تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب بيان المعاني
المعروف بـبيان المعاني
.
لمؤلفه
ملا حويش
.
المتوفي سنة 1398 هـ
ﰡ
نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ٣٧»
يزرق في الرحم «ثُمَّ كانَ عَلَقَةً» قطعة دم جامد بعد ذلك «فَخَلَقَ» جعل الله تلك العلقة جنينا «فَسَوَّى ٣٨» خلقه وجعله بشرا سويا معتدلا كاملا «فَجَعَلَ مِنْهُ» في أصل البشر وهو آدم عليه السلام أو من المني المذكور «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ٣٩» الصنفين الزوجين: الإنسان والحيوان والطيور والحيتان، وغيرها مما هو مخلوق بحسب التوالد، راجع تفسير الآية ٣ من سورة والليل المارة وللبحث صلة في الآية ٤٥ من سور النور في ج ٣، وإنما ذكر جل شأنه خلقه بخلقهم بسائق ذكر منكري البعث، والمختالين في مشيهم المتكبرين على حضرة الرسول يشير إليهم فيها أن من كان هذا حاله أولا وبيدنا تكوينه، كيف ينكر علينا قدرتنا عليه، وإعادته بعد الموت ويتعاظم ويتجبر على نبينا «أَلَيْسَ ذلِكَ) الذي فعل هذا كله هو الإله العظيم الآلاء، البديع الإنشاء «بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ٤٠» بعد إماتتهم كما بدأهم أول مرة، بلى والله قادر، أخرج أبو داود عن موسى ابن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ (أَلَيْسَ ذلِكَ) قال سبحانك بلى فسألوه عن ذلك فقال:
سمعته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين.
تفسير سورة الهمزة عد ٣٢- ١٠٤
نزلت بمكة بعد القيامة، وهي تسع آيات وثلاثون كلمة، ومائة وثلاثون حرفا، ويوجد سورة المطففين مبدوءة بما بدئت به فقط ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «وَيْلٌ» هلاك وقبح وحسرة وندامة وذم وسخط، وأصله (وي لفلان) فكثر استعمالها فوصلت والويل جبل أو واد في جهنم «لِكُلِّ» ذي «هُمَزَةٍ» هي كالهزم الكسر بالعين أو بإحدى الجوارح «لُمَزَةٍ ١» هي كالهمز الطعن في عرض الناس وكل ما من شأنه أن يعيبهم بمواجهتهم أو بغيابهم وقيل الهمز يكون باللسان والرأس واللمز بالعين
يزرق في الرحم «ثُمَّ كانَ عَلَقَةً» قطعة دم جامد بعد ذلك «فَخَلَقَ» جعل الله تلك العلقة جنينا «فَسَوَّى ٣٨» خلقه وجعله بشرا سويا معتدلا كاملا «فَجَعَلَ مِنْهُ» في أصل البشر وهو آدم عليه السلام أو من المني المذكور «الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ٣٩» الصنفين الزوجين: الإنسان والحيوان والطيور والحيتان، وغيرها مما هو مخلوق بحسب التوالد، راجع تفسير الآية ٣ من سورة والليل المارة وللبحث صلة في الآية ٤٥ من سور النور في ج ٣، وإنما ذكر جل شأنه خلقه بخلقهم بسائق ذكر منكري البعث، والمختالين في مشيهم المتكبرين على حضرة الرسول يشير إليهم فيها أن من كان هذا حاله أولا وبيدنا تكوينه، كيف ينكر علينا قدرتنا عليه، وإعادته بعد الموت ويتعاظم ويتجبر على نبينا «أَلَيْسَ ذلِكَ) الذي فعل هذا كله هو الإله العظيم الآلاء، البديع الإنشاء «بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ٤٠» بعد إماتتهم كما بدأهم أول مرة، بلى والله قادر، أخرج أبو داود عن موسى ابن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ (أَلَيْسَ ذلِكَ) قال سبحانك بلى فسألوه عن ذلك فقال:
سمعته عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين.
تفسير سورة الهمزة عد ٣٢- ١٠٤
نزلت بمكة بعد القيامة، وهي تسع آيات وثلاثون كلمة، ومائة وثلاثون حرفا، ويوجد سورة المطففين مبدوءة بما بدئت به فقط ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به، لا ناسخ ولا منسوخ فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «وَيْلٌ» هلاك وقبح وحسرة وندامة وذم وسخط، وأصله (وي لفلان) فكثر استعمالها فوصلت والويل جبل أو واد في جهنم «لِكُلِّ» ذي «هُمَزَةٍ» هي كالهزم الكسر بالعين أو بإحدى الجوارح «لُمَزَةٍ ١» هي كالهمز الطعن في عرض الناس وكل ما من شأنه أن يعيبهم بمواجهتهم أو بغيابهم وقيل الهمز يكون باللسان والرأس واللمز بالعين
247
والحاجب وعلى كل فكل إشارة أو لفظ ما من شأنه إفادة القدح في الناس أو ذمهم داخل في هذا. قال الشاعر:
وقدمنا في تفسير الآية ١١ من سورة القلم ما يتعلق بهذا وله صلة في الآية ١١ من سورة الحجرات في ج ٣. قال ابو الجوزاء لابن عباس من هؤلاء الذين ذمهم الله بالويل قال المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة، الناعتون الناس بالمعيب وتتناول كل من يعيب الناس بما يفعلونه جهرا أو بظهر الغيب أو ما يبطنونه ولذلك قال تعالى:
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ «الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ ٢» مرّة بعد أخرى حبا له وشعفا به ولذلك يستصغر الناس ويهزأ بهم فيهمز هذا ويلمز ذاك، وينم على ذلك ويعيب الآخر «أيَحْسَبُ» هذا للعجب بنفسه «أَنَّ مالَهُ» المتكبر به جعله يسخر بالناس أو أنه «أَخْلَدَهُ ٣» في هذه الدنيا أيضا ويحسب انه لا يموت ولا يبعث ولا يحاسب ولا يقاص «كَلَّا» لا يظن ذلك إذ لا حقيقة لهذا الحسبان فلا شيء يخلد في الدنيا، ولا يبقى شيء بلا جزاء، على أن الذي يخلد الذكرى يتوقع منه الخير، هو العمل الصالح، قال علي كرم الله وجهه: مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. ثم أقسم جل شأنه فقال: «لَيُنْبَذَنَّ» ليقذفن هذا الخبيث واضرابه «فِي الْحُطَمَةِ ٤» الدركة الثانية في النار، وسميت حطمة لأنها تحطم العظام لأول وهلة «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان «مَا الْحُطَمَةُ ٥» شيء عظيم هي لا ينالها عقلك، وفيها تهويل وتفظيع لأمرها، لأنها هي «نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ٦» التي لا تخمد أبدا، فويل لك أيها العياب الطّعان المتعظم على الناس بالمال منها، فإنها لشدة إحراقها «تَطَّلِعُ» حال القائك فيها وأمثالك «عَلَى الْأَفْئِدَةِ ٧» فيصل ألمها للقلوب لأنها موطن الكفر والنيات السيئة والعقيدة الفاسدة، أي أن هذه النار تدخل من أفواه المعذبين فتصل إلى صدورهم، فتصلي أفئدتهم من غير أن تحرقها
إذ لقيتك عن سخط تكاشرني | وان تغيبت كنت الهامز اللمزا |
تشير فأدري ما تقول بطرفها | وأطرق طرفي عند ذاك فتفهم |
حواجبنا تقضي الحوائج بيننا | فنحن سكوت والهوى يتكلم |
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ «الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ ٢» مرّة بعد أخرى حبا له وشعفا به ولذلك يستصغر الناس ويهزأ بهم فيهمز هذا ويلمز ذاك، وينم على ذلك ويعيب الآخر «أيَحْسَبُ» هذا للعجب بنفسه «أَنَّ مالَهُ» المتكبر به جعله يسخر بالناس أو أنه «أَخْلَدَهُ ٣» في هذه الدنيا أيضا ويحسب انه لا يموت ولا يبعث ولا يحاسب ولا يقاص «كَلَّا» لا يظن ذلك إذ لا حقيقة لهذا الحسبان فلا شيء يخلد في الدنيا، ولا يبقى شيء بلا جزاء، على أن الذي يخلد الذكرى يتوقع منه الخير، هو العمل الصالح، قال علي كرم الله وجهه: مات خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. ثم أقسم جل شأنه فقال: «لَيُنْبَذَنَّ» ليقذفن هذا الخبيث واضرابه «فِي الْحُطَمَةِ ٤» الدركة الثانية في النار، وسميت حطمة لأنها تحطم العظام لأول وهلة «وَما أَدْراكَ» أيها الإنسان «مَا الْحُطَمَةُ ٥» شيء عظيم هي لا ينالها عقلك، وفيها تهويل وتفظيع لأمرها، لأنها هي «نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ٦» التي لا تخمد أبدا، فويل لك أيها العياب الطّعان المتعظم على الناس بالمال منها، فإنها لشدة إحراقها «تَطَّلِعُ» حال القائك فيها وأمثالك «عَلَى الْأَفْئِدَةِ ٧» فيصل ألمها للقلوب لأنها موطن الكفر والنيات السيئة والعقيدة الفاسدة، أي أن هذه النار تدخل من أفواه المعذبين فتصل إلى صدورهم، فتصلي أفئدتهم من غير أن تحرقها
248
لأنها لو حرقت لماتوا. والنار كالجنة لا موت فيها كما مر في الاية (١٣) من سورة الأعلى، وإنما خصّ الأفئدة حيث لا ألطف منها في الوجود، وألمها أشد من غيرها لأنها حساسة، فتتألم بأدنى أذى يصيبها حتى الخطرة، فكيف إذا أحاطت بها النار والعياذ بالله. قال صلّى الله عليه وسلم: إن النار تأكل أهلها حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثم ان الله تعالى يعيد لحمهم وعظامهم مرة أخرى. وهكذا دواليك، راجع تفسير الآية ٥٥ من سورة النساء في ج ٣ «إِنَّها» أي الحطمة تكون «عَلَيْهِمْ» أي جماعة الكفر كلهم، وذلك لأن النكرة إذا اختصت عمّت «مُؤْصَدَةٌ ٨» مغلقة مطبقة قال:
وقال الآخر:
وذلك الإيصاد في «عَمَدٍ» غلاظ عظام من وراء أبوابها «مُمَدَّدَةٍ ٩» توصد عليها بها، فلا يمكن أن يفتح بابها، ولا يدخل عليها روح. وقرىء عمد بضمتين وبفتح العين مع كسر الميم مثل أرم وأرم وأريم، وعقم وعقم وعقيم، وهو كل مستطيل من حجر أو خشب أو حديد، وهو جمع عمود على غير واحد، أما ما يجمع على واحد فهو ما ينظم مثل رسل جمع رسول، وزبر جمع زبور، سبل جمع سبيل. وجاء بهذا اللفظ لأن العرب اعتادوا أن يضعوا أحجارا أو أعمدة مستطيلة وراء الباب لئلا تفتح بالدفع جريا على عاداتهم فيدخلون أطرافها بشعوب يجعلونها في ساريتي الباب من الداخل، وإن الأبواب القديمة التي رأيناها في حلب والشام ودرعا وتدمر وبصرى كانت توصد على هذه الطريقة. وفي جهتي الباب من الداخل ثقوب لإدخال العمد فيها، ومنها ما هو موجود حتى الآن، ولكن لا قياس بين الأحجار والعمد التي يجعلها الناس، وبين العمد التي يجعلها ربهم.
مطلب الكهرباء من الخوارق:
ويؤخذ من هذا لا من حيث التأويل، بل من حيث نفوذ النور ما أحدث
تحنّ إلى جبال مكة ناقتي | ومن دونها أبواب صنعاء مؤصده |
قوما يعالج حملها أبناؤهم | وسلاسلا ملسا وبابا مؤصدا |
مطلب الكهرباء من الخوارق:
ويؤخذ من هذا لا من حيث التأويل، بل من حيث نفوذ النور ما أحدث
249