ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم هو أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري كان الله له في الدنيا والآخرة وحباه فيهما بنعمه الذاخرة الوافرة الفاخرة، تولد في سنة ١٢٤٨ ثمان وأربعين ومائتين وألف القدسية على صاحبها الصلاة والتحية، ونشأ بموطنه بلدة قنوج وما إليها من الأقطار الهندية، فهو مولده ومسكنه ومرباه ومحتده وداره ومثواه، يرجع نسبه إلى حضرة سيد السادة وقدوة القادة زين العابدين علي بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. تلمذ العلوم الدرسية على الوجه المرسوم على شيوخ هذا العهد، منهم الشيخ الفاضل المفتي محمد صدر الدين خان الدهلوي. من تلامذة الشيخ الكامل عبد العزيز، وأخيه الشيخ العامل رفيع الدين ابني الشيخ الأجل مسند الوقت أحمد شاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى. واستفاد العلوم الملية من التفاسير والأحاديث وما يليهما من مشيخة اليمن الميمون والهند منهم الشيخ القاضي حسن بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ الشيخ الماهر محمد بن ناصر الحازمي تلميذ القاضي الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني والشيخ المعمر الصالح عبد الحق بن فضل الله الهندي، والشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة المكرمة أخو الشيخ محمد إسحق حفيد الشيخ عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمهم الله تعالى. وكلهم أجازوا له مشافهة وكتابة إجازة مأثورة عامة تامة، وممن استجاز منه العالم الكامل والمحدث الفاضل الشيخ يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي قاضي عدن حالا أجاز له حسب اقتراحه في ذي الحجة سنة ١٢٩٥ الهجرية، والشيخ العلامة زينة أهل الاستقامة السيد نعمان خير الدين الوسي زاده مفتي بغداد حالا أجاز له في هذا العام الحاضر وهو سنة ١٢٩٦ الهجرية، ثم طالع بفرط شوقه وصحيح ذوقه كتبا كثيرة ودواوين شتى في العلوم المتعددة والفنون المتنوعة. ومر عليها
وأوعى من ضروب الفضائل العلمية والتحقيقات النفسية ما قصرت عنه أيدي أبناء الزمان، ويعجز دون بيانه ترجمان اليراع عن إبراز هذا الشأن، ولله الحمد على ما يكون وعلى ما كان. ثم ألقى عصا التسيار والترحال بمحروسة بهوبال، من بلاد مالوة الدكن فنزل بها نزول المطر على الدمن وأقام بها وتوطن وأخذ الدار والسكن، وتمول وتولد واستوزر وناب وألف وصنف وعاد إلى العمران من بعد خراب. وكان فضل الله عليه عظيما جزيلا والحمد لله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ثم اختص بعونه تعالى وصونه بتدوين علوم الكتاب العزيز وأحكام السنّة المطهرة البيضاء وتلخيصها وتخليص أحكامها من شوب الآراء ومفاسد الأهواء. وهذا إن شاء الله تعالى خاص به في هذا العهد الأخير. والله يختص برحمته من يشاء كيف وعلماء الأقطار الهندية وإن بالغ بعضهم في الإرشاد إلى اتباع السنّة وقرره في مؤلفاته وحرره في مصنفاته على وجه ثبت به على رقاب أهل الحق والمنّة، وشمر بعضهم عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى اعتقاد التوحيد ورد الشرك والتقليد باللسان والبيان، بل بالسيف والسنان. لكن لم يدون أحد منهم أحكام الكتاب العزيز وعلوم السنّة المطهرة من العبادة والمعاملة وغيرها خالصة عن آراء الرجال نقية عن أقوال العلماء على هذه الحالة المشاهدة في كتبه المختصرة والمطولة كالروضة الندية ومسك الختام شرح بلوغ المرام، وعون الباري، وفتح البيان، ورسالة القضاء والإفتاء والإمامة والغزو والفتن والنار وغير ذلك مما طبع واشتهر وشاع وسارت به الركبان إلى أقطار العالم من العرب والعجم كالحجاز واليمن، وما إليها ومصر والعراق والقدس وطرابلس وتونس والجزائر ومدن الهند والسند وبلغار ومليبار وبلاد الفرس. وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين وكتب إليه علماء الآفاق ومحرروها ومحدثو الديار ومفسروها كتبا كثيرة أثنوا فيها على تلك التواليف ودعوا له بإخلاص الفؤاد لحسن الدنيا والأخرى تقبل الله فيه هذه الدعوات وختم بالحسنى وأحسن إليه بتيسير المنجيات، وهذه الخطوط والرقائم قد ألحقت في خواتيم مؤلفاته فانظر إليها في تضاعيف محرراته يتضح لك القول الحق والكلام الصدق إن شاء
آثار القيامة، الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون، حصول المأمول من علم الأصول، الحطة بذكر الصحاح الستة، حل الأسئلة المشكلة. الخاء المعجمة: خبية الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان. الدال المهملة: دليل الطالب إلى أرجح المطالب. الذال المعجمة: ذخر المحتي من آداب المفتي. الراء المهملة: رحلة الصديق إلى البيت العتيق، الروضة الندية شرح الدرر البهية، رياض الجنة في تراجم أهل السنة. السين المهملة: السحاب المركوم الممطر بأنواع الفنون وأصناف العلوم- وهو القسم الثاني من هذا الكتاب، سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند. الشين المعجمة: شمع انجمن در
غصن البان المورق بمحسنات البيان، غنية القاري في ترجمة ثلاثيات البخاري. الفاء:
فتح البيان في مقاصد القرآن- أربع مجلدات، فتح المغيث بفقه الحديث، الفرع النامي من الأصل السامي. القاف: قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل، قضاء الأرب من مسئلة النسب، قطف الثمر من عقائد أهل الأثر. الكاف: كشف الالتباس عما وسوس به الخناس في رد الشيعة بالهندية. اللام: لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من الأغلاط، لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان. الميم: مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام، مراتع الغزلان من تذكار أدباء الزمان، مسك الختام من شرح بلوغ المرام- مجلدان ضخمان، منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول، الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة. النون: نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان، نيل المرام من تفسير آيات الأحكام- وهو كتابنا هذا. الواو:
الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم المنثور منها والمنظوم وهو القسم الأول من هذا الكتاب، الهاء: هداية السائل إلى أدلة المسائل. الياء: يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار، وهذا آخر ذكر الكتب المؤلفة إلى هذا التاريخ ثم اتفق أنه أتحف إلى حضرة السلطان المعظم عبد الحميد خان ملك الدولة العثمانية تفسيره فتح البيان في مقاصد القرآن وكتب إليه كتابا في ذلك فجاء إليه من بابه العالي المثال الغالي جوابا عليه مع نيشان الدرجة الثانية المسمى بمجيدية ويقال له أرنجي بالتركية. وورد مكتوب من السيد خير الدين باشا الصدر الأعظم مع كتاب أقوم المسالك في أحوال الممالك هدية منه إليه وهذه نسختهما.
افتخار الأعالي والأعاظم مستجمع جميع المعالي والمفاخم صديق حسن خان دام علوه زوج سيدة المخدرات إكليلة المحصنات شاهجان بيكم دامت عصمتها التي هي من نوابة هند رئيسة خطة بهوبال اتصفت ذاته العالية الصفات بالأوصاف التي تمدح وتقبل لنا في حق كرامته اعتبار وتوجه سلطاني وقد سلمنا جنابه للدلالة على ذلك من جانبنا السني
تجلى لنا نور الهنا ووفى البشر | ومن زهر أفنان الورى عبق النشر |
وعندل طير الأنس في روضة المنى | على فنن الأفراح وانشرح الصدر |
وفاته:
توفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة هجرية ١٣٠٧ هـ، وعاش تسعا وخمسين سنة قمرية، وسبعا وخمسين سنة شمسية «١».
قال العبد الضعيف الخامل المتواري صديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري ختم الله له بالحسنى:
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله الطاهرين وصحبه الراشدين.
وبعد:
فهذه الآيات التي يحتاج إلى معرفتها راغب في معرفة الأحكام الشرعية القرآنية، وقد قيل: إنها خمسمائة آية، وما صح ذلك، وإنما هي مائتا آية أو قريب من ذلك.
وإن عدلنا عنه وجعلنا الآية كل جملة مفيدة يصح أن تسمى كلاما في عرف النحاة، كانت أكثر من خمسمائة آية. وهذا القرآن من شكّ فيه فليعد.
ولا أعلم أن أحدا من العلماء أوجب حفظها غيبا، بل شرط أن يعرف مواضعها حتى يتمكن عند الحاجة من الرجوع إليها، فمن نقلها إلى كراسة وأفردها كفاه ذلك.
ولم أستقص فيه نوعين من آيات الأحكام:
أحدهما: ما مدلوله بالضرورة كقوله سبحانه وتعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [سورة البقرة: آية ٤٣] للأمان من جهله، إلا أن تشتمل الآية من ذلك على ما لا يعلم بالضرورة بل بالاستدلال، فأذكرها لأجل القسم الاستدلالي منهما كآية الوضوء والتيمم.
وثانيهما: ما اختلف المجتهدون في صحة الاحتجاج فيه على أمر معين وليس بقاطع الدلالة ولا واضحها، فإنّه لا يجب على من لا يعتقد فيه دلالة أن يعرفه إذ لا ثمرة لإيجاب معرفة الاستدلال به، وذلك كالاستدلال على تحريم لحوم الخيل بقوله تعالى:
لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً [سورة النحل: آية ٨] وهذا لا تجب معرفته إلا على من يحتج به
وليس القصد إلا ذكر ما يدل على الأحكام دلالة واضحة، لتكون عناية طالب الأحكام به أكثر وإلا فليس يحسن من طالب العلم أن يهمل النظر في جميع كتاب الله تعالى مقدما للعناية فيه، شاملا للطائف معانيه، مستنبطا للأحكام والآداب من ظواهره وخوافيه، فإنه الأمان من الضلال، والعمود الأعظم في جميع الأحوال، والأنيس في الوحدة، والغوث في الشدّة، والنور في الظّلمة، والفرج للغمة، والشفاء للصدور، والفيصل عند اشتباه الأمور. فلا ينبغي أن يغفل عنه لحظة، ولا أن يزهد منه في لفظة.
وقد أفرد السيد الإمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير- رحمه الله تعالى- فضائل القرآن والتنبيه على الاعتماد عليه في مصنف مفرد.
وها أنا أفسر تلك الآيات المشار إليها بتفسير وجيز جامع لما له وعليه، ولم آخذ فيها من الأقوال المختلفة إلا الأرجح، ومن الدلائل المتنوعة إلا الأصح الأصرح.
ولعمري لا يوجد قط تفسير موجز بهذا النمط.
وكانت بدايته في أول شهر صفر ونهايته فيه من حدود سنة سبع وثمانين ومائتين وألف الهجرية على صاحبها الصلاة والتحية. وسميته «نيل المرام من تفسير آيات الأحكام».
وألفت بعد ذلك تفسيرا لمقاصد القرآن المسمى ب «فتح البيان» جامعا للرواية والدراية والاستنباط والأحكام. فإن كنت ممن يريد الصعود على معارج التحقيق، والقعود في محراب التدقيق، فعليك بذلك التفسير ولعلك لا تجد مثله في إخوانه إن شاء الله القدير.
والله سبحانه أسأل أن يجعل هذا المختصر خالصا لوجهه الكريم وينفع المسلمين بلطفه العميم.