تفسير سورة النحل

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة النحل من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة النحل
وآيها ثمان وعشرون ومائة
هذه السورة مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُحد.
ووجه ارتباطها بما قبلها أنه لما قال في السورة السالفة :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ [ الحجر : ٩٢ ] كان ذلك تنبيها إلى حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، فقيل :﴿ أتى أمر الله ﴾ وأيضا فإن قوله في آخرها :﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ [ الحجر : ٩٩ ] شديد الالتئام بقوله :﴿ أتى أمر الله ﴾.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ١ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ﴾ [ النحل : ١ -٢ ].
تفسير المفردات : أتى أمر الله : أي قرب ودنا، ويقال في مجرى العادة لما يجب وقوعه قد أتى وقد وقع، فيقال لمن طلب مساعدة حان مجيئها، جاءك الغوث، وأمر الله عذابه للكافرين.
المعنى الجملي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخوّف المشركين تارة بعذاب الدنيا من قتل وأسر كما حدث يوم بدر، وتارة بعذاب الآخرة، ثم إنهم لما لم يشاهدوا شيئا من ذلك احتجوا بذلك على تكذيبه وطلبوا منه الإتيان بذلك العذاب روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ [ القمر : ١ ] قال الكافرون حين خلوا إلى شياطينهم إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون، حتى ينظر ما هو كائن، فلما تأخرت قالوا ما نرى شيئا مما يخوفنا به، فنزل قوله تعالى :﴿ اقترب للناس حسابهم ﴾ [ الأنبياء : ١ ] فأشفقوا وانتظروا، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل قوله :﴿ أتى أمر الله ﴾ فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزل قوله :﴿ فلا تستعجلوه ﴾.
الإيضاح :﴿ أتى أمر الله فلا تستعجلوه ﴾ أي قرب عذاب المشركين وهلاكهم، أما إتيانه بالفعل وتحققه فمنوط بحكم الله النافذ، وقضائه الغالب على كل شيء، فهو يأتي في الحين الذي قدره وقضاه.
ونظم سبحانه المتوقع في صورة المحقق إيذانا بأنه واجب الوقوع، والشيء إذا كان بهذه المثابة يسوغ في عرف التخاطب أن يعد واقعا، ومعنى قوله فلا تستعجلوه ولا تطلبوا حصوله قبل حضور الوقت المقدر في علمه تعالى.
وفي هذا تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله، وإعلام منه لهم، بقرب عذابهم وهلاكهم الذي لا بد منه.
﴿ سبحانه وتعالى عما يشركون ﴾ أي تبرأ الله تعالى عن الشريك والشفيع الذي يدفع الضر عنكم، وفي هذا رد لمقالتهم حين قالوا : لئن حكم الله علينا بإنزال العذاب في الدنيا أو في الآخرة – لتشفعن لنا هذه الأصنام التي نعبدها من دونه.
وخلاصة هذا : إن تلك الجمادات الخسيسة التي جعلتموها شركاء لله وعبدتموها، هي أحقر الموجودات، وأضعف المخلوقات، فكيف تجعلونها شريكة لله في التدبير والشفاعة في الأرض والسماوات ؟
ثم أجاب عن شبهة لهم إذ قالوا : هب الله قضى على بعض عباده بالشر وعلى آخرين بالخير، فمن يعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا هو ؟ فقال :
تفسير المفردات : والروح : الوحي وهو قائم في الدين مقام الروح من الجسد، فهو محيي القلوب التي أماتها الجهل. من أمره : أي بأمره ومن أجله. انذروا : أي خوفوا فاتقون : أي خافوا عقابي، لمخالفة أمري وعبادة غيري.
المعنى الجملي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخوّف المشركين تارة بعذاب الدنيا من قتل وأسر كما حدث يوم بدر، وتارة بعذاب الآخرة، ثم إنهم لما لم يشاهدوا شيئا من ذلك احتجوا بذلك على تكذيبه وطلبوا منه الإتيان بذلك العذاب روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ [ القمر : ١ ] قال الكافرون حين خلوا إلى شياطينهم إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون، حتى ينظر ما هو كائن، فلما تأخرت قالوا ما نرى شيئا مما يخوفنا به، فنزل قوله تعالى :﴿ اقترب للناس حسابهم ﴾ [ الأنبياء : ١ ] فأشفقوا وانتظروا، فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل قوله :﴿ أتى أمر الله ﴾ فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزل قوله :﴿ فلا تستعجلوه ﴾.
الإيضاح :﴿ ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقوني ﴾ أي ينزل سبحانه ملائكته بالوحي إلى من يريد من عباده المصطفين الأخيار، أن أنذروا عبادي أن إله الخلق واحد لا إله إلا هو، وأنه لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا يصلح أن يعبد شيء سواه، فاحذروه وأخلصوا له العبادة، فإن في ذلك نجاتكم من الهلكة، وقد جاء ذكر الروح بمعنى الوحي في قوله :﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وفي قوله :﴿ يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ﴾ [ غافر : ١٥ ].
والمراد بقوله :﴿ من أمره ﴾ بيان أن ذلك التنزيل والنزول لا يكونان إلا بأمره تعالى كما قال حكاية عن الملائكة :﴿ وما نتنزل إلا بأمر ربك ﴾ [ مريم : ٦٤ ] وقال :﴿ لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ﴾ [ الأنبياء : ٢٧ ] وقال :﴿ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [ النحل : ٥٠ ] وقال :﴿ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [ التحريم : ٦ ] ففي كل ذلك دليل على أن الملائكة لا يقدمون على عمل إلا بأمره تعالى وإذنه.
وفي الآية إيماء إلى أن الوحي من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بوساطة الملائكة، ويؤيد ذلك قوله :﴿ والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] فقد بدأ بذكر الملائكة، لأنهم هم الذين يتلقّون الوحي من الله بلا وساطة، وذلك الوحي هو الكتب، وهم يوصلون هذا الوحي إلى الأنبياء – لا جرم جاء الترتيب على هذا الوضع.
﴿ خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ٣ خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ٤ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ٥ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ٦ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم ٧ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ٨ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ٩ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ١٠ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ١١ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ١٢ وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ١٣ وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجون منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ١٤ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ١٥ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ [ النحل : ٣ -١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ﴾ أي خلق سبحانه العالم العلوي وهو السماوات والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت – بالحق أي على نهج تقتضيه الحكمة ولم يخلقهما عبثا، منفردا بخلقهما لم يشركه في إنشائهما وإحداثهما شريك، ولم يعنه على ذلك معين، تعالى الله عن ذلك، إذ ليس في قدرة أحد سواه أن ينشئ السماوات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له.
تفسير المفردات : أصل النطفة : الماء الصافي ويراد بها هنا مادة التلقيح. والخصيم : بمعنى المخاصم كالخليط بمعنى المخالط. والعشير : بمعنى المعاشر والمراد به المنطق المجادل عن نفسه، المنازع للخصوم. والمبين : المظهر للحجة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح : وبعد أن ذكر أدلة الأكوان، ذكر خلق الإنسان، فقال :
﴿ خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ﴾ أي خلق الإنسان من نطفة أي من ماء مهين – خلقا عجيبا في أطوار مختلفة، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعدما تم خلقه، ونفخ فيه الروح، فغذاه ونماه، ورزقه القوت، حتى إذا استقل ودرج نسي الذي خلقه خلقا سويا من ماء مهين، بل خاصمه فقال :﴿ من يحي العظام وهي رميم ﴾ [ يس : ٧٨ ] وعبد ما لا يضر ولا ينفع :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾ [ الفرقان : ٥٥ ].
تفسير المفردات : والدفء : ما ستدفأ به من الأكسية. والمنافع : هي درّها وركوبها والحرث بها وحملها للماء ونحو ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ﴾ امتن سبحانه على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم كما تقدم تفصيل ذلك في سورة الأنعام، إذ عدها ثمانية أزواج، وبما جعل لهم فيها من المنافع من الأصواف والأوبار والأشعار، لباسا وفراشا، ومن الألبان شرابا، ومن الأولاد أكلا.
تفسير المفردات : جمال : أي زينة في أعين الناس وعظمة لديهم. تريحون : أي تردونها بالعشي من المرعى إلى مراحها، يقال أراح الماشية إذا ردها إلى المراح. تسرحون : أي تخرجونها غدوة من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ﴾ أي ولكم في هذه الأنعام زينة حين تردّونها بالعشي من مسارحها إلى منازلها التي تأوي إليها، وحين إخراجها من مراحها إلى مسارحها، وخصص هذين الوقتين بالذكر، لأن الأفنية تتزين بها ويتجاوب ثغاؤها ورغاؤها حين الذهاب والإياب، فيعظم أربابها في أعين الناظرين إليها، وقدم الإراحة على المسرح مع تأخرها في الوجود، لأن الجمال فيها أظهر، وجلب السرور فيها أكمل، ففيها حضور بعد غيبة، وإقبال بعد إدبار، على أحسن ما يكون، إذ تكون ملأى البطون، حافلة الضروع.
تفسير المفردات : والأثقال : واحدها ثقل وهو متاع المسافر. وشق الأنفس : مشقتها وتعبها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ﴾ أي وهي أيضا تحمل أمتعتكم وأحمالكم من بلد إلى آخر لم تكونوا بالغيه بدونها إلا بتكلفة ومشقة وجهد شديد.
ونحو الآية قوله :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ٢١ وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾ [ المؤمنون : ٢١ -٢٢ ] وقوله :﴿ الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ٧٩ ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ﴾ [ غافر : ٧٩ -٨٠ ].
﴿ إن ربكم لرؤوف رحيم ﴾ ومن ثم أسبغ عليكم نعمه الجليلة، ويسّر لكم الأمور الشاقة العسيرة، ومن رأفته ورحمته بكم أن خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم كما قال :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ٧١ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ﴾ [ يس : ٧١ -٧٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
﴿ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ﴾ أي وخلق لكم الخيل والبغال والحمير أيضا لتركبوها، وجعلها لكم زينة تتزينون بها – إلى مالكم فيها من منافع أخرى.
﴿ ويخلق ما لا تعلمون ﴾ غير هذه الدواب مما يهدي إليه العلم وتستنبطه العقول كالقطر البرية والبحرية والطائرات التي تحمل أمتعتكم وتركبونها من بلد إلى آخر ومن قطر إلى قطر، والمطاود الهوائية التي تسير في الجو والغواصات التي تجري تحت الماء إلى نحو أولئك مما تعجبون منه، ويقوم مقام الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة.
وبعد أن شرح سبحانه دلائل وحدانيته أرشد إلى أنه كفيل ببيان الطريق السوي لمن أراد فقال :
تفسير المفردات : القصد : الاستقامة، يقال سبيل قصد وقاصد إذا أداك إلى مطلوبك، وجائر : أي مائل عن المحجة، منحرف عن الحق.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ وعلى الله قصد السبيل ﴾ أي وعلى الله بيان الطريق المستقيم الموصّل من سلكه إلى الحق، بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهم السلام وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضلّ عليها.
ونحو الآية قوله :﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] وقوله :﴿ هذا صراط علي مستقيم ﴾ [ الحجر : ٤١ ].
﴿ ومنها جائر ﴾ أي ومن السبل سبيل جائر عن الاستقامة، معوج زائغ عن الحق، فالسبيل القاصد هو الإسلام، والجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى، سماوية كانت أو أرضية.
وخلاصة هذا : إن ثمة طرقا تسلك للوصول إلى الله، وليس يصل إليه منها إلا الطريق الحق، وهي الطريق التي شرعها ورضيها وأمر بها، وهي طريق الإسلام له والإخبات إليه وحده كما أرشد إلى ذلك بقوله :﴿ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٠ منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ﴾ [ الروم : ٣٠ -٣١ ] وما عداها فهو جائز، وعلى الله بيان ذلك، ليهتدي إليه الناس، ويبتعدوا عن سواه.
ثم أخبر سبحانه بأن الهداية والضلال بقدرته ومشيئته فقال :
﴿ ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ أي ولو شاء سبحانه لجعلهم كالنمل والنحل في حياتكم الاجتماعية، أو جعلكم كالملائكة مفطورين على العبادة وتقوى الله، فلا تتجه نفوسكم إلى المعصية، ولا تسعى على الشر، ولكنه شاء أن يجعلكم تعملون أعمالكم باختياركم وتسعون إليها بعد بحثها وفحصها من سائر وجوهها، ثم ترجحون منها ما تميل إليه نفوسكم، وما ترون فيه الفائدة لكم كما قال عز من قائل :﴿ وهديناه النجدين ﴾ [ البلد : ١٠ ] - طريقي الخير والشر- ﴿ إما شاكرا وإما كفورا ﴾ [ الإنسان : ٣ ] وقد تقدم إيضاح هذا عند قوله :﴿ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ﴾ [ يونس : ٩٩ ] وعند قوله :﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ١١٨ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ﴾[ هود : ١١٨ -١١٩ ].
تفسير المفردات : تسيمون : أي ترعون، يقال أسام الماشية وسومها جعلها ترعى.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح : وبعد أن ذكر نعمته عليهم بتسخير الدواب والأنعام – شرع يذكر نعمته عليهم في إنزال المطر فقال :
﴿ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ﴾ أي إن الذي خلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم – هو الذي أنزل المطر من السماء عذبا زلالا تشربون منه وتسقون أشجاركم ونباتكم التي تسيمون فيها أنعامكم وفيها ترعى.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
﴿ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ﴾ أي ينبت لكم بالماء الذي أنزله من السماء زرعكم وزيتونكم ونخيلكم وأعنابكم ومن كل الثمرات غير ذلك – أرزاقا لكم وأقواتا نعمة منه عليكم وحجة على من كفر به.
﴿ إن في ذلك لآية لقوم يتفكون ﴾ أي إن فيما ذكر من إنزال الماء وغيره. لأدلة وحججا على أنه لا إله إلا هو، لقوم يعتبرون مواعظ الله ويتفكرون فيها حتى تطمئن قلوبهم بها، وينبلج نور الإيمان فيها، فيضيء أفئدتهم ويزكّي نفوسهم، فمن فكّر في أن الحبة والنواة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة منها تنفذ فيها، فينشق أسفلها فيخرج منه عروق تنبسط في الأرض ويخرج منها ساق ينمو وتخرج فيه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواص والطباع – علم أن من هذه آثاره لا يمكن أن يشبهه شيء في صفات كماله فضلا عن أن يشاركه في أخص صفاته وهي الألوهية واستحقاق العبادة.
ولله در القائل :
تأمّل في رياض الورد وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات على أهدابها ذهب سبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأنّ الله ليس له شريك
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
﴿ وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ﴾ أي ومن نعمه تعالى، عليكم مضافة إلى النعم التي سلف ذكرها – أن سخر لكم الليل والنهار يتعاقبان، خلفة لمنامكم واستراحتكم. وتصرفكم في معايشكم وسعيكم في مصالحكم وسخر لكم الشمس والقمر يدأبان في سيرهما وإنارتهما أصالة وخلافة، وأدائهما ما نيط بهما من تربية الأشجار والزرع وإنضاج الثمرات وتلوينها إلى نحو ذلك من الآثار والمنافع التي ربطها سبحانه بوجودهما، وبهما يعرف عدد السنين والشهور، وفي ذلك صلاح معايشكم، وسخر لكم النجوم بأمره تجري في أفلاكها بحركة مقدرة لا تزيد ولا تنقص لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾ أي إن في ذلك التسخير لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون ما نبههم إليه بها.
وعبر هنا بالعقل وفي خاتمة الآية السالفة بالتفكر، من قبل أن الآثار العلوية متعددة، ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية ظاهرة لا تحتاج إلا إلى العقل من غير تفكر ولا تأمل، بل تدرك بالبديهة، بخلاف الآثار السفلية من الزرع والنخيل والأعناب فهي تحتاج في دلالتها على وجود الصانع إلى فكر وتدبر ونظر شديد.
تفسير المفردات : وذرأ : خلق. ألوانه : أي أصنافه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه ﴾ أي وما خلق لكم في الأرض من عجائب الأمور ومختلف الأشياء، من معادن ونبات وحيوان على اختلاف أجناسها وأشكالها ومنافعها وخواصها.
﴿ إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ﴾ آلاء الله ونعمه فيشكرونه على ما أنعم، ويخبتون إليه على ما تفضل به وأحسن.
تفسير المفردات : مواخر : واحدها ماخرة : أي جارية من مخر الماء الأرض أي شقها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح : وبعد أن ذكر أنواع النعم في البر شرع يفصّل نعمه في البحر فقال :
﴿ وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ﴾ أي وهو الذي سخر لكم البحر –الماء الملح والعذب- لتأكلوا منه سمكا تصطادونه.
وفي وصفه بالطراوة تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء، فسبحان الخبير بخلقه، ومعرفة ما يضر استعماله وما ينفع، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته تعالى في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب.
وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء، وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه، لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم :" ما نضب عنه الماء فكلوا، وما لفظه فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا " فالمراد من ميتة البحر في الحديث " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ما لفظه لا ما مات فيه من غير آفة.
﴿ وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ﴾ كاللؤلؤ المخلوق في صدفه العائش في البحار ولاسيما المحيط الهندي، والمرجان الذي ينبت في قيعانها، وتوجد حقول من المرجان في البحر الأبيض المتوسط أمام تونس والجزائر، متى تم ينعها حصدتها الدولة الفرنسية وباعتها للمسلمين وهم لا يعلمون شيئا من أمرها، وكأنهم لم يقرؤوا القرآن وكأنهم لم يخلقوا في هذه الأرض، وكأنهم يقولون : ربنا لا نستخرج، بل نشتري من المستخرجين من الأرض، وكأنهم ليسوا مخاطبين بالاستخراج المباح، وبذا حرّموا على أنفسهم ما أباحه الله لهم، وقد بلغ ما استخرج من المرجان سنة ١٨٨٦م ٧٧٨ ألف كيلو جرام ثمنها خمسة ملايين وسبعمائة وخمسون ألف فرنك.
﴿ وترى الفلك مواخر فيه ﴾ أي وترى السفن جواري فيه، تشقه بحيزومها ومقدّمها. مقبلة مدبرة من قطر إلى قطر ومن بلد إلى آخر، ومن إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا، وما هنا إلى هناك ومن ثم قال :
﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ أي ولتطلبوا فضل الله ورزقه بركوبه للتجارة.
﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ أي ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم، إذ جعل ركوب البحر مع كونه مظنة للهلاك سببا للانتفاع وحصول المعاش مع عدم الحاجة إلى الحل والترحال والاستراحة والسكون، ولله در القائل :
وإنا لفي الدنيا كركب سفينة نظنّ وقوفا والزمان بنا يسري
تفسير المفردات : والميد : الحركة والاضطراب يمينا وشمالا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ﴾ أي وألقي في الأرض جبالا ثوابت لتقر ولا تضطرب بما عليها من الحيوان، فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك كما قال :﴿ والجبال أرساها ﴾ [ النازعات : ٣٢ ] وما الأرض إلا كسفينة على وجه الماء، فإذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى الأسباب، وإذا وضعت فيها أجرام ثقيلة استقرت على حالة واحدة، فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت، وقد تقدم إيضاح هذا وسيأتي بعد.
﴿ وأنهارا ﴾ أي وجعل فيها أنهارا تجري من مكان إلى آخر رزقا للعباد، فهي تنبع في مواضع وهي رزق لأهل مواضع أخرى، فهي تقطع البقاع والبراري وتخترق الجبال والآكام حتى تصل إلى البلاد التي سخر لأهلها أن تنتفع بها كما يشاهد في نهر النيل، إذ ينبع من أواسط إفريقيّة، ويمر بجبال ووهاد في السودان، ويستفيد منه الفائدة الكبرى أهل مصر دون سواها، وكل ذلك بتقدير اللطيف الخبير.
﴿ وسبلا ﴾ أي وكذلك جعل فيها سبلا أي طرقا نسلك فيها من بلاد إلى أخرى، وقد تحدث ثلمة في الجبل لتكون ممرا طريقا وكما قال تعالى في وصف الجبال :﴿ وجعلنا فيها فجاجا سبلا ﴾[ الأنبياء : ٣١ ] الآية.
﴿ لعلكم تهتدون ﴾ بتلك السبل إلى ما تريدون فلا تضلون.
تفسير المفردات : وعلامات : أي معالم يستدل بها السابلة من نحو جبل ومنهل ورائحة تراب.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه منزّه عن الشريك والولد، وأنه لا إله إلا هو، وأمر بتقواه وإخلاص العبادة له – ذكر هنا أدلة التوحيد واتصاف ذاته الكريمة بصفات الجلال والإكرام بأسلوب بديع جمع فيه بين دلالة المصنوع على الصانع والنعمة على المنعم، ونبه بذلك إلى أن كل واحد من هذا كاف في صرف المشركين عما هم عليه من الشرك، وكلما بصرهم طائفة مما يرون ويشاهدون بكتهم على ما يقولون ويفعلون، وبين لهم كفرانهم نعمتي الرعاية والهداية، فاحتج على وجوده بخلق الأجرام الفلكية، ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
الإيضاح :﴿ وعلامات ﴾ أي وجعل فيها علامات أي دلائل يهتدي بها الساري من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك، حتى إذا ضل الطريق كانت عونا له، وهدته إلى السبيل السوي في البر والبحر.
﴿ وبالنجم هم يهتدون ﴾ بالليل في البراري أو في البحار.
وفي الآية إيماء إلى أن مراعاة النجوم أصل في معرفة الأوقات والطرق والقبلة، ويحسن أن نتعلم من علم الفلك ما يفيد تلك المعرفة.
قال قتادة : إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء : لتكون زينة للسماء، ومعالم للطرق، ورجوما للشياطين، فمن قال غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به.
﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ١٧ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ١٨ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ١٩ والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ٢٠ أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ٢١ إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ٢٢ لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين ﴾ [ النحل : ١٧ -٢٣ ].
تفسير المفردات : المراد بمن يخلق : الله سبحانه وتعالى. ومن لا يخلق : الملائكة وعيسى والأصنام، وما يشعرون : أي لا يعلمون.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
الإيضاح :﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ﴾ أي أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم هذه النعم العظيمة – كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم نعما صغيرة ولا كبيرة، أفلا تذكرون هذه النعم وهذا السلطان العظيم والقدرة على ما شاء من الحكمة، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تجلب إلى نفسها نفعا، ولا تدفع ضرا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتم عليه من عبادتها، وإقراركم لها بالألوهية.
وخلاصة هذا : الإنكار عليهم ورميهم بالجهل وسوء التقدير وقلة الشكر لمن أنعم عليكم بما لا يحصى من النعم، مع وضوح ذلك وقلة احتياجه إلى تدبر وتفكر وإطالة نظر، بل يكفي فيه تنبه العقل، ليعلم أن العبادة لا تليق إلا للمنعم بكل هذه النعم، أما هذه الأصنام التي لا فهم لها ولا قدرة ولا اختيار، فلا تنبغي عبادتها ولا الاشتغال بطاعتها.
قال قتادة في الآية :﴿ الله هو الخالق الرازق ﴾، لا هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، لا تخلق شيئا ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا اه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
وبعد أن نبههم سبحانه إلى عظمته ذكرهم بنعمه عليهم وإحسانه إليهم فقال :
﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ﴾ أي وإن تعدوا نعم الله لا تضبطوا عددها فضلا عن أن تستطيعوا القيام بشكرها، فإن العبد مهما أتعب نفسه في طاعته، وبالغ في شكران نعمه، فإنه يكون مقصرا، فنعم الله كثيرة، وعقل المخلوق قاصر عن الإحاطة بها، ومن ثم فهو يتجاوز عن ذلك التقصير، وإلى ذلك أشار بقوله :
﴿ أن الله غفور ﴾ فيستر تقصيركم في القيام بشكرها.
﴿ رحيم ﴾ بكم فيفيض عليكم نعمه مع استحقاقكم للقطع والحرمان، بما تأتون وما تذرون من أصناف الكفر والعصيان، ومن أفظع ذلك وأعظمه جرما المساواة بين الخالق والمخلوق.
قال بعض الحكماء : إن أي جزء من البدن إذا اعتراه الألم نغص على الإنسان النعم، وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الألم، وهو سبحانه يدبر جسم الإنسان على الوجه الملائم له، مع أنه لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر نعمه عليه، أو يقدر على إحصائها، أو يتمكن من شكر أدناها ؟
ربنا هذه نواصينا بيدك، خاضعة لعظم نعمك، معترفة بالعجز عن تأدية الشكر لشيء منها، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، ولا نطيق التعبير بالشكر لك، فتجاوز عنا، واغفر لنا، وأسبل ذيول سترك على عوراتنا، فإنك إلا تفعل نهلك، لتقصيرنا في شكر نعمك، فكيف بما فرط منا من التساهل في الائتمار بأوامرك، والانتهاء عن مناهيك ؟
العفو يرجى من بني آدم فكيف لا يرجى من الرب اه.
وبعد أن أبطل عبادة الأصنام، من قبل أنها لا قدرة لها على الخلق والإنعام، أبطل عبادتها بوجه آخر وهو أن الإله يجب أن يكون عليما بالسر والعلانية، وهذه الأصنام جماد لا معرفة لها بشيء فكيف تجمل عبادتها ؟ وإلى ذلك أشار بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
﴿ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ﴾ أي والله ما تسرونه في ضمائركم، وتخفونه عن غيركم، وما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو محص ذلك كله عليكم فيجازيكم به يوم القيامة، فيجازي المحسن والمسيء منكم بإساءته، وهو سائلكم عما كان منكم من الشكر في الدنيا على النعم التي أنعمها عليكم فيها، ما أحصيتم منها وما لم تحصوا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
ثم وصف سبحانه هذه الأصنام بصفات تجعلها بمعزل عن استحقاق العبادة تنبيها إلى كمال حماقة المشركين وأنهم لا يفهمون ذلك إلا بالتصريح دون التلويح فقال :
( ١ ) ﴿ والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ﴾ أي والأوثان التي تعبدونها من دون الله لا تخلق شيئا بل هي مخلوقة، فكيف يكون إلها ما يكون مصنوعا، وغيره هو الذي دبر وجوده، ونحو الآية قوله :﴿ أتعبدون ما تنحتون ٩٥ والله خلقكم وما تعملون ﴾ [ الصافات : ٩٥ -٩٦ ].
تفسير المفردات : وأيان : كمتى كلمتان تدلان على الزمن.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
الإيضاح :( ٢ ) ﴿ أموات غير أحياء ﴾ أي هي أموات ولا تعتريها الحياة بوجه، فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل، وفائدة قوله غير أحياء بيان أن بعض ما لا حياة فيه قد تدركه الحياة بعد كالنطفة التي ينشئها الله تعالى حيوانا، وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها، أما هذه الأصنام من الحجارة والأشجار فلا يعقب موتها حياة وذلك أتم في نقصها.
( ٣ ) ﴿ وما يشعرون أيان يبعثون ﴾ أي وما تدري هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله متى تبعث عبدتها.
ولا يخفى ما في ذلك من التهكم بها، لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهي الاستحالة لدى كل أحد، بما لا يعلمه إلا العليم الخبير ؛ كما أن فيه تهكما بالمشركين من قبل أن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم ليجازوهم على عبادتهم إياهم، وفيه تنبيه إلى أن البعث من لوازم التكليف، لأنه جزاء على العمل من خير أو شر، وأن معرفة وقته لا بد منه في الألوهية.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
ولما أبطل طريق عبدة الأصنام وبين فساد مذهبهم صرح بالمدّعى ولخص النتيجة بعد إقامة الحجة فقال :
﴿ إلهكم إله واحد ﴾ أي معبودكم الذي يستحق العبادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء – معبود واحد لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، ولا تجعلوا معه شريكا سواه.
ثم ذكر الأسباب التي لأجلها أصر الكفار على الشرك وإنكار التوحيد فقال :
﴿ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ﴾ أي فالذين لا يصدقون بوعد الله ولا وعيده، ولا يقرون بالمعاد إليه بعد الممات – قلوبهم جاحدة لما قصصناه عليكم، من قدرة الله وعظمته، وجزيل نعمه عليهم، وأن العبادة لا تصلح إلا له، والألوهية ليست لشيء سواه، فلا يؤثر فيها وعظ، ولا ينجع فيها تذكير، وهم مستكبرون عن قبول الحق، متعظّمون عن الإذعان للصواب، مستمرون على الجحد، تقليدا لما مضى عليه آباؤهم من الشرك به كما حكى سبحانه عنهم قولهم :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ﴾ [ الزخرف : ٢٣ ] وقولهم :﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ﴾ [ ص : ٥ ] وقال :﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ﴾ [ الزمر : ٤٥ ].
تفسير المفردات : لا جرم : أي حقا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه الدلائل على وجود الإله القادر الحكيم على أحسن ترتيب وأكمل نظام، وكان في ذلك تفصيل وإيضاح لأنواع النعم ووجود الإحسان – قفى على ذلك بتبكيت الكفار وإبطال شركهم وعبادتهم غير الله من الأصنام والأوثان، لما يلزم ذلك من المشابهة بينه تعالى وبينها، ثم أردف ذلك بيان أن لهذا الخالق نعما لا تحصى على عباده، وأنهم مهما بالغوا في الشكر، واجتهدوا في العبادة، فليسوا ببالغين شيئا مما يجب عليهم نحوه، ولكنه يستر عليهم ما فرط من كفرانها، ويرحمهم بفيض النعم عليهم مع عدم استحقاقهم لها، ثم أعقب هذا بذكر خواص الألوهية وهي علم السر والنجوى والخلق وهذه الأصنام ليس لها شيء من ذلك، فهي مخلوقة لا خالقة، ولا شعور لها بحشر ولا نشر، ومن هذا كله يعلم أن الإله واحد لا شريك له، ثم ذكر الأسباب الداعية إلى الإشراك، وهي تحجر القلوب وإنكار التوحيد. فهي لا ترغب في الثواب، ولا ترهب العقاب، وتستكبر عن عبادة الواحد الديان – لا جرم بقيت مصرة على ما كانت عليه من الجهل والضلال.
الإيضاح : ثم ذكر وعيدهم على أعمالهم فقال :
﴿ لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾ أي حقا إن الله يعلم ما يسر هؤلاء المشركون من إنكارهم لما قصصته عليك واستكبارهم على الله، ويعلم ما يعلنون من كفرهم به، وافترائهم عليه.
ثم علل سوء صنيعهم بشدة استكبارهم فقال :
﴿ إنه لا يحب المستكبرين ﴾ أي إن الله لا يحب المستكبرين عن توحيده، والاستجابة لأنبيائه ورسله، بل يبغضهم أشد البغض، وينتقم منهم أعظم الانتقام.
أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فقال رجل : يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر من بطر الحق، وغمص الناس ". وفي الصحيح :" إن المتكبرين أمثال الذر يوم القيامة تطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم ".
﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ٢٤ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ٢٥ قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ٢٦ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ٢٧ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون ٢٨ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ﴾ [ النحل : ٢٤ -٢٩ ].
تفسير المفردات : الأساطير : واحدها أسطورة كأرجوحة وأراجيح، وهي الترهات والأباطيل.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
الإيضاح :﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ﴾ أي وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من المشركين : أي شيء أنزله ربكم ؟ قالوا لم ينزل شيئا، إنما الذي يتلى علينا أساطير الأولين أي هو مأخوذ من كتب المتقدمين.
ونحو الآية قوله حكاية عنهم :﴿ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا ﴾ [ الفرقان : ٥ ] وكانوا يفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم أقوالا مختلفة، فتارة يقولون إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر أو كاهن، وثالثة إنه مجنون، ثم قر قرارهم على ما اختلقه زعيمهم الوليد بن المغيرة المخزومي كما حكى عنه الكتاب الكريم :﴿ إنه فكر وقدر ١٨ فقتل كيف قدر ١٩ ثم قتل كيف قدر ٢٠ ثم نظر ٢١ ثم عبس وبسر ٢٢ ثم أدبر واستكبر ٢٣ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ﴾ [ المدثر : ١٨ -٢٤ ] أي ينقل ويحكى، فتفرقوا معتقدين صحة قوله، وصدق رأيه، قبحهم الله، وكان المشركون يقتسمون مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج، ويقولون هذه المقالة.
تفسير المفردات : والأوزار : الآثام واحدها وزر. ساء ما يزرون : أي بئس شيئا يحملونه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
الإيضاح : ثم بين عاقبة أمرهم فقال :
﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ﴾ أي وإنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك، لتكون عاقبتهم أنهم يتحملون آثامهم وآثام الذين يتبعونهم ويوافقونهم أي يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم، وخطيئة إغوائهم وإضلالهم لغيرهم واقتدائهم بهم كما جاء في الحديث " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ".
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ﴾ [ العنكبوت : ١٣١ ] والمراد من قوله ( كاملة ) أنه لا ينقص منها شيء ولا يكفّر بنحو نكبة تصيبهم في الدنيا، ولا طاعة مقبولة تكفّر بعض تلك الأوزار كما هو حال المؤمنين.
وفائدة قوله :﴿ بغير علم ﴾ بيان أنهم يضلون من لا يعلم أنهم ضلاّل وأنهم على الباطل، وفي ذلك تنبيه إلى كيدهم لا يروج على ذي لب، وإنما يقلدهم الجهلة الأغبياء، وزيادة تعبير وذم لهم، إذا كان عليهم إرشاد الجاهلين لا إضلالهم.
وقصارى القول : إن هؤلاء قد دنسوا أنفسهم، واختاروا لها الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، فكانوا السبب فيما احتملوه من الأوزار والآصار، كما كانوا واسطة في تحمل من اتبعوهم هذه الأوزار أيضا، والله تعالى لم يظلمهم قيما جازاهم به، بل هم الذين قسطوا وجاروا على أنفسهم، فاستحقوا هذا الجزاء.
ثم هددهم وتوعدهم فقال :
﴿ ألا ساء ما يزرون ﴾ أي بئس شيئا يرتكبونه من الإثم والذنب ما يفعلون.
ثم بين لهم أن غائلة مكرهم عائدة إليهم، ووبال ذلك لا حقّ كدأب من قبلهم من الأمم الخالية الذين أصابهم من العذاب ما أصابهم بتكذيبهم لرسلهم فقال :
تفسير المفردات : والمكر : صرف غيرك مما يريده بحيله، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات، فأتى الله بنيانهم من القواعد : أي أهلكه وأفناه كما يقال أتى عليه الدهر. والقواعد : الدعائم والعمد : واحدها قاعدة. خر : سقط.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
الإيضاح :﴿ قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ أي إن حال من قبلهم وقد دروا الحيل ونصبوا الحبائل ليمكروا بها رسل الله فأبطلها الله وجعلها سبيلا لهلاكهم، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين، فضعضعت أساطينه، وسقط عليهم السقف، فهلكوا تحته من حيث لا يشعرون بسقوطه – فما نصبوه من الأساطين وظنوه سبب القوّة والتحصين في البنيان صار سبب الهلاك، كذلك هؤلاء كانت عاقبة مكرهم وبالا عليهم. ونحو الآية قولهم في المثل : من حفر حفرة لأخيه جبّا، وقع فيه منكبّا.
وخلاصة ذلك : إن الله أحبط أعمالهم وجعلها وبالا عليهم ونقمة لهم.
وبعد أن بين سبحانه ما حلّ بأصحاب المكر في الدنيا من العذاب والهلاك، بين حالهم في الآخرة فقال :
تفسير المفردات : يخزيهم : يذلهم ويهينهم. وتشاقون : أي تخاصمون وتنازعون الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وأصله أن كلا من المتخاصمين في شق وجانب غير شق الآخر. والذين أتوا العلم : هم الأنبياء. والسلم : الاستسلام والخضوع. بلى : بمعنى نعم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
الإيضاح :﴿ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ﴾ أي ثم إن ربك يوم القيامة يخزيهم بعذاب أليم، ويقول لهم حين ورودهم عليه على سبيل الاستهزاء والسخرية، أين الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي، وهلا تحضرونهم اليوم ليدفعوا عنكم ما يحل بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولّونهم، والوليّ ينصر وليّه.
والمراد من المشاقة فيهم مخاصمة الأنبياء وأتباعهم في شأنهم وزعمهم أنهم شركاء حقا حين بينوا لهم ذلك، والمراد بالاستفهام عن ذلك الاستهزاء والتبكيت والاحتقار لشأنهم، إذ كانوا يقولون : إن صح ما تدعون إليه من عذابنا فالأصنام تشفع لنا.
والخلاصة : إنه لا شركاء ولا أماكن لهم.
ثم ذكر مقال الأنبياء والمرسلين في شأنهم يوم القيامة.
﴿ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ﴾ أي قال الذين أوتوا العلم بدلائل التوحيد وهم الأنبياء صلوات الله عليهم والمؤمنون الذين كانوا يدعونهم في الدنيا إلى دينهم، فيجادلون وينكرون عليهم : إن الذل والهوان والعذاب يوم الفصل على الكافرين بالله وآياته ورسله – ومرادهم بهذه المقالة الشماتة وزيادة الإهانة للكافرين.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
ثم بين أن الكافرين الذين يستحقون هذا العذاب هم الذين استمر كفرهم إلى أن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم فقال :
﴿ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ أي الكافرين الذين تقبض ملائكة الموت أرواحهم وهم ظالمو أنفسهم ومعرّضوها للعذاب المخلّد بكفرهم، وأي ظلم للنفس أشدّ من الكفر ؟
ثم ذكر حالهم حينئذ من الخضوع والمذلة فقال :
﴿ فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ﴾ أي فاستسلموا وانقادوا حين عاينوا العذاب قائلين : ما كنا نشرك بربنا أحدا، وهم قد كذبوا واعتصموا بالباطل رجاء النجاة.
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ].
ثم كذبهم سبحانه فيما قالوا فقال :
﴿ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ﴾ أي بل كنتم تعملون أعظم السوء وأقبح الآثام والله عليم بذلك، فلا فائدة لكم في الإنكار والله مجازيكم بأفعالكم.
تفسير المفردات : والمثوى : مكان الثواء والإقامة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر دلائل التوحيد ونصب البراهين الواضحة على بطلان عبادة الأصنام، أردف ذلك بذكر شبهات من أنكروا النبوة مع الجواب عنها، وبين أنهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد سبقتهم أمم قبلهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فأهلكهم في الدنيا، وسيخزيهم يوم القيامة بما فعلوا، ثم ذكر أنهم حين يشاهدون العذاب يستسلمون، ويقولون ما كنا نعمل من سوء، ولكن الله عليم بهم وبما فعلوا، ولا مثوى لأمثال هؤلاء المتكبرين إلا جهنم وبئس المثوى هي :
الإيضاح : ثم بين ما يترتب على قبيح أفعالهم فقال :
﴿ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ﴾ أي فادخلوا طبقات جهنم، وذوقوا ألوانا من العذاب، بما دنستم به أنفسكم من الإشراك بربكم، واجتراحكم عظيم الموبقات والمعاصي – خالدين فيها أبدا، وبئس المقيل والمقام دار الذل والهوان لمن كان متكبرا عن اتباع الرسل والاهتداء بالآيات التي أنزلت عليهم، وما أفظعها من دار، وصفها ربنا بقوله :﴿ لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ﴾ [ فاطر : ٣٦ ].
﴿ * وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ٣٠ جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين ٣١ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾ [ النحل : ٣٠ -٣٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المكذبين بالله ورسوله الذين ينكرون وحيه ويقولون إن محمدا قد لفق أساطير الأولين وترّهاتهم ونقلها للناس وادّعى أنها من رب الأرض والسماوات، وذكر ما سينالهم من النكال والوبال، إذ يدخلون جهنم خالدين فيها كفاء ما اجترحت أيديهم من الآثام وكسبته من المعاصي – أردف ذلك وصف المؤمنين الذين إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا، وذكر ما أعدّه لهم من الخير والسعادة في جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا لما أحسنوا من العمل وأتوا به من جميل الصنع.
الإيضاح :﴿ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ﴾ أي وقيل للذين خافوا عقاب ربهم : أي شيء أنزله ربكم ؟ قالوا : أنزل خيرا وبركة ورحمة لمن اتبع دينه وآمن برسوله.
روى ابن أبي حاتم عن السدّي قال : اجتمعت قريش فقالوا : إن محمدا رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله، فانظروا ناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه فخرج ناس في كل طريق، فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد، ووصل إليهم قال أحدهم : أنا فلان بن فلان فيعرفه نسبه ويقول له : أنا أخبرك عن محمد. إنه رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له، فيرجع الوافد، فذلك قوله تعالى :﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ﴾ [ النحل : ٢٤ ] فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد فقالوا له مثل ذلك، قال : بئس الوافد لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل وأنظر ما يقول، وآتي قومي ببيان أمره، فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد ؟ فيقولون خيرا.
ثم فصلوا هذا الخير فقالوا :
﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا ﴾ أي للذين آمنوا بالله ورسوله وأطاعوه في هذه الدنيا، ودعوا عباده إلى الإيمان والعمل بما أمر به – مثوبة حسنة من عند ربهم، كفاء ما قدموا من عمل صالح وخير عميم.
ونحو الآية قوله :﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾ [ النحل : ٩٧ ].
ثم ذكر جزاءهم في الآخرة وما أعد لهم من جزيل النعم فقال :
﴿ ولدار الآخرة خير ﴾ من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في تلك.
ونحو الآية قوله :﴿ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ﴾ [ القصص : ٨٠ ] لآية، وقوله :﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ [ آل عمران : ١٩٨ ] وقوله لرسوله :﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ [ الضحى : ٤ ].
وفصل هذا الجزاء بقوله :
﴿ ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ﴾ أي ولنعمت الدار للمتقين جنات إقامة تجري من بين قصورها وأشجارها الأنهار، حسنت مستقرا ومقاما.
ثم بين أن نعمها غير ممنوعة ولا مقطوعة فقال :
﴿ لهم فيها ما يشاؤون ﴾ أي للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاؤون مما تشتهي أنفسهم وتقرّ به أعينهم كما قال :﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ﴾[ الزخرف : ٧١ ].
ثم ذكر أن هذا جزاء لهم على أعمال البر والتقوى فقال :
﴿ كذلك يجزي الله المتقين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء الأوفى يجزي الله الذين اتقوا الشرك والمعاصي.
وفي هذا حث للمؤمنين على الاستمرار على التقوى، وحث لغيرهم على تحصيلها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:﴿ * وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ٣٠ جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين ٣١ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾ [ النحل : ٣٠ -٣٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المكذبين بالله ورسوله الذين ينكرون وحيه ويقولون إن محمدا قد لفق أساطير الأولين وترّهاتهم ونقلها للناس وادّعى أنها من رب الأرض والسماوات، وذكر ما سينالهم من النكال والوبال، إذ يدخلون جهنم خالدين فيها كفاء ما اجترحت أيديهم من الآثام وكسبته من المعاصي – أردف ذلك وصف المؤمنين الذين إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا، وذكر ما أعدّه لهم من الخير والسعادة في جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا لما أحسنوا من العمل وأتوا به من جميل الصنع.
الإيضاح :﴿ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ﴾ أي وقيل للذين خافوا عقاب ربهم : أي شيء أنزله ربكم ؟ قالوا : أنزل خيرا وبركة ورحمة لمن اتبع دينه وآمن برسوله.
روى ابن أبي حاتم عن السدّي قال : اجتمعت قريش فقالوا : إن محمدا رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله، فانظروا ناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه فخرج ناس في كل طريق، فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد، ووصل إليهم قال أحدهم : أنا فلان بن فلان فيعرفه نسبه ويقول له : أنا أخبرك عن محمد. إنه رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له، فيرجع الوافد، فذلك قوله تعالى :﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ﴾ [ النحل : ٢٤ ] فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد فقالوا له مثل ذلك، قال : بئس الوافد لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل وأنظر ما يقول، وآتي قومي ببيان أمره، فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد ؟ فيقولون خيرا.

ثم فصلوا هذا الخير فقالوا :

﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا ﴾ أي للذين آمنوا بالله ورسوله وأطاعوه في هذه الدنيا، ودعوا عباده إلى الإيمان والعمل بما أمر به – مثوبة حسنة من عند ربهم، كفاء ما قدموا من عمل صالح وخير عميم.
ونحو الآية قوله :﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾ [ النحل : ٩٧ ].
ثم ذكر جزاءهم في الآخرة وما أعد لهم من جزيل النعم فقال :
﴿ ولدار الآخرة خير ﴾ من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في تلك.
ونحو الآية قوله :﴿ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ﴾ [ القصص : ٨٠ ] لآية، وقوله :﴿ وما عند الله خير للأبرار ﴾ [ آل عمران : ١٩٨ ] وقوله لرسوله :﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ [ الضحى : ٤ ].

وفصل هذا الجزاء بقوله :

﴿ ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ﴾ أي ولنعمت الدار للمتقين جنات إقامة تجري من بين قصورها وأشجارها الأنهار، حسنت مستقرا ومقاما.
ثم بين أن نعمها غير ممنوعة ولا مقطوعة فقال :
﴿ لهم فيها ما يشاؤون ﴾ أي للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاؤون مما تشتهي أنفسهم وتقرّ به أعينهم كما قال :﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ﴾[ الزخرف : ٧١ ].
ثم ذكر أن هذا جزاء لهم على أعمال البر والتقوى فقال :
﴿ كذلك يجزي الله المتقين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء الأوفى يجزي الله الذين اتقوا الشرك والمعاصي.
وفي هذا حث للمؤمنين على الاستمرار على التقوى، وحث لغيرهم على تحصيلها.

المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه أحوال المكذبين بالله ورسوله الذين ينكرون وحيه ويقولون إن محمدا قد لفق أساطير الأولين وترّهاتهم ونقلها للناس وادّعى أنها من رب الأرض والسماوات، وذكر ما سينالهم من النكال والوبال، إذ يدخلون جهنم خالدين فيها كفاء ما اجترحت أيديهم من الآثام وكسبته من المعاصي – أردف ذلك وصف المؤمنين الذين إذا سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا، وذكر ما أعدّه لهم من الخير والسعادة في جنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقا لما أحسنوا من العمل وأتوا به من جميل الصنع.
ثم وصف الله المتقين بقوله :
﴿ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ﴾ قال الراغب : الطيب من الناس من تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الخصال، وتحلّى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال، وهذا إيضاح لقول مجاهد : الطيب من تزكوا أقواله وأفعاله.
وقوله :﴿ طيبين ﴾ كلمة مختصرة جامعة لكثير من المعاني، يدخل فيها إتيانهم بكل ما أمروا به، واجتنابهم كل ما نهوا عنه، واتصافهم بفضائل الأخلاق وجميل السجايا، وبراءتهم من ذميم الرذائل، وتوجههم إلى حضرة القدس، وعدم اشتغالهم بعالم الشهوات واللذات الجسمانية، ويتبع ذلك أنه يطيب لهم قبض أرواحهم، لأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى كأنهم مشاهدوها، ومن هذه حاله لا يألم بالموت كما قال :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إلا تخافوا وتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ٣٠ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي بالجنة التي كنتم توعدون ٣١ نزلا من غفور رحيم ﴾ [ فصلت : ٣٠ -٣٢ ].
ثم حكى ما تقوله الملائكة بشرى لهم فقال :
﴿ يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾ أي تقول لهم الملائكة : سلام عليكم، لا يحيق بكم مكروه بعد، ادخلوا الجنة التي أعدها لكم ربكم، ووعدكموها بما قدمتم من عمل، وبما دأبتم على تقواه وطاعته، والمراد من قوله ﴿ ادخلوا الجنة ﴾ البشارة بالدخول فيها بعد البعث إذا أريد الدخول بالأرواح والأبدان، فإن أريد الدخول بالأرواح فحسب كان ذلك حين التوفي كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم :" القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار ".
أخرج ابن جرير والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال : السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة. ا. ه.
﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ٣٣ فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ٣٤ ﴾ [ النحل : ٣٣ -٣٤ ].
تفسير المفردات : ينظرون : ينتظرون. وأمر ربك : هو الهلاك وعذاب الاستئصال.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر طعن المشركين في القرآن بنحو قولهم : إنه أساطير الأولين، وإنه قول شاعر، ثم هددهم بضروب من التهديد والوعيد، ثم أتبعه بالوعد بالثواب لمن صدق به – قفى على ذلك ببيان أن الكفار لا يزدجرون عن أباطيلهم إلا إذا جاءتهم الملائكة قابضة أرواحهم، أو يأتيهم عذاب الاستئصال، فلا يبقي منهم أحدا، ثم أتبعه ببيان أن هؤلاء ليسوا ببدع في الأمم، فقد فعل من قبلهم مثل فعلهم فأصابهم الهلاك جزاء ما فعلوا، وما ظلمهم الله ولكن هم قد ظلموا أنفسهم :﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ [ الرعد : ١١ ].
الإيضاح :﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ أي ما ينتظر كفار مكة الذين قالوا إن القرآن أساطير الأولين، إلا أن تأتيهم الملائكة تقبض أرواحهم.
﴿ أو يأتي أمر ربك ﴾ بالعذاب في الدنيا كما فعل بأسلافهم من الكفار، فيرسل عليهم الصواعق، أو يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، وهذا تهديد لهم على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا.
وخلاصة هذا : حثهم على الإيمان بالله ورسوله، والرجوع إلى الحق قبل أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من السالفين المكذبين لرسلهم.
ثم ذكر أنهم ليسوا بأول من كذب الرسل فقال :
﴿ كذلك فعل الذين من قبلهم ﴾ أي هكذا تمادى أسلافهم في شركهم حتى ذاقوا بأسنا، وحل بهم عذابنا ونكالنا.
ثم ذكر أن ما يصيبهم جزاء لما كسبت أيديهم فقال :
﴿ وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ أي وما ظلمهم الله بإنزال العذاب بهم، لأنه أعذر إليهم، وأقام حججه عليهم، بإرسال رسله، وإنزال كتبه، ولكن ظلموا أنفسهم بمخالفة الرسل وتكذيبهم ما جاؤوا به.
تفسير المفردات : وحاق بهم : أي أحاط بهم، وخص استعمالا بإحاطة الشر.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر طعن المشركين في القرآن بنحو قولهم : إنه أساطير الأولين، وإنه قول شاعر، ثم هددهم بضروب من التهديد والوعيد، ثم أتبعه بالوعد بالثواب لمن صدق به – قفى على ذلك ببيان أن الكفار لا يزدجرون عن أباطيلهم إلا إذا جاءتهم الملائكة قابضة أرواحهم، أو يأتيهم عذاب الاستئصال، فلا يبقي منهم أحدا، ثم أتبعه ببيان أن هؤلاء ليسوا ببدع في الأمم، فقد فعل من قبلهم مثل فعلهم فأصابهم الهلاك جزاء ما فعلوا، وما ظلمهم الله ولكن هم قد ظلموا أنفسهم :﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ [ الرعد : ١١ ].
الإيضاح : ثم أعقبه بذكر ما ترتب على أعمالهم فقال :
﴿ فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا يستهزؤون ﴾ أي فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ما فعلوا، وأحاط بهم عذابه الأليم، جزاء ما كانوا يسخرون من الرسل حين توعدوهم بعقابه.
ونحو الآية قوله :﴿ هذه النار التي كنتم بها تكذبون ﴾ [ الطور : ١٤ ].
﴿ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ٣٥ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ٣٦ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ﴾ [ النحل : ٣٥ -٣٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن هؤلاء المشركين لا يزدجرون إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد والوعيد، أو أتاهم عذاب الاستئصال، كما حدث لمن قبلهم من الأمم جزاء استهزائهم برسل الله – قفى على ذلك ببيان أنهم طعنوا في إرسال الأنبياء جملة وقالوا إنا مجبورون على أعمالنا، فلا فائدة من إرسالهم، فلو شاء الله أن نؤمن به ولا نشرك به شيئا ونحل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا لكان الأمر كما أراد، لكنه لم يشأ إلا ما نحن عليه، فما يقوله الرسل إنما هو من تلقاء أنفسهم لا من عند الله.
وقد رد الله عليهم مقالتهم بأنه كلام قد سبق بمثله المكذبون من الأمم السالفة، وما على الرسل إلا التبليغ وليس عليهم الهداية، ولم يترك الله أمة دون أن يرسل إليها هاديا يأمر بعبادته، وينهاهم عن الضلال والشرك، فمنهم من استجاب دعوته، ومنهم من أضله الله على علم، فحقت عليهم كلمة ربك، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ثم أمرهم بالضرب في الأرض ليروا آثار أولئك المكذبين الذين أخذوا بذنوبهم، ثم ذكّر رسوله بأن الحرص على إيمانهم لا ينفعك شيئا، فإن الله لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يختار الضلالة لنفسه، كما لا يجد أحدا يدفع عنه بأس الله ونقمته.
الإيضاح :﴿ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ﴾ أي وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الأصنام والأوثان من دونه تعالى معتذرين عما هم عليه من الشرك محتجين بالقدر : ما نعبد هذه الأصنام إلا لأنه قد رضي عبادتنا لها، ولا حرمنا ما جرمنا من البحائر والسوائب والوصائل ونحو ذلك إلا لأنه قد رضي ذلك منا، ولو كان كارها لما فعلنا لهدانا إلى سواء السبيل، أو لعجّل لنا العقوبة وما مكننا من عبادتها.
وقد رد الله عليهم شبهتهم بقوله :
﴿ كذلك فعل الذين من قبلهم ﴾ أي ومثل ذلك الفعل الشنيع فعل الذين من قبلهم من الأمم، واستن هؤلاء سنتهم وسلكوا سبيلهم في تكذيب الرسول وإتباع أفعال آبائهم الضلاّل.
ثم بين خطأهم فيما يقولون ويفعلون فقال :
﴿ فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ﴾ أي فهل على الرسل الذين أمروا بتبليغ رسالات ربهم من أمره ونهيه إلا إبلاغ الرسالة وإيضاح طريق الحق وإظهار أحكام الوحي التي منها أن مشيئته تعالى تتعلق بهداية من وجّه همته إلى تحصيل الحق كما قال ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ [ العنكبوت : ٦٩ ] وليس من وظيفتهم إلجاء الناس إلى الإيمان شاؤوا أو أبوا، فإن ذلك ليس من شأنهم، ولا من الحكمة التي عليها مدار التكليف حتى يستدل بعدم ظهور آثارها على عدم حقية الرسل أو على عدم تعلق مشيئة الله بذلك.
وقصارى هذا : إن الثواب والعقاب لا بد فيهما من أمرين : تعلق مشيئته تعالى بوقوع أحدهما، وتوجيه همة العبد إلى تحصيل أسبابه وصرف اختياره إلى الدأب على إيجاده وإلا كان كل من الثواب والعقاب اضطراريا ولا اختياريا، والرسل ليس من شأنهم إلا تبليغ الأوامر والنواهي، أما العمل بها إلجاء وقسرا فليس من وظيفتهم لا في كثير ولا قليل.
ثم بين سبحانه أنه بعثة الرسل أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها وجعلت سببا لهدى من أراد الله هدايته، زيادة ضلال من أراد ضلاله كالغذاء الصالح ينفع المزاج السويّ ويقوّيه، ويضر المزاج المنحرف ويفنيه فقال :
تفسير المفردات : تفسير المفردات : الطاغوت : كل معبود دون الله، من شيطان وكاهن وصنم وكل من دعا إلى ضلال، ويقع على الواحد كقوله :﴿ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ﴾ [ النساء : ٦٠ ] وعلى الجمع كقوله :﴿ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ]. حقت : وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل، لإصراره على الكفر والعناد.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن هؤلاء المشركين لا يزدجرون إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد والوعيد، أو أتاهم عذاب الاستئصال، كما حدث لمن قبلهم من الأمم جزاء استهزائهم برسل الله – قفى على ذلك ببيان أنهم طعنوا في إرسال الأنبياء جملة وقالوا إنا مجبورون على أعمالنا، فلا فائدة من إرسالهم، فلو شاء الله أن نؤمن به ولا نشرك به شيئا ونحل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا لكان الأمر كما أراد، لكنه لم يشأ إلا ما نحن عليه، فما يقوله الرسل إنما هو من تلقاء أنفسهم لا من عند الله.
وقد رد الله عليهم مقالتهم بأنه كلام قد سبق بمثله المكذبون من الأمم السالفة، وما على الرسل إلا التبليغ وليس عليهم الهداية، ولم يترك الله أمة دون أن يرسل إليها هاديا يأمر بعبادته، وينهاهم عن الضلال والشرك، فمنهم من استجاب دعوته، ومنهم من أضله الله على علم، فحقت عليهم كلمة ربك، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ثم أمرهم بالضرب في الأرض ليروا آثار أولئك المكذبين الذين أخذوا بذنوبهم، ثم ذكّر رسوله بأن الحرص على إيمانهم لا ينفعك شيئا، فإن الله لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يختار الضلالة لنفسه، كما لا يجد أحدا يدفع عنه بأس الله ونقمته.
الإيضاح :﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ أي ولقد أرسلنا في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم رسولا، فقال لهم : اعبدوا الله وحده لا شريك له، واحذروا أن يغويكم الشيطان ويصدكم عن سبيل الله فتضلوا.
ونحو الآية قوله :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ] وقوله :﴿ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون ﴾ [ الزخرف : ٤٥ ].
وإجمال القول : إن المشيئة الشرعية للكفر منتفية، لأنه تعالى نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، والمشيئة الكونية وهي تمكين عباده من الكفر وتقديره لهم بحسب اختيارهم وصرف همتهم إلى تحصيل أسبابه، لا حجة لهم فيها، لأنه تعالى خلق النار وجعل أهلها من الشياطين وأهل الكفر، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة ناصعة وحكمة بالغة.
ثم بين سبحانه أنه أمكر على عباده المكذبين كفرهم بإنزال العقوبة بهم في الدنيا بعد إنذار الرسل فقال :
﴿ فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ﴾ أي فممن بعثنا فيهم رسلنا من هداه الله ووفقه لتصديقهم وقبول إرشادهم والعمل بما جاؤوا به، ففازوا وأفلحوا ونجوا من عذابه، ومنهم من جاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذبوا رسله واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم بعقابه، وأنزل بهم شديد بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
﴿ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ أي فسيروا في الأرض التي كان يسكنها القوم الظالمون، والبلاد التي كانوا يعمرونها كديار عاد وثمود ومن سار سيرتهم ممن حقت عليه الضلالة، وانظروا إلى آثار سخطنا عليهم، لعلكم تعتبرون بما حلّ بهم.
ثم خاطب سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم مسلّيا له على ما يراه من جحود قومه وشديد إعراضهم ومبالغتهم في عنادهم، مع حدبه عليهم وعظيم رغبته في إيمانهم، ومبينا له أن الأمر بيد الله وليس له من الأمر شيء فقال :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن هؤلاء المشركين لا يزدجرون إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد والوعيد، أو أتاهم عذاب الاستئصال، كما حدث لمن قبلهم من الأمم جزاء استهزائهم برسل الله – قفى على ذلك ببيان أنهم طعنوا في إرسال الأنبياء جملة وقالوا إنا مجبورون على أعمالنا، فلا فائدة من إرسالهم، فلو شاء الله أن نؤمن به ولا نشرك به شيئا ونحل ما أحله ولا نحرم شيئا مما حرمنا لكان الأمر كما أراد، لكنه لم يشأ إلا ما نحن عليه، فما يقوله الرسل إنما هو من تلقاء أنفسهم لا من عند الله.
وقد رد الله عليهم مقالتهم بأنه كلام قد سبق بمثله المكذبون من الأمم السالفة، وما على الرسل إلا التبليغ وليس عليهم الهداية، ولم يترك الله أمة دون أن يرسل إليها هاديا يأمر بعبادته، وينهاهم عن الضلال والشرك، فمنهم من استجاب دعوته، ومنهم من أضله الله على علم، فحقت عليهم كلمة ربك، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ثم أمرهم بالضرب في الأرض ليروا آثار أولئك المكذبين الذين أخذوا بذنوبهم، ثم ذكّر رسوله بأن الحرص على إيمانهم لا ينفعك شيئا، فإن الله لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يختار الضلالة لنفسه، كما لا يجد أحدا يدفع عنه بأس الله ونقمته.
﴿ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل ﴾ أي إن تحرص أيها الرسول على هداية قومك – لا ينفعهم حرصك إذا كان الله يريد إهلاكهم بسوء اختيارهم وتوجيه عزائمهم، إلى عمل المعاصي والإشراك بربهم.
ونحو الآية قوله :﴿ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ [ القصص : ٥٦ ] وقوله حكاية عن مقالة نوح لقومه :﴿ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم ﴾ [ هود : ٣٤ ] وقوله :﴿ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ].
ومجمل القول : إن من اختار الضلالة ووجه همته إلى تحصيل أسبابها فالله سبحانه لا يخلق فيه الهداية قسرا وإلجاء، لأن مدار الإيمان والكفر الاختيار لا الإلجاء والاضطرار.
﴿ وما لهم من ناصرين ﴾ أي وما لهم ناصر ينصرهم من الله إن أراد عقوبتهم كما قال :﴿ ألا له الخلق والأمر ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ].
﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ٣٨ ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ٣٩ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾ [ النحل : ٣٨ -٤٠ ].
تفسير المفردات : الجهد : بفتح الجيم : المشقة : وبضمها : الطاقة. وجهد أيمانهم : أي غاية اجتهادهم فيها. وبلى : كلمة جواب كنعم لكنها لا تقع إلا بعد النفي فتثبت ما بعده. وعدا عليه حقا : أي وعد ذلك عليه حقا، أي ثابتا متحققا لا شك فيه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه حجتهم وقولهم إنه لا حاجة إلى الأنبياء جميعا، لأنا مجبورون فيما نفعل، وأنه لو شاء الله أن نهتدي لكان، دون حاجة إلى إرسال الأنبياء، ورده عليهم بأن الحاجة إليهم إنما هي تبليغ ما أمر به وترك ما نهى عنه ولا يلزمون أحدا بإيمان ولا كفر – أردف هذا بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا إنما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب وعقاب، ولكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة – ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن، وقد وعد عليه وعدا حقا، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب والعاصي من المطيع، وأيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلة، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته، وليس لقدرته دافع ولا مانع.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به، والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا، فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ الآية.
وأخرج هؤلاء عن أبي هريرة قال :" قال الله : سبّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾ وقلت :﴿ بلى وعدا عليه حقا ﴾ وأما سبه إياي فقال :﴿ إن الله ثالث ثلاثة ﴾ وقلت :﴿ هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ ".
الإيضاح :﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾ أي إنهم اجتهدوا في الحلف، وأغلظوا في الأيمان، أنه لا يقع بعث بعد الموت، وهذا استبعاد منهم لحصوله، من جراء أن الميت يفنى ويعدم، والبعث إعادة له، وإعادة المعدوم مستحيلة.
وقد ذكر الله عليهم وكذبهم بقوله :
﴿ بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ أي بلى سيبعثه الله بعد مماته، وقد وعد بذلك وعدا حقا لا بد منه، ولكن أكثر الناس لجهلهم بشؤون الله وصفات كماله من علم وقدرة وحكمة ونحوها، لا يعلمون أن وعد الله لا بد من نفاذه وأنه باعثهم بعد مماتهم يوم القيامة أحياء، ومن قبل هذا جرؤوا على مخالفة الرسل، ووقعوا في الكفر والمعاصي.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه حجتهم وقولهم إنه لا حاجة إلى الأنبياء جميعا، لأنا مجبورون فيما نفعل، وأنه لو شاء الله أن نهتدي لكان، دون حاجة إلى إرسال الأنبياء، ورده عليهم بأن الحاجة إليهم إنما هي تبليغ ما أمر به وترك ما نهى عنه ولا يلزمون أحدا بإيمان ولا كفر – أردف هذا بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا إنما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب وعقاب، ولكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة – ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن، وقد وعد عليه وعدا حقا، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب والعاصي من المطيع، وأيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلة، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته، وليس لقدرته دافع ولا مانع.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به، والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا، فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ الآية.
وأخرج هؤلاء عن أبي هريرة قال :" قال الله : سبّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾ وقلت :﴿ بلى وعدا عليه حقا ﴾ وأما سبه إياي فقال :﴿ إن الله ثالث ثلاثة ﴾ وقلت :﴿ هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ ".
ثم ذكر سبحانه الحكمة في المعاد، وقيام الأجساد يوم التناد فقال :
﴿ ليبين لهم الذي يختلفون فيه ﴾ أي بل يبعثهم ليبين لهم وجه الحق فيما جاء به الرسل وخالفتهم فيه أممهم، فيمتاز الخبيث من الطيب، والمطيع من العاصي، والظالم من المظلوم، إلى نحو أولئك مما كان مدار دعوة أولئك الرسل وأنكرته الأمم الذين أرسلوا إليهم، ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
﴿ وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ﴾ أي وليعلم الذين جحدوا وقوع البعث والجزاء أنهم كانوا كاذبين في قولهم : لا يبعث الله من يموت، وسيدعون إلى نار جهنم دعّا، وتقول لهم الزبانية :﴿ وهذه النار التي كنتم بها تكذبون ١٤ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ١٥ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون ﴾ [ الطور : ١٤ -١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه حجتهم وقولهم إنه لا حاجة إلى الأنبياء جميعا، لأنا مجبورون فيما نفعل، وأنه لو شاء الله أن نهتدي لكان، دون حاجة إلى إرسال الأنبياء، ورده عليهم بأن الحاجة إليهم إنما هي تبليغ ما أمر به وترك ما نهى عنه ولا يلزمون أحدا بإيمان ولا كفر – أردف هذا بشبهة أخرى لهم، إذ قالوا إنما نحتاج إلى الأنبياء لو كان لنا عودة إلى حياة جديدة بعد الموت فيها ثواب وعقاب، ولكن العودة إلى حياة أخرى غير ممكنة ولا معقولة – ذاك أن الجسم إذا تفرق وذهبت أجزاؤه كل مذهب امتنع أن يعود بعينه ليحاسب ويعاقب، فرد الله عليهم ما قالوا بأن هذا ممكن، وقد وعد عليه وعدا حقا، وأنه فعل ذلك ليميز الخبيث من الطيب والعاصي من المطيع، وأيضا فإيجاده تعالى للأشياء لا يتوقف على سبق مادة ولا آلة، بل يقع ذلك بمحض قدرته ومشيئته، وليس لقدرته دافع ولا مانع.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به، والذي أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا، فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت، وأقسم جهد يمينه لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾ الآية.
وأخرج هؤلاء عن أبي هريرة قال :" قال الله : سبّني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني، وكذّبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني، فأما تكذيبه إياي فقال ﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ﴾ وقلت :﴿ بلى وعدا عليه حقا ﴾ وأما سبه إياي فقال :﴿ إن الله ثالث ثلاثة ﴾ وقلت :﴿ هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ ".
ثم أخبر سبحانه عن كامل قدرته، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فقال :
﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾ أي إنا إذا أردنا أن نبعث من يموت فلا تعب علينا ولا نصب في إحيائه ولا بعثه، لأنا إذا أردنا ذلك فإنما نقول له : كن فيكون، لا معاناة فيه، ولا كلفة علينا.
ونحو الآية قوله :﴿ فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ﴾ [ غافر : ٦٨ ] وقوله :﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر ﴾ [ القمر : ٥٠ ] وقوله :﴿ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ﴾ [ لقمان : ٢٨ ].
وخلاصة هذا : إنه تعالى مثل حصول المقدورات وفق مشيئته، وسرعة حدوثها حين إرادته، بسرعة حصول المأمور حين أمر الآمر وقوله، دون هوادة ولا تراخ.
﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ٤١ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ﴾ [ النحل : ٤١ -٤٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أن الكفار أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة، وتمادوا في الغيّ والضلالة، ( ومن هذه حاله فليس بالعسير عليه أن يقدم على إيذاء المؤمنين بألوان من الإيذاء، حتى يضطروهم إلى الهجرة عن الديار ومفارقة الأهل والأوطان ) ذكر هنا حكم تلك الهجرة وبين ما لهؤلاء المهاجرين من حسنات في الدنيا وأجر في الآخرة، من جراء أنهم فارقوا أوطانهم وصبروا وتوكلوا على الله.
وفي هذا ترغيب لغيرهم في الهجرة واحتمال كل أذى في سبيل الله احتسابا للأجر.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال : هؤلاء أصحاب محمد، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين.
الإيضاح :﴿ والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ أي والذين فارقوا قومهم ودورهم وأوطانهم، وذهبوا إلى بلاد أخرى احتسابا لأجر الله ونيلا لمرضاته، من بعد ما نالهم من الكفار من أذى في أنفسهم وأموالهم –لنسكننهم في الدنيا مساكن حسنة يرضونها، إذ هم لما تركوا مساكنهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله عوضهم الله خيرا منها في الدنيا، فمكن لهم في البلاد، وحكمهم في رقاب العباد، وصاروا أمراء وحكاما، وكان كل منهم للمتقين إماما.
ثم أخبر سبحانه أن ثوابه في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا فقال :
﴿ ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ﴾ أي ولثواب الله إياهم على هجرتهم من أجله في الآخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هناك الجنة التي لا يفنى نعيمها، ولا يزول خيرها.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول : خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ذخره لك في الآخرة أفضل ثم تلا هذه الآية.
المعنى الجملي : بعد أن حكى سبحانه أن الكفار أقسموا بالله جهد أيمانهم على إنكار البعث والقيامة، وتمادوا في الغيّ والضلالة، ( ومن هذه حاله فليس بالعسير عليه أن يقدم على إيذاء المؤمنين بألوان من الإيذاء، حتى يضطروهم إلى الهجرة عن الديار ومفارقة الأهل والأوطان ) ذكر هنا حكم تلك الهجرة وبين ما لهؤلاء المهاجرين من حسنات في الدنيا وأجر في الآخرة، من جراء أنهم فارقوا أوطانهم وصبروا وتوكلوا على الله.
وفي هذا ترغيب لغيرهم في الهجرة واحتمال كل أذى في سبيل الله احتسابا للأجر.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال : هؤلاء أصحاب محمد، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين.
﴿ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ﴾ أي هؤلاء هم الذين صبروا على ما نالهم من أذى قومهم ولم يرجعوا القهقرى، وعلى مفارقة الوطن المحبوب، وعلى احتمال الغربة بين ناس لم تجمعهم بهم ألفة ولا جوار في دار، وقد فوضوا أمرهم إلى ربهم الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة وأعرضوا عن كل ما سواه.
﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ٤٣ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ٤٤ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ٤٥ أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ٤٦ أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ٤٧ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤوا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ٤٨ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ٤٩ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ [ النحل : ٤٣ -٥٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
الإيضاح :﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾ أي وما أرسلنا من قبلك رسلا إلى أممهم للدعوة إلى توحيدنا والانتهاء إلى أمرنا – إلا رجالا من بني آدم نوحي إليهم لا ملائكة.
ومجمل القول : إنا لم نرسل إلى قومك إلا مثل الذين كنا نرسلهم إلى من قبلهم من الأمم أي رسلا من جنسهم وعلى مناهجهم.
روى الضحاك عن ابن عباس أن الله لما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم أنكر العرب ذلك وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله :﴿ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس ﴾ [ يونس : ٢ ] الآية.
ونحو الآية قوله :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ﴾ [ الأنعام : ٨ ] وقوله :﴿ ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ٣٣ ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ﴾ [ المؤمنون : ٣٣ -٣٤ ] وقوله :﴿ وقالوا لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذير ﴾ [ الفرقان : ٧ ].
﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ أي فاسألوا أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى : أبشرا كانت الرسل إليهم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا.
تفسير المفردات : والبينة : هي المعجزات الدالة على صدق الرسول. والزبر : واحدها زبور، وهي كتب الشرائع والتكاليف التي يبلغها الرسل إلى العباد. والذكر : القرآن. لتبين للناس : أي لتوضح لهم ما خفي عليهم من أسرار التشريع.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
﴿ بالبينات والزبر ﴾ تقول العرب زبرت الكتاب : أي كتبته كما قال تعالى ﴿ وكل شيء فعلوه في الزبر ﴾ [ القمر : ٥٢ ] أي وما أرسلنا رسلا إلا رجالا بالأدلة والحجج التي تشهد لهم بصدق نبوتهم، والكتب التي تشمل التكاليف والشرائع التي يبلغونها من الله إلى العباد.
﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾ أي وأنزلنا إليك القرآن تذكيرا وعظة للناس، لتعرفهم ما أنزل إليهم من الأحكام والشرائع وأحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب جزاء عنادهم مع أنبيائهم، وتبين لهم ما أشكل عليهم من الأحكام وتفصل لهم ما أجمل بحسب مراتبهم في الاستعداد والفهم لأسرار التشريع.
﴿ ولعلهم يتفكرون ﴾ أو وتوقعا منك، وانتظارا لتفكرهم في هاتيك الأسرار والعبر، وإبعادا لهم عن سلوك سبيل الغابرين من المكذبين حتى لا يصيبهم مثل ما أصابهم، ثم حذرهم وخوّفهم مغبّة ما هم فيه من العصيان والكفر فقال :
تفسير المفردات : والمكر : السعي بالفساد خفية. والسيئات : أي الأعمال التي تسوءهم عاقبتها. يخسف بهم الأرض : أي يزيلها من الوجود وهو ؟ على سطحها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ﴾ أي أفأمن الذين مكروا برسول الله من أهل مكة، وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله أن يصيبهم بعقوبة من عنده :
( ١ ) إما بأن يخسف بهم الأرض ويبيدهم من صفحة الوجود كما فعل بقارون من قبل.
( ٢ ) وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون كما صنع بقوم لوط.
( ٣ ) وإما بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال :﴿ وأملي لهم إن كيدي متين ﴾ [ الأعراف : ١٨٣ ] وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".
( ٤ ) وإما بأن يخيفهم أولا ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها حتى يأتي عليهم جميعا، ويكون هذا أشد عليهم إيلاما ووحشة.
وختم الآية بما ختم به، لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجّل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة، والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت، ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.

تفسير المفردات : في تقلبهم : أي في أسفارهم وسيرهم في البلاد البعيدة للسعي في أرزاقهم كما قال :﴿ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ﴾ [ آل عمران : ١٩٦ ]. بمعجزين : أي بفائتين الله تعالى بالهرب والفرار.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ﴾ أي أفأمن الذين مكروا برسول الله من أهل مكة، وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله أن يصيبهم بعقوبة من عنده :
( ١ ) إما بأن يخسف بهم الأرض ويبيدهم من صفحة الوجود كما فعل بقارون من قبل.
( ٢ ) وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون كما صنع بقوم لوط.
( ٣ ) وإما بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال :﴿ وأملي لهم إن كيدي متين ﴾ [ الأعراف : ١٨٣ ] وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".
( ٤ ) وإما بأن يخيفهم أولا ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها حتى يأتي عليهم جميعا، ويكون هذا أشد عليهم إيلاما ووحشة.
وختم الآية بما ختم به، لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجّل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة، والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت، ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.

تفسير المفردات : والتخوف : التنقص من قولهم تخوّفت الشيء وتخيّفته إذا تنقصته، والمراد أن ينقص أموالهم وأنفسهم قليلا قليلا حتى يأتي عليها الفناء جميعا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ﴾ أي أفأمن الذين مكروا برسول الله من أهل مكة، وراموا صد أصحابه عن الإيمان بالله أن يصيبهم بعقوبة من عنده :
( ١ ) إما بأن يخسف بهم الأرض ويبيدهم من صفحة الوجود كما فعل بقارون من قبل.
( ٢ ) وإما بأن يأتيهم بعذاب من السماء فجأة من حيث لا يشعرون كما صنع بقوم لوط.
( ٣ ) وإما بأن يأخذهم بعقوبة وهم في أسفارهم يكدحون في الأرض ابتغاء الرزق، وما هم بممتنعين عليه فائتين له بالهرب والفرار كما قال :﴿ وأملي لهم إن كيدي متين ﴾ [ الأعراف : ١٨٣ ] وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ".
( ٤ ) وإما بأن يخيفهم أولا ثم يعذبهم بعد ذلك، بأن يهلك طائفة فتخاف التي تليها حتى يأتي عليهم جميعا، ويكون هذا أشد عليهم إيلاما ووحشة.
وختم الآية بما ختم به، لبيان أنه لم يأخذهم بعذاب معجّل، بل أخذهم بحالات يخاف منها كالرياح الشديدة، والصواعق والزلازل، وفي ذلك امتداد وقت، ومهلة يمكن فيها تلافي التقصير، وهذا من آثار رحمته بعباده.

تفسير المفردات : يتفيأ : من الفيء يقال فاء الظل يفيء فيئا إذا رجع وعاد بعدما أزاله ضياء الشمس، والظلال : واحدها ظل وهو ما يكون أول النهار قبل أن تناله الشمس. قال رؤبة : كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء، وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل، واليمين والشمائل : جانبا الشيء الكثيف من الجبال والأشجار وغيرها. والسجود : الانقياد والخضوع من قولهم سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل، ومنه قوله :" واسجد لقرد السوء في زمانه " أي اخضع له. داخرون : أي صاغرون منقادون واحدهم داخر وهو الذي يفعل ما تأمره به شاء أو أبى.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
الإيضاح : ثم ذكر آثار قدرته على خلقه فقال :
﴿ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ﴾ أي ألم ينظر هؤلاء الذين مكروا السيئات إلى ما خلق الله من الأجسام القائمة، كالأشجار والجبال التي تتفيأ ظلالها، وترجع من موضع إلى موضع عن اليمين والشمائل، فهي في أول النهار على حال ثم تتقلص، ثم تعود إلى حال أخرى في آخر النهار، مائلة من جانب إلى جانب ومن ناحية إلى ناحية، صاغرة منقادة لربها، خاضعة لقدرته.
ثم ذكر ما هو كالدليل لما سلف فقال :
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
﴿ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة وهم لا يستكبرون ﴾ أي ولله يخضع ما في السماوات وما في الأرض مما يدب عليها، وكذلك ملائكته الذين في السماء وهم لا يستكبرون عن التذلل والخضوع له.
تفسير المفردات : يخافون ربهم : أي يخافون عقابه. من فوقهم : أي بالقهر كما قال :﴿ وإنا فوقهم قاهرون ﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته ما قاله المشركون من أنهم لا حاجة بهم إلى الأنبياء، لأن الحاجة إليهم إنما تدعو لو كانت هناك حياة أخرى يحاسبون فيها، وهم لا يصدقون بها، وليس من المعقول أن تكون – أردف ذلك بشبهة أخرى لهم إذ قالوا : هب الله أرسل رسولا فليس من الجائز أن يكون بشرا فالله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدا من البشر، فلو بعث إلينا رسولا لبعثه ملكا، ثم أجاب عن هذه الشبهة بأن سنة الله أن يبعث رسله من البشر، وإن كنتم في شك من ذلك فاسألوا أهل الكتاب عن ذلك، ثم هددهم أن يخسف بهم الأرض كما خسف بقارون، أو يأتيهم بعذاب من السماء فيهلكهم بغتة كما فعل بقوم لوط، أو يأخذهم وهم يتقلبون في أسفارهم ومعايشهم، أو يأخذهم طائفة بعد أخرى، ثم أعقب هذا بما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي على أتم نظام وأحكم تقدير.
الإيضاح :﴿ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ﴾ أي يخاف هؤلاء الملائكة والدواب التي في الأرض ربهم الذي هم من فوقهم بالقوة والقهر – أن يعذبهم إن عصوه، ويفعلون ما أمرهم به، فيؤدون حقوقه ويجتنبون سخطه.
ونحو الآية قوله :﴿ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ﴾ [ الرعد : ١٥ ].
ومجمل القول : إنه تعالى نبه إلى أنه لعظمته وكبريائه، تدين له المخلوقات بأسرها، جمادها ونباتها وحيوانها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة.
﴿ * وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ٥١ وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون ٥٢ وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ٥٣ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ٥٤ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ﴾ [ النحل : ٥١ -٥٥ ].
تفسير المفردات : الرهبة : الخوف.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه في الآيات السالفة أن كل ما سواه من جماد وحيوان، وإنس وجن وملك – منقاد به وخاضع لسلطانه – أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه الضر، فإذا كشفه عنه يرجع إلى كفره، وأن الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاء لهم على سيئ أعمالهم وقبيح أفعالهم.
الإيضاح :﴿ وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ﴾ أي وقال الله لعباده : لا تتخذوا لي شريكا ولا تعبدوا سواي، فإنكم إذا عبدتم معي غيري جعلتموه لي شريكا، ولا شريك لي، إنما هو إله واحد، ومعبود واحد، وأنا ذاك، فاتقوني وخافوا عقابي، بمعصيتكم إياي، بإشراككم بي غيري، أو عبادتكم سواي.
وإنما ذكر العدد مع أن صيغة التثنية مغنية عنه، للدلالة على أن المنهي عنه هي الاثنينية وأنها منافية للألوهية، كما أن وصف الإله بالوحدة في قوله ﴿ إنما هو إله واحد ﴾ للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية وأنها من لوازم الألوهية، أما الألوهية فغير منكرة ولا متنازع فيها.
والخلاصة : إنه تعالى أخبر أنه لا إله إلا هو، وأنه لا تنبغي العبادة إلا له وحده.
تفسير المفردات : والدين : الطاعة. والواصب : الدائم كما قال :﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ [ الصافات : ٣٧ ]
المعنى الجملي : لما بين سبحانه في الآيات السالفة أن كل ما سواه من جماد وحيوان، وإنس وجن وملك – منقاد به وخاضع لسلطانه – أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه الضر، فإذا كشفه عنه يرجع إلى كفره، وأن الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاء لهم على سيئ أعمالهم وقبيح أفعالهم.
الإيضاح :﴿ وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا ﴾ أي : ولله ما في السماوات والأرض من شيء، لا شريك له في شيء من ذلك، وهو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم، وبيده حياتهم وموتهم، وله الطاعة والإخلاص على طريق الدوام والثبات.
ثم ذكر ما هو كالنتيجة لذلك فقال :﴿ أفغير الله تتقون ﴾ أي : أفبعد أن علمتم هذا ترهبون غير الله، وتحذرون أن يسلبكم نعمة، أو يجلب لكم أذى، أو ينزل بكم نقمة إذا أنتم أخلصتم العبادة لربكم، وأفردتم الطاعة له، ومالكم نافع سواه.
وإجمال ذلك : إنكم بعد أن عرفتم أن إله العالم واحد، وعرفتم أن كل ما سواه فهو في حاجة إليه في وجوده وبقائه، كيف يعقل أن يكون لامرئ رغبة أو رهبة من غيره ؟
تفسير المفردات : وتجأرون : أي تتضرعون لكشفه. وأصل الجؤار : صياح الوحش، ثم استعمل في رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه في الآيات السالفة أن كل ما سواه من جماد وحيوان، وإنس وجن وملك – منقاد به وخاضع لسلطانه – أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه الضر، فإذا كشفه عنه يرجع إلى كفره، وأن الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاء لهم على سيئ أعمالهم وقبيح أفعالهم.
الإيضاح : ولما بين أن الواجب ألا يتقى غير الله – ذكر أنه يجب ألا يشكر إلا هو، فقال :﴿ وما بكم من نعمة فمن الله ﴾ أي : وما بكم من نعمة في أبدانكم، من عافية وصحة وسلامة، وفي أموالكم، من نماء وزيادة، فالله هو المنعم بها عليكم، والمتفضل بها لا سواه، فبيده الخير وهو على كل شيء قدير، فيجب عليكم أن تشكروه على هذه النعم المتواصلة، وإحسانه الدائم الذي لا ينقطع.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
﴿ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ﴾ أي : ثم إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض، أو حاجة عارضة، أو شدة وجهد في العيش ووسائل الحياة، فإليه تصرخون بالدعاء وتستغيثون به، ليكشف ذلك عنكم، علما منكم أنه لا يقدر على إزالة ذلك إلا هو.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه في الآيات السالفة أن كل ما سواه من جماد وحيوان، وإنس وجن وملك – منقاد به وخاضع لسلطانه – أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه الضر، فإذا كشفه عنه يرجع إلى كفره، وأن الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاء لهم على سيئ أعمالهم وقبيح أفعالهم.
﴿ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ﴾ أي : ثم وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من مرض في أبدانكم، أو شدة في معاشكم، بتفريج البلاء عنكم، إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا في العبادة، فيعبدون الأوثان، ويذبحون لها الذبائح، شكرا لغير من أنعم بالفرج، وأزال من الضر.
ونحو الآية قوله :﴿ وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا ﴾[ الإسراء : ٦٧ ].
قال السيد الألوسي في تفسيره :" وفي الآية ما يدل على أن صنيع العوام اليوم من الجؤار إلى غير الله تعالى، ممن لا يملك لهم بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا – عند إصابة الضر بهم وإعراضهم عن دعائه تعالى بالكلية – سفه عظيم وضلال جديد، لكنه أشدّ من الضلال القديم، ومما تقشعرّ منه الجلود، لحصوله ممن يؤمن باليوم الموعود ".
إن بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير : إياك ثم إياك أن تستغيث بالله إذا خطب دهاك، فإن الله تعالى لا يعجّل في إغاثتك، ولا يهمه سوء حالتك، وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين، فإنهم يعجّلون في تفريج كربك، ويهمهم سوء ما حلّ بك، فمجّ ذلك سمعي، وهمى دمعي، وسألت الله تعالى أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلال المبين، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك ا. ه.
المعنى الجملي : لما بين سبحانه في الآيات السالفة أن كل ما سواه من جماد وحيوان، وإنس وجن وملك – منقاد به وخاضع لسلطانه – أتبع ذلك بالنهي عن الشرك به، وبين أن كل ما سواه فهو ملكه، وأنه مصدر النعم كلها، وأن الإنسان يتضرع إليه إذا مسه الضر، فإذا كشفه عنه يرجع إلى كفره، وأن الحياة الدنيا قصيرة الأمد، ثم يعلم الكفار بعدئذ ما يحل بهم من النكال والوبال جزاء لهم على سيئ أعمالهم وقبيح أفعالهم.
﴿ ليكفروا بما آتيناهم ﴾، أي : قيضنا لهم ذلك لتكون عاقبة أمرهم أن يجحدوا نعم الله عليهم، وأنه هو المسدي لها، وأنه هو الكاشف للنقم عنهم. وقد فعلوا ذلك لسوء استعدادهم وخبث طويتهم، وبما ران على قلوبهم من الكفر والعصيان، فجحدوا فضل الملك الديان، وإحسان صاحب الطول والإحسان.
ثم توعدهم على سوء صنيعهم وأبان لهم عاقبة أمرهم فقال :﴿ فتمتعوا فسوف تعلمون ﴾، أي : فتمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم، وتبلغوا الميقات الذي وقّت لحياتكم وتمتعكم فيها، وبعدئذ ستصيرون إلى ربكم، فتعلمون عند لقائه وبال ما كسبت أيديكم، وسوء مغبة أعمالكم، وتندمون حين لا ينفع الندم.
﴿ ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون ﴾ ٥٦ ﴿ ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ﴾ ٥٧ ﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ٥٨ يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ٥٩ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ﴾ [ النحل : ٥٦ -٦٠ ].
تفسير المفردات : تفترون : أي تكذبون.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه سخف أقوال أهل الشرك، أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
الإيضاح : حكى سبحانه بعض قبائح المشركين الذين عبدوا الأوثان والأصنام وعدّ منها :
( ١ ) ﴿ ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم ﴾، أي : ويجعل هؤلاء المشركون للأصنام، التي لا يعلمون منها ضرا ولا نفعا، نصيبا مما رزقناهم، من الحرث والأنعام وغيرهما، مما خلق الله يتقربون به إليها، وهذا إشراك منهم لما لا يعلمون منه الفائدة، بالذي يعلمون أنه الذي هو خلقهم، وهو الذي رزقهم، وهو الذي ينفعهم، وهو الذي يضرهم دون غيره، وقد سبق تفصيل ذلك، فيما حكى الله عنهم في سورة الأنعام، بقوله :﴿ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ﴾ [ الأنعام : ١٣٦ ].
ثم توعدهم على ما فعلوا فقال :
﴿ تالله لتسألن عما كنتم تفترون ﴾، أي : أقسم لأسألنّكم عما افتريتموه واختلقتموه من الباطل، ولأعاقبنكم على ذلك، عقوبة تكون كفاء كفرانكم نعمي، وافترائكم عليّ.
ونحو الآية قوله :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ٩٢ عما كانوا يعملون ﴾ [ الحجر : ٩٢ -٩٣ ]، وهذا السؤال ؛ سؤال تأنيب وتقريع لهم على ما اجترحوا من أقوال وأفعال.
تفسير المفردات : سبحانه : أي تنزيها له عن النقائص.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه سخف أقوال أهل الشرك، أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
الإيضاح :( ٢ ) ﴿ ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ﴾، أي : ولقد بلغ من جهل هؤلاء المشركين، وعظيم أباطيلهم، أنهم يجهلون خلقهم، ودبّر شؤونهم، واستحق شكرهم على جزيل نعمائه – البنات، إذ قالت خزاعة : الملائكة بنات الله كما قال عز اسمه :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا ﴾ [ الزخرف : ١٩ ]، وعبدوها مع الله، وقد أخطؤوا في ذلك خطأ كبيرا، وضلوا ضلالا بعيدا، إذ نسبوا إليه الأولاد ولا أولاد له، وأعطوه منها أخسها، وهي البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، بل لا يرضون إلا البنين، كما قال تعالى :﴿ ألكم الذكر وله الأنثى ٢١ تلك إذا قسمة ضيزى ﴾ [ النجم : ٢١ -٢٢ ] وقال :﴿ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ١٥١ ولد الله وإنهم لكاذبون ١٥٢ أصطفى البنات على البنين ١٥٣ ما لكم كيف تحكمون ﴾ [ الصافات : ١٥١ -١٥٤ ].
والمراد من قوله ﴿ ولهم ما يشتهون ﴾ : أنهم يختارون لأنفسهم الذكور، ويأنفون من البنات التي نسبوها إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال ابن عباس يقول : تجعلون لي البنات، ترتضونهن لي ولا ترتضونهنّ لأنفسكم. ثم أكد ما سلف بقوله :
تفسير المفردات : والبشارة : في أصل اللغة إلقاء الخبر، الذي يؤثّر في تغير بشرة الوجه، ويكون في السرور والحزن ؛ فهو حقيقة في كل منهما، وعلى هذا جاءت الآية، ثم خص في عرف اللغة، بالخبر السارّ، ويقال لمن لقي مكروها، قد اسودّ وجهه غما وحزنا، ولمن ناله الفرح والسرور، استنار وجهه وأشرق، والكظيم : الممتلئ غما وحزنا، والكظم : مخرج النفس، يقال : أخذ بكظمه، إذا أخذ بمخرج نفسه، ومنه : كظم غيظه، أي : حبسه عن الوصول إلى مخرج النفس.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه سخف أقوال أهل الشرك، أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ﴾، أي : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات، بولادة أنثى، ظل وجهه مسودا كئيبا من الهم، ممتلئا غيظا وحنقا، من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس خجلا واستحياء : ولا يود أن يراه أحد، من مساءته بما بشر بها، ويدور بخلده أحد أمرين : إما أن يمسكها، ويبقيها بقاء ذلة وهوان ؛ فلا يورثها ولا يعنى بها، بل يفضل الذكور عليها، وإما أن يدسها في التراب، ويدفنها وهي حية ؛ وذلك هو الوأد المذكور في قوله تعالى :﴿ وإذا الموءودة سئلت ٨ بأي ذنب قتلت ﴾ [ التكوير : ٨ -٩ ].
ومعنى قوله :﴿ ألا ساء ما يحكمون ﴾، بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا في الاستنكاف من البنت من وجوه :
( ١ ) اسوداد الوجه.
( ٢ ) الاختفاء من القوم، من شدة نفرتهم منها.
( ٣ ) إنهم يقدمون على قتلها ووأدها، خشية العار، أو خوف الجوع والفقر. ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله :

تفسير المفردات : و " يتوارى " : أي يستخفي، وقد كان من عادتهم في الجاهلية، أن يتوارى الرجل حين ظهور آثار الطلق بامرأته، فإن أخبر بذكر ابتهج، وإن أخبر بأنثى حزن، وبقي متواريا أياما يدبر فيها ما يصنع. و " يمسكه " : أي : يحبسه، كقوله :﴿ أمسك عليك زوجك ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]. والهون : الهوان والذل. ويدسه : أي يخفيه.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه سخف أقوال أهل الشرك، أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ﴾، أي : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات، بولادة أنثى، ظل وجهه مسودا كئيبا من الهم، ممتلئا غيظا وحنقا، من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس خجلا واستحياء : ولا يود أن يراه أحد، من مساءته بما بشر بها، ويدور بخلده أحد أمرين : إما أن يمسكها، ويبقيها بقاء ذلة وهوان ؛ فلا يورثها ولا يعنى بها، بل يفضل الذكور عليها، وإما أن يدسها في التراب، ويدفنها وهي حية ؛ وذلك هو الوأد المذكور في قوله تعالى :﴿ وإذا الموءودة سئلت ٨ بأي ذنب قتلت ﴾ [ التكوير : ٨ -٩ ].
ومعنى قوله :﴿ ألا ساء ما يحكمون ﴾، بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا في الاستنكاف من البنت من وجوه :
( ١ ) اسوداد الوجه.
( ٢ ) الاختفاء من القوم، من شدة نفرتهم منها.
( ٣ ) إنهم يقدمون على قتلها ووأدها، خشية العار، أو خوف الجوع والفقر. ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله :

تفسير المفردات : و﴿ مثل السوء ﴾ : أي : الصفة السوء، وهي احتياجهم إلى الولد، وكراهتهم للبنات، خوف الفقر والعار، ﴿ ولله المثل الأعلى ﴾ : أي : الصفة العليا، وهي أنه لا إله إلا هو، وأن له جميع صفات الجلال والكمال.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه سخف أقوال أهل الشرك، أردف ذلك بذكر قبائح أفعالهم التي تمجها الأذواق السليمة.
الإيضاح :﴿ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ﴾، أي : للذين لا يصدقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين، صفة السوء، التي هي كالمثل في القبح، من حاجتهم إلى الولد، ليقوم مقامهم بعد موتهم، وتفضيلهم للذكور للاستظهار بهم، ووأدهم للبنات خشية العار أو الفقر، وذلك يومئ إلى العجز، والقصور، والشح البالغ أقصى غاية.
﴿ ولله المثل الأعلى ﴾، أي : وله تعالى الصفة العليا، وهي أنه الواحد، المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلا هو، وله صفات الكمال والجلال، من القدرة والعلم والإرادة، ونحو ذلك.
﴿ وهو العزيز الحكيم ﴾، أي : وهو المنيع تكبرا وجلالا، لا يغلبه غالب، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة البالغة.
﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ٦١ ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ٦٢ تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ٦٣ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ [ النحل : ٦١ -٦٤ ].
تفسير المفردات : المراد من الناس : العصاة. والأجل المسمى : يوم القيامة.
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم – بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته، ولو آخذهم بما كسبت أيديهم، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ؛ أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه، كما قال سبحانه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، لكنه سبحانه يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من أذى عشيرته، بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، فلك بهم أسوة، فلا يحزننّك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
الإيضاح :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ﴾، أي : ولو يؤاخذ الله عصاة بني آدم بمعاصيهم، ما ترك على ظهر الأرض دابة.
أخرج البيهقي وغيره عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضرّ إلا بنفسه، فقال لا والله، بل عن الحبارى في وكرها لتموت من ظلم الظالم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كاد الجعل ( الجعران ) يهلك في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ الآية.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة أنه قال : ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره، ثم قال : إي والله، زمن غرق قوم نوح عليه السلام.
﴿ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾، أي : ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة، فلا يعاجلهم بالعقوبة إلى أجل سماه الله لعذابهم، فإذا جاء الوقت الذي وقت لهلاكهم، لا يستأخرون عن الهلاك ساعة فيمهلون، ولا يستقدمون قبله حتى يستوفوا أعمارهم، وقد تقدم نظير هذا.
تفسير المفردات :
ويجعلون : يثبتون وينسبون إليه. وما يكرهون : هي البنات. وتصف ألسنتهم الكذب : أي : يكذبون، كما يقال :" عينها تصف السحر "، أي : هي ساحرة، " وقدها يصف الهيف " أي هي هيفاء. لا جرم : أي : حقا. مفرطون : أي : مقدمون معجل بهم إليها، من أفرطته إلى كذا، أي : قدمته، ويقال لمن تقدم إلى الماء لإصلاح الدلاء والأرسان : فارط وفرط.
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم – بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته، ولو آخذهم بما كسبت أيديهم، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ؛ أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه، كما قال سبحانه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، لكنه سبحانه يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من أذى عشيرته، بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، فلك بهم أسوة، فلا يحزننّك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
الإيضاح :
﴿ ويجعلون لله ما يكرهون ﴾، أي : وينسب هؤلاء المشركون إلى الله سبحانه ما يكرهون لأنفسهم، من البنات، والشركاء في الرياسة.
﴿ وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ﴾، أي : ويكذبون فيما يدعون، إذ يزعمون أن لهم العاقبة الحسنى عند الله، وهي الجنة على تقدير وجودها، فقد روي أنهم قالوا : إن كان محمد صادقا في البعث، فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله :﴿ لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون ﴾، أي : حقا أن لهم النار، وليس بعد عذابها عذاب، وأنه معجل بها إليهم، وهم مقدمون لها.
ثم بين سبحانه أن هذا الصنيع الذي صدر من قريش، قد حدث مثله من الأمم السالفة في حقّ أنبيائهم، فقال مسليا رسوله على ما يناله من الغم بسبب جهالاتهم.
تفسير المفردات : وليهم : ناصرهم ومساعدهم. اليوم : أي : في الدنيا.
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم – بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته، ولو آخذهم بما كسبت أيديهم، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ؛ أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه، كما قال سبحانه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، لكنه سبحانه يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من أذى عشيرته، بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، فلك بهم أسوة، فلا يحزننّك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
الإيضاح :﴿ تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ﴾، أي : والله لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممهم بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وخلع الأنداد والأوثان، فحسن لهم الشيطان ما كانوا عليه مقيمين من الكفر به وعبادة الأوثان، فكذبوا رسلهم، وردوا عليهم ما جاؤوا به من عند ربهم، وما كان ناصرهم فيما اختاروا إلا الشيطان، وبئس الناصر والمعين، ولهم في الآخرة عذاب أليم حين ورودهم إلى ربهم، إذ لا تنفعهم إذ ذاك ولاية الشيطان، كما لم تنفعهم في الدنيا.
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح أفعالهم – بين هنا حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه يمهلهم بالعقوبة إظهارا لفضله ورحمته، ولو آخذهم بما كسبت أيديهم، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ؛ أما الظالم فبظلمه، وأما غيره فبشؤمه، كما قال سبحانه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ]، لكنه سبحانه يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى، ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما كان يناله من أذى عشيرته، بأن قومه ليسوا ببدع في الأمم، فقد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فكذبوهم، فلك بهم أسوة، فلا يحزننّك تكذيبهم، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة.
ثم ذكر سبحانه أنه ما أهلك من أهلك، إلا بعد أن أقام الحجة، وأزاح العلة فقال :﴿ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾، أي : وما أنزلنا عليك كتابنا، وما بعثناك به إلى عبادنا، إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فيعرفوا الحق من الباطل، وتقيم عليهم حجة الله التي بعثك بها، وهو هدى للقلوب الضالة، ورحمة لقوم يؤمنون به، فيصدقون بما فيه، ويقرون بما تضمنه من أمر الله ونهيه ويعملون به.
وخلاصة ذلك : إن هذا الكتاب هو الفاصل بين الناس فيما يتنازعون فيه، وأنه الهادي لهم إلى سبيل الرشاد.
﴿ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ٦٥ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ٦٦ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ٦٧ وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر وما يعرشون ٦٨ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ﴾ [ النحل : ٦٥ -٦٩ ].
تفسير المفردات : المراد بحياة الأرض : إنباتها الزرع والشجر، وإخراجها الثمر. يسمعون : أي : يسمعون سماع تدبر وفهم. قال الفراء والزجاج : النعم والأنعام واحد، يذكر ويؤنث، ولهذا تقول العرب هذه نعم وارد، ورجحه ابن العربي فقال : إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع، والتأنيث إلى معنى الجماعة، وقد جاء بالوجهين هنا، وفي سورة المؤمنين.
المعنى الجملي : بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى، جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا، عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإسلامي، وكل دين سماوي، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنّى بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك، كيف ألهم النحل بناء البيوت، والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
الإيضاح :﴿ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ﴾، نبه سبحانه عباده إلى الحجج الدالة على توحيده، وأنه لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة لشيء سواه، فبين أن ذلك المعبود هو الذي أنزل من السماء مطرا، فأنبت به أنواعا مختلفة من النبات في أرض ميتة يابسة، لا زرع فيها ولا عشب، إن في ذلك الإحياء بعد الموت لدليلا واضحا، وحجة قاطعة على وحدانيته تعالى، وعلمه وقدرته، لمن يسمع هذا القول سماع تدبر وفهم لما يسمع، إذ لا عبرة بسماع الآذان، فهو أشبه بسماع الحيوان.
تفسير المفردات : والعبرة : الاعتبار والعظة، والفرث : كثيف ما يبقى من المأكول في الكرش والمعي. خالصا : أي مصفى من كل ما يصحبه من مواد أخرى. سائغا : أي سهل المرور في الحلق، يقال ساغ الشراب في الحلق وأساغه صاحبه، قال تعالى :﴿ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ﴾ [ إبراهيم : ١٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى، جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا، عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإسلامي، وكل دين سماوي، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنّى بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك، كيف ألهم النحل بناء البيوت، والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
وبعد أن ذكر نزول الماء من السحاب، ذكر خروج اللبن من الضرع، وفيه أكبر الأدلة على قدرة القادر فقال :﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما قي بطونه من بين فرث ودم خالصا سائغا للشاربين ﴾، أي : وإن لكم أيها الناس لعظة في الأنعام دالة على باهر قدرتنا، وبديع صنعنا، وواسع فضلنا، ورحمتنا بعبادنا، فإننا نسقيكم مما في بطونها من اللبن الخالص من شائبات المواد الغريبة، السهل التناول، اللذيذ الطعم، وهو متولد من بين فرث ودم.
فإن الله جلت قدرته جعل الحيوان يتغذى بما يأكل من نبات ولحوم ونحوهما، حتى إذا هضم المأكول، تحول بإذنه تعالى إلى عصارة نافعة للجسم، وفضلات تطرد إلى الخارج، ومن هذه العصارة يتكون الدم الذي يسري في عروق الجسم لحفظ الحياة، وبعد هذا الدم يذهب إلى الغدد التي في الضرع فتحولها إلى لبن، فكأن الصانع الحكيم جعلها مصنعا ومعملا لتحويل الدم إلى لبن، وهكذا في الجسم غدد أخرى، كالغدد الأنفية للمخاط، والغدد الدمعية للعين، والغدد المنوية التي تحول الدم إلى مادة التلقيح.
تفسير المفردات : والسكر : الخمر. والرزق الحسن : الخل والرّبّ والتمر والزبيب ونحو ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى، جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا، عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإسلامي، وكل دين سماوي، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنّى بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك، كيف ألهم النحل بناء البيوت، والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
الإيضاح : وبعد أن ذكر اللبن وبين أنه جعله شرابا سائغا للناس، ثلّث بذكر ما يتخذ من الأشربة من ثمرات النخيل والأعناب فقال :
﴿ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ﴾، أي : ولكم أيضا عبرة فيما نسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب مما تتخذونه خمرا وخلاّ ودبسا ( عسل التمر ) وتمرا.
روي عن ابن عباس أنه قال : السّكر ما حرّم من ثمرتيهما، والرزق الحسن ما أحلّ من ثمرتيهما، كالخل والرّب ( المربة ) والتمر والزبيب ونحو ذلك.
﴿ إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ﴾، أي : إن في ذلك لآية باهرة لمن يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات، ويعتبرون بما يستخلص من العبر.
تفسير المفردات : وأوحى : ألهم وعلم. وبيوتا : أي : أوكارا، وأصل البيت : مأوى الإنسان، واستعمل هنا في الوكر الذي تبنيه النحل لتعسل فيه، لما فيه من دقة الصنع وجميل الهندسة. ويعرشون : أي يرفعون من الكروم والسقوف.
المعنى الجملي : بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى، جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا، عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإسلامي، وكل دين سماوي، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنّى بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك، كيف ألهم النحل بناء البيوت، والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
الإيضاح :﴿ وأوحى ربك إلى النحل ﴾، أي : وألهم ربك النحل وألقى في روعها، وعلمها أعمالا يتخيل منها أنها ذوات عقول.
وقد تتبع علماء المواليد أحوالها وكتبوا فيها المؤلفات بكل اللغات، وخصصوا لها مجلات تنشر أطوارها وأحوالها، وقد وصلوا من ذلك إلى أمور :
( ١ ) إنها تعيش جماعات كبيرة قد يصل عدد بعضها نحو خمسين ألف نحلة، وتسكن كل جماعة منها في بيت خاص يسمى خلية.
( ٢ ) إن كل خلية يكون فيها نحلة واحدة كبيرة تسمى الملكة، أو اليعسوب، وهي أكبرهم جثة، وأمرها نافذ فيهم، وعدد يتراوح بين أربعمائة نحلة وخمسمائة يسمى الذكور، وعدد آخر من خمسة عشر ألفا إلى خمسين ألف نحلة، ويسمى الشغالات، أو العاملات.
وتعيش هذه الفصائل الثلاث في كل خلية عيشة تعاونية على أدق ما يكون نظاما، فعلى الملكة وحدها وضع البيض الذي يخرج منه نحل الخلية كلها، فهي أم النحل، وعلى الذكور تلقيح الملكات، وليس لها عمل آخر، وعلى الشغالة خدمة الخلية وخدمة الملكات وخدمة الذكور، فتنطلق في المزارع طوال النهار لجمع رحيق الأزهار، ثم تعود إلى الخلية فتفرز عسلا يتغذى به سكان الخلية صغارا وكبارا، وتفرز الشمع الذي تبني به بيوتا سداسية الشكل، تخزن في بعضها العسل، وفي بعض آخر منها تربي صغار النحل، ولا يمكن للمهندس الحاذق أن يبني مثل هذه البيوت حتى يستعين بالآلات : كالمسطرة والفرجار ( البرجل ). قال الجوهري : ألهمها الله أن تبني بيوتها على شكل سداسي، حتى لا يحصل فيه خلل ولا فرجة ضائعة، كما عليها أن تنظف الخلية وتخفق بأجنحتها لتساعد على تهويتها، وعليها الدفاع عن المملكة وحراستها من الأعداء، كالنمل والزنيبير وبعض الطيور.
ثم فسر سبحانه ما أوحى به إليه بقوله :﴿ أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ﴾، أي : اجعلي لك بيوتا في الجبال تأوين إليها، أو في الشجر، أو فيما يعرش الناس ويبنون من البيوت والسقف والكروم ونحوها.
تفسير المفردات : والسبل : الطرق، واحدها سبيل. والذلل : واحدها ذلول : أي : منقادة طائعة. والشراب : العسل، مختلف ألوانه : من أبيض إلى أصفر إلى أسود بحسب اختلاف المرعى.
المعنى الجملي : بعد أن وعد المؤمنين بجنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين بنار تلظى، جزاء ما دنسوا به أنفسهم من الإشراك بربهم، ونسبة البنات إليه، وافترائهم عليه ما لم ينزل به سلطانا، عاد إلى ذكر دلائل التوحيد، من قبل أنه قطب الرحى في الدين الإسلامي، وكل دين سماوي، ويليه إثبات النبوات والبعث والجزاء، فبين أنه أنزل المطر من السماء لتحيا به الأرض بعد موتها، وثنّى بإخراج اللبن من الأنعام، وثلث باتخاذ الخمر والخل والدّبس من الأعناب والنخيل، وربع بإخراج العسل من النحل وفيه شفاء للناس، وقد بين أثناء ذلك، كيف ألهم النحل بناء البيوت، والبحث عن أرزاقها من كل فجّ.
الإيضاح :﴿ ثم كلي من كل الثمرات ﴾، أي : ثم كلي أيتها النحل من كل ثمرة تشتهيها، حلوة أو مرة، أو بين ذلك.
﴿ فاسلكي سبل ربك ذللا ﴾، أي : فاسلكي الطرق التي ألهمك الله أن تسلكيها، وتدخلي فيها لطلب الثمار، ولا تعسر عليك وإن توعرت، ولا تضلي عن العودة منها وإن بعدت.
وبعد أن خاطب النحل، أخبر الناس بفوائدها ؛ لأن النعمة لأجلهم فقال :
﴿ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ﴾، أي : يخرج من بطونها عسل مختلف الألوان، فتارة يكون أبيض، وأخرى أصفر، وحينا أحمر، بحسب اختلاف المرعى.
﴿ فيه شفاء للناس ﴾، لأنه نافع لكثير من الأمراض، وكثيرا ما يدخل في تركيب العقاقير والأدوية. روى البخاري، ومسلم، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اسقه عسلا "، فسقاه عسلا، ثم جاء فقال : يا رسول الله سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا، قال :" اذهب فاسقه عسلا "، فذهب فسقاه عسلا، ثم جاء فقال : يا رسول الله ما زاده ذلك إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صدق الله، وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا ". فذهب فسقاه عسلا، فبرئ.
وعلل هذا بعض الأطباء الماضين قال : كان لدى هذا الرجل فضلات في المعدة، فلما سقاه عسلا تحللت فأسرعت إلى الخروج فزاد إسهاله، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو فائدة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحلل والدفع، وكلما سقاه حدث مثل هذا، حتى اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن، فاستمسك بطنه، وصلح مزاجه، وزالت الآلام والأسقام بإرشاده عليه السلام.
وروى البخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي ".
وقد أثبت الطب الحديث ما للعسل من فوائد، أدع الكلام فيها ليتولى شرحها النطاسي الكبير المرحوم عبد العزيز إسماعيل باشا، قال في كتابه :" الإسلام والطب الحديث ". ما أصدق الآية الكريمة ! :﴿ فيه شفاء للناس ﴾، إن التركيب الكيماوي للعسل كما يلي :
من ٢٥- ٤٠% دكستروز( جلوكوز ).
٣٠- ٤٥% ليفيلوز.
١٥- ٢٥% ماء.
والجلوكوز الموجود فيه بنسبة أكثر من أي غذاء آخر، وهو سلاح الطبيب في أغلب الأمراض، واستعماله في ازدياد مستمر بتقدم الطب، فيعطى بالفم وبالحقن الشرجية، وتحت الجلد وفي الوريد، ويعطى بصفته مقويا ومغذيا، وضد التسمم الناشئ من مواد خارجية كالزرنيخ والزئبق والذهب والكلوفرم والمورفين الخ، وضد التسمم الناشئ من أمراض أعضاء الجسم، مثل التسمم البولي والناشئ من أمراض الكبد، والاضطرابات المعدية والمعوية، وضد التسمم في الحميات : مثل التيفويد، والالتهاب الرئوي، والسحائي المخي، والحصبة، وفي حالات ضعف القلب، وحالات الذبحة الصدرية، وبصفة خاصة في الارتشاحات العمومية الناشئة من التهابات الكلى الحادة، وفي احتقان المخ، وفي الأورام المخية الخ.
وقد يقال : وما أهمية هذه الآية مع أن كل أنواع الغذاء لها فوائد، وقد ذكر العسل ؛ لأنه غذاء لذيذ الطعم وبطريق المصادفة.
فالحقيقة هي : أن أنواع الغذاء الأخرى لا تستعمل كعلاج إلا فيما ندر من الأمراض ناشئة عن نقصها في الغذاء فقط، وهذه الفواكه التي تشبه العسل في الطعم، فإن السكر الذي فيها هو سكر القصب أو أنواع أخرى، وليس فيها إلا نسبة ضئيلة من ﴿ الجلوكوز ﴾، الذي هو أهم عناصر العسل.
وإذا علمنا أن الجلوكوز يستعمل مع الأنسولين حتى في حالة التسمم الناشئ عن مرض البول السكري – علمنا مقدار فوائده، وأن القرآن الكريم لم يذكره بطريق المصادفة، ولكنه تنزيل ممن خلق الإنسان والنحل، وعلم كلا منهما علاقته بالآخر اه.
كيف يتكون العسل ؟
تمتص الشغالة رحيق الأزهار، فينزل ويجتمع في كيس في بطنها، وهناك يمتزج بعصارة خاصة فيتحول إلى عسل، ولله در أبي العلاء إذ يقول :
والنحل يجني المر من زهر الربا فيعود شهدا في طريق رضابه
ثم تعود النحلة إلى الخلية فتفرز العسل من فمها، في البيوت الشمعية التي خصصت بتخزين العسل، وكلما امتلأ بيت منها غطاه بطبقة من الشمع، وانتقل إلى بيت آخر.
شمع النحل :
تفرز الشغالة صفحات رقيقة صلبة من الشمع، تخرجها من بين حلقات بطنها، ثم تمضغها بفيها حتى تلين، ويسهل تشكلها بحسب ما تريد، فتستعملها في بناء بيوتها السداسية الشكل.
فوائد النحل :
( ١ ) نأخذ منها العسل، الذي هو غذاء لذيذ الطعم، يحوي مقدارا كبيرا من المواد المفيدة للجسم.
( ٢ ) نأخذ منها الشمع الذي تصنع منه شموع الإضاءة.
( ٣ ) تساعد على تلقيح الأزهار ؛ فتكون سببا في زيادة الثمار وجودة نوعها.
﴿ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ﴾، أي : إن في إخراج الله من بطون النحل الشراب المختلف الألوان الذي فيه شفاء للناس – لدلالة واضحة على أن من سخر النحل، وهداها لأكل الثمرات التي تأكلها، واتخاذها البيوت في الجبال والشجر والعروش، وأخرج من بطونها ما أخرج، مما فيه شفاء للناس، هو الواحد القهار الذي ليس كمثله شيء، وأنه لا ينبغي أن يكون له شريك، ولا تصح الألوهية إلا له.
﴿ والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ٧٠ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ٧١ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ﴾ [ النحل : ٧٠ -٧٢ ].
تفسير المفردات : أرذل العمر : أردؤه وأخسه، يقال : رذل الشيء يرذل رذالة : غيره. قال تعالى حكاية عما قاله قوم شعيب له :﴿ واتبعك الأرذلون ﴾ [ الشعراء : ١١١ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عجائب أحوال الحيوان، وما فيها من نعمة للإنسان، كالأنعام التي يتخذ من ضرعها اللبن، والنحل التي يشتار منها العسل، ويؤخذ منها الشمع للإضاءة – أردف ذلك ببيان أحوال الناس، فذكر مراتب أعمارهم، وأن منهم من يموت وهو صغير، ومنهم من يعمّر حتى يصل إلى أرذل العمر، ويصير نسّاء لا يحفظ شيئا، وفي ذلك دليل على كمال قدرة الله ووحدانيته، ثم ثنّى بذكر أعمال أخرى لهم، وهي تفضيل بعضهم على بعض في الرزق، فقد يرى أكيس الناس وأكثرهم عقلا وفهما، يفني عمره في طلب القليل من الدنيا، وقلّ أن يتيسر له، بينا يرى أقلّ الناس علما وفهما تتفتح له أبواب السماء، ويأتيه الرزق من كل صوب، وذلك دليل على أن الأرزاق قد قسمها الخلاق العليم، كما قال :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ]. وقال الشافعي رحمه الله :
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ثم ثلث بذكر نعمة ثالثة عليهم ؛ إذ جعل لهم أزواجا من جنسهم، وجعل لهم من هذه الأزواج بنين وحفدة، ورزقهم المطعومات الطيبة من النبات، كالثمار والحبوب والأشربة، أو من الحيوان على اختلاف أنواعها.
الإيضاح :﴿ والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ﴾، أي : والله أوجدكم ولم تكونوا شيئا، أنتم ولا آلهتكم التي تعبدونها من دون الله، ثم وقت أعماركم بآجال مختلفة، فمنكم من تعجّل وفاته، ومنكم من يهرم ويصير إلى أرذل العمر وأخسه، فتنقص قواه، وتفسد حواسه، ويكون في عقله وقوته كالطفل، كما قال :﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ [ يس : ٦٨ ].
أخرج البخاري وابن مردويه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :" أعوذ بك من البخل والكسل، وأرذل العمر وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات ". وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله أن يرد إلى أرذل العمر، ونقل عن علي كرم الله وجهه، أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة، وهذا ليس بالمطرد ولا بالكثير.
﴿ لكي لا يعلم بعد علم شيئا ﴾، أي : إنما رده إلى أرذل العمر ؛ ليعود جاهلا كما كان حين طفولته وصباه، لا يعلم شيئا مما كان يعلمه في شبابه ؛ لأن الكبر قد أضعف عقله وأنساه، فلا يعلم شيئا مما كان يعلم، وقد انسلخ من عقله بعد أن كان كامل العقل.
وخلاصة ذلك : إنه يكون نسّاء، فإذا كسب علما في شيء لم يلبث أن ينساه ويزول من ساعته، فيقول لك من هذا : فتقول له هذا فلان : فلا يمكث إلا هنيهة، ثم يسألك عنه مرة أخرى.
﴿ إن الله عليم قدير ﴾، أي : إن الله عليم بكل شيء، فيعلم وجه الحكمة في الخلق والتوفي والرد إلى أرذل العمر، ولا ينسى شيئا من ذلك، وهو قدير على كل شيء، فلا يعجزه شيء أراده.
ومجمل القول : إن ما يعرض في الهرم من ضعف القوة والقدرة وانتفاء العلم يتنزه عن مثله المولى جل شأنه، فهو كامل العلم تام القدرة، لا يتغير شيء منهما بمرور الأزمنة، كما يتغير علم البشر وقدرتهم.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عجائب أحوال الحيوان، وما فيها من نعمة للإنسان، كالأنعام التي يتخذ من ضرعها اللبن، والنحل التي يشتار منها العسل، ويؤخذ منها الشمع للإضاءة – أردف ذلك ببيان أحوال الناس، فذكر مراتب أعمارهم، وأن منهم من يموت وهو صغير، ومنهم من يعمّر حتى يصل إلى أرذل العمر، ويصير نسّاء لا يحفظ شيئا، وفي ذلك دليل على كمال قدرة الله ووحدانيته، ثم ثنّى بذكر أعمال أخرى لهم، وهي تفضيل بعضهم على بعض في الرزق، فقد يرى أكيس الناس وأكثرهم عقلا وفهما، يفني عمره في طلب القليل من الدنيا، وقلّ أن يتيسر له، بينا يرى أقلّ الناس علما وفهما تتفتح له أبواب السماء، ويأتيه الرزق من كل صوب، وذلك دليل على أن الأرزاق قد قسمها الخلاق العليم، كما قال :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ]. وقال الشافعي رحمه الله :
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ثم ثلث بذكر نعمة ثالثة عليهم ؛ إذ جعل لهم أزواجا من جنسهم، وجعل لهم من هذه الأزواج بنين وحفدة، ورزقهم المطعومات الطيبة من النبات، كالثمار والحبوب والأشربة، أو من الحيوان على اختلاف أنواعها.
ولما ذكر سبحانه تفاوت الناس في الأعمار ذكر تفاوتهم في الأرزاق فقال :﴿ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ﴾، أي : والله تعالى جعلكم متفاوتين في أرزاقكم، فمنكم الغني ومنكم الفقير، ومنكم المالك، وأعطاكم من الرزق أكثر مما أعطى مماليككم، ولم يجعل ذلك بحسن الحيلة وفضل العقل فحسب، فكثيرا ما نرى الحول القلب لا يحصل إلا على الكفاف من الرزق بعد الجهد الجهيد، بينما نرى الأحمق يتقلب في نعيم العيش وزخرف الدنيا، ولله در سفيان بن عيينة إذ يقول :
كم من قوي قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف
ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط كأنه من خليج البحر يغترف
﴿ فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ﴾، أي : فما الذين فضّلوا بالرزق، وهم : الموالي، بجاعلي رزقهم من الأموال وغيرها – شركة بينهم وبين مماليكهم، بحيث يساوونهم في التصرف فيها، ويشاركونهم في تدبيرها.
والخلاصة : إن الله جعلكم متفاوتين في الرزق، فرزقكم أكثر مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم وإخوانكم، فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، وتتساووا وإياهم في الملبس والمطعم والمسكن، لكنكم لم ترضوا بهذه المساواة، مع أنهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله عز وجل، فما بالكم تشركون بالله فيما يليق إلا به من الألوهية والمعبودية بعض عباده، بل أخس مخلوقاته.
وهذا مثل ضربه الله سبحانه ؛ لبيان قبح ما فعله المشركون من عبادة الأصنام والأوثان تقريعا لهم. ونحو الآية قوله :﴿ هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ﴾ [ الروم : ٢٨ ].
﴿ أفبنعمة الله يجحدون ﴾، إذا أضافوا بعض تلك النعم الفائضة عليهم من مولاهم إلى شركائهم، وجعلوها أندادا، وهي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.
تفسير المفردات : والحفدة : أولاد الأولاد، على ما روي عن الحسن والأزهري، وواحدهم حافد، ككتبة وكاتب : من الحفد، وهو الخفة في الخدمة والعمل، يقال : منه حفد وحفودا وحفدانا : إذا أسرع، كما جاء في القنوت :( وإليك نسعى ونحفد ). والطيبات : اللذائذ. والمراد بالباطل : منفعة الأصنام وبركتها ؟
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عجائب أحوال الحيوان، وما فيها من نعمة للإنسان، كالأنعام التي يتخذ من ضرعها اللبن، والنحل التي يشتار منها العسل، ويؤخذ منها الشمع للإضاءة – أردف ذلك ببيان أحوال الناس، فذكر مراتب أعمارهم، وأن منهم من يموت وهو صغير، ومنهم من يعمّر حتى يصل إلى أرذل العمر، ويصير نسّاء لا يحفظ شيئا، وفي ذلك دليل على كمال قدرة الله ووحدانيته، ثم ثنّى بذكر أعمال أخرى لهم، وهي تفضيل بعضهم على بعض في الرزق، فقد يرى أكيس الناس وأكثرهم عقلا وفهما، يفني عمره في طلب القليل من الدنيا، وقلّ أن يتيسر له، بينا يرى أقلّ الناس علما وفهما تتفتح له أبواب السماء، ويأتيه الرزق من كل صوب، وذلك دليل على أن الأرزاق قد قسمها الخلاق العليم، كما قال :﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ]. وقال الشافعي رحمه الله :
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ثم ثلث بذكر نعمة ثالثة عليهم ؛ إذ جعل لهم أزواجا من جنسهم، وجعل لهم من هذه الأزواج بنين وحفدة، ورزقهم المطعومات الطيبة من النبات، كالثمار والحبوب والأشربة، أو من الحيوان على اختلاف أنواعها.
الإيضاح : ثم ذكر ضروبا أخرى من ضروب نعمه على عباده تنبيها إلى جليل إنعامه بها ؛ إذ هي زينة الحياة فقال :﴿ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ﴾، أي : والله سبحانه جعل لكم أزواجا من جنسكم، تأنسون بهن، وتقوم بهن جميع مصالحكم، وعليهن تدبير معايشكم، وجعل لكم منهن بنين وحفدة، أي : أولاد الأولاد يكونون زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهم التفاخر والتناصر والمساعدة لدى البأساء والضراء.
﴿ ورزقكم من الطيبات ﴾، أي : ورزقكم من لذيذ المطاعم والمشارب، وجميل الملابس والمساكن ما تنتفعون به إلى أقصى الحدود وأبعد الغايات.
﴿ أفبالباطل يؤمنون ﴾، أي : أفهم بعد هذا البيان الواضح، والدليل الظاهر، يوقنون بأن الأصنام شركاء لربهم، ينفعونهم ويضرونهم ويشفعون لهم عنده، وأن البحائر والسوائب والوصائل حرام عليهم، كما حرمها لهم أولياء الشيطان ؟
وليس بعد هذا تأنيب وتوبيخ ؛ إذ ساقه مساق ما فيه الشك، وطلب منهم الجواب عنه.
﴿ وبنعمة الله هم يكفرون ﴾، أي : وهم بهذه النعم المتظاهرة عليهم من ربهم يكفرون، فيضيفونها إلى غير الخالق، وينسبونها إلى غير موجدها من صنم أو وثن ؟.
﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ٧٣ فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ٧٤ * ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ٧٥ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ﴾[ النحل : ٧٣ -٧٦ ].
تفسير المفردات : رزق السماء : المطر. ورزق الأرض : النبات والثمار التي تخرج منها.
المعنى الجملي : بعد أن بين عزت قدرته دلائل التوحيد البيان الشافي فيما سلف –أردف ذلك الرد على عابدي الأوثان والأصنام، فضرب لذلك مثلين يؤكد بهما إبطال عبادتها : ، أولهما : العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والحر الكريم الغني الإنفاق سرا وجهرا، ولفت النظر إلى أنهما : هل يكونان في نظر العقل سواء مع تساويهما في الخلق والصورة البشرية ؟ وإذا امتنع ذلك فكيف ينبغي أن يسوى بين القادر على الرزق والإفضال، والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على النفع والضر.
والثاني : مثل رجلين : أحدهما : أبكم عاجز لا يقدر على تحصيل خير وهو عبء ثقيل على سيده، وثانيهما : حوّل قلّب ناطق كامل القدرة، أيستويان لدى أرباب الفكر مع استوائهما في البشرية ؟ وإذا فكيف يدور بخلد عاقل مساواة الجماد برب العالمين في الألوهية والعبادة ؟
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، ومولى له كافر يسمى أسيد ابن أبي العاص، كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان المولى ينهاه عن الصدقة والمعروف.
الإيضاح :﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ﴾، أي : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه أوثانا لا تملك لهم رزقا من السماوات، فلا تقدر على إنزال القطر منها لإحياء الميت من الأرضين، ولا تملك لهم رزقا منها، فلا تقدر على إخراج شيء من نباتها ولا ثمارها، ولا على شيء مما ذكر في سالف الآيات مما أنعم الله به على عباده، ولا يستطيعون أن يملكوا ذلك ولا يمكنهم.
وفائدة قوله :﴿ ولا يستطيعون ﴾، أن من لا يملك شيئا قد يكون في استطاعته أن يتملكه بوجه، فبين بذلك أن هذه الأصنام لا تملك، وليس في استطاعتها تحصيل الملك.
تفسير المفردات :﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾، أي : لا تجعلوا له الأنداد والنظراء، فهو كقوله :﴿ لا تجعلوا لله أندادا ﴾ [ البقرة : ٢٢ ]، وضرب المثل للشيء : ذكر الشبيه له، ليوضح حاله المبهمة، ويزيل ما عرض من الشك في أمره.
المعنى الجملي : بعد أن بين عزت قدرته دلائل التوحيد البيان الشافي فيما سلف –أردف ذلك الرد على عابدي الأوثان والأصنام، فضرب لذلك مثلين يؤكد بهما إبطال عبادتها : ، أولهما : العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والحر الكريم الغني الإنفاق سرا وجهرا، ولفت النظر إلى أنهما : هل يكونان في نظر العقل سواء مع تساويهما في الخلق والصورة البشرية ؟ وإذا امتنع ذلك فكيف ينبغي أن يسوى بين القادر على الرزق والإفضال، والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على النفع والضر.
والثاني : مثل رجلين : أحدهما : أبكم عاجز لا يقدر على تحصيل خير وهو عبء ثقيل على سيده، وثانيهما : حوّل قلّب ناطق كامل القدرة، أيستويان لدى أرباب الفكر مع استوائهما في البشرية ؟ وإذا فكيف يدور بخلد عاقل مساواة الجماد برب العالمين في الألوهية والعبادة ؟
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، ومولى له كافر يسمى أسيد ابن أبي العاص، كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان المولى ينهاه عن الصدقة والمعروف.
الإيضاح : وبعد أن بين ضعفها وعجزها، رتب على ذلك ما هو كالنتيجة له فقال :
﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾، أي : فلا تجعلوا لله مثلا ولا تشبهوه بخلقه، فإنه لا مثل له ولا شبيه.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، أنه قال في الآية : أي : لا تجعلوا معي إلها غيري، فإنه لا إله غيري.
ثم هددهم على عظيم جرمهم، وكبير ما اجترحوا من الكفر والمعاصي فقال :
﴿ إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾، أي : إن الله يعلم كنه ما تفعلون من الإجرام وعظيم الآثام، وهو معاقبكم عليه أشد العقاب، وأنتم لا تعلمون حقيقته ولا مقدار عقابه، ومن ثم صدر ذلك منكم، وتجاسرتم عليه، ونسبتم إلى الأصنام ما لم يصدر منها، ولا هي منه في قليل ولا كثير.
المعنى الجملي : بعد أن بين عزت قدرته دلائل التوحيد البيان الشافي فيما سلف –أردف ذلك الرد على عابدي الأوثان والأصنام، فضرب لذلك مثلين يؤكد بهما إبطال عبادتها : ، أولهما : العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والحر الكريم الغني الإنفاق سرا وجهرا، ولفت النظر إلى أنهما : هل يكونان في نظر العقل سواء مع تساويهما في الخلق والصورة البشرية ؟ وإذا امتنع ذلك فكيف ينبغي أن يسوى بين القادر على الرزق والإفضال، والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على النفع والضر.
والثاني : مثل رجلين : أحدهما : أبكم عاجز لا يقدر على تحصيل خير وهو عبء ثقيل على سيده، وثانيهما : حوّل قلّب ناطق كامل القدرة، أيستويان لدى أرباب الفكر مع استوائهما في البشرية ؟ وإذا فكيف يدور بخلد عاقل مساواة الجماد برب العالمين في الألوهية والعبادة ؟
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، ومولى له كافر يسمى أسيد ابن أبي العاص، كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان المولى ينهاه عن الصدقة والمعروف.
وبعد أن نهاهم سبحانه عن الإشراك أعقبه بمثل يكشف عن فساد ما ارتكبوه من الحماقات والجهالات فقال :
﴿ ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون ﴾ أي إن مثلكم في إشراككم بالله الأوثان، مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف، وحرّ مالك مالا ينفق منه كيف يشاء، ويتصرف فيه كما يريد، والفطرة الأولى تشهد بأنهما ليسا سواء في التجلة والاحترام، مع استوائهما في الخلق والصورة – فكذلك لا ينبغي لعاقل أن يسوي بين الإله القادر على الرزق والإفضال والأصنام التي لا تلمك ولا تقدر على شيء البتة.
ثم ذكر ما هو كالنتيجة لما سلف فقال :
﴿ الحمد لله أكثرهم لا يعلمون ﴾ أي الحمد الكامل لله خالصا دون ما تدعون من دونه الأوثان، فإياه فاحمدوا دونها، ما الأمر كما تفعلون، ولا القول كما تقولون، فليس للأوثان عندكم من يد ولا معروف فتحمد عليه، إنما الحمد لله، ولكن أكثر هؤلاء الكفار الذين يعبدونها لا يعلمون أن ذلك كذلك، فهم بجهلهم بما يأتون وما يذرون يجعلونها لله شركاء في العبادة والحمد.
تفسير المفردات : والبكم : الخرس، وهو إما ناشئ من صمم خلقي، وإما لسبب عارض ولا علة في أذنيه، فهو يسمع، لكن لسانه معتقل لا يطيق الكلام، فكل من ولد غير سميع فهو أبكم ؛ لأن الكلام بعد السماع، ولا سماع له، وليس كل أبكم يكون أصم صمما طبيعيا، فإن بعض البكم لا يكونون صما. والكل : الغليظ الثقيل، من قولهم : كلت السكين، إذا غلظت شفرتها فلم تقطع. وكل عن الأمر : ثقل عليه فلم يستطع عمله. يوجهه : أي : يرسله في وجه معين من الطريق، يقال : وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه. على صراط مستقيم : أي طريق عادل غير جائر.
المعنى الجملي : بعد أن بين عزت قدرته دلائل التوحيد البيان الشافي فيما سلف –أردف ذلك الرد على عابدي الأوثان والأصنام، فضرب لذلك مثلين يؤكد بهما إبطال عبادتها : ، أولهما : العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والحر الكريم الغني الإنفاق سرا وجهرا، ولفت النظر إلى أنهما : هل يكونان في نظر العقل سواء مع تساويهما في الخلق والصورة البشرية ؟ وإذا امتنع ذلك فكيف ينبغي أن يسوى بين القادر على الرزق والإفضال، والأصنام التي لا تملك ولا تقدر على النفع والضر.
والثاني : مثل رجلين : أحدهما : أبكم عاجز لا يقدر على تحصيل خير وهو عبء ثقيل على سيده، وثانيهما : حوّل قلّب ناطق كامل القدرة، أيستويان لدى أرباب الفكر مع استوائهما في البشرية ؟ وإذا فكيف يدور بخلد عاقل مساواة الجماد برب العالمين في الألوهية والعبادة ؟
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، ومولى له كافر يسمى أسيد ابن أبي العاص، كان يكره الإسلام، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤونة، وكان المولى ينهاه عن الصدقة والمعروف.
الإيضاح : ثم ضرب مثلا آخر يدل عليه المثل السابق على وجه أظهر وأوضح فقال :﴿ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ﴾، أي : ضرب الله مثلا لنفسه والآلهة التي يعبدونها من دونه مثل رجلين أحدهما أخرس أصم لا يَفهم ولا يُفهم، فلا يقدر على شيء مما يتعلق بنفسه أو بغيره، وهو عيال على من يعوله ويلي أمره، حيثما يرسله مولاه في أمر لا يأت بنجح ولا كفاية مهمّ – وثانيهما رجل سليم الحواس عاقل ينفع نفسه وينفع غيره، يأمر الناس بالعدل وهو على سيرة صالحة ودين قويم – هل يستويان ؟
كذلك الصم لا يسمع شيئا ولا ينطق ؛ لأنه إما خشب منحوت، وإما نحاس مصنوع، لا يقدر على نفع من خدمة، ولا دفع ضر عنه، وهو كلّ على من يعبده، يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه، وهو لا يعقل ما يقال له فيأتمر بالأمر، ولا ينطق فيأمر وينهى، هل يستوي هو ومن يأمر بالحق ويدعو إليه، وهو الله الواحد القهار الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته ! وهو مع أمره بالعدل على طريق مستقيم، لا يعوج عن الحق ولا يزول عنه.
﴿ ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ٧٧ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ٧٨ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾ [ النحل : ٧٧ -٧٩ ].
تفسير المفردات : الساعة : الوقت الذي تقوم فيه القيامة، سميت بذلك ؛ لأنها تفجأ الإنسان في ساعة ما، فيموت الخلق بصيحة واحدة. ولمح البصر : رجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها.
المعنى الجملي : بعد أن مثل سبحانه نفسه بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومستحيل أن يكون كذلك إلا إذا كان كامل العلم والقدرة –، أردف ذلك ما يدل على كمال علمه، فأبان أن العلم بغيوب السماوات والأرض ليس إلا له، وما يدل على كمال قدرته، فذكر أن قيام الساعة في السرعة كلمح البصر أو أقرب، ثم عاد إلى ذكر الدلائل على توحيده، وأنه الفاعل المختار، فذكر منها خلق الإنسان في أطواره المختلفة، ثم الطير المسخر بين السماء والأرض، وكيف جعله يطير بجناحين في جو السماء، ما يمسكه إلا هو بكامل قدرته.
الإيضاح :﴿ ولله غيب السماوات والأرض ﴾، أي : ولله علم ما غاب عن أبصاركم في السماوات والأرض، مما لا اطلاع لأحد عليه إلا أن يطلعه الله، والمراد به جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين التي لا سبيل إلى إدراكها حسا، ولا إلى فهمها عقلا.
﴿ وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ﴾، أي : وما شأنها في سرعة المجيء إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، أو هو أقرب من هذا وأشرع ؛ لأنه إنما يكون بقول ﴿ كن فيكون ﴾. ونحو الآية قوله :﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ﴾ [ القمر : ٥٠ ]، أي : فيكون ما يريد كطرف العين. وقريب من هذا قوله :﴿ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ﴾ [ لقمان : ٢٨ ].
والخلاصة : إن قيام القيامة ومجيء الساعة التي ينتشر فيها الخلق للوقوف في موقف الحساب –، كنظرة من البصر، وطرفة من العين في السرعة. وخص قيام الساعة من بين الغيوب ؛ لأنه قد كثرت فيه المماراة في جميع الأزمنة والعصور، ولدى كثير من الأمم، فأنكره كثير من البشر وجعلوه مما لا يدخل في باب الممكنات.
ثم ذكر ما هو كالبرهان على إمكان حدوثها وسرعة وقوعها فقال :﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾، أي : إن الله قادر على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، فهو قادر على إقامتها في أقرب من لمح البصر.
تفسير المفردات : والأفئدة واحدها فؤاد : وهي القلوب التي هيأها الله للفهم وإصلاح البدن.
المعنى الجملي : بعد أن مثل سبحانه نفسه بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومستحيل أن يكون كذلك إلا إذا كان كامل العلم والقدرة –، أردف ذلك ما يدل على كمال علمه، فأبان أن العلم بغيوب السماوات والأرض ليس إلا له، وما يدل على كمال قدرته، فذكر أن قيام الساعة في السرعة كلمح البصر أو أقرب، ثم عاد إلى ذكر الدلائل على توحيده، وأنه الفاعل المختار، فذكر منها خلق الإنسان في أطواره المختلفة، ثم الطير المسخر بين السماء والأرض، وكيف جعله يطير بجناحين في جو السماء، ما يمسكه إلا هو بكامل قدرته.
الإيضاح : ثم ذكر سبحانه مننه على عباده بإخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، ثم رزقهم السمع والأبصار والأفئدة، فقال :﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ﴾، أي : والله جعلكم تعلمون ما لا تعلمون بعد أن أخرجكم من بطون أمهاتكم، فرزقكم عقولا تفقهون بها، وتميزون الخير والشر، والهدى من الضلال، والخطأ من الصواب، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به فيما بينكم، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها، وتميزون بعضها من بعض، والأشياء التي تحتاجون إليها في هذه الحياة، فتعرفون السبل، وتسلكونها للسعي على الأرزاق والسلع ؛ لتختاروا الجيد وتتركوا الرديء، وهكذا جميع مرافق الحياة ووجوهها.
﴿ لعلكم تشكرون ﴾، أي : رجاء أن تشكروه باستعمال نعمه فيما خلقت لأجله، وتتمكنوا بها من عبادته تعالى، وتستعينوا بكل جارحة وعضو على طاعته.
روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يقول الله تعالى : من عادى لي وليّا فقد بارزني بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذ بي لأعيذنّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه "، أي : إن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل، فلا يسمع إلا لله، ولا يبصر إلا لله، أي : لما شرعه الله له، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعته عز وجل، مستعينا به في ذلك كله.
تفسير المفردات : والجو : الهواء بين الأرض والسماء.
المعنى الجملي : بعد أن مثل سبحانه نفسه بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومستحيل أن يكون كذلك إلا إذا كان كامل العلم والقدرة –، أردف ذلك ما يدل على كمال علمه، فأبان أن العلم بغيوب السماوات والأرض ليس إلا له، وما يدل على كمال قدرته، فذكر أن قيام الساعة في السرعة كلمح البصر أو أقرب، ثم عاد إلى ذكر الدلائل على توحيده، وأنه الفاعل المختار، فذكر منها خلق الإنسان في أطواره المختلفة، ثم الطير المسخر بين السماء والأرض، وكيف جعله يطير بجناحين في جو السماء، ما يمسكه إلا هو بكامل قدرته.
الإيضاح : ثم نبه عباده إلى دليل آخر على كمال قدرته فقال :﴿ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله ﴾، أي : ألم ينظروا إلى الطير مذللات في الهواء بين السماء والأرض، ما يمسكهن في الجو عن الوقوع إلا الله عز وجل بقدرته الواسعة، وقد كان في ثقل أجسادها، ورقة الهواء ما يقتضي وقوعها، إذ لا علاقة من فوقها، ولا دعامة من تحتها، ولو سلبها ما أعطاها من قوة الطيران، لم تقدر على النهوض ارتفاعا.
وقد كان العلماء قديما يعلمون تخلخل الهواء في الطبقات العالية في الجو، وهي نظرية لم تدرس في العلوم الطبيعية إلا حديثا، فقد أثر عن كعب الأحبار أنه قال : عن الطير يرتفع في الجو اثني عشر ميلا، ولا يرتفع فوق ذلك.
﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ﴾، أي : إن في ذلك التسخير في الجو والإمساك فيه –لدلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه لا حظّ للأوثان والأصنام في الألوهية – لمن يؤمن بالله، ويقرّ بوجدان ما تعانيه أبصارهم، وتحسه حواسهم.
وخصص هذه الآيات بالمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وإن كانت هي آيات لجميع العقلاء.
﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ٨٠ والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ٨١ فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ٨٢ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون ﴾ [ النحل : ٨٠ -٨٣ ].
تفسير المفردات : سكنا : أي مسكنا. والظعن ﴿ بالسكون والفتح ﴾ : السير في البادية لنجعة أو طلب ماء أو مرتع. والأصواف : للضأن، والأوبار : للإبل، والأشعار : للمعز. والأثاث : متاع البيت، كالفرش والثياب وغيرها، ولا واحد له من لفظه. والمتاع : ما يتمتع وينتفع به في المتجر والمعاش. إلى حين : أي : إلى انقضاء آجالكم.
المعنى الجملي : بعد أن أقام سبحانه الأدلة على توحيده، قفى على ذلك بذكر ما أنعم به على عباده، فجعل لهم بيوتا يأوون إليها وتكون سكنا لهم، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتا يستخفون حملها في أسفارهم، ويجعلونها خياما في السفر والحضر، وجعل لهم في الجبال الحصون والمعاقل، وجعل لهم الثياب التي تقيهم الحر، والدروع والجواشن من الحديد ؛ لتقي بعضهم أذى بعض في الحرب.
وقصارى هذا : إنه امتن على عباده، فبدأ بما يخص المقيمين بقوله :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، ثم بما يخص المسافرين منهم ممن لهم قدرة على ضرب الخيام بقوله :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ﴾، ثم بمن لا قدرة لهم على ذلك ولا يأويهم إلا بالظلال بقوله :﴿ وجعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، ثم بما لا بد منه لكل أحد بقوله :﴿ وجعل لكم سرابيل ﴾ الخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب بقوله :﴿ وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾.
الإيضاح :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، أي : والله الذي جعل لكم من بيوتكم التي هي من الحجر والمدر مسكنا تقيمون فيه وأنتم في الحضر.
﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ﴾، أي : وجعل لكم قبابا وفساطيط من شعر الأنعام وأصوافها وأوبارها، تستخفون حملها يوم ترحالكم من دوركم وبلادكم وحين إقامتكم بها.
﴿ ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ﴾، أي : وجعل لكم من أصواف الضأن وأوبار الإبل وأشعار المعز أثاثا لبيوتكم تكتسون به وتستعملونه في الغطاء والفراش، ومتاعا من مال وتجارة إلى أجل مسمى، وهو حين انقضاء آجالكم.
تفسير المفردات : والظلال : ما يستظل به من الغمام والشجر والجبال وغيرها. والأكنان واحدها كِنّ : وهو الغار ونحوه في الجبل. والسرابيل واحدها سربال : وهو القميص من القطن والكتّان والصوف وغيرها، وسرابيل الحرب الجواشن والدروع. والبأس : الشدة ويراد به هنا الحرب.
المعنى الجملي : بعد أن أقام سبحانه الأدلة على توحيده، قفى على ذلك بذكر ما أنعم به على عباده، فجعل لهم بيوتا يأوون إليها وتكون سكنا لهم، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتا يستخفون حملها في أسفارهم، ويجعلونها خياما في السفر والحضر، وجعل لهم في الجبال الحصون والمعاقل، وجعل لهم الثياب التي تقيهم الحر، والدروع والجواشن من الحديد ؛ لتقي بعضهم أذى بعض في الحرب.
وقصارى هذا : إنه امتن على عباده، فبدأ بما يخص المقيمين بقوله :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، ثم بما يخص المسافرين منهم ممن لهم قدرة على ضرب الخيام بقوله :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ﴾، ثم بمن لا قدرة لهم على ذلك ولا يأويهم إلا بالظلال بقوله :﴿ وجعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، ثم بما لا بد منه لكل أحد بقوله :﴿ وجعل لكم سرابيل ﴾ الخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب بقوله :﴿ وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾.
الإيضاح :﴿ والله جعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، أي : ومن نعمه تعالى عليكم أن جعل لكم مما خلق الأشجار وغيرها ظلالا تستظلون بها من شديد الحر.
﴿ وجعل لكم من الجبال أكنانا ﴾، أي : وجعل لكم من الجبال مواضع تستكنون فيها، كالمغارات والكهوف ونحوها.
﴿ وجعل لكم سرابيل تقيكم من الحر ﴾، أي : وجعل لكم ثيابا من القطن والكتان والصوف ونحوها، تقيكم الحر الشديد الذي في بلادكم، وهو مما يذيب دماغ الضبّ حين حمارّة القيظ.
﴿ وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾، أي : وجعل لكم دروعا وجواشن تقيكم بأس السلاح وأذاه حين الحرب، وحين يتقدم القرن إلى قرنه للمصاولة والطعن والضرب والرمي بالنبال.
تنبيه : لما كانت بلاد العرب شديدة الحر وحاجتهم إلى الظل ألزم، ذكر هذا في معرض النعم العظيمة، إلى أن ما يقي من الحر يقي من البرد أيضا، فكان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
قال الشهاب الخفاجي في الريحانة : في الآية نكتة لطيفة لم ينبهوا عليها، وهي أنه إنما اقتصر على الحر ؛ لأنه أهم هنا لما عرف من غلبة الحر على ديار العرب، ثم إن ما يقي الحر يحصل به برودة في الهواء في الجملة، فوقاية الحر إنما هي لتحصيل البرد، وهذا من اللطف ما هو ألطف من النسيم، فلله در التنزيل فكم فيه من أسرار لا تتناهى اه.
﴿ كذلك يتم نعمته عليكم ﴾، أي : كما خلق هذه الأشياء لكم، وأنعم بها عليكم، يتم نعمة الدنيا والدين عليكم، ويجعلكم ملوكا وأمراء فيما تفتحون من البلاد والأصقاع، ويجعل رائدكم فيما تعلمون وجه الله وإصلاح الأمم والشعوب، كما قال :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ﴾ [ النور : ٥٥ ].
﴿ لعلكم تسلمون ﴾، أي : توقعا للنظر فيما أسبغ عليكم من النعم، فتعرفون حقّ المنعم بها، فتؤمنون به وحده، وتذرون ما أنتم به مشركون، فتسلمون من عذابه، فإن العاقل إذا أسدي إليه المعروف شكر من أنعم به عليه، كما قال المتنبي :
وقيدت نفسي في دراك محبّة ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا
المعنى الجملي : بعد أن أقام سبحانه الأدلة على توحيده، قفى على ذلك بذكر ما أنعم به على عباده، فجعل لهم بيوتا يأوون إليها وتكون سكنا لهم، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتا يستخفون حملها في أسفارهم، ويجعلونها خياما في السفر والحضر، وجعل لهم في الجبال الحصون والمعاقل، وجعل لهم الثياب التي تقيهم الحر، والدروع والجواشن من الحديد ؛ لتقي بعضهم أذى بعض في الحرب.
وقصارى هذا : إنه امتن على عباده، فبدأ بما يخص المقيمين بقوله :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، ثم بما يخص المسافرين منهم ممن لهم قدرة على ضرب الخيام بقوله :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ﴾، ثم بمن لا قدرة لهم على ذلك ولا يأويهم إلا بالظلال بقوله :﴿ وجعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، ثم بما لا بد منه لكل أحد بقوله :﴿ وجعل لكم سرابيل ﴾ الخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب بقوله :﴿ وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾.
وبعد أن عدد ما أنعم به عليهم من النعم، ذكر ما يتّبع معهم إذا هم أصروا على عنادهم واستكبارهم، ولم تنفعهم الذكرى فقال :﴿ فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ﴾، أي : فإن استمروا على إعراضهم، ولم يقبلوا ما ألقي إليهم من البينات، فلا يضيرك ذلك، ولا يبخع نفسك عليهم أسى وحسرة، فإنك قد أديت رسالتك كاملة غير منقوصة، وما هي إلا البلاغ الموضح لمقاصد الدين وبيان أسراره وحكمه، وقد فعلته بما لا مزيد عليه.
وجملة القول : إنهم إن أعرضوا وتولوا فلست بقادر على خلق الإيمان في قلوبهم، فإنما عليك البلاغ فحسب.
المعنى الجملي : بعد أن أقام سبحانه الأدلة على توحيده، قفى على ذلك بذكر ما أنعم به على عباده، فجعل لهم بيوتا يأوون إليها وتكون سكنا لهم، وجعل لهم من جلود الأنعام بيوتا يستخفون حملها في أسفارهم، ويجعلونها خياما في السفر والحضر، وجعل لهم في الجبال الحصون والمعاقل، وجعل لهم الثياب التي تقيهم الحر، والدروع والجواشن من الحديد ؛ لتقي بعضهم أذى بعض في الحرب.
وقصارى هذا : إنه امتن على عباده، فبدأ بما يخص المقيمين بقوله :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، ثم بما يخص المسافرين منهم ممن لهم قدرة على ضرب الخيام بقوله :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ﴾، ثم بمن لا قدرة لهم على ذلك ولا يأويهم إلا بالظلال بقوله :﴿ وجعل لكم مما خلق ظلالا ﴾، ثم بما لا بد منه لكل أحد بقوله :﴿ وجعل لكم سرابيل ﴾ الخ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب بقوله :﴿ وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾.
ثم بين أن سبب هذا التولي والإعراض لم يكن الجهل بهذه النعم بل كان العتوّ والاستكبار والإنكار لها، فقال :﴿ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ﴾، أي : إنهم يعرفون أن هذه النعم كلها من الله، ثم هم ينكرونها بأفعالهم، إذ لم يخصّوا المنعم بها بالعبادة والشكر، بل شكروا غيره معه، إذ قالوا : إن هذه النعم إنما حصلت بشفاعة هذه الأصنام.
﴿ وأكثرهم الكافرون ﴾، أي : إن أكثرهم جاحد معاند يعلم صدق الرسول ولا يؤمن به عتوا واستكبارا، وقليل : منهم كان يجهل صدقه ولم يظهر له كونه نبيا حقا من عند الله ؛ لأنه لم ينظر في الأدلة النظر الصحيح الذي يؤدي إلى الغاية، أو لم يعرف الحق لنقص في العقل فهو لا يسلك سبيله، أو لم يصل إلى حد التكليف، فلا تقوم عليه حجة.
وهذا من صادق أحكام القرآن على الأمم والشعوب، فهو لا يرسل القول إرسالا، بل يزنه بميزان الحقيقة الواقعة التي لا تجانف الصواب، وليس فيها جور ولا ظلم.
﴿ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ٨٤ وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون ٨٥ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ٨٦ وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون ٨٧ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ٨٨ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾ [ لنحل : ٨٤ -٧٩ ]
تفسير المفردات : الأمة : الجيل من الناس، وشهيد كل أمة نبيها. ثم لا يؤذن للذين كفروا : أي إنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم. ويقال استعتبه وأعتبه : إذا رضي عنه، قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ؛ وعاتبه معاتبة وعتابا وأعتبه : سره بعد ما ساءه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
الإيضاح :﴿ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ﴾، أي : وخوّف الرسول هؤلاء المشركين يوم نبعث من كل أمة شاهدا عليها بما أجابت داعي الله، وهو رسولها الذي أرسل إليها، إما بالإيمان وطاعة الله، وإما بالكفر والعصيان.
﴿ ثم لا يؤذن للذين كفروا ﴾، أي : ثم لا يسمع كلام الكافرين بعد شهادة أنبيائهم ولا يلتفت إليه، إذ في تلك الشهادة ما يكفي للفصل في أمرهم والقضاء عليهم، والله عليم بما كانوا يفعلون، ولكن في تلك الشهادة تأنيب لهم وتوبيخ على ما اجترحوا من الفسوق والعصيان والكفر بربهم الذي أنعم عليهم.
ونحو الآية قوله :﴿ هذا يوم لا ينطقون ٣٥ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ﴾ [ المرسلات : ٣٥ -٣٦ ].
﴿ ولا هم يستعتبون ﴾، أي : ولا يطلب منهم أن يزيلوا عتب ربهم، أي : غضبه بالتوبة وصالح العمل، فالآخرة دار جزاء لا دار عمل، والرجوع إلى الدنيا مما لا يكون بحال.
تفسير المفردات : ينظرون : أي : يمهلون ويؤخرون.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
الإيضاح :﴿ وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون ﴾، أي : وإذا عاين هؤلاء الذين كذبوا وجحدوا نبوّة الأنبياء، وهم من كانوا على نهج قومك من المشركين – عذاب الله، فلا ينجيهم منه شيء، إذ لا يؤذن لهم بالاعتذار فيعتذرون، فيخفف عنهم بهذا العذر الذي يدعون، ولا يرجئون بالعقاب ؛ لأن وقت التوبة والإنابة قد فات، وإنما وقت الجزاء على الأعمال، ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره٧ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾ [ الزلزلة : ٧ -٨ ].
ونحو الآية قوله :﴿ ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ﴾ [ الكهف : ٥٣ ]، وقوله :﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ١٢ وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ١٣ لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ﴾[ الفرقان : ١٢ -١٤ ] الثبور : الهلاك.
تفسير المفردات : والشركاء : الأصنام والأوثان والملائكة. وندعو : نعبد.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
الإيضاح : ثم أخبر عن إلقاء المشركين تبعة أعمالهم على معبوداتهم فقال :﴿ وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ﴾، أي : وإذا رأى هؤلاء المشركون بالله يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دونه من الأوثان والآلهة التي عبدوها –، قالوا : هؤلاء شركاؤنا في الكفر بك، والذين كنا ندعوهم آلهة من دونك، وربما يكونون قد قالوا هذه المقالة طمعا في توزيع العذاب بينهم، أو إحالة الذنب عليهم تعللا بذلك واسترواحا، مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة، ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه.
ثم ذكر تبرأ آلهتهم منهم، وهو أحوج ما يكونون إلى نصرتهم لو كانوا ينصرون. ﴿ فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ﴾، أي : قالت لهم الآلهة : كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا، ونحو الآية قوله :﴿ ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ٥ وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ﴾ [ الأحقاف : ٥ -٦ ]، وقوله :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ٨١ كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ﴾ [ مريم : ٨٢ -٨٣ ].
تفسير المفردات : والسلم : الاستسلام والانقياد. وضلّ : ضاع وبطل. والمراد بهؤلاء : أمته الحاضر منهم عصر التنزيل، ومن بعدهم إلى يوم القيامة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
الإيضاح :﴿ وألقوا إلى الله يومئذ السلم ﴾، أي : واستسلم العابد والمعبود لله، فلا أحد إلا وهو سامع مطيع، ونحو الآية قوله :﴿ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ﴾ [ مريم : ٣٨ ]، أي : ما أسمعهم وأبصرهم حينئذ، وقوله :﴿ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا ﴾ [ السجدة : ١٢ ]، وقوله :﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ [ طه : ١١١ ]، أي : خضعت واستسلمت.
﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾، أي : وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه افتراء على الله، فلا ناصر لهم ولا معين ولا شفيع ولا وليّ مما كانوا يزعمونه في الدنيا، كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴾ [ يونس : ١٨ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
وبعد أن ذكر عذاب المضادين، بيّن عذاب الضالين المضلين فقال :﴿ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ﴾، أي : الذين جحدوا نبوّتك، وكذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وصدوا عن الإيمان بالله ورسوله من أراده، زدناهم عذابا فوق عذابهم الذي يستحقونه بكفرهم، بسبب استمرارهم على الإفساد بالصد عن سبيل الله.
وخلاصة ذلك : إنهم يعذبون عذابين : عذابا على الكفر، وعذابا على الإضلال وصد الناس عن اتباع الحق.
ونحو الآية قوله :﴿ وهم ينهون عنه ينئون عنه ﴾ [ الأنعام : ٢٦ ]، أي : وهم ينهون الناس عن اتباعه، وهم يبتعدون منه أيضا، روى الحاكم والبيهقي وغيرهما، عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إن أهل النار إذا جزعوا من حرها، استغاثوا بضحضاح في النار، فإذا أتوه، تلقاهم عقارب كأنهم البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتيّ – ضخام الإبل- تضربهم فذلك زيادة ".
وفي الآية دليل على تفاوت الكفّار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم فيها.
تفسير المفردات : وتبيانا : أي : بيانا لأمور الدين، إما نصا فيها، أو بيان الرسول، واستنباط العلماء المجتهدين في كل عصر.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال هؤلاء المشركين وأنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها – قفى على ذلك بوعيدهم، فذكر حالهم يوم القيامة، وأنهم يكونون أذلاء لا يؤذن لهم في الكلام لتبرئة أنفسهم ولا يمهلون، بل يؤخذون إلى العذاب بلا تأخير، وإذا رأوا معبوداتهم من الأصنام والأوثان والملائكة والآدميين قالوا هؤلاء معبوداتنا، فكذبتهم تلك المعبودات، واستسلموا لربهم، وانقادوا له، وبطل ما كانوا يفترونه، ثم ذكر ذلك اليوم وهوله وما منح نبيه من الشرف العظيم وأنه أنزل الكتاب، ليبين للناس ما أشكل عليهم من مصالح دينهم ودنياهم، ويهديهم سواء السبيل، وفيه البشرى للمؤمنين بجنات النعيم.
الإيضاح : ثم خاطب سبحانه عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فقال :﴿ ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ﴾، أي : واذكر أيها الرسول ذلك اليوم وهوله يوم يبعث الله نبي كل أمة شاهدا عليهم، فيكون أقطع للمعذرة، وأظهر في إتمام الحجة عليهم، وجئنا بك شهيدا على أمتك، بما أجابوك، وبما عملوا فيما أرسلتك به إليهم.
وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء، فلما وصل إلى قوله :﴿ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ [ النساء : ٤١ ]، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حسبك ". فقال ابن مسعود : فالتفتّ فإذا عيناه تذرفان.
ثم ذكر ما تفضل به من الوحي على رسوله فقال :﴿ ونزلنا الكتاب تبيانا لكل شيء ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾، أي : ونزلنا عليك أيها الرسول هذا القرآن تبيانا لكل ما بالناس إليه حاجة من معرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وهدى من الضلالة، ورحمة لمن صدق به، وعمل بما فيه من حدود الله وأمره ونهيه، فأحل حلاله وحرم حرامه، وبشرى لمن أطاع الله وأناب إليه، بجزيل الثواب في الآخرة وعظيم الكرامة.
ووجه ارتباط هذا بما قبله : بيان أن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك، سائلك يوم القيامة عن ذلك كما قال :﴿ فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ﴾ [ الأعراف : ٦ ]، وقال :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ٩٢ عما كانوا يعملون ﴾ [ الحجر : ٩٢ -٩٣ ]، وقال :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ [ القصص : ٨٥ ]، أي : إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه، وسائلك عن أداء ما فرض عليك.
وتبيان القرآن لأمور الدين إما مباشرة وإما ببيان الرسول، وقد أمرنا سبحانه باتباع هذا البيان في قوله :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ [ الحشر : ٧ ]، وقوله :﴿ لتبين للناس ما نزل إليهم ﴾ [ النحل : ٤٤ ]، ولقوله صلى الله عليه وسلم :" إني أوتيت القرآن ومثله معه ". وإما ببيان الصحابة والعلماء المجتهدين له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ ". وقد كان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فاجتهد الأئمة ووطّؤوا طرق البحث في أمور الدين لمن بعدهم، واستنبطوا من الكتاب والسنة مذاهب وآراء في العبادات ومعاملات الناس بعضهم مع بعض، ودونوا تشريعا ينهل منه المسلمون في كل جيل، ويرجع إليه القضاة ليحكموا بين الناس بالعدل، وكان أجل تشريع أخرج للناس، كما اعترف بذلك أرباب الديانات الأخرى، وكذلك من لم يتدين منهم بدين.
﴿ * إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ٩٠ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ٩١ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ٩٢ ولو شاء لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون ﴾ [ النحل : ٩٠ -٩٣ ].
تفسير المفردات : العدل لغة : المساواة في كل شيء بلا زيادة ولا نقصان فيه، والمراد به هنا المكافأة في الخير والشر. والإحسان : مقابلة الخير بأكثر منه، والشر بالعفو عنه، وإيتاء ذي القربى : أي : إعطاء الأقارب حقهم من الصلة والبر. والفحشاء : ما قبح من القول والفعل، فيدخل فيه الزنى وشرب الخمر والحرص والطمع والسرقة ونحو ذلك، من الأقوال والأفعال المذمومة. والمنكر : ما تنكره العقول من دواعي القوة الغضبية كالضرب الشديد والقتل والتطاول على الناس. والبغي : الاستعلاء على الناس والتجبر عليهم بالظلم والعدوان. والوعظ : التنبيه إلى الخير بالنصح والإرشاد.
المعنى الجملي : بعد أن بالغ سبحانه في الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر في الترغيب والترهيب إلى أقصى الغاية، أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب، وضروب التكاليف التي رسمها الدين وحث عليها، لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها.
ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده، وأنه قد قدره بحسب استعداد النفوس للصلاح والغواية، وأنه سيجازي يوم القيامة كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إنه سريع الحساب.
أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :" أعظم آية في كتاب الله تعالى :﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، وأكثر آية في كتاب الله تفويضا :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ٢ ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾[ الطلاق : ٢ -٣ ]، وأشد آية في كتاب الله رجاء :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] " وعن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية، فقال له : يا ابن أخي أعد عليّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ثم قال : إن الله عزّ وجل جمع لكم الخير كله، والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.
قال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة، عن علي بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، قال :" بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا، لم تكن لتخفّ إليه، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما من أنا ؟ فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا ؟ فأنا عبد الله ورسوله، قال ثم تلا عليهم :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية. قالوا : ردّد علينا القول فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه، فوجدناه زاكي النسب وسطا في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا فيه أذنابا، وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا.
وقال سعيد بن جبير، عن قتادة في قوله :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها.
الإيضاح :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، أي : إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك أيها الرسول بالعدل والإنصاف، ولا نَصَفَة أجمل من الاعتراف بمن أنعم علينا بنعمه، والشكر له على إفضاله وحمده، وهو أهل للحمد، ومنع ذلك عمن ليس له بأهل، فالأوثان والأصنام لا تستحق شيئا منه، فمن الجهل عبادتها وحمدها وهي لا تنعم فتشكر، ولا تنفع فتعبد، ومن ثم وجب أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده.
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال : صف لي العدل، فقلت بخ سألت عن أمر جسيم، كن لصغير الناس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل منهم أخا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسامهم، ولا تضربنّ لغضبك سوطا واحدا فتكون من العادين.
وأخرج البخاري في تاريخه، أن علي بن أبي طالب مرّ بقوم يحدثون، فقال : فيم أنتم ؟ فقالوا : نتذاكر المروءة فقال : أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، فالعدل الإنصاف، والإحسان : التفضل، فما بقي بعد هذا ؟
وأعلى مراتب الإحسان، الإحسان إلى المسيء، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عن الشعبي أنه قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك. وقد صح من حديث ابن عمر في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
﴿ وإيتاء ذي القربى ﴾، أي : وإعطائهم ما تدعو إليه الحاجة، وفي الآية إرشاد إلى صلة الأقارب والأرحام، وترغيب في التصدق عليهم، وهذا دخل فيما سلف من الإحسان – فقد خصص للاهتمام به والعناية بشأنه.
وبعد أن ذكر الثلاثة التي أمر بها أتبعها بالثلاثة التي ينهى عنها فقال :
﴿ وينهى عن الفحشاء ﴾، وهي الغلو في الميل إلى القوة الشهوانية كالزنى وشرب الخمر والسرقة والطمع في مال الناس.
﴿ والمنكر ﴾، وهو ما تنكره العقول من المساوئ الناشئة من الغضب، كالضرب والقتل والتطاول على الناس.
﴿ والبغي ﴾، وهو ظلم الناس والتعدي على حقوقهم.
وخلاصة ما سلف : إن الله يأمر بالعدل، وهو أداء القدر الواجب من الخير، وبالإحسان، وهو الزيادة في الطاعة والتعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، ومن أشرف ذلك صلة الرحم.
وينهى عن التغالي في تحصيل اللذات الشهوانية التي يأباها الشرع والعقل، وعن الإفراط في اتباع دواعي الغضب بإيصال الشر إلى الناس وإيذائهم، وتوجيه البلاء إليهم، وعن التكبر على الناس والترفع عليهم، وتصعير الخدّ لهم.
﴿ يعظكم لعلهم تذكرون ﴾، أي : أمركم بثلاث ونهاكم عن ثلاث، كي تتعظوا فتعملوا على سبيل التخصيص فقال :
تفسير المفردات : والعهد : كل ما يلتزمه الإنسان باختياره، ويدخل فيه الوعد. ونقض اليمين : الحنث فيها، وأصله فك أجزاء الجسم بعضها من بعض. وتوكيدها : توثيقها والتشديد فيها. كفيلا : أي : شاهدا ورقيبا.
المعنى الجملي : بعد أن بالغ سبحانه في الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر في الترغيب والترهيب إلى أقصى الغاية، أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب، وضروب التكاليف التي رسمها الدين وحث عليها، لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها.
ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده، وأنه قد قدره بحسب استعداد النفوس للصلاح والغواية، وأنه سيجازي يوم القيامة كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إنه سريع الحساب.
أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :" أعظم آية في كتاب الله تعالى :﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، وأكثر آية في كتاب الله تفويضا :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ٢ ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾[ الطلاق : ٢ -٣ ]، وأشد آية في كتاب الله رجاء :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] " وعن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية، فقال له : يا ابن أخي أعد عليّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ثم قال : إن الله عزّ وجل جمع لكم الخير كله، والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.
قال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة، عن علي بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، قال :" بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا، لم تكن لتخفّ إليه، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما من أنا ؟ فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا ؟ فأنا عبد الله ورسوله، قال ثم تلا عليهم :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية. قالوا : ردّد علينا القول فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه، فوجدناه زاكي النسب وسطا في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا فيه أذنابا، وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا.
وقال سعيد بن جبير، عن قتادة في قوله :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها.
الإيضاح :﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ﴾، أي : وأوفوا بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتهم به على أنفسكم حقا لمن عاقدتموه وواثقتموه عليه، ويدخل في ذلك كل عهد يلتزمه الإنسان باختياره، والوعد من العهد، ومن ثم قال ميمون بن مهران : من عاهدته وفّ بعهده، مسلما كان أو كافرا، فإنما العهد لله تعالى.
﴿ ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ﴾، أي : ولا تخالفوا ما عاقدتم فيه الأيمان، وشدّدتم فيه على أنفسكم، فتحنثوا فيه وتكذبوا وتنقضوه بعد إبرامه، وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه، راعيا يرعى الموفي منكم بالعهد، والناقض له بالجزاء عليه.
ثم وعد وأوعد فقال :﴿ إن الله يعلم ما تفعلون ﴾، في العهود التي تعاهدون الله الوفاء بها، والأيمان التي تؤكدونها على أنفسكم، أتبرّون فيها أم تنقضونها ؟ وهو محص ذلك كله عليكم، وسائلكم عنه وعما عملتهم فيه، فاحذروا أن تلقوه وقد خالفتم أمره ونهيه، فتستوجبوا منه ما لا قبل لكم به من أليم عقابه.
أخرج ابن جرير عن مزيدة بن جابر : أن الآية نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أسلم يبايع على الإسلام، فقال تعالى :﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ﴾، فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان في المسلمين قلة وفي المشركين كثرة.
تفسير المفردات : والغزل : ما غزل من صوف ونحوه. والقوة : الإبرام والإحكام. والأنكاث : واحدها نكث، وهو ما ينكث فتله، وينقض بعد غزله. والدخل : المكر والخديعة، وقال أبو عبيدة : كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل، ويراد به : أن يظهر المرء الوفاء بالعهد ويبطن النقض. أربى : أي : أكثر وأوفر عددا.
المعنى الجملي : بعد أن بالغ سبحانه في الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر في الترغيب والترهيب إلى أقصى الغاية، أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب، وضروب التكاليف التي رسمها الدين وحث عليها، لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها.
ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده، وأنه قد قدره بحسب استعداد النفوس للصلاح والغواية، وأنه سيجازي يوم القيامة كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إنه سريع الحساب.
أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :" أعظم آية في كتاب الله تعالى :﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، وأكثر آية في كتاب الله تفويضا :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ٢ ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾[ الطلاق : ٢ -٣ ]، وأشد آية في كتاب الله رجاء :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] " وعن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية، فقال له : يا ابن أخي أعد عليّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ثم قال : إن الله عزّ وجل جمع لكم الخير كله، والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.
قال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة، عن علي بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، قال :" بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا، لم تكن لتخفّ إليه، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما من أنا ؟ فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا ؟ فأنا عبد الله ورسوله، قال ثم تلا عليهم :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية. قالوا : ردّد علينا القول فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه، فوجدناه زاكي النسب وسطا في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا فيه أذنابا، وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا.
وقال سعيد بن جبير، عن قتادة في قوله :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها.
الإيضاح : ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض مع ضرب المثل فقال :﴿ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ﴾، أي : ولا تكونوا أيها القوم في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها، وإعطائكم ربكم العهود والمواثيق كمن تنقض غزلها بعد إبرامه، وتنفشه بعد أن جعلته طاقات، حماقة منها وجهلا.
قال السّدّي : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت غزلا نقضته بعد إبرامه.
والخلاصة : إنه تعالى شبه حال الناقض للعهد بحال من تنقض غزلها بعد فتله وإبرامه، تحذيرا للمخاطبين، وتنبيها إلى أن هذا ليس من فعل العقلاء، وصاحبه في زمرة الحمق من النساء.
﴿ تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة ﴾، أي : تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم – خديعة وغرورا ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنقلة إلى غيرهم من أجل أنهم أكثر عددا وأعز نفرا، بل عليكم بالوفاء بالعهود والمحافظة عليها في كل حال.
قال مجاهد : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز نفرا، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز نفرا، فنهوا عن ذلك، وقيل : هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم، فينقضوا بيعة النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ إنما يبلوكم الله به ﴾، أي : إنما يعاملكم الله معاملة المختبر، بأمره إياكم بالوفاء بعهده إذا عاهدتم، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهده وبيعة رسوله، أم تغترون بكثرة قريش وشوكتهم، وقلة المؤمنين وضعفهم بحسب ظهر الحال ؟
ثم أنذر وحذر من خالف الحق وركن إلى الباطل فقال :﴿ وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ﴾، أي : وليبيننّ لكم ربكم يوم القيامة إذا وردتم عليه، لمجازاة كل فريق منكم على عمله في الدنيا، المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته – ما كنتم تختلفون فيه من إقرار المؤمن بوحدانية ربه، ونبوة نبيه، والوحي إلى أنبيائه، والكافر بكذبه بذلك كله.
المعنى الجملي : بعد أن بالغ سبحانه في الوعد للمتقين والوعيد للكافرين، وعاد وكرر في الترغيب والترهيب إلى أقصى الغاية، أردف ذلك ذكر هذه الأوامر التي جمعت فضائل الأخلاق والآداب، وضروب التكاليف التي رسمها الدين وحث عليها، لما فيها من إصلاح حال النفوس، وصلاح حال الأمم والشعوب، ثم ضرب الأمثال لمن يحيد عنها وينفر من فعلها.
ثم أبان أن أمر الهداية والإضلال بيده، وأنه قد قدره بحسب استعداد النفوس للصلاح والغواية، وأنه سيجازي يوم القيامة كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم، إنه سريع الحساب.
أخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :" أعظم آية في كتاب الله تعالى :﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر الآية التي في النحل :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، وأكثر آية في كتاب الله تفويضا :﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ٢ ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴾[ الطلاق : ٢ -٣ ]، وأشد آية في كتاب الله رجاء :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] " وعن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد بن المغيرة هذه الآية، فقال له : يا ابن أخي أعد عليّ، فأعادها عليه، فقال له الوليد : والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ثم قال : إن الله عزّ وجل جمع لكم الخير كله، والشر كله في آية واحدة، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه وأمر به، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه وزجر عنه.
قال الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة، عن علي بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، قال :" بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يأتيه فأبى قومه أن يدعوه وقالوا : أنت كبيرنا، لم تكن لتخفّ إليه، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت وما أنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما من أنا ؟ فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا ؟ فأنا عبد الله ورسوله، قال ثم تلا عليهم :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية. قالوا : ردّد علينا القول فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا أبى أن يرفع نسبه، فوجدناه زاكي النسب وسطا في مضر، وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا فيه أذنابا، وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا.
وقال سعيد بن جبير، عن قتادة في قوله :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾ الآية، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها.
وبعد أن أبان أنه كلفهم الوفاء بالعهد، وتحريم نقضه، أتبعه ببيان أنه قادر على جمعهم على هذا الوفاء، وعلى سائر أبواب الإيمان فقال :
﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾، أي : ولو شاء الله لجعل الناس على دين واحد، بمقتضى الغريزة والفطرة ولم يجعل لهم اختيارا فيما يفعلون، فكانوا في حياتهم الاجتماعية أشبه بالنمل والنحل، وفي حياتهم الروحية أشبه بالملائكة، مفطورين على طاعة الله واعتقاد الحق، وعدم الميل إلى الزّيغ والجور، لكنه تعالى خلقهم كاسبين لا ملهمين، وعاملين بالاختيار لا مفطورين، وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وكسب العلم، فللإنسان اختيار أوتيه بحسب استعداده الأزلي وهو مجبور فيه، والثواب والعقاب يترتبان على هذا الاختيار الذي يشاهد، وتكون عاقبته الجنة أو النار.
﴿ ولتسئلن عما كنتم تعملون ﴾، أي : ولتسألن يوم القيامة جميعا سؤال محاسبة ومجازاة، لا سؤال استفهام واستفسار، وقد تكرر هذا المعنى في سور كثيرة.
﴿ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ٩٤ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ٩٥ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٩٦ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾ [ النحل : ٩٤ -٩٧ ].
تفسير المفردات : زلة القدم بعد ثبوتها : مثل يقال لمن وقع في محنة بعد نعمة، وبلاء بعد عافية.
المعنى الجملي : بعد أن حذر سبحانه من نقض العهود والأيمان على الإطلاق –حذر في هذه الآية من نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به، وإتباع شرائعه جريا وراء خيرات الدنيا وزخارفها، وأبان لهم أن كل ذلك زائل، وما عند الله باق لا ينفد، ثم هو بعد يجزيهم الجزاء الأوفى.
الإيضاح :﴿ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ﴾، أي : ولا تجعلوا أيمانكم خديعة تغرون بها الناس، والمراد بذلك : نهي المخاطبين بذلك الخطاب عن نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها.
ذلك أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وحلفوا على ذلك أوكد الأيمان، ثم نقضوا ما فعلوا، لقلة أهله وكثرة أهل الشرك، فنهوا عن ذلك.
﴿ فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ﴾، أي : إنكم بعملكم هذا تكونون قد وقعتم في محظورات ثلاثة :
( ١ ) إنكم تضلّون وتبعدون عن محجة الحق والهدى، بعد أن رسخت أقدامكم فيها.
( ٢ ) إنكم تكونون قدوة لسواكم، وتستنّون سنة لغيركم، فيها صدّ عن سبيل الحق، ويكون لكم بها سوء العذاب في الدنيا، بالقتل والأسر وسلب الأموال والجلاء عن الديار.
( ٣ ) إنكم ستعاقبون في الآخرة أشدّ العقاب ؛ جزاء ما اجترحتم من مجانفة الحق والإعراض عن أهله، والدخول في زمرة أهل الشقاء والضلال.
ثم أكد هذا التحذير بقوله :
المعنى الجملي : بعد أن حذر سبحانه من نقض العهود والأيمان على الإطلاق –حذر في هذه الآية من نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به، وإتباع شرائعه جريا وراء خيرات الدنيا وزخارفها، وأبان لهم أن كل ذلك زائل، وما عند الله باق لا ينفد، ثم هو بعد يجزيهم الجزاء الأوفى.
﴿ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ﴾، أي : ولا تأخذوا في مقابلة نقض العهد عوضا يسيرا من الدنيا، وقد كان هذا حال قوم ممن أسلموا بمكة، زين لهم الشيطان أن ينقضوا ما بايعوا رسول الله عليه، جزعا مما رأوا من غلبة قريش، واستضعافهم للمؤمنين، وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم به من البذل والعطاء إن هم رجعوا إلى دينهم، فنبههم الله بهذه الآية، ونهاهم عن أن يستبدلوا الخير العميم والنعيم المقيم في الآخرة بما وعدوهم به من عرض الدنيا وزينتها.
ثم بين سبحانه قلة ما أخذوا، وعظيم ما تركوا بقوله :
﴿ إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ﴾، أي : إن ما خبأه الله لكم، وادّخره من جزيل الأجر والثواب، هو خير لكم من ذلك العرض القليل في الدنيا، إن كنتم من ذوي العقول الراجحة، والأفكار الثاقبة التي تزن الأمور بميزان الفائدة، وتقدّر الفرق بين العوضين.
المعنى الجملي : بعد أن حذر سبحانه من نقض العهود والأيمان على الإطلاق –حذر في هذه الآية من نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به، وإتباع شرائعه جريا وراء خيرات الدنيا وزخارفها، وأبان لهم أن كل ذلك زائل، وما عند الله باق لا ينفد، ثم هو بعد يجزيهم الجزاء الأوفى.
ثم بين وجه خيريته ورجاحة شأنه بقوله :
﴿ ما عندكم ينفد وما عند الله باق ﴾، أي : إن ما تتمتعون به من نعيم الدنيا، بل الدنيا وما فيها، تنفد وتنقضي، وإن طال الأمد وجلّ العدد، وما في خزائن الله باق لا نفاد له، فلما عنده فاعملوا، وعلى الباقي الذي لا يفنى فاحرصوا.
ثم رغب سبحانه المؤمنين في الصبر على ما التزموه من شرائع الإسلام فقال :
﴿ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾، أي : ولنثيبن الذين صبروا على أذية المشركين وعلى مشاقّ الإسلام التي تتضمن الوفاء بالعهود والمواثيق، الثواب العظيم الذي هم له أهل، كفاء صبرهم وهو أحسن أعمالهم ؛ إذ كل التكاليف محتاجة إليه، وهو أسُّ الأعمال الصالحة.
وفي الآية عِدَة جميلة باغتفار ما عسى أن يكون قد فرط منهم أثناء ذلك من جزع يعتريهم بحسب الطبيعة البشرية.
المفردات : والحياة الطيبة : هي القناعة وعدم الحرص على لذات الدنيا، لما في ذلك من الكدّ والعناء.
المعنى الجملي : بعد أن حذر سبحانه من نقض العهود والأيمان على الإطلاق –حذر في هذه الآية من نقض أيمان مخصوصة أقدموا عليها، وهي نقض عهد رسول الله على الإيمان به، وإتباع شرائعه جريا وراء خيرات الدنيا وزخارفها، وأبان لهم أن كل ذلك زائل، وما عند الله باق لا ينفد، ثم هو بعد يجزيهم الجزاء الأوفى.
الإيضاح : ثم رغبهم في المثابرة على أداء الطاعات، وعمل الواجبات الدينية فقال :
﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾، أي : من عمل صالح الأعمال، وأدى فرائض الله التي أوجبها عليه، وهو مصدق بثوابه الذي وعد به أهل طاعته، وبعقاب أهل المعصية على عصيانهم، ﴿ فلنحيينه حياة طيبة ﴾، تصحبها القناعة بما قسم الله له، والرضا بما قدّره وقضاه، إذ هو يعلم أن رزقه إنما حصل بتدبيره، والله محسن كريم لا يفعل إلا ما فيه المصلحة، ويعلم أن خيرات الدنيا سريعة الزوال، فلا يقيم لها في نفسه وزنا، فلا يعظم فرحه بوجدانها، ولا غمه بفقدانها.
ثم هو بعد ذلك يجزي في الآخرة أحسن الجزاء، ويثاب أجمل الثواب، جزاء ما قدّم من عمل صالح، وتحلى به من إيمان صادق.
أما من أعرض عن ذكر الله، فلم يؤمن ولم يعمل صالحا، فهو في عناء ونكد، إذ يكون شديد الحرص والطمع في الحصول على لذات الدنيا، فإن أصابته محنة أو بلاء استعظم أمره، وعظمت أحزانه، وكثر غمه وكدره، وإذا فاته شيء من خيراتها عبس وبسر، وامتلأ قلبه أسى وحسرة ؛ لأنه يظن أن السعادة كل السعادة في الحصول على زخرف هذه الحياة والتمتع بمتاعها. فإذا هو لم ينل منه ما يريد، فقد حرم كل ما يحلم به، ويقدره من وافر السعادة وعظيم الخير، والإنسان بطبعه جزوع هلوع منوع :﴿ إن الإنسان خلق هلوعا ١٩ إذا مسه الشر جزوعا ٢٠ وإذا مسه الخير منوعا ٢١ إلا المصلين ﴾ [ المعارج : ١٩ -٢٢ ].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول :" اللهم قنّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف عليّ كل غائبة لي بخير "، وأخرج الترمذي والنسائي من حديث فضالة بن عبيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به ".
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ".
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ٩٨ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ٩٩ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾ [ النحل : ٩٨ -١٠٠ ].
تفسير المفردات : قرأت القرآن : أي أردت قراءته ما تقول إذا أكلت فقل باسم الله، وإذا سافرت فتأهب. والرجيم : المرجوم المبعد من رحمة الله. /م*
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه يجزي المؤمنين بأحسن أعمالهم، أرشد إلى العمل الذي به تخلص أعمالهم من وساوس الشيطان.
الإيضاح :﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ أي إذا شرعت تقٍرأ القرآن فاسأل الله سبحانه أن يعيذك من وساوس الشيطان الرجيم، لئلا يلبس عليك قراءتك، ويمنعك من التدبر والتفكر كما قال :﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ] وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته منه فما بالك بسائر أمته ثم بين أن الناس فريقان فريق لا تسلط له عليهم وهم الذين وصفهم الله بقوله :
تفسير المفردات : والسلطان : التسلط والاستيلاء.
سورة النحل
وآيها ثمان وعشرون ومائة
هذه السورة مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُحد.
ووجه ارتباطها بما قبلها أنه لما قال في السورة السالفة :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ [ الحجر : ٩٢ ] كان ذلك تنبيها إلى حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، فقيل :﴿ أتى أمر الله ﴾ وأيضا فإن قوله في آخرها :﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ [ الحجر : ٩٩ ] شديد الالتئام بقوله :﴿ أتى أمر الله ﴾.
الإيضاح :﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ﴾، أي : إنه لا تسلط للشيطان على الذين يصدقون بلقاء الله ويفوضون أمورهم إليه، وبه يعوذون وإليه يلتجئون، فلا يقبلون ما يوسوس به، ولا يطيعونه فيما يريد منهم من اتباع خطواته.
وعن سفيان الثوري أنه قال : ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم، – يريد أنهم أمروا بالاستعاذة منه، ليحفظهم الله من وساوسه، التي ربما جرتهم إلى الوقوع في صغائر الآثام، إذا وقعت على سبيل الندرة أو الغفلة.
تفسير المفردات : والتولي : الطاعة، يقال : توليته، أي : أطعته، وتوليت عنه، أي : أعرضت.
سورة النحل
وآيها ثمان وعشرون ومائة
هذه السورة مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُحد.
ووجه ارتباطها بما قبلها أنه لما قال في السورة السالفة :﴿ فوربك لنسألنهم أجمعين ﴾ [ الحجر : ٩٢ ] كان ذلك تنبيها إلى حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه في الدنيا، فقيل :﴿ أتى أمر الله ﴾ وأيضا فإن قوله في آخرها :﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾ [ الحجر : ٩٩ ] شديد الالتئام بقوله :﴿ أتى أمر الله ﴾.
الإيضاح : والفريق الثاني الذين عناهم بقوله :﴿ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾، أي : إنما تسلطه بالغواية والضلالة على الذين يجعلونه نصيرا لهم فيحبونه ويطيعونه، ويستجيبون دعوته، والذين هم بسبب إغوائه يشركون بربهم.
﴿ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ١٠١ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ١٠٢ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ١٠٣ إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ١٠٤ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ﴾ [ النحل : ١٠١ -١٠٥ ].
تفسير المفردات : التبديل : رفع شيء ووضع غيره مكانه. وتبديل الآية : نسخها بآية أخرى.
المعنى الجملي : بعد أن أمر سبحانه بالاستعاذة من وسوسة الشيطان الرجيم حين قراءة القرآن، أردف ذلك ذكر باب من أبواب وسوسته، بإلقاء الشبهات والشكوك لدى منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر منها شبهتين :
( ١ ) إنه قد تنزل آية من آيات الكتاب تنسخ شريعة ماضية فيعيّرون محمدا بذلك.
( ٢ ) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربي مبين، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمي، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله ؟
الإيضاح :﴿ وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ﴾، أي : وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم آية أخرى، والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل من أحكامه –، قال المشركون المكذبون لرسوله : إنما أنت متقوّل على الله تأمر بشيء ثم تنهى عنه، وأكثرهم لا يعلمون ما في التبديل من حكم بالغة. وقليل منهم يعلمون ذلك وينكرون الفائدة عنادا واستكبارا.
وفي قوله :﴿ والله أعلم بما ينزل ﴾، توبيخ لهم وإيماء إلى أن التبديل لم يكن للهوى، بل كان لحكمة اقتضته ودعت إليه من تغير الأحوال والأزمان، ألا ترى أن الطبيب يأمر المريض بدواء بعينه، ثم إذا عاده مرة أخرى نهاه عن ذلك الدواء وأمره بضده، أو بما لا يقرب منه بحسب ما يرى من حال المريض ؟
وهكذا الشرائع إنما توضع مشاكلة للزمان والمكان والأحوال الملابسة لها، وقد يطرأ ما يغيرها ويستدعي وضع تشريع آخر يكون أصلح للأحوال المفاجئة، والمشاهدة تدل على صدق هذا، فإننا نرى القوانين الوضعية تغيّر آنا إذا جد ما يستدعي ذلك، وقد تقدم بسط هذا في سورة البقرة.
ثم بين لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ، الزاعمين أن ذلك لم يكن من عند الله، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد افتراه فقال :
تفسير المفردات : وروح القدس : جبريل عليه السلام ؛ سمي بذلك ؛ لأنه ينزل بالقدس، أي : بما يطهر النفوس : من القرآن والحكمة والفيض الإلهي. بالحق : أي بالحكمة المقتضية له.
المعنى الجملي : بعد أن أمر سبحانه بالاستعاذة من وسوسة الشيطان الرجيم حين قراءة القرآن، أردف ذلك ذكر باب من أبواب وسوسته، بإلقاء الشبهات والشكوك لدى منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر منها شبهتين :
( ١ ) إنه قد تنزل آية من آيات الكتاب تنسخ شريعة ماضية فيعيّرون محمدا بذلك.
( ٢ ) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربي مبين، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمي، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله ؟
الإيضاح :﴿ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ﴾، أي : قل لهم : قد جاء جبريل من عند ربي بما أتلوه عليكم، واقتضته الحكمة البالغة، من تثبيت المؤمنين، وتقوية إيمانهم بما فيه من أدلة قاطعة وبراهين ساطعة، على وحدانية خالق الكون، وباهر قدرته وواسع علمه، وحث على النظر في ملكوت السماوات والأرض، وتشريع يرقى بالأمم في أخلاقها وآدابها ومعارفها، إلى مستوى لا تدانيها فيه أمة أخرى.
والخلاصة : إنه نافع كل النفع في دينهم ودنياهم، فإذا هم رأوا ذلك رسخت عائدهم واطمأنت قلوبهم، كما أن فيه هداية لهم من الزيغ والضلالات، ففيه ما يهذّب النفوس ويكبح جماح الطغيان، ويرد الظالم عن ظلمه، ويدفع عدوان الناس بعضهم على بعض، وفيه بشرة للمسلمين بما سيلقونه من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، جزاء أعمالهم وكدهم ونصبهم إرضاء لربهم.
وفي هذا إيماء إلى أن هؤلاء المشركين لهم من الصفات ضد هذا، فهم متزلزلون ضالون، لهم خزي ونكال في الدنيا والآخرة.
تفسير المفردات : بشر : هو جبر الرومي، غلام ابن الحضرمي كان قد قرأ التوراة والإنجيل وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليه إذا آذاه أهل مكة. والإلحاد : الميل، يقال : لحد وألحد : إذا مال عن القصد، ومنه سمي العادل عن الحق ملحدا. لسان : أي : كلام ؛ ويقال رجل أعجم، وامرأة عجماء، إذا كانا لا يفصحان عن مرادهما. والأعجمي والأعجم : الذي في لسانه عجمة من العجم كان أو من العرب، ومن ذلك زياد الأعجم، كان عربيا في لسانه لكنة.
المعنى الجملي : بعد أن أمر سبحانه بالاستعاذة من وسوسة الشيطان الرجيم حين قراءة القرآن، أردف ذلك ذكر باب من أبواب وسوسته، بإلقاء الشبهات والشكوك لدى منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر منها شبهتين :
( ١ ) إنه قد تنزل آية من آيات الكتاب تنسخ شريعة ماضية فيعيّرون محمدا بذلك.
( ٢ ) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربي مبين، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمي، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله ؟
الإيضاح :
ثم حكى عنهم شبهة ثانية فقال :﴿ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ﴾، أي : وإنا نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا : إنما يعلم محمدا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم، وليس بالوحي من عند الله. فرد الله عليهم وكذبهم في قيلهم فقال :﴿ لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ﴾، أي : إن لسان الذي تميلون إليه بأنه يعلم محمدا – أعجمي، فهو عبد رومي فيما تزعمون، والقرآن لسان عربي مبين، فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه الشاملة من رجل أعجمي ؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من عقل.
وخلاصة هذا : إن ما يسمعه من ذلك البشر كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم، والقرآن كلام عربي تفهمونه بأدنى تأمل، فكيف يكون هو ما تلقفه منه ؟ هبه تعلم منه المعنى باستماع كلامه، فهو لم يلقف منه اللفظ – إلى أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بالدرس والتلقين من أخصائيين مع الاختلاف إليهم مددا متطاولة، فليس من الميسور ولا مما يجد العقل اطمئنانا إليه أن يتعلم مثل هذا من غلام سوقي، سمع منه أخبارا بلغة أعجمية لعله لم يكن يعرف معناها.
وعلى نحو آخر كأنه قيل لهم : أنتم أفصح الناس بيانا، وأقواهم حجة وبرهانا، وأقدرهم على الكلام نظما ونثرا، وقد عجزتم وعجز جميع العرب أن يأتوا بمثله، فكيف تنسبونه إلى أعجميّ ألكن ؟
وفي التشبث بأمثال هذه المطاعن الركيكة، والخرافات الساذجة، أبلغ دليل على أنهم بلغوا غاية العجز، ونهاية السخف.
فدعهم يزعمون الصبح ليلا، أيعمى الناظرون عن الضياء.
المعنى الجملي : بعد أن أمر سبحانه بالاستعاذة من وسوسة الشيطان الرجيم حين قراءة القرآن، أردف ذلك ذكر باب من أبواب وسوسته، بإلقاء الشبهات والشكوك لدى منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر منها شبهتين :
( ١ ) إنه قد تنزل آية من آيات الكتاب تنسخ شريعة ماضية فيعيّرون محمدا بذلك.
( ٢ ) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربي مبين، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمي، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله ؟
ثم توعدهم على ما قالوا بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال :﴿ إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ﴾، أي : إن الذي لا يصدقون بأن هذه الآيات من عند الله، بل يقولون فيها ما يقولون، فيقولون تارة إنها مفتريات، ويقولون أخرى إنها من أساطير الأولين، – لا يهديهم الله إلى معرفة الحق الذي ينجيهم من عذاب النار، لما يعلم من سوء استعدادهم بما اجترحوا من السيئات، ودنّسوا به أنفسهم من ارتكاب الموبقات، ولهم في الآخرة إذا وردوا إلى ربهم عذاب مؤلم موجع، كفاء ما نصبوا له أنفسهم من العداء لرسوله، والتكذيب لآيات الكتاب.
المعنى الجملي : بعد أن أمر سبحانه بالاستعاذة من وسوسة الشيطان الرجيم حين قراءة القرآن، أردف ذلك ذكر باب من أبواب وسوسته، بإلقاء الشبهات والشكوك لدى منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر منها شبهتين :
( ١ ) إنه قد تنزل آية من آيات الكتاب تنسخ شريعة ماضية فيعيّرون محمدا بذلك.
( ٢ ) إنهم قالوا إن ما جاء به إنما هو تعليم من البشر من بعض أهل الكتاب لا من الله، فأبطل هذه الشبهة بأنه كلام عربي مبين، وما نسبتم إليه تعليمه أعجمي، فكيف به يعلمه الكلام العربي الفصيح الذي أعجز العرب قاطبة أن يأتوا بمثله ؟
ولما نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الافتراء رد الله عليهم بقوله :﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، أي : إنما يتخرّص الكذب ويتقوّل الباطل، الذين لا يصدقون بحجج الله وآياته التي نصبها في الكون، وأقامها أدلة على وجوده ووحدانيته ؛ لأنهم لا يرجون على الصدق ثوابا، ولا يخشون على الكذب عقابا، وهذه صفاتكم أيها المشركون لا صفات النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ومن ثم حكم عليهم بالكذب حكما صريحا فقال :﴿ وأولئك هم الكاذبون ﴾، أي : وأولئك الذين كفروا من رجال قريش القائلين لك أيها الرسول : إنما أنت مفترهم الكاذبون لا أنت.
وهذا تصريح بنسبة الكذب إليهم بعد التعريض، ليكون ميسم خزي وعار لهم.
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ١٠٦ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ١٠٧ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ١٠٨ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ﴾ [ النحل : ١٠٦ -١٠٩ ].
تفسير المفردات : أكره : أي : على التلفظ بكلمة الكفر. والاطمئنان : سكون النفس بعد انزعاجها، والمراد الثبات على ما كان عليه بعد إزعاج الإكراه. ﴿ شرح بالكفر صدرا ﴾ : أي : اعتقده وطاب به نفسا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أن قريشا كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوّلوا عليه الأقاويل، فوصفوه بأنه مفتر وأن الكتاب الذي جاء به هو من كلام البشر لا من عند الله، ثم هددهم على ذلك أعظم تهديد – قفى على ذلك ببيان حال من يكفر بلسانه وقلبه مليء بالإيمان.
أخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل : أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله قال له :" ما وراءك ؟ " قال : شر ما تركت، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال :" كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئن بالإيمان، قال :" إن عادوا فعد " فنزلت :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، وروي : أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسميّه على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت بحربة في موضع عفتها وقالوا : إنما أسلمت من أجل الرجال، فقتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول قتيلين في الإسلام، وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه "، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال :" مالك ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت ".
الإيضاح :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، أي : إن من كفر بالله بعد الإيمان والتبصر فعليه غضب من الله، إلا إذا أكره على ذلك وقلبه مليء بالإيمان بالله والتصديق برسوله، فلا تثريب عليه كما فعل عمار بن ياسر.
﴿ ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ﴾، أي : ولكن غضب الله وشديد عقابه لمن طابت أنفسهم بالكفر، واعتقدوه طائعين مختارين، لعظيم جرمهم، وكبير إثمهم.
ثم بين سبب هذا الغضب فقال :
تفسير المفردات : استحبوا الحياة الدنيا : أي : آثروها وقدّموها.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أن قريشا كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوّلوا عليه الأقاويل، فوصفوه بأنه مفتر وأن الكتاب الذي جاء به هو من كلام البشر لا من عند الله، ثم هددهم على ذلك أعظم تهديد – قفى على ذلك ببيان حال من يكفر بلسانه وقلبه مليء بالإيمان.
أخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل : أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله قال له :" ما وراءك ؟ " قال : شر ما تركت، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال :" كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئن بالإيمان، قال :" إن عادوا فعد " فنزلت :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، وروي : أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسميّه على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت بحربة في موضع عفتها وقالوا : إنما أسلمت من أجل الرجال، فقتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول قتيلين في الإسلام، وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه "، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال :" مالك ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت ".
الإيضاح :﴿ ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة ﴾، أي : ذلك الغضب من الله، والعذاب العظيم من أجل أنهم آثروا الحياة الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة.
﴿ وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ﴾، أي : وأن الله لا يوفق من يجحد آياته ويصر على إنكارها ؛ لأنه قد فقد الاستعداد لسبل الخير بما زينت له نفسه، وسولت له، من عظيم الجرم وكبير الإثم، فأصبح قلبه مليئا بما يشغله عن دواعي الإيمان، بما يمليه عليه الشيطان.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أن قريشا كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوّلوا عليه الأقاويل، فوصفوه بأنه مفتر وأن الكتاب الذي جاء به هو من كلام البشر لا من عند الله، ثم هددهم على ذلك أعظم تهديد – قفى على ذلك ببيان حال من يكفر بلسانه وقلبه مليء بالإيمان.
أخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل : أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله قال له :" ما وراءك ؟ " قال : شر ما تركت، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال :" كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئن بالإيمان، قال :" إن عادوا فعد " فنزلت :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، وروي : أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسميّه على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت بحربة في موضع عفتها وقالوا : إنما أسلمت من أجل الرجال، فقتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول قتيلين في الإسلام، وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه "، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال :" مالك ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت ".
﴿ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ﴾، أي : أولئك الذين اتصفوا بما تقدم ذكره – هم الذين طبع الله على قلوبهم، فلا يؤمنون ولا يهتدون، وأصم أسماعهم فلا يسمعون داعي الله إلى الهدى، وأعمى أبصارهم فلا يبصرون بها حجج الله إبصار معتبر متعظ، وأولئك هم الساهون عما أعد لأمثالهم من أهل الكفر، وقد تقدم ذكر ( الطبع ) في آي كثيرة.
تفسير المفردات : لا جرم : أي : حقا.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أن قريشا كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقوّلوا عليه الأقاويل، فوصفوه بأنه مفتر وأن الكتاب الذي جاء به هو من كلام البشر لا من عند الله، ثم هددهم على ذلك أعظم تهديد – قفى على ذلك ببيان حال من يكفر بلسانه وقلبه مليء بالإيمان.
أخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل : أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول الله قال له :" ما وراءك ؟ " قال : شر ما تركت، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال :" كيف تجد قلبك ؟ " قال : مطمئن بالإيمان، قال :" إن عادوا فعد " فنزلت :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، وروي : أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه ياسرا وسميّه على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ووجئت بحربة في موضع عفتها وقالوا : إنما أسلمت من أجل الرجال، فقتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول قتيلين في الإسلام، وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل : يا رسول الله إن عمارا كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه "، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال :" مالك ؟ إن عادوا فعد لهم بما قلت ".
الإيضاح :﴿ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ﴾، أي : حقا إنهم في الآخرة هم الهالكون الذين غبنوا أنفسهم حظوظها، وصرفوا أعمارهم فيما لا يفضي بهم إلا إلى العذاب المخلّد ولله در من قال :
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
فما المرء في هذه الحياة إلا كالتاجر، يشتري بطاعة ربه سعادة الآخرة، فإذا لم يفعل من ذلك شيئا خسرت تجارته، وعاد ذلك عليه بالوبال والنكال في جهنم وبئس القرار.
وقد حكم الله على هؤلاء الكافرين بستة أشياء :
( ١ ) إنهم استوجبوا غضب الله.
( ٢ ) إنهم استحقوا عقابه العظيم.
( ٣ ) إنهم استحبوا الحياة الدنيا.
( ٤ ) إن الله حرمهم من الهداية للطريق القويم.
( ٥ ) إنه طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم.
( ٦ ) إنه جعلهم سبحانه من الغافلين.
قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وخبّاب وصهيب وبلال وعمار وسمية.
أما الرسول فحماه أبو طالب، وأما أبو بكر فحماه قومه، وأخذ الآخرون وألبسوا دروع الحديد، ثم أجلسوا في الشمس، فبلغ منهم الجهد بحرّ الحديد والشمس، وأتاهم أبو جهل يشتمهم ويوبّخهم، ويشتم سمية ثم طعنها بحربة في ملمس العفة، وقال : الآخرون ما نالوا به منهم، إلا بلالا فإنهم جعلوا يعذبونه فيقول : أحد أحد حتى ملّوا، فكتفّوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف، ودعوه إلى صبيانهم يلعبون به، حتى ملّوه فتركوه.
وقال عمار : كلنا تلكم بالذي أرادوا غير بلال فإن نفسه هانت عليه فتركوه، وقال خبّاب : لقد أوقدوا لي نارا ما أطفأها إلا ودك ( دهن ) ظهري.
﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ١١٠* يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ﴾ [ النحل : ١١٠ -١١١ ].
تفسير المفردات : أصل الفتن : إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من ردائته، ثم استعمل في المحنة والابتلاء يصيب الإنسان.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف حال من كفر بالله من بعد إيمانه، وحكم بأنه استحق غضب الله وعذابه الأليم يوم القيامة، ثم ذكر حال من أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه وقلبه مليء بالإيمان – أردف ذلك بذكر طائفة من المسلمين كانوا مستضعفين بمكة مهانين في قومهم، فوافقوا المشركين على الفتنة في الدين والرجوع إلى دين آبائهم وأجدادهم، ثم فرّوا وتركوا بلادهم وأهليهم ابتغاء رضوان الله وطلب غفرانه، وانتظموا في سلك المسلمين وجاهدوا معهم الكافرين، فحكم ربهم بقبول توبتهم، ودخولهم في زمرة الصالحين، وتمتعهم بجنات النعيم يوم العرض والحساب.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة : أن عياشا رضي الله عنه ( وكان أخا أبي جهل من الرضاعة )، وأبا جندل بن سهل، وسلمة بن هشام، وعبد الله بن سلمة الثقفي، فتنهم المشركون وعذبوهم فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم، ثم إنهم بعد ذلك هاجروا وجاهدوا فنزلت فيهم الآية.
الإيضاح :﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾، أي : إن ربك أيها الرسول للذين هاجروا من ديارهم وتركوا مساكنهم وعشائرهم من أهل الشرك، وانتقلوا عنهم إلى ديار الإسلام من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين ظهرانيهم قبل هجرتهم، ثم جاهدوا المشركين بعد ذلك بأيديهم بالسيف، وبألسنتهم بالبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله، وصبروا على جهادهم – إن ربك من بعد أفعالهم هذه لذو ستر على ما كان منهم من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون، وللإيمان معتقدون، رحيم بهم أن يعاقبهم عليها مع إنابتهم إليه، وجميل صنعهم من بعد.
تفسير المفردات : تجادل : أي : تدفع وتسعى في خلاصها، والنفس الأولى : الجثة والبدن، والنفس الثانية : عينها وذاتها. وتوفي : تعطي.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف حال من كفر بالله من بعد إيمانه، وحكم بأنه استحق غضب الله وعذابه الأليم يوم القيامة، ثم ذكر حال من أكره على إجراء كلمة الكفر على لسانه وقلبه مليء بالإيمان – أردف ذلك بذكر طائفة من المسلمين كانوا مستضعفين بمكة مهانين في قومهم، فوافقوا المشركين على الفتنة في الدين والرجوع إلى دين آبائهم وأجدادهم، ثم فرّوا وتركوا بلادهم وأهليهم ابتغاء رضوان الله وطلب غفرانه، وانتظموا في سلك المسلمين وجاهدوا معهم الكافرين، فحكم ربهم بقبول توبتهم، ودخولهم في زمرة الصالحين، وتمتعهم بجنات النعيم يوم العرض والحساب.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة : أن عياشا رضي الله عنه ( وكان أخا أبي جهل من الرضاعة )، وأبا جندل بن سهل، وسلمة بن هشام، وعبد الله بن سلمة الثقفي، فتنهم المشركون وعذبوهم فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم، ثم إنهم بعد ذلك هاجروا وجاهدوا فنزلت فيهم الآية.
الإيضاح :﴿ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ﴾، أي : إن ربك لغفور رحيم بهؤلاء يوم تأتي كل نفس تخاصم عن نفسها، وتحاجّ عنها، وتسعى في خلاصها، بما أسلفت في الدنيا من عمل، ولا يهمها شأن غيرها من ولد ووالد وقريب.
﴿ وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ﴾، أي : وتعطى كل نفس جزاء ما عملت في الدنيا من طاعة أو معصية، فيجزى المحسن بما قدم من إحسان، والمسيء بما أسلف من إساءة، ولا يعاقب محسن ولا يثاب مسيء.
والخلاصة : إن كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كما قال :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ [ عبس : ٣٧ ].
وجاء في بعض الآثار :" إن جهنم لتزفر زفرة، لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول : رب نفسي نفسي حتى إن إبراهيم الخليل ليفعل ذلك ".
﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ١١٢ ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾ [ النحل : ١١٢ -١١٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن هدد سبحانه الكافرين بالعذاب الشديد في الآخرة – أردف ذلك الوعيد بآفات الدنيا من جوع وفقر وخوف شديد بعد أمن واطمئنان وعيش رغد.
الإيضاح :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾، أي : بين الله صفة لقرية كان أهلها آمنين من العدو والقتال والجوع والسبي، يأتيها الرزق الكثير من سائر البلدان، فكفروا بنعم الله، فعمهم الجوع والخوف، وذاقوا مرارتها بعد سعة العيش والطمأنينة، وقد جاءهم رسول من جنسهم يعرفونه بأصله ونسبه، فكذبوه فيما أخبرهم به من وجوب الشكر على النعمة، فأخذهم العذاب واستأصل شأفتهم لالتباسهم بالظلم، وهو الكفر وتكذيب الرسول.
وفي هذا إيماء إلى تماديهم في الكفر والعناد، وإلى أن ترتيب العذاب على تكذيب الرسول جاء على سنة الله في أنه لا يعذب أمة إلا إذا أنذرها، وبعث إليها رسولا يعظها ويرشدها كما يدل على ذلك قوله :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، وهكذا حال أهل مكة، فإنهم كانوا في حرم آمن يتخطّف الناس من حولهم، ولا يمرّ بهم طيف من الخوف، ولا يزعج قلوبهم مزعج، وكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء، وقد جاءهم رسول من أنفسهم فأنذرهم وحذرهم، فكفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وأذاقهم لباس الجوع والخوف بدعاء رسوله إذ قال :" اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف "، فاضطر إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام المحرقة، وكان أحدهم ينظر على السماء فيرى شبه الدخان من الجوع، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم، ثم أخذهم يوم بدر ما أخذهم من العذاب، وقد جعل الله الجوع والخوف اللذين خالط أذاهما أجسامهم – لباسا لهم ؛ لأن أثرهما وضررهما قد أحاط بهم من كل جانب، فأشبها اللباس الذي يغطي الجسم ويحيط به، وجعل إصابتهم بهما إذاقة دلالة على شدة تأثيرهما الشديد الذي حدث فيهم كما يكون ذلك حين ذوق شيء مرّ بشع كريه، إذ يجد الذائق تقززا واشمئزازا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٢:﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ١١٢ ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾ [ النحل : ١١٢ -١١٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن هدد سبحانه الكافرين بالعذاب الشديد في الآخرة – أردف ذلك الوعيد بآفات الدنيا من جوع وفقر وخوف شديد بعد أمن واطمئنان وعيش رغد.
الإيضاح :﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ﴾، أي : بين الله صفة لقرية كان أهلها آمنين من العدو والقتال والجوع والسبي، يأتيها الرزق الكثير من سائر البلدان، فكفروا بنعم الله، فعمهم الجوع والخوف، وذاقوا مرارتها بعد سعة العيش والطمأنينة، وقد جاءهم رسول من جنسهم يعرفونه بأصله ونسبه، فكذبوه فيما أخبرهم به من وجوب الشكر على النعمة، فأخذهم العذاب واستأصل شأفتهم لالتباسهم بالظلم، وهو الكفر وتكذيب الرسول.
وفي هذا إيماء إلى تماديهم في الكفر والعناد، وإلى أن ترتيب العذاب على تكذيب الرسول جاء على سنة الله في أنه لا يعذب أمة إلا إذا أنذرها، وبعث إليها رسولا يعظها ويرشدها كما يدل على ذلك قوله :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ [ الإسراء : ١٥ ]، وهكذا حال أهل مكة، فإنهم كانوا في حرم آمن يتخطّف الناس من حولهم، ولا يمرّ بهم طيف من الخوف، ولا يزعج قلوبهم مزعج، وكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء، وقد جاءهم رسول من أنفسهم فأنذرهم وحذرهم، فكفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وأذاقهم لباس الجوع والخوف بدعاء رسوله إذ قال :" اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف "، فاضطر إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام المحرقة، وكان أحدهم ينظر على السماء فيرى شبه الدخان من الجوع، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم، ثم أخذهم يوم بدر ما أخذهم من العذاب، وقد جعل الله الجوع والخوف اللذين خالط أذاهما أجسامهم – لباسا لهم ؛ لأن أثرهما وضررهما قد أحاط بهم من كل جانب، فأشبها اللباس الذي يغطي الجسم ويحيط به، وجعل إصابتهم بهما إذاقة دلالة على شدة تأثيرهما الشديد الذي حدث فيهم كما يكون ذلك حين ذوق شيء مرّ بشع كريه، إذ يجد الذائق تقززا واشمئزازا.

﴿ فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ١١٤ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ١١٥ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ١١٦ متاع قليل ولهم عذاب أليم ١١٧ وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ١١٨ ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ [ النحل : ١١٤ -١١٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
الإيضاح :﴿ فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ﴾، أي : فكلوا يا معشر المؤمنين مما رزقكم الله من بهائم الأنعام التي أحلها لكم، وذروا الخبائث وهي الميتة والدم، واشكروه على ما أنعم به عليكم، بتحليله ما أحل لكم، وبسائر نعمه المتظاهرة عليكم، إن كنتم تعبدونه، فتطيعونه فيما يأمركم به، وتنتهون عما ينهاكم عنه، والمراد بذلك الحث على اتباع أوامره والمداومة عليها.
تفسير المفردات : يقولون : له وجه يصف الجمال، وعين تصف السحر، يريدون أنه جميل وأن عينه تفتن من رآها ؛ لأنه لما كان وجهه منشأ للجمال وعينه منبعا للفتنة والسحر كان كل منهما كأنه إنسان عالم بكنههما محيط بحقيقتهما يصفها للناس أجمل وصف ويعرفها أتم تعريف، على هذا الأسلوب جاء قوله تعالى :﴿ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ﴾، إذ جعل الكذب كأنه حقيقة مجهولة، وكلامهم الكذب يشرح تلك الحقيقة ويوضحها، كأن ألسنتهم موصوفة بالكذب هي حقيقته ومنبعه الذي يعرف منه، وعليه قول أبي العلاء المعرّي :
سرى برق المعرّة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
أي : إن سرى ذلك البرق يصف الكلال والإعياء.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
الإيضاح : وبعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات بين لهم ما حرّم عليهم فقال :
﴿ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ﴾، أي : إنما حرم عليكم ربكم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح للأنصاب، فسمي عليه بغير اسمه تعالى، فإن ذلك من ذبائح من لا يحل أكل ذبيحته.
والخلاصة : إن ما سمي عليه غير الله عند الذبح سواء كان صنما أو وثنا أو روحا خبيثا من جن، أو روحا طيبا من إنس، كالنبي والولي حيا أو ميتا، فأكله حرام لما جاء في الحديث :" ملعون من ذبح لغير الله "، سواء سمى الله عند ذبحه أو لم يسم ؛ لأن هذا الحيوان قد انتسب إلى غيره تعالى، فمن ذبح للسيد البدوي أو لإبراهيم الدسوقي أو للسيدة زينب لا يجوز أكل هذا الذبيح.
ثم ذكر الحال التي يسوغ فيها تناول شيء من هذه المحرمات فقال :
﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ﴾ أي فمن اضطر على تناول شيء من هذه المحرمات لمجاعة حلت به، وضرورة دعته إلى أخذ شيء منها، غير باغ على مضطر آخر ولا متعد قدر الضرورة وسد الرمق – فالله لا يؤاخذه على ذلك وهو الذي يستر ما يصدر منهم من الهفوات، وهو الرحيم بهم أن يعاقبهم على مثل ذلك، أما ما حرموه غير ذلك من البحائر والسوائب والوصائل ونحوها مما تقدم في سورة الأنعام فهو محض افتراء على الله، وقد تقدم مثل هذه الآية في سورة البقرة والمائدة والأنعام وفيها حصر المحرمات في هذه الأربع فحسب.
ثم أكد حصر المحرمات في هذه الأربع ونهى عن التحريم والتحليل بالأهواء فقال :
تفسير المفردات : لتفتروا : أي : لتكون العاقبة ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
الإيضاح :﴿ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ﴾، أي : ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام بالرأي والهوى، فلا تقولوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، ولا تحللوا الميتة والدم ولحم الخنزير الخ.
وخلاصة ذلك : لا تحللوا ولا تحرموا لمجرد وصف ألسنتكم الكذب وتصويرها له دون استناد إلى دليل، وكأنّ ألسنتكم لأنها منشأ الكذب وينبوعه شخص عالم بحقيقته، ومحيط بكنهه، يصفه للناس ويوضحه لهم أتم إيضاح.
﴿ لتفتروا على الله الكذب ﴾، أي : لتكون عاقبة أمركم إسناد التحريم والتحليل إلى الله كذبا من غير أن يكون ذلك منه، فالله لم يحرم من ذلك ما تحرمون ولا أحل كثيرا مما تحللون.
وإجمال ذلك : لا تسموا ما لم يأتكم حله ولا حرمته عن الله ورسوله حلالا وحراما فتكونوا كاذبين عليه ؛ لأن مدار الحل والحرمة عليه ليس إلا حكمه تعالى.
عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا – وقد صدق، فكل من أفتى بخلاف ما في كتاب الله وسنة رسوله لجهله بما فيهما فقد ضل وأضل من يفتيهم، ولله در القائل :
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الحائر
أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : عسى رجل يقول : إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا، فيقول الله عز وجل : كذبت، أو يقول : إن الله حرم كذا أو أحل كذا، فيقول الله له : كذبت.
ثم أوعد المفترين وهددهم أشدّ التهديد فقال :﴿ إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ﴾، أي : إن الذين يتخرّصون الكذب على الله في أمورهم صغيرها وكبيرها لا يفوزون بخير في المطالب التي لأجلها كذبوا على ربهم، إذ هم متى عرفوا بالكذب مجّهم الناس وانصرفوا عنهم وعاشوا أذلة بينهم ممقوتين، ويكونون مضرب الأمثال في الهوان والصغار – إلى ما يصيبهم من الخزي والوبال يوم القيامة.
ثم بين أن ما يحصل لهم من المنافع بالافتراء على الله ليس شيئا مذكورا إذا قيس بالمضارّ التي تنجم منه فقال :
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
﴿ متاع قليل ولهم عذاب أليم ﴾، أي : إن المنافع التي قد تحصل لهم على ذلك في الدنيا لا يعتد بها في نظر العقلاء ؛ إذا وزن بينهما وبين المضارّ التي في الآخرة، فما متاع الدنيا إلا ظل زائل ثم يفنى ويبقى لهم العذاب الأليم حين مصيرهم إلى ربهم بما اجترحوا من السيئات، ودنّسوا به أنفسهم من أوضار الإثم والفجور والكذب على بارئهم الذي خلقهم وصوّرهم فأحسن صورهم.
ونحو الآية قوله :﴿ نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ﴾ [ لقمان : ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
وبعد أن بين ما يحل وما يحرم لأهل الإسلام أتبعه ببيان ما خص به اليهود من المحرمات فقال :﴿ وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ﴾، أي : وحرمنا من قبلك أيها الرسول على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام :﴿ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ﴾ [ الأنعام : ١٤٦ ].
ثم بين السبب في ذلك التحريم عليهم فقال :﴿ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾، أي : وما ظلمناهم بتحريم ذلك عليهم، ولكن ظلموا أنفسهم بمعصيتهم لربهم وتجاوزهم حدوده التي حدها لهم وانتهاك حرماته، فعوقبوا بهذا التحريم كما قال في آية أخرى :﴿ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ﴾ [ النساء : ١٦٠ ] الآية.
وفي هذا إيماء لي أن ذلك التحريم إنما كان للظلم والبغي عقوبة وتشديدا، وبه يعلم الفرق في التحريم بينهم وبين غيرهم، فإنه لهم عقوبة، ولنا للمضرّة فحسب.
تفسير المفردات : والجهالة هنا : الطيش، وعدم التدبر في العواقب.
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه حال من كفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله، وأنه قد حلّ بهم العذاب من جوع وخوف، بسبب ظلمهم لأنفسهم وصدهم عن سبيل الله، – قفى على ذلك بأمر المؤمنين بأكلهم من الحلال الطيب، وشكرهم لنعمة الله عليهم، وطاعتهم للرسول فيما به أمر وعنه نهي، كيلا يحل بهم مثل ما حلّ بمن قبلهم، ثم ببيان ما حرمه من المآكل، وأن التحليل والتحريم لا يكونان إلاّ بنص من الدين لا بالهوى والتشهي ؛ لأن ذلك افتراء على الله، ومن يفتر عليه لا يفلح. وأن ما حرّم على اليهود قد ذكره فيما نزل عليه من قبل في سورة الأنعام، وأن من يعلم السوء لعدم تدبره في العواقب كغلبة الشهوة عليه ثم يتوب من بعد ذلك ويصلح أعماله، فإن الله غفور لزلاته، رحيم له، فيثيبه على طاعته.
الإيضاح : ثم بيّن أن الافتراء على الله، وانتهاك حرماته لا يمنع من التوبة التي يتقبّلها الله منهم، ويغفر لهم زلاتهم رحمة منه وفضلا فقال :﴿ ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾، أي : إن ربك للذين افتروا عليه، وأشركوا به سواه، وركبوا ما لا يليق من المعاصي بسبب الجهالة التي تحملهم على انتهاك حرمات الدين كالقتل للغيرة، أو للعصبية كما جاء في الخبر :" اللهم إني أعوذ بك من أن أجهل أو يجهل عليّ ". وقال عمرو بن كلثوم :
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
إنه لغفور رحيم لهم، إذ هم تابوا وندموا على ما فرط منهم، وأصلحوا أعمالهم ففعلوا ما يحب الله ورسوله.
وفي قوله :﴿ بجهالة ﴾، إيماء إلى أن من يأتي الذنوب قلّما يفكر في العاقبة ؛ لغلبة الشهوة عليه، أو لجهالة الشباب والطيش.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ﴾
تفسير المفردات : الأمة : الجماعة الكثيرة، وسمي إبراهيم أمة ؛ لأنه قد جمع من الفضائل والكمالات ما لو تفرق لكفى أمة، ألا ترى أبا نواس إذ يقول لهارون الرشيد مادحا :
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
والقانت : المطيع لله القائم بأمره. والحنيف : المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق.
﴿ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾، مدح الله عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء بجملة صفات من صفات الكمال :
إنه وحده كان أمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه كان عنده عليه الصلاة والسلام من الخير ما كان عند أمة، فهو رئيس الموحدين، كسر الأصنام، وجادل الكفار، ونظر في النجوم، ودرس الطبيعة الكونية، ليطمئن قلبه بالإسلام.
( ١ ) إنه كان قانتا، أي : مطيعا لله قائما بأمره.
( ٢ ) إنه كان حنيفا، أي : مائلا عن الباطل، متبعا للحق، لا يفارقه ولا يحيد عنه.
( ٣ ) إنه ما كان من المشركين في أمر من أمور دينهم، بل كان من الموحدين في الصغر والكبر، فهو الذي قال للملك في عصره :﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ]، وهو الذي أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله :﴿ لا أحب الآفلين ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ]، وكسر الأصنام حتى ألقوه لأجلها في النار فكانت عليه بردا وسلاما.
وعلى الجملة فقد كان غارقا في بحار التوحيد مستغرقا في حب الإله المعبود، وفي ذلك ردّ على كفار قريش إذ قالوا : نحن على ملة إبراهيم، وعلى اليهود الذين أشركوا وقالوا : عزير ابن الله، مع زعمهم أن إبراهيم كان على مثل ما هم عليه.
ونحو الآية قوله :﴿ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ﴾ [ آل عمران : ٦٧ ].
( ٥ ) إنه كان شاكرا لأنعم الله عليه كما قال :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ [ النجم : ٣٧ ]، أي : أقام بجميع ما أمره الله تعالى به، وفي هذا تعريض بكفار قريش الذين جحدوا بأنعم الله فأصابهم الجوع والخوف كما تقدم ذكره في المثل السابق.
( ٦ ) إنه اجتباه ربه واختاره للنبوة كما قال :﴿ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ﴾ [ الأنبياء : ٥١ ].
( ٧ ) إنه هداه إلى صراط مستقيم، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، مع إرشاد الخلق إلى ذلك والدعوة إليه.
( ٨ ) إن الله حببه إلى جميع الخلق، فجميع أهل الأديان، مسلميهم ونصاراهم ويهودهم يعترفون به، وكفار قريش لا فخر لهم إلا به، وقد أجاب الله دعاءه في قوله :﴿ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ].
( ٩ ) إنه في الآخرة في زمرة الصالحين، وهو معهم في الدرجات العلى من الجنة، إجابة لدعوته قال :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ﴾ [ الشعراء : ٨٣ ].
وبعد أن وصف إبراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغاية في علو المرتبة أخبر أنه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإتباعه فقال :
تفسير المفردات : واجتباه : اختاره واصطفاه. والحسنة : هي محبة أهل الأديان جميعا له إجابة لدعوته لربه :﴿ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٠:المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ﴾
تفسير المفردات : الأمة : الجماعة الكثيرة، وسمي إبراهيم أمة ؛ لأنه قد جمع من الفضائل والكمالات ما لو تفرق لكفى أمة، ألا ترى أبا نواس إذ يقول لهارون الرشيد مادحا :
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
والقانت : المطيع لله القائم بأمره. والحنيف : المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق.
﴿ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾، مدح الله عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء بجملة صفات من صفات الكمال :
إنه وحده كان أمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه كان عنده عليه الصلاة والسلام من الخير ما كان عند أمة، فهو رئيس الموحدين، كسر الأصنام، وجادل الكفار، ونظر في النجوم، ودرس الطبيعة الكونية، ليطمئن قلبه بالإسلام.
( ١ ) إنه كان قانتا، أي : مطيعا لله قائما بأمره.
( ٢ ) إنه كان حنيفا، أي : مائلا عن الباطل، متبعا للحق، لا يفارقه ولا يحيد عنه.
( ٣ ) إنه ما كان من المشركين في أمر من أمور دينهم، بل كان من الموحدين في الصغر والكبر، فهو الذي قال للملك في عصره :﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ]، وهو الذي أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله :﴿ لا أحب الآفلين ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ]، وكسر الأصنام حتى ألقوه لأجلها في النار فكانت عليه بردا وسلاما.
وعلى الجملة فقد كان غارقا في بحار التوحيد مستغرقا في حب الإله المعبود، وفي ذلك ردّ على كفار قريش إذ قالوا : نحن على ملة إبراهيم، وعلى اليهود الذين أشركوا وقالوا : عزير ابن الله، مع زعمهم أن إبراهيم كان على مثل ما هم عليه.
ونحو الآية قوله :﴿ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ﴾ [ آل عمران : ٦٧ ].
( ٥ ) إنه كان شاكرا لأنعم الله عليه كما قال :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ [ النجم : ٣٧ ]، أي : أقام بجميع ما أمره الله تعالى به، وفي هذا تعريض بكفار قريش الذين جحدوا بأنعم الله فأصابهم الجوع والخوف كما تقدم ذكره في المثل السابق.
( ٦ ) إنه اجتباه ربه واختاره للنبوة كما قال :﴿ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ﴾ [ الأنبياء : ٥١ ].
( ٧ ) إنه هداه إلى صراط مستقيم، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، مع إرشاد الخلق إلى ذلك والدعوة إليه.
( ٨ ) إن الله حببه إلى جميع الخلق، فجميع أهل الأديان، مسلميهم ونصاراهم ويهودهم يعترفون به، وكفار قريش لا فخر لهم إلا به، وقد أجاب الله دعاءه في قوله :﴿ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ].
( ٩ ) إنه في الآخرة في زمرة الصالحين، وهو معهم في الدرجات العلى من الجنة، إجابة لدعوته قال :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ﴾ [ الشعراء : ٨٣ ].
وبعد أن وصف إبراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغاية في علو المرتبة أخبر أنه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإتباعه فقال :

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٠:المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ﴾
تفسير المفردات : الأمة : الجماعة الكثيرة، وسمي إبراهيم أمة ؛ لأنه قد جمع من الفضائل والكمالات ما لو تفرق لكفى أمة، ألا ترى أبا نواس إذ يقول لهارون الرشيد مادحا :
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
والقانت : المطيع لله القائم بأمره. والحنيف : المائل عن الدين الباطل إلى الدين الحق.
﴿ شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾، مدح الله عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء بجملة صفات من صفات الكمال :
إنه وحده كان أمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنه كان عنده عليه الصلاة والسلام من الخير ما كان عند أمة، فهو رئيس الموحدين، كسر الأصنام، وجادل الكفار، ونظر في النجوم، ودرس الطبيعة الكونية، ليطمئن قلبه بالإسلام.
( ١ ) إنه كان قانتا، أي : مطيعا لله قائما بأمره.
( ٢ ) إنه كان حنيفا، أي : مائلا عن الباطل، متبعا للحق، لا يفارقه ولا يحيد عنه.
( ٣ ) إنه ما كان من المشركين في أمر من أمور دينهم، بل كان من الموحدين في الصغر والكبر، فهو الذي قال للملك في عصره :﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ]، وهو الذي أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله :﴿ لا أحب الآفلين ﴾ [ الأنعام : ٧٦ ]، وكسر الأصنام حتى ألقوه لأجلها في النار فكانت عليه بردا وسلاما.
وعلى الجملة فقد كان غارقا في بحار التوحيد مستغرقا في حب الإله المعبود، وفي ذلك ردّ على كفار قريش إذ قالوا : نحن على ملة إبراهيم، وعلى اليهود الذين أشركوا وقالوا : عزير ابن الله، مع زعمهم أن إبراهيم كان على مثل ما هم عليه.
ونحو الآية قوله :﴿ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ﴾ [ آل عمران : ٦٧ ].
( ٥ ) إنه كان شاكرا لأنعم الله عليه كما قال :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ [ النجم : ٣٧ ]، أي : أقام بجميع ما أمره الله تعالى به، وفي هذا تعريض بكفار قريش الذين جحدوا بأنعم الله فأصابهم الجوع والخوف كما تقدم ذكره في المثل السابق.
( ٦ ) إنه اجتباه ربه واختاره للنبوة كما قال :﴿ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين ﴾ [ الأنبياء : ٥١ ].
( ٧ ) إنه هداه إلى صراط مستقيم، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، مع إرشاد الخلق إلى ذلك والدعوة إليه.
( ٨ ) إن الله حببه إلى جميع الخلق، فجميع أهل الأديان، مسلميهم ونصاراهم ويهودهم يعترفون به، وكفار قريش لا فخر لهم إلا به، وقد أجاب الله دعاءه في قوله :﴿ واجعل لي لسان صدق في الآخرين ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ].
( ٩ ) إنه في الآخرة في زمرة الصالحين، وهو معهم في الدرجات العلى من الجنة، إجابة لدعوته قال :﴿ رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ﴾ [ الشعراء : ٨٣ ].
وبعد أن وصف إبراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغاية في علو المرتبة أخبر أنه أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإتباعه فقال :

المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
﴿ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ﴾، أي : ثم أوحينا إليك أيها الرسول وقلنا لك : اتبع ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة البريئة من عبادة الأوثان والأنداد التي يعبدها قومك، كما تبرأ إبراهيم من مثلها من قبل، فأنت متبع له وسائر على طريقه، وقومك ليسوا كذلك، لأنهم يحللون ويحرمون من عند أنفسهم.
ونحو الآية قوله في سورة الأنعام :﴿ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ﴾ [ الأنعام : ١٦١ ].
وخلاصة ذلك : إنه عليه الصلاة والسلام أمر باتباع ملة إبراهيم بنفي الشرك وإثبات التوحيد، وإن كان قد ثبت ذلك بالدليل العقلي، ليظاهر الدليل النقلي الدليل العقلي.
وقوله :﴿ وما كان من المشركين ﴾، تكرير لزيادة التوكيد وتقرير لنزاهته عليه الصلاة والسلام عما هم عليه من عقيدة وعمل.
تفسير المفردات : وجعل السبت لليهود : فرض تعظيمه والتخلي فيه للعبادة وترك الصيد.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح : ثم نعى على اليهود ما اختلفوا فيه وهو يوم السبت فقال :
﴿ إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ﴾، أي : إنما جعل وبال يوم السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموه أخرى، وكان من الحتم عليهم أن يتفقوا فيه على كلمة واحدة بعد أن أمروا بالكف عن الصيد فيه. كما أن وبال التحريم والتحليل من المشركين من عند أنفسهم واقع عليهم لا محالة.
وإن ربك ليفصل بين الفريقين في الخصومة والاختلاف، ويجازي كل فريق بما يستحق من ثواب وعقاب.
وإيراد هذه العبارة بين سابق الكلام ولاحقه – إنذار للمشركين وتهديد لهم بما في مخالفة الأنبياء من عظيم الوبال والنكال، كما ذكر مثل القرية فيما سلف، إلى أن فيه حثا على إجابة الدعوة التي تضمنها سابق الكلام وأمروا بها في لاحقه، ثم فصل سبحانه ما أمر باتباع إبراهيم فيه فقال :
تفسير المفردات : والحكمة : المقالة المحكمة المصحوبة بالدليل الموضح للحق المزيل للشبهة. والموعظة الحسنة : الدلائل الظنية المقنعة للعامة. والجدل : الحوار والمناظرة لإقناع المعاند.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾، أي : ادع أيها الرسول من أرسلك إليهم ربك بالدعاء إلى شريعته التي شرعها لخلقه بوحي الله الذي يوحيه إليك، وبالعبر والمواعظ التي جعلها في كتابه حجة عليهم، وذكرهم بها في تنزيله كالذي عدده في هذه السورة. وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها، بأن تصفح عما نالوا به عرضك من أذى، وترفق بهم بحسن الخطاب، كما قال في آية أخرى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ] الآية، وقال آمرا موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون :﴿ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ [ طه : ٤٤ ].
ثم توعد سبحانه ووعد فقال :
﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾، أي : إن ربك أيها الرسول هو أعلم بمن جار عن قصد السبيل من المختلفين في السبت وغيره، وأعلم بمن كان منهم سالكا قصد السبيل ومحجة الحق، وهو مجازيهم جميعا حين ورودهم إليه بحسب ما يستحقون.
وخلاصة ذلك : اسلك في الدعوة والمناظرة الطريق المثلى، وهي الدعوة بالتي هي أحسن، وليس عليك غيرها.
أما الهداية والضلال والمجازاة عليهما فإلى الله سبحانه لا إلى غيره، إذ هو أعلم بحال من لا يرعوي عن الضلال لسوء اختياره، وبحال من يصير أمره إلى الاهتداء، لما ينطوي بين جنبيه من الخير، فما شرعه لك في الدعوة هو الذي تقتضيه الحكمة، وهو كاف في هداية المهتدين وإزالة عذر الضالين.
ولما أمر الله رسوله بالدعوة وبين طريقها، وكانت تلك الدعوة تتضمن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم والحكم عليهم بالكفر والضلالة، وذلك مما جعل أكثرهم على إيذاء الداعي إما بقتله أو بضربه أو بشتمه، كما أن الداعي يدعوه طبعه إلى تأديب أولئك السفهاء تارة بالقتل وأخرى بالضرب، لا جرم أمر سبحانه المحقين برعاية العدل والإنصاف في العقاب وترك الزيادة فيه فقال :
تفسير المفردات : والعقاب في أصل اللغة : المجازاة على أذى سابق، ثم استعمل في مطلق العقاب.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾، أي : وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم، فلكم في العقاب إحدى طريقتين :
( ١ ) أن تعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة.
( ٢ ) أن تصبروا وتتجاوزوا عما صدر منه من الذنب، وتصفحوا عنه، وتحتسبوا عند الله ما نالكم به من الظلم، وتكلوا أمركم إليه، والله يتولى عقوبته، والصبر خير للصابرين من الانتقام ؛ لأن الله ينتقم من الظالم بأشد مما كان ينتقم منه لنفسه.
والخلاصة : إنكم إن رغبتم في القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن الزيادة ظلم، والظلم لا يحبه الله ولا يرضى به، وإن تجاوزتم عن العقوبة وصفحتم فذلك خير وأبقى، والله هو الذي يتولى عقاب الظالم ويأخذ بناصر المظلوم.
ثم أمر رسوله بالصبر صراحة بعد أن ندب إليه غيره تعريضا ؛ لأنه أولى الناس بعزائم الأمور، لزيادة علمه بشؤونه تعالى فقال :
تفسير المصطلحات : والضيق :( بفتح الضاد وكسرها ) الغم وانقباض الصدر.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ واصبر وما صبرك إلا بالله ﴾، أي : واصبر على ما أصابك منهم من أذى في الله، ومن إعراض عن الدعوة، وما صبرك إن صبرت إلا بمعونة الله وحسن توفيقه، ومشيئته المبنية على الحكم البالغة التي تنتهي إلى عواقب حميدة.
وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتهوين لمشاقّ الصبر عليه وتشريف له بما لا مزيد عليه.
﴿ ولا تحزن عليهم ﴾، أي : ولا تحزن على إعراض المشركين الذين يكذّبونك وينكرون ما جئتهم به.
﴿ ولا تكن في ضيق مما يمكرون ﴾، أي : ولا يضق صدرك بما يقولون من الجهل بنسبتك إلى السحر والكهانة والشعر احتيالا وخديعة لمن أراد الإيمان بك، وصدا عن سبيل الله.
وقصارى ذلك : إنه نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضيق صدره مما يلقى من أذى المشركين على تبليغهم وحي الله وتنزيله كما قال :﴿ فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به ﴾ [ الأعراف : ٢ ]، وقال :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ﴾ [ هود : ١٢ ].
فالله كافيك أذاهم، وناصرك عليهم، ومؤيدك ومظهرك عليهم، فمهما حاولوا إيصال الأذى بك، فإن الله مبعده عنك، ومحبط ما صنعوا وهم لا يشعرون.
المعنى الجملي : بعد أن زيف سبحانه مذهب المشركين في إثبات الشركاء والأنداد لله، وفي طعنهم في نبوة الأنبياء والرسل بنحو قولهم : لو أرسل الله رسلا لأرسل ملائكة. وفي تحليلهم أشياء حرمها الله، وتحريم أشياء أحلها الله، وبالغ في رد هذه المعتقدات. ختم السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين الذي كان المشركون يفتخرون به، ويقرّون بوجوب الاقتداء به، ليصير ذكر طريقته حاملا لهم على الإقرار بالتوحيد والرجوع عن الشرك، ثم بأمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإتباعه، ثم يجعل الأسس التي يبني عليها دعوته هي الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالحسنى، ثم أمره باللين في العقاب إن أراده، أو بترك العقاب، وهو أفضل للصابرين، ثم بأمره بجعل الصبر رائده في جميع أعماله، ونهيه عن الحزن على كفر قومه، وأنهم لم يجيبوا دعوته، وأنهم يمكرون به، فالله ينصره عليهم ويكفيه أذاهم، فقد جرت سنته بأن العاقبة للمتقين، والخذلان للعاصين الخائنين.
الإيضاح :﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾، أي : إن الله مع الذين اتقوا محارمه فاجتنبوها خوفا من عقابه، والذين يحسنون رعاية فرائضه، والقيام بحقوقه، ولزوم طاعته فيما أمرهم به، وفي ترك ما نهاهم عنه.
ونحو الآية قوله لموسى وهارون :﴿ لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾ [ طه : ٤٦ ]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصديق وهما في الغار فيما حكى الله عنه :﴿ لا تحزن إن الله معنا ﴾ [ التوبة : ٤٠ ].
وقصارى ذلك : إن الله تعالى وليّ الذين تبتّلوا إليه، وأبعدوا الشواغل عن أنفسهم، فلم يحزنوا لفوت مطلوب، ولم يفرحوا لنيل محبوب، والذين هم محسنون أعمالهم برعاية فرائضه وأداء حقوقه على النحو اللائق بجلاله وكماله، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان فقال :" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
والله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يوفقنا للفقه في دينه، ويفتح لنا خزائن أسراره، بحرمة كتابه وكنوز شريعته التي أنزلها على رسوله النبي الأمي، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
Icon