مدنية، وهي ست آيات.
ﰡ
هما عطف بيان لرب الناس، فإن المربي قد يطلق على الوالد ورب الدار، ويطلق على المالك، وهو لا يكون ملكا ولا معبودا، والملك قد يطلق على السلطان، وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة.
واللام في الناس للعهد، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا وإلها لكل شيء لإظهار شرفهم، ولأن المقصود بإنزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه ؛ لأن من حق الرب والملك والإله حفظ المربوب والمملوك والعائد عن الشر، قال غوث الثقلين :
أيدركني ضيم وأنت ظهري أأظلم في الدنيا وأنت نصري
فعار على حامي الحمى وهو قادر إذا ضاع في البيداء عقال بعيري
والكفار وإن كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب :" الله مولانا ولا مولى لكم ".
وتكرير الناس بالإظهار من غير إضمار ؛ لأن عطف البيان موضوع للبيان، وفي الإظهار زيادة البيان، وللإشعار بشرف النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
وقال البيضاوي : ولما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية هي تعم الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من الإضرار التي تعرض النفوس البشرية وتخصها، عمم الإضافة ثمة وخصصها بالناس ها هنا، فكأنه قال : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم.
وقيل : وجه تكرير لفظ الناس أن المراد بالناس الأول الأطفال، ومعنى الربوبية يدل عليه، وبالثاني الشباب المجاهدين في سبيل الله، ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه، وبالثالث الشيوخ المنقطعين إلى الله تعالى، ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه، وبالرابع الصالحون ؛ إذ الشيطان حريص على عداوتهم، وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه، وفي ذكر أطفال المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا رجال ركع وأطفال رضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا " رواه أبو يعطى والبزار والبيهقي من حديث أبي هريرة، وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم عن الزهري، وقال الله تعالى :﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ﴾١ الآية.
قال البيضاوي : في هذا النظم دلالة على أنه تعالى حقيق بالإعادة، قادر عليها، غير منوع عنها، وإشعار على مراتب الناظر في العارف، فإنه يعلم أو لا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له رباً، ثم بعد النظر يتحقق أنه غني عن الكل ذوات كل شيء ملكه، ومصارف أمورهم منه، فهو الملك الحق، ثم يستدل على أنه هو المستحق للعبادة.
﴿ الخنّاس ﴾ صفة للوسواس، يعني الشيطان ؛ لأن عادته أن يخنس، أي تأخر عند ذكر الله تعالى.
عن عبد الله بن شفيق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من آدمي إلا بقلبه بيتان : في أحدهما الملك، وفي الآخر الشيطان، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له "، رواه أبو يعلى، وروى أبو يعلى عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم نحوه.