ﰡ
[سورة النحل (١٦) : آية ٨]
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨)
سئل عن قوله تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [٨] قال: أما ظاهر الآية ما حكاه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن مما خلق الله تعالى أرضاً من لؤلؤة بيضاء مسيرة ألف عام في ألف عام، عليها جبل من ياقوتة حمراء، تحيط بها سماء تلك الأرض، فيها ملك قد ملأ شرقها وغربها، له ستمائة وستون ألف رأس، في كل رأس ستمائة وستون فم، في كل فم ستمائة ألف لسان، يثني على الله بكل لسان ستمائة وستين ألف مرة في كل يوم، فإذا كان يوم القيامة نظر إلى عظمة الله تعالى فقال: وعزتك وجلالك ما عبدتك حق عبادتك»، قال الله تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [٨] وباطنها علمك الحق جل جلاله الوقوف عند ما لا يدركه عقلك من آثار الصنع وفنون العلم أن يقابله بالإنكار، فإنه خلق ما لا تعلمه أنت، ولا أحد من خلقه إلا من علمه الحق عزَّ وجلَّ.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١ الى ١٢]
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)
وسئل عن قوله: مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً [١١] وقال بعدها: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ [١٢] فقال: لأن الثمرات من نوع واحد، والليل والنهار نوعان، وكذلك الشمس والقمر، فقال: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [١٢]. واعلم أن الله تعالى لما أراد إظهار علمه أودع علمه العقل، وحكم أنه لا يصل أحد إلى شيء منه إلا بالعقل، فمن فاته العقل فقد فاته العلم.
[سورة النحل (١٦) : آية ٢١]
أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)
قوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ [٢١] قال سهل: خلق الله تعالى الخلق، ثم أحياهم باسم الحياة، ثم أماتهم بجهلهم بأنفسهم، فمن كانت حياته بالعلم فهو الحي، وإلا فهم الأموات بجهلهم.
[سورة النحل (١٦) : آية ٣٦]
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)
قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [٣٦] قال: العبادة زينة العارفين، وأحسن ما يكون العارف إذا كان في ميادين العبودية والخدمة، يترك ما له لما عليه.
[سورة النحل (١٦) : آية ٥٣]
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣)
قوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [٥٣] قال سهل:
لو أن الله تعالى طالب حملة العرش، فمن دونهم من الملائكة ومن النبيين والمرسلين، بما جهلوا من
قال: يلهمه الاستغفار عند التقصير، والشكر له عند النعمة، وإنما أرادوا بالنية أن يتعرفوا بها نعم الله تعالى عليهم، فيدوم لهم الشكر ويدوم لهم المزيد. ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [٥٣] يعني إياه تدعون عند الفقر والبلاء، وربما يكون ذلك نعمة من الله عليكم، إذ لو شاء لابتلاكم بأشد منه، فيصير ذلك عند أشد البلاء نعمة، فيجزعون منه، ولا يصبرون ولا يشكرون. وبلغنا أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام فقال: اصبر على المئونة تأتك مني المعونة «١».
[سورة النحل (١٦) : آية ٥٥]
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)
قوله تعالى: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [٥٥] قال: هذا وعد من الله تعالى لكفار مكة على تكذيبهم، مع ما أنعم الله عليهم في الدنيا، أنهم سيعلمون جزاء ذلك في الآخرة، وهذه الآية أيضاً وعيد شديد للغافلين على ما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من أخذ من الدنيا نهمته حيل بينه وبين نهمته في الآخرة حلالها حساب وحرامها عقاب» «٢»، وإنما يحاسب المؤمنون بما أخذوا من الحلال فضلاً على ما يكفيهم، فأما من أخذ البلغة من الحلال فهو داخل تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من الدنيا كسرة يسد بها المؤمن جوعته، وثوب يواري به عورته ويؤدي فيه فرضه، وبيت يكنه من حر الشمس وبرد الشتاء» «٣».
[سورة النحل (١٦) : آية ٦٧]
وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)
قوله: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [٦٧] قال: هذه الآية نسخت بآية الخمر، كذا قال إبراهيم «٤» والشعبي «٥». قال سهل: السكر عندي ما يسكر النفس في الدنيا، ولا تؤمن عاقبته في الآخرة. وقد دخل على سهل أبو حمزة الصوفي «٦» فقال: أين كنت يا أبا حمزة؟ قال:
(٢) الترغيب والترهيب ٤/ ٧٧ (رقم ٤٨٦٨) وشعب الإيمان ٧/ ١٢٥ (رقم ٩٧٢٢). [.....]
(٣) في الترغيب والترهيب ٤/ ٧٧ (رقم ٤٨٧٠) :(روي عن ثوبان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما يكفيني من الدنيا؟ قال: ما سدّ جوعتك، ووارى عورتك، وإن كان لك بيت يظلك فذاك، وإن كانت لك دابة فبخ. رواه الطبراني في الأوسط).
(٤) إبراهيم بن أدهم بن منصور، التميمي، البلخي (... - ١٦١ هـ) : زاهد مشهور، تفقه ورحل إلى بغداد، وجال في العراق والشام والحجاز، وأخذ عن كثير من العلماء فيها. (الحلية ٧/ ٣٦٧).
(٥) الشعبي: عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الحميري (١٩- ١٠٣ هـ) : راوية، من التابعين، يضرب المثل بحفظه. كان فقيها، شاعرا. استقضاه عمر بن عبد العزيز. (الحلية ٣/ ٤١٠، وتاريخ بغداد ١٢/ ٢٢٧).
(٦) أبو حمزة الصوفي: محمد بن إبراهيم الصوفي (... - ٢٧٠ هـ) : أستاذ البغداديين في التصوف، وكان عالما بالقراءات. (تاريخ بغداد ١/ ٣٩٠).
[سورة النحل (١٦) : آية ٧٢]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)
قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [٧٢] قال: روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الحفدة الأختان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: البنون الصغار الصغار، والحفدة الذين يعينون الوالد على عمله. وعن الضحاك «١» قال: الحفدة الخدمة لله إيجاباً بغير سؤال منهم غيره.
[سورة النحل (١٦) : آية ٨٨]
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)
قوله: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [٨٨] قال: حكى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن هذه الزيادة ما هي، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الزيادة خمسة أنهار تخرج من تحت العرش على رؤوس أهل النار الجاحدين بالله ورسوله، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار تجري ناراً أبداً ما داموا فيها» «٢».
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٠]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [٩٠] قال: العدل قول لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والاقتداء بسنة نبيه صلّى الله عليه وسلّم، وَالْإِحْسانِ [٩٠] أن يحسن بعضكم إلى بعض، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى [٩٠] أي من رزقه الله فضلاً فليُعطِ من استرعاه الله أمره من أقاربه، والْفَحْشاءِ [٩٠] الكذب والغيبة والبهتان، وما كان من الأقوال، وَالْمُنْكَرِ [٩٠] ارتكاب المعاصي، وما كان من الأفعال، يَعِظُكُمْ [٩٠] يؤدبكم بألطف أدب، وينبهكم بأحسن الانتباه، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [٩٠] أي تتعظون وتنتهون. قال سهل: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا «٣».
[سورة النحل (١٦) : آية ٩٧]
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)
قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً [٩٧] قال: الحياة هي أن ينزع من العبد تدبيره، ويرد إلى تدبير الحق فيه «٤».
(٢) لم أجد الحديث في مصادر الحديث، وفي تفسير ابن كثير ٢/ ٦٠٣ عن ابن عباس قال: (هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل، وببعضها في النهار).
(٣) في كتاب الزهد الكبير ٢/ ٢٠٧ أنه قال: (الناس نيام فإذا انتبهوا ندموا، وإذا ندموا لم تنفعهم ندامتهم)، وفي كشف الخفاء ٢/ ٤١٤، ٥٢٥ أنه من قول علي بن أبي طالب، ثم قال في ٢/ ٤١٤: (عزاه الشعراني في الطبقات إلى سهل التستري وفي فيض القدير ٥/ ٥٦ أنه حديث نبوي، وفي الحلية ٧/ ٥٢ أنه لسفيان الثوري.
(٤) تفسير القرطبي ١٠/ ١٧٤.
[سورة النحل (١٦) : آية ١١٠]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠)قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا [١١٠] قال سهل: هاجروا يعني هجروا قرناء السوء بعد أن ظهرت الفتنة منهم في صحبتهم، ثم جاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير، ثم صبروا على ذلك، ولم يرجعوا إلى ما كانوا عليه في بدء الأحوال. وقد سأل رجل سهلاً فقال: إن معي مالاً، ولي قوة وأريد الجهاد، فما تأمرني؟
فقال له سهل: المال العلم، والقوة النية، والجهاد مجاهدة النفس، لا يقبل العافية فيما حرم الله تعالى إلا نبي أو صديق، فقيل لأبي عثمان: ما معنى قوله: «إلا نبي أو صديق» ؟ فقال: لا يدخل في شيء لا تقوم له.
[سورة النحل (١٦) : آية ١١٩]
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)
قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا [١١٩] قال سهل: ما عصى الله تعالى أحد إلا بجهل، ورُبَّ جهلٍ أورث علماً، والعلم مفتاح التوبة، والإصلاح صحة التوبة، فمن لم يصلح توبته فعن قريب تفسد توبته، لأن الله تعالى يقول:
ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا [١١٩]، وسئل سهل عن الجاهل، فقال: الذي يكون إمام نفسه، ولا يكون له إمام صالح يقتدي به.
[سورة النحل (١٦) : آية ١٢٧]
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)
قوله: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [١٢٧] قال سهل: واصبر واعلم أنه لا معين على الأمور إلا الله تعالى، والله سبحانه وتعالى أعلم.