تفسير سورة الهمزة

تفسير السمرقندي
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي .
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة الهمزة مكية، وهي تسع آيات.

سورة الهمزة
وهي تسع آيات مكية
[سورة الهمزة (١٠٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ يعني: الشدة من العذاب. ويقال: وَيْلٌ واد في جهنم، لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال أبو العالية: يعني: يهمزه في وجهه، ويلمزه من خلفه. وقال مجاهد: الهمزة اللعان، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس. وقال ابن عباس: الهمزة واللمزة، الذي يفرق بين الناس بالنميمة. والآية نزلت في الأخنس بن شريق. ويقال: الذي يسخر من الناس، فيشير بعينه وبحاجبيه، وبشفتيه إليه. وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان يغتاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ويطعن في وجهه. ويقال: نزلت في جميع المغتابين.
ثم قال عز وجل: الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يعني: استعبد بماله، الخدم والحيوان، وعدّده أي: حسبه وأحصاه. قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ بالتشديد، والباقون بالتخفيف. فمن قرأ بالتشديد، فهو للمبالغة كثر الجمع، ومن قرأ بالتخفيف، فمعناه وجمع مَالاً وَعَدَّدَهُ أي: قوماً أعدهم نصارا. قوله عز وجل: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ يعني: يظن أن ماله الذي جمع، أخلده في الدنيا، ويمنعه من الموت. ومن قرأ بالتخفيف، فلا يموت حتى يفنى ماله.
يقول الله تعالى: كَلَّا لا يخلده ماله أبداً، وولده. ثم استأنف فقال عز وجل:
لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ يعني: ليطرحن، وليقذفن في الحطمة، والحطمة اسم من أسماء النار.
ثم قال: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ تعظيماً لشدتها. ثم وصفها فقال: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ يعني:
المستعرة، تحطم العظام، وتأكل اللحم، فلهذا سميت الحطمة الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
616
يعني: تأكل اللحم، حتى تبلغ أفئدتهم. وقال القتبي: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ أي: تشرف على الأفئدة، وخص الأفئدة، لأن الألم إذا وصل إلى الفؤاد، مات صاحبه. فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون، كما قال الله تعالى: لاَ يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [الأعلى: ١٣] ويقال:
تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ يعني: تأكل الناس، حتى تبلغ الأفئدة فإذا بلغت ابتدأ خلقه، ولا تحرق القلب، لأن القلب إذا احترق، لا يجد الألم، فيكون القلب على حاله.
ثم قال: إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ يعني: مطبقة على الكافرين فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ يعني:
طبقها مشدود إلى العمد. وقال الزجاج: معناه العذاب مطبق عليهم في عمد، أي: عمد من النار. وقال الضحاك: مؤصدة أي: حائط لا باب فيه. وروي عن الأعمش، أنه كان يقرأ عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ممدودة يعني: أطبقت الأبواب، ثم شددت بالأوتاد من حديد، من نار حتى يرجع إليهم غمها وحرها، فلا يفتح لهم باب، ولا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم إلى الأبد. قرأ حمزة والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر، في عُمد ممدودة بضم العين والميم.
وقرأ الباقون بالنصب، ومعناهما واحد، وهو جمع العماد. والله أعلم بالصواب.
617
Icon