سورة الناس( ٢ ) مدنية( ٣ )
٢ كذا في زاد المسير ٩/٢٧٢ وفتح القدير ٥/٥٢١، والذي عند البخاري في كتاب التفسير سورة ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ وفي المحرر: ١٦/٣٨٧: "سورة المعوذة الثانية"..
٣ يقال فيها ما قيل في سورة الفلق، انظر: تفسير الماوردي٤/٥٥٢ والبحر ٨/٥٣١ والإتقان ١/١٤..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الناسمدنية
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس﴾ إلى آخرها.
(المعنى: أقرأ يا محمد: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس﴾ فأَثْبَتَ " قُلْ " فِي قَرَاءَتِهِ كما أُمِرَ، أي): قل [يا] محمد، استعيذ برب الناس، وهو الله جل ذكره، ﴿مَلِكِ الناس﴾، هو الله.
وخص الناس بالذكر وهو تعالى جل ذكره رب جميع الخلق وملِكُهم، لأن بعض الناس كان يُعَظِّم بعض الناس تعظيم المؤمنين ربهم، فأَعْلَمَهُم [الله] أنه رب من [يعظمونه] وملكهم [يجري] عليهم [سلطانه] وقدرته.
ثم قال: ﴿مِن شَرِّ الوسواس الخناس﴾. أي الشيطان الخناس، يعني الشيطان يخنص مرة ويوسوس (أخرى، فيخنس إذا ذكره العبد ربه، ويوسوس من صدور الرجل) إذا غفل عن ذكر ربه.
فقال ابن عباس: " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل [وسوس]، [وإذا] ذكر الله خنس، فذلك قوله: ﴿الوسواس الخناس﴾ وقال مجاهد: ينبسط الشيطان فإذا ذكر لله خنس وانقبض، فإذا غفل الإنسان انبسط، وهو قول قتادة.
وقال ابن زيد: يوسوس مرة، (ويخنس مرة) من الجن والانس وكان يقول: شيطان الإنس أشد على الناس من شيطان الجن، لأن شيطان الجن يوسوس (ولا تراه، وشيطان [الانس] يعاينك معاينة).
يقال: خنس: إذا استتر، وخنست عنه: تأخرت، وأخنست عنه حقه سترته.
وقوله جل ذكره: ﴿الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس * مِنَ الجنة والناس﴾ قيل: إن ﴿الناس﴾ المتأخر هنا يراد به الجن، وذلك أنهم سموا ناساً ما سموا رجالاً في وقوله: ﴿يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن﴾ [الجن: ٦].
وحُكِيَ عن بعض العرب أنه قال: جاء قوم [من الجن]، وقد قال الله في مخاطبة الجن لأصحابهم: ﴿ياقومنآ﴾ [الأحقاف: ٣٠] فسموا قوماً [كما يسمى الأنس].
والجنة جمع جنى كما يقال: إنسيّ وإنس، والهاء لتأنيث الجماعة مثل: حجار وحجارة.
وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس﴾ (ثم) يمسح (بهما) ما استطاع (من جسده) يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ﷺ ( وشرف وكرم ومجد).
وهذه أسماء القرآن وصفاته:
القرآن: جامع جميع [كتب] الله جل وعز.
وهو الفرقان، سمي بذلك لتفريقه بين الحق والباطل، وقيل: لتفريقه في
نزوله. (وهو المثاني، سمي بذلك [لتكرر] القصص والأمر والنهي [فيه] [ليكون
أوعى لمن سمعه]، وأبلغ في [نقله] إذا نقل إلى [الآفاق].
وهو الكتاب كما قال: (الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ).
ومن صفته: الحكيم، لأنه يحكم، الناس، يردهم إلى الحق من قولهم: حكمت الدابة باللحام، إذا ردعتها عن أخذها غير القصد، ومنه حكمة الدابة.
ويجوز أن يكون الحكيم بمعنى المحكم.
ومن صفاته: بلاغ، سمي بذلك، لأنه يكفي من غيره.
ومن صفاته: (الشفاء) لأنه يبرىء من الكفر.
ومن صفاته: المجيد، لشرفه على سائر الكلام.
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي المقرىء - رضي الله عنه -: قد أتينا -بعون الله جل ذكره- في هذا الديوان على ما شرطناه على أنفسنا في أوله حسب الطاقة ومبلغ الجهد وغاية المقدرة وعلى قدر ما تذكرته في وقت تأليفنا له واهتدينا إلى مواضعه من كتب مَن تقدَّمنا، ولسنا ننكر أن يكون قد فاتنا الكثير من المنصوص عليه وغفلنا عن تذكر أشياء قد حفظناها عند تأليفنا فأنسيناها عند تصنيفه. والكمال (لله جل ذكره، وعلوم كتاب الله جل ذكره اعظم واجل من أن يحصيها محص ويبلغ) غايتها مدع أويتناها في علم ظاهرها وباطنها متناه.
وإنما ذكرنا في كتابنا هذا قدر ما فهمنا ووصل إلينا وعلمنا وروينا مما تذكرناه في وقت تأليفنا له واهتدينا إلى موضع نصه عند تصنيفنا له، ولسنا ننكر أن يغيب عنا من فهمه وعلمه كثير مما وصل إلى غيرنا وأن يكون قد غاب عن ذلك الغير كثير مما وصل
فرحم الله عبداً ترحم علينا وعلى جميع المسلمين، ودعا لنا بالمغفرة. وأنا أرغب إلى الله ذي القدرة والعزة والجبروت والعظمة (أن ينفع بذلك) ويجزل عليه الأجر، وأن يجعله لوجهه خالصاً وأن يجيرنا ويعيذنا -فيما سعينا فيه- من الرياء والسمعة والتزين به عند الناس وأن يغفر لنا ما وقع من ذلك في أنفسنا، وأن لا يؤاخذنا بخطيئة قبح عندنا [فعلها] وكرهنا العودة إلى مثلها وأن لا يؤثمنا لما وقع منا من غلط أو سهو في هذا الكتاب، فهو القادر على ذلك لا إله إلا الله. ثم صلى الله جل ذكره أولاً وآخراً على محمد النبي وعلى أهله وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة كلهم أجميعن، ثم إليه جل ذكره أرغب في المغفرة والعفو لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات.