تفسير سورة سورة مريم من كتاب تفسير القرآن العزيز
المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين
.
لمؤلفه
ابن أبي زَمَنِين
.
المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة مريم وهي مكية كلها
ﰡ
ﭑ
ﰀ
قَوْله: ﴿كهيعص﴾ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهُ، غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَفَوَاتِحُهَا.
قَالَ يَحْيَى: [ثُمَّ ابْتَدَأَ] الْكَلَامَ فَقَالَ: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ يَقُولُ: ذِكْرُهُ لِزَكَرِيَّا رَحْمَةً مِنْهُ لَهُ
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ (ل ٢٠١) أَي: سرا
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مني﴾ أَيْ: ضَعُفَ ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾.
87
قَالَ مُحَمَّد: (شيبا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. ﴿وَلَمْ أَكُنْ بدعائك رب شقيا﴾ أَيْ: لَمْ أَزَلْ بِدُعَائِي إِيَّاكَ سعيدا
88
﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ يَعْنِي: الْعَصَبَةَ الَّذِينَ [يَرِثُونِي] ﴿مِنْ ورائي﴾ مِنْ بَعْدِيَ؛ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عاقرا﴾ أَيْ: لَمْ تَلِدْ ﴿فَهَبْ لِي من لَدُنْك﴾ من عنْدك ﴿وليا﴾ يَعْنِي ولدا
﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ أَيْ: يَرِثُ مُلْكَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ؛ كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ لَيْسَ يَعْنِي: يَعْقُوبَ الْأَكْبَرَ؛ يَعْقُوبَ دُونَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَرِثنِي وَيَرِث) بِالَّرَفْعِ جَعَلَهُ كَالْنَعْتِ لِلْوَلِيِّ؛ الْمَعْنَى: هَبْ لِي الَّذِي يَرِثُنِي.
وَمِنْ قَرَأَهَا بِالْجَزْمِ (يَرِثْنِي وَيَرِثْ مِنْ آل) فعلى جَوَاب الْأَمر.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (يَرِثنِي وَيَرِث) بِالَّرَفْعِ جَعَلَهُ كَالْنَعْتِ لِلْوَلِيِّ؛ الْمَعْنَى: هَبْ لِي الَّذِي يَرِثُنِي.
وَمِنْ قَرَأَهَا بِالْجَزْمِ (يَرِثْنِي وَيَرِثْ مِنْ آل) فعلى جَوَاب الْأَمر.
﴿اسْمه يحيى﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سميا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لَمْ يُسَمَّ أحد قبله يحيى
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَام﴾ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ أَيْ: (يُبْسًا).
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْ يَبُسَ: عَتَا يعتو عتيا، وعتوا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْ يَبُسَ: عَتَا يعتو عتيا، وعتوا.
﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَليّ هَين﴾ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: (كَذَلِكَ قَالَ رَبك هُوَ
88
عَليّ هَين} أُعْطِيكَ هَذَا الْوَلَدَ؛ وَهُوَ كَلَامٌ مَوْصُولٌ أَخْبَرَ بِهِ الْمَلَكُ عَنِ الله
89
﴿قَالَ﴾ ﴿زَكَرِيَّا﴾ (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} عَلَامَةً ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاس ثَلَاث لَيَال سويا﴾ يَعْنِي: صَحِيحًا لَا يَمْنَعُكَ الْكَلَامَ مَرَضٌ. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا عُوْقِبَ؛ لِأَنَّهُ سَأَلَ الْآيَة بعد مَا (شَافَهَتْهُ الْمَلَائِكَةُ) وَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، فَأُخِذَ عَلَيْهِ لِسَانُهُ، فَجَعَلَ لَا يُبِينُ الْكَلَام
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ يَعْنِي: الْمَسْجِد ﴿فَأوحى إِلَيْهِم﴾ أَشَارَ إِلَيْهِمْ ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعشيا﴾ أَيْ: صَلُّوا لِلَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ١٢ آيَة ١٥).
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ١٢ آيَة ١٥).
﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ: بِجِدٍ وَمُوَاظَبَةٍ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبيا﴾ يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِهِ يَقُولُ لَهُ الصِّبْيَانُ: يَا يَحْيَى تعال نَلْعَبُ. فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلَّعِبِ خُلِقْنَا!
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِهِ يَقُولُ لَهُ الصِّبْيَانُ: يَا يَحْيَى تعال نَلْعَبُ. فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلَّعِبِ خُلِقْنَا!
﴿وَحَنَانًا من لدنا﴾ أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْحَنَانُ أَصْلُهُ: الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْحَنَانُ أَصْلُهُ: الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(فَقَالَتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَا هُنَا | أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بالحي عَارِف؟) |
(وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا عَلَيْكُمْ | أَجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ) |
قَالَ مُحَمَّدٌ: النَّسْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَصْلُهُ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ؛ الَّذِي إِذَا ألقِي نسي غَفلَة عَنهُ.
﴿فناداها من تحتهَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ جِبْرِيلُ.
قَالَ يَحْيَى: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿فناداها من تحتهَا﴾ يَعْنِي: عِيسَى.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا [يَحْيَى] كَيْفَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْله: (من تحتهَا) وَذَكَرَ
قَالَ يَحْيَى: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿فناداها من تحتهَا﴾ يَعْنِي: عِيسَى.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لَمْ يُبَيِّنْ لَنَا [يَحْيَى] كَيْفَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْله: (من تحتهَا) وَذَكَرَ
92
أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّهَا تُقْرَأُ (مِنْ تَحْتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ الَّتِي بَعْدَ الْحَاءِ، وَتُقْرَأْ أَيْضًا بِفَتْحِهِمَا؛ فَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ؛ فَتَأْوِيلَهَا: أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَاهَا، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ فَتَأْوِيلَهَا: عِيسَى هُوَ الَّذِي نَادَاهَا. ﴿أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتك سريا﴾ السَّرِيُّ: الْجَدْوَلُ، وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ
93
﴿وهزي إِلَيْك بجزع النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ أَيْ: حِينَ اجْتُنِيَ، وَكَانَ الْجِذْعُ يَابسا.
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٢٦ آيَة ٣٨).
سُورَة مَرْيَم من (آيَة ٢٦ آيَة ٣٨).
﴿فكلي واشربي وقري عينا﴾.
93
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: قَرَرْتُ بِهِ عَيْنًا أَقَرُّ بِفَتْحِ الْقَافِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قُرُورًا، وَقَرَرْتُ فِي الْمَكَانِ أَقِرُّ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَ (عَيْنًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما﴾ أَيْ: صَمْتًا ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنسيا﴾ أُذِنَ لَهَا فِي هَذَا الْكَلَامُ، وَكَانَتْ آيَةً جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا يَوْمَئِذٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْمُمْسِكِ عَنِ الطَّعَامِ أَوِ الْكَلَامِ: صَائِمٌ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْمُمْسِكِ عَنِ الطَّعَامِ أَوِ الْكَلَامِ: صَائِمٌ.
94
﴿لقد جِئْت شَيْئا فريا﴾ أَيْ: عَظِيمًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَبَالَغَ فِيهِ؛ كَانَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلَانٌ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا فَبَالَغَ فِيهِ؛ كَانَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
(أَلَا رُبَّ مَنْ يَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَى | مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي) |