ﰡ
[سورة مريم (١٩) : آية ١٣]
وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣)
قوله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا [١٣] أي فعلنا ذلك رحمة من لدنا بأبويه، وَزَكاةً [١٣] أي طهرناه من ظنون الخلق إليه فيه، وَكانَ تَقِيًّا [١٣] أي مقبلاً علينا، معرضاً عما سوانا. وقال: إن أحوال الأنبياء كلها محضة.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢)
وقوله: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [٣١] يعني آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأرشد الضال، وأنصر المظلوم، وأغيث الملهوف.
قوله عزَّ وجلَّ: وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [٣٢] أي جاهلاً بأحكامه متكبراً على عبادته، وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الكبرياء رداء الله من نازع الله فيه أكبه على منخره في النار» «١».
وسئل عن قوله عزَّ وجلَّ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [٢٦] فقال: صمتاً عن الكل، إلا عن ذكرك، إذا سأل الصائم أن تقر عينه بك، ويسكن قلبه إليك لا إلى غيرك، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [٢٦].
[سورة مريم (١٩) : آية ٥٢]
وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢)
قوله: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [٥٢] أي مناجياً للمكاشفة التي لا تخفى من الحق على القلوب محادثة وودا، كما قال تعالى: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [٩٦] أي مكاشفة تتخذ الأسرار من غير واسطة. وهذا مقام من الله للذين صدقوا الله في السر والعلانية.
[سورة مريم (١٩) : آية ٦١]
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)
قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ [٦١] يعني معاينة الحق بمعنى القرب الذي جعله بينه وبينهم، فيرى العبد قلبه في قرب الحق مشهوداً في غيب الغيب، وغيب الغيب هو نفس الروح وفهم العقل وفطنة المراد بالقلب، فإن نفس الروح موضع العقل، وهو موضع القدس، والقدس متصل بالعرش، وهو اسم من أسماء العرش، وجعل الله تعالى للنفس جزءاً من ألف جزء من الروح، بل أقل من ذلك، فإذا صارت إرادة الروح إرادة النفس أعطيا فيما بينهما الفطنة والذهن، والفطنة إمام الذهن، والفهم إمام الذهن، والفطنة حياة،
باب البراءة من الكبر، رقم ٤١٧٤ ومسند أحمد ٢/ ٢٤٨، ٣٧٦، ٤١٤، ٤٢٧، ٤٤٢.
وكان موسى عليه السلام بعد ذلك كلما رأى جبلاً أسرع إليه، وصعد عليه شوقاً إلى كلامه جل جلاله.
وقد كان رجل من بني إسرائيل لا يذهب موسى إلى مكان إلا مشى بحذائه، ولا يجلس مجلساً إلا جلس بحذائه، حتى تأذى موسى عليه السلام منه، قيل له: إنك أذيت نبي الله. قال:
إنما أريد أن أنظر إلى الفم الذي كلّم الله به. فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: ١٤٣] فقال:
يا موسى، إنه لن يراني خليقة في الأرض إلا مات. فقال: «رب أرني أنظر إليك وأموت، أحب إلي من أن لا أنظر إليك وأحيى». فمن أخلص لله قلبه له فاشتاق إليه وصل إليه.
وقد كان أبو عبيد الله الخواص يصيح ببغداد فيقول: أنا من ذكرك جائع لم أشبع، أنا من ذكرك عطشان لم أرو، ووا شوقاه إلى من يراني ولا أراه، ثم يأتي دجلة وعليه ثياب فيرمي نفسه فيها، فيغوص في موضع ويخرج من موضع آخر وهو يقول: أنا من ذكرك جائع لم أشبع، أنا من ذكرك عطشان لم أرو، ووا شوقاه إلى من يراني ولا أراه، والناس على الشط يبكون.
وجاء رجل إلى سهل يوماً والناس مجتمعون عليه فقال: يا أبا محمد انظر إيش عمل بك وإيش يوقع لك، فلم يؤثر ذلك على سهل، وقال: هو المقصود هو المقصود.
[سورة مريم (١٩) : آية ٧٦]
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)
قوله تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً [٧٦] قال: أي يزيد الله الذين اهتدوا بصيرة في إيمانهم بالله، وفي اقتدائهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو زيادة الهدى والنور المبين.
[سورة مريم (١٩) : آية ٨٥]
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥)
قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [٨٥] أي ركباناً. والمتقون هم الذين يتقون ما سوى الله عزَّ وجلَّ. وقال: لا يكمل للعبد شيء حتى يحصن عمله بالخشية، وفعله بالورع، وورعه بالإخلاص، وإخلاصه بالمشاهدة، والمشاهدة بالتقوى عما سوى الله.
قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [٨٣] قال:
تزعجهم بالمعاصي إزعاجاً، وتدعوهم إليها بما تهوى أنفسهم بترك عصمة الله، كما قال تعالى في قصة اللعين: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: ٢٢] ودعاؤه على مقامات فقد يكون إلى الشر، وقد يكون إلى الخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الشيطان ليورد أحدكم سبعين باباً من الخير ليوقعه في باب من الشر فيهلكه» قال: وإن اللعين يوسوس إلى جميع أهل العبادات وأصحاب الجهد، ولا يبالي منهم إلا من لا يدخل في شيء، حتى يعلم أنه له أو عليه، وإنما وقع المغاليط للعباد والزهاد في العلم لا في الاجتهاد، فلم يكن لهم حال يعرفونها فيما بينهم وبين ربهم، فإن الله تعالى إذا حاسب العبد يوم القيامة فكل فعل عرف صاحبه حاله فيه من طاعة أو معصية ثبت عقله له، وما جهل فيه حاله تحير ودهش لذلك لأنه إذا عرف حاله صحت الطاعة والتوبة بحجة الله، وإذا لم يعرف يتحير ويدهش لأنه عمل بغير حجة.
وسئل سهل عن رجل يذكر الله فيخطر بقلبه: إن الله معك. قال: هو مكلف ثالث، إما أن يكون عدواً فيريد أن يقطعه، وإما أن يكون ذلك نفسه تريد أن تخونه وتخدعه، فلا يلتفتن إلى الخواطر في هذه الحال، والله سبحانه وتعالى أعلم.