير به في سبب نزول قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ). (٢)
وذكره الحافظ ابن حجر مختصرا وحسنه (٣).
وحسنه السيوطي أيضاً في لباب النقول في أسباب النزول بعد أن ذكر رواية ابن أبي حاتم (٤). وقد ساق هذا الطريق في الإتقان ثم قال: وهي طريق جيدة وإسنادها حسن (٥).
وقد اعتبر الشيخ محمد نسيب الرفاعي الذي اختصر تفسير ابن كثير هذا الإسناد من الأسانيد الثابتة حيث ذكر في مقدمة مختصره شرطه أنه يختار أصح الأقوال ولا يسوق الروايات الضعيفة والموضوعة، وأكثر النقل بهذا الإسناد (٦). وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال عنه الإمام الذهبي: لا يعرف (٧)، [[وفي الكاشف: وثق]] (*) وقال الحافظ ابن حجر: مجهول (٨).
_________
(١) انظر تفسير ابن أبي حاتم رقم ٩١١، ٩٧٩، ١٠٨١، ١٠٨٨ مع التخريج لأن المحقق ذكر مواضع النصوص في سيرة ابن هشام وقارن مع تفسير الطبري رقم ١٥٢٠، ١٥٢١، ١٦٣٧، ١٦٣٨، ١٦٣٩، ١٦٤٠.
(٢) التفسير سورة آل عمران رقم ١٩٥٤.
(٣) فتح الباري ٨/٢٣١.
(٤) ص ٦٢.
(٥) الإتقان ٢/٢٤٢.
(٦) انظر مثلا: ١/٧٦، ٨١، ١١٤.
(٧) ميزان الاعتدال ٤/٢٦.
(٨) التقريب ص ٥٥٥.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية
39
وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم (١)، وذكره ابن حبان في الثقات (٢)، وقال أحمد شاكر عن توثيق ابن حبان: وكفى بذلك معرفة وتوثيقا (٣).
والحق أن توثيق ابن حبان على درجات تبدأ من الثقة وتصل إلى الضعيف وقسمها الشيخ المعلمي إلى خمس درجات وأثنى الشيخ الألباني على هذا التقسيم واستحسنه (٤)، وقد انبرى الزميل الشيخ عداب الحمش لدراسة منهج ابن حبان في النقد، في رسالته (الإمام ابن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل)، وبعد التتبع والإحصاء تبين له أنهم على ثلاث درجات:
١- فمنهم الثقات وأهل الصدق.
٢- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار.
٣- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول وهؤلاء ذكرهم للمعرفة (٥).
علما أن ابن حبان لم يذكره في المجروحين، ومع هذا لا نستطيع أن نجزم بتوثيق محمد بن أبي محمد ولا بتضعيفه، وكذلك بالنسبة لقول الذهبي: لا يعرف، وقول ابن حجر: مجهول لأن بعض المجهولين قد وثق وبعضهم قد ضعف وبعضهم غير ذلك (٦)، وكذا الحال بالنسبة للذين سكت عنهم البخاري ثم ابن أبي حاتم
_________
(١) التاريخ الكبير ١/٢٢٥ والجرح والتعديل ٨/٨٨.
(٢) الثقات ٧/٣٩٢.
(٣) تفسير الطبري ١/٢١٩ في الحاشية.
(٤) انظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ١/٤٣٨ مع الحاشية.
(٥) انظر رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل ص ٧٢.
(٦) المصدر السابق ص ١٨٩-١٩٣.
40
فبعضهم وثق وبعضهم ضعف وبعضهم ما بين درجة الثقة والضعيف (١). ولكن توجد بعض القرائن تؤكد على تحسين طريق محمد بن أبي محمد وهي:
١- إن الحافظ ابن حجر ذكر هذا الإسناد ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس فقال في مقدمته النفيسة لكتابه (العجاب في بيان الأسباب) : والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء فمن الثقات مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد عن غيره بينته، ومنهم عكرمة ويروى التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه. ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير -هكذا بالشك- ولا يضر لكونه يدور على ثقة... ثم ذكر طريق علي بن أبي طلحة وعطاء بن أبي رباح ثم قال: ومن روايات الضعفاء فساقها... (٢).
٢- إن أبا داود روى له وسكت عنه فأخرج رواية الطبري المتقدمة من طريق مصرف بن عمرو الأيامي ثنا يونس يعني ابن بكير قال ثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت به (٣)، فرواية أبي داود له وسكوته عنه يؤيد حكم الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن، كما روى له أبو داود رواية أخرى من طريق ابن إسحاق عن مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة...
_________
(١) المصدر السابق ص ٢٤٤-٢٤٨ وانظر مقالاً بعنوان سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمنكر يعد توثيقا له، نشر في مجلة كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود العدد الثاني عام ١٣٩٩-١٤٠٠هـ.
(٢) ق ٥، ٦.
(٣) السنن - كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم ٣٠٠١. وأخرج له رواية أخرى برقم ٣٠٠٢.
41
وسكت عنه أيضاً (١)، وسكت عنهما المنذري في مختصره لسنن أبي داود وعلق على الروايتين بقوله: في إسناده محمد ابن إسحاق (٢). فقط.
٣- قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه يقول الله تعالى لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (٣) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٤) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات، وقال الضحاك عن ابن عباس (فتمنوا الموت) : فسلوا الموت، وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، قال: قال ابن عباس: لو تمنى يهود الموت لماتوا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عثام سمعت الأعمش قال لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس (٥).
علما بأن طريق الضحاك عن ابن عباس منقطع لأن الضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وحكمه بأن هذه الأسانيد صحيحة إما بمجموعها أو أن بعضها تقوى من الحسن إلى الصحيح لغيره.
_________
(١) المصدر السابق رقم ٣٠٠٢.
(٢) ٤/٢٣٣.
(٣) البقرة ٩٤.
(٤) البقرة ٩٥.
(٥) التفسير ١/٢٢٦.
42
ومن الجدير بالذكر أن ابن كثير صدر الأسانيد بطريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد المذكور وأيضا أنه رجحه لأن فحوى معناه المباهلة وهو الرأي الذي تمسك به ابن كثير وردّ به على الطبري، لأن الطبري رجح المراد من التمني أن يدعوا على أنفسهم بالموت (١).
٤- وقد يرجح الطبراني في بعض الأحيان مما يدل أنه يذهب إلى ثبوت هذا الإسناد (٢).
٥- وقد روى الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت (٣)، وقال الهيثمي: ورجاله موثقون (٤). وبهذا يكون قد اعتمد هذا الإسناد الإمام الطبري والحافظ ابن حجر والهيثمي والسيوطي. كما نقل الذهبي في السيرة بهذا الإسناد وسكت عنه (٥).
ومن الجدير بالذكر أن أغلب روايات محمد بن إسحاق بهذا الإسناد في نطاق المغازي والسير وذلك من خلال استقرائي لتفسير ابن كثير بكامله، وللموجود من تفسير ابن أبي حاتم ولبعض الأجزاء من تفسير الطبري، وكثير من هذه الروايات موجودة في سيرة ابن هشام بالإسناد المذكور أو بحذفه، ومن المعروف أن الأمة قد تقبلت روايات ابن إسحاق في المغازي والسير فلا غرابة من تحسين هذا الإسناد.
وقد أكثر الطبري وابن أبي حاتم في روايتهما عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، ورواية ابن أبي حاتم غالبا ما تكون عن محمد بن العباس بن بسام تارة وعن
_________
(١) التفسير ١/٢٢٧، ٢٢٨.
(٢) انظر جامع البيان ١/٢٥٢ و١٠/٤٣٠ ط. أحمد ومحمود شاكر.
(٣) المعجم الكبير ١٢/٦٨رقم ١٢٤٩٨.
(٤) مجمع الزوائد ٢/١٤.
(٥) انظر السيرة النبوية ص ٨٩.
43
محمد بن يحيى الواسطي تارة كلاهما عن أبي غسان محمد بن عمرو زنيج عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به. ورواية الطبري غالبا ما تكون عن أبي كريب محمد بن العلاء عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. وأبو كريب ثقة، ويونس بن بكير هو ابن واصل الشيباني: صدوق يخطئ. وقد روى له مسلم، ووصفه الذهبي بالإمام الحافظ الصدوق (١). وقال أيضاً: وهو حسن الحديث (٢). وأما أنه يخطئ فلا يضر لأن ما يرويه عن ابن إسحاق من كتاب وهو السيرة كما تقدم أو من كتاب آخر لابن إسحاق لأن ما يرويه عن ابن إسحاق بإسناد واحد لا يتغير وهو الإسناد الذي نتكلم عنه.
وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق: بن يسار قال الحافظ ابن حجر في التقريب: إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر.
وقد تُكلم فيه، وحبَّر له الخطيب البغدادي ترجمة حافلة بلغت عشرين صفحة ذبَّ فيها عنه كل ما قيل فيه (٣).
وقد تقبلت الأمة رواياته في السير والمغازي وكفى بقول الحافظ ابن حجر: إمام المغازي ولكن تدليسه من الطبقة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إذا صرحوا بالسماع وقد صرح في هذا الإسناد بالسماع.
ومحمد بن العباس بن بسام مولى بني هاشم قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق (٤).
ومحمد بن يحيى بن عمرو الواسطي قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث سئل أبي عنه فقال: ثقة (٥).
_________
(١) سير أعلام النبلاء ٩/٢٤٥.
(٢) ميزان الاعتدال ٤/٤٧٨.
(٣) تاريخ بغداد ١/٢١٤-٢٣٤.
(٤) الجرح والتعديل ٨/٤٨.
(٥) الجرح والتعديل ٨/١٢٥.
44
وأبو غسان محمد بن عمرو، لقبه زنيج ثقة.
وسلمة بن الفضل الأبرش: صدوق كثير الخطأ ولكن في غير روايته عن محمد بن إسحاق فقد نقل الحافظ ابن حجر عن يحيى بن معين قال: سمعت جريرا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن يبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة (١).
ونقل الذهبي عن ابن معين قال: كتبنا عنه وليس في المغازي أتم من كتابه. ونقل عَن زنيج قال: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق مرتين وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي (٢).
وقد ساق الحافظ ابن حجر حديثا بإسناده من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (٣).
(٢) طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس:
أشهر من روى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: ابن جريج وابن أبي نجيح وعمرو بن دينار.
روى سفيان بن عيينة عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس في قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (٤) قال: في شدة خلق، ثم ذكر مولده ونبات أسنانه، رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن عيينة (٥). وذكره في الفتح وصححه (٦).
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ٤/١٥٣، ١٥٤.
(٢) ميزان الاعتدال ٢/١٩٢ والتاريخ لابن معين ٢/٢٢٦.
(٣) موافقة الخُبر الخبر ص ٣٩٢، ٣٩٣.
(٤) سورة البلد آية ٤.
(٥) تغليق التعليق ٤/٣.
(٦) ٦/٣٦٥.
45
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع (١).
وهذه الرواية ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي (٢).
طريق عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: وقال عبد الرزاق في المصنف: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار -أظنه- عن عطاء عن ابن عباس قال في أم الولد (٣) : والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك (٤).
ذكره الحافظ ابن حجر وصححه (٥). وكذا العيني (٦).
(٣) طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:
وهي صحيفة مشهورة تداولها العلماء وأكثرهم نقلا الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما فقد كادا أن يستوعبا هذه الصحيفة.
ويروي ابن أبي حاتم هذه الصحيفة غالبا عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وأبو صالح: هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني مولاهم المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه. وقد تُكلم فيه،
_________
(١) الصحيح - التفسير - سورة النساء، باب ولكم نصف ما ترك أزواجكم رقم ٤٥٧٨.
(٢) انظر فتح الباري ٨/٢٤٥.
(٣) أي الأمة المتزوجة والرواية في جواز بيعها.
(٤) ٧/٢٩٠ رقم ١٣٢١٨ باب بيع أمهات الأولاد.
(٥) موافقة الخُبر الخبر في تخريج آثار المختصر ص ٢٥٩
(٦) عمدة القاري ١٨/١٦٢)
46
وقال الذهبي: الإمام المحدث، وعرض أقوال النقاد وذبَّ عنه معظم ما قيل فيه (١). ولا داعي لسرد الأقوال فيه لأن الحافظ ابن حجر ذكر القول الفصل في هدي الساري فقال: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه. ا. هـ. ثم سرد الأحاديث التي رواها البخاري عنه في صحيحه (٢). والراوي هنا عنه أبو حاتم -في تفسير ابن أبي حاتم- وهو من أهل الحذق فروايته من صحيح حديثه كما قرر الحافظ.
- معاوية بن صالح: صدوق له أوهام.
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة علي بن أبي طلحة: ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه يقول: قال ابن عباس أو يُذكر عن ابن عباس (٣).
- علي بن أبي طلحة: مولى بني العباس، أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق قد يخطئ. وقد تُكلم في روايته عن ابن عباس بأنه لم يسمع منه (٤) وأجاب عن ذلك أبو جعفر النحاس فقال: والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. ا. هـ. (٥).
وأرى أن الواسطة هو: مجاهد، إذ قارنت كثير من نصوص مجاهد في التفسير مع روايات علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، فوجدتها متوافقة غير مختلفة.
_________
(١) سير أعلام النبلاء ١٠/٤٠٥-٤١٦.
(٢) ص ٤١٤.
(٣) تهذيب التهذيب ٧/٣٤٠.
(٤) انظر المراسيل ص ١٤٠.
(٥) الناسخ والمنسوخ ص ١٣.
47
ويؤكد هذا أني وقفت على رواية في تفسير النسائي والأموال لابن زنجويه من طريق علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس (١). وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه -العجاب في بيان الأسباب- الرواة الثقات عن ابن عباس فقال: وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة (٢).
ونقل السيوطي عن ابن حجر أنه قال: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك (٣).
وروى أبو جعفر النحاس بإسناده عن الإمام أحمد قال: بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا (٤). وفي رواية: ما ذهبت باطلا (٥).
وأخرج الآجري من طريق جعفر بن محمد بن فضيل الرأسي قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد قال: حدثنا معاوية بن صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٦) قال: غير مخلوق (٧). وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته، فسُرَ أحمد بهذا الحديث (٨).
نستنتج من هذا أن الإمام أحمد قد اعتمد هذا الطريق.
وقال يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ت ٩٠٩ هـ: وقد نقلت عن ابن عباس تفاسير متعددة لجميع القرآن من طرق شتى ومن أجودها التفسير الذي رواه معاوية بن
_________
(١) تفسير النسائي ص ٧٩، والأموال ١/٣١٢ رقم ٤٧٩.
(٢) ص د-٩.
(٣) الإتقان ٢/٢٤١.
(٤) الناسخ والمنسوخ ص ١٢ وانظر فتح الباري ٨/٤٣٨ حيث نقل العبارة عن معاني القرآن للنحاس.
(٥) المصدر السابق المحقق ١/٦٥.
(٦) الزمر ٢٨.
(٧) الشريعة ص ٧٧.
(٨) الشريعة ص ٧٨.
48
صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. ا. هـ. ثم ذكر الانقطاع وذكر الواسطة مجاهداً وعكرمة (١).
وقال السيوطي: وقد ورد، عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة وفيه روايات وطرق مختلفة فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه (٢).
فالإسناد حسن.
وبالنسبة لأبي صالح عبد الله بن صالح أنه صدوق كثير الغلط فلا يضر كثرة غلطه لأن ما يرويه عن نسخة وغلطه في حفظه لا في كتابه وقد تقدم أنه ثبت في كتابه. وكذا الحال بالنسبة لأوهام معاوية بن صالح لأن ما يرويه عن نسخة علي ابن أبي طلحة. قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على هذه النسخة: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه فى أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح. ا. هـ. (٣). وكذا عند الحاكم فقد روى مثل هذا الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي (٤). وحسنه الهيثمي (٥).
ولأهمية هذا الطريق اقترحت على الأخ د. أحمد عبد اللطيف عايش أن يدرس هذا الإسناد ويجمع الصحيفة وقد قام بذلك في تحضيره لرسالة الماجستير في جامعة أم القري ومن الموافقة أن أسندت إليّ مناقشة هذه الرسالة وكنت أحد المناقشين لها في عام ١٤٠٩هـ.
_________
(١) هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن ١/٢١٢.
(٢) الإتقان ٢/٢٤١.
(٣) فتح الباري ٨/٤٣٨، ٤٣٩.
(٤) المستدرك ٣/٢٣.
(٥) مجمع الزوائد ٧/١١٩.
49
الإسناد عن عطاء بن أبي رباح:
- طريق ابن أبي نجيح عنه:
ويرويه الطبري عن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح (١).
ورجاله ثقات يأتي ذكرهم مفصلا في طرق مجاهد بن جبر، والإِسناد صحيح.
الإسناد عن عكرمة مولى ابن عباس:
- طريق حصين عن عكرمة:
قال الطبري: حدثنا يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا (حصين) (٢)، عن عكرمة قال: كانت طيرا (٣) وذكره ابن كثير وصححه (٤)، وصححه الحافظ ابن حجر أيضاً (٥) وله طرق أخرى كثيرة تقدمت في عرض طرق ابن عباس.
الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي:
روى تفسير قتادة جماعة وأشهرهم:
١- سعيد بن أبي عروبة البصري.
٢- شيبان بن عبد الرحمن النحوي.
٣- معمر بن راشد الأزدي.
(١) طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة:
يرويه الطبري عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة.
وقد صححه الحافظ ابن حجر (٦). ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا بشر ابن معاذ صدوق والإسناد حسن والله أعلم.
_________
(١) انظر مثلا التفسير رقم ١٩٩٣.
(٢) في الأصل حسين وهو تصحيف والتصويب من رواية الطبري بعد هذه الرواية بعشر روايات ومما نقله ابن كثير عن الطبري وحصين هذا هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهديل الكوفي معروف بالرواية عن عكرمة وبرواية هشيم بن بشير عنه (انظر تهذيب الكمال ٦/٥١٩-٥٢١).
(٣) التفسير ٣٠/٢٩٨.
(٤) التفسير ٨/٥٠٨.
(٥) انظر فتح الباري ١٢/٢٠٧.
(٦) انظر فتح الباري ٦/٣٦٤ وقارن مع تفسير الطبري ١٤/٢٧ ط. حلبي.
50
- سعيد بن أبي عروبة بن مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري [[قال الحافظ ابن حجر في التقريب]] (*) ثقة حافظ، له تصانيف لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، روى له الجماعة. [[ا. هـ]] (*) وبالنسبة لتدليسه ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين. وبالنسبة لاختلاطه فقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن حبان في الثقات أنه مات سنة (١٥٥ هـ) وبقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج إلا بما روى عنه القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك... (١).
وقال ابن عدي: وسعيد من ثقات المسلمين وله أصناف كثيرة وحدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه... أرواهم عنه عبد الأعلى وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه... وأثبت الناس عنه يزيد ابن زريع و... (٢).
ونقل الذهبي عن ابن معين أنه أثبت الناس في قتادة، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه ثقة قبل أن يختلط وكان أعلم الناس بحديث قتادة. وكذا نقل عن الطيالسي (٣).
وبالنسبة لتفسيره فقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (٤).
ولكن ابن أبي حاتم نقل عن يحيى بن سعيد أنه قال: سعيد بن أبي عروبة لم يسمع التفسير من قتادة (٥).
_________
(١) تهذيب التهذيب ٤/٦٥.
(٢) الكامل ص ١٢٣٣ وانظر تهذيب التهذيب ٤/٦٥، ٦٦.
(٣) سير أعلام النبلاء ٦/٤١٤، ٤١٥.
(٤) التاريخ ٢/٢٠٥.
(٥) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢٤٠.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية.
51
والصحيح أنه سمع التفسير من قتادة بدليل ما رواه البخاري من طريق يزيد ابن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة (١). قال العيني: وسعيد: هو سعيد بن أبي عروبة (٢).
ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليّ أن اكتبه (٣). وقد أفاد الإمام أحمد من تفسير سعيد عن قتادة وصرح أنه من تفسير سعيد (٤). وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثابت (٥).
والخلاصة: أن رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة صحيحة وكفى باعتماد البخاري عليها. كما صحح الذهبي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (٦).
- يزيد بن زريع: بتقديم الزاي مصغرا، البصري، أبو معاوية ثقة ثبت روى له الجماعة.
- بشر بن معاذ العقدي: بفتح المهملة والقاف، أبو سهل البصري الضرير، صدوق.
وعلى هذا فالإسناد حسن وقد يعود تصحيح ابن حجر لهذا الإسناد بسبب رواية بشر بن معاذ من كتاب التفسير، أو بسبب اعتماد الأئمة النقاد على هذا التفسير والله أعلم.
_________
(١) الصحيح - التفسير - سورة البقرة - باب وعلم آدم الأسماء كلها رقم ٤٤٧٦، والمغازي - باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا... رقم ٤٠٦٨.
(٢) عمدة القاري ١٧/٤١٧.
(٣) سير أعلام النبلاء ٦/٤١٧.
(٤) الزهد ص ٣١.
(٥) تفسير سورة الإخلاص ص ٢٠١.
(٦) العلو ص ٧١.
52
فقولي: أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة فالمراد به اختصار هذا الإسناد.
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد عن شيخه محمد بن يحيى عن العباس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريع به (١).
ومحمد بن يحيى: هو ابن عمر الواسطي نزيل بغداد قال ابن أبي حاتم كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث، سئل أبي عنه فقال: ثقة (٢).
والعباس بن الوليد: هو ابن نصر النرسي ثقة روى له الشيخان. وهو معروف بالرواية عن يزيد بن زريع (٣).
ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا محمدا شيخ ابن أبي حاتم والإسناد صحيح. وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فالمراد به هذا الإسناد.
(٢) طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة:
يرويه ابن أبي حاتم عن موسى بن هارون الطوسي، ثنا الحسين بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي عن قتادة (٤).
ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا موسى وهو ثقة فالإسناد صحيح كما يلي:
- شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب روى له الجماعة.
_________
(١) انظر مثلا سورة آل عمران رقم ٢٨٨.
(٢) الجرح والتعديل ٨/١٢٥.
(٣) انظر تهذيب التهذيب ٥/١٣٣.
(٤) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم ٣٦.
53
- الحسين بن محمد المروّذي: التميمي نزيل بغداد ثقة روى له الجماعة.
- موسى بن هارون الطوسي: أبو عيسى نزيل بغداد روى عن حسين بن محمد المروّذي تفسير شيبان النحوي عن قتادة. قال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بتفسير شيبان وبكتب محمد بن الحسين وسكت عنه (١).
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد بهذه الصيغة: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا.... الإسناد نفسه (٢).
ووثقه الخطيب البغدادي (٣). وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة فهو هذا الإسناد وقد أذكره بتمامه لتمييزه عن الأسانيد المشابهة له، هذا وقد أخرج الإمام البخاري طريق الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة (٤). كما أفاد الإمام أحمد من تفسير شيبان عن قتادة حيث صرح بذلك في مسنده في تسعة مواضع فقط فيقول: ثنا حسين في تفسير شيبان عن قتادة (٥).
(٣) طريق معمر بن راشد عن قتادة:
أكثر العلماء نقلا عن معمر بن راشد عن قتادة في التفسير هو عبد الرزاق ابن همام الصنعاني في تفسيره ومصنفه، وأغلب تفسيره عن معمر عن قتادة. وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر (٦) وهو كما قال؛ لأن رجاله ثقات والإسناد متصل على شرط الشيخين كما يلي:
_________
(١) الجرح والتعديل ٨/١٦٨ وانظر غاية النهاية ٢/٣٢٤.
(٢) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم ٣٩، ٤٠.
(٣) تاريخ بغداد ١٣/٤٨.
(٤) الصحيح - التفسير - سورة آل عمران - باب أمنة نعاسا رقم ٤٥٦٢.
(٥) المسند ١/٢٤٥، ٢/٣٩٢، ٤٣٧، ٣/١٣، ٢٦٠، ٢٦١، ٤/٢٨، ٢٩، ٦/٢٩، ٤٤٩، وقد أتحفني الزميل د. عامر حسن صبري بمعظم هذه المواضع.
(٦) انظر مثلا فتح الباري ٤/٢٥٥ وقارن مع تفسير عبد الرزاق ص ٤٨٦.
54
- معمر بن راشد: الأزدي الأموي، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث بالبصرة روى له الجماعة. أ. هـ. وهو معروف بالرواية عن قتادة بن دعامة وبرواية عبد الرزاق عنه (١).
- قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت روى له الجماعة، ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين. وقد سمع من أنس وسعيد بن المسيب وأبي رافع على خلاف ولم يسمع من أبي بردة وخلاس بن عمرو ومجاهد وأبي العالية وسعيد بن جبير (٢). وإسناد عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يرويه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن أبي الربيع -أي الحسن بن يحيى- عن عبد الرزاق به (٣).
الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي:
اشتهر ابن أبي نجيح برواية التفسير عن مجاهد ويكاد تفسير مجاهد يدور محور إسناده علي ابن أبي نجيح، فمن الطرق إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد ما يلي:
أولاً: طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:
ويروي الطبري غالبا هذا الطريق فيقول:
حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى بن ميمون، قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد (٤).
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ١/٢٤٣، ٢٤٤.
(٢) انظر المراسيل ص ١٦٨-١٧٥.
(٣) انظر مثلا تفسير الطبري رقم ٢٢٥ وتفسير ابن أبي حاتم - سورة آل عمران - رقم ١٠.
(٤) انظر مثلا رقم ٥١٤.
55
ومحمد بن عمرو: هو أبو بكر الباهلي البصري: ثقة (١).
وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت.
وعيسى بن ميمون: هو الجرشي: ثقة.
وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وهو من مدلسي المرتبة الثالثة، وقد تُكلم فيه وفي روايته عن مجاهد، فنقل الذهبي أنه لم يسمع التفسير كله من مجاهد، ونقل أيضاً عن البخاري أنه كان يتهم بالاعتزال والقدر، وعن القطان أنه كان من رؤوس الدعاة. وأجاب الذهبي عن ذلك كله فقال: هو من أخص الناس بمجاهد، ونقل عن ابن المديني قال: أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح ولعله رجع عن البدعة وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا (٢).
ونقل ابن أبي حاتم عن وكيع قال: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح (٣).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة. (٤) كما وثقه جمع من الأئمة النقاد كابن معين وأحمد وأبي زرعة والنسائي وابن سعد والعجلي والذهبي (٥). وعلى هذا فرجاله ثقات وإسناده صحيح وصححه الحافظ ابن حجر (٦).
_________
(١) انظر تاريخ بغداد ٣/١٢٧.
(٢) سير أعلام النبلاء ٦/١٢٥-١٢٦.
(٣) الجرح والتعديل ٥/٢٠٣.
(٤) الفتاوى ١٧/٤٠٩ وانظر دقائق التفسير ٦/٤٥٢.
(٥) انظر تهذيب التهذيب ٦/٥٤، ٥٥ وسير أعلام النبلاء ٦/١٢٥.
(٦) انظر فتح الباري ٢/٣٥٥ والعجاب ص ١٢٧ وقارن مع تفسير الطبري ١٤/١٩٣.
56
وقد أورد الطبري هذا الإسناد كثيرا، فإذا قلت: وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد فالمراد هذا الإسناد.
ثانيا: طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:
ورقاء: هو ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن وقد اختلف فيه، فنقل ابن حجر عن حرب قال: قلت لأحمد: ورقاء أحب إليك في تفسير ابن أبي نجيح أو شيبان؟ قال: كلاهما ثقة وورقاء أوثقهما إلا أنهم يقولون لم يسمع التفسير كله، يقولون: بعضه عرض ونقل عن يحيى بن سعيد قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير قرأت نصفه على ابن أبي نجيح وقرأ عليَّ نصفه. وعن الدوري قال: قلت لابن معين: أيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير شيبان وسعيد عن قتادة؟ قال: تفسير ورقاء، لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قلت: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو ابن جريج؟ قال: ورقاء لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد إلا حرفا واحدا. ا. هـ. وقد وثقه أحمد وابن معين ووكيع، وأما ما قيل فيه ففي روايته عن منصور (١).
قال الحافظ في التقريب: صدوق في حديثه، عن منصور لين. ا. هـ.
روى له الجماعة. وقد أورد البخاري مثل هذا الإسناد في صحيحه في كتاب التفسير باب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٢).
وقد أورد ابن أبي حاتم هذا الإسناد كثيرا في تفسيره يرويه عن حجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وشبابة: هو ابن سوار المدائني أصله من خراسان يقال: كان اسمه مروان مولى بني فزارة، ثقة حافظ روى له الجماعة.
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ١١/١١٤، ١١٥ وهدي الساري ص ٤٥٠.
(٢) الأنفال ٢٢.
57
وحجاج بن حمزة: هو ابن سويد العجلي الخشابي، ونقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه: شيخ مسلم صدوق (١).
وعلى هذا فالإسناد حسن. فإذا قلت: وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن فالمراد به هذا الإسناد.
ومن الجدير بالذكر أن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي ت ٢١٢ هـ شيخ البخاري اعتمد كثيرا في تفسيره على إسناد ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد جمعت الروايات التي نقلها الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من هذا التفسير فبلغت ٢٩٨ رواية (٢). كلها من هذا الطريق إلا بضع روايات رواها من طرق أخرى (٣).
وكذا الحافظ عبد بن حميد ت ٢٤٩ هـ أورد هذا الإسناد في تفسيره من طريق شيخه شبابة عن ورقاء به (٤).
ثالثا: طريق شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ويروي من هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقد نقل الذهبي مثل هذا الإسناد في كتابه (العلو) ثم قال: هذا ثابت عن مجاهد (٥).
وشبل بن عباد المكي: ثقة فالإسناد صحيح.
كما توجد طرق أخرى عن مجاهد غير طريق ابن أبي نجيح تقدم ذكرها في طرق مجاهد عن ابن عباس، فلا حاجة لتكرارها.
_________
(١) الجرح والتعديل ٣/١٥٨، ١٥٩.
(٢) انظر مثلا ٤/٥، ١٨٣، ١٨٧، ١٨٩، ٢١٦، ٢١٨، ٢٢٤، ٢٣٥، ٢٧٢ - ٥/٣٤٥، ٣٥٩، ٣٦٠، ٣٦١.
(٣) انظر القاعدة الأولى من كتابي (القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية ص ٣٠، ٣١.
(٤) المصدر السابق ص ٣٢.
(٥) ص ٩٧.
58
وما سوى هذه الأسانيد والطرق فانظر في رجالها من حيث التوثيق والتضعيف وذلك بعد التأكد من معرفة الرجل نفسه وطبقته فإذا كان الراوي من رجال الكتب الستة فترجمته من تقريب التهذيب أو تهذيب التهذيب أو كليهما، ولم أذكر موضع الترجمة لسهولة الرجوع إليها ولعدم الإِطالة، أما إذا كان الراوي من غير رجال الكتب الستة فأذكر موضع ترجمته من المصادر التي تتناول الجرح والتعديل. فإذا كان الراوي ثقة فأشير إلى ذلك وإذا كان الراوي ممن اختلف فيه فأنظر في أقواله النقاد جرحا وتعديلا، ثم أغربل أقوالهم وأرجح أقوال المعتدلين القوية تاركا أقوال المتشددين إذا تفردوا وأقوال المتساهلين إذا خالفوا غيرهم، ولا أعتبر أقوال النقاد الذين لا يعتد بهم بسبب قادح فيهم عند أهل السنة والجماعة. وأستأنس بمن يعول عليه في هذا الشأن وخصوصا المعتدلين من المتقدمين والمتأخرين. وقد أوفق بين أقوال النقاد المختلفة ظاهرا بمعرفة مقصود كل واحد منهم وذلك لأن لكل ناقد اصطلاحات خاصة به يستخدمها في حكمه على الراوي. ومن أراد الاطلاع على التراجم فليراجع تحقيقي للمجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٨ هـ.
وبالنسبة لمعرفة اتصال الإسناد فإن كان الراوي من رجال الصحيحين وصيغ أدائه كما في الصحيحين أو أحدهما فأعتبر الإسناد متصلا، وإذا كان الراوي من غير رجال الصحيحين فأنظر إلى طبقته واحتمال لقائه مع شيخه وأقرانه من خلال تواريخ البلدان والمواليد والوفيات ثم الرجوع إلى كتب العلل والمراسيل والتدليس. ولم أذكر شيئا من هذا في الكتاب سوى ما ورد بأن فلانا معروف بالرواية عن فلان، أو بأنه لم يلق فلانا، أو أن فلانا من المدلسين وما ذكرته من مدلسين فهو من كتاب تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر. وكل ذلك للاختصار وطول المشوار. وبعد بيان حال الرواة واتصال الإسناد والتخريج يأتي الحكم على الإسناد وأستأنس أيضاً ببعض أقوال النقاد
59
من المتقدمين والمتأخرين كما تقدم في إيراد الطرق والأسانيد وكما سيأتي في التفسير.
إن هذا الاستئناس والاعتماد على أقوال النقاد لا يعني أن كل ما صححوه أو حسنوه أو جودوه أثبته في هذا التفسير وإنما أراجعه من خلال معرفة الرواة واتصال الإسناد، فما تبين لي أنه ثابت دونته وما تبين لي أنه غير ثابت من حيث الإسناد أو المتن فقد تركته ومثال ما لم يثبت سنده ما يلي:
أولا:
قال ابن أبي حاتم في التفسير: حدثنا أبي ثنا أبو الجماهر أبنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب (١). وذكره الحافظ ابن حجر وحسن إسناده (٢).
وقوله حدثنا أبي: أي أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: ثقة.
وأبو الجماهر: هو محمد بن عثمان التنوخي ثقة.
وسعيد بن بشير: الأزدي مولاهم ضعيف عند معظم النقاد، بل صرح ابن نمير أنه يروي عن قتادة المنكرات (٣).
وأما تحسين ابن حجر لهذا الإسناد فلعله اشتبه عليه بسعيد بن أبي عروبة لأن روايته صحيحة عن قتادة، أو أن ابن حجر اعتمد على ما قاله الذهبي: وله عند أهل دمشق تصانيف رأيت له تفسيرا مصنفا، والغالب عليه الصدق (٤).
أو لأنه صاحب قتادة كما نص الذهبي في أول ترجمته في المصدر السابق وبجميع الاحتمالات المتقدمة لا يرقى حديثه إلى الحسن والله أعلم.
_________
(١) سورة البقرة رقم ٢٥٢٧.
(٢) فتح الباري ٨/١٩٦
(٣) انظر ميزان الاعتدال ٢/١٢٩.
(٤) انظر ميزان الاعتدال ٢/١٣٠.
60
ثانيا:
قال الطبري: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه ليستجير مني فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يارب ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك قال: فيقول أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف (١). ذكره ابن كثير وصحح إسناده (٢).
وأبو يحيى هو القتات معروف بالرواية عن مجاهد بن جبر وبرواية إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عنه (٣). وقد تُكلم فيه وعنده مناكير كثيرة.
كما تُكلم في رواية إسرائيل عن أبي يحيى القتات بسبب أبي يحيى. قال الحافظ ابن حجر قال الأثرم عن أحمد: روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جدا كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب. فقلت لأحمد: فهذا من قبيل إسرائيل؟ قال: أي شيء أقدر أقول لإسرائيل مسكين من أين يجيء بهذه هو وحديثه عن غيره، أي أنه قد روى عن غير أبي يحيى فلم يجيء بمناكير. وقال علي بن المديني: قيل ليحيى بن سعيد: إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة. فقال: لم يؤت منه أتي منهما جميعا.
يعني: من أبي يحيى ومن إبراهيم (٤).
_________
(١) التفسير ١٨/١٨٧.
(٢) التفسير ٣/٣١١ ط. المعرفة.
(٣) تهذيب الكمال ل ١٦٥٨.
(٤) انظر ترجمته في المصدر السابق وتهذيب التهذيب ١٢/٢٧٧، ٢٧٨.
61
وبهذا يتضح أن الإسناد ضعيف من أجل أبي يحيى القتات.
هذا بالنسبة لما لم يثبت سنده، وأما مثال ما لم يثبت متنه فكما يلي:
أولا:
قال البيهقي في (الأسماء والصفات) : حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا عبيد بن غنام النخعي، أخبرنا علي بن حكيم، حدثنا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنّ) (١) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى.
ذكره ابن كثير ثم قال: ثم رواه البيهقي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قول الله عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ) قال في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام ثم قال البيهقي إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا والله أعلم (٢).
ثانيا:
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا: ربنا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض ومُثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا، فذهبت عنهما ثم
_________
(١) الطلاق آية ١٢.
(٢) انظر تفسير ابن كثير ٤/٣٨٥ ط. المعرفة.
62
رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا: والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتما حين سكرتما فخُيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا (١).
وحسنه الحافظ ابن حجر (٢).
ولكن هذه الرواية ثبتت من طريق عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار وذلك فيما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب بنحوه مختصرا (٣). فهي من الإسرائيليات ومتنها يخالف النقل والعقل لما ثبت في الأحاديث الصحيحة في عصمة الملائكة.
والأمثلة كثيرة جدا في الروايات المعلولة سندا ومتنا أو كليهما، واكتفيت بنماذج منها.
وأما منهجي في الاختصار فهو كالتالي:
(١) نظرا لسهولة الرجوع إلى المصادر في التفسير لترتيبها حسب السور والآيات ولعدم إطالة الحواشي، فقد اكتفيت بذكر المصدر دون ذكر الصفحة والجزء للاختصار حيث رأيت أن الكتاب سيتضخم حجمه، وأما المصادر الأخرى فأوردها بعد الرواية مباشرة وأذكر أسماءها مع الجزء والصفحة، والباب والكتاب إن تعددت الطبعات، وجعلت حروفها صغيرة متميزة وكذا أقوال النقاد في الحكم على الروايات للاختصار.
وهذا المنهج في كل التفسير إلا سورة الفاتحة فذكرناها بحواشيها لكثرة الإحالة إلى غير كتب التفسير وفيها يتبين سبب اختصار الحواشي إذ أن
_________
(١) المسند ٦١٧٨.
(٢) انظر فتح الباري (١٠/٢٢٥).
(٣) تفسير عبد الرزاق ص ٤٣.
63
الحواشي تأخذ مساحة كبيرة من التفسير وانظر للمزيد في مجلة الجامعة الإسلامية الأعداد ذوات الأرقام ١٠١، ١٠٢ و١٠٥، ١٠٦ و١٠٧ ففيها الحواشي لتفسير الجزء الأول من القرآن الكريم.
(٢) اختصار الكلام عن رجال السند وخصوصا إذا تقدم البحث عنهم في تحقيقي لتفسير سورتي آل عمران والنساء من تفسير ابن أبي حاتم. ومن هذا الاختصار سند ابن أبي حاتم إلى السدي وسنده إلى مقاتل بن حيان. وأضيف هنا أن ما يرويه مقاتل بن حيان في التفسير فهو عن مجاهد والحسن البصري والضحاك. رواه الشافعي عن معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيان. (١)
(٣) الاكتفاء بتفسير الطبري أو ابن أبي حاتم أو بكليهما في كثير من الأحيان لشمولهما ولاختصار تعدد المصادر.
(٤) في العزو أحيانا تتكرر الكلمة في القرآن الكريم كثيراً جداً، لذا يمكن الرجوع إلى تفسيرها عند أول ورودها فمثلا لفظ (حكيم) تكررت (٩٦) مرة وورد تفسيرها في سورة البقرة عند الآية رقم (٣٢) فلا داعي لتكرار الإحالة لكثرتها. وأما القصص فإنها تتضح من تتماتها في السور الآخرى فإن ورودها في عدة سور يكمل بعضها بعضا. ولهذا يأتي التفسير مبينا للغريب والمبهم وغالبا تجد الإحالة خشية التكرار. والإحالة في بعض الأحيان يكون إلى الآية فقط لأنها مفسِّرة للآية المنشود تفسيرها أو مفسِّرة لبعض أجزاء تلك الآية.
(٥) قد لا نجد معاني بعض الكلمات أو المفردات بسبب تقدم معناها في أصل الكلمة أو مشتقاتها فمثلا في قوله تعالي (ذلك كتاب لا ريب فيه) البقرة: ٢. تقدم أن معناه لا شك فيه، فيصلح هذا المعنى لبيان الريب في خمسة وعشرين موطنا كما في قوله تعالى:
قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) البقرة: ٢٣.
قوله تعالى (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) آل عمران: ٩.
_________
(١) أحكام القرآن ٢/١٤٨.
64
قوله تعالى (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) آل عمران: ٢٥.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه) النساء: ٨٧.
قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) الأنعام: ١٢.
قوله تعالى (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) غافر: ٣٤.
قوله تعالى (إذاً لارتاب المبطلون) العنكبوت: ٤٨.
قوله تعالى (وارتابت قلوبهم) التوبة: ٤٥.
وكذا في سورة الإسراء ٩٩، والكهف ٢١، والحج ٥ و٧، والسجدة ٢، والشورى ٧، والجاثية ٢٦ و٣٢، والتوبة ١١٠. وسورة النور ٥٠، والمائدة ١٠٦، والحديد ١٤، والطلاق ٤، والبقرة ٢٨٢، والمدثر ٣١، والحجرات ١٥.
وكذلك قوله تعالى (يوم الدين) ورد في سورة الحجر ٣٥، والشعراء ٨٢، والصافات ٢٠، وص ٧٨، والذاريات ١٢، والواقعة ٥٦، والمعارج ٢٦، والانفطار ١٥ و١٧ و١٨، المطففين ١١. فقد تقدم معناه في سورة الفاتحة أنه يوم الحساب.
(٦) وفي بعض الأحيان يتكرر اللفظ لكن المعنى لا يكون متفقاً وذلك حسب السياق كما في قوله (الصراط المستقيم)، فكل ما ورد في القرآن الكريم من (الصراط المستقيم) هو الإسلام كما في سورة الفاتحة إلا في موضعين، في سورة الأعراف ٨٦، والصافات ٢٣.
(٧) بعض الكلمات تتكرر كثيرا فاختصارها كما يلي:
كتاب: ك.

باب: ب.


مخطوط: خ.
لوحة: ل.
65
(٨) بالنسبة لأرقام الآيات وأسماء السور فقد اختصرتها في كل صفحة إذ فيها اسم السورة ورقم الآية المفسرة.
(٩) إن بعض الآيات واضحة لا تحتاج إلى تفسير، لذا لم يذكر المفسرون من الصحابة والتابعين تفسيرهن. وكذا آيات الصفات لله عز وجل. وقد سلكنا المنهج نفسه في الحالتين.
وأخيرا أشكر الأخوة الأفاضل الذين شاركوا معي في جمع وتخريج (مرويات الإمام أحمد في التفسير) و (مرويات الإمام مالك في التفسير) و (مرويات الإمام الدارمي في التفسير) و (مرويات الإمام ابن ماجة في التفسير) و (مرويات التفسير النبوي) (١) وهؤلاء هم: د. عبد الغفور عبد الخالق البلوشي، والشيخ محمد بن رزق بن طرهوني، والباحث محمد أحمد البزرة، والشيخ محمد إبراهيم السامرائي، ود. جمال محمد السيد، ود. أبو محمد بن عبد الغني الدمنهوري. وقد انتخبت من هذه المصادر بعض الأحاديث المرفوعة الصحيحة والحسنة.
كما أشكر الأخ الفاضل المهندس محمد سامي فرج على مساعدته في برمجة تحويل التفسير المدخل على جهاز الحاسوب (MACINTOSH) إلي جهاز (IBM) وقد نفذها ابني أحمد فلهما جزيل الشكر وكذا للأخ نزار سليم كيخيا على مشاركته في التنسيق والإدخال والإخراج بالحاسوب.
كما أقدم الشكر الجزيل لزوجتي أم أحمد التي هيأت أسباب الهدوء للبحث والدراسة ولأولادي الذين ساعدوني في المشاركة لإدخال المعلومات ونسخ النصوص بآلة التصوير وهم: أحمد وأم الحسن وأم عبد الله وأم معاذ وعمر وبشير وعبد الرحمن.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه
حكمت بن بشير بن ياسين
قباء - المدينة المنورة
_________
(١) وسيتم إصداره بعد الانتهاء من التفسير الصحيح إن شاء الله.
66
الاستعاذة
فضائلها وحكمها
من فضائل الاستعاذة أنها تدفع الوسوسة كما في قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) فأمر الله تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به.
ومن فضائلها أنها تُذهب الغضب، روى الشيخان في صحيحيهما عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "استب رجلان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: تعوذ بالله من الشيطان. فقال أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب" (٢).
واللفظ للبخاري.
وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة للقرآن الكريم فقال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (٣).
وهذا الأمر على الندب ولا يأثم تاركها وهو قول جمهور أهل العلم (٤).
والمراد من الشيطان: شياطين الإنس والجن. قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (٥).
_________
(١) الأعراف آية ٢٠٠، وفصلت آية ٣٦.
(٢) انظر (فتح الباري رقم ٦٠٤٨ - الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن) (وصحيح مسلم رقم ٢٦١٠ - البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب).
(٣) النحل آية ٩٨.
(٤) انظر تفسير القرطبي ١/٨٦ وتفسير ابن كثير ١/٣٢.
(٥) الأنعام آية ١١٢.
67
وروى الإمام أحمد عن يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد فجلست إليه فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا. قال: قم فصلَّ. قال: فقمت فصليت ثم أتيته فجلست إليه، فقال لي: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإِنس والجن. قال: قلت: يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم... الحديث (١).
وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءا منه (٢). ويشهد لبعضه الآية المتقدمة. وذكره ابن كثير من عدة طرق ثم قال: ومجموعها يفيد قوته وصحته (٣).
كما تعوذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشيطان ومن همزه ونفخه ونفثه. روى الإمام أحمد عن محمد بن الحسن بن أنس، ثنا جعفر يعني: ابن سليمان، عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه (٤).
_________
(١) المسند ٥/١٧٩
(٢) صحيح الجامع الصغير ٦/٢٥٨.
(٣) التفسير ٣/٣١٢.
(٤) المسند ٣/٥٠، وأخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة (المسند ٦/١٥٦)، ومن حديث عبد الله بن مسعود (المسند ١/٤٠٣، ٤٠٤) ومن حديث أبي أمامة الباهلي نحوه (المسند ٥/٢٥٣).
68
وأخرجه أبو داود (١) وابن ماجة (٢) من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه نحوه.
قال عمرو: همزه: الموته، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (٣) وحسنه مقبل الوادعي في تحقيقه لتفسير ابن كثير (٤).
ونقل القرطبي عن ابن ماجة قال: الموته يعني: الجنون، والنفث: نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه، والكبر: التيه (٥).
ومعنى الشيطان: قال الطبري: والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء. ثم استشهد بالآية السابقة ثم بالرواية الآتية (٦).
قال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب بِرْذَوْنَا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. ذكره ابن كثير وصحح إسناده (٧).
ومعنى الرجيم: قال ابن كثير: والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي: أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
_________
(١) السنن - الصلاة - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم ٧٦٤.
(٢) السنن - إقامة الصلاة - باب الاستعاذة في الصلاة رقم ٨٠٧.
(٣) ١/١٣٦ رقم ٦٥٨.
(٤) ١/٣٠.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١/٨٧.
(٦) التفسير ١/١١١، وأخرجه الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به (التفسير رقم ١٣٦).
(٧) التفسير ١/٣٤.
69
وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) (١). وقال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (٢) وقال أيضاً: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِين) (٣). إلى غير ذلك من الآيات (٤).
البسملة
كيفية قراءتها
أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم (٥).
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقطع قراءته آية آية ومنها البسملة.
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقطع قراءته آية آية (٦).
_________
(١) الملك آية ٥.
(٢) الصافات ٧-١١.
(٣) الحجر ١٦-١٨.
(٤) التفسير ١/٣٤.
(٥) انظر فتح الباري - فضائل القرآن - باب مد القراءة رقم ٥٠٤٦.
(٦) السنن - الحروف والقراءات رقم ٤٠٠١.
70
وأخرجه أبو عمرو الداني من طريق أبي عبيد -وهو القاسم بن سلام- عن يحيى بن سعيد به، وأخرجه أيضاً من طريق محمد بن سعدان عن يحيى بن سعيد به وزيادة: (ثم يقف) بعد كل آية، ثم قال: ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب (١) وفي زيادة قوله: ثم يقف بيان لمعنى التقطيع. وقال ابن الجزري: وهو حديث حسن وسنده صحيح (٢).
وأخرجه الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به بلفظ: يقطعها حرفا حرفا. وصححه وسكت عنه الذهبي (٣).
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد! اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك. باسم الله أرقيك (٤).
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم، عن أبي تميمة الهجيمي، عمن كان رديف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كنت رديفه على حمار فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال: صرعته بقوتي، فإذا قلت باسم الله، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب (٥).
_________
(١) المكتفى في الوقف والابتداء ص ١٤٧.
(٢) النشر في القراءات العشر ١/٢٢٦.
(٣) المستدرك ١/٢٣٢.
(٤) الصحيح رقم ٢١٨٦ - السلام، باب الطب والمرض والرقى.
(٥) المسند ٥/٥٩.
71
وأخرجه الإمام أحمد من طرق أخرى عن رديف النبي صلى الله عيه وسلم (١). وذكره ابن كثير وقال: تفرد به أحمد وهو إسناد جيد (٢).
وأخرجه النسائي (٣) والحاكم من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (٤)، وصححه محقق عمل اليوم والليلة، وصححه أيضاً الشيخ الألباني (٥).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: آية من كتاب الله أغفلها الناس (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
ذكره الحافظ ابن كثير ثم قال: إسناده جيد (٦). وذكره الحافظ ابن حجر وحسنه ثم قال:
أخرجه ابن مردويه عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن ناجيه عن خلاد بن أسلم وليث هو ابن أبي سليم فيه مقال لكن الأثر يعتضد بما تقدم (٧).
وقد روى عن مجاهد: جعفر بن إياس بن أبي وحشية وتقدم ذكره عند طريق أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
_________
(١) المسند ٥/٧١، ٣٦٥.
(٢) التفسير ١/٣٨، والبداية والنهاية ١/٦٠.
(٣) عمل اليوم والليلة رقم ٥٥٤.
(٤) المستدرك ٤/٢٩٢.
(٥) صحيح الجامع الصغير ٦/١٦٩.
(٦) تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص ١١٤.
(٧) موافقة الخُبُر الخَبَر ص ٧٦.
72
سورة الناس
فضلها
تقدم في سورة الإخلاص وسورة الفلق.
قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ)
قال ابن كثير: هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية، فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يُزين له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال، والمعصوم من عَصَم الله.
وقد ثبت في الصحيح أنه: "ما منكم من أحد إلا قد وُكل به قرينه" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
والحديث أخرجه مسلم في (الصحيح ٤/٢١٦٧ - ك صفة القيامة، ب تحريش الشيطان ح ٢٨١٤)، وانظر بداية التفسير في الإستعاذة.
وانظر الاستعاذة في بداية التفسير وفيها حديث أحمد عن أبي تميمة: وفيه: "لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته. وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب".
قال ابن كثير: إسناده جيد قوي، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغُلب، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب.
قوله تعالى (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الوسواس الخناس) قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس.
684
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[[أهمية علم التفسير بالمأثور]]
أما بعد: فإن علم التفسير من أجلِّ العلوم وأفضلها وأشرفها باعتبار أساسه وتاريخه وموضوعه وغايته، فأساسه: القرآن الكريم والحديث الشريف، وتاريخه: أول العلوم الإسلامية. وموضوعه: كلام الله تعالى. وغايته: معرفة معانيه وإدراك مراميه. وسنام هذه المعرفة: التفسير بالمأثور لأهميته الكبرى في فهم القرآن العظيم، لأنه تفسير من رب العالمين، أو من رسوله الأمين، أو تفسير صحابي شهد التنزيل وعرف التأويل، (١) أو تفسير تابعي نهل من مدرسة النبوة عن الصحابة المفسرين النابغين.
فلابد من التفسير بالمأثور لمن أراد أن يستجيب لله تعالى فيتدبر كلام الله، وكذا لمن أراد أن يفسر بالرأي يتحتم عليه أن يطلع على معرفة: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والغريب، والمشكل، والوقف والابتداء، والقراءات وأوجهها، والقراءات الشاذة التفسيرية، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، والأحاديث المخصصة للعام، والمقيدة للمطلق... وهذه العلوم لا تؤخذ إلا بالنقل الصحيح ولا تنفك عن التفسير بالمأثور بل هي نابعة منه
ولما أوجب الله عز وجل علينا أن نعمل بهذا القرآن بالاستجابة لأوامره والازدجار عن نواهيه والاعتبار بقصص الأمم السالفة... فقد كان لزاماً أن نتدبر معاني هذا القرآن وأن ندرك مراميه لنعمل به ونتحرى ما ثبت في تفسيره لنستقيم على نهجه.
_________
(١) المراد بالتأويل: التفسير. وما ذكر اقتباس من الحديث الثابت في دعاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس رضي الله عنهما: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". رواه أحمد في المسند ١/٣٢٨.
5
ولهذه الأمة تجربة خالدة حينما تدبرت هذا القرآن وأخذته بقوة، حيث أسعفها في طفرتها الكبرى حينما انتشلها من دياجير الجاهلية إلى مشاعل النور (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (١) فلما التزمت بهدية هداها، ولما تركته تركها كما نرى الحال في هذا الزمان.
وبما أن العلماء هم الذين ينصحون الأمة ويحذرونها من مغبَّة البعد عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد صدرت نداءاتهم المتكررة في كل زمان وحثهم الأمة على العودة إلى القرآن والسنة وغالباً ما يواكب هذه النداءات الدعوة لتنقية التفسير من الدخيل بأنواعه أو تصنيف تفسير نقلي بعدما ثبت فشل المدرسة العقلية -عندما زهدت بالأحاديث والآثار الصحيحة إذ لابد من الاستفادة منها- (٢)، وذلك من خلال نصائح العلماء وطلاب العلم والمثقفين، وهو مطلب مهم لأن التفسير علم جامع للقرآن والسنة.
وإن جندياً من جنود القرآن والسنة ليدرك من غير شك أهمية هذا المطلب الإسلامي والمسؤولية التي تناط به وخصوصاً في عصرنا الحاضر، وآمل ساعياً أن أحقق أملاً من الآمال التي تعقد على طلاب العلم.
من أجل هذا المنطلق جاءت فكرة تصنيف هذا الكتاب حيث قررت أن أجمع كل ما صح إسناده من التفسير بالمأثور؛ لأن الرواية التفسيرية الصحيحة تتقبلها النفوس -إن كانت صادقة- بكل اطمئنان وتأخذها بقوة وجدية، وخصوصاً إذا كانت الرواية من الصحيحين أو على شرطهما أو على شرط
_________
(١) الإِسراء ٩.
(٢) وقد صنف فضيلة د. فهد الرومي في هذا الموضوع كتاباً بعنوان: منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير.
6
أحدهما، أو صحح تلك الرواية بعض النقاد المعتمدين. ويكفينا تجربة تقبل الصحيحين (١). وهذا التقبل والأخذ يقوي صلة المسلم بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفي الوقت نفسه إن جمع الروايات التفسيرية الصحيحة يؤدي إلى تنقية التفسير من الدخيل بأنواعه، وفي هذا الجمع غربلة لجميع الروايات التفسيرية الثابتة الموجودة في كتب التفسير المسندة المطبوعة والمخطوطة، والموجودة في الكتب المسندة في العلوم الأخرى والتي سيأتي ذكرها في الحواشي والمصادر، وطريقة هذه الغربلة بنقد جميع الأسانيد لتلك الروايات وخصوصاً للأسانيد المتكررة كثيراً، فقد أفردت لها دراسة نقدية خاصة بها كما سيأتي في آخر هذه الديباجة.
هذا ومن فضل الله تعالى ومَنِّه أن هيأ الأسباب لهذا العمل حيث قيض لهذه الأمة في كل عصر ومصر من يقوم بنشر هذا العلم والعناية به، فخلفوا لنا تركة من كتب التفسير المسندة التي خزنت وحفظت كتب السابقين، وهذه من خصائص هذه الأمة.
وإن تكفلَ الله تعالى القرآن بالحفظ والبيان لمن أعظم ما خص الله تعالى هذه الأمة من الفضيلة والشرف حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٢) وقال أيضاً: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ). (٣) وَعَدَ سبحانه -ووعده حق-، فبَيّن وفصّل بأدق أساليب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٤).
_________
(١) ولا أدعي أن هذه الروايات وصلت مرتبة الصحيحين إلا أن جزءاً كبيراً مأخوذ من الصحيحين أو من كتب أسانيدها على شرطهما أو على شرط أحدهما وذلك في مجال التفسير النبوي.
(٢) سورة الحجر ٩.
(٣) سورة القيامة ١٧-١٩.
(٤) سورة فصلت ٣.
7
وقال عز وجل أيضاً: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (١).
[[نبذة عن نشأة التفسير بالمأثور]]
كما جعل الله تعالى سنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بياناً للقرآن وتطبيقاً له في أقواله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفعاله، ليكون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسوة الحسنة كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢).
وأوحى الله تعالى إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبين للأمة ما تحتاج إلى بيانه فقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٣). وقد قام الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأداء الأمانة فبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة. (فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المبيِّن عن الله عز وجل أمره، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس، وما أراد الله عز وجل به وعنى فيه، وما شرع من معاني دينه وأحكامه وفرائضه وموجباته وآدابه ومندوبه وسننه التي سنَّها، وأحكامه التي حكم بها وآثاره التي بثها. فلبث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة والمدينة ثلاثاً وعشرين سنة، يقيم للناس معالم الدين، يفرض الفرائض، ويسن السنن، ويمضي الأحكام ويحرم الحرام ويحل الحلال، ويقيم الناس على منهاج الحق بالقول والفعل. فلم يزل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل وقبضه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله أفضل صلاة وأزكاها، وأكملها وأذكاها، وأتمها وأوفاها فثبت عليه السلام حجة الله عز وجل على خلقه بما أدى عنه وبين، وما دل عليه من محكم كتابه ومتشابهه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما بشر وأنذر.
_________
(١) سورة البقرة ٢١٩ وقال الطبري عند هذه الآية: أي كما بينت لكم أعلامي وحججي وهي (آياته) في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدي فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آياتي وحججي وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي... (التفسير ١/٣٤٧-٣٤٨).
(٢) سورة الأحزاب ٢١.
(٣) سورة النحل ٤٤.
8
قال الله عز وجل (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) (١) (٢).
[[نبذة عن مراحل التفسير بالمأثور ومنهج الصحابة والتابعين فيه]]
وما أن فاضت روحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلحق بالرفيق الأعلى إلا ومدرسة النبوة قد بدأت تتحمل هذه المسؤولية من خلال تلك الصفوة التي تهذبت وتربت ونهلت من ذلك البيان، واشتهر منهم في علم التفسير جماعة كالخلفاء الراشدين وابن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري وعبد الله ابن الزبير (٣)، ومنهم المكثرون كابن عباس وابن مسعود، ومنهم من لم يكثر وذلك بسبب تقدم وفاتهم أو انشغالهم في الإعداد والإدارة والجهاد، وقد نالوا -رضوان الله عليهم- الحظ الأوفر من ذلك الهدي والبيان النبوي، فتلقوه بكل همة وحفظوه وطبقوه بدقة وأمانة، ثم قدموه إلى من بعدهم من التابعين فنشروا ما علموه بحكمة وصيانة مع التحري والتدقيق.
(وتلقى التابعون التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة) (٤)، وقد قام التابعون الذين تحملوا هذا العلم بواجبهم تجاه هذا القرآن العظيم، فكرسوا اهتمامهم وبذلوا جهودهم لتلقي ما ورد من آثار لبيان معاني ومرامي هذا القرآن الكريم، فعرفوا تفسيره وأسباب نزوله، وفضائله وأمثاله، وأحكامه وأقسامه، وغريبه ومعربه، وبينوا المحكم من المتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعموم من الخصوص، والمفصل من المجمل، والمقدم من المؤخر، والمطلق من المقيد.
_________
(١) سورة النساء١٦٥.
(٢) قاله أبن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل ص ٢.
(٣) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ٤٠، ٤١ والإتقان ٢/٢٣٩.
(٤) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ١٠.
9
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان من أعظم ما أنعم الله عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن، لا برأيه ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم: فيه نبأ من قبلهم، وخبر ما بعدهم، وحكم ما بينهم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، فلا يستطيع أن يزيغه إلى هواه، ولا يحرف به لسانه، ولا يخلق عن كثرة الترداد، فإذا ردد مرة بعد مرة لم يخلق ولم يمل كغيره من الكلام، ولا تنقضي عجائبه، ولا تشبع عنه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم. فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل. والنقل -يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين- إما أن يفوض وإما أن يؤول. ولا فيهم من يقول: إن له ذوقاً أو وجداً أو مخاطبة أو مكاشفة، تخالف القرآن والحديث... (١).
وهذا أنموذج من النماذج الدقيقة التي تدل على رصانة المنهج المتبع عند الصحابة والتابعين في تفسير القرآن الكريم والعمل به، وقد نشروا منهجهم في أصقاع الخلافة آنذاك فحينما بدأت الفتوح على أيديهم في الجزيرة العربية وما جاورها انتشر الصحابة للدعوة إلى الله وتوحيده يفقهون الناس بما أنزل
_________
(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ١٣/٢٨، ٢٩.
10
إليهم، فكان ابن عباس في مكة والبصرة، وابن مسعود في الكوفة، والخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة، وأبو موسى الأشعري باليمن، وعمرو بن العاص بمصر، وكان من منهجهم في التعليم: الفهم والتطبيق العملي لما قرأوا وتعلموا من القرآن الكريم.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن (١).
وكان بعضهم إذا أشكل عليه مسألة سأل من هو أعلم منه في تلك المسألة، ويتكاتبون فيما بينهم إذا كانوا متباعدين.
فقد كتب ابن عباس - رضي الله عنه - إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسأله عن ستة إخوة وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي... أخرجه ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي. قاله الحافظ ابن حجر ثم قال: وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى علي -وابن عباس بالبصرة- أني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه أن أعط الجد سدساً (٢) ولا تعطه أحداً بعده (٣).
وقد أثَّر هؤلاء الصحابة -رضوان الله عليهم- في تلاميذهم من التابعين رحمهم الله حيث اجتمع في كل بلد لفيف من التابعين (٤) حول هؤلاء الصحابة
_________
(١) أخرجه من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي قال: سمعت أبي يقول: حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا الأعمش عن شقيق، عن ابن مسعود به (التفسير رقم ٨١)، وأخرجه البيهقي (شعب الإيمان ٤/٥١٠ رقم ١٨٠١) والحاكم من طريق أبي عبد الرحمن عن ابن مسعود بنحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ١/٥٥٧).
(٢) قوله سدساً: صحفت في فتح الباري إلى سبعاً وانظر فتح الباري ١٢/٢١ وقارن مع الدارمي ٢/٣٥٤.
(٣) فتح الباري ١٢/٢١ وسنن الدارمي كتاب الفرائض - باب قول علي في الجد ٢/٣٥٤.
(٤) ذكر ابن حبان مشاهير التابعين في مكة والمدينة والبصرة والكوفة ومصر واليمن (انظر مشاهير علماء الأمصار ص ٦٢، ٨١، ٨٧، ٩٩، ١١٩، ١٢٢).
11
فكان من أصحاب ابن عباس الذين يقولون بقوله ويفتون ويذهبون مذهبه: سعيد بن جبير وجابر بن زيد وطاووس ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة (١).
ومن أصحاب ابن مسعود الذين يفتون بفتواه ويقرأون بقراءته علقمة ابن قيس والأسود ابن يزيد ومسروق وعبيد السلماني والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل (٢).
هذا بالنسبة لابن عباس وابن مسعود وهما مكثران، وهكذا الحال بالنسبة للآخرين من الصحابة المذكورين فلهم تلاميذ سطرت أسمائهم في تراجم الصحابة ومسانيدهم، وقد تتلمذ هؤلاء التابعون على الصحابة المفسرين قراءة وحفظاً وتفسيراً وعملاً.
وكان من منهج الصحابة الدقيق في تعليم التابعين العرض والتفسير والكتابة.
أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: أكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله (٣).
وقال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها (٤). وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق معنعناً به (٥)، وإسناده حسن لأنه ثبت تصريح محمد بن إسحاق بالسماع. فقد أخرجه الحاكم
_________
(١) ذكره علي بن المديني عن يحيى بن سعيد (علل الحديث ومعرفة الرجال ص ٤٥، ٤٨، ٤٩).
(٢) ذكره علي بن المديني (المصدر السابق ص ٤٤).
(٣) أخرجه عن أبي كريب قال حدثنا طلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مليكة به (التفسير رقم ١٠٧).
(٤) انظر مقدمة في أصول التفسير ص ٤٤.
(٥) التفسير رقم ١٠٨.
12
من طريق محمد بن إسحاق سمع أبان بن صالح يحدث عن مجاهد قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أوقفه على كل آية أسأله فيما نزلت وكيف كانت... (١).
وكذا كان سعيد بن جبير حريصاً على الكتابة عن ابن عباس. قال الدارمي: أخبرنا مالك بن إسماعيل، ثنا مندل بن علي العنزي، حدثني جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: كنت أجلس إلى ابن عباس فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ ثم أقلب نعلي فأكتب في ظهورها (٢). وأخرجه بن سعد والدارمي أيضاً من طريق يعقوب القمي عن جعفر به مختصراً (٣)، وأخرجه الرامهرمزي من طريق مندل به (٤).
وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق حبان عن جعفر بن أبي المغيرة به (٥).
وأخرج الدارمي أيضاً عن أبي النعمان، ثنا عبد الواحد، ثنا عثمان بن حكيم قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه (٦)، أخرجه الخطيب البغدادي من طريق طارق عن سعيد بن جبير بنحوه (٧).
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعرض المصحف على بعض تلاميذه ويبين سبب نزول بعض الآيات فقد روى النسائي بسند صحيح عن كعب بن علقمة عن أبي النضر عن نافع مولى ابن عمر قال: أن ابن عمر كان عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى
_________
(١) المستدرك ٢/٢٧٩.
(٢) السنن - باب من رخص في كتابة العلم ١/١٢٨.
(٣) المصدر السابق والطبقات الكبرى ٦/٢٥٧.
(٤) المحدث الفاصل ص٣٧١.
(٥) تقييد العلم ص ١٠٢.
(٦) السنن ١/١٢٨.
(٧) تقييد العلم ص ١٠٢، ١٠٣.
13
شِئْتُم) فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم) (١). وذكره ابن كثير ثم قال: وهذا إسناد صحيح، وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن الحسين ابن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب ابن علقمة فذكره (٢).
وأما ابن مسعود - رضي الله عنه - فقد كان يقرأ على تلاميذه السورة ثم يفسرها في وقت كاف. فقد أخرج الطبري بسنده عن مسروق قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار (٣). ولهذا نرى التابعين الذين تحملوا هذا العلم من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرحلون من بلد إلى بلد في طلب تفسير آية واحدة، فهذا سعيد بن جبير يرى أهل الكوفة قد اختلفوا في قول الله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) (٤). فيرحل إلى ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيسأله عنها فيجيبه بقوله: نزلت هذه الآية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) وهي أخر ما نزل وما نسخها شيء.
أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري (٥).
_________
(١) البقرة ٢٢٣.
(٢) التفسير ١/٤٦٥.
(٣) أخرجه عن يحيى بن إبراهيم المسعودي عن أبيه، عن أبيه عن جده عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به. (التفسير رقم ٨٤).
(٤) النساء ٩٣.
(٥) صحيح البخاري - التفسير - سورة النساء، ب (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) رقم ٤٥٩٠ وصحيح مسلم. التفسير رقم ٣٠٢٣.
14
وهذا مسروق رحل إلى البصرة في طلب تفسير آية فقيل له: الذي يفسرها رجع إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها (١).
وأما زر بن حبيش فيقول: وفدت في خلافة عثمان بن عفان وإنما حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه الخطيب البغدادي بسنده عن زر (٢).
وكان من منهجهم الرائع التورع في التحمل والرواية فيبحثون عن علو الإسناد وعمن هو أهل للرواية، فهذا أبو العالية يقول: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أتفقد صلاته فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه، وإن أجده يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت: هو لغير الصلاة أضيع".
رواه الخطيب البغدادي بسنده عن أبي العالية (٣). وهو القائل أيضاً: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم. رواه ابن سعد (٤) والبغدادي (٥) بسنديهما عنه واللفظ لابن سعد.
وقد ظفر أبو العالية بعَرضه القرآن على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس، وصح أنه عرض على عمر رضي الله عن الجميع (٦)، كما حظي برواية نسخة أُبي بن كعب في التفسير كما سيأتي في عرض أشهر الأسانيد في التفسير.
_________
(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ١/١٣ وروى ابن عبد البر نحوه في جامع بيان العلم وفضله - ب ذكر الرحلة في طلب العلم ١/٩٤.
(٢) الرحلة في طلب الحديث ص ٩٢.
(٣) المصدر السابق ص ٩٣ وأخرجه أبو نعيم بنحوه (حلية الأولياء ٢/٢٢٠).
(٤) الطبقات الكبرى ٧/١١٣.
(٥) الرحلة في طلب الحديث ص ٣٩.
(٦) ذكره ابن الجزري في غاية النهاية ١/٢٨٤ وذكره أبو عمرو الداني فيما نقله عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٤/٢٠٨.
15
وأما مسروق فيحذر من التساهل في التفسير فروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن هشيم أنبأنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله (١).
وفي هذه الفترة برزت جماعة من التابعين اشتهروا بمعرفة التفسير فبرعوا ونبغوا فيه ومنهم سعيد بن جبير ت ٩٥ هـ وعكرمة ت ١٠٧ هـ ومجاهد ت ١٠١ أو ١٠٢ أو ١٠٣ أو ١٠٤ هـ وأبو العالية ت ٩٠ هـ وقتادة ت ١١٠هـ وعامر الشعبي ت ١٠٥هـ ومسروق ت ٦٣ هـ والحسن البصري ت ١١٠ هـ والضحاك بن مزاحم ت ١٠٥ أو ١٠٦هـ وغيرهم.
وقد استفادوا من تلك المنهجية العلمية الدقيقة التي بوأتهم مكانة مرموقة، فتصدروا مجالس العلم وبدأ بعضهم بتدوين التفسير فكانوا طليعة الفرسان في هذا الميدان، ففي عصرهم بدأ تدوين التفسير، وأول من قام بذلك سعيد ابن جبير الأسدي ت ٩٥ هـ عندما كتب الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان يسأل سعيد ابن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن وقد استجاب له فصنف التفسير وقد وجد عطاء بن دينار هذا التفسير في الديوان، فرواه عن سعيد وجادة (٢).
وفي هذا العصر انتشرت كتابة التفسير، روى الدارمي عن عمرو بن عون، أنا فضيل، عن عبيد المكتب قال: رأيتهم يكتبون التفسير عن مجاهد. (٣)
وأخرجه الخطيب البغدادي من طريق وكيع بن فضيل ابن عياض به (٤).
وأخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يحيى الكناسي قال: كان مجاهد يصعد بي إلى غرفته فيخرج إليّ كتبه فأنسخ منها (٥).
_________
(١) انظر المقدمة ص ٥٠ ومجموع الفتاوى ١٣/٣٧٤. كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) رواه ابن أبي حاتم عن أبيه في الجرح والتعديل ٦/٣٣٢.
(٣) السنن - باب من رخص في كتابة العلم ١/١٢٨.
(٤) تقييد العلم ص ١٠٥.
(٥) تقييد العلم ص ١٠٥.
16

[[أشهر تفاسير أتباع التابعين وما بعدهم]]

وقد واكب هذا التدوينُ الفتحَ الإسلامي الذي امتدت أطرافه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مما أدى إلى اتساع انتشار هذا العلم إضافة إلى ذلك ازدياد الرحلات العلمية، وكان لتدوينه أيضاً أثر كبير في انتشاره وتداوله عند أهل العلم من صغار التابعين وأتباع التابعين مثل:
الضحاك بن مزاحم الهلالي ت ١٠٥ هـ أو ١٠٦ هـ.
ومقاتل بن سليمان البلخي ت ١٠٥هـ وقد طبع تفسيره (١).
وطاوس بن كيسان اليماني ت ١٠٦هـ.
وقتادة بن دعامة السدوسي ت ١١٠هـ.
ومحمد بن كعب القرظي ت ١١٨هـ.
والسدي الكبير ١٢٧هـ.
وعبد الله بن يسار المعروف بابن أبي نجيح ت ١٣١ هـ.
وعطاء الخراساني ت ١٣٥ هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٢).
وزيد بن أسلم العدوي ت ١٣٦هـ.
والربيع بن أنس البكري ت ١٤٠هـ.
وعلي بن أبي طلحة ت ١٤٣هـ استخرج السيوطي أغلب صحيفة علي بن أبي طلحة من تفسيري الطبري وابن أبي حاتم (٣).
وكل هذه التفاسير قد أفرد لكل تفسير مؤلف جمعت في مرويات كل مفسر، وأغلبها رسائل جامعية.
_________
(١) حققه د. عبد الله محمود شحاتة وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة.
(٢) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٣) انظر الإتقان ٢/ ٦- ٤٦.
17
والأعمش سليمان بن مهران ت ١٤٧هـ أو ١٤٨هـ (١).
وغيرهم من المفسرين المتقدمين فقام هؤلاء بجمع نسخ وروايات وصحف كبار التابعين وتدوينها فسطع قبس التفسير في أرجاء العالم الإسلامي آنذاك ثم أزداد تألقاً في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري حيث استنار العلماء الذين تلقوا هذا العلم من شيوخهم واعتنوا به فحفظوه أو كتبوه ثم رووه لتلاميذهم فتوسعت حركة تدوين التفسير وظهرت تفاسير مشابهة للتفاسير المتقدمة وقد تكون أوسع منها مثل: تفسير سفيان الثوري ت ١٦١هـ (٢).
وتفسير معاوية بن صالح ت ١٥٨ هـ أو ت ١٧٢هـ وهو الراوي لصحيفة علي بن أبي طلحة.
وتفسير شيبان بن عبد الرحمن النحوي ت ١٦٤ هـ وهو راوي التفسير عن قتادة.
وتفسير نافع بن أبي نعيم القارئ ت ١٦٧هـ أو ١٦٩هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٣).
وتفسير أسباط بن نصر الهمداني ت ١٧٠ هـ وهو الراوي لتفسير السدي.
وتفسير مالك بن أنس إمام دار الهجرة ت ١٧٩ هـ.
وتفسير مسلم بن خالد الزنجي ت ١٧٩ هـ وقد حققتُ قطعة من تفسيره (٤).
وتفسير عبد الله بن المبارك المروزي ت ١٨١هـ.
_________
(١) كل هؤلاء المفسرين لهم تفاسير ذكرت في كتب طبقات المفسرين للسيوطي والداوودي وعمر نزيه التركي -باللغة التركية- ومعجم المفسرين لعادل نوهيض، وكتب فهارس التراث مثل كشف الظنون وفهرست ابن النديم وتاريخ التراث لسزكين وكتب الإجازات مثل المعجم المفهرس لابن حجر (مخطوط طبع مؤخرا) وللمزيد عن هذه التفاسير وطريقتي في استخراجها من مظانها. انظر مقدمتي لتفسير ابن أبي حاتم -المجلد الثاني- والقواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية.
(٢) مطبوع في جزء واحد.
(٣) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
(٤) نشرت مكتبة الدار بالمدينة المنورة هذه القطع ضمن جزء في التفسير.
18
وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ت ١٨٢ هـ.
وتفسير هشيم بن بشير السلمي ت ١٨٣ هـ.
وتفسير يحيى بن يمان العجلي ت ١٨٩ هـ، وقد حققتُ قطعة من تفسيره (١).
وتفسير إسماعيل بن علية ت ١٩٣ هـ.
وتفسير يحيى بن سلام البصري ت ٢٠٠ هـ (٢).
وفي هذا العصر ازدادت كتب التفسير وبقيت على هيئة أجزاء ونسخ كتفسير الإمام مالك بن أنس فقد وصفه ابن كثير (٣) والذهبي (٤) وابن حجر (٥) والروداني (٦) بأنه جزء وكذلك التفاسير التي تقدمت في القائمة السابقة حيث ذكرت الموجودة منها وكلها على هيئة أجزاء ونسخ.
[[أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع]]
وفي القرن الثالث والرابع الهجري دخل التفسير في مرحلة جديدة وهي مرحلة الموسوعات الجامعة في التفسير، فظهرت تفاسير ضخمة مروية ومستوعبة لكثير من الأجزاء والنسخ المبثوثة في رحاب العالم الإسلامي آنذاك ذلك العالم الذي استطاعت حضارته أن تجمع وتؤلف بين العرب والعجم والبربر تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولهذا جاءت بعض تفاسير العلماء حافلة بتفاسير السابقين وشاملة للقرآن كله وذلك بسبب انتشار العجمى ومن هذه التفاسير:
_________
(١) نشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٢) توجد منه أجزاء مخطوطة في المغرب وقد حققتْ في تونس، وهذه التفاسير المتقدمة ذكرت في المصادر السابقة في حاشية القائمة السابقة ويضاف إليها الرسالة المستطرفة ومفتاح السعادة ومصباح السعادة.
(٣) انظر التفسير ٢/١٩٢.
(٤) انظر سير أعلام النبلاء ٨/٨٠.
(٥) المعجم المفهرس ل ٤٤ ب.
(٦) صلة الخلف بموصول السلف ص ٤٣، ٤٤.
19
تفسير عبد بن حميد الكشي ت ٢٤٠ هـ (١).
تفسير ابن جرير الطبري ت ٣١٠ هـ.
تفسير ابن المنذر النيسابوري ت ٣١٨ هـ (٢) [[وقد اتحفني الشيخ عاصم قارئ بوريقات منه]] (*).
تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٧ هـ (٣).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه التفاسير عند كلامه عن الذين اعتنوا بجمع التفسير المسند من طبقة الأئمة الستة فساق أسماءهم -وذكر أولهم بأنه من طبقة شيوخهم- ثم قال: فهذه التفاسير الأربعة قل أن يشذ عنها شيء من التفسير المرفوع والموقوف على الصحابة والمقطوع عن التابعين، وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء لم يشاركوه فيها... (٤).
وكذلك ابن أبي حاتم فقد حاول أن يفسر كل آية بل كل كلمة وحرف وقد يسوق أكثر من عشرة أوجه في الكلمة الواحدة (٥).
ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً:
١ - تفسير الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ت ٢٤١هـ.
وتفسيره ضخم حافل بمائة وعشرين ألف رواية، صرح بهذا الرقم أبو الحسين بن المنادي في تأريخه فيما رواه عنه القاضي أبو الحسين أبو يعلى حيث ذكر عبد الله وصالح ابني الإمام أحمد فقال: كان صالح قليل الكتاب عن أبيه، فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند
_________
(١) توجد منه قطعة في حواشي تفسير ابن أبي حاتم في المجلد الثاني.
(٢) توجد منه قطعة في ألمانيا الشرقية - مكتبة جوتا.
(٣) يوجد نصفه تقريباً وقد حقق في جامعة أم القرى.
(٤) العجاب في بيان الأسباب د-٣.
(٥) انظر تفسير سورة آل عمران رقم ١٨١-١٩٨ عند قوله تعالى (وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَة).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية. أقول: وقد طُبعت القطعة (التي أشار إليها المؤلف) بتحقيق الدكتور سعد بن محمد السعد، وهي ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة)
20
وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مئة ألف وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة... (١) ونقله أيضاً الخطيب البغدادي (٢) والذهبي (٣)، وأبو موسى المديني في خصائص المسند (٤)، وصرح بهذا الرقم ابن الجوزي (٥).
وقد ذكر هذا التفسير ابن النديم (٦)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (٧)، والداوودي (٨)، ومحمد السعدي الحنبلي ت٩٠٠ هـ (٩)، وحصل الروداني المغربي على إجازة روايته فذكره في ثبته ثم ساق إسناده إلى الإمام أحمد بن جعفر القطيعي عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه (١٠).
ولكن الإمام الذهبي أنكر وجود هذا التفسير، فبعد أن ذكر قول ابن المنادي قال: لكن ما رأينا أحدا أخبرنا عن وجود هذا التفسير ولا بعضه ولا كراسة منه ولو كان له وجود أو لشيء منه لنسخوه... (١١).
ويبدو أن الإمام الذهبي لم يحظ بجزء أو كراسة من تفسير الإمام أحمد علما بأن جزءا من تفسير أحمد كان موجودا في زمنه حيث نقله بنصه وفصه الإمام ابن قيم الجوزية -وهو معاصر للذهبي وتوفي ابن القيم سنة٧٥١ هـ أي بعد وفاة الذهبي بثلاث سنوات- فقال ابن القيم في بدائع الفوائد: ومن خط
_________
(١) طبقات الحنابلة ١/١٨٣.
(٢) تاريخ بغداد ٩/٣٧٥.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٣/٣٢٨، ٣٢٩.
(٤) ص ٢٣ من مقدمة أحمد شاكر لمسند أحمد
(٥) مناقب الإمام أحمد ص ٢٤٨.
(٦) الفهرست ص ٢٨٥.
(٧) الفتاوي ٦/٣٨٩، ١٣/٣٥٥ ودرء تعارض العقل والنقل ٤/٢٢٨.
(٨) طبقات المفسرين ٢/٢٢.
(٩) الجوهر المحصل في مناقب الإمام أحمد في بداية عرضه لمؤلفات الإمام أحمد.
(١٠) صلة الخلف ص ٣٩
(١١) سير أعلام النبلاء ١٣/٥٢٢ وانظر ١١/٣٢٨، ٣٢٩.
21
القاضي من جزء فيه تفسير آيات من القرآن عن الإمام أحمد. ثم ساقه بأكمله في تسع صفحات (١) إضافة إلى ذلك أن الحافظ ابن حجر أفاد من تفسير أحمد وصرح بنقله منه (٢).
والحق أن تفسير الإمام أحمد لم يشتهر كشهرة مسنده الذي ذاع صيته في الآفاق وكثر قصاده إلى العراق.
٢- التفسير الكبير لأمير المؤمنين محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح ت ٢٥٦ هـ.
ذكر بروكلمان نسخة منه في باريس -المكتبة الوطنية- وقطعة منه في الجزائر في المكتبة الوطنية أيضاً (٣). ولعلها من صحيح البخاري.
وقد سألت عن هاتين النسختين فلم أجد أحدا رآهما!! ويبدو من عنوانه أنه تفسير كبير.
٣- تفسير أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازى ت ٢٥٨ هـ.
قال إبراهيم بن محمد الطيان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلا أدخلت في تصنيفي ثلاث مئة وعشرة وعطلت سائر ذلك وكتبت ألف ألف حديث وخمس مئة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مئة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيره (٤).
٤- تفسير القرآن الكريم لابن ماجة القزويني ت ٢٧٣ هـ.
وصفه ابن كثير بالحافل فقال: ولابن ماجة تفسير حافل (٥).
_________
(١) ٣/١٠٨-١١٦
(٢) انظر مثلا تغليق التعليق ٤/٢٢٨ ومن أراد الاستزادة في إثبات وجود تفسير أحمد فليراجع مقدمتي لمرويات أحمد في التفسير ص ٤-١١.
(٣) تاريخ الأدب العربي ٣/١٧٩.
(٤) انظر تهذيب الكمال ١/٤٢٥.
(٥) البداية والنهاية ١١/٥٢.
22
والحافل الكثير الممتلئ (١)، وذكره ابن خلكان والمزي والذهبي والداوودي (٢)، وللمزيد عن هذا الكتاب راجع مقالي بعنوان: استدراكات على تاريخ التراث العربي (٣)، والكتاب مفقود وقد جمعت روايات تفسيرية كثيرة من سننه، ومن الدر المنثور، ومن تهذيب الكمال في مواضع تراجم الرجال الذين رمز لهم المزي (فق) أي رجال ابن ماجة في التفسير.
٥- التفسير الكبير لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بابن راهويه ت ٢٣٨هـ.
ويبدو أنه كبير من عنوانه. ذكره ابن النديم والخطيب البغدادي والسمعاني والداوودي (٤).
٦- التفسير لإبراهيم بن إسحاق الحربي ت ٢٨٥ هـ قال الذهبي في ترجمته: مصنف التفسير الكبير (٥). وهو كسابقه وذكره ابن حجر والداوودي (٦).
٧- التفسير لابن أبي داود عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني ت ٣١٦ هـ. روى المفسر أبو بكر النقاش أنه سمع أبا بكر بن أبي داود يقول: إن في تفسيره مائة ألف وعشرين ألف حديث (٧).
وذكر هذا التفسير الخطيب البغدادي والعليمي والداوودي (٨).
_________
(١) الصحاح ٤/١٦٧٠ والنهاية ١/٤٠٩.
(٢) انظر وفيات الأعيان ٤/٢٧٩ وتهذيب الكمال ٤/٩٠، ٧/٤١٣ وسير أعلام النبلاء ١٣/٢٧٧ وطبقات المفسرين ٢/٢٧٤.
(٣) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد ٦٧، ٦٨.
(٤) انظر الفهرست ص ٢٦٨، وتاريخ بغداد ٨/٣٦٩، والتحبير في المعجم الكبير ٢/١٩٠، وطبقات المفسرين ١/١٠٣.
(٥) تذكرة الحفاظ ٢/٧٠١.
(٦) تهذيب التهذيب ١٠/٢٨١ وطبقات المفسرين ١/٧.
(٧) انظر سير أعلام النبلاء ١٣/٢٨١ ولسان الميزان ٣/٢٩٥.
(٨) انظر تاريخ بغداد ٩/٤٦٤ والمنهج الأحمد ٢/١٥ وطبقات المفسرين ١/٣٣٦، ٣٣٧.
23
٨- التفسير لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ت ٣٦٠ هـ.
قال الداوودي في طبقات المفسرين: وله تفسير كبير. ا. هـ.
وقد جمعت روايات تفسيرية من معاجمه الثلاثة وكتاب الدعاء، ومكارم الأخلاق، وجزء من سمع من عطاء. كلها للطبراني المذكور.
٩- تفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم بن إسحاق البستي ت ٣٠٧ هـ.
توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية بمصر وقد وصل إلى النصف الثاني ويبدأ من سورة الكهف إلى نهاية التفسير، وصورته من مكتبة فضيلة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
وقد قرأت هذا التفسير الجليل ولاحظت عدم التصريح باسم المؤلف في الغلاف ولكن صرح باسمه في الورقة ١٢٦ ب، ومما يؤكد أن هذا التفسير لهذا المؤلف ما نقله العيني من هذا التفسير بأسانيد مماثلة له كما صرح باسم المؤلف أيضاً (١).
ووجدت لهذا التفسير مزايا كبرى:
أولها: أن [[أغلب]] (*) أسانيده على شرط الصحيحين.
ثانيها: أن مؤلفه طويل النفس في إيراد الأحاديث والآثار وعمله كصنيع ابن أبي حاتم في التفسير بالمأثور المجرد من أي قول آخر.
ومن أجل ذلك اقترحت تحقيقه على فضيلة د. عوض العمري وفضيلة د. عثمان المعلم وقد حققاه ونالا به درجة الدكتوراه.
١٠- تفسير عمر بن أحمد بن عثمان المشهور بابن شاهين ت ٣٨٥ هـ.
قال الخطيب البغدادي في ترجمته: له التفسير الكبير. ا. هـ.
_________
(١) عمدة القاري ١٩/١٤، ٢٢، ٨/٢٨٣، ١٨/١٥٣، ٢١٨
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية
24
وتفسيره كبير كما وصف حيث احتوى على تفاسير منها تفسير أبي الجارود (١).
وقال الكتاني: وهو في ألف جزء ووجد بواسط في نحو من ثلاثين مجلدا (٢).
فهذه نماذج من كتب التفسير في ذلك العصر الذي برز فيه صرح التفسير بالمأثور شامخا مسندا كاملا للقرآن الكريم، فقد تكاملت أسسه التي أرسيت بثمار تلك الجهود المباركة السابقة، فاجتمعت مع جهود المتقدمين عنايةُ اللاحقين حيث جمعوا وأضافوا ونقدوا، وكان جميعهم عاكفين على هذا العلم، وعضوا عليه بالنواجذ لأنه جمع بين القرآن والسنة، وقد زاد اهتمامهم عندما تلوث هذا العلم بالدخيل بسبب تساهل بعض العلماء في إيرادهم الإسرائيليات بأنواعها، وبسبب صنيع الزنادقة والقصاص والكذابين وأهل الأهواء فوقع التحريف والتأويل والوضع.
فما ورد عن المفسرين الكذابين طرح وفضح كتفسير محمد بن السائب (٣) الكلبي وتفسير محمد بن مروان السدي الصغير (٤)، وكذلك ما ورد عن أهل الأهواء كصالح بن محمد الترمذي فقد كان مرجئا جهميا داعية يقول بخلق القرآن (٥)، وكمقاتل بن سليمان البلخي وقد نسبوه إلى الكذب، وقال الشافعي مقاتل قاتله الله تعالى. قال الحافظ ابن حجر: وإنما قال الشافعي فيه ذلك لأنه
_________
(١) انظر تاريخ بغداد ١١/٢٦٧.
(٢) الرسالة المستطرفة ص ٧٦، ٧٧.
(٣) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/٧٦ والمجروحين ٢/٢٥٢، والكامل في الضعفاء ص ٢١٢٧.
(٤) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/١٢٦ والمجروحين ٢/٢٨٦، والكامل ١٢٦٦.
(٥) انظر العجاب د-١٠ وانظر ترجمته في المجروحين ١/٢٧٠ وميزان الاعتدال ٢/٢٠٠.
25
اشتهر عنه القول بالتجسيم (١). قال إبراهيم الحربي مصنف التفسير الكبير (٢) : وإنما جمع مقاتل تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع. قال إبراهيم: لم أدخل في تفسيري منه شيئا (٣).
وكذا الحال بالنسبة للزنادقة فقد وضعوا روايات وأحاديث كثيرة ومن المعروف أن كثيرا من هذه الروايات والأحاديث لها علاقة وطيدة بالتفسير.
أخرج ابن عساكر عن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلها ما فيها حرف نطق به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا (٤) ؟.
ولهذا انبرى جهابذة السلف إلى نقد الروايات والتفتيش عن الأسانيد، وقد بدأ هذا التحري بعد اندلاع الفتنة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - أو في زمن ابن الزبير وقد رجح الرأي الأخير مؤرخ السيرة أ. د. أكرم ضياء العمري (٥).
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن محمد بن سيرين: قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (٦). فكان أهل السنة بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يأتي بدخيل ولهذا وضعوا ضوابط محكمة وقواعد دقيقة للرواية.
_________
(١) العجاب د-١٦ وأنظر ترجمته في الضعفاء الكبير ٤/٢٢٨ والمجروحين ٢/١٤والكامل ٢٤٢٧.
(٢) انظر تذكرة الحفاظ ٢/٧٠١.
(٣) انظر تهذيب التهذيب ١٠/٢٨١.
(٤) انظر تاريخ الخلفاء ص ٢٩٣.
(٥) انظر بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٤٨-٥٠.
(٦) المقدمة - باب بيان أن الإسناد من الدين ١/١٥.
26
قال محمد بن حاتم بن المظفر:... وهذه الأمة إنما تنص الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ والأضبط فالأضبط والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا... (١).
هكذا كان منهجهم في الرواية والتصنيف واستمر الحال على ذلك إلى القرن الثالث والرابع الهجري وكان أكثر المفسرين المصنفين يروون بالإسناد، فبرأوا ذمتهم لأنهم سموا شيوخهم ورواتهم وكانوا يميزون بين الصحيح والسقيم، وبعضهم يرى وجوب هذا التمييز بل وجوب نقد الرواة لمعرفة الثقة من الضعيف مثل ابن أبي حاتم وهو الذي صنف موسوعته في الجرح والتعديل من أجل بيان الثابت من التفسير ومن سنن البشير النذير صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تبين القرآن الكريم، فها هو يقول في تقدمة الجرح والتعديل: فلما لم نجد سبيلا إلى معرفة شيء من معاني كتاب الله ولا من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من جهة النقل والرواية وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة (٢).
إن هذا المنهج الدقيق وتلك الحلقات التفسيرية كانت متصلة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع الهجري، وبدخول القرن الخامس الهجري بدأ تدريجيا إهمال الأسانيد بحذفها أو باختصارها مما ساعد على شيوع الإسرائيليات ورواج الأحاديث الواهية والموضوعة ونسب الأقوال الباطلة إلى الصحابة والتابعين، وهم برآء منها، وكانت فرصة سانحة للكذابين والوضاعين والزنادقة وأهل الأهواء، فاختلط الصحيح بالسقيم والحق بالباطل وانتشر ذلك في كتب
_________
(١) رواه السخاوي من طريق أبي العباس الدغولي عنه (فتح المغيث ٣/٣).
(٢) تقدمة الجرح والتعديل ص ٥.
27
التفسير بالمأثور، ولم يسلم منها إلا القليل كتفسير البغوي (١) وابن كثير وعبد الرزاق بن رزق الرسعني ت ٦٦١هـ (٢) الذي روى أغلب تفسيره بإسناده واستمر الحال على ذلك إلى يومنا هذا.
[[من أسباب تأليف هذا التفسير]]
وقد تعالت صيحات وتوصيات لكثير من الغيورين في الأوساط العلمية لتنقية التفسير من الدخيل ولتمييز الصحيح من السقيم، وقد بذلت جهود لا بأس بها لغربلة بعض كتب التفسير من الدخيل وخصوصا في جامعة الأزهر، ولكن لم يقم أحد بنقد التفاسير بتمييز الصحيح من السقيم أو بجمع ما أثر من الصحيح المسند في التفسير، وكنت أفكر بهذا العمل منذ سنة ١٤٠٤ هـ ولكني كنت أتردد بسبب ضخامة الموضوع وتعدد شعابه، وغزارة مصادره المطبوعة والمخطوطة القريبة والبعيدة، وعندما أسند إليَّ تدريس مادة التفسير ومناهج المفسرين في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية ومادة طبقات المفسرين ومادة مناهج المفسرين والتفسير الموضوعي في شعبة التفسير بقسم الدراسات العليا والإشراف على رسائل الدكتوراه والماجستير ومناقشتها، رأيت الحاجة ماسّة لتصنيف تفسير بالمأثور ينتقى من الصحيح المسند من كتب التفسير المسندة ومن كتب الفنون الأخرى التي حوت التفسير بالمأثور المسند والتي سيأتي ذكرها في الهوامش وفي قائمة المصادر إن شاء الله، وكان لابد لي من القيام بشيء من هذا في تحضيري للطلاب وخصوصا لطلاب كلية القرآن الكريم باعتبارها كلية تخصص في التفسير إضافة إلى القراءات. فكان من ضمن التحضير نقد الكثير من الروايات التفسيرية معتمدا على أقوال كبار النقاد المشهورين كشيخ الإسلام ابن تيمية وأمير التفسير ابن كثير والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ الذهبي ومستأنسا بأقوال النقاد المعاصرين، وكان هذا النقد في تفسير السور التالية: سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأنفال والحج والإسراء والنور، وتشكل هذه السور ثلث القرآن تقريباً.
_________
(١) ساق أغلب أسانيده في مقدمة كتابه.
(٢) انظر الذيل على طبقات الحنابلة ٢/٢٧٤-٢٧٦ والأعلام ٣/٢٩٢.
28
وقد سبق هذا التحضير عملي في تحقيق المجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي (ت ٣٢٧ هـ) وفيه سورتا آل عمران والنساء وقد بلغ عدد الروايات (٤٦٠٢) رواية فيها المرفوع والموقوف والمرسل، وعند هذا التحقيق لمست أن معظم كتب التفسير بالمأثور للمصنفين المتقدمين مفقودة، ولهذا قررت أن أجمع الروايات التفسيرية لهؤلاء المفسرين، وقد قمت بذلك بعد الانتهاء من التحقيق فجمعت مرويات أشهر المفسرين من أصحاب التفاسير المفقودة كالإمام مالك والشافعي وأحمد ومحمد بن إسحاق وعبد الله بن المبارك ووكيع والدارمي وابن خزيمة وابن ماجة والطبراني ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد بن حميد كما جمعت روايات من تفسير ابن أبي حاتم من القسم المفقود من تفسيره، كما قمت بتحقيق تفسير يحيى ابن يمان ونافع بن أبي نعيم ومسلم ابن خالد الزنجي وعطاء الخراساني، برواية أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الرملي ت ٢٩٥ هـ (١).
وقد واكب هذا العمل اكتشاف تفسير آدم بن أبي إياس العسقلاني ت ٢٢٠ هـ (٢). والاشراف والمناقشة على رسائل الدكتوراه والماجستير في علم التفسير وعلوم القرآن التي ناف عددها على الأربعين رسالة. وظهور بعض التحقيقات في التفسير وعلوم القرآن كتفسير عبد الرزاق الصنعاني وتفسير سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٧ هـ (٣)، وأبي بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي ت ٣٨٨ هـ ويسمى تفسيره (الاستغناء في علوم القرآن) وقد حقق منه سورة الفاتحة، وتفسير (الوسيط بين المقبوض والبسيط) للواحدي ت ٤٦٨ هـ، كما ظهرت كتب أخرى كموسوعة في فضائل القرآن تصنيف الشيخ محمد رزق الطرهوني، وتحقيق فضائل القرآن للنسائي والفريابي وابن الضريس، والعجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر، والصحيح المسند في أسباب النزول لمقبل الوادعي، وتحقيق الناسخ والمنسوخ للنحاس، وتحقيق نواسخ القرآن، وتحقيق تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي.
_________
(١) طبعته ونشرته مكتبة الدار بالمدينة المنورة.
(٢) وهو المنسوب إلى مجاهد انظر استدراكات على كتاب التراث العربي في كتب التفسير والقراءات بقلمي نُشرت في مجلة الجامعة الإسلامية عدد ٨٥-١٠٠ ص ١٨٢-١٨٦.
(٣) يوجد نصفه تقريبا وقد حقق بجامعة أم القرى لنيل ثلاث عشرة رسالة دكتوراه وماجستير.
29
كما وقفت على قطع نادرة من تفسير عبد بن حميد ت ٢٤٩ هـ وتفسير ابن المنذر النيسابوري ت ٣١٨ هـ (١) وتفسير القاضي أبي محمد إسحاق بن إبراهيم البستي ت ٣٠٧ هـ (٢) وتفسير يحيى ابن سلام (٣)، وقد بلغني أنه حقق في بلاد المغرب، وتفسير عبد الرازق الرسعني ت ٦٦٠ هـ وهو تفسير أغلبه مسند (٤). وأحكام القرآن لإسماعيل بن إسحاق الجهضمي ت ٢٨٢ هـ. ومن فضل الله تعالى أن أتاح لي بلوغ الإطلاع والاقتناء لهذه الكتب قبل أن تطبع، وقد طبع أغلبها.
إن اجتماع هذه العوامل المتقدمة من تحضير وتحقيق وجمع وإطلاع واقتناء شجعني على أن أخوض غمار موضوع الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور فانتقلت من مرحلة التردد إلى مرحلة التنفيذ، فاقتنيت ما يلزم من مصادر مطبوعة، وحصلت وصورت ما يلزم من المخطوطات والرسائل العلمية المكتوبة بالآلة الكاتبة ومنها ما تقدم ذكره آنفا، ولم أظفر ببعض كتب التفسير الهامة فكلفت بعض الزملاء لتصويرها، كتفسير ابن المنذر ت ٣١٨ هـ (*)، وأحكام القرآن للطحاوي ت ١٢٣ هـ (*)، وتوجد قطعة من الأول في مكتبة جوتا بألمانيا الشرقية وقطعة من الثاني في القيروان في تونس وأما كتاب الطحاوي فبلغني أنه يقوم بتحقيقه باحثان تركيان في مكة المكرمة، ولازلت أنتظر تصوير هذه الكتب.
_________
(١) يوجد قطعة منهما في حواشي تفسير ابن أبي حاتم المجلد الثاني.
(٢) يوجد نصفه وقد صورته عن صورة من مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن نسخة الإسكندرية بمصر.
(٣) توجد قطعة منه في مكتبة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
(٤) يحقق بجامعة أم القرى وقد أتحفني الأخ د. عبد العزيز العثيم بقطعة منه.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كلاهما (القطعة الموجودة من تفسير ابن المنذر، وأحكام القرآن للطحاوي)، قد طُبع، وتجده ضمن كتب هذا البرنامج (المكتبة الشاملة)
30
المنهج في الجمع والتخريج والاختصار:
وقد قمت بجولة علمية باحثا عن الكتب المتعلقة بهذا المشروع، فاستكملت مكتبتي حسب الحاجة، وجمعت ما تفرق من الشوارد والفرائد من تحضيراتي وتقييداتي الصالحة لهذا الباب، حيث انتخبت منها الصفو واللباب، ورتبتها حسب سور القرآن الكريم وآياته، ثم بدأت بالتفسير مصدرا السورة بفضائلها إن صحت الرواية، ثم بتفسير القرآن بالقرآن إن وجد وهو قمة البيان وغالبا ما أعتمد على كتاب أضواء البيان ثم تفسير ابن كثير وتفسير القاسمي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طريق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له (١).
وقد سلكت هذا الطريق متحرياً ما ثبت عن رسوله الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائل: "ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه" (٢)، وقدمت ما اتفق عليه الشيخان في صحيحيهما، ثم ما انفرد به أحدهما ولا داعي لتخريج الحديث من مصادر أخرى لأن هدفي من التخريج التوصل إلى صحة الحديث وكفى بإطباق الأمة على صحتهما.
قال الزركشي: لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا هو الطراز الأول ولكن يجب الحذر من الضعيف والموضوع فإنه كثير وإن سواد الأوراق سواد في القلب... (٣).
_________
(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٣٩.
(٢) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب السنة - باب في لزوم السنة رقم ٤٦٠٤ وما ذكرته قطعة من الحديث وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح ١/٥٨ وصحيح الجامع الصغير ٢/٣٧٥.
(٣) البرهان في علوم القرآن٢/١٥٦.
31
وقد استفدت من تحذير الزركشي، فتركت كل ضعيف وموضوع، فإذا لم أجد الحديث في الصحيحين أو في أحدهما ألجأ إلى كتب التفسير وعلوم القرآن المسندة كفضائل القرآن وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وإلى كتب الصحاح والسنن والمسانيد والمصنفات والجوامع وغيرها من كتب السيرة والتاريخ والعقيدة المسندة مبتدئا بالأعلى سندا أو بما حكم عليه الأئمة النقاد المعتمدين، وأقوم بتخريجه تخريجا يوصلني إلى صحة الإسناد أو حسنه مستأنسا بحكم النقاد الجهابذة، فإذا لم أجد حديثا مرفوعا فأرجع إلى أقوال الصحابة الذين شهدوا التنزيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن (١) والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لاسيما علماؤهم وكبراؤهم (٢).
أما إذ وجدت الحديث المرفوع الثابت فقد أسوق معه بعض أقوال الصحابة الثابتة إذا كان فيها زيادة فائدة وإذا لم يكن فيها فأكتفي بما ثبت من الحديث الشريف، وقد أوردت أقوال الصحابة رضوان الله عليهم بأصح الأسانيد عنهم. علما بأن بعض الأحاديث لا يندرج تحت التفسير مباشرة وإنما لها علاقة وتناسب مع الآية المراد تفسيرها، وفي بعض الأحيان يفيد إيراد ذكر اسم الباب والكتاب عند ذكر المصدر لتوضيح مناسبة إيراد الحديث.
وهذا المنهج المتقدم في إيراد وانتقاء الأحاديث والآثار المروية عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه رضوان الله عليهم هو منهج ابن أبي حاتم القائل:
فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عز وجل ومعالم دينه؟ قيل: بالآثار الصحيحة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه النجباء الألباء الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، رضي الله تعالى عنهم،
_________
(١) قوله (من القرآن) كذا في الأصل ولعلها القرائن.
(٢) مقدمة في أصول التفسير ص ٤٠.
32
فإن قيل فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة؟ قيل: بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة، ورزقهم هذه المعرفة، في كل دهر وزمان (١). وكذا منهج سفيان الثوري وعطاء الخراساني وعبد الرزاق ويحيى بن يمان وسعيد بن منصور وابن المنذر فإنهم يقتصرون على الرواية فقط.
فجدير لمن تاقت نفسه ليشتغل بعلم التفسير أن يسلك هذا المنهج فهو المعول عليه في هذا العلم، وقد مكنني من اتباع هذا المنهج العكوف على الأسانيد الواردة في التفسير وانتقاء الصحيح والثابت منها مع تركيز البحث على حكم الأئمة النقاد على هذه الأسانيد (٢).
فإذا لم أعثر على قول صحابي فحينئذ ألجأ إلى ما ثبت من أقوال التابعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين (٣).
وبالنسبة لأقوال الصحابة والتابعين فأغلبها كتب ونسخ رويت بأسانيد متكررة، فبعضها يتكرر آلاف المرات في تفسيري الطبري وابن أبي حاتم، وبعضها يتكرر مئات المرات فمثلا تكرر إسناد علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أكثر من (١٥٠٠) مرة في تفسير الطبري وذلك حسب إحصائية الشيخ أحمد عايش الذي قام بجمع روايات علي بن أبي طلحة.
_________
(١) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢.
(٢) انظر مثلا: المنتخب من أسانيد التفسير الثابتة عن ابن عباس بقلمي وانظر الأسانيد الواردة في آخر هذه المقدمة.
(٣) المصدر السابق ص ٤٤، ٤٥.
33
وقال الأستاذ سزكين عند تفسير قتادة: ويبدو أنه كان تفسيرا كبير الحجم ذكره الطبري أكثر من (٣٠٠٠) مرة، ربما يكون قد نقل كل مادته بالرواية التالية: حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
وقال أيضاً عند تفسير مجاهد: وقد نقل الطبري من هذا التفسير حوالي (٧٠٠) مرة وذكره بالرواية التالية: حدثنا محمد بن عمرو الباهلي ت ٢٤٩ هـ قال: حدثنا أبو عاصم النبيل (ت ٢١٢ هـ) قال حدثني عيسى بن ميمون المكي قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد. وذكر أن الطبري نقل من تفسير عطية العوفي عن ابن عباس في (١٥٦٠) موضعا وبإسناد واحد أيضاً (١).
وكذا الحال في تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني الذي روى أغلب تفسيره عن معمر عن قتادة.
[[دراسة أشهر الطرق والأسانيد المتكررة]]
ولهذا قررت أن أجعل دراسة الأسانيد والطرق المتكررة في المقدمة وذلك لعدم التكرار ثم لبيان موضع الحكم على صحتها وحسنها، وما لم أذكره في هذه المقدمة فهو من قبيل غير المتكرر فأحكم عليه في موضع وروده.
وذكرُ الأسانيد في المقدمة من صنيع ابن أبي حاتم الرازي والبغوي في تفسيريهما والحافظ ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب وقد رتبت هذه الأسانيد على حروف المعجم كما يلي:
الإسناد إلى أُبي بن كعب - رضي الله عنه -:
- طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي: وقد اعتمد هذا الإسناد كبار المصنفين كالإمام أحمد في مسنده (٢)، وأبو داود في
_________
(١) انظر تاريخ التراث العربي ١/٧١-٧٥.
(٢) انظر مثلا: (٥/١٣٣، ١٣٤).
34
سننه (١)، والترمذي في جامعه (٢)، والطبري (٣) وابن أبي حاتم (٤) في تفسيريهما، وابن خزيمة في التوحيد (٥)، والحاكم في مستدركه (٦)، والواحدي في أسباب النزول (٧)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٨)، والثعلبي (٩) والبغوي (١٠) في تفسيريهما. وكثيرا ما اعتمد على هذا الإسناد الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما، ويرويه ابن أبي حاتم عن عصام بن داود العسقلاني عن آدم بن إياس العسقلاني، عن أبي جعفر به (١١). وقد حكم الحافظ ابن حجر العسقلاني على الإسناد بأنه جيد (١٢). كما يرويه ابن أبي حاتم من طريق أبيه عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي عن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه به. وقواه الحافظ ابن حجر (١٣). ويرويه الحاكم من طريق جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق عن أبي جعفر الرازي به، ويرويه أيضاً من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن الربيع بن أنس به، وصححه هو والذهبي (١٤).
_________
(١) انظر مثلا: كتاب الصلاة - ب من قال أربع ركعات رقم ١١٨٢.
(٢) انظر مثلا: التفسير - باب ومن سورة الإِخلاص رقم ٣٣٦٤، ٣٣٦٥.
(٣) انظر مثلا: (٣/٣٤٢).
(٤) انظر مثلا: سورة البقرة الجزء الثاني رقم ٢٨.
(٥) انظر مثلا: ص ٤١.
(٦) انظر مثلا: (٢/٥٤٠).
(٧) انظر مثلا: ص ٢٦٢.
(٨) انظر مثلا: ص ٣٢.
(٩) انظر مثلا: الكشف والبيان ل ٦ أ.
(١٠) انظر مثلا: (٤/٤٢١).
(١١) انظر مقدمة ابن أبي حاتم في التفسير.
(١٢) قارن فتح الباري ٨/١٧٢ مع تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الثاني رقم ٢٨.
(١٣) انظر تفسير ابن أبي حاتم سورة البقرة الجزء الأول رقم ١٠٨٣ وقارن مع العجاب في بيان الأسباب ص ١٢٧.
(١٤) انظر مثلا: المستدرك ٢/٢٧٦٦، ٣٢٣، ٤٠١، ٥٤٠.
35
وقال السيوطي: وأما أُبي بن كعب فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه وهذا إسناد صحيح (١). وحسنه الألباني (٢).
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذا الإسناد بأنه معروف فقال: وهذا التفسير معروف عن أبي العالية ورواه عن أبى بن كعب. ورواه ابن أبي حاتم وغيره من (طريق) (٣) الربيع عن أبي العالية عن أُبي بن كعب (٤). وقال أيضاً: هكذا رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المعروف عن الربيع بن أنس (٥)، ونقل أيضاً عن ابن عبد البر قال:
وروى بإسناده (٦) في التفسير المعروف عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب (٧). بل قد اعتمد شيخ الإسلام هذا الإسناد في تفسير سورة الإخلاص (٨).
وأبو جعفر الرازي هو: عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان صدوق سيء الحفظ خصوصا عن مغيرة. مات في حدود الستين والمائة، وروى له الجماعة إلا البخاري فروى له في الأدب المفرد (٩).
والربيع بن أنس: البكري أو الحنفي، بصري نزل خراسان صدوق له أوهام ورمي بالتشيع مات سنة أربعين ومائة أو قبلها روى له الأربعة (١٠).
_________
(١) الإتقان ٢/٢٤٢.
(٢) صحيح سنن الترمذي - سورة الإخلاص رقم ٢٦٨٠.
(٣) قوله طريق سقط من الأصل.
(٤) انظر دقائق التفسير ٥/٣٠٤.
(٥) انظر دقائق التفسير ٥/٣٠٤.
(٦) أي بإسناد ابن عبد البر.
(٧) انظر درء تعارض العقل والنقل ٨/٤٣٨.
(٨) ص ٤٨.
(٩) انظر التقريب رقم ٨٠١٩ وتهذيب التهذيب ١٢/٥٦، ٥٧.
(١٠) انظر التقريب رقم ١٨٨٢ وتهذيب التهذيب ٣/٢٣٨، ٢٣٩.
36
وأبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء والياء، ثقة كثير الإرسال، مات سنة تسعين أو بعدها، وروى له الجماعة (١).
وبما أن الرواية من نسخة فلا يضر سوء حفظ أبي جعفر ولا أوهام الربيع لأن نقلهم هنا عن طريق السطور لا الصدور، فما يروونه عن كتاب، ولهذا صححه الحاكم والذهبي والسيوطي وجوده ابن حجر واعتمده ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية كما تقدم.
ومما يؤكد أن هذا الإسناد ينقل من كتاب قول ابن أبي حاتم الرازي في مقدمة تفسيره: فأما ما ذكر عن أبي العالية في سورة البقرة بلا إسناد فهو: ما حدثنا عصام بن رواد ثنا آدم، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية... (٢).
الإسناد عن أبي العالية رفيع بن مهران الرياحي:
طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية: يروي هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم وتقدم الكلام عنه في طريق أُبي بن كعب رضي الله عنه فلينظر هناك.
الأسانيد عن ابن عباس:
روى عنه جمع غفير من التابعين ذكرت طرقهم في كتاب المنتخب في الأسانيد الثابتة المروية عن ابن عباس في التفسير وسأذكر في هذه المقدمة بعض الطرق التي تتكرر كثيرا في التفسير عن ابن عباس وهي:
(١) طريق سعيد بن جبير:
من أشهر الطرق المتكررة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:
- طريق محمد ابن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس.
_________
(١) انظر التقريب رقم ١٩٥٣ وتهذيب التهذيب ٣/٢٨٤.
(٢) مقدمة تفسير ابن أبي حاتم ص ١٤٥.
37
قال الطبري: إن أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا! قالوا: يا محمد، لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! فأنزله الله عز وجل في ذلك من قولهم: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) إلى قوله: (لأُولِي الأَبْصَارِ) (١)، (٢).
وهذا الإسناد يتكرر كثيرا في كتب التفسير وخصوصا في تفسير الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير، والراوي دائما عن محمد بن أبي محمد هو محمد ابن إسحاق.
وذكره الحافظ ابن حجر من طريق ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس (٣) وفي موضع آخر قال: سنده جيد (٤) أي أنه حسن وجود طريق ابن إسحاق إلى ابن عباس وهو نفس الإسناد المذكور حيث ذكره ابن كثير من طريق آخر غير طريق ابن عباس ثم ساقه بهذا الإسناد فقال: ورواه ابن إسحاق أيضاً عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس فذكره (٥)، ووردت هذه الرواية في سيرة ابن هشام بدون إسناد، وقد ساق ابن إسحاق مثل هذا المتن بدون إسناد ولعله حذف الإسناد أو حذفه ابن هشام؛ لأن هذه الرواية سبقت
_________
(١) آل عمران ٢١.
(٢) التفسير. رقم ٦٦٦٦.
(٣) فتح الباري ٧/٣٣٢
(٤) انظر العجاب في بيان الأسباب ل ٣٦ ب.
(٥) التفسير ٢/١٢، ١٣.
38
بروايات محذوفة الأسانيد وكأنه اعتمد على الإسناد نفسه في بداية الروايات؛ لأن هذه الروايات غير المسندة أسندها ابن إسحاق كلها بالإسناد نفسه فيما نقله عنه الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن إسحاق (١).
وأخرج ابن أبي حاتم رواية طويلة من طريق يونس بن بكير به في سبب نزول قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ). (٢)
وذكره الحافظ ابن حجر مختصرا وحسنه (٣).
وحسنه السيوطي أيضاً في لباب النقول في أسباب النزول بعد أن ذكر رواية ابن أبي حاتم (٤). وقد ساق هذا الطريق في الإتقان ثم قال: وهي طريق جيدة وإسنادها حسن (٥).
وقد اعتبر الشيخ محمد نسيب الرفاعي الذي اختصر تفسير ابن كثير هذا الإسناد من الأسانيد الثابتة حيث ذكر في مقدمة مختصره شرطه أنه يختار أصح الأقوال ولا يسوق الروايات الضعيفة والموضوعة، وأكثر النقل بهذا الإسناد (٦). وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال عنه الإمام الذهبي: لا يعرف (٧)، [[وفي الكاشف: وثق]] (*) وقال الحافظ ابن حجر: مجهول (٨).
_________
(١) انظر تفسير ابن أبي حاتم رقم ٩١١، ٩٧٩، ١٠٨١، ١٠٨٨ مع التخريج لأن المحقق ذكر مواضع النصوص في سيرة ابن هشام وقارن مع تفسير الطبري رقم ١٥٢٠، ١٥٢١، ١٦٣٧، ١٦٣٨، ١٦٣٩، ١٦٤٠.
(٢) التفسير سورة آل عمران رقم ١٩٥٤.
(٣) فتح الباري ٨/٢٣١.
(٤) ص ٦٢.
(٥) الإتقان ٢/٢٤٢.
(٦) انظر مثلا: ١/٧٦، ٨١، ١١٤.
(٧) ميزان الاعتدال ٤/٢٦.
(٨) التقريب ص ٥٥٥.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية
39
وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم (١)، وذكره ابن حبان في الثقات (٢)، وقال أحمد شاكر عن توثيق ابن حبان: وكفى بذلك معرفة وتوثيقا (٣).
والحق أن توثيق ابن حبان على درجات تبدأ من الثقة وتصل إلى الضعيف وقسمها الشيخ المعلمي إلى خمس درجات وأثنى الشيخ الألباني على هذا التقسيم واستحسنه (٤)، وقد انبرى الزميل الشيخ عداب الحمش لدراسة منهج ابن حبان في النقد، في رسالته (الإمام ابن حبان ومنهجه في الجرح والتعديل)، وبعد التتبع والإحصاء تبين له أنهم على ثلاث درجات:
١- فمنهم الثقات وأهل الصدق.
٢- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار.
٣- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول وهؤلاء ذكرهم للمعرفة (٥).
علما أن ابن حبان لم يذكره في المجروحين، ومع هذا لا نستطيع أن نجزم بتوثيق محمد بن أبي محمد ولا بتضعيفه، وكذلك بالنسبة لقول الذهبي: لا يعرف، وقول ابن حجر: مجهول لأن بعض المجهولين قد وثق وبعضهم قد ضعف وبعضهم غير ذلك (٦)، وكذا الحال بالنسبة للذين سكت عنهم البخاري ثم ابن أبي حاتم
_________
(١) التاريخ الكبير ١/٢٢٥ والجرح والتعديل ٨/٨٨.
(٢) الثقات ٧/٣٩٢.
(٣) تفسير الطبري ١/٢١٩ في الحاشية.
(٤) انظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ١/٤٣٨ مع الحاشية.
(٥) انظر رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل ص ٧٢.
(٦) المصدر السابق ص ١٨٩-١٩٣.
40
فبعضهم وثق وبعضهم ضعف وبعضهم ما بين درجة الثقة والضعيف (١). ولكن توجد بعض القرائن تؤكد على تحسين طريق محمد بن أبي محمد وهي:
١- إن الحافظ ابن حجر ذكر هذا الإسناد ضمن أسانيد الثقات عن ابن عباس فقال في مقدمته النفيسة لكتابه (العجاب في بيان الأسباب) : والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء فمن الثقات مجاهد بن جبر ويروي التفسير عنه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، والطريق إلى ابن أبي نجيح قوية فإذا ورد عن غيره بينته، ومنهم عكرمة ويروى التفسير عنه من طريق الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عنه. ومن طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير -هكذا بالشك- ولا يضر لكونه يدور على ثقة... ثم ذكر طريق علي بن أبي طلحة وعطاء بن أبي رباح ثم قال: ومن روايات الضعفاء فساقها... (٢).
٢- إن أبا داود روى له وسكت عنه فأخرج رواية الطبري المتقدمة من طريق مصرف بن عمرو الأيامي ثنا يونس يعني ابن بكير قال ثنا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت به (٣)، فرواية أبي داود له وسكوته عنه يؤيد حكم الحافظ ابن حجر أن إسناده حسن، كما روى له أبو داود رواية أخرى من طريق ابن إسحاق عن مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة...
_________
(١) المصدر السابق ص ٢٤٤-٢٤٨ وانظر مقالاً بعنوان سكوت المتكلمين في الرجال عن الراوي الذي لم يجرح ولم يأت بمنكر يعد توثيقا له، نشر في مجلة كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود العدد الثاني عام ١٣٩٩-١٤٠٠هـ.
(٢) ق ٥، ٦.
(٣) السنن - كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم ٣٠٠١. وأخرج له رواية أخرى برقم ٣٠٠٢.
41
وسكت عنه أيضاً (١)، وسكت عنهما المنذري في مختصره لسنن أبي داود وعلق على الروايتين بقوله: في إسناده محمد ابن إسحاق (٢). فقط.
٣- قال ابن كثير: قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه يقول الله تعالى لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (٣) أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٤) أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات، وقال الضحاك عن ابن عباس (فتمنوا الموت) : فسلوا الموت، وقال عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة قوله (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، قال: قال ابن عباس: لو تمنى يهود الموت لماتوا، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا عثام سمعت الأعمش قال لا أظنه إلا عن المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه، وهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس (٥).
علما بأن طريق الضحاك عن ابن عباس منقطع لأن الضحاك وهو ابن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وحكمه بأن هذه الأسانيد صحيحة إما بمجموعها أو أن بعضها تقوى من الحسن إلى الصحيح لغيره.
_________
(١) المصدر السابق رقم ٣٠٠٢.
(٢) ٤/٢٣٣.
(٣) البقرة ٩٤.
(٤) البقرة ٩٥.
(٥) التفسير ١/٢٢٦.
42
ومن الجدير بالذكر أن ابن كثير صدر الأسانيد بطريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد المذكور وأيضا أنه رجحه لأن فحوى معناه المباهلة وهو الرأي الذي تمسك به ابن كثير وردّ به على الطبري، لأن الطبري رجح المراد من التمني أن يدعوا على أنفسهم بالموت (١).
٤- وقد يرجح الطبراني في بعض الأحيان مما يدل أنه يذهب إلى ثبوت هذا الإسناد (٢).
٥- وقد روى الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت (٣)، وقال الهيثمي: ورجاله موثقون (٤). وبهذا يكون قد اعتمد هذا الإسناد الإمام الطبري والحافظ ابن حجر والهيثمي والسيوطي. كما نقل الذهبي في السيرة بهذا الإسناد وسكت عنه (٥).
ومن الجدير بالذكر أن أغلب روايات محمد بن إسحاق بهذا الإسناد في نطاق المغازي والسير وذلك من خلال استقرائي لتفسير ابن كثير بكامله، وللموجود من تفسير ابن أبي حاتم ولبعض الأجزاء من تفسير الطبري، وكثير من هذه الروايات موجودة في سيرة ابن هشام بالإسناد المذكور أو بحذفه، ومن المعروف أن الأمة قد تقبلت روايات ابن إسحاق في المغازي والسير فلا غرابة من تحسين هذا الإسناد.
وقد أكثر الطبري وابن أبي حاتم في روايتهما عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، ورواية ابن أبي حاتم غالبا ما تكون عن محمد بن العباس بن بسام تارة وعن
_________
(١) التفسير ١/٢٢٧، ٢٢٨.
(٢) انظر جامع البيان ١/٢٥٢ و١٠/٤٣٠ ط. أحمد ومحمود شاكر.
(٣) المعجم الكبير ١٢/٦٨رقم ١٢٤٩٨.
(٤) مجمع الزوائد ٢/١٤.
(٥) انظر السيرة النبوية ص ٨٩.
43
محمد بن يحيى الواسطي تارة كلاهما عن أبي غسان محمد بن عمرو زنيج عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به. ورواية الطبري غالبا ما تكون عن أبي كريب محمد بن العلاء عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. وأبو كريب ثقة، ويونس بن بكير هو ابن واصل الشيباني: صدوق يخطئ. وقد روى له مسلم، ووصفه الذهبي بالإمام الحافظ الصدوق (١). وقال أيضاً: وهو حسن الحديث (٢). وأما أنه يخطئ فلا يضر لأن ما يرويه عن ابن إسحاق من كتاب وهو السيرة كما تقدم أو من كتاب آخر لابن إسحاق لأن ما يرويه عن ابن إسحاق بإسناد واحد لا يتغير وهو الإسناد الذي نتكلم عنه.
وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق: بن يسار قال الحافظ ابن حجر في التقريب: إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر.
وقد تُكلم فيه، وحبَّر له الخطيب البغدادي ترجمة حافلة بلغت عشرين صفحة ذبَّ فيها عنه كل ما قيل فيه (٣).
وقد تقبلت الأمة رواياته في السير والمغازي وكفى بقول الحافظ ابن حجر: إمام المغازي ولكن تدليسه من الطبقة الثالثة الذين لا تقبل روايتهم إلا إذا صرحوا بالسماع وقد صرح في هذا الإسناد بالسماع.
ومحمد بن العباس بن بسام مولى بني هاشم قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق (٤).
ومحمد بن يحيى بن عمرو الواسطي قال عنه ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث سئل أبي عنه فقال: ثقة (٥).
_________
(١) سير أعلام النبلاء ٩/٢٤٥.
(٢) ميزان الاعتدال ٤/٤٧٨.
(٣) تاريخ بغداد ١/٢١٤-٢٣٤.
(٤) الجرح والتعديل ٨/٤٨.
(٥) الجرح والتعديل ٨/١٢٥.
44
وأبو غسان محمد بن عمرو، لقبه زنيج ثقة.
وسلمة بن الفضل الأبرش: صدوق كثير الخطأ ولكن في غير روايته عن محمد بن إسحاق فقد نقل الحافظ ابن حجر عن يحيى بن معين قال: سمعت جريرا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن يبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة (١).
ونقل الذهبي عن ابن معين قال: كتبنا عنه وليس في المغازي أتم من كتابه. ونقل عَن زنيج قال: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق مرتين وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي (٢).
وقد ساق الحافظ ابن حجر حديثا بإسناده من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ثم قال: هذا حديث حسن صحيح (٣).
(٢) طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس:
أشهر من روى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: ابن جريج وابن أبي نجيح وعمرو بن دينار.
روى سفيان بن عيينة عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس في قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (٤) قال: في شدة خلق، ثم ذكر مولده ونبات أسنانه، رواه الحافظ ابن حجر بإسناده إلى ابن عيينة (٥). وذكره في الفتح وصححه (٦).
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ٤/١٥٣، ١٥٤.
(٢) ميزان الاعتدال ٢/١٩٢ والتاريخ لابن معين ٢/٢٢٦.
(٣) موافقة الخُبر الخبر ص ٣٩٢، ٣٩٣.
(٤) سورة البلد آية ٤.
(٥) تغليق التعليق ٤/٣.
(٦) ٦/٣٦٥.
45
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع (١).
وهذه الرواية ثابتة في تفسير محمد بن يوسف الفريابي (٢).
طريق عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: وقال عبد الرزاق في المصنف: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار -أظنه- عن عطاء عن ابن عباس قال في أم الولد (٣) : والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك (٤).
ذكره الحافظ ابن حجر وصححه (٥). وكذا العيني (٦).
(٣) طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:
وهي صحيفة مشهورة تداولها العلماء وأكثرهم نقلا الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما فقد كادا أن يستوعبا هذه الصحيفة.
ويروي ابن أبي حاتم هذه الصحيفة غالبا عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وأبو صالح: هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني مولاهم المصري كاتب الليث صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه. وقد تُكلم فيه،
_________
(١) الصحيح - التفسير - سورة النساء، باب ولكم نصف ما ترك أزواجكم رقم ٤٥٧٨.
(٢) انظر فتح الباري ٨/٢٤٥.
(٣) أي الأمة المتزوجة والرواية في جواز بيعها.
(٤) ٧/٢٩٠ رقم ١٣٢١٨ باب بيع أمهات الأولاد.
(٥) موافقة الخُبر الخبر في تخريج آثار المختصر ص ٢٥٩
(٦) عمدة القاري ١٨/١٦٢)
46
وقال الذهبي: الإمام المحدث، وعرض أقوال النقاد وذبَّ عنه معظم ما قيل فيه (١). ولا داعي لسرد الأقوال فيه لأن الحافظ ابن حجر ذكر القول الفصل في هدي الساري فقال: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيما ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى بن معين وأبي زرعة وأبي حاتم فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه. ا. هـ. ثم سرد الأحاديث التي رواها البخاري عنه في صحيحه (٢). والراوي هنا عنه أبو حاتم -في تفسير ابن أبي حاتم- وهو من أهل الحذق فروايته من صحيح حديثه كما قرر الحافظ.
- معاوية بن صالح: صدوق له أوهام.
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة علي بن أبي طلحة: ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها ولكنه لا يسميه يقول: قال ابن عباس أو يُذكر عن ابن عباس (٣).
- علي بن أبي طلحة: مولى بني العباس، أرسل عن ابن عباس ولم يره، صدوق قد يخطئ. وقد تُكلم في روايته عن ابن عباس بأنه لم يسمع منه (٤) وأجاب عن ذلك أبو جعفر النحاس فقال: والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة، وهذا القول لا يوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق. ا. هـ. (٥).
وأرى أن الواسطة هو: مجاهد، إذ قارنت كثير من نصوص مجاهد في التفسير مع روايات علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، فوجدتها متوافقة غير مختلفة.
_________
(١) سير أعلام النبلاء ١٠/٤٠٥-٤١٦.
(٢) ص ٤١٤.
(٣) تهذيب التهذيب ٧/٣٤٠.
(٤) انظر المراسيل ص ١٤٠.
(٥) الناسخ والمنسوخ ص ١٣.
47
ويؤكد هذا أني وقفت على رواية في تفسير النسائي والأموال لابن زنجويه من طريق علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس (١). وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه -العجاب في بيان الأسباب- الرواة الثقات عن ابن عباس فقال: وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة (٢).
ونقل السيوطي عن ابن حجر أنه قال: بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير في ذلك (٣).
وروى أبو جعفر النحاس بإسناده عن الإمام أحمد قال: بمصر صحيفة تفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا (٤). وفي رواية: ما ذهبت باطلا (٥).
وأخرج الآجري من طريق جعفر بن محمد بن فضيل الرأسي قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد قال: حدثنا معاوية بن صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٦) قال: غير مخلوق (٧). وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته، فسُرَ أحمد بهذا الحديث (٨).
نستنتج من هذا أن الإمام أحمد قد اعتمد هذا الطريق.
وقال يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ت ٩٠٩ هـ: وقد نقلت عن ابن عباس تفاسير متعددة لجميع القرآن من طرق شتى ومن أجودها التفسير الذي رواه معاوية بن
_________
(١) تفسير النسائي ص ٧٩، والأموال ١/٣١٢ رقم ٤٧٩.
(٢) ص د-٩.
(٣) الإتقان ٢/٢٤١.
(٤) الناسخ والمنسوخ ص ١٢ وانظر فتح الباري ٨/٤٣٨ حيث نقل العبارة عن معاني القرآن للنحاس.
(٥) المصدر السابق المحقق ١/٦٥.
(٦) الزمر ٢٨.
(٧) الشريعة ص ٧٧.
(٨) الشريعة ص ٧٨.
48
صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. ا. هـ. ثم ذكر الانقطاع وذكر الواسطة مجاهداً وعكرمة (١).
وقال السيوطي: وقد ورد، عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة وفيه روايات وطرق مختلفة فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه (٢).
فالإسناد حسن.
وبالنسبة لأبي صالح عبد الله بن صالح أنه صدوق كثير الغلط فلا يضر كثرة غلطه لأن ما يرويه عن نسخة وغلطه في حفظه لا في كتابه وقد تقدم أنه ثبت في كتابه. وكذا الحال بالنسبة لأوهام معاوية بن صالح لأن ما يرويه عن نسخة علي ابن أبي طلحة. قال الحافظ ابن حجر عند الكلام على هذه النسخة: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه فى أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح. ا. هـ. (٣). وكذا عند الحاكم فقد روى مثل هذا الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي (٤). وحسنه الهيثمي (٥).
ولأهمية هذا الطريق اقترحت على الأخ د. أحمد عبد اللطيف عايش أن يدرس هذا الإسناد ويجمع الصحيفة وقد قام بذلك في تحضيره لرسالة الماجستير في جامعة أم القري ومن الموافقة أن أسندت إليّ مناقشة هذه الرسالة وكنت أحد المناقشين لها في عام ١٤٠٩هـ.
_________
(١) هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن ١/٢١٢.
(٢) الإتقان ٢/٢٤١.
(٣) فتح الباري ٨/٤٣٨، ٤٣٩.
(٤) المستدرك ٣/٢٣.
(٥) مجمع الزوائد ٧/١١٩.
49
الإسناد عن عطاء بن أبي رباح:
- طريق ابن أبي نجيح عنه:
ويرويه الطبري عن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح عن عطاء بن أبي رباح (١).
ورجاله ثقات يأتي ذكرهم مفصلا في طرق مجاهد بن جبر، والإِسناد صحيح.
الإسناد عن عكرمة مولى ابن عباس:
- طريق حصين عن عكرمة:
قال الطبري: حدثنا يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا (حصين) (٢)، عن عكرمة قال: كانت طيرا (٣) وذكره ابن كثير وصححه (٤)، وصححه الحافظ ابن حجر أيضاً (٥) وله طرق أخرى كثيرة تقدمت في عرض طرق ابن عباس.
الإسناد عن قتادة بن دعامة السدوسي:
روى تفسير قتادة جماعة وأشهرهم:
١- سعيد بن أبي عروبة البصري.
٢- شيبان بن عبد الرحمن النحوي.
٣- معمر بن راشد الأزدي.
(١) طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة:
يرويه الطبري عن بشر بن معاذ العقدي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة.
وقد صححه الحافظ ابن حجر (٦). ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا بشر ابن معاذ صدوق والإسناد حسن والله أعلم.
_________
(١) انظر مثلا التفسير رقم ١٩٩٣.
(٢) في الأصل حسين وهو تصحيف والتصويب من رواية الطبري بعد هذه الرواية بعشر روايات ومما نقله ابن كثير عن الطبري وحصين هذا هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهديل الكوفي معروف بالرواية عن عكرمة وبرواية هشيم بن بشير عنه (انظر تهذيب الكمال ٦/٥١٩-٥٢١).
(٣) التفسير ٣٠/٢٩٨.
(٤) التفسير ٨/٥٠٨.
(٥) انظر فتح الباري ١٢/٢٠٧.
(٦) انظر فتح الباري ٦/٣٦٤ وقارن مع تفسير الطبري ١٤/٢٧ ط. حلبي.
50
- سعيد بن أبي عروبة بن مهران اليشكري، مولاهم أبو النضر البصري [[قال الحافظ ابن حجر في التقريب]] (*) ثقة حافظ، له تصانيف لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، روى له الجماعة. [[ا. هـ]] (*) وبالنسبة لتدليسه ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من المدلسين. وبالنسبة لاختلاطه فقد نقل الحافظ ابن حجر عن ابن حبان في الثقات أنه مات سنة (١٥٥ هـ) وبقي في اختلاطه خمس سنين ولا يحتج إلا بما روى عنه القدماء مثل يزيد بن زريع وابن المبارك... (١).
وقال ابن عدي: وسعيد من ثقات المسلمين وله أصناف كثيرة وحدث عنه الأئمة ومن سمع منه قبل الاختلاط فإن ذلك صحيح حجة ومن سمع بعد الاختلاط فذلك ما لا يعتمد عليه... أرواهم عنه عبد الأعلى وهو مقدم في أصحاب قتادة ومن أثبت الناس رواية عنه... وأثبت الناس عنه يزيد ابن زريع و... (٢).
ونقل الذهبي عن ابن معين أنه أثبت الناس في قتادة، ونقل عن ابن أبي حاتم أنه ثقة قبل أن يختلط وكان أعلم الناس بحديث قتادة. وكذا نقل عن الطيالسي (٣).
وبالنسبة لتفسيره فقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (٤).
ولكن ابن أبي حاتم نقل عن يحيى بن سعيد أنه قال: سعيد بن أبي عروبة لم يسمع التفسير من قتادة (٥).
_________
(١) تهذيب التهذيب ٤/٦٥.
(٢) الكامل ص ١٢٣٣ وانظر تهذيب التهذيب ٤/٦٥، ٦٦.
(٣) سير أعلام النبلاء ٦/٤١٤، ٤١٥.
(٤) التاريخ ٢/٢٠٥.
(٥) تقدمة الجرح والتعديل ص ٢٤٠.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الزيادة نقلا عن الجزء الذي نشره المؤلف - حفظه الله - في مجلة الجامعة الإسلامية.
51
والصحيح أنه سمع التفسير من قتادة بدليل ما رواه البخاري من طريق يزيد ابن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة (١). قال العيني: وسعيد: هو سعيد بن أبي عروبة (٢).
ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليّ أن اكتبه (٣). وقد أفاد الإمام أحمد من تفسير سعيد عن قتادة وصرح أنه من تفسير سعيد (٤). وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ثابت (٥).
والخلاصة: أن رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة صحيحة وكفى باعتماد البخاري عليها. كما صحح الذهبي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (٦).
- يزيد بن زريع: بتقديم الزاي مصغرا، البصري، أبو معاوية ثقة ثبت روى له الجماعة.
- بشر بن معاذ العقدي: بفتح المهملة والقاف، أبو سهل البصري الضرير، صدوق.
وعلى هذا فالإسناد حسن وقد يعود تصحيح ابن حجر لهذا الإسناد بسبب رواية بشر بن معاذ من كتاب التفسير، أو بسبب اعتماد الأئمة النقاد على هذا التفسير والله أعلم.
_________
(١) الصحيح - التفسير - سورة البقرة - باب وعلم آدم الأسماء كلها رقم ٤٤٧٦، والمغازي - باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا... رقم ٤٠٦٨.
(٢) عمدة القاري ١٧/٤١٧.
(٣) سير أعلام النبلاء ٦/٤١٧.
(٤) الزهد ص ٣١.
(٥) تفسير سورة الإخلاص ص ٢٠١.
(٦) العلو ص ٧١.
52
فقولي: أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة فالمراد به اختصار هذا الإسناد.
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد عن شيخه محمد بن يحيى عن العباس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريع به (١).
ومحمد بن يحيى: هو ابن عمر الواسطي نزيل بغداد قال ابن أبي حاتم كتبت عنه مع أبي وكان رجلا صالحا صدوقا في الحديث، سئل أبي عنه فقال: ثقة (٢).
والعباس بن الوليد: هو ابن نصر النرسي ثقة روى له الشيخان. وهو معروف بالرواية عن يزيد بن زريع (٣).
ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا محمدا شيخ ابن أبي حاتم والإسناد صحيح. وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فالمراد به هذا الإسناد.
(٢) طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة:
يرويه ابن أبي حاتم عن موسى بن هارون الطوسي، ثنا الحسين بن محمد المروذي، ثنا شيبان بن عبد الرحمن التميمي عن قتادة (٤).
ورجاله ثقات على شرط الشيخين إلا موسى وهو ثقة فالإسناد صحيح كما يلي:
- شيبان بن عبد الرحمن التميمي النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب روى له الجماعة.
_________
(١) انظر مثلا سورة آل عمران رقم ٢٨٨.
(٢) الجرح والتعديل ٨/١٢٥.
(٣) انظر تهذيب التهذيب ٥/١٣٣.
(٤) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم ٣٦.
53
- الحسين بن محمد المروّذي: التميمي نزيل بغداد ثقة روى له الجماعة.
- موسى بن هارون الطوسي: أبو عيسى نزيل بغداد روى عن حسين بن محمد المروّذي تفسير شيبان النحوي عن قتادة. قال ابن أبي حاتم: كتب إليَّ بتفسير شيبان وبكتب محمد بن الحسين وسكت عنه (١).
ويروي ابن أبي حاتم هذا الإسناد بهذه الصيغة: أخبرنا موسى بن هارون الطوسي فيما كتب إلي ثنا.... الإسناد نفسه (٢).
ووثقه الخطيب البغدادي (٣). وقولي أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن شيبان عن قتادة فهو هذا الإسناد وقد أذكره بتمامه لتمييزه عن الأسانيد المشابهة له، هذا وقد أخرج الإمام البخاري طريق الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة (٤). كما أفاد الإمام أحمد من تفسير شيبان عن قتادة حيث صرح بذلك في مسنده في تسعة مواضع فقط فيقول: ثنا حسين في تفسير شيبان عن قتادة (٥).
(٣) طريق معمر بن راشد عن قتادة:
أكثر العلماء نقلا عن معمر بن راشد عن قتادة في التفسير هو عبد الرزاق ابن همام الصنعاني في تفسيره ومصنفه، وأغلب تفسيره عن معمر عن قتادة. وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر (٦) وهو كما قال؛ لأن رجاله ثقات والإسناد متصل على شرط الشيخين كما يلي:
_________
(١) الجرح والتعديل ٨/١٦٨ وانظر غاية النهاية ٢/٣٢٤.
(٢) انظر مثلا التفسير - سورة آل عمران رقم ٣٩، ٤٠.
(٣) تاريخ بغداد ١٣/٤٨.
(٤) الصحيح - التفسير - سورة آل عمران - باب أمنة نعاسا رقم ٤٥٦٢.
(٥) المسند ١/٢٤٥، ٢/٣٩٢، ٤٣٧، ٣/١٣، ٢٦٠، ٢٦١، ٤/٢٨، ٢٩، ٦/٢٩، ٤٤٩، وقد أتحفني الزميل د. عامر حسن صبري بمعظم هذه المواضع.
(٦) انظر مثلا فتح الباري ٤/٢٥٥ وقارن مع تفسير عبد الرزاق ص ٤٨٦.
54
- معمر بن راشد: الأزدي الأموي، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا، وكذا فيما حدث بالبصرة روى له الجماعة. أ. هـ. وهو معروف بالرواية عن قتادة بن دعامة وبرواية عبد الرزاق عنه (١).
- قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت روى له الجماعة، ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين. وقد سمع من أنس وسعيد بن المسيب وأبي رافع على خلاف ولم يسمع من أبي بردة وخلاس بن عمرو ومجاهد وأبي العالية وسعيد بن جبير (٢). وإسناد عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يرويه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الحسن بن أبي الربيع -أي الحسن بن يحيى- عن عبد الرزاق به (٣).
الإسناد عن مجاهد بن جبر المخزومي:
اشتهر ابن أبي نجيح برواية التفسير عن مجاهد ويكاد تفسير مجاهد يدور محور إسناده علي ابن أبي نجيح، فمن الطرق إلى ابن أبي نجيح عن مجاهد ما يلي:
أولاً: طريق عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:
ويروي الطبري غالبا هذا الطريق فيقول:
حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى بن ميمون، قال: حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد (٤).
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ١/٢٤٣، ٢٤٤.
(٢) انظر المراسيل ص ١٦٨-١٧٥.
(٣) انظر مثلا تفسير الطبري رقم ٢٢٥ وتفسير ابن أبي حاتم - سورة آل عمران - رقم ١٠.
(٤) انظر مثلا رقم ٥١٤.
55
ومحمد بن عمرو: هو أبو بكر الباهلي البصري: ثقة (١).
وأبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت.
وعيسى بن ميمون: هو الجرشي: ثقة.
وابن أبي نجيح: هو عبد الله بن يسار المكي أبو يسار الثقفي مولاهم ثقة رمي بالقدر، وهو من مدلسي المرتبة الثالثة، وقد تُكلم فيه وفي روايته عن مجاهد، فنقل الذهبي أنه لم يسمع التفسير كله من مجاهد، ونقل أيضاً عن البخاري أنه كان يتهم بالاعتزال والقدر، وعن القطان أنه كان من رؤوس الدعاة. وأجاب الذهبي عن ذلك كله فقال: هو من أخص الناس بمجاهد، ونقل عن ابن المديني قال: أما التفسير فهو فيه ثقة يعلمه، قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح ولعله رجع عن البدعة وقد رأى القدر جماعة من الثقات وأخطؤوا (٢).
ونقل ابن أبي حاتم عن وكيع قال: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح (٣).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقول القائل: لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصح التفاسير بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصح من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة. (٤) كما وثقه جمع من الأئمة النقاد كابن معين وأحمد وأبي زرعة والنسائي وابن سعد والعجلي والذهبي (٥). وعلى هذا فرجاله ثقات وإسناده صحيح وصححه الحافظ ابن حجر (٦).
_________
(١) انظر تاريخ بغداد ٣/١٢٧.
(٢) سير أعلام النبلاء ٦/١٢٥-١٢٦.
(٣) الجرح والتعديل ٥/٢٠٣.
(٤) الفتاوى ١٧/٤٠٩ وانظر دقائق التفسير ٦/٤٥٢.
(٥) انظر تهذيب التهذيب ٦/٥٤، ٥٥ وسير أعلام النبلاء ٦/١٢٥.
(٦) انظر فتح الباري ٢/٣٥٥ والعجاب ص ١٢٧ وقارن مع تفسير الطبري ١٤/١٩٣.
56
وقد أورد الطبري هذا الإسناد كثيرا، فإذا قلت: وأخرج الطبري بإسناده الصحيح عن مجاهد فالمراد هذا الإسناد.
ثانيا: طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:
ورقاء: هو ورقاء بن عمر اليشكري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن وقد اختلف فيه، فنقل ابن حجر عن حرب قال: قلت لأحمد: ورقاء أحب إليك في تفسير ابن أبي نجيح أو شيبان؟ قال: كلاهما ثقة وورقاء أوثقهما إلا أنهم يقولون لم يسمع التفسير كله، يقولون: بعضه عرض ونقل عن يحيى بن سعيد قال معاذ: قال ورقاء: كتاب التفسير قرأت نصفه على ابن أبي نجيح وقرأ عليَّ نصفه. وعن الدوري قال: قلت لابن معين: أيما أحب إليك تفسير ورقاء أو تفسير شيبان وسعيد عن قتادة؟ قال: تفسير ورقاء، لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قلت: فأيما أحب إليك تفسير ورقاء أو ابن جريج؟ قال: ورقاء لأن ابن جريج لم يسمع من مجاهد إلا حرفا واحدا. ا. هـ. وقد وثقه أحمد وابن معين ووكيع، وأما ما قيل فيه ففي روايته عن منصور (١).
قال الحافظ في التقريب: صدوق في حديثه، عن منصور لين. ا. هـ.
روى له الجماعة. وقد أورد البخاري مثل هذا الإسناد في صحيحه في كتاب التفسير باب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٢).
وقد أورد ابن أبي حاتم هذا الإسناد كثيرا في تفسيره يرويه عن حجاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وشبابة: هو ابن سوار المدائني أصله من خراسان يقال: كان اسمه مروان مولى بني فزارة، ثقة حافظ روى له الجماعة.
_________
(١) انظر تهذيب التهذيب ١١/١١٤، ١١٥ وهدي الساري ص ٤٥٠.
(٢) الأنفال ٢٢.
57
وحجاج بن حمزة: هو ابن سويد العجلي الخشابي، ونقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه: شيخ مسلم صدوق (١).
وعلى هذا فالإسناد حسن. فإذا قلت: وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن فالمراد به هذا الإسناد.
ومن الجدير بالذكر أن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي ت ٢١٢ هـ شيخ البخاري اعتمد كثيرا في تفسيره على إسناد ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد جمعت الروايات التي نقلها الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق من هذا التفسير فبلغت ٢٩٨ رواية (٢). كلها من هذا الطريق إلا بضع روايات رواها من طرق أخرى (٣).
وكذا الحافظ عبد بن حميد ت ٢٤٩ هـ أورد هذا الإسناد في تفسيره من طريق شيخه شبابة عن ورقاء به (٤).
ثالثا: طريق شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: ويروي من هذا الطريق الطبري وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقد نقل الذهبي مثل هذا الإسناد في كتابه (العلو) ثم قال: هذا ثابت عن مجاهد (٥).
وشبل بن عباد المكي: ثقة فالإسناد صحيح.
كما توجد طرق أخرى عن مجاهد غير طريق ابن أبي نجيح تقدم ذكرها في طرق مجاهد عن ابن عباس، فلا حاجة لتكرارها.
_________
(١) الجرح والتعديل ٣/١٥٨، ١٥٩.
(٢) انظر مثلا ٤/٥، ١٨٣، ١٨٧، ١٨٩، ٢١٦، ٢١٨، ٢٢٤، ٢٣٥، ٢٧٢ - ٥/٣٤٥، ٣٥٩، ٣٦٠، ٣٦١.
(٣) انظر القاعدة الأولى من كتابي (القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الأجزاء والكتب التراثية ص ٣٠، ٣١.
(٤) المصدر السابق ص ٣٢.
(٥) ص ٩٧.
58
وما سوى هذه الأسانيد والطرق فانظر في رجالها من حيث التوثيق والتضعيف وذلك بعد التأكد من معرفة الرجل نفسه وطبقته فإذا كان الراوي من رجال الكتب الستة فترجمته من تقريب التهذيب أو تهذيب التهذيب أو كليهما، ولم أذكر موضع الترجمة لسهولة الرجوع إليها ولعدم الإِطالة، أما إذا كان الراوي من غير رجال الكتب الستة فأذكر موضع ترجمته من المصادر التي تتناول الجرح والتعديل. فإذا كان الراوي ثقة فأشير إلى ذلك وإذا كان الراوي ممن اختلف فيه فأنظر في أقواله النقاد جرحا وتعديلا، ثم أغربل أقوالهم وأرجح أقوال المعتدلين القوية تاركا أقوال المتشددين إذا تفردوا وأقوال المتساهلين إذا خالفوا غيرهم، ولا أعتبر أقوال النقاد الذين لا يعتد بهم بسبب قادح فيهم عند أهل السنة والجماعة. وأستأنس بمن يعول عليه في هذا الشأن وخصوصا المعتدلين من المتقدمين والمتأخرين. وقد أوفق بين أقوال النقاد المختلفة ظاهرا بمعرفة مقصود كل واحد منهم وذلك لأن لكل ناقد اصطلاحات خاصة به يستخدمها في حكمه على الراوي. ومن أراد الاطلاع على التراجم فليراجع تحقيقي للمجلد الثاني من تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت ٣٢٨ هـ.
وبالنسبة لمعرفة اتصال الإسناد فإن كان الراوي من رجال الصحيحين وصيغ أدائه كما في الصحيحين أو أحدهما فأعتبر الإسناد متصلا، وإذا كان الراوي من غير رجال الصحيحين فأنظر إلى طبقته واحتمال لقائه مع شيخه وأقرانه من خلال تواريخ البلدان والمواليد والوفيات ثم الرجوع إلى كتب العلل والمراسيل والتدليس. ولم أذكر شيئا من هذا في الكتاب سوى ما ورد بأن فلانا معروف بالرواية عن فلان، أو بأنه لم يلق فلانا، أو أن فلانا من المدلسين وما ذكرته من مدلسين فهو من كتاب تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس للحافظ ابن حجر. وكل ذلك للاختصار وطول المشوار. وبعد بيان حال الرواة واتصال الإسناد والتخريج يأتي الحكم على الإسناد وأستأنس أيضاً ببعض أقوال النقاد
59
من المتقدمين والمتأخرين كما تقدم في إيراد الطرق والأسانيد وكما سيأتي في التفسير.
إن هذا الاستئناس والاعتماد على أقوال النقاد لا يعني أن كل ما صححوه أو حسنوه أو جودوه أثبته في هذا التفسير وإنما أراجعه من خلال معرفة الرواة واتصال الإسناد، فما تبين لي أنه ثابت دونته وما تبين لي أنه غير ثابت من حيث الإسناد أو المتن فقد تركته ومثال ما لم يثبت سنده ما يلي:
أولا:
قال ابن أبي حاتم في التفسير: حدثنا أبي ثنا أبو الجماهر أبنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب (١). وذكره الحافظ ابن حجر وحسن إسناده (٢).
وقوله حدثنا أبي: أي أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: ثقة.
وأبو الجماهر: هو محمد بن عثمان التنوخي ثقة.
وسعيد بن بشير: الأزدي مولاهم ضعيف عند معظم النقاد، بل صرح ابن نمير أنه يروي عن قتادة المنكرات (٣).
وأما تحسين ابن حجر لهذا الإسناد فلعله اشتبه عليه بسعيد بن أبي عروبة لأن روايته صحيحة عن قتادة، أو أن ابن حجر اعتمد على ما قاله الذهبي: وله عند أهل دمشق تصانيف رأيت له تفسيرا مصنفا، والغالب عليه الصدق (٤).
أو لأنه صاحب قتادة كما نص الذهبي في أول ترجمته في المصدر السابق وبجميع الاحتمالات المتقدمة لا يرقى حديثه إلى الحسن والله أعلم.
_________
(١) سورة البقرة رقم ٢٥٢٧.
(٢) فتح الباري ٨/١٩٦
(٣) انظر ميزان الاعتدال ٢/١٢٩.
(٤) انظر ميزان الاعتدال ٢/١٣٠.
60
ثانيا:
قال الطبري: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه ليستجير مني فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يارب ما كان هذا الظن بك؟ فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك قال: فيقول أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف (١). ذكره ابن كثير وصحح إسناده (٢).
وأبو يحيى هو القتات معروف بالرواية عن مجاهد بن جبر وبرواية إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عنه (٣). وقد تُكلم فيه وعنده مناكير كثيرة.
كما تُكلم في رواية إسرائيل عن أبي يحيى القتات بسبب أبي يحيى. قال الحافظ ابن حجر قال الأثرم عن أحمد: روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جدا كثيرة، وأما حديث سفيان عنه فمقارب. فقلت لأحمد: فهذا من قبيل إسرائيل؟ قال: أي شيء أقدر أقول لإسرائيل مسكين من أين يجيء بهذه هو وحديثه عن غيره، أي أنه قد روى عن غير أبي يحيى فلم يجيء بمناكير. وقال علي بن المديني: قيل ليحيى بن سعيد: إن إسرائيل روى عن أبي يحيى القتات ثلاثمائة وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة. فقال: لم يؤت منه أتي منهما جميعا.
يعني: من أبي يحيى ومن إبراهيم (٤).
_________
(١) التفسير ١٨/١٨٧.
(٢) التفسير ٣/٣١١ ط. المعرفة.
(٣) تهذيب الكمال ل ١٦٥٨.
(٤) انظر ترجمته في المصدر السابق وتهذيب التهذيب ١٢/٢٧٧، ٢٧٨.
61
وبهذا يتضح أن الإسناد ضعيف من أجل أبي يحيى القتات.
هذا بالنسبة لما لم يثبت سنده، وأما مثال ما لم يثبت متنه فكما يلي:
أولا:
قال البيهقي في (الأسماء والصفات) : حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا عبيد بن غنام النخعي، أخبرنا علي بن حكيم، حدثنا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنّ) (١) قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى.
ذكره ابن كثير ثم قال: ثم رواه البيهقي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قول الله عز وجل (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ) قال في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام ثم قال البيهقي إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا والله أعلم (٢).
ثانيا:
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب، أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا: ربنا هاروت وماروت فاهبطا إلى الأرض ومُثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا، فذهبت عنهما ثم
_________
(١) الطلاق آية ١٢.
(٢) انظر تفسير ابن كثير ٤/٣٨٥ ط. المعرفة.
62
رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا: والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه علي إلا قد فعلتما حين سكرتما فخُيرا بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا (١).
وحسنه الحافظ ابن حجر (٢).
ولكن هذه الرواية ثبتت من طريق عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار وذلك فيما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب بنحوه مختصرا (٣). فهي من الإسرائيليات ومتنها يخالف النقل والعقل لما ثبت في الأحاديث الصحيحة في عصمة الملائكة.
والأمثلة كثيرة جدا في الروايات المعلولة سندا ومتنا أو كليهما، واكتفيت بنماذج منها.
وأما منهجي في الاختصار فهو كالتالي:
(١) نظرا لسهولة الرجوع إلى المصادر في التفسير لترتيبها حسب السور والآيات ولعدم إطالة الحواشي، فقد اكتفيت بذكر المصدر دون ذكر الصفحة والجزء للاختصار حيث رأيت أن الكتاب سيتضخم حجمه، وأما المصادر الأخرى فأوردها بعد الرواية مباشرة وأذكر أسماءها مع الجزء والصفحة، والباب والكتاب إن تعددت الطبعات، وجعلت حروفها صغيرة متميزة وكذا أقوال النقاد في الحكم على الروايات للاختصار.
وهذا المنهج في كل التفسير إلا سورة الفاتحة فذكرناها بحواشيها لكثرة الإحالة إلى غير كتب التفسير وفيها يتبين سبب اختصار الحواشي إذ أن
_________
(١) المسند ٦١٧٨.
(٢) انظر فتح الباري (١٠/٢٢٥).
(٣) تفسير عبد الرزاق ص ٤٣.
63
الحواشي تأخذ مساحة كبيرة من التفسير وانظر للمزيد في مجلة الجامعة الإسلامية الأعداد ذوات الأرقام ١٠١، ١٠٢ و١٠٥، ١٠٦ و١٠٧ ففيها الحواشي لتفسير الجزء الأول من القرآن الكريم.
(٢) اختصار الكلام عن رجال السند وخصوصا إذا تقدم البحث عنهم في تحقيقي لتفسير سورتي آل عمران والنساء من تفسير ابن أبي حاتم. ومن هذا الاختصار سند ابن أبي حاتم إلى السدي وسنده إلى مقاتل بن حيان. وأضيف هنا أن ما يرويه مقاتل بن حيان في التفسير فهو عن مجاهد والحسن البصري والضحاك. رواه الشافعي عن معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل ابن حيان. (١)
(٣) الاكتفاء بتفسير الطبري أو ابن أبي حاتم أو بكليهما في كثير من الأحيان لشمولهما ولاختصار تعدد المصادر.
(٤) في العزو أحيانا تتكرر الكلمة في القرآن الكريم كثيراً جداً، لذا يمكن الرجوع إلى تفسيرها عند أول ورودها فمثلا لفظ (حكيم) تكررت (٩٦) مرة وورد تفسيرها في سورة البقرة عند الآية رقم (٣٢) فلا داعي لتكرار الإحالة لكثرتها. وأما القصص فإنها تتضح من تتماتها في السور الآخرى فإن ورودها في عدة سور يكمل بعضها بعضا. ولهذا يأتي التفسير مبينا للغريب والمبهم وغالبا تجد الإحالة خشية التكرار. والإحالة في بعض الأحيان يكون إلى الآية فقط لأنها مفسِّرة للآية المنشود تفسيرها أو مفسِّرة لبعض أجزاء تلك الآية.
(٥) قد لا نجد معاني بعض الكلمات أو المفردات بسبب تقدم معناها في أصل الكلمة أو مشتقاتها فمثلا في قوله تعالي (ذلك كتاب لا ريب فيه) البقرة: ٢. تقدم أن معناه لا شك فيه، فيصلح هذا المعنى لبيان الريب في خمسة وعشرين موطنا كما في قوله تعالى:
قوله تعالى (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) البقرة: ٢٣.
قوله تعالى (ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) آل عمران: ٩.
_________
(١) أحكام القرآن ٢/١٤٨.
64
قوله تعالى (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) آل عمران: ٢٥.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه) النساء: ٨٧.
قوله تعالى (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) الأنعام: ١٢.
قوله تعالى (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) غافر: ٣٤.
قوله تعالى (إذاً لارتاب المبطلون) العنكبوت: ٤٨.
قوله تعالى (وارتابت قلوبهم) التوبة: ٤٥.
وكذا في سورة الإسراء ٩٩، والكهف ٢١، والحج ٥ و٧، والسجدة ٢، والشورى ٧، والجاثية ٢٦ و٣٢، والتوبة ١١٠. وسورة النور ٥٠، والمائدة ١٠٦، والحديد ١٤، والطلاق ٤، والبقرة ٢٨٢، والمدثر ٣١، والحجرات ١٥.
وكذلك قوله تعالى (يوم الدين) ورد في سورة الحجر ٣٥، والشعراء ٨٢، والصافات ٢٠، وص ٧٨، والذاريات ١٢، والواقعة ٥٦، والمعارج ٢٦، والانفطار ١٥ و١٧ و١٨، المطففين ١١. فقد تقدم معناه في سورة الفاتحة أنه يوم الحساب.
(٦) وفي بعض الأحيان يتكرر اللفظ لكن المعنى لا يكون متفقاً وذلك حسب السياق كما في قوله (الصراط المستقيم)، فكل ما ورد في القرآن الكريم من (الصراط المستقيم) هو الإسلام كما في سورة الفاتحة إلا في موضعين، في سورة الأعراف ٨٦، والصافات ٢٣.
(٧) بعض الكلمات تتكرر كثيرا فاختصارها كما يلي:
كتاب: ك.

باب: ب.


مخطوط: خ.
لوحة: ل.
65
(٨) بالنسبة لأرقام الآيات وأسماء السور فقد اختصرتها في كل صفحة إذ فيها اسم السورة ورقم الآية المفسرة.
(٩) إن بعض الآيات واضحة لا تحتاج إلى تفسير، لذا لم يذكر المفسرون من الصحابة والتابعين تفسيرهن. وكذا آيات الصفات لله عز وجل. وقد سلكنا المنهج نفسه في الحالتين.
وأخيرا أشكر الأخوة الأفاضل الذين شاركوا معي في جمع وتخريج (مرويات الإمام أحمد في التفسير) و (مرويات الإمام مالك في التفسير) و (مرويات الإمام الدارمي في التفسير) و (مرويات الإمام ابن ماجة في التفسير) و (مرويات التفسير النبوي) (١) وهؤلاء هم: د. عبد الغفور عبد الخالق البلوشي، والشيخ محمد بن رزق بن طرهوني، والباحث محمد أحمد البزرة، والشيخ محمد إبراهيم السامرائي، ود. جمال محمد السيد، ود. أبو محمد بن عبد الغني الدمنهوري. وقد انتخبت من هذه المصادر بعض الأحاديث المرفوعة الصحيحة والحسنة.
كما أشكر الأخ الفاضل المهندس محمد سامي فرج على مساعدته في برمجة تحويل التفسير المدخل على جهاز الحاسوب (MACINTOSH) إلي جهاز (IBM) وقد نفذها ابني أحمد فلهما جزيل الشكر وكذا للأخ نزار سليم كيخيا على مشاركته في التنسيق والإدخال والإخراج بالحاسوب.
كما أقدم الشكر الجزيل لزوجتي أم أحمد التي هيأت أسباب الهدوء للبحث والدراسة ولأولادي الذين ساعدوني في المشاركة لإدخال المعلومات ونسخ النصوص بآلة التصوير وهم: أحمد وأم الحسن وأم عبد الله وأم معاذ وعمر وبشير وعبد الرحمن.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه
حكمت بن بشير بن ياسين
قباء - المدينة المنورة
_________
(١) وسيتم إصداره بعد الانتهاء من التفسير الصحيح إن شاء الله.
66
الاستعاذة
فضائلها وحكمها
من فضائل الاستعاذة أنها تدفع الوسوسة كما في قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) فأمر الله تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به.
ومن فضائلها أنها تُذهب الغضب، روى الشيخان في صحيحيهما عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: "استب رجلان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: تعوذ بالله من الشيطان. فقال أترى بي بأس، أمجنون أنا؟ اذهب" (٢).
واللفظ للبخاري.
وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة للقرآن الكريم فقال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (٣).
وهذا الأمر على الندب ولا يأثم تاركها وهو قول جمهور أهل العلم (٤).
والمراد من الشيطان: شياطين الإنس والجن. قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (٥).
_________
(١) الأعراف آية ٢٠٠، وفصلت آية ٣٦.
(٢) انظر (فتح الباري رقم ٦٠٤٨ - الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن) (وصحيح مسلم رقم ٢٦١٠ - البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب).
(٣) النحل آية ٩٨.
(٤) انظر تفسير القرطبي ١/٨٦ وتفسير ابن كثير ١/٣٢.
(٥) الأنعام آية ١١٢.
67
وروى الإمام أحمد عن يزيد، أنا المسعودي، عن أبي عمرو الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد فجلست إليه فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا. قال: قم فصلَّ. قال: فقمت فصليت ثم أتيته فجلست إليه، فقال لي: يا أبا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإِنس والجن. قال: قلت: يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم... الحديث (١).
وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد أن ذكر جزءا منه (٢). ويشهد لبعضه الآية المتقدمة. وذكره ابن كثير من عدة طرق ثم قال: ومجموعها يفيد قوته وصحته (٣).
كما تعوذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشيطان ومن همزه ونفخه ونفثه. روى الإمام أحمد عن محمد بن الحسن بن أنس، ثنا جعفر يعني: ابن سليمان، عن علي بن علي اليشكري، عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه (٤).
_________
(١) المسند ٥/١٧٩
(٢) صحيح الجامع الصغير ٦/٢٥٨.
(٣) التفسير ٣/٣١٢.
(٤) المسند ٣/٥٠، وأخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة (المسند ٦/١٥٦)، ومن حديث عبد الله بن مسعود (المسند ١/٤٠٣، ٤٠٤) ومن حديث أبي أمامة الباهلي نحوه (المسند ٥/٢٥٣).
68
وأخرجه أبو داود (١) وابن ماجة (٢) من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه نحوه.
قال عمرو: همزه: الموته، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (٣) وحسنه مقبل الوادعي في تحقيقه لتفسير ابن كثير (٤).
ونقل القرطبي عن ابن ماجة قال: الموته يعني: الجنون، والنفث: نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه، والكبر: التيه (٥).
ومعنى الشيطان: قال الطبري: والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء. ثم استشهد بالآية السابقة ثم بالرواية الآتية (٦).
قال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب بِرْذَوْنَا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه، وقال: ما حملتموني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي. ذكره ابن كثير وصحح إسناده (٧).
ومعنى الرجيم: قال ابن كثير: والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي: أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
_________
(١) السنن - الصلاة - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم ٧٦٤.
(٢) السنن - إقامة الصلاة - باب الاستعاذة في الصلاة رقم ٨٠٧.
(٣) ١/١٣٦ رقم ٦٥٨.
(٤) ١/٣٠.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١/٨٧.
(٦) التفسير ١/١١١، وأخرجه الطبري عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به (التفسير رقم ١٣٦).
(٧) التفسير ١/٣٤.
69
وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ) (١). وقال تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (٢) وقال أيضاً: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِين) (٣). إلى غير ذلك من الآيات (٤).
البسملة
كيفية قراءتها
أخرج البخاري في صحيحه بإسناده إلى قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: كانت مدا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم (٥).
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقطع قراءته آية آية ومنها البسملة.
قال أبو داود: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة (أنها) ذكرت، أو كلمة غيرها، قراءة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقطع قراءته آية آية (٦).
_________
(١) الملك آية ٥.
(٢) الصافات ٧-١١.
(٣) الحجر ١٦-١٨.
(٤) التفسير ١/٣٤.
(٥) انظر فتح الباري - فضائل القرآن - باب مد القراءة رقم ٥٠٤٦.
(٦) السنن - الحروف والقراءات رقم ٤٠٠١.
70
وأخرجه أبو عمرو الداني من طريق أبي عبيد -وهو القاسم بن سلام- عن يحيى بن سعيد به، وأخرجه أيضاً من طريق محمد بن سعدان عن يحيى بن سعيد به وزيادة: (ثم يقف) بعد كل آية، ثم قال: ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب (١) وفي زيادة قوله: ثم يقف بيان لمعنى التقطيع. وقال ابن الجزري: وهو حديث حسن وسنده صحيح (٢).
وأخرجه الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به بلفظ: يقطعها حرفا حرفا. وصححه وسكت عنه الذهبي (٣).
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد! اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك. باسم الله أرقيك (٤).
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عاصم، عن أبي تميمة الهجيمي، عمن كان رديف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كنت رديفه على حمار فعثر الحمار، فقلت: تعس الشيطان، فقال لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال: صرعته بقوتي، فإذا قلت باسم الله، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب (٥).
_________
(١) المكتفى في الوقف والابتداء ص ١٤٧.
(٢) النشر في القراءات العشر ١/٢٢٦.
(٣) المستدرك ١/٢٣٢.
(٤) الصحيح رقم ٢١٨٦ - السلام، باب الطب والمرض والرقى.
(٥) المسند ٥/٥٩.
71
وأخرجه الإمام أحمد من طرق أخرى عن رديف النبي صلى الله عيه وسلم (١). وذكره ابن كثير وقال: تفرد به أحمد وهو إسناد جيد (٢).
وأخرجه النسائي (٣) والحاكم من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (٤)، وصححه محقق عمل اليوم والليلة، وصححه أيضاً الشيخ الألباني (٥).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: آية من كتاب الله أغفلها الناس (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
ذكره الحافظ ابن كثير ثم قال: إسناده جيد (٦). وذكره الحافظ ابن حجر وحسنه ثم قال:
أخرجه ابن مردويه عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن ناجيه عن خلاد بن أسلم وليث هو ابن أبي سليم فيه مقال لكن الأثر يعتضد بما تقدم (٧).
وقد روى عن مجاهد: جعفر بن إياس بن أبي وحشية وتقدم ذكره عند طريق أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
_________
(١) المسند ٥/٧١، ٣٦٥.
(٢) التفسير ١/٣٨، والبداية والنهاية ١/٦٠.
(٣) عمل اليوم والليلة رقم ٥٥٤.
(٤) المستدرك ٤/٢٩٢.
(٥) صحيح الجامع الصغير ٦/١٦٩.
(٦) تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص ١١٤.
(٧) موافقة الخُبُر الخَبَر ص ٧٦.
72
Icon