تفسير سورة سورة عبس من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة عبس مكية
وهي اثنتان وأربعون آية وفيها ركوع واحد وكذا إلى آخره
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ عبس وتولى ﴾ : أعرض،
﴿ أن جاءه ﴾، أي : لأن جاءه، ﴿ الأعمى ﴾، نزلت حين جاء عبد الله بن أم مكتوم النبي-عليه السلام-، وكان ممن أسلم قديما، فجعل يسأل عن شيء ويلح، وهو عليه السلام يخاطب بعض عظماء قريش طمعا في إسلامهم، فعبس في وجه عبد الله وأعرض عنه، وهو ضرير، وأقبل عليهم،
﴿ وأما يدريك ﴾، أي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى، ﴿ لعله يزكى ﴾، يتطهر من الآثام بما يتعلم منك،
﴿ أو يذكر ﴾ : يتعظ، ﴿ فتنفعه الذكرى ﴾، وينتهي عن المحارم،
﴿ أما من استغنى ﴾ : عن الله بماله،
﴿ فأنت له تصدى ﴾ : تتعرض له بالإقبال،
﴿ وما عليك ﴾ : بأس وضرر، ﴿ ألا يزكى ﴾، في ألا يتزكى بالإسلام، فلم أعرضت عنه وتعرضت له ؟ !،
﴿ وأما من جاءك يسعى ﴾ : يسرع، هو ابن أم مكتوم،
﴿ فأنت عنه تلهى ﴾ : تتشاغل، نقل أنه عليه السلام بعد ذلك يكرمه، ويقول إذا جاءه :" مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين،
﴿ كلا ﴾، ردع عن معاودة مثله، ﴿ إنها ﴾ القرآن، وتأنيثه لتأنيث الخبر، ﴿ تذكرة ﴾
﴿ فمن شاء ذكره ﴾ : اتعظ به، أو حفظه، أو أن الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم تذكرة، فمن شاء ذكره،
﴿ في صحف ﴾، أي : هو مثبت في صحف، أو صفة لتذكرة، ﴿ مكرمة ﴾، عند الله،
﴿ مرفوعة ﴾ : رفيعة القدر، ﴿ مطهرة ﴾ : من أيادي الشياطين،
﴿ بأيدي سفرة ﴾، ملائكة هم الرسل، والسفير هو الرسول،
﴿ كرام ﴾، على الله، ﴿ بررة ﴾ : أتقياء، ولعل الصحف ما بأيدي الملائكة، ينتسخون القرآن من اللوح المحفوظ، حين ينزلونه إلى السماء الدنيا، أو المراد من السفرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القراء، والسفرة : الكتبة، فالمراد من الصحف ما بأيدي الناس من المصاحف والألواح،
﴿ قتل الإنسان ما أكفره ﴾ : ما أشد كفره، دعاء على من أنكر البعث بأبلغ وجه وأشده،
﴿ من أي شيء ﴾ : شيء حقير مهين، ﴿ خلقه ﴾، بيان لما أنعم عليه،
﴿ من نطفة خلقه فقدره ﴾، أطوارا إلى أن تم خلقته، أو هيأه لما يصلح من الأشكال،
﴿ ثم السبيل ﴾، إلى الخروج من بطن أمه، ﴿ يسره ﴾، أو الطريق إلى الحق ذلل له نحو :﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾( الإنسان : ٣ )،
﴿ ثم أماته فأقبره ﴾، أمره بالقبر، أو صير له قبرا يدفن فيه، ولم يجعله ممن يلقى كالسباع تكرمة له،
﴿ ثم إذا شاء أنشره ﴾ : أحياه بعد موته،
﴿ كلا ﴾، ردع للإنسان عن الكفر، ﴿ لما يقض ما أمره ﴾، أي : لم يقض الإنسان أبدا ما أمره الله من الفرائض، وفي البخاري عن مجاهد ( لا يقضي أحد ما أمره به )، أي : جميع ما كان عليه، فإن الإنسان لا ينفك عن تقصير، وقيل معناه : كلا إن القيامة توجد الآن، لأنه لم يقض، ولم ينفذ ما أمره الله، وقدره من مدة حياة الدنيا وكمية بني آدم، فكأنه ردع لاستعجالهم بقولهم ﴿ أيان يوم القيامة ﴾( القيامة : ٦ )،
﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه ﴾، فيه امتنان واستدلال بإحياء الأرض على البعث،
﴿ أنا صببنا الماء صبا ﴾ : المطر، وقراءة ( أنا ) بالفتح على بدل الاشتمال من طعامه،
﴿ ثم شققنا الأرض شقا ﴾، بالنبات، ويحتمل أن يكون المراد الشق بالكراب على البقر، وأسند الفعل إلى الموجد، والمقرر أن إسناد الفعل حقيقة لمن قام به لا لمن صدر عنه إيجادا،
﴿ فأنبتنا فيها ﴾ : في الأرض، ﴿ حبا ﴾، كالحنطة،
﴿ وعنبا وقضبا ﴾ : القت، فإنه يقطع، ويقضب مرة بعد أخرى، أو مطلق علف الدواب،
﴿ وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا ﴾ : عظاما لكثرة أشجارها واتساعها، أو عظم أشجارها وغلظها،
﴿ وفاكهة وأبا ﴾ : مرعى من علف الدواب،
﴿ لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الصاخة ﴾ : اسم من أسماء القيامة، صخه : ضرب أذنه، فأصمها سميت صيحة القيامة بها، لأنه تصخ الآذان من شدتها،
﴿ يوم يفر المرء ﴾، بدل من إذا جاءت، ﴿ من أخيه ﴾
﴿ وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾، حذرا من أن يطلب منه حسنة من حسناته، لعله ينجو بها، أو لاشتغاله بشأن نفسه، أو حذرا من مطالبتهم في التبعات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٥:﴿ وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾، حذرا من أن يطلب منه حسنة من حسناته، لعله ينجو بها، أو لاشتغاله بشأن نفسه، أو حذرا من مطالبتهم في التبعات.
﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾، يكفيه في الاهتمام به، ويشغله عن غيره، وهو جواب ﴿ إذا جاءت ﴾ وفي الحديث " إن عائشة سألت، أينظر بعضنا عورة بعض ؟ حين قال عليه السلام : يحشرون حفاة عراة غرلا، فقال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، أو قال : ما يشغله عن النظر "،
﴿ وجوه يومئذ مسفرة ﴾ : مضيئة،
﴿ ضاحكة مستبشرة ﴾ : فرحة بما نال من كرامة الله،
﴿ ووجوه يومئذ عليها غبرة ﴾ : كدورة،
﴿ ترهقها ﴾ : تغشاها، ﴿ قترة ﴾ : سواد، وظلمة،
﴿ أولئك هم الكفرة الفجرة ﴾، وكان جمع الغبرة إلى سواد الوجه لجمعهم الفجور إلى الكفر.
اللهم لا تحشرنا بحق القرآن فيهم.