مكية، وآياتها ٦، نزلت بعد الفلق.
ﰡ
[مقدمة التحقيق]
مقدمة المحقق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد صحبت كتاب «التسهيل في علوم التنزيل» للعلامة الأندلسي المرحوم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي المتوفي عام ٧٤١ هـ- منذ أكثر من ثلاثين سنة وأعجبت به لقوة عبارته وسهولة بيانه، وغزارة فوائده، ولكن الطبعة الأولى لهذا الكتاب قد مضى عليها أكثر من خمسين سنة وهي مملوءة بالأخطاء، وخاصة وأن المؤلف يعتمد على قراءة الإمام نافع المدني رحمه الله، ورواية ورش وهي القراءة المعتمدة في شمال أفريقيا عموما، وكأني بمن صححوا الكتاب في طبعته الأولى لم يلاحظوا الفروق بين قراءة ورش وبين قراءة عاصم المعتمدة في معظم بلاد المسلمين، في آسيا ومصر والحجاز والشام والعراق وسائر بلاد المشرق، يضاف إلى ذلك أن مستوى الطباعة والإخراج قد تطور كثيرا خلال السنوات الماضية، وقد عمدت بعض دور النشر إلى تصوير الطبعة الأولى بدون أي تصحيح أو تحقيق وتوزيعها في السوق، فكنت أتمنى لو تقيض لهذا الكتاب الجليل دار كريمة تتولى تنقيحه وتصويب الأخطاء الشائعة، خدمة لكتاب الله من جهة وتقديرا لهذا التفسير الجليل الذي أستطيع الجزم بأنه يفيد العالم والمثقف وطالب المعرفة، فهو قد اطلع ولخص المؤلفات الضخمة في التفسير كالتفسير الإمام «جامع البيان» للإمام الطبري الذي هو أعظم التفاسير على الإطلاق، وكل من كتب في هذا الموضوع فلا بدّ له من مطالعة الطبري، واستفاد من الكشاف للزمخشري وهناك تفسير ابن عطية وغيره ثم إنه قدّم له بمقدمة ضافية عن علوم القرآن. كل ذلك باختصار غير مخل.
وشاء الله أن ألتقي بالأخ الحاج أحمد أكرم الطباع صاحب دار القلم العامرة وصارحته بأمنيتي الغالية، فلبّى ووافق على القيام بكل ما يلزم لإخراج هذا السفر النفيس، بأحسن صورة ممكنة، وعهد إلى هذا الفقير بتخريج الأحاديث الواردة خلال التفسير، وإصلاح ما بدا لي من أخطاء، فقمت بهذه المهمة وأنا في غاية السرور لهذا التوفيق الذي جاء على قدر وقد أعانني الله فأنجزت هذه المهمة ووضعت تراجم مختصرة لأهم الأعلام الواردة أسماؤهم ضمن جدول ألفبائي في آخر الكتاب، كما اقتبست من كتاب أستاذي الشيخ سعيد الأفغاني شيئا مما كتبه في مقدم كتاب حجة القراءات للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجله من رجال القرن الرابع الهجري وأوائل الخامس، وفيها بيان موجز لأئمة
وفي الختام لا أرى أني قد وفيت الكتاب حقه كما يجب، ولكني بذلت جهدي حسب الوقت المتاح لي، والكمال لله وحده، رحم الله المؤلف وأجزل مثوبته وجعل مقامه في عليين. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
بيروت في ١/ رجب/ ١٤١٦ هـ الموافق ٢٤/ ١١/ ١٩٩٥ م.
خادم أهل العلم عبد الله الخالدي
رحمه الله هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي الأندلسي.
وردت ترجمته في الإحاطة للسان الدين بن الخطيب. كما ذكره صاحب نفح الطيب في ج/ ٣/ ٢٧٢ وقال عنه: فقد وهو يحرض الناس يوم معركة طريف ٧٤١ رحمه الله تعالى.
نزل أجداده وقائدهم أبو الخطار الكلبي وهو الحسام بن ضرار في «بوله» أحد حصون الأندلس في «شنت مرية» مددا لأقاربهم من اليمنية حوالي عام ١٢٥/ هـ.
وكان أحد أجداده قاضيا في جيّان ويدعى يحيى.
وقد عكف الإمام محمد المذكور على طلب العلم واكتساب القوت الحلال، وكان عالما حافظا لكتاب الله، وله مشاركة قوية في علوم العربية والفقه، والأصول والقراءات والحديث والأدب والشعر، وقد كان واسع الإطلاع على التفاسير مستوعبا للأقوال جامعا للكتب، وكان في تدريسه ممتع المحاضرة، صحيح الإعتقاد، وخطب منذ نشأته بالجامع الأعظم في بلده، ثم استمر شأوه في ارتفاع، ماضيا على سنن الأصالة والنبالة، وأورث ذلك لابنه عبد الله كاتب رحلة ابن بطوطة.
مشايخه وتلاميذه.
قرأ ابن جزي على أبي جعفر بن الزبير وهو أجل أساتذته، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والقرآن. كما روى عن ابن عصفور، وروى أيضا القرآن عن القارئ المكثر أبي عبد الله بن الكمّاد وغيرهم كثير.
تلاميذه:
وأخذ عنه أبناؤه محمد وأبو بكر أحمد وعبد الله، ولسان الدين بن الخطيب وابراهيم الخزرجي، وكان أشهر أولاده أبو عبد الله محمد الذي أخذ عن أبيه، وصار فيما بعد كاتبا مجيدا، وذا رأي فقيها، عالما، بصيرا بالحديث والأصول.
مؤلفاته:
ترك كثيرا من الآثار في مختلف فنون العلوم كالفقه والحديث والتصوف والقراءات، وكان ينظم الشعر أيضا في التصوف.
١- وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم.
٢- الأنوار السنية في الكلمات السنية.
٣- كتاب الدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار.
٤- كتاب القوانين الفقهية المطبوع في بيروت، وهو من الكتب المعتبرة في الفقه، لأنه لخص آراء المذاهب الأربعة مع المقارنة فيما بينها. وقد حققه الأستاذ الجليل عبد العزيز سيد الأهل ومنه استفدنا هذه النبذة في ترجمة المؤلف.
٥- وأخيرا كتاب التسهيل لعلوم التنزيل. وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا. وهو ربما كان أفضل آثاره. وقد ذكرت عنه في مقدمة التحقيق ما فيه الكفاية.
رحم الله المؤلف، ما أروع بيانه وأوجز كلامه وأغزر فوائده.
الحمد لله العزيز الوهاب، مالك الملوك ورب الأرباب، هو الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف: ١]، هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ [المؤمن: ٥٤]، وأودعه من العلوم النافعة، والبراهين القاطعة: غاية الحكمة وفصل الخطاب وخصصه من الخصائص العلية، واللطائف الخفية، والدلائل الجلية، والأسرار الربانية، العجب بكل عجب عجاب وجعله في الطبقة العليا من البيان، حتى أعجز الإنسان والجان، واعترف علماء أرباب اللسان بما تضمنه من الفصاحة والبراعة والبلاغة والإعراب والإغراب ويسر حفظه في الصدور، وضمن حفظه من التبديل والتغيير، فلم يتغير ولا يتغير على طول الدهور وتوالي الأحقاب وجعله قولا فصلا، وحكما عدلا، وآية بادية، ومعجزة باقية: يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب وتقوم بها الحجة للمؤمن الأوّاب، والحجة على الكافر المرتاب وهدى الخلق بما شرع فيه من الأحكام، وبيّن الحلال والحرام، وعلّم من شعائر الإسلام، وصرّف من النواهي والأوامر والمواعظ والزواجر، والبشارة بالثواب، والنذارة بالعقاب، وجعل أهل القرآن أهل الله وخاصته، واصطفاهم من عباده، وأورثهم الجنة وحسن المآب.
فسبحان مولانا الكريم الذي خصنا بكتابه، وشرفنا بخطابه، فيا له من نعمة سابغة، وحجة بالغة، أوزعنا الله الكريم القيام بواجب شكرها، وتوفية حقها، ومعرفة قدرها، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ [هود: ٨٨]، هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ [الرعد: ٣٠].
وصلاة الله وسلامه، وتحياته وبركاته وإكرامه، على من دلنا على الله، وبلغنا رسالة الله، وجاءنا بالقرآن العظيم، وبالآيات والذكر الحكيم، وجاهد في الله حق الجهاد، وبذل جهده في الحرص على نجاة العباد، وعلم ونصح وبيّن وأوضح حتى قامت الحجة، ولاحت المحجة، وتبين الرشد من الغيّ، وظهر طريق الحق والصواب، وانقشعت ظلمات الشك والارتياب. ذلك: سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي، القرشي الهاشمي، المختار من لباب اللباب، والمصطفى من أطهر الأنساب، وأشرف الأحساب، الذي أيده الله بالمعجزات الظاهرة والجنود القاهرة، والسيوف الباترة الغضاب، وجمع له بين شرف الدنيا والآخرة، وجعله قائدا للغرّ المحجلين والوجوه الناضرة، فهو أوّل من يشفع يوم الحساب، وأوّل من يدخل الجنة ويقرع الباب، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الأكرمين، خير أهل
أما بعد فإنّ علم القرآن العظيم: هو أرفع العلوم قدرا، وأجلها خطرا، وأعظمها أجرا، وأشرفها. ذكرا وإن الله أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن، وتعلّمه وتعليمه، وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه، فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف، فمنهم من آثر الاختصار، ومنهم من طوّل حتى كثّر الأسفار، ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس، ومنهم من عوّل على النظر والتحقيق والتدقيق، وكل أحد سلك طريقا نحاه، وذهب مذهبا ارتضاه، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النساء: ٩٥]، فرغبت في سلوك طريقهم، والانخراط في مساق فريقهم، وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم، وسائر ما يتعلق به من العلوم، وسلكت مسلكا نافعا، إذ جعلته وجيزا جامعا، قصدت به أربع مقاصد: تتضمن أربع فوائد:
الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم، في كتاب صغير الحجم تسهيلا على الطالبين، وتقريبا على الراغبين فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم، ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها، وتنقيح فصولها، وحذف حشوها وفضولها ولقد أودعته من كل فنّ من فنون علم القرآن: اللباب المرغوب فيه، دون القشر المرغوب عنه، من غير إفراط ولا تفريط. ثم إني عزمت على إيجاز العبارة، وإفراط الاختصار، وترك التطويل والتكرار.
الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة، وفوائد غريبة، قلما توجد في كتاب لأنها من بنات صدري، وينابيع ذكرى. ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم، أو مما التقطته من مستظرفات النوادر، الواقعة في غرائب الدفاتر.
الفائدة الثالثة: إيضاح المشكلات، إما بحل العقد المقفلات، وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات، وبيان المجملات.
الفائدة الرابعة: تحقيق أقوال المفسرين، السقيم منها والصحيح، وتمييز الراجح من المرجوح. وذلك أن أقوال الناس على مراتب: فمنها الصحيح الذي يعوّل عليه، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد. ثم إنّ هذا الاحتمال قد يكون متساويا أو متفاوتا، والتفاوت قد يكون قليلا أو كثيرا، وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة، تعرف بها كل مرتبة وكل قول فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل، ثم ما أقول فيه إنه ضعيف أو بعيد، ثم ما أقول إنّ غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر ثم ما أقدّم غيره عليه إشعارا بترجيح المتقدّم أو بالقول فيه: قيل كذا، قصدا للخروج من عهدته، وأما إذا صرحت باسم قائل القول فإني أفعل ذلك لأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته، وإما
[رحم الله المؤلف ما أوجز عبارته وأكثر فائدته وقد وفى بكل ما وعد به جزاه الله خيرا عن الدين وأهله]
وفيها إثنا عشر بابا
الباب الأوّل: في نزول القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أوّل ما بعثه الله بمكة، وهو ابن أربعين سنة، إلى أن هاجر إلى المدينة، ثم نزل عليه بالمدينة إلى أن توفاه الله، فكانت مدّة نزوله عليه عشرون سنة، وقيل كانت ثلاثا وعشرين سنة على حسب الاختلاف في سنّه صلّى الله عليه وسلّم يوم توفي، هل كان ابن ستين سنة، أو ثلاث وستين سنة؟ وكان ربما تنزل عليه سورة كاملة، وربما تنزل عليه آيات مفترقات، فيضم عليه السلام بعضها إلى بعض حتى تكمل السورة.
وأوّل ما نزل عليه من القرآن: صدر سورة العلق، ثم المدّثّر والمزمل، وقيل: أوّل ما نزل المدّثّر وقيل: فاتحة الكتاب، والأوّل هو الصحيح لما ورد في الحديث الصحيح، عن عائشة في حديثها الطويل في ابتداء الوحي قالت فيه: جاءه الملك وهو بغار حراء، قال اقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، قال فأخذني وغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، ثم قال: اقرأ بسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فقال زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع» «١»، وفي رواية من طريق جابر بن عبد الله: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمّلوني فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وآخر ما نزل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقيل آية الزنى التي في البقرة، وقيل الآية قبلها.
وكان القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متفرقا في الصحف وفي صدور الرجال، فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته، فجمعه على ترتيب نزوله، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير، ولكنه لم يوجد. فلما قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يذهب بموت القراء. فجمعه في صحف غير مرتّب السور وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بعده، ثم عند بنته حفصة أم
وأما نقط القرآن وشكله فأوّل من فعل ذلك الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك بن مروان وزاد الحجاج تحزيبه وقيل: أوّل من نقطه يحيى بن يعمر وقيل أبو الأسود الدؤلي، وأما وضع الأعشار فيه فقيل: إنّ الحجاج فعل ذلك وقيل بل أمر به المأمون العباسي.
وأما أسماؤه فهي أربعة: القرآن، والفرقان، والكتاب، والذكر. وسائر ما يسمى صفات لا أسماء: كوصفه بالعظيم، والكريم، والمتين، والعزيز، والمجيد، وغير ذلك.
فأما القرآن: فأصله مصدر قرأ، ثم أطلق على المقروء، وأما الفرقان: فمصدر أيضا معناه التفرقة بين الحق والباطل، وأما الكتاب: فمصدر ثم أطلق على المكتوب، وأما الذكر:
فسمي القرآن به لما فيه من ذكر الله أو من التذكير والمواعظ، ويجوز في السورة من القرآن الهمز، وترك الهمز لغة قريش، وأما الآية فأصلها العلامة ثم سميت الجملة من القرآن بها لأنها علامة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الباب الثاني: في السور المكية والمدنية. اعلم أنّ السور المكية هي التي نزلت بمكة ويعد منها كل ما نزل قبل الهجرة، وإن نزل بغير مكة، كما أنّ المدنية هي السورة التي نزلت بالمدينة ويعدّ منها كل ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بغير المدينة، وتنقسم السور ثلاثة أقسام: قسم مدنية باتفاق، وهي اثنتان وعشرون سورة، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والنور، والأحزاب، والقتال، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والتحريم، وإذا جاء نصر الله. وقسم فيها خلاف، هل هي مكية أو مدنية؟ وهي ثلاثة عشر سورة: أم القرآن والرعد، والنحل، والحج، والإنسان، والمطففون، والقدر ولم يكن، وإذا زلزلت، وأ رأيت، والإخلاص والمعوّذتين. وقسم مكية باتفاق، وهي سائر
[خصائص السور المكية والمدنية]
واعلم أنّ السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد والردّ على المشركين، وفي قصص الأنبياء. وأنّ السور المدنية نزل أكثرها في الأحكام الشرعية، وفي الردّ على اليهود والنصارى، وذكر المنافقين، والفتوى في مسائل، وذكر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم. وحيث ما ورد:
يا أيها الذين آمنوا فهو مدني، وأما: يا أيها الناس، فقد وقع في المكيّ والمدنيّ.
الباب الثالث: في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن. ولنتكلم في ذلك على الجملة والتفصيل. أما الجملة، فاعلم أنّ المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة الله وإلى الدخول في دينه، ثم إنّ هذا المقصد يقتضي أمرين، لا بد منها، وإليهما ترجع معاني القرآن كله: أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها، والأخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وتردّدهم إليها، فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين، وهما أصول العقائد وأحكام الأعمال.
وأما البواعث عليها فأمران وهما: الترغيب والترهيب، وأما على التفصيل فاعلم أنّ معاني القرآن سبعة: هي علم الربوبية، والنبوة، والمعاد، والأحكام، والوعد، والوعيد والقصص. فأما علم الربوبية: فمنه إثبات وجود الباري جل جلاله، والاستدلال عليه بمخلوقاته، فكل ما جاء في القرآن من التنبيه على المخلوقات، والاعتبار في خلقة الأرض والسموات، والحيوان والنبات. والريح والأمطار، والشمس والقمر، والليل والنهار، وغير ذلك من الموجودات، فهو دليل على خالقه، ومنه إثبات الوحدانية، والردّ على المشركين، والتعريف بصفات الله: من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر، وغير ذلك من أسمائه وصفاته، والتنزيه عما لا يليق به.
وأما النبوّة: فإثبات نبوّة الأنبياء عليهم السلام على العموم، ونبوة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم على الخصوص، وإثبات الكتب التي أنزلها الله عليهم، ووجود الملائكة الذين كان منهم وسائط بين الله وبينهم، والردّ على من كفر بشيء من ذلك، وينخرط في سلك هذا ما ورد في القرآن من تأنيس النبي صلّى الله عليه وسلّم وكرامته والثناء عليه، وسائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
وأما المعاد فإثبات الحشر، وإقامة البراهين، والردّ على من خالف فيه، وذكر ما في الدار الآخرة من الجنة والنار، والحساب والميزان، وصحائف الأعمال وكثرة الأهوال، ونحو ذلك.
وأما الأحكام: فهي الأوامر والنواهي وتنقسم خمسة أنواع: واجب، ومندوب، وحرام، ومكروه، ومباح. ومنها ما يتعلق بالأبدان: كالصلاة والصيام، وما يتعلق بالأموال
وأما الوعد: فمنه وعد بخير الدنيا من النصر والظهور وغير ذلك، ومنه وعد بخير الآخرة وهو الأكثر كأوصاف الجنة ونعيمها.
وأما الوعيد: فمنه تخويف بالعقاب في الدنيا، ومنه تخويف بالعقاب في الآخرة وهو الأكثر: كأوصاف جهنم وعذابها. وأوصاف القيامة وأهوالها، وتأمّل القرآن تجد الوعد مقرونا بالوعيد، قد ذكر أحدهما على إثر ذكر الآخر، ليجمع بين الترغيب والترهيب، وليتبين أحدهما بالآخر، كما قيل:
فبضدّها تتبين الأشياء وأما القصص: فهو ذكر أخبار الأنبياء المتقدّمين وغيرهم كقصة أصحاب الكهف، وذي القرنين. فإن قيل: ما الحكمة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن؟ فالجواب من ثلاثة أوجه الأوّل: أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى، ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى: الثاني: أنه ذكرت أخبار الأنبياء في مواضع على طريق الإطناب. وفي مواضع على طريق الإيجاز، لتظهر فصاحة القرآن في الطريقتين.
الثالث: أن أخبار الأنبياء قصد بذكرها مقاصد فتعدّد ذكرها بتعدّد تلك المقاصد، فمن المقاصد بها إثبات نبوة الأنبياء المتقدّمين بذكر ما جرى على أيديهم من المعجزات، وذكر إهلاك من كذّبهم بأنواع من المهالك. ومنها إثبات النبوة لمحمد صلّى الله عليه وسلّم لإخباره بتلك الأخبار من غير تعلم من أحد. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: ٤٩] ومنها إثبات الوحدانية. ألا ترى أنه لما ذكر إهلاك الأمم الكافرة قال: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [هود: ١٠١] ومنها الاعتبار في قدرة الله وشدّة عقابه لمن كفر. ومنها تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له بالتأسي بمن تقدّم من الأنبياء: كقوله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام: ٣٤] ومنها تسليته عليه السلام ووعده بالنصر كما نصر الأنبياء الذين من قبله. ومنها تخويف الكفار بأن يعاقبوا كما عوقب الكفار الذين من قبلهم، إلى غير ذلك مما احتوت عليه أخبار الأنبياء من العجائب والمواعظ واحتجاج الأنبياء. وردّهم على الكفار وغير ذلك. فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة: ذكرت في مواضع كثيرة. ولكل مقام مقال.
الباب الرابع: في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن.
اعلم أن الكلام على القرآن يستدعي الكلام في اثني عشر فنا من العلوم، وهي:
التفسير، والقراءات، والأحكام، والنسخ، والحديث، والقصص، والتصوّف، وأصول الدين، وأصول الفقه، واللغة، والنحو، والبيان.
فأما التفسير فهو المقصود بنفسه وسائر هذه الفنون أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع منه، ومعنى التفسير: شرح القرآن وبيان معناه، والإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو فحواه.
الأوّل: اختلاف في العبارة، مع اتفاق في المعنى: فهذا عدّه كثير من المؤلفين خلافا، وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه، وجعلناه نحن قولا واحدا، وعبّرنا عنه بأحد عبارات المتقدّمين، أو بما يقرب منها، أو بما يجمع معانيها.
الثاني: اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد، وليس مثال منها على خصوصه هو المراد، وإنما المراد المعنى العامّ التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه، فهذا عدّه أيضا كثير من المؤلفين خلافا، وليس في الحقيقة بخلاف لأنّ كل قول منها مثال، وليس بكل المراد، ولم نعدّه نحن خلافا: بل عبّرنا عنه بعبارة عامّة تدخل تلك تحتها، وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل، مع التنبيه على العموم المقصود.
الثالث: اختلاف المعنى فهذا هو الذي عددناه خلافا، ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب.
فإن قيل: ما الفرق بين التفسير والتأويل؟ فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال: الأوّل أنهما بمعنى واحد. الثاني: أن التفسير للفظ، والتأويل للمعنى. الثالث: وهو الصواب: أن التفسير: هو الشرح، والتأويل: هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر، بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره وأما القراءات: فإنها بمنزلة الرواية في الحديث، فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته.
ثم إنّ القراءات على قسمين: مشهورة. وشاذة. فالمشهورة: هي القراءات السبع وما جرى مجراها: كقراءة يعقوب، وابن محيصن. والشاذة ما سوى ذلك. وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع «١» لوجهين: أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب. والأخرى اقتداء بالمدينة شرفها الله لأنها قراءة أهل المدينة. وقال مالك بن أنس: قراءة نافع سنة. وذكرنا من سائر القراءة ما فيها فائدة في المعنى والإعراب وغير ذلك. دون ما لا فائدة فيه زائدة. واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها. وقد ألفنا فيها كتبا نفع الله بها. وأيضا فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدّمات بابا في قواعد أصول القراءات.
وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من الأوامر والنواهي. والمسائل الفقهية. وقال بعض العلماء إنّ آيات الأحكام خمسمائة آية. وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استقصى تتبعها في مواضعها. وقد صنف الناس في أحكام القرآن تصانيف كثيرة. ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها: تأليف إسماعيل [بن إسحاق المالكي] القاضي وابن الحسن كباه «٢»
(٢). كذا في النسخة المطبوعة.
وأما الحديث فيحتاج المفسر إلى روايته وحفظه لوجهين: الأوّل: أنّ كثيرا من الآيات في القرآن نزلت في قوم مخصوصين ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الغزوات والنوازل والسؤالات، ولا بدّ من معرفة ذلك ليعلم فيمن نزلت الآية وفيما نزلت ومتى نزلت فإنّ الناسخ يبنى على معرفة تاريخ النزول لأنّ المتأخر ناسخ للمتقدم. الثاني:
أنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته لأنّ قوله عليه السلام مقدم على أقوال الناس.
وأما القصص فهي من جملة العلوم التي تضمنها القرآن فلا بد من تفسيره إلّا أنّ الضروري منه ما يتوقف التفسير عليه. وما سوى ذلك زائد مستغنى عنه وقد أكثر بعض المفسرين من حكاية القصص الصحيح وغير الصحيح. حتى أنهم ذكروا منه ما لا يجوز ذكره مما فيه تقصير بمنصب الأنبياء عليهم السلام أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه. وأما نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص على ما يتوقف التفسير عليه وعلى ما ورد منه في الحديث الصحيح.
وأما التصوّف فله تعلق بالقرآن. لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس. وتنوير القلوب. وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة. واجتناب الأخلاق الذميمة. وقد تكلمت المتصوّفة في تفسير القرآن. فمنهم من أحسن وأجاد. ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني. ووقف على حقيقة المراد. ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية.
وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتاب سماه «الحقائق» وقال بعض العلماء: بل هي البواطل. وإذا انصفنا قلنا: فيه حقائق وبواطل. وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يستحسن من الإشارات الصوفية. دون ما يعترض أو يقدح فيه.
وتكلمنا أيضا على اثني عشر مقاما من [مقامات] التصوف في مواضعها من القرآن:
فتكلمنا على الشكر في أم القرآن. لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى. وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وعلى الذكر في قوله فيها فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: ١٥٣] وعلى الصبر في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: ١٥٥] وعلى
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: ١٦٥] وعلى التوكل في قوله في آل عمران: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران: ١٥٩] وعلى المراقبة في قوله في النساء: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: ١] وعلى الخوف والرجاء في قوله في الأعراف: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [الأعراف: ٥٦] وعلى التوبة في قوله في النور: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً [النور:
٣١] وعلى الإخلاص في قوله في لم يكن: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: ٤].
وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين: أحدهما: ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها. والردّ على أصناف الكفار. والآخر: أنّ الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن وكل طائفة منهم تحتجّ لمذهبها بالقرآن وترد على من خالفها.
وتزعم أنه خالف القرآن. ولا شك أنّ منهم المحق والمبطل. فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التشديد والتأييد من الله والتوفيق.
وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن. على أنّ كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها. وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال. وما أحوج المفسر إلى معرفة النص. والظاهر. والمجمل. والمبين. والعام. والخاص. والمطلق. والمقيد.
وفحوى الخطاب. ولحن الخطاب. ودليل الخطاب. وشروط النسخ. ووجوه التعارض.
وأسباب الخلاف. وغير ذلك من علم الأصول.
وأما اللغة فلا بد للمفسر من حفظ ما ورد في القرآن منها. وهي غريب القرآن وهي من فنون التفسير. وقد صنف الناس في غريب القرآن تصانيف كثيرة. وقد ذكرنا بعد هذه المقدّمة: مقدّمة في اللغات الكثيرة الدوران في القرآن. لئلا نحتاج أن نذكرها حيث وقعت فيطول الكتاب بكثرة تكرارها.
وأما النحو فلا بد للمفسر من معرفته. فإنّ القرآن نزل بلسان العرب فيحتاج إلى معرفة اللسان. والنحو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: عوامل الإعراب. وهي أحكام الكلام المركب. والآخر: التصريف وهي أحكام الكلمات من قبل تركيبها. وقد ذكرنا في هذا الكتاب من إعراب القرآن ما يحتاج إليه من المشكل والمختلف. أو ما يفيد فهم المعنى. أو ما يختلف المعنى باختلافه ولم نتعرض لما سوى ذلك من الإعراب السهل الذي لا يحتاج إليه إلّا المبتدئ فإنّ ذلك يطول بغير فائدة كبيرة.
وأما علم البيان: فهو علم شريف تظهر به فصاحة القرآن. وقد ذكرنا منه في هذا الكتاب فوائد فائقة. ونكات مستحسنة رائقة. وجعلنا في المقدّمات بابا في أدوات البيان ليفهم به ما يرد منها مفرّقا في مواضعه من القرآن.
الباب الخامس: في أسباب الخلاف بين المفسرين. والوجوه التي يرجح بها بين أقوالهم. فأما أسباب الخلاف فهي اثنا عشر: الأول: اختلاف القرآن. الثاني: اختلاف وجوه
احتمال الكلمة زائدة. العاشر: احتمال حمل الكلام على الترتيب وعلى التقديم والتأخير.
الحادي عشر: احتمال أن يكون الحكم منسوخا أو محكما. الثاني عشر: اختلاف الرواية في التفسير عن النبي صلّى الله عليه واله وسلّم وعن السلف رضي الله عنهم.
وأما وجوه الترجيح فهي اثنا عشر الأول: تفسير بعض القرآن ببعض، فإذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال. الثاني: حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإذا ورد عنه عليه السلام تفسير شيء من القرآن عوّلنا عليه. لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح. الثالث: أن يكون القول قول الجمهور وأكثر المفسرين: فإنّ كثرة القائلين بالقول يقتضي ترجيحه. الرابع: أن يكون القول قول من يقتدى به من الصحابة كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن عباس: لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» «١». الخامس: أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة والإعراب أو التصريف أو الاشتقاق. السادس: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده. السابع: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن فإنّ ذلك دليل على ظهوره ورجحانه. الثامن: تقديم الحقيقة على المجاز. فإنّ الحقيقة أولى أن يحمل عليها اللفظ عند الأصوليين. وقد يترجح المجاز إذا كثر استعماله حتى يكون أغلب استعمالا من الحقيقة ويسمى مجازا راجحا والحقيقة مرجوحة. وقد اختلف العلماء أيهما يقدم: فمذهب أبي حنيفة تقديم الحقيقة لأنها الأصل ومذهب أبي يوسف تقديم المجاز الراجح لرجحانه. وقد يكون المجاز أفصح وأبرع فيكون أرجح. التاسع: تقديم العمومي على الخصوصي فإنّ العمومي أولى لأنه الأصل إلّا أن يدل دليل على التخصيص.
العاشر: تقديم الإطلاق على التقييد، إلّا أن يدل دليل على التقييد. الحادي عشر: تقديم الاستقلال على الإضمار إلّا أن يدل دليل على الإضمار. الثاني عشر: حمل الكلام على ترتيبه إلّا أن يدل دليل على التقديم والتأخير.
الباب السادس: في ذكر المفسرين.
اعلم أن السلف الصالح انقسموا إلى فرقتين:
فمنهم من فسر القرآن وتكلم في معانيه. وهم الأكثرون. ومنهم من توقف عن الكلام فيه احتياطا لما ورد من التشديد في ذلك. فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفسر من القرآن الآيات إلّا بعد علمه إياهن من جبريل. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه وأصاب فقد أخطأ» «٢». وتأول المفسرون حديث عائشة رضي الله عنها بأنه
(٢). ذكره في التيسير ص ٤٣٤/ ٢ ج عن سمرة بن جندب وحسّنه وعزاه للشيخين والنسائي.
واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى: الصحابة رضي الله عنهم.
وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس. ويقول: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال ابن عباس ما عندي من تفسير القرآن فهو عن عليّ بن أبي طالب. ويتلوهما عبد الله بن مسعود. وأبيّ بن كعب. وزيد بن ثابت. وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكلما جاء من التفسير عن الصحابة فهو حسن.
والطبقة الثانية: التابعون. وأحسنهم كلاما في التفسير الحسن بن أبي الحسن البصري. وسعيد بن جبير ومجاهد مولى ابن عباس. وعلقمة صاحب عبد الله بن مسعود.
ويتلوهم: عكرمة. وقتادة. والسّدي. والضحاك بن مزاحم. وأبو صالح. وأبو العالية.
ثم حمل تفسير القرآن عدول كل خلف، وألف الناس فيه: كالمفضل. وعبد الرزاق.
وعبد بن حميد. والبخاري. وعلي بن أبي طلحة. وغيرهم. ثم إن محمدا بن جرير الطبري جمع أقوال المفسرين وأحسن النظر فيها. وممن صنف في التفسير أشياء: أبو بكر النقّاش.
والثعلبي «١». والماوردي. إلّا أن كلامهم يحتاج إلى تنقيح. وقد استدرك الناس على بعضهم.
وصنف أبو محمد بن قتيبة في غريب القرآن ومشكله وكثير من علومه وصنف في معاني القرآن جماعة من النحويين: كأبي إسحاق الزجاج، وأبي علي الفارسي، وأبي جعفر النحاس.
وأما أهل المغرب والأندلس فصنف القاضي منذر بن سعيد البلوطي كتابا في غريب القرآن وتفسيره. ثم صنف المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب كتاب الهداية في تفسير القرآن.
وكتابا في غريب القرآن. وكتابا في ناسخ القرآن ومنسوخه. وكتابا في إعراب القرآن. إلى غير ذلك من تآليفه. فإنها نحو ثمانين تأليفا: أكثرها في علوم القرآن والقراءات والتفسير وغير ذلك. وأما أبو عمرو الداني فتآليفه تنيف على مائة وعشرين. إلّا أن أكثرها في القرآن.
ولم يؤلف في التفسير إلّا قليلا. وأما أبو العباس المهدي فمتقن التآليف. حسن الترتيب.
جامع لفنون علوم القرآن: ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي وأبو محمد عبد الحق بن عطية. فأبدع كل واحد وأجمل. واحتفل وأكمل. فأما ابن العربي فصنف كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن: فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» إلّا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه وتلخيصه. وألف في سائر علوم القرآن تآليف مفيدة وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها. فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها. وهو مع ذلك حسن العبارة. مسدّد النظر، محافظ على السنة. ثم ختم علم القرآن
الباب السنابع في الناسخ والمنسوخ: النسخ في اللغة: هو الإزالة والنقل. ومعناه في الشريعة: رفع الحكم الشرعي بعد ما نزل، ووقع في القرآن على ثلاثة أوجه: الأوّل: نسخ اللفظ والمعنى كقوله: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) «١». الثاني: نسخ اللفظ دون المعنى كقوله: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم).
الثالث: نسخ المعنى دون اللفظ وهو كثير وقع منه في القرآن على ما عدّ بعض العلماء مائتا موضع وثنتا عشرة مواضع منسوخة، إلّا أنهم عدوا التخصيص والتقييد نسخا، والاستثناء نسخا، وبين هذه الأشياء وبين النسخ: فروق معروفة، وسنتكلم على ذلك في مواضعه.
ونقدّم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم، بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه، فإنه وقع منه في القرآن مائة آية وأربع عشرة آية من أربع وخمسين آية، ففي البقرة وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: ٨٣] وَلَنا أَعْمالُنا [البقرة: ١٣٩] وَلا تَعْتَدُوا [البقرة: ١٩٠] أي لا تبدءوا بالقتال وَلا تُقاتِلُوهُمْ [البقرة: ١٩١] قُلْ قِتالٌ [البقرة: ٢١٧] لا إِكْراهَ [البقرة: ٢٥٦] وفي آل عمران فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران: ٢٠] مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران: ٢٨] وفي النساء فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء: ٦٣- ٨١] في موضعين فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:
٧٩] لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء: ٨٣] إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء: ٨٩] وفي المائدة وَلَا آمِّينَ [المائدة: ٢] عَلَيْكَ الْبَلاغُ [المائدة: ٣- ٢٠] عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: ١٠٥] وفي الأنعام لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام: ٦٦] ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام:
٩١] عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام: ١٠٤] وَأَعْرِضْ [الأنعام: ١٠٦] عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [الأنعام: ١٠٧] وَلا تَسُبُّوا [الأنعام: ١٠٨] قدرهم في موضعين يا قَوْمِ اعْمَلُوا [الأنعام: ١٣٥] قُلِ انْتَظِرُوا [الأنعام: ١٥٨] لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: ١٥٩] وفي الأعراف: وَأَعْرِضْ [الأعراف: ٦٨] وَأُمْلِي لَهُمْ [الأعراف: ١٨٢] وفي الأنفال
١٠٩] وفي هود إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ [هود: ١٢] أي تنذر ولا تجبر اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ [هود: ٩٣] انْتَظِرُوا [هود: ١٢٢] وفي الرعد عَلَيْكَ الْبَلاغُ [الرعد: ٤٢] وفي النحل إِلَّا الْبَلاغُ [النحل: ٣٥] عَلَيْكَ الْبَلاغُ [النحل: ٨٢] وَجادِلْهُمْ [النحل: ١٢٥] وَاصْبِرْ [النحل: ١٢٧] وفي الإسراء رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ [الإسراء: ٢٥] وفي مريم وَأَنْذِرْهُمْ [مريم: ٣٩] فَلْيَمْدُدْ [مريم: ٧٥] وَلا تَعْجَلْ [مريم: ٨٥] وفي طه قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ [طه: ١٣٥] وفي الحج وَإِنْ جادَلُوكَ [الحج: ٦٨] وفي المؤمنين فَذَرْهُمْ [المؤمنين: ٥٥] ادْفَعْ [المؤمنين: ٩٧] وفي النور فَإِنْ تَوَلَّوْا [النور: ٥٤] وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [النور: ٥٤] وفي النمل فَمَنِ اهْتَدى [النمل: ٩٢] وفي القصص لَنا أَعْمالُنا [القصص: ٥٥] وفي العنكبوت أَنَا نَذِيرٌ [العنكبوت: ٥٠] لما يقتضي من عدم الإجبار، وفي الروم فَاصْبِرْ [الروم: ٦٠] وفي لقمان وَمَنْ كَفَرَ [لقمان: ٢٣] وفي السجدة وَانْتَظِرْ [السجدة: ٣٠] وفي الأحزاب وَدَعْ أَذاهُمْ [الأحزاب: ٤٨] وفي سبأ قُلْ لا تُسْئَلُونَ [سبأ: ٢٥] وفي فاطر إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر: ٢٣] وفي يس فَلا يَحْزُنْكَ [ياسين: ٧٦] وفي الصافات قَوْلُ وقَوْلُ [الصافات: ٣١] وما يليهما، وفي ص اصْبِرْ [ص: ١٧] أَنَا نَذِيرٌ [ص: ٧٠] وفي الزمر إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الزمر: ٣] لما فيه من الإمهال فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ [الزمر:
١٥] يا قَوْمِ اعْمَلُوا [الزمر: ٣٩] فَمَنِ اهْتَدى [الزمر: ٤١] أَنْتَ تَحْكُمُ [الزمر:
٤٦] لأنّ فيه تفويضا، وفي المؤمن فَاصْبِرْ [المؤمن: ٥٥- ٧٦] في موضعين، وفي فصّلت ادْفَعْ [فصّلت: ٣٤] وفي الشورى وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى: ٦] لَنا أَعْمالُنا [الشورى: ١٥] فَإِنْ أَعْرَضُوا [الشورى: ٤٨] وفي الزخرف فَذَرْهُمْ [الزخرف: ١٣] فَاصْفَحْ [الزخرف: ٨٩] وفي الدخان فَارْتَقِبْ [الدخان: ١٠] وفي الجاثية يَغْفِرُوا [الجاثية: ١٤] وفي الأحقاف فَاصْبِرْ [الأحقاف: ٣٥] وفي القتال [محمد] فَإِمَّا مَنًّا [محمد: ٤] وفي ق فَاصْبِرْ [ق: ٣٩] وَما أَنْتَ [ق: ٤٥] وفي الذاريات قَوْلٍ [الذاريات: ٨] وفي الطور قُلْ تَرَبَّصُوا [الطور: ٣١] وَاصْبِرْ [الطور: ٤٨] فَذَرْهُمْ [الطور: ٤٥] وفي النجم فَأَعْرِضْ [النجم: ٢٩] وفي القمر يَقُولُ وفي ن فَاصْبِرْ [ن: ٤٨] سَنَسْتَدْرِجُهُمْ [ن: ٤٤] وفي المعارج فَاصْبِرْ [المعارج: ٥] فَذَرْهُمْ [المعارج: ٤٢] وفي المزمّل وَاهْجُرْهُمْ [المزمّل: ١٠] وَذَرْنِي [المزمّل: ١١] وفي المدّثّر ذَرْنِي [المدّثّر: ١١] وفي الإنسان فَاصْبِرْ [الإنسان: ٢٤] وفي الطارق فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ [الطارق: ١٧] وفي الغاشية لَسْتَ عَلَيْهِمْ
[الغاشية: ٢٢] وفي الكافرين لَكُمْ دِينُكُمْ [الكافرين: ٦] نسخ ذلك كلّه:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٦] وكُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [البقرة: ٢١٦].
الباب الثامن في جوامع القراءة، وهو على نوعين: مشهورة، وشاذة.
فالمشهورة القراءات السبع، وهو حرف نافع المدني، وابن كثير المكي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وابن عامر الشامي، وعاصم، وحمزة والكسائي الكوفيين. ويجري مجراهم في الصحة والشهرة: يعقوب الحضرمي بن محيصن، ويزيد بن القعقاع. والشاذة ما سوى ذلك، وإنما سميت شاذة لعدم استقامتها في النقل، وقد تكون فصيحة اللفظ، أو قوية المعنى. ولا يجوز أن يقرأ بحرف إلّا بثلاث شروط: موافقته لمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وموافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات، ونقله نقلا متواترا أو مستفيضا.
واعلم أنّ اختلاف القرّاء على نوعين: أصول، وفرش الحروف.
فأما الفرش: فهو ما لا يرجع إلى أصل مضطرد، ولا قانون كلي، وهو في وجهين:
اختلاف على القراءة باختلاف المعنى، وباتفاق المعنى. وأما الأصول فالاختلاف فيها لا يغير المعنى. وهي ترجع إلى ثمان قواعد: الأولى: الهمزة: وهي في حروف المدّ الثلاث، ويزاد فيها على المدّ الطبيعي بسبب الهمزة والتقاء الساكنين. الثانية وأصله التحقيق ثم قد يحقق على سبعة أوجه: إبدال واو أو ياء أو ألف وتسهيل بين الهمزة والواو، وبين الهمزة والياء، وبين الهمزة والألف، وإسقاط. الثالثة: الإدغام، والإظهار، والأصل الإظهار، ثم يحدث الإدغام في المثلين، أو المتقاربين وفي كلمة، وفي كلمتين، وهو نوعان: إدغام كبير انفرد به أبو عمرو: وهو إدغام المتحرّك. وإدغام صغير لجميع القرّاء: وهو إدغام الساكن. الرابعة: الإمالة، وهي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة. وبالألف نحو الياء، والأصل الفتح، ويوجب الإمالة الكسرة والياء. الخامسة: الترقيق والتفخيم، والحروف على ثلاثة أقسام يفخم في كل حال، وهي حروف الاستعلاء السبعة ومفخم تارة ومرقق أخرى وهي الراء واللام والألف فأما الراء فأصلها التفخيم وترقق للكسر والياء، وأما اللّام فأصلها الترقيق وتفخم لحروف الأطباق وأما الألف فهي تابعة للتفخيم والترقيق لما قبلها، والمرقق على كل حال سائر الحروف. السادسة: الوقف، وهو على ثلاثة أنواع، سكون جائز في الحركات الثلاث وروم في المضموم والمكسور، وإشمام في المضموم خاصة. السابعة:
مراعاة الخط في الوقف. الثامنة: إثبات الياءات وحذفها.
الباب التاسع في الوقف، وهو أربعة أنوع: وقف تام، وحسن، وكاف، وقبيح، وذلك بالنظر إلى الإعراب والمعنى، فإن كان الكلام مفتقرا إلى ما بعده في إعرابه أو معناه، وما بعده مفتقرا إليه كذلك لم يجز إليه الفصل بين كل معمول وعامله، وبين كل ذي خبر وخبره، وبين كل ذي جواب وجوابه، وبين كل ذي موصول وصلته، وإن كان الكلام الأوّل مستقلا يفهم دون الثاني إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله، فالوقف على الأوّل كاف،
راجح، ومرجوح، وباطل، وقد يقف لبيان المراد وإن لم يتم الكلام.
تنبيه
هذا الذي ذكرنا من رعي الإعراب والمعنى في المواقف: استقرّ عليه العمل، وأخذ به شيوخ المقرئين، وكان الأوائل يراعون رؤوس الآيات، فيقفون عندها لأنها في القرآن كالفقر في النثر والقوافي في الشعر، ويؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقطع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم ثم يقف.
الباب العاشر: في الفصاحة والبلاغة وأدوات البيان.
أما الفصاحة فلها خمسة شروط: الأوّل أن تكون الألفاظ عربية لا مما أحدثه المولدون ولا مما غلطت فيه العامّة، الثاني أن تكون من الألفاظ المستعملة لا من الوحشية المستثقلة، الثالث أن تكون العبارة واقعة على المعنى موفية له لا قاصرة عنه، الرابع أن تكون العبارة سهلة سالمة من التعقيد. الخامس: أن يكون الكلام سالما من الحشو الذي لا يحتاج إليه.
وأما البلاغة فهي سياق الكلام على ما يقتضيه الحال والمقال من الإيجاز والإطناب، ومن التهويل والتعظيم والتحقير، ومن التصريح والكناية والإشارة وشبه ذلك، بحيث يهز النفوس ويؤثر في القلوب، ويقود السامع إلى المراد أو يكاد.
وأما أدوات البيان: فهي صناعة البديع، وهو تزيين الكلام كما يزين العلم الثوب، وقد وجدنا في القرآن منها اثنين وعشرين نوعا، ونبهنا على كل نوع في المواضع التي وقع فيها من القرآن وقد ذكرنا هنا أسماءها ونبين معناه:
الأوّل: المجاز: وهو اللفظ المستعمل في غير مواضع له لعلاقة بينهما، وهو اثنا عشر نوعا: التشبيه والاستعارة، والزيادة، والنقصان، وتشبيه المجاور باسم مجاوره، والملابس باسم ملابسه، والكل، وإطلاق اسم الكل على البعض، وعكسه، والتسمية باعتبار ما يستقبل، والتسمية باعتبار ما مضى، وفي هذا خلاف هل هو حقيقة أو مجاز.
واتفق أهل علم اللسان وأهل الأصول على وقوع المجاز في القرآن لأنّ القرآن نزل بلسان العرب وعادة فصحاء العرب استعمال المجاز، ولا وجه لمن منعه لأنّ الواقع منه في القرآن أكثر من أن يحصى.
الثاني: الكناية: وهي العبارة عن الشيء فيما يلازمه من غير تصريح.
الرابع: التمديد: وهو ذكر شيء بعد اندراجه في لفظ عامّ متقدّم، والقصد بالتجديد تعظيم المجدّد ذكره أو تحقيره، أو رفع الاحتمال.
الخامس: الاعتراض: وهو إدراج كلام بين شيئين متلازمين: كالخبر والمخبر عنه، والصفة والموصوف، والمعطوف والمعطوف عليه، وإدخاله في أثناء كلام متصل. والقصد به تأكيد الكلام الذي أدرج فيه.
السادس: التجنيس: وهو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى، ثم الاتفاق قد يكون في الحروف والصيغة، أو في الحروف خاصة، أو في أكثر الحروف لا في جميعها، أو في الخط لا في اللفظ، وهو تجنيس التصحيف.
السابع: الطباق: وهو ذكر الأشياء المتضادّة كالسواد والبياض والحياة والموت، والليل والنهار، وشبه ذلك.
الثامن: المقابلة، وهو أن يجمع بين شيئين فصاعدا ثم يقابلهما بأشياء أخر.
التاسع: المشاكلة: وهي أن تذكر الشيء بلفظ آخر لوقوعه في صحبته.
العاشر: الترديد: وهو ردّ الكلام على آخره ويسمى في الشعر ردّ العجز على الصدر.
الحادي عشر: لزوم ما لا يلزم: وهو أن يلتزم قبل حروف الرويّ حرفا آخر، وكذلك عند رؤوس الآيات.
الثاني عشر: القلب: وهو أن يكون الكلام يصلح ابتداء قراءته من أوّله وآخره نحو دعد أو تعكس كلماته فتقدّم المؤخر منها وتؤخر المقدّم.
الثالث عشر: التقسيم: وهو أن تقسم المذكور إلى أنواعه أو أجزائه.
الرابع عشر: التتميم: وهو أن تزيد في الكلام ما يوضحه ويؤكده وإن كان مستقلا دون هذه الزيادة.
الخامس عشر: التكرار: وهو أن تضع الظاهر موضع المضمر، فتكرّر الكلمة على وجه التعظيم أو التهويل، أو مدح المذكور أو ذمّه أو للبيان.
السادس عشر: التهكم: وهو إخراج الكلام عن مقتضاه استهزاء بالمخاطب أو بالخبر، كذلك البشارة في موضع النذارة.
السابع عشر: اللف والنشر وهو أن تلف في الذكر شيئين فأكثر، ثم تذكر متعلقات بها، وفيه طريقتان: أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالأوّل، وأن تبدأ بالآخر.
الثامن عشر: الجمع: وهو أن تجمع بين شيئين فأكثر في خبر واحد، وفي صف واحد وشبه ذلك.
التاسع عشر: الترصيع: وهو أن تكون الألفاظ في آخر الكلام مستوفية الوزن، أو متقاربة مع الألفاظ التي في أوّله.
العشرون: التشجيع: وهو أن يكون كلمات الآي على رويّ واحد.
الحادي والعشرون: الاستطراد: وهو أن يتطرّق من كلام إلى كلام آخر بوجه يصل ما
الثاني والعشرون: المبالغة: وقد تكون بصيغة الكلمة نحو صيغة فعال ومفعال وقد تكون بالمبالغة في الإخبار أو الوصف، فإن اشتدّت المبالغة فهو غلوّ وإغراب. وذلك مستكره عند أهل هذا الشأن.
الباب الحادي عشر: في إعجاز القرآن وإقامة الدليل على أنه من عند الله عز وجل، ويدل على ذاك عشرة أوجه:
الأوّل: فصاحته التي امتاز بها عن كلام المخلوقين. الثاني: نظمه العجيب وأسلوبه الغريب من قواطع آياته وفواصل كلماته. الثالث: عجز المخلوقين في زمان نزوله وبعد ذلك إلى الآن عن الإتيان بمثله. الرابع: ما أخبر فيه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ولم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعلم ذلك ولا قرأه في كتاب. الخامس: ما أخبر فيه من الغيوب المستقبلة فوقعت على حسب ما قال. السادس: ما فيه من التعريف بالباري جل جلاله. وذكر صفاته وأسمائه، وما يجوز عليه. وما يستحيل عليه، ودعوة الخلق إلى عبادته وتوحيده، وإقامة البراهين القاطعة، والحجج الواضحة، والردّ على أصناف الكفار، وذلك كله يعلم بالضرورة أنه لا يصل إليه بشر من تلقاء نفسه، بل بوحي من العليم الخبير، ولا يشك عاقل في صدق من عرف الله تلك المعرفة وعظم جلاله ذلك التعظيم ودعا عباد الله إلى صراطه المستقيم. السابع: ما شرع فيه من الأحكام وبين من الحلال والحرام، وهدى إليه من مصالح الدنيا والآخرة، وأرشد إليه من مكارم الأخلاق، وذلك غاية الحكمة وثمرة العلوم. الثامن: كونه محفوظا عن الزيادة والنقصان، محروسا عن التغيير والتبديل على طول الزمان، بخلاف سائر الكتب. التاسع: تيسيره للحفظ وذلك معلوم بالمعاينة. العاشر:
كونه لا يمله قارئه ولا سامعه على كثرة الترديد، بخلاف سائر الكلام.
الباب الثاني عشر: في فضل القرآن. وإنما نذكر منه ما ورد في الحديث الصحيح، فمن ذلك ما ورد عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» «١» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه ويتعتع به وهو عليه شاق فله أجران» «٢» وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها
(٢). متفق عليه نقلا عن النووي.
«يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم. قلت: الله لا إله إلّا هو الحي القيوم. فضرب في صدري، وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر» «٨» وعن النوّاس بن سمعان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران- وضرب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال ما نسيتهما بعد- قال وإنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجّان عن صاحبهما» «٩» وعن أبي الدرداء أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من الدجال» «١٠» وعن أبي الدرداء أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» «١١» وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تر آيات أنزلت عليّ لم ير مثلهنّ قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس» «١٢».
(٢). رواه أحمد في مسنده ص ٥٢٢/ ١.
(٣). رواه البخاري عن رياض الصالحين.
(٤). رواه مسلم عن عمر بن الخطاب عن رياض الصالحين.
(٥). رواه مسلم نقلا عن رياض الصالحين. [.....]
(٦). رواه أحمد ٥/ ٣١٤.
(٧). رواه مسلم ص ٥٣٩/ ١ من كتاب صلاة المسافرين.
(٨). رواه مسلم ص ٥٥٦/ ١.
(٩). رواه مسلم ص ٥٥٤/ ١.
(١٠). رواه مسلم.
(١١) رواه مسلم ص ٥٥٦/ ١.
(١٢) رواه مسلم ص ٥٥٨/ ١.
في تفسير معاني اللغات
نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء والأفعال والحروف، وإنما جمعناها في هذا الباب لثلاثة فوائد: أحدها:
تفسيرها للحفظ فإنها وقعت في القرآن متفرّقة فجمعها أسهل لحفظها، والثانية:
ليكون هذا الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير لما أن تآليف القرآن جمعت فيها الأصول المطردة والكثيرة الدور، والثالثة:
الاقتصار فنستغني بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها من القرآن خوف التطويل بتكرارها، وربما نبهنا على بعضها للحاجة إلى ذلك، ورتبناها في هذا الكتاب على حروف المعجم، فمن لم يجد تفسير كلمة في موضعها من القرآن: فلينظر في هذا الباب، واعتبرنا في هذه الحروف: الحرف الذي يكون فاء الكلمة وهو الأصلي دون الحروف الزائدة في أوّل الكلمات.
حرف الهمزة
آية لها معنيان أحدهما: علامة وبرهان والثاني: آية من القرآن، وهي كلام متصل إلى الفاصلة، والفواصل هي رؤوس الآيات أتى بقصر الهمزة معناه جاء، ومضارعه يأتي، ومصدره إتيان، واسم الفاعل منه آت، واسم المفعول منه مأتي، ومنه قوله تعالى آتى بمدّ الهمزة معناه أعطى، ومضارعه يؤتي، واسم الفاعل مؤت، ومنه والمؤتون الزكاة أبى يأبى أي امتنع أثر الشيء بقيته وأمارته، وجمعه آثار والأثر أيضا الحديث، وأثارة من علم بقية، وأثاروا الأرض حرثوها وأثر الرجل الشيء يؤثره فضّله إثم ذنب، ومنه آثم وأثيم أي مذنب أجر ثواب وبمعنى الأجرة، ومنه استأجره وعلى أن تأجرني، وأما استجارك فأجره ويجركم من عذاب أليم، ومن يجيرني من الله، وهو يجير ولا يجار عليه: فذلك كله من الجوار بمعنى التأمين آمن إيمانا أي صدق، والإيمان في اللغة التصديق مطلقا، وفي الشرع التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والمؤمن في الشرع المصدّق بهذه الأمور، والمؤمن اسم الله تعالى: أي المصدّق لنفسه وقيل إنه من الأمن: أي يؤمن أوليائه من عذابه، وأمن بقصر الهمزة وكسر الميم أمنا وأمانة: ضدّ الخوف وأمن من الأمانة، وأمّن غيره من التأمين أليم مؤلم أي موجع ومنه تألمون إمام له أربعة معان: القدوة والكتاب، والطريق، وجمع أمّ أي تابع، وهي للمتقين إماما أمّة لها أربعة معان: الجماعة من الناس، والدين والحين، والإمام أي القدوة أميّ لا يقرأ ولا يكتب، ولذلك وصف العرب بالأميين أم لها معنيان الوالدة،
وقته، وجمعه إنا ومنه آناء الليل أمر له معنيان: أحدهما: طلب الفعل على الوجوب أو الندب أو الإباحة، وقد تأتي صفة الأمر لغير الطلب، والتهديد، والتعجيز، والتعجب والخبر، والثاني: بمعنى الشأن والصفة، وقد يراد به العذاب، ومنه جاء أمرنا إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وهو والد الأسباط واليهود ذريتهم إياب رجوع ومنه مآب أي مرجع، ورجل أوّاب كثير الرجوع إلى الله، والتأويب التسبيح، «يا جبال أوّبي» [سبأ:
١٠] إفك أشدّ الكذب، والأفاك:
الكذاب، وأفك الرجل عن الشيء: أي صرف عنه، ومنه تؤفكون أوى الرجل إلى الموضع بالقصر، وآواه غيره بالمدّ، ومنه المأوى أف كلمة شر آلاء الله نعمه، ومنه آلاء ربكما أسف له معنيان: الحزن، والغضب، ومنه: فلما آسفونا أسوة بكسر الهمزة وضمها قدوة أسى الرجل يأسى أسا: أي حزن، ومنه: فلا تأس، وكيف آسى أذان بالقصر إعلام بالشيء ومنه الأذان بالصلاة، والآذان بالمدّ: جمع أذن إذن الله بمعنى العلم والإرادة والإباحة، وأذنت بالشيء أعلمت به بكسر الذال، وآذنت به غيري بالمدّ إصر له معنيان، الذنب، والعهد. وأصرّ على الذنب يصرّ إصرارا:
دام عليه ولم يتب منه. أيد أي قوّة، ومنه أيدناه، وبنيناها بأيد، والأيدي جمع يد، فهمزتها زائدة أكل بضم الهمزة اسم المأكول، ويجوز فيه ضم الهمزة وإسكانها، والأكل بضم الهمزة المصدر أيلة غيضة أثاث متاع البيت أجاج مرّ أرائك أسرّة واحدها أريكة آنية له معنيان أحدهما: جمع إناء، ومنه: آنية من فضة، وشديدة الحر، ومنه:
عين آنية، ووزن الأولى أفعلة، والثانية فاعلة ومذكرها آن أحد له معنيان واحد، ومنه: الله أحد واسم جنس بمعنى إنسان أيّان معناه متى أنى بمعنى كيف ومتى وأين للحصر إن المكسورة المخففة أربعة أنواع شرطية ونافية وزائدة ومخففة من الثقيلة أن المفتوحة المخففة أربعة أنواع مصدرية وزائدة ومخففة من الثقيلة وعبارة عن القول إنما نوعان ظرف زمان مستقبل ومعناها الشرط وقد تخلو عن الشرط ومجانبة إذا لها معنيان: ظرف زمان ماضي وسببية للتقليل أو العاطفة لها خمسة معان:
الشك، والإبهام، والإباحة، والتخيير، والناصبة للفعل بمعنى إلى أو إلّا أم استفهامية وقد يكون فيها معنى الإنكار والإضراب وتكون متصلة للمعادلة بين ما قبلها وما بعدها ومنفصلة مما قبلها إما المكسورة المشدّدة للتنويع، والشك والتخيير، وقد تكون مركبة من إن الشرطية وما الزائدة إلّا المفتوحة المشدّدة أداة استثناء وتكون للإيجاب بعد غير الواجب، وتكون مركبة من إن الشرطية ولا النافية أيّ المشدّدة سبعة أنواع: شرطية، واستفهامية وموصولة، ومنادى، وصفة، وظرفية إذا أضيفت إلى ظرف، ومصدرية إذا أضيفت إلى مصدر إي المكسورة المخففة ومعناها التصديق إلى معناه انتهاء الغاية، وقيل تكون بمعنى مع الهمزة للاستفهام، والتقرير، والتوبيخ، والتسوية، وللمتكلم وأملية، وزائدة للبناء) «١».
باري خالق، ومنه البرية أي الخلق بعث له معنيان بعث الرسل وبعث الموتى من القبور بسط الله الرزق وسعه ومعنى قبض وقدر الرزق: أي ضيقه، ومن أسماء الله تعالى: القابض والباسط، وبسطة: زيادة بشّر: من البشارة وهي الإعلام بالخير قبل وروده، وقد يكون للشر إذا ذكر معها، ويجوز في الفعل التشديد والتخفيف، ومنه المبشر والبشير، واستبشر بالشيء فرح به بعد: له معنيان ضدّ القرب والفعل منه بعد بضم العين، والهلاك والفعل منه بكسرها ومنه كما بعدت ثمود بلاء: له معنيان:
العذاب، والاختبار ومنه أيضا ونبلوكم برّ:
له معنيان: الكرامة ومنه برّ الوالدين وأن تبروهم، والتقوى، والجمع لخصال الخير ومنه: البرّ من اتقى، ورجل بارّ وبرّ والجمع أبرار والبرّ من أسماء الله تعالى بات: معروف ومصدره بيات وبيّت الأمر دبّره بالليل بغتة: فجأة بروج: جمع برج وهو الحصن، وبروج السماء منازل الشمس والقمر بين: ظرف وبين يدي الشيء ما تقدّم قبله، والبين الفراق والاجتماع لأنه من الأضداد بينات: براهين من المعجزة وغيرها ومبيّنة من البيان يبين: من البيان وله معنيان: بيّن غير متعد، ومبين لغيره بدا: يبدو بغير همز: ظهر، وأبديته:
أظهرته، والبادي أيضا من البداية، ومنه:
بادون في الإعراب بدأ: بالهمزة من الابتداء ويقال بدأ الخلق وأبدأه، وقد جاء القرآن بالوجهين بغي: له معنيان: العدوان على الناس، والحسد، والبغاء بكسر الباء:
الزنا، ومنه: امرأة بغيّ أي زانية، وابتغاء الشيء وبغاه: أي طلبه بثّ: الحديث وغيره نشره، والمبثوث: المنتشر، مبثوثة متفرقة، والبثّ: الحزن الشديد، ومنه أشكو بثي بوّأ: أنزل الرجل ومنه: بوّأكم في الأرض، ولنبوأنهم، ومبوّأ بوار: هلك، ومنه قوما بورا أي هلكى باء: بالشيء رجع به، وقد يقال بمعنى اعترف بأساء: الفقر والبؤس والشدّة والمحنة، والبائس: الفقير من البؤس، والبأس: القتال والشجاعة، والمكروه، وبأس الله عذابه وبئس كلمة ذمّ برزخ: شيء بين شيئين، والبرزخ ما بين الموت والقيامة بديع: له معنيان جميل، ومبدع أي خالق الشيء ابتداء بسر: عبس ومنه: باسرة بصير: من أبصر، يقال:
أبصرته وبصرته، والبصائر: البراهين جمع بصيرة برز: ظهر ومنه: بارزة وبارزون بطش: أخذ بشدّة بخس: نقص بعل: له معنيان زوج المرأة وجمعه بعولة، والبعل أيضا: الرب، وقيل اسم صنم، ومنه:
أتدعون بعلا بهجة: حسن، وبهيج حسن مبلسون جمع مبلس وهو البائس، وقيل:
الساكت الذي انقطعت حجته، وقيل:
الحزين النادم، منه يبلس ومنه اشتق إبليس بهت: انقطعت حجته تبارك: من البركة، وهي الكثرة والنماء، وقيل: تقدّس بلى:
جواب يقتضي إثبات الشيء بل: معناها الإضراب عما قبلها الباء: للإلصاق، ولنقل الفعل في التعدّي، وللقسم، وللتعليل، وللمصاحبة، وللاستعانة، وظرفية وزائدة.
حرف التاء
تلا يتلو: له معنيان: قرأ، واتبع تقوى:
مصدر مشتق من الوقاية فالتاء بدل من الواو معناه: الخوف والتزام طاعة الله وترك معاصيه، فهو جامع لكل خير تاب:
كثير التوبة، وتوّاب: اسم الله تعالى: أي كثير التوبة على عباده، وتاب الله على العبد: ألهمه التوبة وقبل توبته تباب:
خسران، وتب: خسر تبار: هلاك، ومنه متبرّ أترفوا: أنعموا، والمترفون: المنعمون في الدنيا.
حرف الثاء
ثمود قبيلة من العرب الأقدمين ثوى:
في الموضع: أقام فيه ومنه مثوى ثبور:
هلاك، ومنه: دعوا هنالك ثبورا أي صاحوا هلاكا ثمر: ما يؤكل مما تنبت الأرض ويقال بالفتح والضم ثقفوا: أخذوا وظفر بهم، ومنه: فإمّا تثقفنّهم في الحرب ثاقب: مضيء ثم: بالفتح ظرف، وبالضم حرف عطف يقتضي الترتيب والمهلة، وقد يرد لغير الترتيب، كالتأكيد، وترتيب الأخبار.
حرف الجيم
جعل له أربعة معان: صيّر، وألقى، وخلق، وأنشأ يفعل كذا جناح: الطائر:
معروف وجناح الإنسان إبطه، ومنه:
اضمم إليك جناحك، ولا جناح: لا إثم فمعناه الإباحة، وجنح للشيء مال إليه لا جرم: لا بد اجتبى: أختار جدال: مخالفة ومخاصمة واحتجاج تجأرون: تصيحون بالدعاء جواري: جمع جارية وهي السفينة أجرم: فهو مجرم، له معنيان: الكفر، والعصيان جنة: الجنون، وقد جاء بمعنى الملائكة جانّ: له معنيان: الجن والحية الصغيرة جنة: بالفتح البستان، وبالكسر الجنون، وبالضم الترس وما أشبهه مما يستتر به، ومنه استعير: أيمانهم جنة جاثية: أي على ركبهم لا يستطيعون مما هم فيه وقوله جثيا جمع جاث الجرز:
الأرض التي لا نبات فيها جاثمين: باركين على ركبهم جبار: اسم الله تعالى له معنيان: قهار، ومتكبر. وقد يكون من الجبر للكسير وشبهه، والجبار أيضا الظالم أجداث: قبور جزى: له معنيان من الجزاء بالخير والشر وبمعنى أغنى، ومنه: لا تجزي نفس. وأما أجزأ بالهمز فمعناه:
كفى جرح: له معنيان من الجروح وبمعنى الكسب والعمل، ومنه: جرحتم بالنهار، واجترحوا السيئات. ولذلك سميت كلاب الصيد: جوارح لأنها كواسب لأهلها جنب: له معنيان: من الجنابة وبمعنى البعد. ومنه: عن جنب.
حرف الحاء
حمد هو الثناء، سواء كان جزاء على نعمة أو ابتداء، والشكر إنما يكون جزاء، فالحمد من هذا الوجه أعم، والشكر باللسان والقلب والجوارح، ولا يكون الحمد إلّا باللسان، فالشكر من هذا الوجه أعم حميد: اسم الله تعالى أي بمعنى محمود حكمة: عقل أو علم، وقيل في الكتاب والحكمة هي السنة حكيم: اسم الله من الحكمة، ومن الحكم بين العباد، أو من إحكام الأمور وإتقانها حليم: الحلم: العقل وقد يقال بمعنى العفو، والأحلام العقول، والحليم من أسماء الله تعالى، قيل الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، وقيل:
معناه العفو عن الذنوب، والأحلام ما يرى في النوم حبط: بطل وأحبطه الله أبطله حنيف: مسلم وموحد الله، وقيل حاجّ،
الإسلام والحرّية، والعفاف، والتزوّج وليحصنكم من بأسكم: بغيكم حجة:
بالضم: دليل وبرهان وحاجّ فلان فلانا:
جادله، وحجة عليه: بالحجة، والحج بالفتح والكسر: القصد، ومنه أخذ: حجّ البيت، وحجة بالكسر: سنة، وجمعها حجج حطة: أي حط عنا ذنوبنا، وقيل:
كلمة بالعبرانية تفسيرها لا إله إلّا الله حضر: بالضاد من الحضور، ومنه محضرون، وشرب محتضر، وبالظاء: من المنع، ومنه: وما كان عطاء ربك محظورا، وكهشيم المحتظر، وبالذال من الحذر وهو الخوف، ومنه: إنّ عذاب ربك كان محذورا حفظ: العلم: وعيه وحفظ الشيء حراسته، والحفيظ: اسم الله تعالى، قيل معناه العليم، وقيل حافظ الخلق كالئهم من المهالك حاق: بهم أي حل بهم حبل: من الله ومن الناس، أي عهد، وحبل الله القرآن وأصله بالحبل المعروف حسب:
بكسر السين: ظن، مضارعه بالفتح والكسر وحسب بالفتح: من العدد ومضارعه بالضم، ومنه الحساب والحسبان، وحسبانا من السماء: أي مرام، وإحداها: حسبانة حساب: من الظن والعدد، وبغير حساب:
يحتمل الوجهين، وأن يكون من المحاسبة أن لا يحاسب عليه، ومن التقدير: أي بغير تضييق، وعطاء حسابا: أي كافيا حسيب:
اسم الله تعالى، فيه أربعة أقوال: كافي، وعالم، وقادر، ومحاسب حسبك الله: أي كافيك حزن: تأسف على ماض أو حال الخوف ترفع في المستقبل، ويقال حزن بكسر الزاي، وحزنه غيره، وأحزنه أيضا حصير: مجلس من الحصر، وأحصر عن الشيء: حبس عنه، وحسير بالسين: كليل حصيد: هو ما يحصد من الزرع وغيره، واستعير: قائم وحصيد، أي باق وذاهب حميم: له معنيان: الصديق، والماء الحار محيص: مهرب حجر: له أربعة معان:
الحرام، والعقل، ومنازل ثمود، وحجر الكعبة حمل: بكسر الحاء: ما على ظهر الدابة وغيرها، ويستعار للذنوب، وبالفتح:
ما في بطن المرأة، وجمعه أحمال إحسان: له ثلاث معان: فعل الحسنات، والإنعام على الناس، ومراقبة الله تعالى المشار إليها في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» «١» حق: له أربعة معان: الصدق، والعدل في الحكم، والشيء الثابت، والأمر الواجب والحق: اسم الله تعالى: أي الواجب الوجود حاصب: أي ريح شديدة سمّيت بذلك لأنها ترمي بالحصباء أي الحصى، والحاصب أيضا: الحجارة حلية:
حلى حرج: ضيق أو مشقة حول: له معنيان: العام، والحيلة، وحولا بكسر الحاء: انتقالا حرث: الأرض مصدر، ثم استعمل بمعنى الأرض والزرع والجنات حس: بغير ألف قتل ومنه: إذ تحسونهم، وأحس من الحس حرم: بضمتين محرمون بالحج حقب: بضمتين، وأحقاب جمع حقب، وهو مدّة من الدهر يقال إنه:
حرف الخاء
خلق له معنيان: من الخلقة ومن الخالق اسم الله، وكذا الخلاق. وخلّق الرجل:
كذب ومنه: تخلقون إفكا. واختلاق: أي كذب خلاق: نصيب خير: ضدّ الشر، وله أربعة معان: العمل الصالح والمال، والخيرة، والتفضيل بين شيئين خلا: له معنيان: من الخلوة، وبمعنى ذهب ومنه: أمّة قد خلت خطيئة: ذنب، وجمعه خطايا وخطيات، والفعل منه خطىء فهو خاطئ، وأما الخطأ بغير عمد فالفعل منه:
أخطأ خاسئين: مطرودين من قولك:
خسأت الكلب ومنه: اخسئوا فيها خلف:
بفتح الخاء وإسكان اللام، وله معنيان وراء، ومن خلف خلفه: بشر، فإذا خلفه بخير قيل بفتح اللام خلاف: له معنيان من المخالفة، وبمعنى بعد، أو دون، ومنه:
بمقعدهم خلاف رسول الله خوّل: أعطى خلة: بضم الخاء: مودّة، ومنه الخليل، وجمعه أخلّاء خلال: له معنيان: وداد، ومنه: لا بيع فيه ولا خلال، وبمعنى:
بين، ومنه: خلال الديار، وخلالكم خرّ:
يخرّ سقط على وجهه خامدون: هالكون، وأصله: من خمود النار خطب: الخطب:
سبب الأمر والخطب أيضا الأمر العظيم.
وخطبة النساء بالكسر، وخطبة الخطيب بالضم يخرصون: يكذبون، ومنه:
يخرصون والخرص أيضا: التقدير وقيل:
يخرصون منه: أي يقولون بالظن من غير تحقيق خوّان: كثير الخيانة مختال: من الخيلاء مخمصة: من الخمص وهو الجوع أخدان: جمع خدن وهو الخليل خراج: وخرج: أي أجرة وعطية.
حرف الدال
دين له خمسة معان: الملة، والعادة، والجزاء، والحساب، والقهر دأب: له معنيان: عادة، وجدّ، وملازمة، ومنه:
سبع سنين دأبا: متتابعة للزراعة من قولك:
دأبت على الشيء: دمت عليه أدنى: له معنيان: أقرب من الدنوّ، وأقل فهو من:
الداني، الحقير دار السلام: الجنة دوائر:
صروف الدهر، واحدها دائرة، ومنه دائرة السّوء دعاء: له خمسة معان: الطلب من الله، والعبادة، ومنه: تدعون من دون الله، والتمني: ولهم فيها ما يدّعون، والنداء:
ادعوا شهداءكم، والدعوة إلى الشيء: ادع إلى سبيل ربك دابة: كل ما يدب فيجمع جميع الحيوان دحور: إبعاد، ومنه المدحور: المطرود دعّ: بتشديد العين، يدعّ: أي دفع بعنف، ومنه يدّع اليتيم، ويدّعون إلى نار جهنم دعا درأ: دفع، ومنه يدرؤون مدرارا: من: درّ المطر، إذا صب داخرين: صاغرين دكّت: الأرض: أي:
دقت جبالها حتى استوت مع وجه الأرض ومنه: جعله دكّا: أي مستويا مع الأرض.
حرف الذال
ذكر له أربعة معان: ضد النسيان،
أي نصيبا من العذاب، والذنوب أيضا:
الدلو ذبح: بكسر الذال: المذبوح، وبالفتح: المصدر ذرأ: خلق ونشر ذلول:
مذللة للعمل من الفك «١» ومنه: ذللناهم لهم، ورجل ذلول: من الذل بالضم، وذللت قطوفها أدنيت أذقان: جمع ذقن.
حرف الراء
ربّ له أربعة معان: الإله، والسيد، والمالك الشيء، والمصلح للأمر ريب:
شك، ومنه: ارتابوا. ومريب، وريب المنون: حوادث الدهر رجع: يستعمل متعديا بمعنى ردّ وغير متعد، والمرجع:
اسم مصدر أو زمان أو مكان من الرجوع رعى: له معنيان: من النظر، ومن رعي الغنم روح: له أربعة معان: للنفس التي بها الحياة: يسألونك عن الروح، والوحي:
ينزّل الملائكة بالروح، وجبريل: نزل به الروح الأمين، وملك عظيم: تنزّل الملائكة والروح، وروح بفتح الراء: رائحة طيبة، والريحان: الرزق، وقيل الشجر المعروف ركام: بعضه فوق بعض، ومنه مركوم، ويركمه رجا: طمع وقد يستعمل في الخوف، ومنه لا يرجون لقاءنا رجال:
جمع رجل، وجمع راجل: أي غير راكب، ومنه: يأتوك رجالا، ومثله:
بخيلك ورجلك رفث: له معنيان:
الجماع، والكلام بهذا المعنى رجز:
عذاب: والرجز فاهجر: فهي الأوثان والرجس بالسين: النجس حقيقة، أو مجازا، وقد يستعمل بمعنى العذاب رهب:
خوف، ومنه: يرهبون رؤوف: من الرأفة وهي الرحمة إلّا أنّ الرأفة في دفع المكروه، والرحمة في دفع المكروه وفعل الجميل، فهي أعم من الرأفة مرضاة:
مفعلة من الرضا راسيات: ثابتات، ومنه:
قيل للجبال: رواسي، ومنه: مرساها رغدا: أي كثيرا ربوة: مكان مرتفع ربا:
هو في اللغة الزيادة، ومنه: ويربي الصدقات، وربت الأرض: انفتحت أرحام: جمع رحم، وهو فرج المرأة «٢» ويستعمل أيضا في القرابة أرجئه: أخره، ومنه: ترجي ويرجون، ويجوز فيه الهمز وتركه رأى: من رؤية العين يتعدّى إلى واحد، ومن رؤية القلب بمعنى العلم:
يتعدّى إلى مفعولين تربص: انتظر رفات:
فتات. أرذل العمر: الهرم، والأرذلون:
من الرذالة رقي: من الرقية بفتح القاف، ومنه: وقيل من راق، ورقي في السلم بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل أرداكم: أهلككم، والردى الهلاك، ومنه:
تردين، وتردى رجفة: زلزلة وشدّة.
حرف الزاي
زبر بضمتين ككتب، والزبور: كتاب داود عليه السلام زخرف: زينة، والزخرف أيضا: الذهب زكاة: له في اللغة معنيان:
الزكاة، والطهارة، ثم استعمله الشرع في
(٢). بل الصواب هو مقر الجنين في أسفل بطن المرأة.
زلّ القدم عن الموضع، وفعل الزلل زاغ:
عن الشيء زيغا: مال عنه، وأزاغه غيره:
أماله زلفى: قربى، وأزلفت: قربت، وزلفا من الليل: ساعات زعم: أي ادّعى، ولم يوافقه غيره، قال ابن عباس: زعم كناية عن كذب زعيم: ضامن تزجي: تسوق زلزلة الأرض: اهتزازها، وتستعمل بمعنى الشدّة والخوف، ومنه: زلزلوا زجرة واحدة: صيحة بمعنى نفخة الصور، والزجرة: الصيحة بشدّة وانتهار، وازدجر: من الزجر.
حرف السين
أسباط جمع سبط وهم ذرية يعقوب عليه السلام كان له اثنا عشر ولدا ذكرا، فأعقب كل واحد منهم عقبا. والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب سبيل: هو الطريق، وجمعه سبل، ثم استعمل في طريق الخير والشر، وسبيل الله: الجهاد. وابن السبيل، الضيف وقيل القريب سوّى:
بالتشديد له معنيان: من التسوية بين الأشياء وجعلها سواء، وبمعنى أتقن وأحسن، ومنه: فسوّاك فعدلك سواء: بالفتح والهمز من التسوية بين الأشياء، وسواء الجحيم:
وسطها، وسواء الصراط قصد الطريق سوى: بالكسر والضم مع ترك الهمزة استثناء، وقد يكون من التسوية سفهاء: جمع سفيه وهو الناقص العقل، وأصل السّفه:
الحمق ولذلك قيل لمبذر المال: سفيه، وللكفار والمنافقين: سفهاء سلوى: طائر يشبه السماني، وكان ينزل على بني إسرائيل مع المنّ سأل: له معنيان طلب الشيء، والاستفهام عنه، وسال بغير همز: من المعنيين المذكورين، ومن السيل سبحان:
تنزيه، وسبحان الله: أي نزهته عما لا يليق به من الصاحبة والولد والشركاء والأنداد وصفات الحدوث وجميع العيوب والنقائص سار: يسير مشى ليلا أو نهارا سرى يسري:
مشي ليلا، ويقال أيضا: أسرى بألف سخر:
يسخر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع: أي استهزأ، وسخر بالتشديد من التسخير سخريّا: بضم السين من السخرة وهي تكليف الأعمال، وبالكسر من الاستهزاء سلطان: له معنيان البرهان، والقوة، ومنه: لا تنفذون إلا بسلطان. سام يسوم: أي كلف الأمر وألزمه ومنه يسومونكم سوء العذاب وأصله من سوم السلعة في البيع سئم: يسأم: أي ملّ، ومنه:
وهم لا يسأمون سنة: أي عادة سلف:
الأمر: أي تقدّم، وأسلفه الرجل: أي قدّمه، ومنه: هنيئا بما أسلفتم سرّاء: فعلاء من:
السرور سارع: إلى الشيء: بادر إليه سوءة:
عورة، والسوء: ما يسوء بالفتح والضم، والسوأى: فعلاء من السوء، وسيء بهم:
فعل بهم السوء سنة: بفتح السين: عام، ولامها محذوفة وجمعها سنون وقد تقال بمعنى الحفظ «١» والجدب سنة: بكسر
سلوك الطريق، أسفار جمع سفر بفتحتين وجمع سفر وهو الكتاب. ساح يسيح فسيحوا في الأرض. والسائحون: الصائمون سوّل: بتشديد الواو: زيّن، ومنه: سوّلت لكم أنفسكم أمرا سرابيل: جمع سربال وهو القميص سبأ: قبيلة من العرب سموم: شدّة الحر سلام: له ثلاثة معان: التحية، والسلامة، والقول الحسن، ومنه: إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما سلام: اسم الله تعالى معناه: السلامة من كل نقص، فهو من أسماء التنزيه، وقيل: سلّم العباد من المهالك، وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنة سلّم: بفتحتين: انقياد وإلقاء باليد، وهو أيضا: بيع سلّم: بفتح السين وإسكان اللام: صلح ومهادنة سلّم: بكسر السين وإسكان اللام ومعناه الإسلام، وبضم السين وفتح اللام مشدّدة: هو الذي يصعد فيه أسلم يسلم له ثلاث معان: الدخول في الإسلام، والإخلاص لله، والانقياد، ومنه: فلما أسلما سعى يسعى، له ثلاث معان: عمل عملا، ومنه: وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى، ومشى، ومنه: فاسعوا إلى ذكر الله، وأسرع في مشيه، ومنه: رجل يسعى سكن يسكن له معنيان: من السكون ضد الحركة، ومن السكنى في الموضع سكينة: وقار وطمأنينة سائغ: سهل الشرب لا يغصّ به من شربه سابغات: دروع واسعات أساطير الأوّلين:
ما كتبه المتقدّمون مسيطر: أي مسلط، وأم هم المسيطرون: الأرباب سندس: وإستبرق: ثياب حرير، قيل: السندس رقيق الديباج، والإستبرق: صفيقه سحقا: بعدا، ومنه مكان سحيق: أي بعيد سعير: جهنم، وسعرت: أوقدت سبب: وجمعه أسباب له خمسة معان: الحبل، ومنه: فليمدد بسبب إلى السماء، والاستعارة من الحبل في المودّة والقرابة، ومنه: وتقطعت بهم الأسباب، والطريق ومنه: فأتبع سببا، والباب ومنه:
أسباب السموات، وسبب الأمر: موجبه.
حرف الشين
شعر بالأمر يشعر: أي علمه، والشعور: العلم من طريق الحس، ومنه:
لا يشعرون شهد يشهد له معنيان: من الشهادة على الشيء، ومن الحضور، ومنه الشهادة في سبيل الله شكرا: قد تقدّم في الحمد والشكر، والشكور: اسم الله المجازي لعباده على أعمالهم بجزيل الثواب، وقيل: المثني على العباد شرى:
أي باع، وقد يكون بمعنى اشترى شقاق:
عداوة ومعاندة، ومنه: ومن يشاقق الله شهاب: كوكب، وقد يطلق على شعلة النار شجر: هو كل ما ينبت في الأرض، وشجر بينهم: أي اختلفوا فيه شنآن: عداوة وشر، ويجوز فيه فتح النون وإسكانها شرع الله الأمر: أي أمر به، والشريعة والشرعة:
الملة، وشرعة الماء: في الدواب «١»، شعائر الله: معالم دينه، واحدها شعيرة أو شعارة شرك: له معنيان: من الإشراك، وهو أيضا النصيب، ومنه: أم لهم شرك
حرف الصاد
صراط هو في اللغة: الطريق ثم استعمل في القرآن بمعنى: الطريقة الدينية، وأصله بالسين ثم قلبت صادا لحرف الإطباق بعدها، وفيه ثلاث لغات: بالصاد، والسين، وبين الصاد والزاي صلاة: إذا كانت من الله فمعناها رحمة، وإذا كانت من المخلوق فلها معنيين: الدعاء، والأفعال المعلومة صوم:
أصله في اللغة: الإمساك مطلقا، ثم استعمل شرعا في الإمساك عن الطعام والشراب، وقد جاء بمعنى الصمت في قوله: إني نذرت للرحمن صوما، لأنه إمساك عن الكلام صدقة: يطلق على الزكاة الواجبة، وعلى التطوّع، ومنه: إن المصدّقين والمصدقات، وأما: «أإنك لمن المصدّقين» بالتخفيف فهو من التصديق صدقة: بضم الدال صداق المرأة، ومنه: وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة.
والصدق في القول: ضدّ الكذب، والصدق في الفعل صدق النية فيه، والصدق في القصد: العزم الصادق صعد يصعد: أي ارتفع، وأصعد بالألف يصعد بالضم: أي أبعد في الهروب، ومنه: إذ تصعدون، صعيدا طيبا: أي ترابا، والصعيد: وجه الأرض صدّ: له معنيان فالمتعدّي بمعنى:
منع غيره من شيء، ومصدره صدّ، ومضارعه بالضم، وغيره بمعنى أعرض ومصدره صدود صار له معنيان: من الانتقال ومنه: تصير الأمور، والمصير، وبمعنى:
ضم، ومضارعه يصور ومنه: فصرّهن إليك صاعقة: له ثلاثة معان: الموت، وكل بلاء يصيب، وقطعة نار تنزل من شدّة الرعد والمطر، وجمعها صواعق صواع: مكيال وهو السقاية والصاع، وسواع بالسين اسم صنم صابئين: قوم يعبدون الملائكة ويقولون: إنها بنات الله. وقيل: إنهم يرون تأثير الكواكب. وفيه لغتان. الهمز وتركه.
من صبأ إلى الشيء: إذا مال إليه تصطلون:
تفتعلون من: صبأ بالنار إذا تسخن بها، والطاء بدل من التاء اصطفى: أي اختار.
وأصله من الصفي. أي اتخذه صفيا صغار:
بفتح الصاد ذلة. ومنه صاغرون. والصغير ضدّ الكبير صدف عن الشيء يصدف أعرض عنه صريخ: مغيث ومنه: ما أنا بمصرخكم صلصال: طين يابس. فإذا مسته النار فهو فخّار صرح: قصر وهو أيضا: البناء العالي.
حرف الضاد
ضرب له أربعة معان: من الضرب باليد وشبهه. ومن ضرب الأمثال. ومن السفر.
ومنه: ضربتم في الأرض. ومن الالتزام.
ومنه: ضربت عليهم الذلة. أي ألزموها، وضربنا على آذانهم: أي ألقينا عليهم النوم.
و «أفنضرب عنكم الذكر» أي نمسك عنكم الذكر ضاعف الشيء: كثّره. ويجوز فيه التشديد وضعف الشيء بكسر الضاد مثلاه، وقيل: مثله. والضعف أيضا: العذاب.
والضعف: بالضم ويجوز فيه الفتح ضرّ بفتح الضاد وضمها بمعنى واحد. وكذلك الضير بالياء. ومنه: لا يضركم كيدهم. والضرّ: ما يصيب من المرض وشبهه ضحى: أوّل النهار. والفعل منه: أضحى. وأما ضحي بكسر الحاء يضحى في المضارع. فمعناه:
برز للشمس وأصابه حرّها. ومنه: لا تظمأ
حرف الطاء
طبع ختم، والخاتم الطابع طول: بفتح الطاء: فضل أو غنى طائر: له معنيان: من الطيران ومن الطيرة طوى: قيل اسم الوادي، وقيل معناه: مرتين، أي قدس الوادي مرتين طهارة: له معنيان: الطهارة بالماء، ومنه:
جنبا فاطّهروا، والماء الطهور، وهو المطهر، والطهارة من القبائح والرذائل، ومنه: أناس يتطهرون. طيّب: له معنيان:
اللذيذ، والحلال طوفان: السيل العظيم طاغوت: أصنام وشياطين، ويكون مفردا أو جمعا، والطاغوت أيضا: رؤوس النصارى على قول طباق: بعضها على بعض، وطبقا عن طبق: حالا بعد حال طور: جبل وهو الطور طفق: يفعل كذا: أي جعل يفعله طائفين: من الطواف، وطائف من الشيطان:
لمم، وقرئ طيف.
حرف الظاء
ظهر الأمر: بدا، وأظهره غيره: أبداه، وظهير: معين ظاهر الرجل من امرأته، وتظاهر، وتظهّر: أي قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، وهو الظاهر ظهر البيت:
أعلاه، وظهرته: أي ارتفعت عليه، ومنه:
فما استطاعوا أن يظهروه ظلم: وقع في القرآن على ثلاثة معان: الكفر، والمعاصي، وظلم الناس: أي التعدي عليهم ظنّ: له ثلاثة معان: التحقيق، وغلبة أحد الاعتقادين، والتهمة ظمئ: عطش ظلال: جمع ظل، وظلل بالضم جمع: ظلة، وهي ما كان من فوقه، وظلّ بالنهار: بمنزلة بات بالليل.
حرف العين
عاذ بالله يعوذ أي: استجار به ليدفع عنه ما يخاف، ويقال أيضا: استعاذ يستعيذ، ومنه عذت بربي، ومعاذ الله العالمين: جمع عالم، وهو عند المتكلمين: كل موجود سوى الله تعالى، وقيل: العالمين: الإنس والجن والملائكة، فجمعه جمع العقلاء، وقيل: الإنس خاصة، لقوله، أتأتون الذكران من العالمين يعمهون: يتحيرون في ضلالهم، والعمه: الحيرة عدل يعدل: ضدّ جار، وعدل عن الحق، عدولا، وعدلت فلانا بفلان: سويت بينهما، ومنه: أو عدل ذلك صياما عزيز: اسم الله تعالى، معناه:
الغالب، وعزّ: غلب، ومنه: وعزّني في الخطاب، والغلبة ترجع إلى القوّة والقدرة، ومنه: فعززنا بثالث: أي قوّينا، وقيل العزيز العديم المثل عفا: له أربعة معان: عفا عن الذنب: أي صفح عنه، وعفا: أسقط حقه، ومنه: إلّا أن يعفون أو يعفو الذي، وعفا القوم: كثروا، ومنه: حتى عفوا، وعفا المنزل: إذا درس عفو: له ثلاث معان، العفو عن الذنب، والإسقاط، والسهل من غير كلفة: ومنه: ماذا ينفقون قل: العفو عين: بكسر العين وإسكان الياء: وهو جمع عيناء عنت: معناه الهلاك أو المشقة، ومنه:
ولو شاء الله لأعنتكم: أي أهلككم، أو ضيّق عليكم، والعنت أيضا: الزنا، ومنه: ذلك لمن خشي العنت منكم، وأمّا: عنت الوجوه: فليس من هذا، لأنّ لامه واو فهو
من العقوبة على الذنب، ومن العقبى، ومنه:
وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم: أي أصبتم عقبا أعجاز نخل:
أصولها، أعجز الشيء: إذا فات ولم يقدر عليه، ومنه: وما هم بمعجزين، وما كان الله ليعجزه من شيء، وأما معاجزين بالألف:
فمعناه مسابقين عال: يعيل عيلة: أي افتقر ومنه: ووجدك عائلا، وعال يعول، عدل عن الحق، وعال يعول أيضا: كثر عياله، والأشهر أن يقال في هذا المعنى: أعال بالألف عرج: يعرج بفتح الراء في الماضي، وضمها في المضارع صعد وارتقى ومنه:
المعارج، وعرج بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل: صار أعرج عتبى: معناه الرضى، ومنه: فما هم من المعتبين، ولا هم يستعتبون، العتاب: العذل أعد: بالألف يعدّ الشيء: هيأه، وعدّ بغير الألف من العدد عرش: سرير الملك، ومنه: ورفع أبويه على العرش، أهكذا عرشك؟ وعرش الله: فوق السماء، وتعرشون: تبنون، وعلى عروشها:
سقوفها عورة: أصل معناه: الانكشاف فيما يكره كشفه، ولذلك قيل: عورة الإنسان عورات، أي: أوقات انكشاف، وبيوتنا عورة: أي خالية معرّضة للسراق عاقر: له معنيان: المرأة العقيم، واسم فاعل من: عقر الحيوان عبر: يعبر، له معنيان: من عبارة الرؤيا ومنه: إن كنتم للرؤيا تعبرون، ومن الجواز على الموضع، ومنه: عابر سبيل عمون: جمع عم، وهو صفة على وزن فعل بكسر العين من العمى في البصر أو في البصيرة علا يعلو: تكبر، ومنه: قوما عالين، وعلا في الأرض، والعليّ اسم الله، والمتعالي، والأعلى: من العلوّ بمعنى الجلال والعظمة، وقيل: بمعنى التنزيه عما لا يليق به عزب الشيء: غاب، ومنه: لا يعزب عن ربك: أي لا يخفى عنه عصبة:
جماعة من العشرة إلى الأربعين علقة: واحدة العلق: وهو الدم عاصف: ريح شديدة عصف: ورق الزرع.
حرف الغين
غشاوة غطاء إما حقيقة أو مجازا غمام:
هو السحاب غلف: جمع أغلف، وهو كل شيء جعلته في غلاف: أي قلوبنا محجوبة غرفة: بضم الغين لها معنيان: المسكن المرتفع، والغرفة من الماء بالضم وبالفتح:
المرة الواحدة غادر: ترك، ومنه: لم نغادر غلّ يغل: من الغلول، وهو الخيانة، والأخذ من المغنم بغير حق، والغلّ: الحقد أغلال:
جمع غل بالضم، وهو ما بجعل في العنق، ومنه: مغلولة غلا يغلو من الغلو وهو مجاوزة الحد والإفراط، ومنه: لا تغلوا في دينكم أي: لا تجاوزوا الحدّ غائط: المكان المنخفض، ثم استعمل في حاجة الإنسان غشي الأمر يغشى بالكسر في الماضي والفتح في المضارع معناه: غطى حسّا ومعنى، ومنه: والليل إذا يغشى لأنه يغطي بظلامه، وينقل بالهمزة والتشديد، فيقال غشّى وأغشى: ومن فوقهم غواش يعني ما يغشاهم من العذاب أو يصيبهم، ومنه: غاشية من عذاب الله، والغاشية أيضا: القيامة لأنها تغشى الخلق غبر له معنيان: ذهب وبقي، ومنه: عجوزا في الغابرين: أي في الهالكين أو في الباقين في العذاب غرور: بضم الغين.
وتغيض الأرحام. وغاظ بالظاء يغيظ من:
الغيظ غور: غاير من غار الماء إذا ذهب غرام: عذاب ومنه: إنا لمغرمون، والمغرم:
غرم المال ومنه: من مغرم مثقلون.
حرف الفاء
فرقان مفرّق بين الحق الباطل. ومنه:
يجعل لكم فرقانا: أي تفرقة. لذلك سمي القرآن بالفرقان فئة جماعة من الناس فصال فطام من الرضاع فضل له معنيان: الإحسان.
والربح في التجارة وغيرها. ومنه: يبتغون من فضل الله فسق أصله الخروج وتارة يرد بمعنى الكفر. وتارة بمعنى العصيان فتنة لها ثلاثة معان: الكفر. والاختبار. والتعذيب فاء يفيء أي رجع فلك بضم الفاء: سفينة.
ويستوي فيه المفرد والجمع فلك بفتحتين:
القطب الذي تدور به الكواكب فزع له معنيان: الخوف من الإسراع. ومنه: إذا فزعوا فلا فوت فرح له معنيان: السرور والبطر فاحشة وفحشاء: هي كل ما يقبح ذكره من المعاصي فرض له معنيان:
الوجوب. والتقدير فتح له معنيان: فتح الأبواب. ومنه: فتح البلاد وشبهها.
والحكم ومنه: افتح بيننا وبين قومنا. ويقال للقاضي: فاتح. واسم الله الفتاح، قيل:
الحاكم. وقيل: خالق الفتح والنصر انفضوا تفرقوا فطره خلقه ابتداء. ومنه: فاطر السموات والأرض. وفطرة الله: التي خلق الخلق عليها. وأفطر بالألف: من الطعام فطور شقوق. ومنه انفطرت أي: انشقت.
ويتفطّرن فجّ طريق واسع وجمعه: فجاج فار التنور يقال: لكل شيء هاج وعلا حتى فاض. ومنه: وهي تفور. وقولهم: فارت القدر فوج جماعة من الناس وجمعه: أفواج فاكهين من التلذذ بالفاكهة أو من الفكهة وهي السرور واللهو فؤاد هو القلب، وجمعه أفئدة استفز يستفز: أي استخف فقه فهم. ومنه:
لا يفقهون. وما نفقه كثيرا في حرف جر بمعنى الظرفية. وقد تكون للتعليل. وقد تكون بمعنى مع. وقيل: بمعنى على الفاء لها ثلاثة أنواع: عاطفة. ورابطة. وناصبة للفعل بإضمار أن. ومعناها: الترتيب والتعقيب والسبب.
حرف القاف
قرآن القرآن العزيز. ومصدره قرأ: أي تلا. ومنه: إنّ علينا جمعه وقرآنه قنوت له خمسة معان: العبادة، والطاعة والقيام في الصلاة، والدعاء، والسكوت قضاء له سبعة معان: الحكم. والأمر. والقدر السابق.
وفعل الشيء، والفراغ منه، والموت، والإعلام بالشيء، ومنه: قضينا إليه ذلك الأمر قدر له خمسة معان: من القدرة، ومن التقدير، ومن المقدار، ومن القدر، والقضاء، وبمعنى التضييق نحو: فقدر عليه رزقه، وقد يشدّ الفعل ويخفف. والقدر بفتح الدال وإسكانها القضاء والمقدار وبالفتح لا غير من القضاء قام له معنيان: من القيام على الرجلين، ومن القيام بالأمر بتقديره وإصلاحه، ومنه: الرجال قوّامون على النساء، وقام الأمر: ظهر واستقام، ومنه:
الدين القيّم دينا قيّما له ثلاثة معان: أقام الرجل غيره من القيام، ومن التقويم ومنه:
جدارا يريد أن ينقض فأقامه، وأقام في
له معنيان: مصدر قام على اختلاف معانيه، وبمعنى قوام الأمر وملاكه، وقيم بغير ألف:
جمع قيمة قرض سلف والفعل منه أقرض يقرض أقسط بألف قسطا: عدلا في الحكم، ومنه يحب المقسطين، وقسط بغير ألف:
جار، ومنه: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا مقاليد فيه قولان: خزائن، مفاتح قدّس يقدس من التنزيه والطهارة، وقيل من التعظيم، والقدوس: اسم الله تعالى فعول من النزاهة عما لا يليق به قال يقول من القول، وقد يكون بمعنى الظن ومصدره قول، وقال يقيل: من القائلة، ومنه أو هم قائلون، وأحسن مقيلا قفّى أتبع، وأصله من القفا، يقال: أقفوته، إذا حبيت «١» في أثره وقفّيته بالتشديد إذا سقت شيئا في أثره، ومنه: وقفينا من بعده بالرسل قرن جماعة من الناس، وجمعه: قرون قواعد البيت: أساسه، واحدها قاعدة، والقواعد من النساء: واحدة قاعد، وهي العجوز قربان ما يتقرّب به إلى الله تعالى من الذبائح وغيرها، وقربان أيضا: من القرابة قلى يقلي: أبغض، ومنه: وما قلى، ولعملكم من القالين اقترف اكتسب حسنة أو سيئة قصص له معنيان: من الحديث، ومن قص الأثر، ومنه: على آثارهما قصصا، وقصيّه قررت «٢» به عينا، قرر بالكسر في
(٢). قرّ: لم أجدها في القاموس إلّا مشدّدة، والله أعلم.
الماضي والفتح في المضارع قسطاس ميزان قتر وقترة: غبار، وعبارة عن تغير الوجه، وقتور من التقتير قارعة داهية وأمر عظيم قبس شعلة نار قنط يئس من الخير قرطاس صحيفة وجمعه قراطيس.
حرف الكاف
كافر له معنيان: من الكفر وهو الجحود، وبمعنى الزرع، ومنه: أعجب الكفار نباته أي الزراع، وتكفير الذنوب غفرانها كرّة رجعة كبر بكسر الباء في السن يكبر بالفتح في المضارع، وكبر الأمر بالضم في المضارع والماضي، وكبر بضم الكاف وفتح الباء: جمع كبرى، وكبّار بالضم والتشديد: كبير مبالغة، والكبر:
التكبر، وكبر الشيء بكسر الكاف وضمها:
معظمه، والكبرياء: الملك والعظمة، والمتكبر: اسم الله تعالى من الكبرياء وبمعنى العظمة كفل يكفل: أي ضم الصبيّ وحضنه، وأكفلنيها: اجعلني كافلها كفيل نصيب «٣» كلالة هي أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد كاد قارب الأمر ولم يفعله، فإذا نفي اقتضى الإثبات كريم من الكرم وهو الحسب والجلالة والفضل، وكريم: اسم الله تعالى، أي محسن أكنة أغطية وأكنان جمع: كنّ، وهو ما وقى من الحر والبرد كهل هو الذي انتهى شبابه أكمام الثمار والنخيل جمع كم، وهو ما تكون الثمرة فيه قبل خروجها أكب الرجل على وجهه فهو مكب، وكبّه غيره بغير
(٣). وقد فسرها المؤلف في سورة النحل: ٩١ بمعنى: رقيب.
إنها استفتاح كلام بمعنى: إلّا الكاف بمعنى التشبيه وبمعنى التعليل، وقيل إنها تكون زائدة.
حرف اللام
لبس الأمر أي خلطه بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المستقبل ألباب عقول، وهو جمع لب، لبث في المكان أقام فيه لمز يلمز أي عاب الشيء لؤلؤ جوهر «١» لغو الكلام الباطل منه، والفحش، ولغو اليمين: ما لا يلزم لها بفتح الهاء من اللهو،
ومضارعه يلهو، ولهى عن الشيء بالكسر والياء يلهى بالفتح. إذا أعرض عنه وألهاه الشيء. إذا أشغله، ومنه لا تلهكم أموالكم لطيف اسم الله تعالى، قيل: معناه رفيق، وقيل خبير بخفيات الأمور لدى ولدن معناها عند ليت معناها التمني لعل معناها الترجي في المحبوبات، والتوقع للمكروهات، وأشكل ذلك في حق الله تعالى، فقيل جاءت في القرآن على منهاج كلام العرب وبالنظر إلى المخاطب: أي ذلك مما يرتجى عندكم أي يتوقع، وقد يكون معناها التعليل، أو مقاربة الأمر فلا إشكال لولا لها معنيان:
التمني، وامتناع شيء لامتناع غيره لما لها معنيان: النفي وهي الجازمة، ووجود شيء لوجود غيره، وأما «لما» بالتخفيف، فهي لام التأكيد دخلت على ما، وقال الكوفيون: هي بمعنى إلّا الموجبة بعد النفي لا ثلاثة أنواع:
نافية وناهية، وزائدة اللام خمسة أنواع لام الجر، ولام كي، ولام الأمر، ولام التأكيد في القسم وغيره وهي المفتوحة، ثم إن لام الجر لها ثلاثة معان. الملك، والاستحقاق، والتعليل. وقد تأتي للتعدّي إذا ضعف العامل، وقد تأتي بمعنى عند، نحو: أقم الصلاة لدلوك الشمس، ولام كي معناها:
التشبيه والتعليل، وقد تأتي بمعنى الصيرورة والعاقبة، نحو: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا. وقد تأتي بمعنى أن المصدرية، ومنه: يريد الله ليبين لكم.
حرف الميم
مرض الجسد معروف، ومرض القلب الشك في الإيمان، والبغض في الدين المنّ شبه العسل، والسلوى طائر، والمنّ أيضا:
القطع، ومنه: أجر غير ممنون أماني جمع أمنية ولها ثلاثة معان: ما تتمناه النفس، والتلاوة، والكذب، وكذلك تمنى، له هذه المعاني الثلاثة ملأ القوم: أشرفهم، وذوو الرأي منهم مثل بفتح الميم والمثلثة، لها أربعة معان: الشبيه والنظير ومن المثل المضروب، وأصله من التشبيه، ومثل الشيء حاله وصفته، والمثل الكلام الذي يتمثل به، ومثل الشيء بكسر الميم: شبهه مرية شك، ومنه: الممترين أي الشاكين، لا تمار. من المراء وهو: الجدال أملي لهم: أمهلهم وزادهم مهاد فراش مدّ يمدّ: أي أملى، وقد تكون بمعنى زاد مثل أمدّ بألف من المداد مضغة قطعة لحم إملاق فقر مرد فهو مارد: من العتو والضلال مكانة بمعنى مكان أي من التمكين والعز، ومنه مكين مواخر فواعل من المخر يقال مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مجيد من المجد وهو الكرم والشرف مقت هو الذم أو البغض على ما فعل من القبيح معين ماء كثير جار، وهو من قولك معن الماء: إذا كثر، وقيل: هو مشتق من العين، ووزنه مفعول، فالميم زائدة مارج مختلط، والمارج: لهب النار، من قولك مرج الشيء إذا اضطرب، وقيل: من الاختلاط أي خلط نوعين من النار مرج البحرين، أي خلى بينهما، وقيل: خلطهما، وقيل: فاض أحدهما في الآخر مهل فيه قولان: درديّ الزيت، وما أذيب من النحاس منون له معنيان: الموت، والدهر مسّ له معنيان: اللمس باليد وغيره، والجنون من لها أربعة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، ونكرة موصوفة ما إذا كانت اسما فلها ستة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، وموصوفة، وصفة، وتعجبية، وإذا كانت حرفا فلها خمسة أنواع: نافية ومصدرية وزائدة وكافيّة ومبهمة من لها ستة أنواع: لابتداء الغاية، ولجملة الغاية، وللتبعيض، ولبيان الجنس والتعليل، وزائدة مهما اسم شرط.
حرف النون
نظر له معنيان: من النظر، ومن الانتظار، فإذا كان من الانتظار تعدّى بغير حرف، ومن نظر العين يتعدّى بإلى ومن نظر القلب يتعدّى بفي أنظر بالألف أخّر، ومنه أنظرني، ومن المنظرين ونظرة إلى ميسرة نضرة بالضاد من التنعم، ومنه: وجوه يومئذ ناضرة أي ناعمة، وأمّا: إلى ربها ناظرة، فمن النظر نعمة بفتح النون من النعيم وبكسرها من الإنعام أنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم.
دون سائر البهائم ويجوز تذكيرها وتأنيثها.
ويقال لها أيضا نعم، ونعم كلمة مدح، ويجوز فيها كسر النون وفتحها، وإسكان العين وكسرها نعم بفتح العين والنون كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها بالنفي أو الإثبات، بخلاف بلى: فإنها للإثبات خاصة، ويجوز في نعم فتح العين وكسرها ندّ هو المضاهي والمماثل والمعانت «١»، وجمعه أنداد أنذر أعلم بالمكروه قبل وقوعه، ومنه. نذير، ومنذر، والمنذرين، وكيف كان نذير: أي إنذاري فهو مصدر، ومنه عذابي ونذر، والنذر بغير ألف ومنه نذر، ثم من نذر: فليوفوا نذورهم نكال له
الذهول، ومنه: إن نسينا أو أخطأنا، والترك، ومنه: نسوا الله فنسيهم نسخ له معنيان: الكتابة، ومنه: نستنسخ ما كنتم تعملون، والإزالة، ومنه: ما ننسخ من آية أو ننسها نصر بالصاد المهملة معروف، وبالسين اسم صنم: ويعوق ونسرا، أو اسم طائر أيضا نشوز بالزاي: له معنيان: شرّ بين الرجل والمرأة، وارتفاع، ومنه: انشزوا أي: قوموا من المكان نزل بضمتين: رزق، وهو ما يطعم الضيف نأى بعد ومنه: ينأون عنه نكص رجع إلى وراء نفر نفورا عن الشيء ونفر ينفر بضم المضارع، ومنه: نفرت الدابة، ونفر ينفر بكسر المضارع نفيرا: أتى، أسرع، وجد، ومنه: انفروا في سبيل الله نبأ خبر، ومنه اشتق النبيء بالهمز، وترك الهمز تخفيفا، وقيل: إنه عند من ترك مشتق من النبوة، وهي الارتفاع نطفة أي نقطة من ماء، ومنه: خلقكم من نطفة يعني: من المني أناب إلى الشيء: رجع ومال إليه، ومنه:
منيب نفذ ينفذ أي: تم وانقطع نهر بفتح الهاء الوادي ويجوز الإسكان. وأمّا السائل فلا تنهر: فهو من الانتهار، وهو الزجر منير من النور، وهو الضوء حسا أو معنى نصب بضمتين وبضم النون وإسكان الصاد، وبفتح النون وإسكان الصاد بمعنى واحد، وهو حجر أو صنم كان المشركون يذبحون عنده وجمعه أنصاب نصب بفتحتين تعب، ومسّني الشيطان بنصب: أي بلاء وشر نقم الشيء ينقمه أي كرهه وعابه نضيد أي منصوب بعضه إلى بعض نكير إنكار، ويقال نكر الشيء وأنكره نسل بمعنى أسرع ومنه:
ينسلون، من النسلان وهو الإسراع في المشي مع قرب الخطا.
حرف الهاء
الهدى له معنيان: الإرشاد والبيان، ومن البيان: فأما ثمود فهديناهم، والإرشاد قد يكون إلى الطريق، إلى الدين، وبمعنى التوفيق والإلهام هدي بفتح الهاء وإسكان الدال: ما يهدى إلى الكعبة من البهائم هاد يهود: أي تاب، ومنه: هدنا إليك، والذين هادوا: أي تهوّدوا أي صاروا يهودا وأصله من قولهم: هدنا إليك هود له معنيان: اسم نبي عاد عليه السلام وبمعنى اليهود، ومنه كونوا هودا هوى النفس: مقصور وهو ما تحبه وتميل إليه، والفعل منه: بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع والهواء بالمدّ والهمز: ما بين السماء والأرض، وأفئدتهم هواء: أي متحرّقة لا تعي شيئا وهوى يهوي بالفتح في الماضي والكسر في المضارع: وقع من علو، ويقال أيضا:
بمعنى الميل، ومنه: أفئدة من الناس تهوي إليهم هاجر خرج من بلاده، ومنه سمي المهاجرون هجر من الهجران، ومنه الهجر أيضا، وهو فحش الكلام، وقد يقال في هذا أهجر بالألف أهلّ لغير الله به أي صيّح، والإهلال: الصياح، وفي النية أي أريد به
أي مذل، وأما مهين، بفتح الميم فمعناه:
ضعيف أو ذليل.
حرف الواو
وقود النار بفتح الواو: ما توقد به من الحطب وشبهه، والوقود بالضم المصدر وجه له معنيان: الجارحة، والجهة، وأما وجه الله: ففي قوله: ابتغاء وجه الله أي طلب رضاه، وفي قوله: كل شيء هالك إلّا وجهه، ويبقى وجه ربك: قيل: الوجه الذات، وقيل: صفة كاليدين، وهو من المتشابه وعد يعد وعدا بالخير، وقد يقال:
في الشر وأوعد بالألف يوعد وعيدا بالشر لا غير ودّ يودّ له معنيان: من المودة والمحبة، وبمعنى تمنى: ودّوا لو تكفرون، والودّ بالضم: المحبة، وودّ: اسم صنم بضم الواو وفتحها ودود اسم الله تعالى أي محب لأوليائه، وقيل محبوب ويل كلمة شر، وقيل: إن الويل واد في جهنم وجب له معنيان: من وجوب الحق، وبمعنى سقط، كقولهم: وجب الحائط إذا سقط، ومنه وجبت جنوبها وسط وأوسط له معنيان: من التوسط بين الشيئين، وبمعنى الخيار والأحسن وسع يسع سعة: من الاتساع ضد الضيق، والسعة الغنى، والواسع اسم الله تعالى: أي واسع العلم والقدرة والغنى والرحمة واسع جواد موسع غنّي أي: واسع الحال وهو ضدّ المقتر: وإنا لموسعون قيل: أغنياء، وقيل قادرون، وإلّا وسعها: طاقتها ولى له معنيان: أدبر، وجعل واليا، وتولى له ثلاث معان: أدبر، وأعرض بالبدن أو بالقلب، وصار واليا، واتخذ وليا، ومنه:
ومن يتولى الله ورسوله وليّ ناصر، والولي اسم الله، قيل: ناصر، وقيل: متولي أمر الخلائق مولى له سبعة معان: السيد والأعظم، والناصر، والوالي أي القريب، والمالك والمعتق، وبمعنى أولى، ومنه:
النار مولاكم ولج يلج أي دخل، ومنه: ما يلج في الأرض، وأولج: أدخل، ومنه:
يولج الليل في النهار وهن يهن: ضعف، ومنه: وهن العظم، والوهن الضعف ورد الماء يرده: إذا جاء إليه وأورده غيره، وأرسلوا واردهم، الذي يتقدّمهم إلى الماء فيسقي لهم أوزعني أي ألهمني ووفقني يوزعون يدفعون وليد صبي والجمع: ولدان وجل يوجل وجلا: خاف. ومنه: لا توجل أوجس وجد في نفسه وأضمر وارى يواري:
أي يستر ومنه: يواري سوأة أخيه، وما ووري عنهما، وتواروا أي استتروا واستخفوا وطئ يطأ. له ثلاث معان: جماع المرأة.
ومن الوطء بالأقدام. ومنه: أرضا لم تطؤها. والإهلاك. ومنه: لم تعلموهم أن تطؤهم وقر بفتح الواو وهو الصمم والثقل في الأذن. والوقر بكسر الواو: الحمل.
ومنه: فالحاملات وقرا ودق هو المطر واصب أي دائم وكيل كفيل بالأمر. وقيل:
كاف وزر بفتحتين أي: ملجأ وزير أي معين.
وأصله من الوزر بمعنى: الثقل. لأنّ الوزير يحمل عن الملك أثقاله وسوس الشيطان إلى الإنسان: ألقى في نفسه. والوسواس:
كلام الملك من الله للأنبياء. ومنه قيل للقرآن: وحي. وبمعنى الإلهام، ومنه:
أوحى ربك إلى النحل، وبمعنى الإشارة.
ومنه: فأوحى إليهم أن سبحوا: أي أشار وعى العلم يعي: حفظه. ومنه: أذن واعية، وأوعى بالألف: يوعي جمع المال في وعاء.
ومنه: جمع فأوعى.
حرف الياء
يمين له أربعة معان: اليد اليمين.
وبمعنى القوّة. وبمعنى الحلف «١». وأيمن أي إلى الجهة اليمين يسير له معنيان قليل، ومنه: كيل يسير، وهين، ومنه: ذلك على الله يسير، واليسر: ضدّ العسر يئس أي انقطع رجاؤه، ومنه: لا تيئسوا من روح
الله، وإنه ليؤوس وأما: أفلم ييئس الذين آمنوا: فمعناه ألم يعلم يم هو البحر ميسر هو القمار في النرد والشطرنج وغير ذلك.
وهو مأخوذ من يسر لي كذا إذا وجب.
واليسر بفتح الياء والسين: الرجل الذي يشتغل بالميسر. وجمعه أيسار. وميسر العرب أنهم كانوا لهم عشرة قداح، وهم الأزلام لكل واحد منها نصيب معلوم، من ناقة ينحرونها. وبعضها لا نصيب له.
ويجزئونها عشرة أجزاء ثم يدخلون الأزلام في خريطة ويضعونها على يد عدل. ثم يدخل يده فيها فيخرج باسم رجل قدحا.
فمن خرج له قدح له نصيب: أخذ ذلك النصيب. ومن خرج له قدح لا نصيب له:
غرم ثمن الناقة كلها ينبوع أي عين من ماء والجمع ينابيع.
الأولى: لفظ التعوّذ على خمسة أوجه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمختار عند القراء. وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ. أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد. وهي محدثة:
وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وهو مرويّ عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الثانية: يؤمر القارئ بالاستعاذة قبل القراءة سواء ابتدأ بأول سورة أو جزء سورة على الندب الثالثة: يجهر بالاستعاذة عند الجمهور وهو المختار. وروي الإخفاء عن حمزة ونافع الرابعة لا يتعوّذ في الصلاة عند مالك. ويتعوّذ في أوّل ركعة عند الشافعي وأبي حنيفة. وفي كل ركعة عند قوم. فحجة مالك عمل أهل المدينة وحجة قول غيره: قول الله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: ٩٨] وذلك يعم الصلاة وغيرها الخامسة: إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي لأنّ معنى الاستعاذة لا يتعلق إلّا بالمستقبل لأنها كالدعاء وإنما جاء بهمزة المتكلم وحده مشاكلة للأمر به في قوله: «فاستعذ» السادسة: الشيطان: يحتمل أن يراد به الجنس فتكون الاستعاذة من جميع الشياطين، أو العهد فتكون الاستعاذة من إبليس. وهو من شطن إذا بعد فالنون أصلية والياء زائدة. وزنه فيعال. وقيل من شاط إذا هاج فالنون زائدة. والياء أصلية ووزنه فعلان. وإن سميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون، وانصرف على الأوّل السابعة: الرجيم فعيل بمعنى مفعول، ويحتمل معنيين: أن يكون بمعنى لعين وطريد. وهذا يناسب إبليس لقوله وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك: ٥] والأوّل أظهر الثامنة: من استعاذ بالله صادقا أعاذه فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذرّيتها عصمها الله. ففي الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «ما من مولود إلّا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلّا ابن مريم وأمه «١» » التاسعة: الشيطان عدوّ. وحذر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عداوته. وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم. فيأمره أوّلا بالكفر ويشككه في الإيمان فإن قدر عليه وإلّا أمره بالمعاصي. فإن أطاعه وإلّا ثبطه عن الطاعة. فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب العاشرة القواطع عن الله أربعة: الشيطان، والنفس، والدنيا، والخلق. فعلاج الشيطان: الاستعاذة والمخالفة له، وعلاج النفس: بالقهر، وعلاج الدنيا: بالزهد، وعلاج الخلق: بالانقباض والعزلة.
فيه عشر فوائد. الأولى: ليست البسملة عند مالك آية من الفاتحة ولا من غيرها، إلّا في النمل خاصة، وهي عند الشافعي آية من الفاتحة، وعند ابن عباس آية من أوّل كل سورة، فحجة مالك ما ورد في الحديث الصحيح: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أنزلت عليّ سورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، ثم قال:
الحمد لله رب العالمين» فبدأ بها دون البسملة، وما ورد في الحديث الصحيح: «إنّ الله يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: يقول العبد الحمد لله رب العالمين «١» » فبدأ بها دون البسملة: وحجة الشافعي ما ورد في الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وحجة ابن عباس ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف الثانية: إذا ابتدأت أوّل سورة بسملت إلّا براءة.
وسنذكر علة سقوطها من براءة في موضعه، وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني، وتترك البسملة عند غيره، وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى، فاختلف القرّاء في البسملة وتركها الثالثة: لا يبسمل في الصلاة عند مالك، ويبسمل عند الشافعي جهرا في الجهر، وسرّا في السرّ، وعند أبي حنيفة سرّا في الجهر والسرّ فحجة مالك من وجهين: أحدهما أنه ليست عنده آية في الفاتحة حسبما ذكرنا «والآخر ما ورد في الحديث الصحيح عن أنس أنه قال: «صلّيت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل الفاتحة ولا في آخرها» «٢»، وحجة الشافعي من وجهين: أحدهما أنّ البسملة عنده آية من الفاتحة، والأخرى ما ورد في الحديث من قراءتها حسبما ذكرنا الرابعة: كانوا يكتبون: «باسمك اللهم» حتى نزلت «بسم الله مجراها» «٣» فكتبوا: «بسم الله»، حتى نزلت:
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ فكتبوا: «بسم الله الرحمن»، حتى نزل: «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» فكتبوها، وحذفت الألف في بسم الله لكثرة الاستعمال الخامسة: الباء من بسم الله: متعلقة باسم محذوف عند البصريين والتقدير: ابتداء كائن بسم الله فموضعها رفع، وعند الكوفيين تتعلق بفعل تقديره أبدأ أو أتلو فموضعها نصب وينبغي أن يقدّر متأخرا لوجهين: أحدهما: إفادة الحصر والاختصاص، والأخرى: تقديم اسم الله اعتناء كما قدم في بسم الله مجراها السادسة: الاسم مشتق من السموّ عند البصريين فلامه واو «محذوفة»، وعند الكوفيين: مشتق من السمة وهي العلامة، ففاؤه محذوفة، ودليل البصريين التصغير والتكبير لأنهما يردّان الكلمات إلى أصولها، وقول الكوفيين أظهر في المعنى، لأنّ الاسم علامة على المسمى السابعة: قولك «الله» اسم مرتجل جامد «والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف، وقيل: إنه مشتق من التأله وهو التعبد، وقيل: من الولهان: وهي الحيرة لتحير
(٢). رواه أحمد ج ٣ ص ٢٦٤.
(٣). مجراها: تقرأ بالإمالة نحو الياء.
الرحمن الرحيم على ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة، وقيل: الرحمن عام في رحمة المؤمنين والكافرين لقوله: وكان بالمؤمنين رحيما فالرحمن أعمّ وأبلغ، وقيل: الرحمن أبلغ لوقوعه بعده، على طريقة الارتقاء إلى الأعلى العاشرة إنما قدّم الرحمن لوجهين: اختصاصه بالله، وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات. انتهى والله أعلم.
رغبة مني في إعطاء القارئ لمحة موجزة عن القراءات وشيوخ القراء لم أر أفضل من نقل ما كتبه أستاذنا الجليل المرحوم الشيخ سعيد الأفغاني الدمشقي في مقدمته الرائعة الجامعة لكتاب «حجة القراءات» للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة المتوفي في أوائل القرن الخامس الهجري وفيها أفاض بقلمه وبيانه كل ما يهمّ العالم والمثقف حول موضوع القراءات والقراء، لذلك اقتبست منها موجزا مفيدا ورأيت إضافته لهذا السفر الجليل من تفسير الإمام بن جزي ليكون جامعا لأقصى ما يمكن من الفائدة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل «١».
«تضافرت جهود أهل العلم والفكر وأولي العبقريات النادرة في هذه الأمة العظيمة، على خدمة اللغة العربية من أنحاء شتى متقاربة حينا ومتباعدة حينا، من حيث كانت لغة القرآن الكريم مصدر التشريع والتنظيم الكافلين خير الناس قاطبة. ونمت من هذه الجهود المباركة- فيما نمى- علوم اللغة العربية: من نحو وصرف ولغة وبلاغة وفقه لغة...
وفن الاحتجاج للقراءات الذي نقدم اليوم إحدى ثمراته، هو أحد الفنون التي اشتغل العلماء بها خدمة للقرآن العظيم، ولا بد من عرض تاريخي موجز للقراءات ثم للاحتجاج لها يكون تمهيدا وتزويدا للقارئ قبل الكلام على الكتاب ومؤلفه.
لم يكن كتبة الوحي الذين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يملي عليهم كلما أوحي إليه شيء، من قبيلة واحدة، بل كانوا من قبائل عدة فيهم القرشي وغيره. وكان الناس- على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم- في سعة من أمرهم في قراءة القرآن: كلّ يقرؤه بلحن قومه، حتى إذا آنس أحدهم اختلافا في قراءة سمعها من إنسان عما أقرأه الرسول، هرع إليه شاكيا، فسمع الرسول من كلّ قراءته فأقره عليها قائلا: (هكذا أنزلت) «٢».
وكان التغيير لا يعدو تنوع أداء أحيانا من حيث الإمالة أو الترقيق لبعض الحروف أو التفخيم، أو ضبط المضارع الرباعي مثل (ننزل) أو (ننزّل) تخفيفا أو تشديدا، أو تغاير لفظين والمعنى واحد... إلى آخر ما أحصوا من أحوال أطلقوا عليها (خلافا) وما هي
(٢). انظر مثلا الجامع الصحيح للبخاري تر كيف لبّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم لما سمعه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئها الرسول لعمر، فقاده إلى الرسول فلما سمع من هشام قال: (كذلك أنزلت)، ولما سمعها من عمر قال: (كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) - ٦/ ٢٢٧ الطبعة الشعبية.
واندرجت هذه الوجوه الكثيرة في القراءة في تعبير «الأحرف السبعة» الواردة في الحديث، أريد بها التعدد والكثرة لا تحديد العدد سبعة.
كثرت الوجوه المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القراءة، وتفرق الصحابة في الأمصار، كلّ يقرئ أهل مصره بما سمع على لهجته، وتعارف الناس هذه الوجوه واللهجات، ولم ينكر أحد على أخيه قراءته.. حتى إذا امتد الزمان قليلا وكثر الآخذون عن الصحابة، وقع بين أتباعهم شيء من خلاف أو تنافس أو إنكار، فخشي الأجلاء من الصحابة مغبته مع الزمن، فحملوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان على معالجة الأمر ففعل، وكان من رأيه المبارك كتابة مصاحف يجتمع عليها قراء الصحابة وكتبة الوحي، وهؤلاء وأولئك كثيرون متوافرون.. حتى إذا وقع خلاف كتبوه على لغة قريش، وكذلك كان.
مدخل في أعلام القراءات الأربعة عشر ورواتهم
جرى اصطلاح المؤلفين في فن القراءات على إطلاق كلمة (قراءة) على ما ينسب إلى إمام من أئمة القراء مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه، وكلمة (رواية) على ما ينسب إلى الآخذ عن هذا الإمام ولو بوساطة، وكلمة (طريق) على ما ينسب للآخذ عن الراوي ولو سفل «٢».
ولكل إمام صاحب قراءة رواة كثيرون رووا عنه، ولكل راو طرق متعددة. وأنا مثبت لك تراجم موجزة لأعلام القراءة بادئا بالقراء السبعة فبقية العشرة فبقية الأربعة عشر، ذاكرا لكل إمام منهم راويين من رواته، معرفا بهم جميعا بما لا يخرج عن ألفاظ شيخ هذا الفن ومحرره الإمام شمس الدين بن الجزري في كتابيه المشهورين: (النشر في القراءات العشر) و (غاية النهاية في طبقات القراء) «٣» مع ذكر وفياتهم بما لا يكون فيه إطالة، ليكون القارئ على إلمام بشيء عن هؤلاء الأعلام.
القرّاء السّبعة
١- نافع المدني: بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، أبو رويم الليثي بالولاء (٧٠- ١٦٩
(٢). انظر (إتحاف فضلاء البشر ص ٨٨) و (غيث النفع بذيل شرح بن القاصح على الشاطبية ص ١٤).
(٣). مع إضافة يسيرة من (بغية الوعاة) للسيوطي حينا، و (الأعلام) للزركلي أحيانا. [.....]
أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي جعفر القارئ، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والزهري وغيرهم. وبلغ شيوخه السبعين.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا جماعة منهم الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب، وقالون من أهل المدينة، والأصمعي وأبو عمرو بن العلاء من أهل البصرة، وورش والليث بن سعد من أهل مصر، وأبو مسهر الدمشقي وخويلد بن معدان من أهل الشام، وكردم المغربي، والغاز بن قيس الأندلسي... وغيرهم خلق كثير من مختلف الأمصار.
أقرأ الناس سبعين سنة ونيفا وانتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة وتمسك أهلها بقراءته، وكان الإمام مالك يقول: (قراءة أهل المدينة سنة)، قيل له: (قراءة نافع) ؟ قال: (نعم).
وكانت أحب القراءات إلى الإمام أحمد بن حنبل. كان نافع عالما بوجوه القراءات، متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده، زاهدا، جوادا، صلّى في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم ستين سنة.
قالون: أبو موسى، بن مينا الزرقي مولى بني زهرة (١٢٠- ٢٢٠ هـ).
قارئ المدينة ونحويها، يقال إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرا وهو الذي لقبه قالون (بمعنى جيد في الرومية) لجودة قراءته. كان جد جده من سبي الروم. سئل: (كم قرأت على نافع) ؟ فأجاب: (ما لا أحصيه كثرة) حتى قال له نافع: (إلى كم تقرأ عليّ؟
اجلس إلى اسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ). قرأ عليه جماعة، وكان أصمّ يقرئ القرآن وينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ.
ورش: عثمان بن سعيد القبطي المصري مولى قريش (١١٠- ١٩٧ هـ) شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية. رحل إلى نافع فعرض عليه القرآن عدة ختمات في سنة ١٥٥. وله اختيار خالف فيه نافعا، وكان ثقة حجة، جيد القراءة، حسن الصوت، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدّد ويبين الأعراب، لا يمله سامعه.
كان قصيرا أشقر أزرق أبيض اللون، يلبس ثيابا قصارا فشبهه نافع ب (الورشان) الطائر المعروف، ثم خفّف فقيل: ورش.
٢- ابن كثير المكي: عبد الله، أبو معبد العطار الداري الفارسي الأصل، إمام أهل مكة في القراءة (٤٥- ١٢٠ هـ).
روى عن عدد من الصحابة لقيهم: عبد الله بن الزبير وأبي أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك وغيرهم. وأخذ القراءة عرضا على درباس مولى بن عباس ومجاهد بن جبر وعبد الله بن السائب وغيرهم.
وروى القراءة عنه جماعة منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد
كان فصيحا بليغا مفوّها طويلا جسيما عليه السكينة والوقار. قال أبو عمرو بن العلاء: (ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد). ولم يزل ابن كثير هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات.
البزي: أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو الحسن البزي مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام (١٧٠- ٢٥٠ هـ) فارسي الأصل، أستاذ محقق ضابط متقن. قرأ على أبيه وعلى عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح. وقرأ عليه جماعة وروى عنه القراءة قنبل.
قنبل: محمد بن عبد الرحمن المخزومي بالولاء، أبو عمر المكي الملقب بقنبل (١٩٥- ٢٩١ هـ).
شيخ القراء بالحجاز، أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد النبّال وخلفه بالقيام بها بمكة، وروى القراءة عن البزي. روى القراءة عنه جماعة كثيرة منهم أبو ربيعة محمد بن إسحاق وابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار، وكان على الشرطة بمكة لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح ليكون على صواب فيما يأتيه من الحدود والأحكام فحمدت سيرته. ولما طعن في السن قطع الإقراء، ومات بعد ذلك بسبع سنوات عن ٩٦ سنة.
٣- أبو عمرو بن العلاء: زبان بن العلاء التميمي المازني البصري (٦٨- ١٥٤ هـ).
إمام العربية والإقراء مع الصدق والثقة والزهد، ليس في السبعة أكثر شيوخا منه.
توجه مع أبيه لما هرب من الحجاج، فقرأ بمكة والمدينة، وقرأ أيضا بالكوفة والبصرة على جماعة كثيرة. سمع أنس بن مالك وغيره، وقرأ على الحسن البصري وأبي العالية وسعيد بن جبير وعاصم بن أبي النجود وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وابن كثير المكي وعكرمة مولى ابن عباس وابن محيصن ونصر بن عاصم ويزيد بن القعقاع المدني ويحيى بن يعمر.
روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم مشهورون جدا مثل أبي زيد الأنصاري والأصمعي وعيسى بن عمر ويحيى اليزيدي وسيبويه. كانت دفاتره ملء بيت إلى السقف.
مر الحسن البصري بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال: (لا إله إلا الله، كادت العلماء أن يكونوا أربابا، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول). وراجت قراءته بين العلماء ثم بين العامة. وقد شهد بن الجزري أن (القراءة التي عليها الناس اليوم) المائة التاسعة للهجرة بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدا
(لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهادا والله لو رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسرّه ما هو عليه).
حفص الدوري: هو ابن عمر بن العزيز، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ هـ). إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط. أول من جمع القراءات، وقرأ بالسبعة وبالشواذ وسمع من ذلك شيئا كثيرا.
قرأ على الكسائي، وأخذ قراءة نافع عن إسماعيل بن جعفر، وقراءة يزيد بن القعقاع عن بن جمّاز. وقراءة حمزة عن محمد بن سعدان، ولأبي بكر عن عاصم، وعن يحيى اليزيدي قراءة أبي عمرو.. وغيرهم.
وأخذ عنه القراءة جمع كبير، قال أبو داود: رأيت أحمد بن حنبل يكتب عن أبي عمر الدوري.
السوسي: صالح بن زياد، أبو شعيب السوسي الرقي (٢٦١ هـ) مقرئ ضابط محرر ثقة. أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي (قراءة أبي عمرو)، وقرأ على حفص قراءة عاصم. وأخذ عنه القراءة جماعة. مات وقد قارب السبعين.
٤- ابن عامر الدمشقي: عبد الله أبو عمران اليحصبي (٨- ١١٨ هـ).
إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة الإقراء فيها. أخذ القراءة عرضا عن الصحابي الجليل أبي الدرداء مقرئ أهل الشام، وعلى المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان، وعلى قراءته أهل الشام والجزيرة تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمائة. تولى قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني وإمامة الجامع بدمشق وكان ناظرا على عمارته حتى فرغ، لا يرى فيه بدعة إلا غيّرها، وائتمّ به الخليفة عمر بن عبد العزيز.
كان إماما عالما ثقة فيما أتاه، متقنا لما وعاه، عارفا فهما قيما فيما جاء به، صادقا فيما نقله، من أفاضل المسلمين وخيار التابعين وأجلة الراوين.
روى القراءة عنه جماعة منهم يحيى بن الحارث الذماري وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة، وأخوه عبد الرحمن بن عامر وخلاد بن يزيد وغيرهم.
هشام بن عمار: أبو الوليد السلمي الدمشقي (١٥٣- ٢٤٥ هـ). إمام أهل دمشق وخطيبهم ومحدثهم ومقرئهم ومفتيهم. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم وعراك بن خالد وسويد بن عبد العزيز وغيرهم.
وروى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام قبل وفاته بنحو أربعين سنة، وأحمد بن يزيد الحلواني وخلق كثير. لما توفي أيوب بن تميم رجعت القراءة في الشام إلى ابن ذكوان
ابن ذكوان: أبو عمرو عبد الله بن أحمد الفهري الدمشقي (١٧٣- ٢٤٢ هـ).
الإمام الأستاذ المشهور الراوي الثقة، شيخ الإقراء بالشام وإمام جامع دمشق. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم وخلفه في القيام بها بدمشق. وقرأ على الكسائي لما قدم الشام، وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن المسيبي عن نافع. وروى عنه جماعة.
ألف كتاب (أقسام القرآن وجوابها) و (ما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه).
قال أبو زرعة الدمشقي وهو من تلاميذه: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ منه.
٥- عاصم بن أبي النجود الكوفي: أبو بكر بن بهدلة الحناط مولى بني أسد (١٢٧ هـ).
شيخ الإقراء بالكوفة، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال أبو بكر بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم.
أخذ القراءة عرضا عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو الشيباني.
روى القراءة عنه أبان بن تغلب وحفص بن سليمان وحماد بن زيد وأبو بكر بن عياش وجماعة. وروى عنه حروفا من القرآن أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وحمزة الزيات.
قال راويته حفص قال لي عاصم: (ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود).
لم يكن عاصم يعدّ فواتح السور (الم، حم، كهيعص، طه، آيات على خلاف مذهب الكوفيين، وكان أحمد بن حنبل لا يفضل على قراءة عاصم إلا قراءة أهل المدينة.
شعبة: أبو بكر بن عياش الأسدي النهشلي الكوفي الحناط (٩٥- ١٩٣ هـ).
الإمام العلم راوي عاصم، عرض عليه القرآن ثلاث مرات، وعلى عطاء بن السائب وأسلم المنقري. وأخذ عنه جماعة، وأخذ عنه الحروف آخرون منهم الكسائي وخلاد الصيرفي.
عمر دهرا إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنوات. وكان من أئمة السنة، وهو صاحب الكلمة المشهورة في أبي بكر الصديق: (ما فضلكم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في صدره). ذكر أبو عبد الله النخعي ويحيى بن معين (أنه لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة). وهو الذي يريده المصنف بقوله: وقرأ أبو بكر.
حفص بن سليمان: أبو عمر الأسدي الكوفي البزار (٩٠- ١٨٠- هـ). أعلم
٦- حمزة بن حبيب الزيات: أبو عمارة الكوفي التيمي بالولاء (٨٠- ١٥٦ هـ).
حبر القرآن، إمام الناس بعد عاصم والأعمش، زاهد عابد خاشع، قيم بالعربية والفرائض. أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش وحمران بن أعين وأبي إسحاق السبيعي وجعفر بن محمد الصادق، واختار مذهب حمران الذي يقرأ قراءة بن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان.
روى عنه القراءة كثيرون منهم إبراهيم بن أدهم والحسين الجعفي وسليم بن عيسى أضبط أصحابه، والكسائي أجل أصحابه ويحيى بن زياد الفراء ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهم.
وروى عنه رواة الإفراط في المد والهمز مع تكلف جعل الإمام أحمد بن حنبل يكره قراءة حمزة. وكان حمزة نفسه ينهاهم عن ذلك.
خلف بن هشام: أبو محمد الأسدي البزار البغدادي (١٥٠- ٢٢٩ هـ).
الإمام العلم، أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة، ثقة كبير، زاهد عالم عابد. أخذ القرآن عرضا عن سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة، وأبي زيد الأنصاري عن المفضل الضبي. وروى الحروف عن إسحاق المسيبي ويحيى بن آدم، وروى رواية ابن قتيبة عن عبيد بن عقيل من طريق بن شنبوذ المطوعي أداء وسماعا، وسمع من الكسائي ولم يقرأ عليه القرآن.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا ورّاقه أحمد بن إبراهيم وأحمد بن يزيد الحلواني.
كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفا في اختياره. مات ببغداد وهو مختف من الجهمية.
خلاد: أبو عيسى بن خالد الشيباني بالولاء، الصيرفي الكوفي (٢٢٠ هـ).
إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ. أخذ القراءة عن سليم وهو من أضبط أصحابه وأجلهم، ورواها عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر، وعن أبي بكر نفسه عن عاصم.
روى القراءة عنه عرضا أحمد بن يزيد الحلواني والقاسم الوزان وهو أنبل أصحابه وآخرون.
٧- الكسائي: أبو الحسن علي بن حمزة، فارسي الأصل، أسدي الولاء (١١٩- ١٨٩).
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده وعن محمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر الهمداني، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وعن إسماعيل ويعقوب ابني جعفر قراءة نافع، وعن
أخذ القراءة عرضا وسماعا جمع منهم إبراهيم بن زاذان وحفص الدوري وأبو عبيد القاسم بن سلام وقتيبة بن مهران وخلف بن هشام البزار ويحيى بن زياد الفرّاء وغيرهم، وروى عنه الحروف يعقوب الحضرمي.
ذكر أبو عبيد في كتاب (القراءات) أن الكسائي (كان يتخيّر القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا، وكان من أهل القراءة وهي كانت علمه وصناعته، ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه. وكانت قراءته متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة إلا أن الناس كانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادي، وربما وقع منه خطأ فيأمرهم بمحوه من كتبهم).
ألف كتبا كثيرة في اللغة والنحو والقراءة منها: معاني القرآن، القراءات، مقطوع القرآن وموصوله، الهاءات. مات بقرية (بنويه) من عمل (الريّ) هو ومحمد بن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة مع الرشيد متوجّها إلى خراسان، فقال الرشيد: (دفنا الفقه والنحو بالريّ) وكان إمام الكوفيين في العربية.
أبو الحارث: الليث بن خالد البغدادي (٢٤٠ هـ).
ثقة معروف حاذق ضابط. عرض القراءة على الكسائي وهو من جلة أصحابه، وروى الحروف عن حمزة بن القاسم الأحول وعن اليزيدي.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا سلمة بن عاصم صاحب الفراء وغيره.
الدوري: حفص بن عمر، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ هـ).
نزيل (سامرا)، إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط، أول من جمع القراءات. رحل في طلبها وقرأ بجميع الحروف السبعة وبالشواذ، وسمع من ذلك شيئا كثيرا. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع وعن أبي جعفر، وعلى الكسائي لنفسه، ولأبي بكر عن عاصم وغيرهم.
وروى القراءة عنه وقرأ عليه جماعة منهم الإمام الطبري المفسر المؤرخ. ورئي أحمد بن حنبل يكتب عنه.
بقية العشرة
٨- أبو جعفر يزيد بن القعقاع: المخزومي المدني القارئ (١٣٠ هـ) إمام تابعي مشهور، صالح متعبد كبير القدر. عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، وروى عنهم وصلّى بابن عمر وأقرأ الناس.
روى القراءة عنه نافع وسليمان بن مسلم بن جماز. وعيسى بن وردان وجماعة.
عيسى بن وردان: أبو الحارث المدني الحذاء (١٦٠ هـ).
إمام مقرئ حاذق وراو محقق ضابط، عرض على أبي جعفر وشيبة، ثم عرض على نافع وهو من جلة أصحابه وشاركه في الإسناد. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقالون.
ابن جماز سليمان بن مسلم بن جماز، أبو الربيع الزهري بالولاء، المدني (توفي بعد سنة ١٧٠ هـ).
مقرئ جليل ضابط، عرض على أبي جعفر وشيبة ثم على نافع، وأقرأ بحرف أبي جعفر وشيبة. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقتيبة بن مهران.
٩- يعقوب الحضرميّ: بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق، أبو محمد مولى الحضرميين (١١٧- ٢٠٥ هـ).
إمام أهل البصرة ومقرئها، ثقة عالم صالح ديّن، إليه انتهت رئاسة القراءة بعد أبي عمرو، أعلم الناس بمذاهب النحويين في القراءات. أخذ القراءة عرضا عن جماعة منهم سلام الطويل ومهدي بن ميمون، وروى عن سلام حروف أبي عمرو بالإدغام، وسمع الحروف من الكسائي ومحمد بن زريق الكوفي عن عاصم، وسمع من حمزة حروفا، وقرأ على شهاب بن شرنقة قراءة أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب، وقراءته على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى في غاية العلو.
روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم أبو حاتم السجستاني وأبو عمر الدوري، قال السجستاني: (هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن، وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو، وأروى الناس لحروف القرآن ولحديث الفقهاء). وائتم به في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو، ولا يقرأ إمام الجامع بالبصرة إلا بقراءته حتى المائة التاسعة زمن ابن الجزري الذي استنكر قول من عد قراءته من الشواذ فقال: (فليعلم أنه لا فرق بين قراءة يعقوب وقراءة غيره من السبعة عند أئمة المحققين، وهو الحق الذي لا محيد عنه).
وبلغ من جاهه في البصرة أنه كان يحبس ويطلق.
رويس: محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري (- ٢٣٨ هـ).
مقرئ حاذق ضابط مشهور جليل. أخذ القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي وختم عليه ختمات، وهو من أحذق أصحابه. روى القراءة عنه عرضا محمد بن هارون التمار والإمام أبو عبد الله الزبيري. كان يأخذ على المبتدئين بتحقيق الهمزتين معا في مثل «أأنذرتهم» و «جاء أجلهم»، وكان يأخذ على الماهر بتخفيف الهمزة الثانية.
روح بن عبد المؤمن: أبو الحسن البصري النحوي الهذلي بالولاء (- ٢٣٤ هـ).
مقرئ جليل، ثقة ضابط مشهور من أجل أصحاب يعقوب، عرض عليه، وروى الحروف عن جماعة عن أبي عمرو. وعرض عليه جماعة منهم أحمد بن يزيد الحلواني.
إسحاق الوراق: أبو يعقوب المروزي ثم البغدادي (- ٢٨٦ هـ).
وراق خلف وراوي اختياره عنه، ثقة قيم بالقراءة، ضابط. قرأ على خلف اختياره وقام به بعده، وعلى الوليد بن مسلم. وقرأ عليه جماعة منهم بن شنبوذ.
إدريس الحداد: أبو الحسن بن عبد الكريم البغدادي (١٨٩- ٢٩٢ هـ).
إمام ضابط متقن ثقة، قرأ على خلف اختياره وروايته، وعلى محمد بن حبيب الشموني. وروى القراءة عنه سماعا بن مجاهد، وعرضا محمد بن أحمد بن شنبوذ وابن مقسم وأبو بكر النقاش وجماعة.
فائدة
ذكر العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير ١/ ٥٧ طبعة سنة ١٩٦٤) ما يلي:
«القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر هي:
١- قراءة نافع برواية قالون: في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري، وفي ليبية.
وبرواية ورش: في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد، والسودان.
٢- وقراءة عاصم برواية حفص عنه: في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية، [وجزيرة العرب] والهند، وباكستان، وتركية والأفغان.
٣- وقراءة أبي عمرو البصري: فيما بلغني يقرأ بها في السودان المجاور لمصر (- ١ هـ) «١».
«القراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه، خاصة في الفرش».
والظاهر أن تقلب القراءات على مصر ما يتبع قراءة القارئ المقتدى به عند أهل المصر، فقد ذكر بن الجزري بعد ما تقدم أن الشام كانت تقرأ بحرف بن عامر إلى حدود الخمسمائة، فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو، فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو. وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة».
وكان قد نقل قبل أسطر قول شعبة الذي مر بك: «أنظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا» - النشر ١/ ٢٩١.
هذا وعلمت من فاضل سوداني أن قراءة أبي عمرو يقرأ بها في السودان اليوم في الخرطوم إلى (كسلا)، إلى شمال أريتيريا، وفي شرقي (تشاد).
وحدثني آخر من أهل المدينة أنه اقتدى بتاجر بخاري صلّى في الحرم المدني فقرأ قراءة ابن كثير برواية الدوري، فلما سألوه قال: إنها قراءة أهل بلاده.
١١- ابن محيصن: محمد بن عبد الرحمن السهمي بالولاء المكي (- ١٢٣ هـ).
مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، ثقة، أعلم قراء مكة بالعربية وأقواهم عليها.
عرض على مجاهد بن جبر ودرباس مولى ابن عباس وسعيد بن جبير.
عرض عليه شبل بن عباد وأبو عمرو بن العلاء، وسمع منه حروفا إسماعيل بن مسلم المكي وعيسى بن عمر البصري.
ولولا ما في قراءته من مخالفة المصحف لألحق بالقراءات المشهورة. قال ابن مجاهد: «كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه».
البزي: أحد راويي ابن كثير أيضا، تقدمت ترجمته.
ابن شنبوذ: محمد بن أحمد بن أيوب، أبو الحسن البغدادي (- ٣٢٨ هـ).
شيخ الإقراء بالعراق، أستاذ، كبير، رحالة في طلب العلم، مع الثقة والخير والصلاح والعلم وقوة الحفظ. أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن إبراهيم وراق خلف، وعن إبراهيم الحربي وقنبل وجماعة في أمصار عدة. وقرأ عليه جماعة كثيرة منهم أبو بكر بن مقسم والمعافى بن زكريا. وكانت العلاقة ساءت بينه وبين بن مجاهد فلم يقرئ من قرأ على بن مجاهد، ويقول فيه: (لم تغبّر قدماه في هذا العلم). وكان يجوّز القراءة بالشاذ وهو ما خالف رسم المصحف، وعقد له بسبب ذلك مجلس استتيب به فاعترف وكتب عليه محضر بذلك.
١٢- اليزيدي: يحيى بن المبارك، الإمام أبو محمد العدويّ بالولاء، البصري (١٢٨- ٢٠٢ هـ).
نحوي مقرئ ثقة علامة كبير في النحو والعربية والقراءة.
أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو بن العلاء وخلفه بالقيام بها، وأخذ عن حمزة.
روى القراءة عنه أولاده محمد وعبد الله وإبراهيم وإسماعيل، وأبو عمر الدوري وسليمان بن أيوب بن الحكم وسليمان بن خلاد وجماعة، وروى عنه الحروف أبو عبيد القاسم بن سلام.
وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة وهو أضبط أصحاب أبي عمرو عنه.
وتصدى لروايتها عنه والاشتغال بها. قيل أنه أملى عشرة آلاف ورقة عن أبي عمرو خاصة.
وكثيرا ما ينقل أبو زرعة في هذا الكتاب حججه في مثل قوله: وحجته ذكرها اليزيدي..
أو: وحجة أخرى ذكرها اليزيدي وهي..
سليمان: أبو أيوب بن الحكم الخياط البغدادي صاحب البصري (- ٢٣٥ هـ).
أحمد بن فرج: أبو جعفر الضرير البغدادي المفسر (- ٣٠٣ هـ).
ثقة كبير، قرأ على الدوري تلميذ اليزيدي بجميع ما عنده من القراءات، وعلى عبد الرحمن بن واقد وعلى البزي وعمر بن شبة. وقرأ عليه جماعة منهم بن مقسم وابن مجاهد وابن شنبوذ. قارب التسعين.
١٣- الحسن البصري: أبو سعيد بن يسار (٢١- ١١٠ هـ).
إمام زمانه علما وعملا، أشهر من أن يعرّف. وقرأ على حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري، وعن أبي العالية عن أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب.
روى عنه أبو عمرو بن العلاء وسلام الطويل ويونس بن عبيد وعيسى بن عمر النحوي.
قال الشافعي: لو أشاء أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت، لفصاحته.
شجاع بن أبي نصر البلخي: أبو نعيم البغدادي الزاهد (١٢٠- ١٩٠ هـ).
ثقة كبير. عرض على أبي عمرو بن العلاء وهو من جلة أصحابه وسمع من عيسى بن عمر.
روى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عمر الدوري وغيرهما. سئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال: «بخ بخ، وأين مثله اليوم».
الدوري: أحد راويي أبي عمرو بن العلاء أيضا، تقدمت ترجمته.
١٤- الأعمش: سليمان بن مهران، أبو محمد الكوفي مولي بني أسد (٦٠- ١٤٨ هـ). الإمام الجليل، مقرئ الأئمة، صاحب نوادر.
أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي وزر بن حبيش وعاصم بن أبي النجود ومجاهد بن جبر وأبي العالية الرياحي وغيرهم. روى القراءة عنه عرضا وسماعا حمزة الزيات ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة. وروى عنه الحروف محمد بن عبد الله المعروف بزاهر ومحمد بن ميمون.
قال هشام: (ما رأيت في الكوفة أقرأ لكتاب الله من الأعمش). وكان يقول: «إن الله زيّن بالقرآن أقواما، وإني ممن زينه الله بالقرآن، ولولا ذلك لكان على عنقي دنّ أطوف به في سكك الكوفة».
الحسن بن سعيد المطوعي: أبو العباس العباداني البصري العمري (- ٣٧١ هـ).
إمام عارف ثقة في القراءة. رحل فيها إلى الأقطار فقرأ على إدريس بن عبد الكريم
وقرأ عليه جماعة، وعمّر حتى جاوز المائة فانتهى إليه علو الإسناد في القراءات. له كتاب معرفة اللامات وتفسيرها.
أبو الفرج الشنبوذي: محمد بن أحمد إبراهيم الشطوي البغدادي (٣٠٠- ٣٨٨ هـ).
أستاذ من أئمة القراءة، مشهور نبيل حافظ حاذق، رحل ولقي الشيوخ وأكثر وتبحر في التفسير. أخذ القراءة عرضا عن ابن مجاهد وأبي بكر النقاش وأبي الحسن بن شنبوذ (ولازمه فنسب إليه) وغيرهم. وقرأ عليه جماعة واشتهر اسمه، وطال عمره مع علمه بالتفسير وعلل القراءات» اه.
مكية وآياتها ٦ نزلت بعد الفلق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الناس) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ إن قيل لم أضاف الرب إلى الناس خاصة وهو رب كل شيء؟ فالجواب أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس في صدور الناس، فخصهم بالذكر لأنهم المعوذين بهذا التعويذ والمقصودون هنا دون غيرهم مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ هذا عطف بيان، فإن قيل: لم قدم وصفه تعالى برب ثم بملك ثم بإله؟ فالجواب أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس، فيقال فلان رب الدار، وشبه ذلك فبدأ به لاشتراك معناه، وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس، وهم الملوك ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جاء به بعد الرب، وأما الإله فهو أعلى من الملك ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة فإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير فلذلك ختم به فإن قيل: لم أظهر المضاف إليه وهو الناس في المرة الثانية والثالثة فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله برب الناس أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية؟ فالجواب أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان وهو الإظهار دون الإضمار، وقصد أيضا الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر
لا أرى الموت يسبق الموت شيء | يبغص الموت ذا الغنى والفقير |
[مقدمة التحقيق]
مقدمة المحقق
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد صحبت كتاب «التسهيل في علوم التنزيل» للعلامة الأندلسي المرحوم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي المتوفي عام ٧٤١ هـ- منذ أكثر من ثلاثين سنة وأعجبت به لقوة عبارته وسهولة بيانه، وغزارة فوائده، ولكن الطبعة الأولى لهذا الكتاب قد مضى عليها أكثر من خمسين سنة وهي مملوءة بالأخطاء، وخاصة وأن المؤلف يعتمد على قراءة الإمام نافع المدني رحمه الله، ورواية ورش وهي القراءة المعتمدة في شمال أفريقيا عموما، وكأني بمن صححوا الكتاب في طبعته الأولى لم يلاحظوا الفروق بين قراءة ورش وبين قراءة عاصم المعتمدة في معظم بلاد المسلمين، في آسيا ومصر والحجاز والشام والعراق وسائر بلاد المشرق، يضاف إلى ذلك أن مستوى الطباعة والإخراج قد تطور كثيرا خلال السنوات الماضية، وقد عمدت بعض دور النشر إلى تصوير الطبعة الأولى بدون أي تصحيح أو تحقيق وتوزيعها في السوق، فكنت أتمنى لو تقيض لهذا الكتاب الجليل دار كريمة تتولى تنقيحه وتصويب الأخطاء الشائعة، خدمة لكتاب الله من جهة وتقديرا لهذا التفسير الجليل الذي أستطيع الجزم بأنه يفيد العالم والمثقف وطالب المعرفة، فهو قد اطلع ولخص المؤلفات الضخمة في التفسير كالتفسير الإمام «جامع البيان» للإمام الطبري الذي هو أعظم التفاسير على الإطلاق، وكل من كتب في هذا الموضوع فلا بدّ له من مطالعة الطبري، واستفاد من الكشاف للزمخشري وهناك تفسير ابن عطية وغيره ثم إنه قدّم له بمقدمة ضافية عن علوم القرآن. كل ذلك باختصار غير مخل.
وشاء الله أن ألتقي بالأخ الحاج أحمد أكرم الطباع صاحب دار القلم العامرة وصارحته بأمنيتي الغالية، فلبّى ووافق على القيام بكل ما يلزم لإخراج هذا السفر النفيس، بأحسن صورة ممكنة، وعهد إلى هذا الفقير بتخريج الأحاديث الواردة خلال التفسير، وإصلاح ما بدا لي من أخطاء، فقمت بهذه المهمة وأنا في غاية السرور لهذا التوفيق الذي جاء على قدر وقد أعانني الله فأنجزت هذه المهمة ووضعت تراجم مختصرة لأهم الأعلام الواردة أسماؤهم ضمن جدول ألفبائي في آخر الكتاب، كما اقتبست من كتاب أستاذي الشيخ سعيد الأفغاني شيئا مما كتبه في مقدم كتاب حجة القراءات للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجله من رجال القرن الرابع الهجري وأوائل الخامس، وفيها بيان موجز لأئمة
وفي الختام لا أرى أني قد وفيت الكتاب حقه كما يجب، ولكني بذلت جهدي حسب الوقت المتاح لي، والكمال لله وحده، رحم الله المؤلف وأجزل مثوبته وجعل مقامه في عليين. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
بيروت في ١/ رجب/ ١٤١٦ هـ الموافق ٢٤/ ١١/ ١٩٩٥ م.
خادم أهل العلم عبد الله الخالدي
رحمه الله هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي الأندلسي.
وردت ترجمته في الإحاطة للسان الدين بن الخطيب. كما ذكره صاحب نفح الطيب في ج/ ٣/ ٢٧٢ وقال عنه: فقد وهو يحرض الناس يوم معركة طريف ٧٤١ رحمه الله تعالى.
نزل أجداده وقائدهم أبو الخطار الكلبي وهو الحسام بن ضرار في «بوله» أحد حصون الأندلس في «شنت مرية» مددا لأقاربهم من اليمنية حوالي عام ١٢٥/ هـ.
وكان أحد أجداده قاضيا في جيّان ويدعى يحيى.
وقد عكف الإمام محمد المذكور على طلب العلم واكتساب القوت الحلال، وكان عالما حافظا لكتاب الله، وله مشاركة قوية في علوم العربية والفقه، والأصول والقراءات والحديث والأدب والشعر، وقد كان واسع الإطلاع على التفاسير مستوعبا للأقوال جامعا للكتب، وكان في تدريسه ممتع المحاضرة، صحيح الإعتقاد، وخطب منذ نشأته بالجامع الأعظم في بلده، ثم استمر شأوه في ارتفاع، ماضيا على سنن الأصالة والنبالة، وأورث ذلك لابنه عبد الله كاتب رحلة ابن بطوطة.
مشايخه وتلاميذه.
قرأ ابن جزي على أبي جعفر بن الزبير وهو أجل أساتذته، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والقرآن. كما روى عن ابن عصفور، وروى أيضا القرآن عن القارئ المكثر أبي عبد الله بن الكمّاد وغيرهم كثير.
تلاميذه:
وأخذ عنه أبناؤه محمد وأبو بكر أحمد وعبد الله، ولسان الدين بن الخطيب وابراهيم الخزرجي، وكان أشهر أولاده أبو عبد الله محمد الذي أخذ عن أبيه، وصار فيما بعد كاتبا مجيدا، وذا رأي فقيها، عالما، بصيرا بالحديث والأصول.
مؤلفاته:
ترك كثيرا من الآثار في مختلف فنون العلوم كالفقه والحديث والتصوف والقراءات، وكان ينظم الشعر أيضا في التصوف.
١- وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم.
٢- الأنوار السنية في الكلمات السنية.
٣- كتاب الدعوات والأذكار المخرجة من صحيح الأخبار.
٤- كتاب القوانين الفقهية المطبوع في بيروت، وهو من الكتب المعتبرة في الفقه، لأنه لخص آراء المذاهب الأربعة مع المقارنة فيما بينها. وقد حققه الأستاذ الجليل عبد العزيز سيد الأهل ومنه استفدنا هذه النبذة في ترجمة المؤلف.
٥- وأخيرا كتاب التسهيل لعلوم التنزيل. وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا. وهو ربما كان أفضل آثاره. وقد ذكرت عنه في مقدمة التحقيق ما فيه الكفاية.
رحم الله المؤلف، ما أروع بيانه وأوجز كلامه وأغزر فوائده.
الحمد لله العزيز الوهاب، مالك الملوك ورب الأرباب، هو الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف: ١]، هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ [المؤمن: ٥٤]، وأودعه من العلوم النافعة، والبراهين القاطعة: غاية الحكمة وفصل الخطاب وخصصه من الخصائص العلية، واللطائف الخفية، والدلائل الجلية، والأسرار الربانية، العجب بكل عجب عجاب وجعله في الطبقة العليا من البيان، حتى أعجز الإنسان والجان، واعترف علماء أرباب اللسان بما تضمنه من الفصاحة والبراعة والبلاغة والإعراب والإغراب ويسر حفظه في الصدور، وضمن حفظه من التبديل والتغيير، فلم يتغير ولا يتغير على طول الدهور وتوالي الأحقاب وجعله قولا فصلا، وحكما عدلا، وآية بادية، ومعجزة باقية: يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب وتقوم بها الحجة للمؤمن الأوّاب، والحجة على الكافر المرتاب وهدى الخلق بما شرع فيه من الأحكام، وبيّن الحلال والحرام، وعلّم من شعائر الإسلام، وصرّف من النواهي والأوامر والمواعظ والزواجر، والبشارة بالثواب، والنذارة بالعقاب، وجعل أهل القرآن أهل الله وخاصته، واصطفاهم من عباده، وأورثهم الجنة وحسن المآب.
فسبحان مولانا الكريم الذي خصنا بكتابه، وشرفنا بخطابه، فيا له من نعمة سابغة، وحجة بالغة، أوزعنا الله الكريم القيام بواجب شكرها، وتوفية حقها، ومعرفة قدرها، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ [هود: ٨٨]، هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ [الرعد: ٣٠].
وصلاة الله وسلامه، وتحياته وبركاته وإكرامه، على من دلنا على الله، وبلغنا رسالة الله، وجاءنا بالقرآن العظيم، وبالآيات والذكر الحكيم، وجاهد في الله حق الجهاد، وبذل جهده في الحرص على نجاة العباد، وعلم ونصح وبيّن وأوضح حتى قامت الحجة، ولاحت المحجة، وتبين الرشد من الغيّ، وظهر طريق الحق والصواب، وانقشعت ظلمات الشك والارتياب. ذلك: سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي، القرشي الهاشمي، المختار من لباب اللباب، والمصطفى من أطهر الأنساب، وأشرف الأحساب، الذي أيده الله بالمعجزات الظاهرة والجنود القاهرة، والسيوف الباترة الغضاب، وجمع له بين شرف الدنيا والآخرة، وجعله قائدا للغرّ المحجلين والوجوه الناضرة، فهو أوّل من يشفع يوم الحساب، وأوّل من يدخل الجنة ويقرع الباب، فصلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الأكرمين، خير أهل
أما بعد فإنّ علم القرآن العظيم: هو أرفع العلوم قدرا، وأجلها خطرا، وأعظمها أجرا، وأشرفها. ذكرا وإن الله أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن، وتعلّمه وتعليمه، وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه، فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف، المتباينة الأصناف، فمنهم من آثر الاختصار، ومنهم من طوّل حتى كثّر الأسفار، ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس، ومنهم من عوّل على النظر والتحقيق والتدقيق، وكل أحد سلك طريقا نحاه، وذهب مذهبا ارتضاه، وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النساء: ٩٥]، فرغبت في سلوك طريقهم، والانخراط في مساق فريقهم، وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم، وسائر ما يتعلق به من العلوم، وسلكت مسلكا نافعا، إذ جعلته وجيزا جامعا، قصدت به أربع مقاصد: تتضمن أربع فوائد:
الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم، في كتاب صغير الحجم تسهيلا على الطالبين، وتقريبا على الراغبين فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم، ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها، وتنقيح فصولها، وحذف حشوها وفضولها ولقد أودعته من كل فنّ من فنون علم القرآن: اللباب المرغوب فيه، دون القشر المرغوب عنه، من غير إفراط ولا تفريط. ثم إني عزمت على إيجاز العبارة، وإفراط الاختصار، وترك التطويل والتكرار.
الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة، وفوائد غريبة، قلما توجد في كتاب لأنها من بنات صدري، وينابيع ذكرى. ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم، أو مما التقطته من مستظرفات النوادر، الواقعة في غرائب الدفاتر.
الفائدة الثالثة: إيضاح المشكلات، إما بحل العقد المقفلات، وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات، وبيان المجملات.
الفائدة الرابعة: تحقيق أقوال المفسرين، السقيم منها والصحيح، وتمييز الراجح من المرجوح. وذلك أن أقوال الناس على مراتب: فمنها الصحيح الذي يعوّل عليه، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد. ثم إنّ هذا الاحتمال قد يكون متساويا أو متفاوتا، والتفاوت قد يكون قليلا أو كثيرا، وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة، تعرف بها كل مرتبة وكل قول فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل، ثم ما أقول فيه إنه ضعيف أو بعيد، ثم ما أقول إنّ غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر ثم ما أقدّم غيره عليه إشعارا بترجيح المتقدّم أو بالقول فيه: قيل كذا، قصدا للخروج من عهدته، وأما إذا صرحت باسم قائل القول فإني أفعل ذلك لأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته، وإما
[رحم الله المؤلف ما أوجز عبارته وأكثر فائدته وقد وفى بكل ما وعد به جزاه الله خيرا عن الدين وأهله]
وفيها إثنا عشر بابا
الباب الأوّل: في نزول القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أوّل ما بعثه الله بمكة، وهو ابن أربعين سنة، إلى أن هاجر إلى المدينة، ثم نزل عليه بالمدينة إلى أن توفاه الله، فكانت مدّة نزوله عليه عشرون سنة، وقيل كانت ثلاثا وعشرين سنة على حسب الاختلاف في سنّه صلّى الله عليه وسلّم يوم توفي، هل كان ابن ستين سنة، أو ثلاث وستين سنة؟ وكان ربما تنزل عليه سورة كاملة، وربما تنزل عليه آيات مفترقات، فيضم عليه السلام بعضها إلى بعض حتى تكمل السورة.
وأوّل ما نزل عليه من القرآن: صدر سورة العلق، ثم المدّثّر والمزمل، وقيل: أوّل ما نزل المدّثّر وقيل: فاتحة الكتاب، والأوّل هو الصحيح لما ورد في الحديث الصحيح، عن عائشة في حديثها الطويل في ابتداء الوحي قالت فيه: جاءه الملك وهو بغار حراء، قال اقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، قال فأخذني وغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، ثم قال: اقرأ بسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم. فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فقال زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع» «١»، وفي رواية من طريق جابر بن عبد الله: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمّلوني فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وآخر ما نزل إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقيل آية الزنى التي في البقرة، وقيل الآية قبلها.
وكان القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متفرقا في الصحف وفي صدور الرجال، فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قعد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته، فجمعه على ترتيب نزوله، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير، ولكنه لم يوجد. فلما قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يذهب بموت القراء. فجمعه في صحف غير مرتّب السور وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بعده، ثم عند بنته حفصة أم
وأما نقط القرآن وشكله فأوّل من فعل ذلك الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك بن مروان وزاد الحجاج تحزيبه وقيل: أوّل من نقطه يحيى بن يعمر وقيل أبو الأسود الدؤلي، وأما وضع الأعشار فيه فقيل: إنّ الحجاج فعل ذلك وقيل بل أمر به المأمون العباسي.
وأما أسماؤه فهي أربعة: القرآن، والفرقان، والكتاب، والذكر. وسائر ما يسمى صفات لا أسماء: كوصفه بالعظيم، والكريم، والمتين، والعزيز، والمجيد، وغير ذلك.
فأما القرآن: فأصله مصدر قرأ، ثم أطلق على المقروء، وأما الفرقان: فمصدر أيضا معناه التفرقة بين الحق والباطل، وأما الكتاب: فمصدر ثم أطلق على المكتوب، وأما الذكر:
فسمي القرآن به لما فيه من ذكر الله أو من التذكير والمواعظ، ويجوز في السورة من القرآن الهمز، وترك الهمز لغة قريش، وأما الآية فأصلها العلامة ثم سميت الجملة من القرآن بها لأنها علامة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الباب الثاني: في السور المكية والمدنية. اعلم أنّ السور المكية هي التي نزلت بمكة ويعد منها كل ما نزل قبل الهجرة، وإن نزل بغير مكة، كما أنّ المدنية هي السورة التي نزلت بالمدينة ويعدّ منها كل ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بغير المدينة، وتنقسم السور ثلاثة أقسام: قسم مدنية باتفاق، وهي اثنتان وعشرون سورة، وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، وبراءة، والنور، والأحزاب، والقتال، والفتح، والحجرات، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والصف، والجمعة، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والتحريم، وإذا جاء نصر الله. وقسم فيها خلاف، هل هي مكية أو مدنية؟ وهي ثلاثة عشر سورة: أم القرآن والرعد، والنحل، والحج، والإنسان، والمطففون، والقدر ولم يكن، وإذا زلزلت، وأ رأيت، والإخلاص والمعوّذتين. وقسم مكية باتفاق، وهي سائر
[خصائص السور المكية والمدنية]
واعلم أنّ السور المكية نزل أكثرها في إثبات العقائد والردّ على المشركين، وفي قصص الأنبياء. وأنّ السور المدنية نزل أكثرها في الأحكام الشرعية، وفي الردّ على اليهود والنصارى، وذكر المنافقين، والفتوى في مسائل، وذكر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم. وحيث ما ورد:
يا أيها الذين آمنوا فهو مدني، وأما: يا أيها الناس، فقد وقع في المكيّ والمدنيّ.
الباب الثالث: في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن. ولنتكلم في ذلك على الجملة والتفصيل. أما الجملة، فاعلم أنّ المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة الله وإلى الدخول في دينه، ثم إنّ هذا المقصد يقتضي أمرين، لا بد منها، وإليهما ترجع معاني القرآن كله: أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها، والأخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وتردّدهم إليها، فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين، وهما أصول العقائد وأحكام الأعمال.
وأما البواعث عليها فأمران وهما: الترغيب والترهيب، وأما على التفصيل فاعلم أنّ معاني القرآن سبعة: هي علم الربوبية، والنبوة، والمعاد، والأحكام، والوعد، والوعيد والقصص. فأما علم الربوبية: فمنه إثبات وجود الباري جل جلاله، والاستدلال عليه بمخلوقاته، فكل ما جاء في القرآن من التنبيه على المخلوقات، والاعتبار في خلقة الأرض والسموات، والحيوان والنبات. والريح والأمطار، والشمس والقمر، والليل والنهار، وغير ذلك من الموجودات، فهو دليل على خالقه، ومنه إثبات الوحدانية، والردّ على المشركين، والتعريف بصفات الله: من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر، وغير ذلك من أسمائه وصفاته، والتنزيه عما لا يليق به.
وأما النبوّة: فإثبات نبوّة الأنبياء عليهم السلام على العموم، ونبوة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم على الخصوص، وإثبات الكتب التي أنزلها الله عليهم، ووجود الملائكة الذين كان منهم وسائط بين الله وبينهم، والردّ على من كفر بشيء من ذلك، وينخرط في سلك هذا ما ورد في القرآن من تأنيس النبي صلّى الله عليه وسلّم وكرامته والثناء عليه، وسائر الأنبياء صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
وأما المعاد فإثبات الحشر، وإقامة البراهين، والردّ على من خالف فيه، وذكر ما في الدار الآخرة من الجنة والنار، والحساب والميزان، وصحائف الأعمال وكثرة الأهوال، ونحو ذلك.
وأما الأحكام: فهي الأوامر والنواهي وتنقسم خمسة أنواع: واجب، ومندوب، وحرام، ومكروه، ومباح. ومنها ما يتعلق بالأبدان: كالصلاة والصيام، وما يتعلق بالأموال
وأما الوعد: فمنه وعد بخير الدنيا من النصر والظهور وغير ذلك، ومنه وعد بخير الآخرة وهو الأكثر كأوصاف الجنة ونعيمها.
وأما الوعيد: فمنه تخويف بالعقاب في الدنيا، ومنه تخويف بالعقاب في الآخرة وهو الأكثر: كأوصاف جهنم وعذابها. وأوصاف القيامة وأهوالها، وتأمّل القرآن تجد الوعد مقرونا بالوعيد، قد ذكر أحدهما على إثر ذكر الآخر، ليجمع بين الترغيب والترهيب، وليتبين أحدهما بالآخر، كما قيل:
فبضدّها تتبين الأشياء وأما القصص: فهو ذكر أخبار الأنبياء المتقدّمين وغيرهم كقصة أصحاب الكهف، وذي القرنين. فإن قيل: ما الحكمة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن؟ فالجواب من ثلاثة أوجه الأوّل: أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى، ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى: الثاني: أنه ذكرت أخبار الأنبياء في مواضع على طريق الإطناب. وفي مواضع على طريق الإيجاز، لتظهر فصاحة القرآن في الطريقتين.
الثالث: أن أخبار الأنبياء قصد بذكرها مقاصد فتعدّد ذكرها بتعدّد تلك المقاصد، فمن المقاصد بها إثبات نبوة الأنبياء المتقدّمين بذكر ما جرى على أيديهم من المعجزات، وذكر إهلاك من كذّبهم بأنواع من المهالك. ومنها إثبات النبوة لمحمد صلّى الله عليه وسلّم لإخباره بتلك الأخبار من غير تعلم من أحد. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: ٤٩] ومنها إثبات الوحدانية. ألا ترى أنه لما ذكر إهلاك الأمم الكافرة قال: فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [هود: ١٠١] ومنها الاعتبار في قدرة الله وشدّة عقابه لمن كفر. ومنها تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له بالتأسي بمن تقدّم من الأنبياء: كقوله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام: ٣٤] ومنها تسليته عليه السلام ووعده بالنصر كما نصر الأنبياء الذين من قبله. ومنها تخويف الكفار بأن يعاقبوا كما عوقب الكفار الذين من قبلهم، إلى غير ذلك مما احتوت عليه أخبار الأنبياء من العجائب والمواعظ واحتجاج الأنبياء. وردّهم على الكفار وغير ذلك. فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة: ذكرت في مواضع كثيرة. ولكل مقام مقال.
الباب الرابع: في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن.
اعلم أن الكلام على القرآن يستدعي الكلام في اثني عشر فنا من العلوم، وهي:
التفسير، والقراءات، والأحكام، والنسخ، والحديث، والقصص، والتصوّف، وأصول الدين، وأصول الفقه، واللغة، والنحو، والبيان.
فأما التفسير فهو المقصود بنفسه وسائر هذه الفنون أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع منه، ومعنى التفسير: شرح القرآن وبيان معناه، والإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو فحواه.
الأوّل: اختلاف في العبارة، مع اتفاق في المعنى: فهذا عدّه كثير من المؤلفين خلافا، وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه، وجعلناه نحن قولا واحدا، وعبّرنا عنه بأحد عبارات المتقدّمين، أو بما يقرب منها، أو بما يجمع معانيها.
الثاني: اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد، وليس مثال منها على خصوصه هو المراد، وإنما المراد المعنى العامّ التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه، فهذا عدّه أيضا كثير من المؤلفين خلافا، وليس في الحقيقة بخلاف لأنّ كل قول منها مثال، وليس بكل المراد، ولم نعدّه نحن خلافا: بل عبّرنا عنه بعبارة عامّة تدخل تلك تحتها، وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل، مع التنبيه على العموم المقصود.
الثالث: اختلاف المعنى فهذا هو الذي عددناه خلافا، ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب.
فإن قيل: ما الفرق بين التفسير والتأويل؟ فالجواب أن في ذلك ثلاثة أقوال: الأوّل أنهما بمعنى واحد. الثاني: أن التفسير للفظ، والتأويل للمعنى. الثالث: وهو الصواب: أن التفسير: هو الشرح، والتأويل: هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر، بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك ويخرج على ظاهره وأما القراءات: فإنها بمنزلة الرواية في الحديث، فلا بد من ضبطها كما يضبط الحديث بروايته.
ثم إنّ القراءات على قسمين: مشهورة. وشاذة. فالمشهورة: هي القراءات السبع وما جرى مجراها: كقراءة يعقوب، وابن محيصن. والشاذة ما سوى ذلك. وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع «١» لوجهين: أحدهما أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب. والأخرى اقتداء بالمدينة شرفها الله لأنها قراءة أهل المدينة. وقال مالك بن أنس: قراءة نافع سنة. وذكرنا من سائر القراءة ما فيها فائدة في المعنى والإعراب وغير ذلك. دون ما لا فائدة فيه زائدة. واستغنينا عن استيفاء القراءات لكونها مذكورة في الكتب المؤلفة فيها. وقد ألفنا فيها كتبا نفع الله بها. وأيضا فإنا لما عزمنا في هذا الكتاب على الاختصار حذفنا منه ما لا تدعو إليه الضرورة وقد ذكرنا في هذه المقدّمات بابا في قواعد أصول القراءات.
وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من الأوامر والنواهي. والمسائل الفقهية. وقال بعض العلماء إنّ آيات الأحكام خمسمائة آية. وقد تنتهي إلى أكثر من ذلك إذا استقصى تتبعها في مواضعها. وقد صنف الناس في أحكام القرآن تصانيف كثيرة. ومن أحسن تصانيف المشارقة فيها: تأليف إسماعيل [بن إسحاق المالكي] القاضي وابن الحسن كباه «٢»
(٢). كذا في النسخة المطبوعة.
وأما الحديث فيحتاج المفسر إلى روايته وحفظه لوجهين: الأوّل: أنّ كثيرا من الآيات في القرآن نزلت في قوم مخصوصين ونزلت بأسباب قضايا وقعت في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم من الغزوات والنوازل والسؤالات، ولا بدّ من معرفة ذلك ليعلم فيمن نزلت الآية وفيما نزلت ومتى نزلت فإنّ الناسخ يبنى على معرفة تاريخ النزول لأنّ المتأخر ناسخ للمتقدم. الثاني:
أنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كثير من تفسير القرآن فيجب معرفته لأنّ قوله عليه السلام مقدم على أقوال الناس.
وأما القصص فهي من جملة العلوم التي تضمنها القرآن فلا بد من تفسيره إلّا أنّ الضروري منه ما يتوقف التفسير عليه. وما سوى ذلك زائد مستغنى عنه وقد أكثر بعض المفسرين من حكاية القصص الصحيح وغير الصحيح. حتى أنهم ذكروا منه ما لا يجوز ذكره مما فيه تقصير بمنصب الأنبياء عليهم السلام أو حكاية ما يجب تنزيههم عنه. وأما نحن فاقتصرنا في هذا الكتاب من القصص على ما يتوقف التفسير عليه وعلى ما ورد منه في الحديث الصحيح.
وأما التصوّف فله تعلق بالقرآن. لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس. وتنوير القلوب. وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة. واجتناب الأخلاق الذميمة. وقد تكلمت المتصوّفة في تفسير القرآن. فمنهم من أحسن وأجاد. ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني. ووقف على حقيقة المراد. ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية.
وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتاب سماه «الحقائق» وقال بعض العلماء: بل هي البواطل. وإذا انصفنا قلنا: فيه حقائق وبواطل. وقد ذكرنا هذا في كتاب ما يستحسن من الإشارات الصوفية. دون ما يعترض أو يقدح فيه.
وتكلمنا أيضا على اثني عشر مقاما من [مقامات] التصوف في مواضعها من القرآن:
فتكلمنا على الشكر في أم القرآن. لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى. وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وعلى الذكر في قوله فيها فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: ١٥٣] وعلى الصبر في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: ١٥٥] وعلى
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: ١٦٥] وعلى التوكل في قوله في آل عمران: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران: ١٥٩] وعلى المراقبة في قوله في النساء: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: ١] وعلى الخوف والرجاء في قوله في الأعراف: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [الأعراف: ٥٦] وعلى التوبة في قوله في النور: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً [النور:
٣١] وعلى الإخلاص في قوله في لم يكن: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: ٤].
وأما أصول الدين فيتعلق بالقرآن من طرفين: أحدهما: ما ورد في القرآن من إثبات العقائد وإقامة البراهين عليها. والردّ على أصناف الكفار. والآخر: أنّ الطوائف المختلفة من المسلمين تعلقوا بالقرآن وكل طائفة منهم تحتجّ لمذهبها بالقرآن وترد على من خالفها.
وتزعم أنه خالف القرآن. ولا شك أنّ منهم المحق والمبطل. فمعرفة تفسير القرآن أن توصل في ذلك إلى التحقيق مع التشديد والتأييد من الله والتوفيق.
وأما أصول الفقه فإنها من أدوات تفسير القرآن. على أنّ كثيرا من المفسرين لم يشتغلوا بها. وإنها لنعم العون على فهم المعاني وترجيح الأقوال. وما أحوج المفسر إلى معرفة النص. والظاهر. والمجمل. والمبين. والعام. والخاص. والمطلق. والمقيد.
وفحوى الخطاب. ولحن الخطاب. ودليل الخطاب. وشروط النسخ. ووجوه التعارض.
وأسباب الخلاف. وغير ذلك من علم الأصول.
وأما اللغة فلا بد للمفسر من حفظ ما ورد في القرآن منها. وهي غريب القرآن وهي من فنون التفسير. وقد صنف الناس في غريب القرآن تصانيف كثيرة. وقد ذكرنا بعد هذه المقدّمة: مقدّمة في اللغات الكثيرة الدوران في القرآن. لئلا نحتاج أن نذكرها حيث وقعت فيطول الكتاب بكثرة تكرارها.
وأما النحو فلا بد للمفسر من معرفته. فإنّ القرآن نزل بلسان العرب فيحتاج إلى معرفة اللسان. والنحو ينقسم إلى قسمين: أحدهما: عوامل الإعراب. وهي أحكام الكلام المركب. والآخر: التصريف وهي أحكام الكلمات من قبل تركيبها. وقد ذكرنا في هذا الكتاب من إعراب القرآن ما يحتاج إليه من المشكل والمختلف. أو ما يفيد فهم المعنى. أو ما يختلف المعنى باختلافه ولم نتعرض لما سوى ذلك من الإعراب السهل الذي لا يحتاج إليه إلّا المبتدئ فإنّ ذلك يطول بغير فائدة كبيرة.
وأما علم البيان: فهو علم شريف تظهر به فصاحة القرآن. وقد ذكرنا منه في هذا الكتاب فوائد فائقة. ونكات مستحسنة رائقة. وجعلنا في المقدّمات بابا في أدوات البيان ليفهم به ما يرد منها مفرّقا في مواضعه من القرآن.
الباب الخامس: في أسباب الخلاف بين المفسرين. والوجوه التي يرجح بها بين أقوالهم. فأما أسباب الخلاف فهي اثنا عشر: الأول: اختلاف القرآن. الثاني: اختلاف وجوه
احتمال الكلمة زائدة. العاشر: احتمال حمل الكلام على الترتيب وعلى التقديم والتأخير.
الحادي عشر: احتمال أن يكون الحكم منسوخا أو محكما. الثاني عشر: اختلاف الرواية في التفسير عن النبي صلّى الله عليه واله وسلّم وعن السلف رضي الله عنهم.
وأما وجوه الترجيح فهي اثنا عشر الأول: تفسير بعض القرآن ببعض، فإذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال. الثاني: حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإذا ورد عنه عليه السلام تفسير شيء من القرآن عوّلنا عليه. لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح. الثالث: أن يكون القول قول الجمهور وأكثر المفسرين: فإنّ كثرة القائلين بالقول يقتضي ترجيحه. الرابع: أن يكون القول قول من يقتدى به من الصحابة كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن عباس: لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» «١». الخامس: أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة والإعراب أو التصريف أو الاشتقاق. السادس: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده. السابع: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن فإنّ ذلك دليل على ظهوره ورجحانه. الثامن: تقديم الحقيقة على المجاز. فإنّ الحقيقة أولى أن يحمل عليها اللفظ عند الأصوليين. وقد يترجح المجاز إذا كثر استعماله حتى يكون أغلب استعمالا من الحقيقة ويسمى مجازا راجحا والحقيقة مرجوحة. وقد اختلف العلماء أيهما يقدم: فمذهب أبي حنيفة تقديم الحقيقة لأنها الأصل ومذهب أبي يوسف تقديم المجاز الراجح لرجحانه. وقد يكون المجاز أفصح وأبرع فيكون أرجح. التاسع: تقديم العمومي على الخصوصي فإنّ العمومي أولى لأنه الأصل إلّا أن يدل دليل على التخصيص.
العاشر: تقديم الإطلاق على التقييد، إلّا أن يدل دليل على التقييد. الحادي عشر: تقديم الاستقلال على الإضمار إلّا أن يدل دليل على الإضمار. الثاني عشر: حمل الكلام على ترتيبه إلّا أن يدل دليل على التقديم والتأخير.
الباب السادس: في ذكر المفسرين.
اعلم أن السلف الصالح انقسموا إلى فرقتين:
فمنهم من فسر القرآن وتكلم في معانيه. وهم الأكثرون. ومنهم من توقف عن الكلام فيه احتياطا لما ورد من التشديد في ذلك. فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفسر من القرآن الآيات إلّا بعد علمه إياهن من جبريل. وقال صلّى الله عليه وسلّم: «من قال في القرآن برأيه وأصاب فقد أخطأ» «٢». وتأول المفسرون حديث عائشة رضي الله عنها بأنه
(٢). ذكره في التيسير ص ٤٣٤/ ٢ ج عن سمرة بن جندب وحسّنه وعزاه للشيخين والنسائي.
واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى: الصحابة رضي الله عنهم.
وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس. ويقول: كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال ابن عباس ما عندي من تفسير القرآن فهو عن عليّ بن أبي طالب. ويتلوهما عبد الله بن مسعود. وأبيّ بن كعب. وزيد بن ثابت. وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكلما جاء من التفسير عن الصحابة فهو حسن.
والطبقة الثانية: التابعون. وأحسنهم كلاما في التفسير الحسن بن أبي الحسن البصري. وسعيد بن جبير ومجاهد مولى ابن عباس. وعلقمة صاحب عبد الله بن مسعود.
ويتلوهم: عكرمة. وقتادة. والسّدي. والضحاك بن مزاحم. وأبو صالح. وأبو العالية.
ثم حمل تفسير القرآن عدول كل خلف، وألف الناس فيه: كالمفضل. وعبد الرزاق.
وعبد بن حميد. والبخاري. وعلي بن أبي طلحة. وغيرهم. ثم إن محمدا بن جرير الطبري جمع أقوال المفسرين وأحسن النظر فيها. وممن صنف في التفسير أشياء: أبو بكر النقّاش.
والثعلبي «١». والماوردي. إلّا أن كلامهم يحتاج إلى تنقيح. وقد استدرك الناس على بعضهم.
وصنف أبو محمد بن قتيبة في غريب القرآن ومشكله وكثير من علومه وصنف في معاني القرآن جماعة من النحويين: كأبي إسحاق الزجاج، وأبي علي الفارسي، وأبي جعفر النحاس.
وأما أهل المغرب والأندلس فصنف القاضي منذر بن سعيد البلوطي كتابا في غريب القرآن وتفسيره. ثم صنف المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب كتاب الهداية في تفسير القرآن.
وكتابا في غريب القرآن. وكتابا في ناسخ القرآن ومنسوخه. وكتابا في إعراب القرآن. إلى غير ذلك من تآليفه. فإنها نحو ثمانين تأليفا: أكثرها في علوم القرآن والقراءات والتفسير وغير ذلك. وأما أبو عمرو الداني فتآليفه تنيف على مائة وعشرين. إلّا أن أكثرها في القرآن.
ولم يؤلف في التفسير إلّا قليلا. وأما أبو العباس المهدي فمتقن التآليف. حسن الترتيب.
جامع لفنون علوم القرآن: ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي وأبو محمد عبد الحق بن عطية. فأبدع كل واحد وأجمل. واحتفل وأكمل. فأما ابن العربي فصنف كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال والجمع لعلوم القرآن: فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» إلّا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه وتلخيصه. وألف في سائر علوم القرآن تآليف مفيدة وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها. فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها. وهو مع ذلك حسن العبارة. مسدّد النظر، محافظ على السنة. ثم ختم علم القرآن
الباب السنابع في الناسخ والمنسوخ: النسخ في اللغة: هو الإزالة والنقل. ومعناه في الشريعة: رفع الحكم الشرعي بعد ما نزل، ووقع في القرآن على ثلاثة أوجه: الأوّل: نسخ اللفظ والمعنى كقوله: (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) «١». الثاني: نسخ اللفظ دون المعنى كقوله: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم).
الثالث: نسخ المعنى دون اللفظ وهو كثير وقع منه في القرآن على ما عدّ بعض العلماء مائتا موضع وثنتا عشرة مواضع منسوخة، إلّا أنهم عدوا التخصيص والتقييد نسخا، والاستثناء نسخا، وبين هذه الأشياء وبين النسخ: فروق معروفة، وسنتكلم على ذلك في مواضعه.
ونقدّم هنا ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم، بالأمر بقتالهم ليغني ذلك عن تكراره في مواضعه، فإنه وقع منه في القرآن مائة آية وأربع عشرة آية من أربع وخمسين آية، ففي البقرة وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: ٨٣] وَلَنا أَعْمالُنا [البقرة: ١٣٩] وَلا تَعْتَدُوا [البقرة: ١٩٠] أي لا تبدءوا بالقتال وَلا تُقاتِلُوهُمْ [البقرة: ١٩١] قُلْ قِتالٌ [البقرة: ٢١٧] لا إِكْراهَ [البقرة: ٢٥٦] وفي آل عمران فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ [آل عمران: ٢٠] مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران: ٢٨] وفي النساء فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء: ٦٣- ٨١] في موضعين فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء:
٧٩] لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء: ٨٣] إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ [النساء: ٨٩] وفي المائدة وَلَا آمِّينَ [المائدة: ٢] عَلَيْكَ الْبَلاغُ [المائدة: ٣- ٢٠] عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: ١٠٥] وفي الأنعام لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام: ٦٦] ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام:
٩١] عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الأنعام: ١٠٤] وَأَعْرِضْ [الأنعام: ١٠٦] عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [الأنعام: ١٠٧] وَلا تَسُبُّوا [الأنعام: ١٠٨] قدرهم في موضعين يا قَوْمِ اعْمَلُوا [الأنعام: ١٣٥] قُلِ انْتَظِرُوا [الأنعام: ١٥٨] لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام: ١٥٩] وفي الأعراف: وَأَعْرِضْ [الأعراف: ٦٨] وَأُمْلِي لَهُمْ [الأعراف: ١٨٢] وفي الأنفال
١٠٩] وفي هود إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ [هود: ١٢] أي تنذر ولا تجبر اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ [هود: ٩٣] انْتَظِرُوا [هود: ١٢٢] وفي الرعد عَلَيْكَ الْبَلاغُ [الرعد: ٤٢] وفي النحل إِلَّا الْبَلاغُ [النحل: ٣٥] عَلَيْكَ الْبَلاغُ [النحل: ٨٢] وَجادِلْهُمْ [النحل: ١٢٥] وَاصْبِرْ [النحل: ١٢٧] وفي الإسراء رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ [الإسراء: ٢٥] وفي مريم وَأَنْذِرْهُمْ [مريم: ٣٩] فَلْيَمْدُدْ [مريم: ٧٥] وَلا تَعْجَلْ [مريم: ٨٥] وفي طه قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ [طه: ١٣٥] وفي الحج وَإِنْ جادَلُوكَ [الحج: ٦٨] وفي المؤمنين فَذَرْهُمْ [المؤمنين: ٥٥] ادْفَعْ [المؤمنين: ٩٧] وفي النور فَإِنْ تَوَلَّوْا [النور: ٥٤] وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [النور: ٥٤] وفي النمل فَمَنِ اهْتَدى [النمل: ٩٢] وفي القصص لَنا أَعْمالُنا [القصص: ٥٥] وفي العنكبوت أَنَا نَذِيرٌ [العنكبوت: ٥٠] لما يقتضي من عدم الإجبار، وفي الروم فَاصْبِرْ [الروم: ٦٠] وفي لقمان وَمَنْ كَفَرَ [لقمان: ٢٣] وفي السجدة وَانْتَظِرْ [السجدة: ٣٠] وفي الأحزاب وَدَعْ أَذاهُمْ [الأحزاب: ٤٨] وفي سبأ قُلْ لا تُسْئَلُونَ [سبأ: ٢٥] وفي فاطر إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر: ٢٣] وفي يس فَلا يَحْزُنْكَ [ياسين: ٧٦] وفي الصافات قَوْلُ وقَوْلُ [الصافات: ٣١] وما يليهما، وفي ص اصْبِرْ [ص: ١٧] أَنَا نَذِيرٌ [ص: ٧٠] وفي الزمر إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الزمر: ٣] لما فيه من الإمهال فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ [الزمر:
١٥] يا قَوْمِ اعْمَلُوا [الزمر: ٣٩] فَمَنِ اهْتَدى [الزمر: ٤١] أَنْتَ تَحْكُمُ [الزمر:
٤٦] لأنّ فيه تفويضا، وفي المؤمن فَاصْبِرْ [المؤمن: ٥٥- ٧٦] في موضعين، وفي فصّلت ادْفَعْ [فصّلت: ٣٤] وفي الشورى وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى: ٦] لَنا أَعْمالُنا [الشورى: ١٥] فَإِنْ أَعْرَضُوا [الشورى: ٤٨] وفي الزخرف فَذَرْهُمْ [الزخرف: ١٣] فَاصْفَحْ [الزخرف: ٨٩] وفي الدخان فَارْتَقِبْ [الدخان: ١٠] وفي الجاثية يَغْفِرُوا [الجاثية: ١٤] وفي الأحقاف فَاصْبِرْ [الأحقاف: ٣٥] وفي القتال [محمد] فَإِمَّا مَنًّا [محمد: ٤] وفي ق فَاصْبِرْ [ق: ٣٩] وَما أَنْتَ [ق: ٤٥] وفي الذاريات قَوْلٍ [الذاريات: ٨] وفي الطور قُلْ تَرَبَّصُوا [الطور: ٣١] وَاصْبِرْ [الطور: ٤٨] فَذَرْهُمْ [الطور: ٤٥] وفي النجم فَأَعْرِضْ [النجم: ٢٩] وفي القمر يَقُولُ وفي ن فَاصْبِرْ [ن: ٤٨] سَنَسْتَدْرِجُهُمْ [ن: ٤٤] وفي المعارج فَاصْبِرْ [المعارج: ٥] فَذَرْهُمْ [المعارج: ٤٢] وفي المزمّل وَاهْجُرْهُمْ [المزمّل: ١٠] وَذَرْنِي [المزمّل: ١١] وفي المدّثّر ذَرْنِي [المدّثّر: ١١] وفي الإنسان فَاصْبِرْ [الإنسان: ٢٤] وفي الطارق فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ [الطارق: ١٧] وفي الغاشية لَسْتَ عَلَيْهِمْ
[الغاشية: ٢٢] وفي الكافرين لَكُمْ دِينُكُمْ [الكافرين: ٦] نسخ ذلك كلّه:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٦] وكُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ [البقرة: ٢١٦].
الباب الثامن في جوامع القراءة، وهو على نوعين: مشهورة، وشاذة.
فالمشهورة القراءات السبع، وهو حرف نافع المدني، وابن كثير المكي، وأبو عمرو بن العلاء البصري، وابن عامر الشامي، وعاصم، وحمزة والكسائي الكوفيين. ويجري مجراهم في الصحة والشهرة: يعقوب الحضرمي بن محيصن، ويزيد بن القعقاع. والشاذة ما سوى ذلك، وإنما سميت شاذة لعدم استقامتها في النقل، وقد تكون فصيحة اللفظ، أو قوية المعنى. ولا يجوز أن يقرأ بحرف إلّا بثلاث شروط: موافقته لمصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وموافقته لكلام العرب ولو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات، ونقله نقلا متواترا أو مستفيضا.
واعلم أنّ اختلاف القرّاء على نوعين: أصول، وفرش الحروف.
فأما الفرش: فهو ما لا يرجع إلى أصل مضطرد، ولا قانون كلي، وهو في وجهين:
اختلاف على القراءة باختلاف المعنى، وباتفاق المعنى. وأما الأصول فالاختلاف فيها لا يغير المعنى. وهي ترجع إلى ثمان قواعد: الأولى: الهمزة: وهي في حروف المدّ الثلاث، ويزاد فيها على المدّ الطبيعي بسبب الهمزة والتقاء الساكنين. الثانية وأصله التحقيق ثم قد يحقق على سبعة أوجه: إبدال واو أو ياء أو ألف وتسهيل بين الهمزة والواو، وبين الهمزة والياء، وبين الهمزة والألف، وإسقاط. الثالثة: الإدغام، والإظهار، والأصل الإظهار، ثم يحدث الإدغام في المثلين، أو المتقاربين وفي كلمة، وفي كلمتين، وهو نوعان: إدغام كبير انفرد به أبو عمرو: وهو إدغام المتحرّك. وإدغام صغير لجميع القرّاء: وهو إدغام الساكن. الرابعة: الإمالة، وهي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة. وبالألف نحو الياء، والأصل الفتح، ويوجب الإمالة الكسرة والياء. الخامسة: الترقيق والتفخيم، والحروف على ثلاثة أقسام يفخم في كل حال، وهي حروف الاستعلاء السبعة ومفخم تارة ومرقق أخرى وهي الراء واللام والألف فأما الراء فأصلها التفخيم وترقق للكسر والياء، وأما اللّام فأصلها الترقيق وتفخم لحروف الأطباق وأما الألف فهي تابعة للتفخيم والترقيق لما قبلها، والمرقق على كل حال سائر الحروف. السادسة: الوقف، وهو على ثلاثة أنواع، سكون جائز في الحركات الثلاث وروم في المضموم والمكسور، وإشمام في المضموم خاصة. السابعة:
مراعاة الخط في الوقف. الثامنة: إثبات الياءات وحذفها.
الباب التاسع في الوقف، وهو أربعة أنوع: وقف تام، وحسن، وكاف، وقبيح، وذلك بالنظر إلى الإعراب والمعنى، فإن كان الكلام مفتقرا إلى ما بعده في إعرابه أو معناه، وما بعده مفتقرا إليه كذلك لم يجز إليه الفصل بين كل معمول وعامله، وبين كل ذي خبر وخبره، وبين كل ذي جواب وجوابه، وبين كل ذي موصول وصلته، وإن كان الكلام الأوّل مستقلا يفهم دون الثاني إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله، فالوقف على الأوّل كاف،
راجح، ومرجوح، وباطل، وقد يقف لبيان المراد وإن لم يتم الكلام.
تنبيه
هذا الذي ذكرنا من رعي الإعراب والمعنى في المواقف: استقرّ عليه العمل، وأخذ به شيوخ المقرئين، وكان الأوائل يراعون رؤوس الآيات، فيقفون عندها لأنها في القرآن كالفقر في النثر والقوافي في الشعر، ويؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقطع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم ثم يقف.
الباب العاشر: في الفصاحة والبلاغة وأدوات البيان.
أما الفصاحة فلها خمسة شروط: الأوّل أن تكون الألفاظ عربية لا مما أحدثه المولدون ولا مما غلطت فيه العامّة، الثاني أن تكون من الألفاظ المستعملة لا من الوحشية المستثقلة، الثالث أن تكون العبارة واقعة على المعنى موفية له لا قاصرة عنه، الرابع أن تكون العبارة سهلة سالمة من التعقيد. الخامس: أن يكون الكلام سالما من الحشو الذي لا يحتاج إليه.
وأما البلاغة فهي سياق الكلام على ما يقتضيه الحال والمقال من الإيجاز والإطناب، ومن التهويل والتعظيم والتحقير، ومن التصريح والكناية والإشارة وشبه ذلك، بحيث يهز النفوس ويؤثر في القلوب، ويقود السامع إلى المراد أو يكاد.
وأما أدوات البيان: فهي صناعة البديع، وهو تزيين الكلام كما يزين العلم الثوب، وقد وجدنا في القرآن منها اثنين وعشرين نوعا، ونبهنا على كل نوع في المواضع التي وقع فيها من القرآن وقد ذكرنا هنا أسماءها ونبين معناه:
الأوّل: المجاز: وهو اللفظ المستعمل في غير مواضع له لعلاقة بينهما، وهو اثنا عشر نوعا: التشبيه والاستعارة، والزيادة، والنقصان، وتشبيه المجاور باسم مجاوره، والملابس باسم ملابسه، والكل، وإطلاق اسم الكل على البعض، وعكسه، والتسمية باعتبار ما يستقبل، والتسمية باعتبار ما مضى، وفي هذا خلاف هل هو حقيقة أو مجاز.
واتفق أهل علم اللسان وأهل الأصول على وقوع المجاز في القرآن لأنّ القرآن نزل بلسان العرب وعادة فصحاء العرب استعمال المجاز، ولا وجه لمن منعه لأنّ الواقع منه في القرآن أكثر من أن يحصى.
الثاني: الكناية: وهي العبارة عن الشيء فيما يلازمه من غير تصريح.
الرابع: التمديد: وهو ذكر شيء بعد اندراجه في لفظ عامّ متقدّم، والقصد بالتجديد تعظيم المجدّد ذكره أو تحقيره، أو رفع الاحتمال.
الخامس: الاعتراض: وهو إدراج كلام بين شيئين متلازمين: كالخبر والمخبر عنه، والصفة والموصوف، والمعطوف والمعطوف عليه، وإدخاله في أثناء كلام متصل. والقصد به تأكيد الكلام الذي أدرج فيه.
السادس: التجنيس: وهو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى، ثم الاتفاق قد يكون في الحروف والصيغة، أو في الحروف خاصة، أو في أكثر الحروف لا في جميعها، أو في الخط لا في اللفظ، وهو تجنيس التصحيف.
السابع: الطباق: وهو ذكر الأشياء المتضادّة كالسواد والبياض والحياة والموت، والليل والنهار، وشبه ذلك.
الثامن: المقابلة، وهو أن يجمع بين شيئين فصاعدا ثم يقابلهما بأشياء أخر.
التاسع: المشاكلة: وهي أن تذكر الشيء بلفظ آخر لوقوعه في صحبته.
العاشر: الترديد: وهو ردّ الكلام على آخره ويسمى في الشعر ردّ العجز على الصدر.
الحادي عشر: لزوم ما لا يلزم: وهو أن يلتزم قبل حروف الرويّ حرفا آخر، وكذلك عند رؤوس الآيات.
الثاني عشر: القلب: وهو أن يكون الكلام يصلح ابتداء قراءته من أوّله وآخره نحو دعد أو تعكس كلماته فتقدّم المؤخر منها وتؤخر المقدّم.
الثالث عشر: التقسيم: وهو أن تقسم المذكور إلى أنواعه أو أجزائه.
الرابع عشر: التتميم: وهو أن تزيد في الكلام ما يوضحه ويؤكده وإن كان مستقلا دون هذه الزيادة.
الخامس عشر: التكرار: وهو أن تضع الظاهر موضع المضمر، فتكرّر الكلمة على وجه التعظيم أو التهويل، أو مدح المذكور أو ذمّه أو للبيان.
السادس عشر: التهكم: وهو إخراج الكلام عن مقتضاه استهزاء بالمخاطب أو بالخبر، كذلك البشارة في موضع النذارة.
السابع عشر: اللف والنشر وهو أن تلف في الذكر شيئين فأكثر، ثم تذكر متعلقات بها، وفيه طريقتان: أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالأوّل، وأن تبدأ بالآخر.
الثامن عشر: الجمع: وهو أن تجمع بين شيئين فأكثر في خبر واحد، وفي صف واحد وشبه ذلك.
التاسع عشر: الترصيع: وهو أن تكون الألفاظ في آخر الكلام مستوفية الوزن، أو متقاربة مع الألفاظ التي في أوّله.
العشرون: التشجيع: وهو أن يكون كلمات الآي على رويّ واحد.
الحادي والعشرون: الاستطراد: وهو أن يتطرّق من كلام إلى كلام آخر بوجه يصل ما
الثاني والعشرون: المبالغة: وقد تكون بصيغة الكلمة نحو صيغة فعال ومفعال وقد تكون بالمبالغة في الإخبار أو الوصف، فإن اشتدّت المبالغة فهو غلوّ وإغراب. وذلك مستكره عند أهل هذا الشأن.
الباب الحادي عشر: في إعجاز القرآن وإقامة الدليل على أنه من عند الله عز وجل، ويدل على ذاك عشرة أوجه:
الأوّل: فصاحته التي امتاز بها عن كلام المخلوقين. الثاني: نظمه العجيب وأسلوبه الغريب من قواطع آياته وفواصل كلماته. الثالث: عجز المخلوقين في زمان نزوله وبعد ذلك إلى الآن عن الإتيان بمثله. الرابع: ما أخبر فيه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ولم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعلم ذلك ولا قرأه في كتاب. الخامس: ما أخبر فيه من الغيوب المستقبلة فوقعت على حسب ما قال. السادس: ما فيه من التعريف بالباري جل جلاله. وذكر صفاته وأسمائه، وما يجوز عليه. وما يستحيل عليه، ودعوة الخلق إلى عبادته وتوحيده، وإقامة البراهين القاطعة، والحجج الواضحة، والردّ على أصناف الكفار، وذلك كله يعلم بالضرورة أنه لا يصل إليه بشر من تلقاء نفسه، بل بوحي من العليم الخبير، ولا يشك عاقل في صدق من عرف الله تلك المعرفة وعظم جلاله ذلك التعظيم ودعا عباد الله إلى صراطه المستقيم. السابع: ما شرع فيه من الأحكام وبين من الحلال والحرام، وهدى إليه من مصالح الدنيا والآخرة، وأرشد إليه من مكارم الأخلاق، وذلك غاية الحكمة وثمرة العلوم. الثامن: كونه محفوظا عن الزيادة والنقصان، محروسا عن التغيير والتبديل على طول الزمان، بخلاف سائر الكتب. التاسع: تيسيره للحفظ وذلك معلوم بالمعاينة. العاشر:
كونه لا يمله قارئه ولا سامعه على كثرة الترديد، بخلاف سائر الكلام.
الباب الثاني عشر: في فضل القرآن. وإنما نذكر منه ما ورد في الحديث الصحيح، فمن ذلك ما ورد عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» «١» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه ويتعتع به وهو عليه شاق فله أجران» «٢» وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة: ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة: لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها
(٢). متفق عليه نقلا عن النووي.
«يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم. قلت: الله لا إله إلّا هو الحي القيوم. فضرب في صدري، وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر» «٨» وعن النوّاس بن سمعان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران- وضرب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أمثال ما نسيتهما بعد- قال وإنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجّان عن صاحبهما» «٩» وعن أبي الدرداء أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من الدجال» «١٠» وعن أبي الدرداء أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«سورة قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» «١١» وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألم تر آيات أنزلت عليّ لم ير مثلهنّ قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس» «١٢».
(٢). رواه أحمد في مسنده ص ٥٢٢/ ١.
(٣). رواه البخاري عن رياض الصالحين.
(٤). رواه مسلم عن عمر بن الخطاب عن رياض الصالحين.
(٥). رواه مسلم نقلا عن رياض الصالحين. [.....]
(٦). رواه أحمد ٥/ ٣١٤.
(٧). رواه مسلم ص ٥٣٩/ ١ من كتاب صلاة المسافرين.
(٨). رواه مسلم ص ٥٥٦/ ١.
(٩). رواه مسلم ص ٥٥٤/ ١.
(١٠). رواه مسلم.
(١١) رواه مسلم ص ٥٥٦/ ١.
(١٢) رواه مسلم ص ٥٥٨/ ١.
في تفسير معاني اللغات
نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء والأفعال والحروف، وإنما جمعناها في هذا الباب لثلاثة فوائد: أحدها:
تفسيرها للحفظ فإنها وقعت في القرآن متفرّقة فجمعها أسهل لحفظها، والثانية:
ليكون هذا الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير لما أن تآليف القرآن جمعت فيها الأصول المطردة والكثيرة الدور، والثالثة:
الاقتصار فنستغني بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها من القرآن خوف التطويل بتكرارها، وربما نبهنا على بعضها للحاجة إلى ذلك، ورتبناها في هذا الكتاب على حروف المعجم، فمن لم يجد تفسير كلمة في موضعها من القرآن: فلينظر في هذا الباب، واعتبرنا في هذه الحروف: الحرف الذي يكون فاء الكلمة وهو الأصلي دون الحروف الزائدة في أوّل الكلمات.
حرف الهمزة
آية لها معنيان أحدهما: علامة وبرهان والثاني: آية من القرآن، وهي كلام متصل إلى الفاصلة، والفواصل هي رؤوس الآيات أتى بقصر الهمزة معناه جاء، ومضارعه يأتي، ومصدره إتيان، واسم الفاعل منه آت، واسم المفعول منه مأتي، ومنه قوله تعالى آتى بمدّ الهمزة معناه أعطى، ومضارعه يؤتي، واسم الفاعل مؤت، ومنه والمؤتون الزكاة أبى يأبى أي امتنع أثر الشيء بقيته وأمارته، وجمعه آثار والأثر أيضا الحديث، وأثارة من علم بقية، وأثاروا الأرض حرثوها وأثر الرجل الشيء يؤثره فضّله إثم ذنب، ومنه آثم وأثيم أي مذنب أجر ثواب وبمعنى الأجرة، ومنه استأجره وعلى أن تأجرني، وأما استجارك فأجره ويجركم من عذاب أليم، ومن يجيرني من الله، وهو يجير ولا يجار عليه: فذلك كله من الجوار بمعنى التأمين آمن إيمانا أي صدق، والإيمان في اللغة التصديق مطلقا، وفي الشرع التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والمؤمن في الشرع المصدّق بهذه الأمور، والمؤمن اسم الله تعالى: أي المصدّق لنفسه وقيل إنه من الأمن: أي يؤمن أوليائه من عذابه، وأمن بقصر الهمزة وكسر الميم أمنا وأمانة: ضدّ الخوف وأمن من الأمانة، وأمّن غيره من التأمين أليم مؤلم أي موجع ومنه تألمون إمام له أربعة معان: القدوة والكتاب، والطريق، وجمع أمّ أي تابع، وهي للمتقين إماما أمّة لها أربعة معان: الجماعة من الناس، والدين والحين، والإمام أي القدوة أميّ لا يقرأ ولا يكتب، ولذلك وصف العرب بالأميين أم لها معنيان الوالدة،
وقته، وجمعه إنا ومنه آناء الليل أمر له معنيان: أحدهما: طلب الفعل على الوجوب أو الندب أو الإباحة، وقد تأتي صفة الأمر لغير الطلب، والتهديد، والتعجيز، والتعجب والخبر، والثاني: بمعنى الشأن والصفة، وقد يراد به العذاب، ومنه جاء أمرنا إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام وهو والد الأسباط واليهود ذريتهم إياب رجوع ومنه مآب أي مرجع، ورجل أوّاب كثير الرجوع إلى الله، والتأويب التسبيح، «يا جبال أوّبي» [سبأ:
١٠] إفك أشدّ الكذب، والأفاك:
الكذاب، وأفك الرجل عن الشيء: أي صرف عنه، ومنه تؤفكون أوى الرجل إلى الموضع بالقصر، وآواه غيره بالمدّ، ومنه المأوى أف كلمة شر آلاء الله نعمه، ومنه آلاء ربكما أسف له معنيان: الحزن، والغضب، ومنه: فلما آسفونا أسوة بكسر الهمزة وضمها قدوة أسى الرجل يأسى أسا: أي حزن، ومنه: فلا تأس، وكيف آسى أذان بالقصر إعلام بالشيء ومنه الأذان بالصلاة، والآذان بالمدّ: جمع أذن إذن الله بمعنى العلم والإرادة والإباحة، وأذنت بالشيء أعلمت به بكسر الذال، وآذنت به غيري بالمدّ إصر له معنيان، الذنب، والعهد. وأصرّ على الذنب يصرّ إصرارا:
دام عليه ولم يتب منه. أيد أي قوّة، ومنه أيدناه، وبنيناها بأيد، والأيدي جمع يد، فهمزتها زائدة أكل بضم الهمزة اسم المأكول، ويجوز فيه ضم الهمزة وإسكانها، والأكل بضم الهمزة المصدر أيلة غيضة أثاث متاع البيت أجاج مرّ أرائك أسرّة واحدها أريكة آنية له معنيان أحدهما: جمع إناء، ومنه: آنية من فضة، وشديدة الحر، ومنه:
عين آنية، ووزن الأولى أفعلة، والثانية فاعلة ومذكرها آن أحد له معنيان واحد، ومنه: الله أحد واسم جنس بمعنى إنسان أيّان معناه متى أنى بمعنى كيف ومتى وأين للحصر إن المكسورة المخففة أربعة أنواع شرطية ونافية وزائدة ومخففة من الثقيلة أن المفتوحة المخففة أربعة أنواع مصدرية وزائدة ومخففة من الثقيلة وعبارة عن القول إنما نوعان ظرف زمان مستقبل ومعناها الشرط وقد تخلو عن الشرط ومجانبة إذا لها معنيان: ظرف زمان ماضي وسببية للتقليل أو العاطفة لها خمسة معان:
الشك، والإبهام، والإباحة، والتخيير، والناصبة للفعل بمعنى إلى أو إلّا أم استفهامية وقد يكون فيها معنى الإنكار والإضراب وتكون متصلة للمعادلة بين ما قبلها وما بعدها ومنفصلة مما قبلها إما المكسورة المشدّدة للتنويع، والشك والتخيير، وقد تكون مركبة من إن الشرطية وما الزائدة إلّا المفتوحة المشدّدة أداة استثناء وتكون للإيجاب بعد غير الواجب، وتكون مركبة من إن الشرطية ولا النافية أيّ المشدّدة سبعة أنواع: شرطية، واستفهامية وموصولة، ومنادى، وصفة، وظرفية إذا أضيفت إلى ظرف، ومصدرية إذا أضيفت إلى مصدر إي المكسورة المخففة ومعناها التصديق إلى معناه انتهاء الغاية، وقيل تكون بمعنى مع الهمزة للاستفهام، والتقرير، والتوبيخ، والتسوية، وللمتكلم وأملية، وزائدة للبناء) «١».
باري خالق، ومنه البرية أي الخلق بعث له معنيان بعث الرسل وبعث الموتى من القبور بسط الله الرزق وسعه ومعنى قبض وقدر الرزق: أي ضيقه، ومن أسماء الله تعالى: القابض والباسط، وبسطة: زيادة بشّر: من البشارة وهي الإعلام بالخير قبل وروده، وقد يكون للشر إذا ذكر معها، ويجوز في الفعل التشديد والتخفيف، ومنه المبشر والبشير، واستبشر بالشيء فرح به بعد: له معنيان ضدّ القرب والفعل منه بعد بضم العين، والهلاك والفعل منه بكسرها ومنه كما بعدت ثمود بلاء: له معنيان:
العذاب، والاختبار ومنه أيضا ونبلوكم برّ:
له معنيان: الكرامة ومنه برّ الوالدين وأن تبروهم، والتقوى، والجمع لخصال الخير ومنه: البرّ من اتقى، ورجل بارّ وبرّ والجمع أبرار والبرّ من أسماء الله تعالى بات: معروف ومصدره بيات وبيّت الأمر دبّره بالليل بغتة: فجأة بروج: جمع برج وهو الحصن، وبروج السماء منازل الشمس والقمر بين: ظرف وبين يدي الشيء ما تقدّم قبله، والبين الفراق والاجتماع لأنه من الأضداد بينات: براهين من المعجزة وغيرها ومبيّنة من البيان يبين: من البيان وله معنيان: بيّن غير متعد، ومبين لغيره بدا: يبدو بغير همز: ظهر، وأبديته:
أظهرته، والبادي أيضا من البداية، ومنه:
بادون في الإعراب بدأ: بالهمزة من الابتداء ويقال بدأ الخلق وأبدأه، وقد جاء القرآن بالوجهين بغي: له معنيان: العدوان على الناس، والحسد، والبغاء بكسر الباء:
الزنا، ومنه: امرأة بغيّ أي زانية، وابتغاء الشيء وبغاه: أي طلبه بثّ: الحديث وغيره نشره، والمبثوث: المنتشر، مبثوثة متفرقة، والبثّ: الحزن الشديد، ومنه أشكو بثي بوّأ: أنزل الرجل ومنه: بوّأكم في الأرض، ولنبوأنهم، ومبوّأ بوار: هلك، ومنه قوما بورا أي هلكى باء: بالشيء رجع به، وقد يقال بمعنى اعترف بأساء: الفقر والبؤس والشدّة والمحنة، والبائس: الفقير من البؤس، والبأس: القتال والشجاعة، والمكروه، وبأس الله عذابه وبئس كلمة ذمّ برزخ: شيء بين شيئين، والبرزخ ما بين الموت والقيامة بديع: له معنيان جميل، ومبدع أي خالق الشيء ابتداء بسر: عبس ومنه: باسرة بصير: من أبصر، يقال:
أبصرته وبصرته، والبصائر: البراهين جمع بصيرة برز: ظهر ومنه: بارزة وبارزون بطش: أخذ بشدّة بخس: نقص بعل: له معنيان زوج المرأة وجمعه بعولة، والبعل أيضا: الرب، وقيل اسم صنم، ومنه:
أتدعون بعلا بهجة: حسن، وبهيج حسن مبلسون جمع مبلس وهو البائس، وقيل:
الساكت الذي انقطعت حجته، وقيل:
الحزين النادم، منه يبلس ومنه اشتق إبليس بهت: انقطعت حجته تبارك: من البركة، وهي الكثرة والنماء، وقيل: تقدّس بلى:
جواب يقتضي إثبات الشيء بل: معناها الإضراب عما قبلها الباء: للإلصاق، ولنقل الفعل في التعدّي، وللقسم، وللتعليل، وللمصاحبة، وللاستعانة، وظرفية وزائدة.
حرف التاء
تلا يتلو: له معنيان: قرأ، واتبع تقوى:
مصدر مشتق من الوقاية فالتاء بدل من الواو معناه: الخوف والتزام طاعة الله وترك معاصيه، فهو جامع لكل خير تاب:
كثير التوبة، وتوّاب: اسم الله تعالى: أي كثير التوبة على عباده، وتاب الله على العبد: ألهمه التوبة وقبل توبته تباب:
خسران، وتب: خسر تبار: هلاك، ومنه متبرّ أترفوا: أنعموا، والمترفون: المنعمون في الدنيا.
حرف الثاء
ثمود قبيلة من العرب الأقدمين ثوى:
في الموضع: أقام فيه ومنه مثوى ثبور:
هلاك، ومنه: دعوا هنالك ثبورا أي صاحوا هلاكا ثمر: ما يؤكل مما تنبت الأرض ويقال بالفتح والضم ثقفوا: أخذوا وظفر بهم، ومنه: فإمّا تثقفنّهم في الحرب ثاقب: مضيء ثم: بالفتح ظرف، وبالضم حرف عطف يقتضي الترتيب والمهلة، وقد يرد لغير الترتيب، كالتأكيد، وترتيب الأخبار.
حرف الجيم
جعل له أربعة معان: صيّر، وألقى، وخلق، وأنشأ يفعل كذا جناح: الطائر:
معروف وجناح الإنسان إبطه، ومنه:
اضمم إليك جناحك، ولا جناح: لا إثم فمعناه الإباحة، وجنح للشيء مال إليه لا جرم: لا بد اجتبى: أختار جدال: مخالفة ومخاصمة واحتجاج تجأرون: تصيحون بالدعاء جواري: جمع جارية وهي السفينة أجرم: فهو مجرم، له معنيان: الكفر، والعصيان جنة: الجنون، وقد جاء بمعنى الملائكة جانّ: له معنيان: الجن والحية الصغيرة جنة: بالفتح البستان، وبالكسر الجنون، وبالضم الترس وما أشبهه مما يستتر به، ومنه استعير: أيمانهم جنة جاثية: أي على ركبهم لا يستطيعون مما هم فيه وقوله جثيا جمع جاث الجرز:
الأرض التي لا نبات فيها جاثمين: باركين على ركبهم جبار: اسم الله تعالى له معنيان: قهار، ومتكبر. وقد يكون من الجبر للكسير وشبهه، والجبار أيضا الظالم أجداث: قبور جزى: له معنيان من الجزاء بالخير والشر وبمعنى أغنى، ومنه: لا تجزي نفس. وأما أجزأ بالهمز فمعناه:
كفى جرح: له معنيان من الجروح وبمعنى الكسب والعمل، ومنه: جرحتم بالنهار، واجترحوا السيئات. ولذلك سميت كلاب الصيد: جوارح لأنها كواسب لأهلها جنب: له معنيان: من الجنابة وبمعنى البعد. ومنه: عن جنب.
حرف الحاء
حمد هو الثناء، سواء كان جزاء على نعمة أو ابتداء، والشكر إنما يكون جزاء، فالحمد من هذا الوجه أعم، والشكر باللسان والقلب والجوارح، ولا يكون الحمد إلّا باللسان، فالشكر من هذا الوجه أعم حميد: اسم الله تعالى أي بمعنى محمود حكمة: عقل أو علم، وقيل في الكتاب والحكمة هي السنة حكيم: اسم الله من الحكمة، ومن الحكم بين العباد، أو من إحكام الأمور وإتقانها حليم: الحلم: العقل وقد يقال بمعنى العفو، والأحلام العقول، والحليم من أسماء الله تعالى، قيل الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، وقيل:
معناه العفو عن الذنوب، والأحلام ما يرى في النوم حبط: بطل وأحبطه الله أبطله حنيف: مسلم وموحد الله، وقيل حاجّ،
الإسلام والحرّية، والعفاف، والتزوّج وليحصنكم من بأسكم: بغيكم حجة:
بالضم: دليل وبرهان وحاجّ فلان فلانا:
جادله، وحجة عليه: بالحجة، والحج بالفتح والكسر: القصد، ومنه أخذ: حجّ البيت، وحجة بالكسر: سنة، وجمعها حجج حطة: أي حط عنا ذنوبنا، وقيل:
كلمة بالعبرانية تفسيرها لا إله إلّا الله حضر: بالضاد من الحضور، ومنه محضرون، وشرب محتضر، وبالظاء: من المنع، ومنه: وما كان عطاء ربك محظورا، وكهشيم المحتظر، وبالذال من الحذر وهو الخوف، ومنه: إنّ عذاب ربك كان محذورا حفظ: العلم: وعيه وحفظ الشيء حراسته، والحفيظ: اسم الله تعالى، قيل معناه العليم، وقيل حافظ الخلق كالئهم من المهالك حاق: بهم أي حل بهم حبل: من الله ومن الناس، أي عهد، وحبل الله القرآن وأصله بالحبل المعروف حسب:
بكسر السين: ظن، مضارعه بالفتح والكسر وحسب بالفتح: من العدد ومضارعه بالضم، ومنه الحساب والحسبان، وحسبانا من السماء: أي مرام، وإحداها: حسبانة حساب: من الظن والعدد، وبغير حساب:
يحتمل الوجهين، وأن يكون من المحاسبة أن لا يحاسب عليه، ومن التقدير: أي بغير تضييق، وعطاء حسابا: أي كافيا حسيب:
اسم الله تعالى، فيه أربعة أقوال: كافي، وعالم، وقادر، ومحاسب حسبك الله: أي كافيك حزن: تأسف على ماض أو حال الخوف ترفع في المستقبل، ويقال حزن بكسر الزاي، وحزنه غيره، وأحزنه أيضا حصير: مجلس من الحصر، وأحصر عن الشيء: حبس عنه، وحسير بالسين: كليل حصيد: هو ما يحصد من الزرع وغيره، واستعير: قائم وحصيد، أي باق وذاهب حميم: له معنيان: الصديق، والماء الحار محيص: مهرب حجر: له أربعة معان:
الحرام، والعقل، ومنازل ثمود، وحجر الكعبة حمل: بكسر الحاء: ما على ظهر الدابة وغيرها، ويستعار للذنوب، وبالفتح:
ما في بطن المرأة، وجمعه أحمال إحسان: له ثلاث معان: فعل الحسنات، والإنعام على الناس، ومراقبة الله تعالى المشار إليها في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» «١» حق: له أربعة معان: الصدق، والعدل في الحكم، والشيء الثابت، والأمر الواجب والحق: اسم الله تعالى: أي الواجب الوجود حاصب: أي ريح شديدة سمّيت بذلك لأنها ترمي بالحصباء أي الحصى، والحاصب أيضا: الحجارة حلية:
حلى حرج: ضيق أو مشقة حول: له معنيان: العام، والحيلة، وحولا بكسر الحاء: انتقالا حرث: الأرض مصدر، ثم استعمل بمعنى الأرض والزرع والجنات حس: بغير ألف قتل ومنه: إذ تحسونهم، وأحس من الحس حرم: بضمتين محرمون بالحج حقب: بضمتين، وأحقاب جمع حقب، وهو مدّة من الدهر يقال إنه:
حرف الخاء
خلق له معنيان: من الخلقة ومن الخالق اسم الله، وكذا الخلاق. وخلّق الرجل:
كذب ومنه: تخلقون إفكا. واختلاق: أي كذب خلاق: نصيب خير: ضدّ الشر، وله أربعة معان: العمل الصالح والمال، والخيرة، والتفضيل بين شيئين خلا: له معنيان: من الخلوة، وبمعنى ذهب ومنه: أمّة قد خلت خطيئة: ذنب، وجمعه خطايا وخطيات، والفعل منه خطىء فهو خاطئ، وأما الخطأ بغير عمد فالفعل منه:
أخطأ خاسئين: مطرودين من قولك:
خسأت الكلب ومنه: اخسئوا فيها خلف:
بفتح الخاء وإسكان اللام، وله معنيان وراء، ومن خلف خلفه: بشر، فإذا خلفه بخير قيل بفتح اللام خلاف: له معنيان من المخالفة، وبمعنى بعد، أو دون، ومنه:
بمقعدهم خلاف رسول الله خوّل: أعطى خلة: بضم الخاء: مودّة، ومنه الخليل، وجمعه أخلّاء خلال: له معنيان: وداد، ومنه: لا بيع فيه ولا خلال، وبمعنى:
بين، ومنه: خلال الديار، وخلالكم خرّ:
يخرّ سقط على وجهه خامدون: هالكون، وأصله: من خمود النار خطب: الخطب:
سبب الأمر والخطب أيضا الأمر العظيم.
وخطبة النساء بالكسر، وخطبة الخطيب بالضم يخرصون: يكذبون، ومنه:
يخرصون والخرص أيضا: التقدير وقيل:
يخرصون منه: أي يقولون بالظن من غير تحقيق خوّان: كثير الخيانة مختال: من الخيلاء مخمصة: من الخمص وهو الجوع أخدان: جمع خدن وهو الخليل خراج: وخرج: أي أجرة وعطية.
حرف الدال
دين له خمسة معان: الملة، والعادة، والجزاء، والحساب، والقهر دأب: له معنيان: عادة، وجدّ، وملازمة، ومنه:
سبع سنين دأبا: متتابعة للزراعة من قولك:
دأبت على الشيء: دمت عليه أدنى: له معنيان: أقرب من الدنوّ، وأقل فهو من:
الداني، الحقير دار السلام: الجنة دوائر:
صروف الدهر، واحدها دائرة، ومنه دائرة السّوء دعاء: له خمسة معان: الطلب من الله، والعبادة، ومنه: تدعون من دون الله، والتمني: ولهم فيها ما يدّعون، والنداء:
ادعوا شهداءكم، والدعوة إلى الشيء: ادع إلى سبيل ربك دابة: كل ما يدب فيجمع جميع الحيوان دحور: إبعاد، ومنه المدحور: المطرود دعّ: بتشديد العين، يدعّ: أي دفع بعنف، ومنه يدّع اليتيم، ويدّعون إلى نار جهنم دعا درأ: دفع، ومنه يدرؤون مدرارا: من: درّ المطر، إذا صب داخرين: صاغرين دكّت: الأرض: أي:
دقت جبالها حتى استوت مع وجه الأرض ومنه: جعله دكّا: أي مستويا مع الأرض.
حرف الذال
ذكر له أربعة معان: ضد النسيان،
أي نصيبا من العذاب، والذنوب أيضا:
الدلو ذبح: بكسر الذال: المذبوح، وبالفتح: المصدر ذرأ: خلق ونشر ذلول:
مذللة للعمل من الفك «١» ومنه: ذللناهم لهم، ورجل ذلول: من الذل بالضم، وذللت قطوفها أدنيت أذقان: جمع ذقن.
حرف الراء
ربّ له أربعة معان: الإله، والسيد، والمالك الشيء، والمصلح للأمر ريب:
شك، ومنه: ارتابوا. ومريب، وريب المنون: حوادث الدهر رجع: يستعمل متعديا بمعنى ردّ وغير متعد، والمرجع:
اسم مصدر أو زمان أو مكان من الرجوع رعى: له معنيان: من النظر، ومن رعي الغنم روح: له أربعة معان: للنفس التي بها الحياة: يسألونك عن الروح، والوحي:
ينزّل الملائكة بالروح، وجبريل: نزل به الروح الأمين، وملك عظيم: تنزّل الملائكة والروح، وروح بفتح الراء: رائحة طيبة، والريحان: الرزق، وقيل الشجر المعروف ركام: بعضه فوق بعض، ومنه مركوم، ويركمه رجا: طمع وقد يستعمل في الخوف، ومنه لا يرجون لقاءنا رجال:
جمع رجل، وجمع راجل: أي غير راكب، ومنه: يأتوك رجالا، ومثله:
بخيلك ورجلك رفث: له معنيان:
الجماع، والكلام بهذا المعنى رجز:
عذاب: والرجز فاهجر: فهي الأوثان والرجس بالسين: النجس حقيقة، أو مجازا، وقد يستعمل بمعنى العذاب رهب:
خوف، ومنه: يرهبون رؤوف: من الرأفة وهي الرحمة إلّا أنّ الرأفة في دفع المكروه، والرحمة في دفع المكروه وفعل الجميل، فهي أعم من الرأفة مرضاة:
مفعلة من الرضا راسيات: ثابتات، ومنه:
قيل للجبال: رواسي، ومنه: مرساها رغدا: أي كثيرا ربوة: مكان مرتفع ربا:
هو في اللغة الزيادة، ومنه: ويربي الصدقات، وربت الأرض: انفتحت أرحام: جمع رحم، وهو فرج المرأة «٢» ويستعمل أيضا في القرابة أرجئه: أخره، ومنه: ترجي ويرجون، ويجوز فيه الهمز وتركه رأى: من رؤية العين يتعدّى إلى واحد، ومن رؤية القلب بمعنى العلم:
يتعدّى إلى مفعولين تربص: انتظر رفات:
فتات. أرذل العمر: الهرم، والأرذلون:
من الرذالة رقي: من الرقية بفتح القاف، ومنه: وقيل من راق، ورقي في السلم بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل أرداكم: أهلككم، والردى الهلاك، ومنه:
تردين، وتردى رجفة: زلزلة وشدّة.
حرف الزاي
زبر بضمتين ككتب، والزبور: كتاب داود عليه السلام زخرف: زينة، والزخرف أيضا: الذهب زكاة: له في اللغة معنيان:
الزكاة، والطهارة، ثم استعمله الشرع في
(٢). بل الصواب هو مقر الجنين في أسفل بطن المرأة.
زلّ القدم عن الموضع، وفعل الزلل زاغ:
عن الشيء زيغا: مال عنه، وأزاغه غيره:
أماله زلفى: قربى، وأزلفت: قربت، وزلفا من الليل: ساعات زعم: أي ادّعى، ولم يوافقه غيره، قال ابن عباس: زعم كناية عن كذب زعيم: ضامن تزجي: تسوق زلزلة الأرض: اهتزازها، وتستعمل بمعنى الشدّة والخوف، ومنه: زلزلوا زجرة واحدة: صيحة بمعنى نفخة الصور، والزجرة: الصيحة بشدّة وانتهار، وازدجر: من الزجر.
حرف السين
أسباط جمع سبط وهم ذرية يعقوب عليه السلام كان له اثنا عشر ولدا ذكرا، فأعقب كل واحد منهم عقبا. والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب سبيل: هو الطريق، وجمعه سبل، ثم استعمل في طريق الخير والشر، وسبيل الله: الجهاد. وابن السبيل، الضيف وقيل القريب سوّى:
بالتشديد له معنيان: من التسوية بين الأشياء وجعلها سواء، وبمعنى أتقن وأحسن، ومنه: فسوّاك فعدلك سواء: بالفتح والهمز من التسوية بين الأشياء، وسواء الجحيم:
وسطها، وسواء الصراط قصد الطريق سوى: بالكسر والضم مع ترك الهمزة استثناء، وقد يكون من التسوية سفهاء: جمع سفيه وهو الناقص العقل، وأصل السّفه:
الحمق ولذلك قيل لمبذر المال: سفيه، وللكفار والمنافقين: سفهاء سلوى: طائر يشبه السماني، وكان ينزل على بني إسرائيل مع المنّ سأل: له معنيان طلب الشيء، والاستفهام عنه، وسال بغير همز: من المعنيين المذكورين، ومن السيل سبحان:
تنزيه، وسبحان الله: أي نزهته عما لا يليق به من الصاحبة والولد والشركاء والأنداد وصفات الحدوث وجميع العيوب والنقائص سار: يسير مشى ليلا أو نهارا سرى يسري:
مشي ليلا، ويقال أيضا: أسرى بألف سخر:
يسخر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع: أي استهزأ، وسخر بالتشديد من التسخير سخريّا: بضم السين من السخرة وهي تكليف الأعمال، وبالكسر من الاستهزاء سلطان: له معنيان البرهان، والقوة، ومنه: لا تنفذون إلا بسلطان. سام يسوم: أي كلف الأمر وألزمه ومنه يسومونكم سوء العذاب وأصله من سوم السلعة في البيع سئم: يسأم: أي ملّ، ومنه:
وهم لا يسأمون سنة: أي عادة سلف:
الأمر: أي تقدّم، وأسلفه الرجل: أي قدّمه، ومنه: هنيئا بما أسلفتم سرّاء: فعلاء من:
السرور سارع: إلى الشيء: بادر إليه سوءة:
عورة، والسوء: ما يسوء بالفتح والضم، والسوأى: فعلاء من السوء، وسيء بهم:
فعل بهم السوء سنة: بفتح السين: عام، ولامها محذوفة وجمعها سنون وقد تقال بمعنى الحفظ «١» والجدب سنة: بكسر
سلوك الطريق، أسفار جمع سفر بفتحتين وجمع سفر وهو الكتاب. ساح يسيح فسيحوا في الأرض. والسائحون: الصائمون سوّل: بتشديد الواو: زيّن، ومنه: سوّلت لكم أنفسكم أمرا سرابيل: جمع سربال وهو القميص سبأ: قبيلة من العرب سموم: شدّة الحر سلام: له ثلاثة معان: التحية، والسلامة، والقول الحسن، ومنه: إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما سلام: اسم الله تعالى معناه: السلامة من كل نقص، فهو من أسماء التنزيه، وقيل: سلّم العباد من المهالك، وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنة سلّم: بفتحتين: انقياد وإلقاء باليد، وهو أيضا: بيع سلّم: بفتح السين وإسكان اللام: صلح ومهادنة سلّم: بكسر السين وإسكان اللام ومعناه الإسلام، وبضم السين وفتح اللام مشدّدة: هو الذي يصعد فيه أسلم يسلم له ثلاث معان: الدخول في الإسلام، والإخلاص لله، والانقياد، ومنه: فلما أسلما سعى يسعى، له ثلاث معان: عمل عملا، ومنه: وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى، ومشى، ومنه: فاسعوا إلى ذكر الله، وأسرع في مشيه، ومنه: رجل يسعى سكن يسكن له معنيان: من السكون ضد الحركة، ومن السكنى في الموضع سكينة: وقار وطمأنينة سائغ: سهل الشرب لا يغصّ به من شربه سابغات: دروع واسعات أساطير الأوّلين:
ما كتبه المتقدّمون مسيطر: أي مسلط، وأم هم المسيطرون: الأرباب سندس: وإستبرق: ثياب حرير، قيل: السندس رقيق الديباج، والإستبرق: صفيقه سحقا: بعدا، ومنه مكان سحيق: أي بعيد سعير: جهنم، وسعرت: أوقدت سبب: وجمعه أسباب له خمسة معان: الحبل، ومنه: فليمدد بسبب إلى السماء، والاستعارة من الحبل في المودّة والقرابة، ومنه: وتقطعت بهم الأسباب، والطريق ومنه: فأتبع سببا، والباب ومنه:
أسباب السموات، وسبب الأمر: موجبه.
حرف الشين
شعر بالأمر يشعر: أي علمه، والشعور: العلم من طريق الحس، ومنه:
لا يشعرون شهد يشهد له معنيان: من الشهادة على الشيء، ومن الحضور، ومنه الشهادة في سبيل الله شكرا: قد تقدّم في الحمد والشكر، والشكور: اسم الله المجازي لعباده على أعمالهم بجزيل الثواب، وقيل: المثني على العباد شرى:
أي باع، وقد يكون بمعنى اشترى شقاق:
عداوة ومعاندة، ومنه: ومن يشاقق الله شهاب: كوكب، وقد يطلق على شعلة النار شجر: هو كل ما ينبت في الأرض، وشجر بينهم: أي اختلفوا فيه شنآن: عداوة وشر، ويجوز فيه فتح النون وإسكانها شرع الله الأمر: أي أمر به، والشريعة والشرعة:
الملة، وشرعة الماء: في الدواب «١»، شعائر الله: معالم دينه، واحدها شعيرة أو شعارة شرك: له معنيان: من الإشراك، وهو أيضا النصيب، ومنه: أم لهم شرك
حرف الصاد
صراط هو في اللغة: الطريق ثم استعمل في القرآن بمعنى: الطريقة الدينية، وأصله بالسين ثم قلبت صادا لحرف الإطباق بعدها، وفيه ثلاث لغات: بالصاد، والسين، وبين الصاد والزاي صلاة: إذا كانت من الله فمعناها رحمة، وإذا كانت من المخلوق فلها معنيين: الدعاء، والأفعال المعلومة صوم:
أصله في اللغة: الإمساك مطلقا، ثم استعمل شرعا في الإمساك عن الطعام والشراب، وقد جاء بمعنى الصمت في قوله: إني نذرت للرحمن صوما، لأنه إمساك عن الكلام صدقة: يطلق على الزكاة الواجبة، وعلى التطوّع، ومنه: إن المصدّقين والمصدقات، وأما: «أإنك لمن المصدّقين» بالتخفيف فهو من التصديق صدقة: بضم الدال صداق المرأة، ومنه: وآتوا النساء صدقاتهنّ نحلة.
والصدق في القول: ضدّ الكذب، والصدق في الفعل صدق النية فيه، والصدق في القصد: العزم الصادق صعد يصعد: أي ارتفع، وأصعد بالألف يصعد بالضم: أي أبعد في الهروب، ومنه: إذ تصعدون، صعيدا طيبا: أي ترابا، والصعيد: وجه الأرض صدّ: له معنيان فالمتعدّي بمعنى:
منع غيره من شيء، ومصدره صدّ، ومضارعه بالضم، وغيره بمعنى أعرض ومصدره صدود صار له معنيان: من الانتقال ومنه: تصير الأمور، والمصير، وبمعنى:
ضم، ومضارعه يصور ومنه: فصرّهن إليك صاعقة: له ثلاثة معان: الموت، وكل بلاء يصيب، وقطعة نار تنزل من شدّة الرعد والمطر، وجمعها صواعق صواع: مكيال وهو السقاية والصاع، وسواع بالسين اسم صنم صابئين: قوم يعبدون الملائكة ويقولون: إنها بنات الله. وقيل: إنهم يرون تأثير الكواكب. وفيه لغتان. الهمز وتركه.
من صبأ إلى الشيء: إذا مال إليه تصطلون:
تفتعلون من: صبأ بالنار إذا تسخن بها، والطاء بدل من التاء اصطفى: أي اختار.
وأصله من الصفي. أي اتخذه صفيا صغار:
بفتح الصاد ذلة. ومنه صاغرون. والصغير ضدّ الكبير صدف عن الشيء يصدف أعرض عنه صريخ: مغيث ومنه: ما أنا بمصرخكم صلصال: طين يابس. فإذا مسته النار فهو فخّار صرح: قصر وهو أيضا: البناء العالي.
حرف الضاد
ضرب له أربعة معان: من الضرب باليد وشبهه. ومن ضرب الأمثال. ومن السفر.
ومنه: ضربتم في الأرض. ومن الالتزام.
ومنه: ضربت عليهم الذلة. أي ألزموها، وضربنا على آذانهم: أي ألقينا عليهم النوم.
و «أفنضرب عنكم الذكر» أي نمسك عنكم الذكر ضاعف الشيء: كثّره. ويجوز فيه التشديد وضعف الشيء بكسر الضاد مثلاه، وقيل: مثله. والضعف أيضا: العذاب.
والضعف: بالضم ويجوز فيه الفتح ضرّ بفتح الضاد وضمها بمعنى واحد. وكذلك الضير بالياء. ومنه: لا يضركم كيدهم. والضرّ: ما يصيب من المرض وشبهه ضحى: أوّل النهار. والفعل منه: أضحى. وأما ضحي بكسر الحاء يضحى في المضارع. فمعناه:
برز للشمس وأصابه حرّها. ومنه: لا تظمأ
حرف الطاء
طبع ختم، والخاتم الطابع طول: بفتح الطاء: فضل أو غنى طائر: له معنيان: من الطيران ومن الطيرة طوى: قيل اسم الوادي، وقيل معناه: مرتين، أي قدس الوادي مرتين طهارة: له معنيان: الطهارة بالماء، ومنه:
جنبا فاطّهروا، والماء الطهور، وهو المطهر، والطهارة من القبائح والرذائل، ومنه: أناس يتطهرون. طيّب: له معنيان:
اللذيذ، والحلال طوفان: السيل العظيم طاغوت: أصنام وشياطين، ويكون مفردا أو جمعا، والطاغوت أيضا: رؤوس النصارى على قول طباق: بعضها على بعض، وطبقا عن طبق: حالا بعد حال طور: جبل وهو الطور طفق: يفعل كذا: أي جعل يفعله طائفين: من الطواف، وطائف من الشيطان:
لمم، وقرئ طيف.
حرف الظاء
ظهر الأمر: بدا، وأظهره غيره: أبداه، وظهير: معين ظاهر الرجل من امرأته، وتظاهر، وتظهّر: أي قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، وهو الظاهر ظهر البيت:
أعلاه، وظهرته: أي ارتفعت عليه، ومنه:
فما استطاعوا أن يظهروه ظلم: وقع في القرآن على ثلاثة معان: الكفر، والمعاصي، وظلم الناس: أي التعدي عليهم ظنّ: له ثلاثة معان: التحقيق، وغلبة أحد الاعتقادين، والتهمة ظمئ: عطش ظلال: جمع ظل، وظلل بالضم جمع: ظلة، وهي ما كان من فوقه، وظلّ بالنهار: بمنزلة بات بالليل.
حرف العين
عاذ بالله يعوذ أي: استجار به ليدفع عنه ما يخاف، ويقال أيضا: استعاذ يستعيذ، ومنه عذت بربي، ومعاذ الله العالمين: جمع عالم، وهو عند المتكلمين: كل موجود سوى الله تعالى، وقيل: العالمين: الإنس والجن والملائكة، فجمعه جمع العقلاء، وقيل: الإنس خاصة، لقوله، أتأتون الذكران من العالمين يعمهون: يتحيرون في ضلالهم، والعمه: الحيرة عدل يعدل: ضدّ جار، وعدل عن الحق، عدولا، وعدلت فلانا بفلان: سويت بينهما، ومنه: أو عدل ذلك صياما عزيز: اسم الله تعالى، معناه:
الغالب، وعزّ: غلب، ومنه: وعزّني في الخطاب، والغلبة ترجع إلى القوّة والقدرة، ومنه: فعززنا بثالث: أي قوّينا، وقيل العزيز العديم المثل عفا: له أربعة معان: عفا عن الذنب: أي صفح عنه، وعفا: أسقط حقه، ومنه: إلّا أن يعفون أو يعفو الذي، وعفا القوم: كثروا، ومنه: حتى عفوا، وعفا المنزل: إذا درس عفو: له ثلاث معان، العفو عن الذنب، والإسقاط، والسهل من غير كلفة: ومنه: ماذا ينفقون قل: العفو عين: بكسر العين وإسكان الياء: وهو جمع عيناء عنت: معناه الهلاك أو المشقة، ومنه:
ولو شاء الله لأعنتكم: أي أهلككم، أو ضيّق عليكم، والعنت أيضا: الزنا، ومنه: ذلك لمن خشي العنت منكم، وأمّا: عنت الوجوه: فليس من هذا، لأنّ لامه واو فهو
من العقوبة على الذنب، ومن العقبى، ومنه:
وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم: أي أصبتم عقبا أعجاز نخل:
أصولها، أعجز الشيء: إذا فات ولم يقدر عليه، ومنه: وما هم بمعجزين، وما كان الله ليعجزه من شيء، وأما معاجزين بالألف:
فمعناه مسابقين عال: يعيل عيلة: أي افتقر ومنه: ووجدك عائلا، وعال يعول، عدل عن الحق، وعال يعول أيضا: كثر عياله، والأشهر أن يقال في هذا المعنى: أعال بالألف عرج: يعرج بفتح الراء في الماضي، وضمها في المضارع صعد وارتقى ومنه:
المعارج، وعرج بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل: صار أعرج عتبى: معناه الرضى، ومنه: فما هم من المعتبين، ولا هم يستعتبون، العتاب: العذل أعد: بالألف يعدّ الشيء: هيأه، وعدّ بغير الألف من العدد عرش: سرير الملك، ومنه: ورفع أبويه على العرش، أهكذا عرشك؟ وعرش الله: فوق السماء، وتعرشون: تبنون، وعلى عروشها:
سقوفها عورة: أصل معناه: الانكشاف فيما يكره كشفه، ولذلك قيل: عورة الإنسان عورات، أي: أوقات انكشاف، وبيوتنا عورة: أي خالية معرّضة للسراق عاقر: له معنيان: المرأة العقيم، واسم فاعل من: عقر الحيوان عبر: يعبر، له معنيان: من عبارة الرؤيا ومنه: إن كنتم للرؤيا تعبرون، ومن الجواز على الموضع، ومنه: عابر سبيل عمون: جمع عم، وهو صفة على وزن فعل بكسر العين من العمى في البصر أو في البصيرة علا يعلو: تكبر، ومنه: قوما عالين، وعلا في الأرض، والعليّ اسم الله، والمتعالي، والأعلى: من العلوّ بمعنى الجلال والعظمة، وقيل: بمعنى التنزيه عما لا يليق به عزب الشيء: غاب، ومنه: لا يعزب عن ربك: أي لا يخفى عنه عصبة:
جماعة من العشرة إلى الأربعين علقة: واحدة العلق: وهو الدم عاصف: ريح شديدة عصف: ورق الزرع.
حرف الغين
غشاوة غطاء إما حقيقة أو مجازا غمام:
هو السحاب غلف: جمع أغلف، وهو كل شيء جعلته في غلاف: أي قلوبنا محجوبة غرفة: بضم الغين لها معنيان: المسكن المرتفع، والغرفة من الماء بالضم وبالفتح:
المرة الواحدة غادر: ترك، ومنه: لم نغادر غلّ يغل: من الغلول، وهو الخيانة، والأخذ من المغنم بغير حق، والغلّ: الحقد أغلال:
جمع غل بالضم، وهو ما بجعل في العنق، ومنه: مغلولة غلا يغلو من الغلو وهو مجاوزة الحد والإفراط، ومنه: لا تغلوا في دينكم أي: لا تجاوزوا الحدّ غائط: المكان المنخفض، ثم استعمل في حاجة الإنسان غشي الأمر يغشى بالكسر في الماضي والفتح في المضارع معناه: غطى حسّا ومعنى، ومنه: والليل إذا يغشى لأنه يغطي بظلامه، وينقل بالهمزة والتشديد، فيقال غشّى وأغشى: ومن فوقهم غواش يعني ما يغشاهم من العذاب أو يصيبهم، ومنه: غاشية من عذاب الله، والغاشية أيضا: القيامة لأنها تغشى الخلق غبر له معنيان: ذهب وبقي، ومنه: عجوزا في الغابرين: أي في الهالكين أو في الباقين في العذاب غرور: بضم الغين.
وتغيض الأرحام. وغاظ بالظاء يغيظ من:
الغيظ غور: غاير من غار الماء إذا ذهب غرام: عذاب ومنه: إنا لمغرمون، والمغرم:
غرم المال ومنه: من مغرم مثقلون.
حرف الفاء
فرقان مفرّق بين الحق الباطل. ومنه:
يجعل لكم فرقانا: أي تفرقة. لذلك سمي القرآن بالفرقان فئة جماعة من الناس فصال فطام من الرضاع فضل له معنيان: الإحسان.
والربح في التجارة وغيرها. ومنه: يبتغون من فضل الله فسق أصله الخروج وتارة يرد بمعنى الكفر. وتارة بمعنى العصيان فتنة لها ثلاثة معان: الكفر. والاختبار. والتعذيب فاء يفيء أي رجع فلك بضم الفاء: سفينة.
ويستوي فيه المفرد والجمع فلك بفتحتين:
القطب الذي تدور به الكواكب فزع له معنيان: الخوف من الإسراع. ومنه: إذا فزعوا فلا فوت فرح له معنيان: السرور والبطر فاحشة وفحشاء: هي كل ما يقبح ذكره من المعاصي فرض له معنيان:
الوجوب. والتقدير فتح له معنيان: فتح الأبواب. ومنه: فتح البلاد وشبهها.
والحكم ومنه: افتح بيننا وبين قومنا. ويقال للقاضي: فاتح. واسم الله الفتاح، قيل:
الحاكم. وقيل: خالق الفتح والنصر انفضوا تفرقوا فطره خلقه ابتداء. ومنه: فاطر السموات والأرض. وفطرة الله: التي خلق الخلق عليها. وأفطر بالألف: من الطعام فطور شقوق. ومنه انفطرت أي: انشقت.
ويتفطّرن فجّ طريق واسع وجمعه: فجاج فار التنور يقال: لكل شيء هاج وعلا حتى فاض. ومنه: وهي تفور. وقولهم: فارت القدر فوج جماعة من الناس وجمعه: أفواج فاكهين من التلذذ بالفاكهة أو من الفكهة وهي السرور واللهو فؤاد هو القلب، وجمعه أفئدة استفز يستفز: أي استخف فقه فهم. ومنه:
لا يفقهون. وما نفقه كثيرا في حرف جر بمعنى الظرفية. وقد تكون للتعليل. وقد تكون بمعنى مع. وقيل: بمعنى على الفاء لها ثلاثة أنواع: عاطفة. ورابطة. وناصبة للفعل بإضمار أن. ومعناها: الترتيب والتعقيب والسبب.
حرف القاف
قرآن القرآن العزيز. ومصدره قرأ: أي تلا. ومنه: إنّ علينا جمعه وقرآنه قنوت له خمسة معان: العبادة، والطاعة والقيام في الصلاة، والدعاء، والسكوت قضاء له سبعة معان: الحكم. والأمر. والقدر السابق.
وفعل الشيء، والفراغ منه، والموت، والإعلام بالشيء، ومنه: قضينا إليه ذلك الأمر قدر له خمسة معان: من القدرة، ومن التقدير، ومن المقدار، ومن القدر، والقضاء، وبمعنى التضييق نحو: فقدر عليه رزقه، وقد يشدّ الفعل ويخفف. والقدر بفتح الدال وإسكانها القضاء والمقدار وبالفتح لا غير من القضاء قام له معنيان: من القيام على الرجلين، ومن القيام بالأمر بتقديره وإصلاحه، ومنه: الرجال قوّامون على النساء، وقام الأمر: ظهر واستقام، ومنه:
الدين القيّم دينا قيّما له ثلاثة معان: أقام الرجل غيره من القيام، ومن التقويم ومنه:
جدارا يريد أن ينقض فأقامه، وأقام في
له معنيان: مصدر قام على اختلاف معانيه، وبمعنى قوام الأمر وملاكه، وقيم بغير ألف:
جمع قيمة قرض سلف والفعل منه أقرض يقرض أقسط بألف قسطا: عدلا في الحكم، ومنه يحب المقسطين، وقسط بغير ألف:
جار، ومنه: وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا مقاليد فيه قولان: خزائن، مفاتح قدّس يقدس من التنزيه والطهارة، وقيل من التعظيم، والقدوس: اسم الله تعالى فعول من النزاهة عما لا يليق به قال يقول من القول، وقد يكون بمعنى الظن ومصدره قول، وقال يقيل: من القائلة، ومنه أو هم قائلون، وأحسن مقيلا قفّى أتبع، وأصله من القفا، يقال: أقفوته، إذا حبيت «١» في أثره وقفّيته بالتشديد إذا سقت شيئا في أثره، ومنه: وقفينا من بعده بالرسل قرن جماعة من الناس، وجمعه: قرون قواعد البيت: أساسه، واحدها قاعدة، والقواعد من النساء: واحدة قاعد، وهي العجوز قربان ما يتقرّب به إلى الله تعالى من الذبائح وغيرها، وقربان أيضا: من القرابة قلى يقلي: أبغض، ومنه: وما قلى، ولعملكم من القالين اقترف اكتسب حسنة أو سيئة قصص له معنيان: من الحديث، ومن قص الأثر، ومنه: على آثارهما قصصا، وقصيّه قررت «٢» به عينا، قرر بالكسر في
(٢). قرّ: لم أجدها في القاموس إلّا مشدّدة، والله أعلم.
الماضي والفتح في المضارع قسطاس ميزان قتر وقترة: غبار، وعبارة عن تغير الوجه، وقتور من التقتير قارعة داهية وأمر عظيم قبس شعلة نار قنط يئس من الخير قرطاس صحيفة وجمعه قراطيس.
حرف الكاف
كافر له معنيان: من الكفر وهو الجحود، وبمعنى الزرع، ومنه: أعجب الكفار نباته أي الزراع، وتكفير الذنوب غفرانها كرّة رجعة كبر بكسر الباء في السن يكبر بالفتح في المضارع، وكبر الأمر بالضم في المضارع والماضي، وكبر بضم الكاف وفتح الباء: جمع كبرى، وكبّار بالضم والتشديد: كبير مبالغة، والكبر:
التكبر، وكبر الشيء بكسر الكاف وضمها:
معظمه، والكبرياء: الملك والعظمة، والمتكبر: اسم الله تعالى من الكبرياء وبمعنى العظمة كفل يكفل: أي ضم الصبيّ وحضنه، وأكفلنيها: اجعلني كافلها كفيل نصيب «٣» كلالة هي أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد كاد قارب الأمر ولم يفعله، فإذا نفي اقتضى الإثبات كريم من الكرم وهو الحسب والجلالة والفضل، وكريم: اسم الله تعالى، أي محسن أكنة أغطية وأكنان جمع: كنّ، وهو ما وقى من الحر والبرد كهل هو الذي انتهى شبابه أكمام الثمار والنخيل جمع كم، وهو ما تكون الثمرة فيه قبل خروجها أكب الرجل على وجهه فهو مكب، وكبّه غيره بغير
(٣). وقد فسرها المؤلف في سورة النحل: ٩١ بمعنى: رقيب.
إنها استفتاح كلام بمعنى: إلّا الكاف بمعنى التشبيه وبمعنى التعليل، وقيل إنها تكون زائدة.
حرف اللام
لبس الأمر أي خلطه بفتح الباء في الماضي، وكسرها في المستقبل ألباب عقول، وهو جمع لب، لبث في المكان أقام فيه لمز يلمز أي عاب الشيء لؤلؤ جوهر «١» لغو الكلام الباطل منه، والفحش، ولغو اليمين: ما لا يلزم لها بفتح الهاء من اللهو،
ومضارعه يلهو، ولهى عن الشيء بالكسر والياء يلهى بالفتح. إذا أعرض عنه وألهاه الشيء. إذا أشغله، ومنه لا تلهكم أموالكم لطيف اسم الله تعالى، قيل: معناه رفيق، وقيل خبير بخفيات الأمور لدى ولدن معناها عند ليت معناها التمني لعل معناها الترجي في المحبوبات، والتوقع للمكروهات، وأشكل ذلك في حق الله تعالى، فقيل جاءت في القرآن على منهاج كلام العرب وبالنظر إلى المخاطب: أي ذلك مما يرتجى عندكم أي يتوقع، وقد يكون معناها التعليل، أو مقاربة الأمر فلا إشكال لولا لها معنيان:
التمني، وامتناع شيء لامتناع غيره لما لها معنيان: النفي وهي الجازمة، ووجود شيء لوجود غيره، وأما «لما» بالتخفيف، فهي لام التأكيد دخلت على ما، وقال الكوفيون: هي بمعنى إلّا الموجبة بعد النفي لا ثلاثة أنواع:
نافية وناهية، وزائدة اللام خمسة أنواع لام الجر، ولام كي، ولام الأمر، ولام التأكيد في القسم وغيره وهي المفتوحة، ثم إن لام الجر لها ثلاثة معان. الملك، والاستحقاق، والتعليل. وقد تأتي للتعدّي إذا ضعف العامل، وقد تأتي بمعنى عند، نحو: أقم الصلاة لدلوك الشمس، ولام كي معناها:
التشبيه والتعليل، وقد تأتي بمعنى الصيرورة والعاقبة، نحو: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا. وقد تأتي بمعنى أن المصدرية، ومنه: يريد الله ليبين لكم.
حرف الميم
مرض الجسد معروف، ومرض القلب الشك في الإيمان، والبغض في الدين المنّ شبه العسل، والسلوى طائر، والمنّ أيضا:
القطع، ومنه: أجر غير ممنون أماني جمع أمنية ولها ثلاثة معان: ما تتمناه النفس، والتلاوة، والكذب، وكذلك تمنى، له هذه المعاني الثلاثة ملأ القوم: أشرفهم، وذوو الرأي منهم مثل بفتح الميم والمثلثة، لها أربعة معان: الشبيه والنظير ومن المثل المضروب، وأصله من التشبيه، ومثل الشيء حاله وصفته، والمثل الكلام الذي يتمثل به، ومثل الشيء بكسر الميم: شبهه مرية شك، ومنه: الممترين أي الشاكين، لا تمار. من المراء وهو: الجدال أملي لهم: أمهلهم وزادهم مهاد فراش مدّ يمدّ: أي أملى، وقد تكون بمعنى زاد مثل أمدّ بألف من المداد مضغة قطعة لحم إملاق فقر مرد فهو مارد: من العتو والضلال مكانة بمعنى مكان أي من التمكين والعز، ومنه مكين مواخر فواعل من المخر يقال مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مجيد من المجد وهو الكرم والشرف مقت هو الذم أو البغض على ما فعل من القبيح معين ماء كثير جار، وهو من قولك معن الماء: إذا كثر، وقيل: هو مشتق من العين، ووزنه مفعول، فالميم زائدة مارج مختلط، والمارج: لهب النار، من قولك مرج الشيء إذا اضطرب، وقيل: من الاختلاط أي خلط نوعين من النار مرج البحرين، أي خلى بينهما، وقيل: خلطهما، وقيل: فاض أحدهما في الآخر مهل فيه قولان: درديّ الزيت، وما أذيب من النحاس منون له معنيان: الموت، والدهر مسّ له معنيان: اللمس باليد وغيره، والجنون من لها أربعة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، ونكرة موصوفة ما إذا كانت اسما فلها ستة أنواع: شرطية، وموصولة، واستفهامية، وموصوفة، وصفة، وتعجبية، وإذا كانت حرفا فلها خمسة أنواع: نافية ومصدرية وزائدة وكافيّة ومبهمة من لها ستة أنواع: لابتداء الغاية، ولجملة الغاية، وللتبعيض، ولبيان الجنس والتعليل، وزائدة مهما اسم شرط.
حرف النون
نظر له معنيان: من النظر، ومن الانتظار، فإذا كان من الانتظار تعدّى بغير حرف، ومن نظر العين يتعدّى بإلى ومن نظر القلب يتعدّى بفي أنظر بالألف أخّر، ومنه أنظرني، ومن المنظرين ونظرة إلى ميسرة نضرة بالضاد من التنعم، ومنه: وجوه يومئذ ناضرة أي ناعمة، وأمّا: إلى ربها ناظرة، فمن النظر نعمة بفتح النون من النعيم وبكسرها من الإنعام أنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم.
دون سائر البهائم ويجوز تذكيرها وتأنيثها.
ويقال لها أيضا نعم، ونعم كلمة مدح، ويجوز فيها كسر النون وفتحها، وإسكان العين وكسرها نعم بفتح العين والنون كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها بالنفي أو الإثبات، بخلاف بلى: فإنها للإثبات خاصة، ويجوز في نعم فتح العين وكسرها ندّ هو المضاهي والمماثل والمعانت «١»، وجمعه أنداد أنذر أعلم بالمكروه قبل وقوعه، ومنه. نذير، ومنذر، والمنذرين، وكيف كان نذير: أي إنذاري فهو مصدر، ومنه عذابي ونذر، والنذر بغير ألف ومنه نذر، ثم من نذر: فليوفوا نذورهم نكال له
الذهول، ومنه: إن نسينا أو أخطأنا، والترك، ومنه: نسوا الله فنسيهم نسخ له معنيان: الكتابة، ومنه: نستنسخ ما كنتم تعملون، والإزالة، ومنه: ما ننسخ من آية أو ننسها نصر بالصاد المهملة معروف، وبالسين اسم صنم: ويعوق ونسرا، أو اسم طائر أيضا نشوز بالزاي: له معنيان: شرّ بين الرجل والمرأة، وارتفاع، ومنه: انشزوا أي: قوموا من المكان نزل بضمتين: رزق، وهو ما يطعم الضيف نأى بعد ومنه: ينأون عنه نكص رجع إلى وراء نفر نفورا عن الشيء ونفر ينفر بضم المضارع، ومنه: نفرت الدابة، ونفر ينفر بكسر المضارع نفيرا: أتى، أسرع، وجد، ومنه: انفروا في سبيل الله نبأ خبر، ومنه اشتق النبيء بالهمز، وترك الهمز تخفيفا، وقيل: إنه عند من ترك مشتق من النبوة، وهي الارتفاع نطفة أي نقطة من ماء، ومنه: خلقكم من نطفة يعني: من المني أناب إلى الشيء: رجع ومال إليه، ومنه:
منيب نفذ ينفذ أي: تم وانقطع نهر بفتح الهاء الوادي ويجوز الإسكان. وأمّا السائل فلا تنهر: فهو من الانتهار، وهو الزجر منير من النور، وهو الضوء حسا أو معنى نصب بضمتين وبضم النون وإسكان الصاد، وبفتح النون وإسكان الصاد بمعنى واحد، وهو حجر أو صنم كان المشركون يذبحون عنده وجمعه أنصاب نصب بفتحتين تعب، ومسّني الشيطان بنصب: أي بلاء وشر نقم الشيء ينقمه أي كرهه وعابه نضيد أي منصوب بعضه إلى بعض نكير إنكار، ويقال نكر الشيء وأنكره نسل بمعنى أسرع ومنه:
ينسلون، من النسلان وهو الإسراع في المشي مع قرب الخطا.
حرف الهاء
الهدى له معنيان: الإرشاد والبيان، ومن البيان: فأما ثمود فهديناهم، والإرشاد قد يكون إلى الطريق، إلى الدين، وبمعنى التوفيق والإلهام هدي بفتح الهاء وإسكان الدال: ما يهدى إلى الكعبة من البهائم هاد يهود: أي تاب، ومنه: هدنا إليك، والذين هادوا: أي تهوّدوا أي صاروا يهودا وأصله من قولهم: هدنا إليك هود له معنيان: اسم نبي عاد عليه السلام وبمعنى اليهود، ومنه كونوا هودا هوى النفس: مقصور وهو ما تحبه وتميل إليه، والفعل منه: بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع والهواء بالمدّ والهمز: ما بين السماء والأرض، وأفئدتهم هواء: أي متحرّقة لا تعي شيئا وهوى يهوي بالفتح في الماضي والكسر في المضارع: وقع من علو، ويقال أيضا:
بمعنى الميل، ومنه: أفئدة من الناس تهوي إليهم هاجر خرج من بلاده، ومنه سمي المهاجرون هجر من الهجران، ومنه الهجر أيضا، وهو فحش الكلام، وقد يقال في هذا أهجر بالألف أهلّ لغير الله به أي صيّح، والإهلال: الصياح، وفي النية أي أريد به
أي مذل، وأما مهين، بفتح الميم فمعناه:
ضعيف أو ذليل.
حرف الواو
وقود النار بفتح الواو: ما توقد به من الحطب وشبهه، والوقود بالضم المصدر وجه له معنيان: الجارحة، والجهة، وأما وجه الله: ففي قوله: ابتغاء وجه الله أي طلب رضاه، وفي قوله: كل شيء هالك إلّا وجهه، ويبقى وجه ربك: قيل: الوجه الذات، وقيل: صفة كاليدين، وهو من المتشابه وعد يعد وعدا بالخير، وقد يقال:
في الشر وأوعد بالألف يوعد وعيدا بالشر لا غير ودّ يودّ له معنيان: من المودة والمحبة، وبمعنى تمنى: ودّوا لو تكفرون، والودّ بالضم: المحبة، وودّ: اسم صنم بضم الواو وفتحها ودود اسم الله تعالى أي محب لأوليائه، وقيل محبوب ويل كلمة شر، وقيل: إن الويل واد في جهنم وجب له معنيان: من وجوب الحق، وبمعنى سقط، كقولهم: وجب الحائط إذا سقط، ومنه وجبت جنوبها وسط وأوسط له معنيان: من التوسط بين الشيئين، وبمعنى الخيار والأحسن وسع يسع سعة: من الاتساع ضد الضيق، والسعة الغنى، والواسع اسم الله تعالى: أي واسع العلم والقدرة والغنى والرحمة واسع جواد موسع غنّي أي: واسع الحال وهو ضدّ المقتر: وإنا لموسعون قيل: أغنياء، وقيل قادرون، وإلّا وسعها: طاقتها ولى له معنيان: أدبر، وجعل واليا، وتولى له ثلاث معان: أدبر، وأعرض بالبدن أو بالقلب، وصار واليا، واتخذ وليا، ومنه:
ومن يتولى الله ورسوله وليّ ناصر، والولي اسم الله، قيل: ناصر، وقيل: متولي أمر الخلائق مولى له سبعة معان: السيد والأعظم، والناصر، والوالي أي القريب، والمالك والمعتق، وبمعنى أولى، ومنه:
النار مولاكم ولج يلج أي دخل، ومنه: ما يلج في الأرض، وأولج: أدخل، ومنه:
يولج الليل في النهار وهن يهن: ضعف، ومنه: وهن العظم، والوهن الضعف ورد الماء يرده: إذا جاء إليه وأورده غيره، وأرسلوا واردهم، الذي يتقدّمهم إلى الماء فيسقي لهم أوزعني أي ألهمني ووفقني يوزعون يدفعون وليد صبي والجمع: ولدان وجل يوجل وجلا: خاف. ومنه: لا توجل أوجس وجد في نفسه وأضمر وارى يواري:
أي يستر ومنه: يواري سوأة أخيه، وما ووري عنهما، وتواروا أي استتروا واستخفوا وطئ يطأ. له ثلاث معان: جماع المرأة.
ومن الوطء بالأقدام. ومنه: أرضا لم تطؤها. والإهلاك. ومنه: لم تعلموهم أن تطؤهم وقر بفتح الواو وهو الصمم والثقل في الأذن. والوقر بكسر الواو: الحمل.
ومنه: فالحاملات وقرا ودق هو المطر واصب أي دائم وكيل كفيل بالأمر. وقيل:
كاف وزر بفتحتين أي: ملجأ وزير أي معين.
وأصله من الوزر بمعنى: الثقل. لأنّ الوزير يحمل عن الملك أثقاله وسوس الشيطان إلى الإنسان: ألقى في نفسه. والوسواس:
كلام الملك من الله للأنبياء. ومنه قيل للقرآن: وحي. وبمعنى الإلهام، ومنه:
أوحى ربك إلى النحل، وبمعنى الإشارة.
ومنه: فأوحى إليهم أن سبحوا: أي أشار وعى العلم يعي: حفظه. ومنه: أذن واعية، وأوعى بالألف: يوعي جمع المال في وعاء.
ومنه: جمع فأوعى.
حرف الياء
يمين له أربعة معان: اليد اليمين.
وبمعنى القوّة. وبمعنى الحلف «١». وأيمن أي إلى الجهة اليمين يسير له معنيان قليل، ومنه: كيل يسير، وهين، ومنه: ذلك على الله يسير، واليسر: ضدّ العسر يئس أي انقطع رجاؤه، ومنه: لا تيئسوا من روح
الله، وإنه ليؤوس وأما: أفلم ييئس الذين آمنوا: فمعناه ألم يعلم يم هو البحر ميسر هو القمار في النرد والشطرنج وغير ذلك.
وهو مأخوذ من يسر لي كذا إذا وجب.
واليسر بفتح الياء والسين: الرجل الذي يشتغل بالميسر. وجمعه أيسار. وميسر العرب أنهم كانوا لهم عشرة قداح، وهم الأزلام لكل واحد منها نصيب معلوم، من ناقة ينحرونها. وبعضها لا نصيب له.
ويجزئونها عشرة أجزاء ثم يدخلون الأزلام في خريطة ويضعونها على يد عدل. ثم يدخل يده فيها فيخرج باسم رجل قدحا.
فمن خرج له قدح له نصيب: أخذ ذلك النصيب. ومن خرج له قدح لا نصيب له:
غرم ثمن الناقة كلها ينبوع أي عين من ماء والجمع ينابيع.
الأولى: لفظ التعوّذ على خمسة أوجه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمختار عند القراء. وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ. أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد. وهي محدثة:
وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وهو مرويّ عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الثانية: يؤمر القارئ بالاستعاذة قبل القراءة سواء ابتدأ بأول سورة أو جزء سورة على الندب الثالثة: يجهر بالاستعاذة عند الجمهور وهو المختار. وروي الإخفاء عن حمزة ونافع الرابعة لا يتعوّذ في الصلاة عند مالك. ويتعوّذ في أوّل ركعة عند الشافعي وأبي حنيفة. وفي كل ركعة عند قوم. فحجة مالك عمل أهل المدينة وحجة قول غيره: قول الله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: ٩٨] وذلك يعم الصلاة وغيرها الخامسة: إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي لأنّ معنى الاستعاذة لا يتعلق إلّا بالمستقبل لأنها كالدعاء وإنما جاء بهمزة المتكلم وحده مشاكلة للأمر به في قوله: «فاستعذ» السادسة: الشيطان: يحتمل أن يراد به الجنس فتكون الاستعاذة من جميع الشياطين، أو العهد فتكون الاستعاذة من إبليس. وهو من شطن إذا بعد فالنون أصلية والياء زائدة. وزنه فيعال. وقيل من شاط إذا هاج فالنون زائدة. والياء أصلية ووزنه فعلان. وإن سميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون، وانصرف على الأوّل السابعة: الرجيم فعيل بمعنى مفعول، ويحتمل معنيين: أن يكون بمعنى لعين وطريد. وهذا يناسب إبليس لقوله وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الملك: ٥] والأوّل أظهر الثامنة: من استعاذ بالله صادقا أعاذه فعليك بالصدق ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذرّيتها عصمها الله. ففي الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «ما من مولود إلّا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلّا ابن مريم وأمه «١» » التاسعة: الشيطان عدوّ. وحذر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عداوته. وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم. فيأمره أوّلا بالكفر ويشككه في الإيمان فإن قدر عليه وإلّا أمره بالمعاصي. فإن أطاعه وإلّا ثبطه عن الطاعة. فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب العاشرة القواطع عن الله أربعة: الشيطان، والنفس، والدنيا، والخلق. فعلاج الشيطان: الاستعاذة والمخالفة له، وعلاج النفس: بالقهر، وعلاج الدنيا: بالزهد، وعلاج الخلق: بالانقباض والعزلة.
فيه عشر فوائد. الأولى: ليست البسملة عند مالك آية من الفاتحة ولا من غيرها، إلّا في النمل خاصة، وهي عند الشافعي آية من الفاتحة، وعند ابن عباس آية من أوّل كل سورة، فحجة مالك ما ورد في الحديث الصحيح: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أنزلت عليّ سورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، ثم قال:
الحمد لله رب العالمين» فبدأ بها دون البسملة، وما ورد في الحديث الصحيح: «إنّ الله يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: يقول العبد الحمد لله رب العالمين «١» » فبدأ بها دون البسملة: وحجة الشافعي ما ورد في الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وحجة ابن عباس ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف الثانية: إذا ابتدأت أوّل سورة بسملت إلّا براءة.
وسنذكر علة سقوطها من براءة في موضعه، وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني، وتترك البسملة عند غيره، وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى، فاختلف القرّاء في البسملة وتركها الثالثة: لا يبسمل في الصلاة عند مالك، ويبسمل عند الشافعي جهرا في الجهر، وسرّا في السرّ، وعند أبي حنيفة سرّا في الجهر والسرّ فحجة مالك من وجهين: أحدهما أنه ليست عنده آية في الفاتحة حسبما ذكرنا «والآخر ما ورد في الحديث الصحيح عن أنس أنه قال: «صلّيت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل الفاتحة ولا في آخرها» «٢»، وحجة الشافعي من وجهين: أحدهما أنّ البسملة عنده آية من الفاتحة، والأخرى ما ورد في الحديث من قراءتها حسبما ذكرنا الرابعة: كانوا يكتبون: «باسمك اللهم» حتى نزلت «بسم الله مجراها» «٣» فكتبوا: «بسم الله»، حتى نزلت:
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ فكتبوا: «بسم الله الرحمن»، حتى نزل: «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» فكتبوها، وحذفت الألف في بسم الله لكثرة الاستعمال الخامسة: الباء من بسم الله: متعلقة باسم محذوف عند البصريين والتقدير: ابتداء كائن بسم الله فموضعها رفع، وعند الكوفيين تتعلق بفعل تقديره أبدأ أو أتلو فموضعها نصب وينبغي أن يقدّر متأخرا لوجهين: أحدهما: إفادة الحصر والاختصاص، والأخرى: تقديم اسم الله اعتناء كما قدم في بسم الله مجراها السادسة: الاسم مشتق من السموّ عند البصريين فلامه واو «محذوفة»، وعند الكوفيين: مشتق من السمة وهي العلامة، ففاؤه محذوفة، ودليل البصريين التصغير والتكبير لأنهما يردّان الكلمات إلى أصولها، وقول الكوفيين أظهر في المعنى، لأنّ الاسم علامة على المسمى السابعة: قولك «الله» اسم مرتجل جامد «والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف، وقيل: إنه مشتق من التأله وهو التعبد، وقيل: من الولهان: وهي الحيرة لتحير
(٢). رواه أحمد ج ٣ ص ٢٦٤.
(٣). مجراها: تقرأ بالإمالة نحو الياء.
الرحمن الرحيم على ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة، وقيل: الرحمن عام في رحمة المؤمنين والكافرين لقوله: وكان بالمؤمنين رحيما فالرحمن أعمّ وأبلغ، وقيل: الرحمن أبلغ لوقوعه بعده، على طريقة الارتقاء إلى الأعلى العاشرة إنما قدّم الرحمن لوجهين: اختصاصه بالله، وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات. انتهى والله أعلم.
رغبة مني في إعطاء القارئ لمحة موجزة عن القراءات وشيوخ القراء لم أر أفضل من نقل ما كتبه أستاذنا الجليل المرحوم الشيخ سعيد الأفغاني الدمشقي في مقدمته الرائعة الجامعة لكتاب «حجة القراءات» للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة المتوفي في أوائل القرن الخامس الهجري وفيها أفاض بقلمه وبيانه كل ما يهمّ العالم والمثقف حول موضوع القراءات والقراء، لذلك اقتبست منها موجزا مفيدا ورأيت إضافته لهذا السفر الجليل من تفسير الإمام بن جزي ليكون جامعا لأقصى ما يمكن من الفائدة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل «١».
«تضافرت جهود أهل العلم والفكر وأولي العبقريات النادرة في هذه الأمة العظيمة، على خدمة اللغة العربية من أنحاء شتى متقاربة حينا ومتباعدة حينا، من حيث كانت لغة القرآن الكريم مصدر التشريع والتنظيم الكافلين خير الناس قاطبة. ونمت من هذه الجهود المباركة- فيما نمى- علوم اللغة العربية: من نحو وصرف ولغة وبلاغة وفقه لغة...
وفن الاحتجاج للقراءات الذي نقدم اليوم إحدى ثمراته، هو أحد الفنون التي اشتغل العلماء بها خدمة للقرآن العظيم، ولا بد من عرض تاريخي موجز للقراءات ثم للاحتجاج لها يكون تمهيدا وتزويدا للقارئ قبل الكلام على الكتاب ومؤلفه.
لم يكن كتبة الوحي الذين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يملي عليهم كلما أوحي إليه شيء، من قبيلة واحدة، بل كانوا من قبائل عدة فيهم القرشي وغيره. وكان الناس- على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم- في سعة من أمرهم في قراءة القرآن: كلّ يقرؤه بلحن قومه، حتى إذا آنس أحدهم اختلافا في قراءة سمعها من إنسان عما أقرأه الرسول، هرع إليه شاكيا، فسمع الرسول من كلّ قراءته فأقره عليها قائلا: (هكذا أنزلت) «٢».
وكان التغيير لا يعدو تنوع أداء أحيانا من حيث الإمالة أو الترقيق لبعض الحروف أو التفخيم، أو ضبط المضارع الرباعي مثل (ننزل) أو (ننزّل) تخفيفا أو تشديدا، أو تغاير لفظين والمعنى واحد... إلى آخر ما أحصوا من أحوال أطلقوا عليها (خلافا) وما هي
(٢). انظر مثلا الجامع الصحيح للبخاري تر كيف لبّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم لما سمعه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئها الرسول لعمر، فقاده إلى الرسول فلما سمع من هشام قال: (كذلك أنزلت)، ولما سمعها من عمر قال: (كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) - ٦/ ٢٢٧ الطبعة الشعبية.
واندرجت هذه الوجوه الكثيرة في القراءة في تعبير «الأحرف السبعة» الواردة في الحديث، أريد بها التعدد والكثرة لا تحديد العدد سبعة.
كثرت الوجوه المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القراءة، وتفرق الصحابة في الأمصار، كلّ يقرئ أهل مصره بما سمع على لهجته، وتعارف الناس هذه الوجوه واللهجات، ولم ينكر أحد على أخيه قراءته.. حتى إذا امتد الزمان قليلا وكثر الآخذون عن الصحابة، وقع بين أتباعهم شيء من خلاف أو تنافس أو إنكار، فخشي الأجلاء من الصحابة مغبته مع الزمن، فحملوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان على معالجة الأمر ففعل، وكان من رأيه المبارك كتابة مصاحف يجتمع عليها قراء الصحابة وكتبة الوحي، وهؤلاء وأولئك كثيرون متوافرون.. حتى إذا وقع خلاف كتبوه على لغة قريش، وكذلك كان.
مدخل في أعلام القراءات الأربعة عشر ورواتهم
جرى اصطلاح المؤلفين في فن القراءات على إطلاق كلمة (قراءة) على ما ينسب إلى إمام من أئمة القراء مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه، وكلمة (رواية) على ما ينسب إلى الآخذ عن هذا الإمام ولو بوساطة، وكلمة (طريق) على ما ينسب للآخذ عن الراوي ولو سفل «٢».
ولكل إمام صاحب قراءة رواة كثيرون رووا عنه، ولكل راو طرق متعددة. وأنا مثبت لك تراجم موجزة لأعلام القراءة بادئا بالقراء السبعة فبقية العشرة فبقية الأربعة عشر، ذاكرا لكل إمام منهم راويين من رواته، معرفا بهم جميعا بما لا يخرج عن ألفاظ شيخ هذا الفن ومحرره الإمام شمس الدين بن الجزري في كتابيه المشهورين: (النشر في القراءات العشر) و (غاية النهاية في طبقات القراء) «٣» مع ذكر وفياتهم بما لا يكون فيه إطالة، ليكون القارئ على إلمام بشيء عن هؤلاء الأعلام.
القرّاء السّبعة
١- نافع المدني: بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، أبو رويم الليثي بالولاء (٧٠- ١٦٩
(٢). انظر (إتحاف فضلاء البشر ص ٨٨) و (غيث النفع بذيل شرح بن القاصح على الشاطبية ص ١٤).
(٣). مع إضافة يسيرة من (بغية الوعاة) للسيوطي حينا، و (الأعلام) للزركلي أحيانا. [.....]
أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبي جعفر القارئ، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والزهري وغيرهم. وبلغ شيوخه السبعين.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا جماعة منهم الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب، وقالون من أهل المدينة، والأصمعي وأبو عمرو بن العلاء من أهل البصرة، وورش والليث بن سعد من أهل مصر، وأبو مسهر الدمشقي وخويلد بن معدان من أهل الشام، وكردم المغربي، والغاز بن قيس الأندلسي... وغيرهم خلق كثير من مختلف الأمصار.
أقرأ الناس سبعين سنة ونيفا وانتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة وتمسك أهلها بقراءته، وكان الإمام مالك يقول: (قراءة أهل المدينة سنة)، قيل له: (قراءة نافع) ؟ قال: (نعم).
وكانت أحب القراءات إلى الإمام أحمد بن حنبل. كان نافع عالما بوجوه القراءات، متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده، زاهدا، جوادا، صلّى في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم ستين سنة.
قالون: أبو موسى، بن مينا الزرقي مولى بني زهرة (١٢٠- ٢٢٠ هـ).
قارئ المدينة ونحويها، يقال إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيرا وهو الذي لقبه قالون (بمعنى جيد في الرومية) لجودة قراءته. كان جد جده من سبي الروم. سئل: (كم قرأت على نافع) ؟ فأجاب: (ما لا أحصيه كثرة) حتى قال له نافع: (إلى كم تقرأ عليّ؟
اجلس إلى اسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ). قرأ عليه جماعة، وكان أصمّ يقرئ القرآن وينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ.
ورش: عثمان بن سعيد القبطي المصري مولى قريش (١١٠- ١٩٧ هـ) شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية. رحل إلى نافع فعرض عليه القرآن عدة ختمات في سنة ١٥٥. وله اختيار خالف فيه نافعا، وكان ثقة حجة، جيد القراءة، حسن الصوت، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدّد ويبين الأعراب، لا يمله سامعه.
كان قصيرا أشقر أزرق أبيض اللون، يلبس ثيابا قصارا فشبهه نافع ب (الورشان) الطائر المعروف، ثم خفّف فقيل: ورش.
٢- ابن كثير المكي: عبد الله، أبو معبد العطار الداري الفارسي الأصل، إمام أهل مكة في القراءة (٤٥- ١٢٠ هـ).
روى عن عدد من الصحابة لقيهم: عبد الله بن الزبير وأبي أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك وغيرهم. وأخذ القراءة عرضا على درباس مولى بن عباس ومجاهد بن جبر وعبد الله بن السائب وغيرهم.
وروى القراءة عنه جماعة منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد
كان فصيحا بليغا مفوّها طويلا جسيما عليه السكينة والوقار. قال أبو عمرو بن العلاء: (ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد). ولم يزل ابن كثير هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات.
البزي: أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو الحسن البزي مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام (١٧٠- ٢٥٠ هـ) فارسي الأصل، أستاذ محقق ضابط متقن. قرأ على أبيه وعلى عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح. وقرأ عليه جماعة وروى عنه القراءة قنبل.
قنبل: محمد بن عبد الرحمن المخزومي بالولاء، أبو عمر المكي الملقب بقنبل (١٩٥- ٢٩١ هـ).
شيخ القراء بالحجاز، أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد النبّال وخلفه بالقيام بها بمكة، وروى القراءة عن البزي. روى القراءة عنه جماعة كثيرة منهم أبو ربيعة محمد بن إسحاق وابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم.
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار، وكان على الشرطة بمكة لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح ليكون على صواب فيما يأتيه من الحدود والأحكام فحمدت سيرته. ولما طعن في السن قطع الإقراء، ومات بعد ذلك بسبع سنوات عن ٩٦ سنة.
٣- أبو عمرو بن العلاء: زبان بن العلاء التميمي المازني البصري (٦٨- ١٥٤ هـ).
إمام العربية والإقراء مع الصدق والثقة والزهد، ليس في السبعة أكثر شيوخا منه.
توجه مع أبيه لما هرب من الحجاج، فقرأ بمكة والمدينة، وقرأ أيضا بالكوفة والبصرة على جماعة كثيرة. سمع أنس بن مالك وغيره، وقرأ على الحسن البصري وأبي العالية وسعيد بن جبير وعاصم بن أبي النجود وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وابن كثير المكي وعكرمة مولى ابن عباس وابن محيصن ونصر بن عاصم ويزيد بن القعقاع المدني ويحيى بن يعمر.
روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم مشهورون جدا مثل أبي زيد الأنصاري والأصمعي وعيسى بن عمر ويحيى اليزيدي وسيبويه. كانت دفاتره ملء بيت إلى السقف.
مر الحسن البصري بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال: (لا إله إلا الله، كادت العلماء أن يكونوا أربابا، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول). وراجت قراءته بين العلماء ثم بين العامة. وقد شهد بن الجزري أن (القراءة التي عليها الناس اليوم) المائة التاسعة للهجرة بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدا
(لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهادا والله لو رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسرّه ما هو عليه).
حفص الدوري: هو ابن عمر بن العزيز، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ هـ). إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط. أول من جمع القراءات، وقرأ بالسبعة وبالشواذ وسمع من ذلك شيئا كثيرا.
قرأ على الكسائي، وأخذ قراءة نافع عن إسماعيل بن جعفر، وقراءة يزيد بن القعقاع عن بن جمّاز. وقراءة حمزة عن محمد بن سعدان، ولأبي بكر عن عاصم، وعن يحيى اليزيدي قراءة أبي عمرو.. وغيرهم.
وأخذ عنه القراءة جمع كبير، قال أبو داود: رأيت أحمد بن حنبل يكتب عن أبي عمر الدوري.
السوسي: صالح بن زياد، أبو شعيب السوسي الرقي (٢٦١ هـ) مقرئ ضابط محرر ثقة. أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي (قراءة أبي عمرو)، وقرأ على حفص قراءة عاصم. وأخذ عنه القراءة جماعة. مات وقد قارب السبعين.
٤- ابن عامر الدمشقي: عبد الله أبو عمران اليحصبي (٨- ١١٨ هـ).
إمام أهل الشام في القراءة، وإليه انتهت مشيخة الإقراء فيها. أخذ القراءة عرضا عن الصحابي الجليل أبي الدرداء مقرئ أهل الشام، وعلى المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان، وعلى قراءته أهل الشام والجزيرة تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمائة. تولى قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني وإمامة الجامع بدمشق وكان ناظرا على عمارته حتى فرغ، لا يرى فيه بدعة إلا غيّرها، وائتمّ به الخليفة عمر بن عبد العزيز.
كان إماما عالما ثقة فيما أتاه، متقنا لما وعاه، عارفا فهما قيما فيما جاء به، صادقا فيما نقله، من أفاضل المسلمين وخيار التابعين وأجلة الراوين.
روى القراءة عنه جماعة منهم يحيى بن الحارث الذماري وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة، وأخوه عبد الرحمن بن عامر وخلاد بن يزيد وغيرهم.
هشام بن عمار: أبو الوليد السلمي الدمشقي (١٥٣- ٢٤٥ هـ). إمام أهل دمشق وخطيبهم ومحدثهم ومقرئهم ومفتيهم. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم وعراك بن خالد وسويد بن عبد العزيز وغيرهم.
وروى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام قبل وفاته بنحو أربعين سنة، وأحمد بن يزيد الحلواني وخلق كثير. لما توفي أيوب بن تميم رجعت القراءة في الشام إلى ابن ذكوان
ابن ذكوان: أبو عمرو عبد الله بن أحمد الفهري الدمشقي (١٧٣- ٢٤٢ هـ).
الإمام الأستاذ المشهور الراوي الثقة، شيخ الإقراء بالشام وإمام جامع دمشق. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم وخلفه في القيام بها بدمشق. وقرأ على الكسائي لما قدم الشام، وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن المسيبي عن نافع. وروى عنه جماعة.
ألف كتاب (أقسام القرآن وجوابها) و (ما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه).
قال أبو زرعة الدمشقي وهو من تلاميذه: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ منه.
٥- عاصم بن أبي النجود الكوفي: أبو بكر بن بهدلة الحناط مولى بني أسد (١٢٧ هـ).
شيخ الإقراء بالكوفة، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال أبو بكر بن عياش: لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول: ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم.
أخذ القراءة عرضا عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو الشيباني.
روى القراءة عنه أبان بن تغلب وحفص بن سليمان وحماد بن زيد وأبو بكر بن عياش وجماعة. وروى عنه حروفا من القرآن أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وحمزة الزيات.
قال راويته حفص قال لي عاصم: (ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود).
لم يكن عاصم يعدّ فواتح السور (الم، حم، كهيعص، طه، آيات على خلاف مذهب الكوفيين، وكان أحمد بن حنبل لا يفضل على قراءة عاصم إلا قراءة أهل المدينة.
شعبة: أبو بكر بن عياش الأسدي النهشلي الكوفي الحناط (٩٥- ١٩٣ هـ).
الإمام العلم راوي عاصم، عرض عليه القرآن ثلاث مرات، وعلى عطاء بن السائب وأسلم المنقري. وأخذ عنه جماعة، وأخذ عنه الحروف آخرون منهم الكسائي وخلاد الصيرفي.
عمر دهرا إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنوات. وكان من أئمة السنة، وهو صاحب الكلمة المشهورة في أبي بكر الصديق: (ما فضلكم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في صدره). ذكر أبو عبد الله النخعي ويحيى بن معين (أنه لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة). وهو الذي يريده المصنف بقوله: وقرأ أبو بكر.
حفص بن سليمان: أبو عمر الأسدي الكوفي البزار (٩٠- ١٨٠- هـ). أعلم
٦- حمزة بن حبيب الزيات: أبو عمارة الكوفي التيمي بالولاء (٨٠- ١٥٦ هـ).
حبر القرآن، إمام الناس بعد عاصم والأعمش، زاهد عابد خاشع، قيم بالعربية والفرائض. أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش وحمران بن أعين وأبي إسحاق السبيعي وجعفر بن محمد الصادق، واختار مذهب حمران الذي يقرأ قراءة بن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان.
روى عنه القراءة كثيرون منهم إبراهيم بن أدهم والحسين الجعفي وسليم بن عيسى أضبط أصحابه، والكسائي أجل أصحابه ويحيى بن زياد الفراء ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهم.
وروى عنه رواة الإفراط في المد والهمز مع تكلف جعل الإمام أحمد بن حنبل يكره قراءة حمزة. وكان حمزة نفسه ينهاهم عن ذلك.
خلف بن هشام: أبو محمد الأسدي البزار البغدادي (١٥٠- ٢٢٩ هـ).
الإمام العلم، أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة، ثقة كبير، زاهد عالم عابد. أخذ القرآن عرضا عن سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة، وأبي زيد الأنصاري عن المفضل الضبي. وروى الحروف عن إسحاق المسيبي ويحيى بن آدم، وروى رواية ابن قتيبة عن عبيد بن عقيل من طريق بن شنبوذ المطوعي أداء وسماعا، وسمع من الكسائي ولم يقرأ عليه القرآن.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا ورّاقه أحمد بن إبراهيم وأحمد بن يزيد الحلواني.
كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفا في اختياره. مات ببغداد وهو مختف من الجهمية.
خلاد: أبو عيسى بن خالد الشيباني بالولاء، الصيرفي الكوفي (٢٢٠ هـ).
إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ. أخذ القراءة عن سليم وهو من أضبط أصحابه وأجلهم، ورواها عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر، وعن أبي بكر نفسه عن عاصم.
روى القراءة عنه عرضا أحمد بن يزيد الحلواني والقاسم الوزان وهو أنبل أصحابه وآخرون.
٧- الكسائي: أبو الحسن علي بن حمزة، فارسي الأصل، أسدي الولاء (١١٩- ١٨٩).
انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده وعن محمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر الهمداني، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وعن إسماعيل ويعقوب ابني جعفر قراءة نافع، وعن
أخذ القراءة عرضا وسماعا جمع منهم إبراهيم بن زاذان وحفص الدوري وأبو عبيد القاسم بن سلام وقتيبة بن مهران وخلف بن هشام البزار ويحيى بن زياد الفرّاء وغيرهم، وروى عنه الحروف يعقوب الحضرمي.
ذكر أبو عبيد في كتاب (القراءات) أن الكسائي (كان يتخيّر القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا، وكان من أهل القراءة وهي كانت علمه وصناعته، ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه. وكانت قراءته متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة إلا أن الناس كانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادي، وربما وقع منه خطأ فيأمرهم بمحوه من كتبهم).
ألف كتبا كثيرة في اللغة والنحو والقراءة منها: معاني القرآن، القراءات، مقطوع القرآن وموصوله، الهاءات. مات بقرية (بنويه) من عمل (الريّ) هو ومحمد بن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة مع الرشيد متوجّها إلى خراسان، فقال الرشيد: (دفنا الفقه والنحو بالريّ) وكان إمام الكوفيين في العربية.
أبو الحارث: الليث بن خالد البغدادي (٢٤٠ هـ).
ثقة معروف حاذق ضابط. عرض القراءة على الكسائي وهو من جلة أصحابه، وروى الحروف عن حمزة بن القاسم الأحول وعن اليزيدي.
روى القراءة عنه عرضا وسماعا سلمة بن عاصم صاحب الفراء وغيره.
الدوري: حفص بن عمر، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ هـ).
نزيل (سامرا)، إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط، أول من جمع القراءات. رحل في طلبها وقرأ بجميع الحروف السبعة وبالشواذ، وسمع من ذلك شيئا كثيرا. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع وعن أبي جعفر، وعلى الكسائي لنفسه، ولأبي بكر عن عاصم وغيرهم.
وروى القراءة عنه وقرأ عليه جماعة منهم الإمام الطبري المفسر المؤرخ. ورئي أحمد بن حنبل يكتب عنه.
بقية العشرة
٨- أبو جعفر يزيد بن القعقاع: المخزومي المدني القارئ (١٣٠ هـ) إمام تابعي مشهور، صالح متعبد كبير القدر. عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، وروى عنهم وصلّى بابن عمر وأقرأ الناس.
روى القراءة عنه نافع وسليمان بن مسلم بن جماز. وعيسى بن وردان وجماعة.
عيسى بن وردان: أبو الحارث المدني الحذاء (١٦٠ هـ).
إمام مقرئ حاذق وراو محقق ضابط، عرض على أبي جعفر وشيبة، ثم عرض على نافع وهو من جلة أصحابه وشاركه في الإسناد. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقالون.
ابن جماز سليمان بن مسلم بن جماز، أبو الربيع الزهري بالولاء، المدني (توفي بعد سنة ١٧٠ هـ).
مقرئ جليل ضابط، عرض على أبي جعفر وشيبة ثم على نافع، وأقرأ بحرف أبي جعفر وشيبة. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقتيبة بن مهران.
٩- يعقوب الحضرميّ: بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق، أبو محمد مولى الحضرميين (١١٧- ٢٠٥ هـ).
إمام أهل البصرة ومقرئها، ثقة عالم صالح ديّن، إليه انتهت رئاسة القراءة بعد أبي عمرو، أعلم الناس بمذاهب النحويين في القراءات. أخذ القراءة عرضا عن جماعة منهم سلام الطويل ومهدي بن ميمون، وروى عن سلام حروف أبي عمرو بالإدغام، وسمع الحروف من الكسائي ومحمد بن زريق الكوفي عن عاصم، وسمع من حمزة حروفا، وقرأ على شهاب بن شرنقة قراءة أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب، وقراءته على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى في غاية العلو.
روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم أبو حاتم السجستاني وأبو عمر الدوري، قال السجستاني: (هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن، وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو، وأروى الناس لحروف القرآن ولحديث الفقهاء). وائتم به في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو، ولا يقرأ إمام الجامع بالبصرة إلا بقراءته حتى المائة التاسعة زمن ابن الجزري الذي استنكر قول من عد قراءته من الشواذ فقال: (فليعلم أنه لا فرق بين قراءة يعقوب وقراءة غيره من السبعة عند أئمة المحققين، وهو الحق الذي لا محيد عنه).
وبلغ من جاهه في البصرة أنه كان يحبس ويطلق.
رويس: محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري (- ٢٣٨ هـ).
مقرئ حاذق ضابط مشهور جليل. أخذ القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي وختم عليه ختمات، وهو من أحذق أصحابه. روى القراءة عنه عرضا محمد بن هارون التمار والإمام أبو عبد الله الزبيري. كان يأخذ على المبتدئين بتحقيق الهمزتين معا في مثل «أأنذرتهم» و «جاء أجلهم»، وكان يأخذ على الماهر بتخفيف الهمزة الثانية.
روح بن عبد المؤمن: أبو الحسن البصري النحوي الهذلي بالولاء (- ٢٣٤ هـ).
مقرئ جليل، ثقة ضابط مشهور من أجل أصحاب يعقوب، عرض عليه، وروى الحروف عن جماعة عن أبي عمرو. وعرض عليه جماعة منهم أحمد بن يزيد الحلواني.
إسحاق الوراق: أبو يعقوب المروزي ثم البغدادي (- ٢٨٦ هـ).
وراق خلف وراوي اختياره عنه، ثقة قيم بالقراءة، ضابط. قرأ على خلف اختياره وقام به بعده، وعلى الوليد بن مسلم. وقرأ عليه جماعة منهم بن شنبوذ.
إدريس الحداد: أبو الحسن بن عبد الكريم البغدادي (١٨٩- ٢٩٢ هـ).
إمام ضابط متقن ثقة، قرأ على خلف اختياره وروايته، وعلى محمد بن حبيب الشموني. وروى القراءة عنه سماعا بن مجاهد، وعرضا محمد بن أحمد بن شنبوذ وابن مقسم وأبو بكر النقاش وجماعة.
فائدة
ذكر العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير ١/ ٥٧ طبعة سنة ١٩٦٤) ما يلي:
«القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر هي:
١- قراءة نافع برواية قالون: في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري، وفي ليبية.
وبرواية ورش: في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد، والسودان.
٢- وقراءة عاصم برواية حفص عنه: في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية، [وجزيرة العرب] والهند، وباكستان، وتركية والأفغان.
٣- وقراءة أبي عمرو البصري: فيما بلغني يقرأ بها في السودان المجاور لمصر (- ١ هـ) «١».
«القراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه، خاصة في الفرش».
والظاهر أن تقلب القراءات على مصر ما يتبع قراءة القارئ المقتدى به عند أهل المصر، فقد ذكر بن الجزري بعد ما تقدم أن الشام كانت تقرأ بحرف بن عامر إلى حدود الخمسمائة، فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو، فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو. وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة».
وكان قد نقل قبل أسطر قول شعبة الذي مر بك: «أنظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا» - النشر ١/ ٢٩١.
هذا وعلمت من فاضل سوداني أن قراءة أبي عمرو يقرأ بها في السودان اليوم في الخرطوم إلى (كسلا)، إلى شمال أريتيريا، وفي شرقي (تشاد).
وحدثني آخر من أهل المدينة أنه اقتدى بتاجر بخاري صلّى في الحرم المدني فقرأ قراءة ابن كثير برواية الدوري، فلما سألوه قال: إنها قراءة أهل بلاده.
١١- ابن محيصن: محمد بن عبد الرحمن السهمي بالولاء المكي (- ١٢٣ هـ).
مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، ثقة، أعلم قراء مكة بالعربية وأقواهم عليها.
عرض على مجاهد بن جبر ودرباس مولى ابن عباس وسعيد بن جبير.
عرض عليه شبل بن عباد وأبو عمرو بن العلاء، وسمع منه حروفا إسماعيل بن مسلم المكي وعيسى بن عمر البصري.
ولولا ما في قراءته من مخالفة المصحف لألحق بالقراءات المشهورة. قال ابن مجاهد: «كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه».
البزي: أحد راويي ابن كثير أيضا، تقدمت ترجمته.
ابن شنبوذ: محمد بن أحمد بن أيوب، أبو الحسن البغدادي (- ٣٢٨ هـ).
شيخ الإقراء بالعراق، أستاذ، كبير، رحالة في طلب العلم، مع الثقة والخير والصلاح والعلم وقوة الحفظ. أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن إبراهيم وراق خلف، وعن إبراهيم الحربي وقنبل وجماعة في أمصار عدة. وقرأ عليه جماعة كثيرة منهم أبو بكر بن مقسم والمعافى بن زكريا. وكانت العلاقة ساءت بينه وبين بن مجاهد فلم يقرئ من قرأ على بن مجاهد، ويقول فيه: (لم تغبّر قدماه في هذا العلم). وكان يجوّز القراءة بالشاذ وهو ما خالف رسم المصحف، وعقد له بسبب ذلك مجلس استتيب به فاعترف وكتب عليه محضر بذلك.
١٢- اليزيدي: يحيى بن المبارك، الإمام أبو محمد العدويّ بالولاء، البصري (١٢٨- ٢٠٢ هـ).
نحوي مقرئ ثقة علامة كبير في النحو والعربية والقراءة.
أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو بن العلاء وخلفه بالقيام بها، وأخذ عن حمزة.
روى القراءة عنه أولاده محمد وعبد الله وإبراهيم وإسماعيل، وأبو عمر الدوري وسليمان بن أيوب بن الحكم وسليمان بن خلاد وجماعة، وروى عنه الحروف أبو عبيد القاسم بن سلام.
وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة وهو أضبط أصحاب أبي عمرو عنه.
وتصدى لروايتها عنه والاشتغال بها. قيل أنه أملى عشرة آلاف ورقة عن أبي عمرو خاصة.
وكثيرا ما ينقل أبو زرعة في هذا الكتاب حججه في مثل قوله: وحجته ذكرها اليزيدي..
أو: وحجة أخرى ذكرها اليزيدي وهي..
سليمان: أبو أيوب بن الحكم الخياط البغدادي صاحب البصري (- ٢٣٥ هـ).
أحمد بن فرج: أبو جعفر الضرير البغدادي المفسر (- ٣٠٣ هـ).
ثقة كبير، قرأ على الدوري تلميذ اليزيدي بجميع ما عنده من القراءات، وعلى عبد الرحمن بن واقد وعلى البزي وعمر بن شبة. وقرأ عليه جماعة منهم بن مقسم وابن مجاهد وابن شنبوذ. قارب التسعين.
١٣- الحسن البصري: أبو سعيد بن يسار (٢١- ١١٠ هـ).
إمام زمانه علما وعملا، أشهر من أن يعرّف. وقرأ على حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري، وعن أبي العالية عن أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب.
روى عنه أبو عمرو بن العلاء وسلام الطويل ويونس بن عبيد وعيسى بن عمر النحوي.
قال الشافعي: لو أشاء أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت، لفصاحته.
شجاع بن أبي نصر البلخي: أبو نعيم البغدادي الزاهد (١٢٠- ١٩٠ هـ).
ثقة كبير. عرض على أبي عمرو بن العلاء وهو من جلة أصحابه وسمع من عيسى بن عمر.
روى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عمر الدوري وغيرهما. سئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال: «بخ بخ، وأين مثله اليوم».
الدوري: أحد راويي أبي عمرو بن العلاء أيضا، تقدمت ترجمته.
١٤- الأعمش: سليمان بن مهران، أبو محمد الكوفي مولي بني أسد (٦٠- ١٤٨ هـ). الإمام الجليل، مقرئ الأئمة، صاحب نوادر.
أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي وزر بن حبيش وعاصم بن أبي النجود ومجاهد بن جبر وأبي العالية الرياحي وغيرهم. روى القراءة عنه عرضا وسماعا حمزة الزيات ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة. وروى عنه الحروف محمد بن عبد الله المعروف بزاهر ومحمد بن ميمون.
قال هشام: (ما رأيت في الكوفة أقرأ لكتاب الله من الأعمش). وكان يقول: «إن الله زيّن بالقرآن أقواما، وإني ممن زينه الله بالقرآن، ولولا ذلك لكان على عنقي دنّ أطوف به في سكك الكوفة».
الحسن بن سعيد المطوعي: أبو العباس العباداني البصري العمري (- ٣٧١ هـ).
إمام عارف ثقة في القراءة. رحل فيها إلى الأقطار فقرأ على إدريس بن عبد الكريم
وقرأ عليه جماعة، وعمّر حتى جاوز المائة فانتهى إليه علو الإسناد في القراءات. له كتاب معرفة اللامات وتفسيرها.
أبو الفرج الشنبوذي: محمد بن أحمد إبراهيم الشطوي البغدادي (٣٠٠- ٣٨٨ هـ).
أستاذ من أئمة القراءة، مشهور نبيل حافظ حاذق، رحل ولقي الشيوخ وأكثر وتبحر في التفسير. أخذ القراءة عرضا عن ابن مجاهد وأبي بكر النقاش وأبي الحسن بن شنبوذ (ولازمه فنسب إليه) وغيرهم. وقرأ عليه جماعة واشتهر اسمه، وطال عمره مع علمه بالتفسير وعلل القراءات» اه.