تفسير سورة مريم

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة مريم من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة مريم مكية إلا آية السجدة وهي ثمان أو تسع وتسعون آية وست ركوعات.

﴿ كهيعص١ عن بعضهم معناه : الله كاف هاد يده فو ق الأيدي عالم صادق.
١ عن محمد بن الحنفية أنه قال ـ في جواب سائل عن كهيعص: لو أخبرتك عن تفسيرها لمشيت على الماء /١٢ وجيز. كما وقع الخلاف في تفسير هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين بعدهم ولم يصح مرفوعا في ذلك شيء ومن روى عنه من الصحابة في ذلك شيئا فقد روي عن غيره ما يخالفه فلا يقوم شيء من ذلك حجة بل الحق الوقف /١٢ فتح..
﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ﴾ خبر لكهيعص، إن كان اسما للسورة، وإلا فتقديره هذا المتلو ذكر رحمة ربك ﴿ عَبْدَهُ ﴾ مفعول رحمة ﴿ زَكَرِيَّا١ بدل، أو عطف بيان.
١ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "كان زكرياء نجارا" أخرجه أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه /١٢ فتح. [وقال الشيخ شاكر في "تعليقه على المسند" (٨٩٣٤): إسناده صحيح]..
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾ والإخفاء في الدعاء أبعد من الرياء١، ولأن دعاءه في جوف الليل عند نوم أهله.
١ والإخفاء في الدعاء سنة الأنبياء "ادعوا ربكم تضرعا وخفية" (الأعراف: ٥٥}، وفي الحديث: "إنكم لا تعون أصم ولا غائبا" /١٢ وجيز. [البخاري (٦٣٨٤) ومسلم (٥/٥٥٤) ط الشعب]..
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ﴾ : ضعف ﴿ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾ أي : جنس العظم، والعظام التي هي قوام البدن إذا وهنت مع أنها أصلب ما فيه، فكيف بما وراءها ؟ ! ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ شبه الشيب بلهب١ نار لا دخان فيه وانتشاره باشتعالها٢، وأسند إلى الرأس الذي هو مكان الشيب ٣ مبالغة، ولم يضف الرأس٤ اكتفاء بعمل المخاطب وأخرج الشيب مميزا الإيضاح المقصود ﴿ وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ بل عادتك الاستجابة لي كلما دعوتك فأنت الذي أطمعتني٥ -٦ في قبول الدعاء.
١ في بياضه وإنارته /١٢ منه..
٢ وأخرجه تخرج الاستعارة بطرح أداة التشبيه /١٢ منه..
٣ فإن الشيب في الشعر والرأس منبته /١٢ منه..
٤ حيث لم يقل رأسي اكتفاء باللام /١٢ منه..
٥ في الأصل: أطعمتني والسياق يرجح ما ذكرنا..
٦ روي أن حاتم الطائي أتاه طالب حاجة وقال أنا الذي أحسنت إلى رحمة كذا فقال حاتم مرحبا بالذي توسل بنا إلينا و قضى/١٢ وجيز. في الأصل: أطعمتني والسياق يرجح ما ذكرنا..
﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ ﴾ بني عمه وعصبته خاف أن لا يحسنوا الخلافة ﴿ مِن وَرَائِي ﴾ بعد موتي وهو متعلق بمحذوف أي : خفت عملهم بعدي ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾ : لا تلد ﴿ فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ﴾ : من محض فضلك فإني وامرأتي لا نصلح للولادة بحسب العادة ﴿ وَلِيًّا ﴾ : من صلبي١.
١ كما صرح به في سورة آل عمران "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء" (آل عمران: ٣٨) /١٢ وجيز،.
﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ : النبوة والعلم وكان زكريا من ذرية يعقوب وقد ثبت :" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة " ١ ولولا أن المراد منه هذه الوراثة الخاصة لكانت تلك الصفة أي :" يرثني " زائدة فيها إذ الولد يرث أباه في كل٢ شرع ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ : مرضيا عندك وعند خلقك.
١ في الصحيحين /١٢. [أخرجه البخاري في "الفرائض"، باب: قو ل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لا نورث ما تركنا صدقة، (٦٧٢٧، ٦٧٢٦) وفي موضع آخر من صحيحه، ومسلم في "الجهاد"، باب: حكم الفيء، (١٧٥٧) بلفظ: "لا نورث ما تركنا صدقة" وأما اللفظ الذي ذكره المصيف قال عنه الحافظ في "الفتح"، (١٢/١٠): "وأما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: نحن....... وذكره. فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ "نحن"، بكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عنه، وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن عيينة وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه. وأورد الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ باللفظ المذكور، وأخرجه الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور، وأخرجه الدارقطني في "العلل" من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق بلفظ: "إن الأنبياء لا يورثون"..
٢ والأكثرون على موت زكريا قبل يحيي فلا يلزم عدم استجابة دعائه، وقد قال الله تعالى في سورة الأنبياء ﴿فاستجبنا به﴾ (الأنبياء: ٩٠}، فإن مقصود من الولد الوراثة فلو لم تكن فالولد كلا ولد فكيف يقول الله تعالى ﴿فاستجبنا له﴾ /١٢ وجيز..
﴿ يَا زَكَرِيَّا ﴾، جواب لندائه ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ : لم يسم أحد قبله بهذا الاسم ١ أو معناه شبيها.
١ قاله أكثر المفسرون /١٢ فتح..
﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي ﴾ : من أول عمرها ﴿ عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ : يبسا في المفاصل والعظام كالعود اليابس يقال : عتا العود أي : يبس من أجل الكبر وأصله عتو استثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء ثم قلبت الثانية وأدغمت، وهذا تعجب منه عليه الصلاة والسلام واستغراب١.
١ فلا يرد أنه عليه السلام طلب أولا فلما استجيب استبعد وأحال، قيل استعجب ليجاب بما أجيب به فيزداد المؤمنون إيقانا ويرتدع المبطلون /١٢ منه..
﴿ قَالَ ﴾ : الملَك المبشر له، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي : الأمر كذلك ﴿ قَالَ رَبُّكَ هُوَ ﴾ أي اتخاذ الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها ﴿ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ : يسير، ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا١، فإن خلق أصلك آدم وهو معدوم صرف أغرب.
١ في حيز العدم فظاهر هذا أن المعدوم ليس بشيء /١٢ وجيز..
﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ﴾ : علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به ﴿ قَالَ آيَتُكَ أََلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ﴾ : لا تقدر على التكلم ﴿ ثََلاثَ لَيَالٍ ﴾ : يعني ثلاثة أيام ولياليها ﴿ سَوِيًّا ﴾ حال كونك سوي الخلق من غير خرس وبكم فإنه كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم١ قومه إلا بإشارة.
١ حين حملت زوجته /١٢ وجيز..
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ ﴾ : من المصلى، أو من الغرفة ﴿ فَأَوْحَى ﴾ : أشار وأومأ ﴿ إِلَيْهِمْ ﴾ وعن بعضهم كتب لهم في الأرض ﴿ أَن سَبِّحُوا ﴾ أن مفسرة أو مصدرية ﴿ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ : طرفي النهار والمراد تنزيهه وتحميده أو الصلاة.
﴿ يَا يَحْيَى ﴾ يعني لما وهبنا له قلنا : يا يحيى ﴿ خُذِ الْكِتَابَ ﴾ : أي التوراة التي يحكم بها النبيون ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ : بجد وحرص ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ ﴾ : الفهم والحكمة والنبوة ﴿ صَبِيًّا١.
١ وعن بن عباس مرفوعا قال الغلمان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب فقال: ما للعب خلقنا اذهبوا نصلي، فهو قول الله "وآتيناه الحكم صبيا" أخرجه الحاكم في تاريخه، وعنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا" أخرجه البيهقي وأخرجه ابن حاتم موقوفا عليه /١٢ فتح..
﴿ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا ﴾ : رحمة وتعطفا من عندنا، وقيل تعطفا منا على أبويه عطف على الحكم ﴿ وَزَكَاةً ﴾ : طهارة من المعاصي ﴿ وَكَانَ تَقِيًّا ﴾، وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام ١ ما أذنب ولا هم بذنب.
١ ذكره الإمام أحمد عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن ضعفه المحدثون وذكره قتادة مرسلا /١٢ منه و وجيز. [يقصد قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد (١/٢٥٤) من طريق علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيي بن زكريا" وهذا ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان له منكرات كثيرة كما قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (٣/١١٥).].
﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ ﴾، عطف على " تقيا " أي : بارا بهما ﴿ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ عاقا أو عاصيا لربه.
﴿ وَسَلامٌ ﴾ : من الله ﴿ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾ أوحش ما يكون الخلق في تلك المواطن الثلاثة فخصه الله تعالى بالسلامة.
﴿ وَاذْكُرْ١ فِي الْكِتَابِ ﴾ : أي القرآن ﴿ مَرْيَمَ ﴾ أي : قصتها ﴿ إِذِ انتَبَذَتْ ﴾ اعتزلت، بدل اشتمال من مريم أو ظرف لقصتها المقدرة ﴿ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴾ أي : شرقي مسجد الأقصى لحيض أصابها، أو لفراغها للعبادة وهو ظرف أو مفعول فإن " انتَبَذَتْ " متضمن معنى أتت.
١ ولما ذكر قصة زكريا مع ما فيها من الغرابة أعقب بما هو أغرب فقال: "واذكر في الكتاب مريم" الآية /١٣ وجيز..
﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ أي : استترت منهم وتوارت قيل استترت في مقابل شروق الشمس للاغتسال عن الحيض ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ : جبريل١ ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا٢ أي : على شكل إنسان تام كامل.
١ سماه روحنا لأن حياة الدين به قيل هو مجاز عن كمال المحبة، كما يقال أنت روحي /١٢ وجيز..
٢ وما قيل قائله البيضاوي إن ذلك التمثل ليهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها ففيه نظر لقوله تعالى: ﴿قالت إني أعوذ بالرحمن منك﴾ فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها شائبة ميل ما إليه فضلا عما ذكر من الحالة المرتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة نعم كان تمثله على ذلك الحسن الفائق والجمال الرائق لابتلائها و صبر عفتها و لقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه /١٢ أبو السعود ملخصا..
﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ ﴾ : يا أيها البشر ﴿ إِن كُنتَ تَقِيا ﴾ تتقي الله، وجواب الشرط محذوف أي : فستنتهي مني بتعوذي، أو فلا تتعرض لي، قيل هو للمبالغة أي : إن كنت تقيا فأعوذ منك، فكيف إذا لم تكن تقيا متورعا ؟ !.
﴿ قَالَ ﴾ جبريل ﴿ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ : لم تصابي مني بسوء، قاله وهو كان في صورة بشر أو عاد إلى هيئته١ الملكية ﴿ لأَهَبَ لَكِ غُلَامًا ﴾ : لأكون سببا في هبته ﴿ زَكِيًّا ﴾ : طاهرا.
١ وفي الوجيز وأما أنها ذكرت الرحمن ارتعد جبريل فزعا وعاد إلى صورته الأصلية وقال أنا رسول ربك فضعيف، لأن رؤية جبريل عليه السلام في صورته خاصة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رآه مرتين لم يكن لأحد قبله /١٢ وجيز.
.

﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي ﴾ : لم يباشرني ﴿ بَشَرٌ ﴾ : من الحلال ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ : لست بزانية، وهو فعول قلبت الواو وأدغمت ثم كسرت الغين للمناسبة.
﴿ قَالَ كَذَلِكِ ﴾ أي : الأمر كذلك، صدقها فيما قالت ثم ابتدأ، وجاز أن يتعلق " كذلك " ﴿ بقال ربك ﴾ " و قوله " هو علي هين " مفسر ذلك المبهم ﴿ قَالَ رَبُّكِ هُوَ ﴾ أي : وهب غلام من غير أب ﴿ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ﴾، تقديره : ونفعل ذلك لنجعله أو لنبين قدرتنا ولنجعله ﴿ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ : على كمال قدرتنا ﴿ وَرَحْمَةً مِّنَّا ﴾ : على عبادنا لأنه يهديهم١ ﴿ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ﴾ : في علم الله الأزلي الذي لا يتغير.
١ هداهم في فترة ثم ينزل زمان قيام الساعة ويقتل الدجال ويؤيد دين المصطفى ـ صلى الله عليهما وسلم ـ /١٢ وجيز..
﴿ فَحَمَلَتْهُ ﴾ بأن نفخ في جيبها١، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت، ومدة حمله تسعة أشهر أو ثمانية٢، ولهذا لا يعيش ولد لثمانية فيكون آية أخرى أو ساعة ﴿ فَانتَبَذَتْ بِهِ ﴾ أي : اعتزلت حال كونها متلبسة بالحمل ﴿ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ بعيدا عن الخلق لخوف التهمة عنهم.
١ وظاهر قول الله فنفخنا فيه من روحنا أن النافخ هو الله سبحانه وتعالى /١٢ وجيز..
٢ وقيل ساعة وهذا التفصيل لا دليل عليه إلا إخبار الأخبار أو آراء الرجال ولو صح من نص صحيح لوجب المصير إليه و كان آية أخرى /١٢ فتح البنان..
﴿ فَأَجَاءهَا ﴾ ألجأها : واضطرها ﴿ الْمَخَاضُ ﴾ : وجع الولادة ﴿ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ : لتعتمد عليه عند الولادة، والتعريف إما للجنس أو للعهد ؛ إذ لم يكن ثم غيرها متعالم عند الناس، ﴿ قَالَتْ ﴾ : استحياء١ من الناس ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ﴾ الأمر ﴿ وَكُنتُ نَسْيًا ﴾ ما من حقه أن يطرح وينسى كالذبح اسم لما من شأنه أن يذبح وبفتح النون لغة فيه ﴿ مَّنسِيًّا ﴾ : بحيث لا يخطر ببال أحد.
١ ولشدة الوجع ولانفرادها عمن يعينها /١٣ وجيز.
.

﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا ﴾ فاعل نادى ضمير جبريل، قيل هو كالقابلة لها أو المراد أسفل من مكانها أي : آخر الوادي أو ضمير عيسى قيل أي : من تحت النخلة ﴿ أَلا تَحْزَنِي ﴾ أن مصدرية أي : بأن أو بمعنى أي ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ نهرا أو سيدا أوهو عيسى من السرو.
﴿ وَهُزِّي ﴾ أميلي، ﴿ إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ الباء زائدة للتأكيد أو بمعنى افعلي الهز به ﴿ تُسَاقِطْ ﴾ تتساقط النخلة ﴿ عَلَيْكِ رُطَبًا ﴾ تمييز إن كان تساقط من باب التفاعل ومفعول إن كان من المفاعلة ﴿ جَنِيًّا ﴾ : غضا وكانت تلك النخلة يابسة، فأورقت١ لتكون آية أخرى تطمئن بها قلبها أو مثمرة لكن لم تكن في حين ثمرها.
١ قاله ابن عباس /١٢ وجيز..
﴿ فَكُلِي ﴾ : من الرطب ﴿ وَاشْرَبِي ﴾ : من النهر أو عصير الرطب ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ : طيبي نفسك وهو من القرأى : البرودة فإن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة، أو من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره، ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ ﴾ : فإن تري﴿ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾ : صمتا وكان شريعتهم ترك الطعام والكلام في الصيام ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾ : بعد أن أخبرتكم بنذري بل لا أكلم إلا ملائكة الله وأناجي ربي، أو كان الإخبار بالنذر أيضا بالإشارة، وعن بعضهم لما قال عيسى لأمه : لا تحزني، قالت : كيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج، ولا مملوكة ! فأي شيء عذري يا ليتني مت قبل هذا، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام قولي إني نذرت للرحمن صوما.
﴿ فَأَتَتْ بِهِ ﴾، الباء للتعددية، والضمير للولد ﴿ قَوْمَهَا ﴾، مفعوله الثاني ﴿ تَحْمِلُهُ ﴾ حال ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ١ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾ : منكرا عظيما.
١ اختلف الناس في نبوة مريم فقيل إنها نبية لإرسال الملك إليها وقيل لا والمتفق عليه أن المنفي و هي الرسالة لا مطلق الوحي والوحي هنا ببشارة الولد لا بالرسالة /١٢ فتح..
﴿ يَا أُخْتَ١ هَارُونَ ﴾ أي : شبيهه في الزهد والتقوى أو كانت من نسله كما يقال للتميمي والمضري يا أخا تميم، و يا أخا مضر، أو نسبت إلى رجل صالح فيهم اسمه هارون٢، أو رجل فاجر فيهم يقال له. هارون٣ ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا٤ : زانية حتى نقول إنك تابعت في تلك الفاحشة أحد أبويك.
١ أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي و عبد بن حميد و ابن أبي شيبة وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أهل نجران فقالوا أرأيت ما تقرءون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى قبل عيسى ـ عليه السلام ـ بكذا وكذا قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحون قبلهم" وهذا التفسير النبوي يغني عن سائر ما روي فن السلف في ذلك قاله في الفتح /١٢..
٢ وقد فسر النبي ـ صلة الله عليه وسلم ـ هذه الآية بنحو هذا وذلك فيما أخرجه مسلم في "الآداب"، (٤/٨٤٦) من حديث المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرءون: "يا أخت هارون " وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين فيهم"..
٣ حكاه ابن جرير و لم يسم قائله، وهو ضعيف /١٢ فتح..
٤ قيل: لما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صلاح بكوا وقالوا ذلك وهموا برجمها ﴿فأشارت إليه﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ : إلى عيسى أن كلموه ﴿ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ كان تامةٌ وصبيا حال أو زائدة والظرف صلة من ﴿ قَالَ ﴾.
﴿ قَالَ ﴾ عيسى :﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ أقر أولا بالعبودية١ ﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾ : الإنجيل جعل ما يأتي بعد في حكم الآتي، أو أنه درس الإنجيل وأحكمها في بطن أمه وقيل : المراد علمني التوراة ﴿ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ : في سابق علمه أوهو نبي حينئذ.
١ ردا لوهم ما سيقوله النصارى في شأنه /١٢ وجيز..
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ١ : معلما للخير ﴿ أَيْنَمَا كُنتُ ﴾ : حيث كنت ﴿ وَأَوْصَانِي ﴾ : أمرني ﴿ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ٢ : زكاة المال، أو تطهير النفس ﴿ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾.
١ نفاعا ولما جرت العادة أن العوالم يتشاءمون من شيء يقع على خلاف مجرى العادة قال "جعلني مباركا" /١٢ وجيز..
٢ الظاهر أن يحمل الصلاة والزكاة على ما شرع من شريعتهم في البدن والمال /١٢ وجيز..
﴿ وَبَرًّا ﴾ عطف على مباركا أي : بارا أو منصوب بفعل بمعنى أوصاني وهو كلفني، ﴿ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا١ : مستكبرا عن عبادة الله و بر والدتي.
١ وكان عليه الصلاة والسلام في نهاية التواضع يلبس الشعر، ويأكل الشجر ويجلس على التراب، وينام حيث جنه الليل لا مسكن له /١٢ وجيز..
﴿ وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ ﴾ : فلا ينالني شيطان١، ﴿ وَيَوْمَ أَمُوتُ ﴾ فأنجاني من سوء الخاتمة ﴿ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ : فليس لي هول.
١ كما ورد في الحديث /١٢ وجيز..
﴿ ذَلِكَ ﴾ : الذي وصفناه هو ﴿ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ : لا ما تصفه النصارى ﴿ قَوْلَ الْحَقِّ ﴾ أي : هو قول الحق الذي لا ريب فيه، فالإضافة بيانية أو الحق هو الله تعالى أو خبر ثاني لذلك، ومن قرأ بنصب قول جعله مصدرا مؤكدا ﴿ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ فبعضهم يقولون إنه لزنية١ ساحر وبعضهم إنه ابن الله.
١ زنية حرام راده نقيض رشدة بمعنى حلال زاده /١٢ كذا في الصراح.
.

﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ ﴾ تكذيب للنصارى وتنزيه لجناب قدسه ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ فلا يناسبه خلقه ولا يحتاج إلى ولد يعضده.
﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾ عطف على إني عبد الله وهو من مقول عيسى. ومن قرأ أن بالفتح فتقديره ولأن أو عطف على الصلاة ﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ : طريق مشهود له بالاستقامة.
﴿ فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ ﴾ : أهل الكتاب، أو النصارى فإن فيهم ثلاث فرق ﴿ مِن بَيْنِهِمْ ﴾ من بين الناس ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ أي : من شهود هول يوم عظيم، أي : يوم القيامة أو من وقت الشهود، أو مكان الشهود فيه وهو الموقف.
﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ أي : ما أسمعهم وأبصرهم في ذلك اليوم لكن لا ينفعهم سمعهم حينئذ ولا بصرهم وحاصله أن كمال بصارتهم واستماعهم في ذلك اليوم جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما عميا ﴿ لَكِنِ الظَّالِمُونَ ﴾ أوقع المظهر موقع المضمر لأن يسميهم ظالما ﴿ الْيَوْمَ ﴾ : في الدنيا ﴿ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ فيقولون إنه ابن الله، أو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء.
﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾ يتحسر المسيء على الإساءة، والمحسن على قلة الإحسان ﴿ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ : فرغ من الحساب، وذبح الموت بدل من اليوم أو ظرف للحسرة ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي : أنذرهم حال كونهم غافلين عن غير مؤمنين.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴾ : يبقى له الملكية وتزول الملكية غيره ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ للجزاء.
﴿ وَاذْكُرْ١ فِي الْكِتَابِ ﴾ : لهؤلاء الذين هم من ذرية إبراهيم، ويدعون أنهم ملته ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ : كيف نهى أباه عن عبادة الأصنام ﴿ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا ﴾ : ملازما للصدق بليغا فيه ﴿ نَّبِيًّا ﴾.
١ و لما ذكر قصة مريم و زكريا أتبعه قصة إبراهيم لمناسبة، ولتذكير العرب الذين يدعون أنهم على ملته، وهم يعبدون الأصنام فقال: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ" /١٢ وجيز..
﴿ إِذْ قَالَ ﴾ بدل من إبراهيم ﴿ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ﴾ دعائك ﴿ وَلا يُبْصِرُ ﴾ عبادتك ﴿ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا١ : من المكاره.
١ في جلب نفع ودفع ضرر دعاه إلى الهدى وبين ضلاله واحتج عليه أبلغ احتجاج و أرشقه برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله طلب العلة التي تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح ويأبى الركون إليه فضلا عن عبادته التي هي غاية التعظيم و لا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام؛ وهو الخالق الرازق المحيي المميت المعاقب المثيب ونبه على أن العاقل ينبغي أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح والشيء لو كان حيا مميزا سميعا بصيرا مقدرا على النفع والضرر، ولكن كان ممكنا لاستنكف العقل القويم عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين لما يراه مثله في الحاجة والانقياد المقدرة الواجبة فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر؟! ثم دعاه إلى أن يتبعه ليهديه الحق القويم و الصراط المستقيم لما لم يكن محفوظا من العلم الإلهي مستقلا بالنظر السوي، فقال: "يا أبتي قد جاءني" الآية، ولم يسم أباه بالجهل المفرط و لا نفسه بالعلم الفائق، بل جعل نفسه كرفيق له في مسير يكون أعرف بالطريق، ثم ثبط عما كان عليه بأنه الآمر به فقال: "يا أبت لا تعبد الشيطان" الخ وبين وجه الضر بأنه مستعص على ربك المولى للنعم كلها ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن يسترد منه النعم وينتقم ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجره إليه فقال: "يا أبت إني أخاف أن يمسك" الآية/١٢ بيضاوي.
والأولى أن يقول: راغب مبتدع لاعتماده على أداة الاستفهام، وأنت فاعل ساد مسد الخير فلا يكون فصل بين العامل وهو راغب ومعموله وهو عن آلهتي بأجنبي وهو أنت /١٢ وجيز..

﴿ يَا أَبَتِ ﴾ كرره للاستعطاف ﴿ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ : و إن كنت من صلبك أصغر منك سنا ﴿ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ : مستقيما.
﴿ يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ : ومطاوع العاصي عاص.
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ ﴾ يصيبك ﴿ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ﴾ : على شركك وعصيانك ﴿ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ : قريبا مصاحبا لمن هو أعدا عدوك وأبغض الخلق إلى الله وذكر الخوف ونكر العذاب لحسن الأدب حيث لم يصرح بأن العذاب لاحق به.
﴿ قَالَ ﴾ : أبوه ﴿ أَرَاغِبٌ١ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ﴾، قابل استعطافه بالغلظة حيث سماه باسمه ولم يقل يا ولدي وأخره وقدم المبتدأ وصدره بهمزة الإنكار، ثم أوعده بأقبح و عيد فقال :﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ ﴾ : عن مقالتك أو عن الرغبة عنها ﴿ لأَرْجُمَنَّك ﴾ : بلساني أي أشتمك جزاء سبك آلهتي، وقيل بالحجارة حتى تموت ﴿ وَاهْجُرْنِي ﴾، عطف على مقدر أي : فاحذرني و اهجرني ﴿ مَلِيًّا٢ زمانا٣ طويلا أو سويا سالما قبل أن يصيبك مني مكروه.
١ والأولى أن يقول: راغب مبتدع لاعتماده على أداة الاستفهام، وأنت فاعل ساد مسد الخير فلا يكون فصل بين العامل وهو راغب و معموله وهو عن آلهتي بأجنبي وهو أنت /١٢ وجيز..
٢ ومنه الملوان أي الليل والنهار تقديره احذرني حتى لأرجمنك واهجرني مدة مديدة وهذا التقدير في غاية المناسبة لفظا ومعنى مع أن عطف الإنشائية على الخبرية جائز عند سيبويه فيجوز عطف واهجرني على جملة لئن لم تنته فيكون كلامهما من مقبول أبيه /١٢ وجيز..
٣ هذا قول مجاهد و عكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم، والثاني السدي والضحاك وقتادة ومالك وغيرهم، واختاره ابن جرير يعني مليا قادرا بالذهاب عني يقال مليء بكذا إذا كان مطيقا له /١٢ منه..
﴿ قَالَ ﴾ : إبراهيم ﴿ سَلامٌ ١عَلَيْكَ ﴾ : سلمت بعد مني لا أقول لك ما يؤذيك وهذا جواب الجاهل ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " ( الفرقان : ٦٣ )، { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ﴾ رجاء أن يوفقك للتوبة٢، فتؤمن أو كان يستغفر له أولا ثم رجع عنه كما قال تعالى :" فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه " ( التوبة : ١١٤ )، ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ بليغا في البر واللطف.
١ هذا سلام متاركة كما ورد /١٢ وجيز..
٢ وقضاء لحق الأبوة /١٢ وجيز..
﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ ١وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ : أفارقكم وأفارق دينكم ﴿ وَأَدْعُو رَبِّي ﴾ : أعبده وحده ﴿ عَسَى أََلا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ﴾ كما شقيتم أنتم بعبادة آلهتكم فضاع سعيكم صدره بعسى تنبيها على أن الإجابة فضل غير واجب والحكم على الخاتمة وهي غيب.
١ ثم امتثله وهاجر عنه إلى الشام بعد أن قال: "وأعتزلكم" الآية /١٢..
﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ فهاجر إلى الشام ﴿ وَهَبْنَا لَهُ ﴾ : بدل والده وقومه ﴿ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ : ابنه إسحاق وابن ابنه يعقوب أي جعلنا له نسلا وعقبا أنبياء، ولذلك قال :﴿ وَكُلا ﴾ : منهما ﴿ جَعَلْنَا ﴾ أي : جعلناه ﴿ نَبِيًّا ﴾.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا ﴾، وهي النبوة والمال والرفعة وغيرها ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ الثناء الحسن، فإن جميع الملل يثنون عليهم ويمدحونهم وعبر اللسان عما يوجد به كما تطلق اليد على العطية وأضاف بالصدق دلالة على أنهم أحقاء بتلك الثناء ووصف بالعلو إشعارا على أن لمحامدهم إعلاء في الأمصار على تباعد الأعصار.
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا ﴾ بفتح اللام أي : أخلصه الله ونجاه وبكسر اللام أي خاليا عن الرياء أو مخلصا نفسه عما سواه ﴿ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا ﴾ : أرسله الله إلى عباده فأنبأهم عن أمره ونهيه.
﴿ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ﴾ : من ناحيته التي يلي يمين موسى، وقيل من اليمن لا من اليمين ﴿ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾ من النجو وهو الارتفاع فإنه رفعه فوق السماوات حتى سمع صرير القلم، فهو حال من المفعول أو من النجوى أي مناجيا.
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا ﴾ : من أجل رحمتنا له ﴿ أَخَاهُ ﴾ : أي : معاضدته ﴿ هَارُونَ ﴾ عطف بيان ﴿ نَبِيًّا ﴾ إجابة لدعوته " واجعل لي وزيرا من أهلي " ( طه : ٢٩ )، وهارون أكبر١ سنا منه منصوب على الحال.
١ يعني لما كان هارون أكبر سنا من موسى فلا معنى لوهبه له إلا وهب معاضدته وموآزرته كما صرح به ابن عباس /١٢ منه.
.

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ قد نقل أنه أقام حولا في مكان ينتظر أحدا لوعده وأيضا قال لأبيه " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " ( الصافات : ١٠٢ )، أي : على الذبح فوفى بوعد. وفي الجملة هو مشتهر بهذه الجميلة ﴿ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا ﴾، من قال : إن الرسول من يكون له شريعة مجددة والنبي أعلم أعم ففيه إشكال فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته ومن قال : الرسول من يأتيه الملك بالوحي والنبي يقال له ولمن يأتيه الوحي في المنام فلا إشكال.
﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ كما قال :" وأمر أهلك بالصلاة " ( طه : ١٣٢ )، وقال سبحانه :" قوا أنفسكم وأهليكم نارا " ( التحريم : ٦ )، وفي الحديث١ " إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات " ﴿ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ لحسن شيمه.
١ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه /١٢ منه. [أخرجه أبو داود (١٣٠٩)، وابن ماجه (١٣٣٥) واللفظ له وغيرهما من حديث أبي سعيد وأبي هريرة معا، وصحح سنده الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (١١٦١)، وصحيح ابن ماجه (١٠٩٨)، وصحيح الجامع (٣٣٣)]..
﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ : السماء الرابعة١ أو السادسة٢ ومات فيها أو إلى الجنة٣.
١ قول أنس بن مالك يرفعه /١٢ منه..
٢ هذا قول ابن عباس والضحاك بن مزاحم وعن مجاهد أنه رفع ولم يمت كما رفع عيسى قيل المكان العلي النبوة، والزلفى عند الله هذا ما في المنهية وفي الفتح وقد روى البخاري في صحيحه من حديث الإسراء، وفيه ومنهم إدريس في الثانية وهو غلط من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر والصحيح أنه والصحيح أنه في السماء الرابعة كما رواه مسلم في صحيحه من حديث من حديث أنس بن مالك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ابن شيث بن آدم وهو أول مرسل بعد آدم عليه السلام من أعطى النبوة من بني آدم وأول من خط بالقلم ونظر في النجوم والحساب وأول من خاط الثياب وأول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار/١٢ فتح..
٣ قول الحسن/١٢..
﴿ أُوْلَئِكَ ﴾ : الأنبياء المذكورون في تلك السورة ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم ﴾ : نعما ظاهرة وباطنة ﴿ مِّنَ النَّبِيِّينَ ﴾، بيان للموصولة ﴿ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ﴾ بدل منه بإعادة الجار ﴿ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ أي : ومن ذرية من حملنا مع نوح١ من سفينته سوى إدريس فإنه جد نوح فهو من ذرية آدم وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح ﴿ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ ﴾ عطف على إبراهيم فموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى من ذرية إسرائيل لا إسحاق وإسماعيل ﴿ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ﴾ أي : هديناه إلى الحق﴿ وَاجْتَبَيْنَا ﴾ للنبوة ﴿ إِذَا تُتْلَى ﴾، ظرف لخروا وهو خبر لأولئك إذا جعلت الذين صفته وإن جعلته خبره فهو استئناف ﴿ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا ﴾ : سقطوا ﴿ سُجَّدًا ﴾ جمع ساجد ﴿ وَبُكِيًّا ﴾، جمع باك.
١ لأنه من ذرية سام بن نوح /١٣..
﴿ فَخَلَفَ ١مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾ خلفه أي : عقبه وخلق بسكون اللام عقب السوء وبفتحها عقب الخير ﴿ أَضَاعُوا الصَّلاةَ٢ : تركوها أو أخروا عن وقتها ﴿ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ مالوا إلى زخارف الدنيا وهم اليهود والنصارى، وعن بعضهم أنهم من هذه الأمة في آخر الزمان ﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ : شرا وخسرانا أو هو واد في جهنم يسيل فيها صديد٣ أهل النار.
١ و لما مدح الله سبحانه هؤلاء الأنبياء بهذه الصفات ترغيبا لغيرهم في الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم ذكر أضدادهم تنفيرا للناس عن طريقتهم فقال: "فخلف" الآية/١٢ فتح..
٢ واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقيل في اليهود وقيل في النصارى، وقيل في قوم من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأتون في آخر الزمان وقال بالأولين السدي وقال بالثالث مجاهد ولفظه: هم من هذه الأمة يتراكبون في الطرق كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ولا يخافون من الله في السماء /١٣ فتح..
٣ قاله عبد الله بن مسعود، ونقل ابن جرير فيه حديثا لكن قال ابن كثير رفعه منكر وهو حديث غريب /١٢ منه وجيز..
﴿ إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، هذا يدل على أن الآية في الكفرة إلا عند من يقول : تارك الصلاة كافر وعليه كثير من السلف ﴿ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ : بنقص جزاء أعمالهم فشيئا إما مصدر أو مفعول بمعنى لا ينقصون ولا يمنعون شيئا من جزاء أعمالهم.
﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ بدل من الجنة بدل البعض، والعدن علم، ولذلك جاز أن يكون بدلا من المعرفة وجاز وصفها بقوله :﴿ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ أي : وهي غائبة عنهم لم يروها ﴿ إِنَّهُ ﴾ : إن الله ﴿ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ : مفعول لا بمعنى قال ؛ فإن الوعد هو الجنة وهم يأتونها.
﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ﴾ : ما لا طائل تحته، ﴿ إِلا سَلامًا ﴾ استثناء منقطع وهو سلام الملائكة أو بعضهم بعضا، وقيل السلام الدعاء بالسلامة، والدعاء بها في الجنة من باب١ اللغو نعم فائدته الإكرام ﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ لا فيها ليل ونهار لكن على التقدير٢ وعن بعضهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ومقدار النهار برفع الحجب و فتح الأبواب وقيل المراد الدوام٣.
١ لأن السلامة متحققة فيها /١٢..
٢ هكذا قال ابن عباس /١٢..
٣ كما تقول: أنا على بابك صباحا ومساء /١٢..
﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ﴾ : الوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك فإنه لا فسخ ولا رجوع فيه قيل : أورثوا المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا١.
١ وفيه حديث معتمد /١٢ وجيز..
﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ١ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾ أبطأ جبريل النزول مدة فقال رسول الله عليهما السلام ما نزلت حتى ظن المشركون كل ظن فأوحى إلى جبريل أن قل له " وما نتنزل " ٢ الآية وقد٣ ورد أن جبريل قال كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون ؟ ! ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ أي : أمر الدنيا وأمر الآخرة وما بين النفختين أو الأرض والسماء والهواء٤ أي : جميع الأزمان أو الأماكن له لا تنتقل في زمان دون زمان أو مكان إلى مكان إلا بأمره ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ : تاركا٥ لك مودعا إياك كما زعمت المشركون.
١ لما حكى قصة زكريا التي دلت على كمال قدرته وقصة مريم وما يعقبها التي هي أدل على أن لا يتخلف مراده عن إرادته ذلك حكاية قول جبريل الدال على أن القوة بتمامها لله سبحانه وفيه تسلية قلب نبيه كما أن في تلك الحكايات سيما في مقاولة إبراهيم مع أبيه أن أباه كيف أغلظ على ولده الذي راعى الأدب تسلية لخاطره الأشرف عما وجد من خلف اتبعوا الشهوات، فقال: "وما نتنزل" الآية /١٢ وجيز..
٢ ذكره الحافظ ابن كثير في "التفسير"، (٣/١٣١) عن مجاهد مرسلا..
٣ رواه الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ /١٢ منه. [أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن حاتم عن مجاهد مرسلا. كما في الدر المنثور للسيوطي (٤/٥٠٢)]..
٤ يعني المراد مما بين أيدينا أو الأرض ومما خلفنا الآخرة أو السماء ومما بين ذلك ما بين النفختين أو الهواء وكل من التفسيرين قو ل كثير من السلف /١٣ منه..
٥ تاركا لك موعدا إياك كما زعم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات عن ابن عباس أنه أبطأ جبريل نزوله مدة فشكا إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "و ما نتنزل إلا بأمر ربك" الآية هذا ما في الوجيز وفي الفتح أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم و ابن مردوية والطبراني والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي الدرداء رفع الحديث قال: ما أخل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا "وما كان ربك نسيا"..
﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾، بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف ﴿ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ﴾، عدى باللام١ لضمنه معنى الثبات أي : اثبت لها ولا يضق صدرك عن احتباس الوحي وشماتة المشركين ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا٢ : مثلا وشبها فلا محيص عن عبادته والصبر على مشاقها وعن ابن عباس رضي الله عنهما ليس أحد يسمى الرحمن غيره، وعن بعضهم هل تعلم أحدا يسمى الله غيره٣ ؟
١ ولم يقل و اصطبر على عبادته /١٢..
٢ كذا قاله مجاهد و قتادة وسعيد بن جبير وغير واحد /١٢..
٣ ولما ذكر و تم الحكايات الدالة على شمول علمه و قدرته لاسيما في إيجاد بشر تارة من التراب وتارة من ذكر وأنثى في حكم العدم و تارة من أنثى بلا ذكر أعقب من أمر الإنسان على التعجب فقال: "ويقول الإنسان" الآية /١٢ وجيز.
.

﴿ وَيَقُولُ الإِنسَانُ ﴾ حرف التعريف للجنس، فإنه إذا قال قائل منهم ذلك صح إسناده إلى جميعهم كما يقال بنو فلان فعلوا، والفاعل أحدهم أو للعهد أي : منكرو الحشر ﴿ أَئِذَا مَا مِتُّ ﴾ ما زائدة للتأكيد ﴿ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ واللام لمجرد التأكيد ليس فيها معنى الحال والعامل في إذا فعل دل عليه " أخرج " ؛ لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها والمراد من الخروج الخروج من الأرض، أو حال الفناء.
﴿ أَوَلا يَذْكُرُ ﴾ : لا يتفكر﴿ الْإِنسَانُ ﴾ عطف على يقول، والهمزة بين المعطوفين ليدل على أن المنكر العجيب هو المعطوف فإنه لو تأمل ﴿ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ بل كان عدما صرفا لم يقل ذلك أي : لو تأمل النشأة الأولى حيث أخرجنا الجواهر والأعراض من العدم وأوقعنا تلك التأليف المشحون بأنواع الحكم اختراعا من غير حذو على مثال له ينكر النشأة الثانية.
﴿ فَوَرَبِّكَ ﴾ قسم باسمه الأعلى مضاف إلى أشرف مخاطب ﴿ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ١ الواو مفعول معه أو للعطف والضمير المفعول لجنس الإنسان فإنه إذا حشر الجميع حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد صدق أن الكل محشورون٢ معهم ﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ : قعودا على الركب على المعتاد في مواقف التقاول كما قال تعالى " وترى كل أمة جاثية " [ الجاثية : ٢٨ ].
١ لو كان المراد من الإنسان منكري الحشر كما ذكرنا ففي رجع الضمير لنحشرنهم لا إشكال بوجه /١٢ منه..
٢ هذا إشارة إلى ما يقال إذا جعلت الشياطين مفعولا معه لا يستقيم لأن حشر الكل ليس مع الشياطين إلا أن يكون الضمير للكفرة فأجاب بأن الضمير للجنس والمعنى مستقيم /١٢ منه..
﴿ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ ﴾ : أمة شاعت دينا ﴿ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ : غيا وفسادا أي : قادتهم ورؤساؤهم في الشر أو يبدأ بالأفسق فالأفسق، فيطرح في جهنم وأيهم مرفوع بالابتداء استفهامي وخبره أشد، والجملة محكية أي لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد أو مبني على الضم لحذف١ صدر صلته و " على الرحمن " للبيان لا متعلق بعتيا ؛ لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه أو معلق بأشد أي : عتوهم أشد عليه كما يقال : هو أشد على خصمه.
١ أي أشد /١٢..
﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ﴾ أي : احتراقا " وبها " للبيان أو ظرف لأولى أي : صليهم أولى بالنار يعني ننزع الرؤساء، ونعلم أنهم أحق بتضعيف العذاب أو نبدأ بالأعصى فالأعصى ونقدم الأولى فالأولى بالعذاب وجاء بثم لتأخره في الإخبار، ولأن حاصله طرحهم في النار على الترتيب وهو متأخر عن النزع.
﴿ وَإِن مِّنكُمْ ﴾ أي : منكم أحد ﴿ إِلا وَارِدُهَا ﴾ : داخلها يدخل النار بر وفاجر وتكون على المؤمنين بردا وسلاما وكثير من السلف١ على أن الورود هو الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها، وعن بعضهم٢ الورود الحضور والرؤية لا الدخول وقد ورد أنه عليه السلام عاد رجلا من أصحابه وعكا، ثم قال :" إن الله تعالى يقو ل هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة " ٣ وعن مجاهد الحمى حظ كل مؤمن من النار ﴿ كانَ ﴾ : الورد ﴿ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا ﴾ : واجبا أوجبه على نفسه أو قسما واجبا ﴿ مَّقْضِيًّا ﴾ : قضاء الله عليكم.
١ كأنس وأبي هريرة و أبي سعيد وجابر و غيرهم وفيه أحاديث صحاح /١٢ منه..
٢ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قد يرد الشيء ولم يدخله نحو "ولما ورد ما ء مدين" (القصص: ٢٣)، ويقال وردت القافلة البلد و لم تدخله وقد صح عن كثير من السلف وفيه حديث رواه الترمذي والإمام أحمد أن المراد من الورود الدخول يدخل النار كل بر وفاجر وتكون على المؤمنين بردا وسلاما /١٢ وجيز..
٣ أخرجه أحمد (٢/٤٤٠)، وابن ماجه (٣٤٧٠)، والحاكم (١/٣٤٥) وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعا، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، ووافقهما الشيخ الألباني كما في الصحيحة..
﴿ ثُمَّ نُنَجِّي ﴾ : عن النار ﴿ الَّذِينَ اتَّقَوا ﴾ : الشرك ﴿ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ ﴾ : الكافرين ﴿ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ جميعا جمع مجثوة أو على الركب جمع جاث.
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾ : واضحات المعاني والبرهان حال مؤكدة ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ : معهم، ولأجلهم ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ ﴾ : منا١ ومنكم خير ﴿ مَّقَامًا ﴾ : مكانا ﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾ : مجلسا يعني لما سمعوا آيات الله أعرضوا عنها واستدلوا على فضلهم وشرفهم بزيادة حظهم حطام الدنيا فرد الله تعالى عليهم بقوله﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾.
١ بالأصل مما..
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا ﴾ : متاع البيت ﴿ وَرِئْيًا ﴾ : منظرا أو هيئة فلم ينفعهم، ولن يدفعهم عذاب الله تعالى، وكم مفعول أهلكنا ومن قرن بيانه وهم أحسن في محل النصب صفة كم وأثاثا ورئيا تمييز عن النسبة.
﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ ﴾ : الشرك ﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ﴾ : يدعه ويمهله في طغيانه استدراجا وهو خبر بلفظ الأمر إشعار بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة١ وقيل هذا دعاء ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ ﴾ : في الدنيا كالأسر والقتل ﴿ وَإِمَّا السَّاعَةَ ﴾ : القيامة ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ عند ذلك ﴿ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا ﴾ : فئة وناصرا وحتى غاية المد أي : هم في الاستدراج ممدود لهم الغواية إلى أن يأتيهم وعد الله أو غاية قول الكفار أي : الفريقين خير، أي : لا يزالون يقولون ذلك إلى أن يشاهد الموعود.
١ حاصله من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد في عمره ومن قال: إنه دعاء فيكون هذا إظهارا العدم بقاء عذر بعد هذا البيان الواضح فهو على أسلوب ربنا ليضلوا عن سبيلك والوجه الأول أوفق.
.

﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ : إيقانا على يقينهم عطف على الجملة الشرطية أي " من كان في الضلالة " الخ وحاصله أن الله يزيد في ضلال الضالين، ويزيد هداية المهتدين ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾ الأذكار والأعمال الصالحة التي يبقى أثرها ﴿ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ﴾ : من مفاخرات الكفار ﴿ ثَوَابًا ﴾ : جزاء ﴿ وَخَيْرٌ مَّرَدًّا١ مرجعا، وهذا من قبيل الصيف أحر من الشتاء أي : أبلغ في حره من الشتاء في برده.
١ لما ذكر الدلائل أولا: على صحة البعث ثم أورد شبهة المنكرين وأجاب عنها أورد عنهم الآن ما ذكره على سبيل الاستهزاء طعنا في القول بالحشر فقال: "أفرأيت الذي كفر بآياتنا" الآية /١٢ كبير..
﴿ أَفَرَأَيْتَ ﴾ ١أي : أخبر بقصة ﴿ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا ﴾ : عقب حديث أولئك ﴿ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا ﴾، وذلك حين تقاضى خباب دينا له على عاص بن وائل، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة، ومن كل الثمرات قال : بلى. فإذن موعدك الآخرة أوفيك فيها فو الله لأوتين مالا وولدا.
١ عن مسروق عن خباب قال: كنت قينا بمكة فعملت لعاص بن وائل سيفا فجئت أتقاضاه فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد قلت لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك قال إذا أماتني الله ثم بعثني ولي ما وولد فأنزل الله "أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا"، رواه البخاري في صحيحه وقع هذا الحديث في تفسير سورة كهيعص، [أخرجه البخاري في "التفسير"، باب: ﴿أ فرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا﴾ (٤٧٣٢)، وفي غير موضع من صحيحه، ومسلم في "صفة القيامة والجنة والنار"، باب: بيان قول الله تعالى: "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" (العلق: ٦، ٧)، (٥/٦٦٣) ط الشعب]..
﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ : أعلم علم الغيب حتى عرف أنه في الجنة ﴿ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ : أن سيؤتيه ذلك وعن بعضهم معناه أم قال لا إله إلا الله فيرجو بها.
﴿ كَلا ﴾ ردع ورد لما تصوره ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ : نحفظها عليه ونجازيه البتة فالسين لمجرد التأكيد، أو معناه سنظهر له أنا كتبنا، أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة العدو ﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴾ : نطيل مدة عذابه عذابا فوق العذاب من المدد.
﴿ وَنَرِثُهُ ﴾ أي : نرث منه ولا نرزقه ﴿ مَا يَقُولُ ﴾ : من مال١ وولد ﴿ وَيَأْتِينَا ﴾ : يوم القيامة ﴿ فَرْدًا ﴾ : لا مال ولا ولد.
١ أي: ما كان له في الدنيا..
﴿ وَاتَّخَذُوا١ أي : مشركو قريش ﴿ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ﴾ : يعبدونها ﴿ لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴾ : ليتعززوا بهم حيث يكونون٢ لهم شفعاء عند الله.
١ ولما أخبر أن هذا الكافر مآله الذل اتبعه بما يستنجد الآلهة بعبادتهم، فقال: ﴿واتخذوا من دون الله﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ يعني عبدوا الملائكة والأنبياء والصالحين ليشفعوا لهم فكانت عبادتهم إياهم وإشراكهم به الذي به طلبوا شفاعتهم به حرموا وشفاعتهم وعوقبوا بنقيض قصدهم لأنهم أشركوا بالله ما لم نزل به سلطانا وكثير من أهل الضلال يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي فيها شرك كما ظن ذلك المشركون وكما يظنه النصارى ومن ضل من المنتسبين إلى الإسلام يدعون غير الله و يحجون إلى قبره أو مكانه وينذرون له ويحلفون به ويظنون أنه بهذا يشفع لهم فبين تعالى: أنهم يكونون لهم أعداء على أبلغ الوجوه قاله ابن تيمية/١٢.
.

﴿ كَلا ﴾، ردع لتعززهم بها ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾ يجحد الآلهة عبادة المشركين كما قال تعالى :" تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون " ( القصص : ٦٣ )، أو سينكر الكفرة عبادة الأوثان كما قال الله تعالى :" والله ربنا ما كنا مشركين " ( الأنعام : ٢٣ )، ﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ : أعداء كما نقل أنهم يقولون : يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك وتوحيد ضدا لأنهم كشيء واحد لفرط توافقهم في العداوة كما يقال هم يد على من سواهم، أو ضمير يكونون للكفرة وضمير عليهم للآلهة.
﴿ أَلَمْ١ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ : سلطانهم عليهم ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ الأز، والهز التحريك أي : تحركهم وتحثهم على المعاصي.
١ ولما أنكر أن يكون لهم العز وأثبت ذلهم أعقب بما يوجب ذلهم فقال: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين" الآية /١٢ وجيز..
﴿ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾ : بطلب عقوبتهم حتى تطهر الأرض من دنسهم ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ ﴾ : أيام آجالهم وأنفاسهم ﴿ عَدًّا ﴾ أي : لم يبق إلا أيام محصورة معدودة.
﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ ﴾ منصوب بمقدر وهو اذكر أو تقديره يوم نحشر ونسوق نفعل بهم ما لا يحيط به الوصف، أو بلا يملكون ﴿ وَفْدًا١ : وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم.
١ قال علي ابن مسعود وابن عمر وغيرهم من الصحابة: هم راكبون على النجائب والمجرمون راجلون وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا مرفوعا عن علي ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه /١٢ منه..
﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ : كما يساق البهائم ﴿ إِلَى جَهَنَّم َوِرْدًا ﴾ : عطشا ؛ لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش.
﴿ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ﴾ : كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض ﴿ إَِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ استثناء منقطع أي : لكن من اتخذ عهدا هو شهادة أن لا إله إلا الله والقيام بحقها له الشفاعة، أو ضمير لا يملكون للفريقين والاستثناء المتصل بدل من الضمير.
﴿ وَقَالُوا ١اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾.
١ ولما رد على عبدة الأوثان عاد إلى الرد على من أثبت له ولدا فقال: "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا" الآية/١٢ كبير..
﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾ : عجيبا أو عظيما منكرا أو الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة تسجيل عليهم بالجرأة على الله تعالى ولتنبيه على عظيم قولهم.
﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ ﴾ : يشققن ﴿ مِنْهُ ﴾ من ذلك القول ﴿ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا١ أي : تهد هدا أي : تنكسر وتسقط.
١ عن ابن عباس أن الشرك فزعت منه السماوات و الأرض والجبال وجميع الخلائق سوى الثقلين وكادت أن تزول منه لعظمته الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين /١٢ منه..
﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ أي : لأن أو بدل من ضمير منه والدعاء بمعنى التسمية وترك مفعوله الأول للعموم والإحاطة بكل مما دعى له ولدا أو بمعنى النسبة وفي اختصاص الرحمن أن أصول النعم وفروعها منه خلق العالمين وجميع ما معهم فمن أضاف إليه ولدا من نعمه فقد جعله كبعض خلقه ونعمه فحينئذ لا يستحق اسم الرحمن.
﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ أي : ما يتأتى له اتخاذه لأن الولادة لا مقال في أنه مح وإما التبني فلا يكون إلا في مجانس وأين للقديم مجانس١ ؟ !
١ و لا يبعد أن يقال إن التبني يصدر عمن يصلح أن يكون له ولد وقد عجز عن تحصيله للكبر أو للعقم أو لمثل ذلك فإثبات التبني لله سبحانه أقبح مثل إثبات الولد له تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا كذا في الوجيز/١٢..
﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا١ أي : ما منهم إلا وهو مملوك له يأوي إليه بالعبودية.
١ المراد ما من معبود في السماوات والأرض من الملائكة والناس إلا وهو يأتي الرحمن أي يأوي إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاشعا راجيا كما يفعل العبيد ومنهم من حمله على يوم القيامة خاصة والأول أولى لأنه لا تخصيص فيه /١٢ كبير..
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ ﴾ : حصرهم بعلمه وأحاط بهم ﴿ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾.
﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ : منفردا عن الأتباع و الأنصار كعبد ذليل.
﴿ إِنّ١ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ : سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض للأسباب التي يكتسب بها الناس موادات٢ القلوب وقد٣ صح " إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادى في السماء ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض فذلك قوله تعالى :" سيجعل له الرحمن ودا ".
١ ولما رد على أصناف الكفر وبالغ في شرح أحوالهم في الدنيا و الآخرة ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين فقال: "إن الذين آمنوا" الآية /١٢ كبير..
٢ وفي النسخة (ن): مودات..
٣ رواه مسلم والترمذي /١٢ وجيز. [أخرجه مسلم في "البر والصلة"، باب: إذا أحب الله عبدا وضع له القبول في الأرض (٥/٤٩٠) ط الشعب]..
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾ أي يسرنا القرآن عليك حال كونه منزلا بلغتك ﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴾ أشداء الخصومة بالباطل.
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ ﴾ تخويف لهم، ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ ﴾ : هل تشعر بأحد منهم وتراه ﴿ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ١ رِكْزًا ﴾ : صوتا خفيا اللهم اجعلنا من الوافدين إلى الرحمن لا من الواردين إلى النيران.
١ قال الحسن بادوا جميعا، فلم يبق منهم عين ولا أثر نقله البغوي/١٢..
Icon