ﰡ
(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) الآية ٣ المارة، وعلى هذا فلا يجوز ذلك عليه إلا زنديق مارق منافق خائن لا حظ له في الآخرة إلا النار، ولا نصيب له في الدنيا إلا العار هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
تفسير سورة عبس عدد ٢٤- ٨٠
نزلت بمكة بعد سورة والنجم، وهي اثنتان وأربعون آية، ومائة وثلاثون كلمة وخمسمائة وثلاثون حرفا لا يوجد سورة مبدوءة أو مختومة بما بدئت وختمت به، ويوجد ستة سور في القرآن بدئت بالفعل الماضي هذه والنمل والأنبياء والفرقان والملك والمعارج.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: «عَبَسَ» تقطب واكفهر وجه الرسول المرسل إليكم أيها الناس «وَتَوَلَّى ١» أعرض وأدبر من «أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ٢» عبد الله بن شريح بن مالك بن أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله المخزومي «وَما يُدْرِيكَ» يا حبيبي «لَعَلَّهُ» ذلك الأعمى الذي لم تعبأ به ولم تلق له بالا «يَزَّكَّى ٣» من دون الكفر بما يتعلمه منك فيطهر بطهارة الإيمان «أَوْ يَذَّكَّرُ» بمواعظك القيمة المنزلة إليك من قبلنا «فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى ٤» التي يتلقاها منك من وحينا فيكون خيرا من هؤلاء الذين اشتغلت بهم عنه وهم المعنيون بقوله تعالى «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى ٥» بماله وعشيرته عن الإيمان بك والانقياد لما تتلوه من الذكر «فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ٦» تنقصد الإقبال عليه والإصغاء لقوله مكبا بكلك اليه ومجهدا نفسك به حرصا على إيمانه «وَما عَلَيْكَ» فرض والتزام «أَلَّا يَزَّكَّى ٧» من شركه فيطهر ويهتدي للايمان وانما عليك تبليغه وإنذاره فقط قال تعالى: (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) الآية الاخيرة من سورة ق الآتية«كَلَّا» لا تعد لمثل هذا أبدا كيف تقبل على الخطير وتعرض عن الحقير فكم من حقير عند الله لا يوازيه الف خطير في المنزلة واعلم يا أكمل الرسل «إِنَّها» الآيات المنزلة عليك من لدنك «تَذْكِرَةٌ ١١» عظيمة للناس أجمع لا يختص بها إلا من شملته العناية ولا يعرض عنها إلا من سخط عليه «فَمَنْ شاءَ» أن يتعظ بها ويؤمن بك وبربك «ذَكَرَهُ ١٢» أي ذكر الله ربه منزلها بإلهام منه فاهتدى وهذه الآيات المعبر عنها بالتذكرة مدونة عند الله «فِي صُحُفٍ» عظيمة جليلة «مُكَرَّمَةٍ ١٣» على الله الكريم والتنوين فيها يدل على التفخيم ولذلك وصفها بقوله (مَرْفُوعَةٍ) القدر عالية الاحترام «مُطَهَّرَةٍ ١٤» مقدسة لا يمسها هناك إلا المطهرون من الملائكة الكرام كما أنه لا يمسها في الدنيا إلا المطهرون من البشر كما سيأتي في الآية ٧٩ من سورة الواقعة الآتية «بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ١٥» جمع سفير وذلك أنه عند ما يأمر الله بايجاد شيء منها بوحيه بأن يأمر هذا النوع من الملائكة فيسفرون به بين الله ورسله فيكونون كالسفير بينهما وقد أنشد:
وما أدع السفارة بين قومي | وما أمشي يغش إن مشيت |
(ثُمَّ أَماتَهُ) بأجله المحتوم بعد استيفاء ما قدره له في الدنيا «فَأَقْبَرَهُ ٢١» في الأرض التي خلق أمله منها وتكونت منها نطفته وقد أمر بدفنه كرامة له فلم يجعله كالبهائم تطرح للوحوش ومن فعل معه هذا الفعل بحياته ومماته جدير بأن يطيعه ولكن الإنسان كفور «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ٢٢» أحياه للحساب والجزاء بالوقت المقدر لبعثه بعد انتهاء الوقت المقدر له في برزخه (كلا) ردع وزجر لذلك الإنسان المتكبر المتجبّر المترفع المصر على الكفر وإنكار البعث وهو «لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ» ربه من الإيمان به ولم يؤد ما افترضه عليه ولم يقم بشكر ما أنعم به عليه ولم يف بعهده الذي أخذه عليه في عالم الذر كما سيأتي في الآية ١٧٢ من الأعراف الآتية وبقي على حالته تلك من حين ولد إلى أن مات، ثم أنه
ثم عمم فقال «وَفاكِهَةً» من كل يتفكه به الإنسان من تفاح وخوخ وإجاص وكمثرى وسفرجل ومشمس وغيرها «وَأَبًّا ٣١» من كل نبات وشجر وحب يتغذى به الحيوان ويتملح به يابسا أو أخضر وما قيل أن الأب بلغة الحبشة الفاكهة وفسرها بها فغير سديد لانها تكون مكررة إذ ذكرت الفاكهة قبله قال تعالى: وجعلنا هذه النباتات «مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ٣٢» الأب خاصة فاشكروا نعمة الله عليكم أيها الناس لأنّا نمتعكم بذلك كله وغيره متاعا زائلا
«تَرْهَقُها» تغشاها فتدركها عن قرب بسرعة هائلة «قَتَرَةٌ ٤١» ظلمة كالدخان فلا يرى أوحش منها لاجتماع العبرة والدخان عليها «أُولئِكَ» الذين صنع بهم ذلك من كشف وجوههم وتغيرها «هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ٤٢» لأنهم جمعوا في الدنيا بين الكفر والجحود فجمع الله عليهم في الآخرة