تفسير سورة الهمزة

اللباب
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب اللباب في علوم الكتاب المعروف بـاللباب .
لمؤلفه ابن عادل الحنبلي . المتوفي سنة 775 هـ
مكية، هي تسع آيات، وثلاث وثلاثون كلمة، ومائة وثلاثون حرفا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فصل فيمن نزلت فيه السورة
روى الضحاك عن ابن عبَّاس : أنها نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس، ويعيبهم مقبلين، ومدبرين٩.
وقال ابن جريج : نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه، ويقدح فيه في وجهه١٠.
وقيل : إنها نزلت في أبي بن خلف.
وقيل : في جميل بن عامر الثقفي.
وقيل : إنها عامة من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين.
قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد ؛ بل لكل من كانت هذه صفته١١.
وقال الفراءُ : يجوز أن يذكر الشيء العام، ويقصد به الخاص، قصد الواحد إذا قال : أزورك أبداً، فتقول : من لم يزرني فلست بزائره، تعني ذلك القائل.

مكية، وهي تسع آيات، وثلاث وثلاثون كلمة، ومائة وثلاثون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله: ﴿ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة﴾، «الوَيْل» لفظ الذم والسّخط، وهي كلمة كل مكروب، وقد تقدم الكلام في الويل، ومعناه: الخزي، والعذاب، والهلكة.
وقيل: وادٍ في جهنم.
﴿لِّكُلِّ هُمَزَةٍ﴾، أي: كثير الهمز، وكذلك «اللُّمَزَة»، أي: الكثير اللَّمْز. وتقدم معنى الهمز في سورة «ن» واللمز في سورة «براءة».
والعامة: على فتح ميمها، على أن المراد الشخص الذي كثر منه ذلك الفعل.
قال زياد الأعجم: [البسيط]
٥٣٠٢ - تُدْلِي بِوُدِّي إذَا لاقَيْتَنِي كَذِباً وإنْ أغَيَّبْ فأنْتَ الهَامِزُ اللُّمَزَه
وقرأ أبو جعفر والأعرج: بالسكون، وهو الذي يهمز ويلمز أي يأتي بما يلمز به واللمزة كالضحكة [لمن يكثر ضحكه، والضحكة: بما يأتي لمن يضحك منه وهو مطرد، يعني أن «فُعَلَة» بفتح العين، لمن يكثر من الفعل، وبسكونها لمن الفعل بسببه].
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - وهم المشَّاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العيب، فعلى هذا هما بمعنى، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «شِرارُ عبادِ اللهِ تَعالَى:
488
المشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ المفسِدُونَ بَيْنَ الأحبَّةِ، الباغُونَ للبُرَآءِ العَيْبَ».
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أن الهمزة: القتَّات، واللُّمزة: المغتاب، والقتَّاتُ: هو النمام، يقال: قتّ الحديث يقتّه: إذا زوره وهيّأه وسواه.
[وقيل: النَّمامُ الذي يكون مع القوم يتحدثون لينمّ عليهم، والقتَّات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون، ثم ينم، والقتات الذي يسأل عن الأخبار، ثم ينميها نقله ابن الأثير.
وقال أبو العالية، والحسن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح: الهمزة: الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل، واللُّمزة: الذي يعيب به من خلفه، وهذا اختيار النحاس.
قال: ومنه قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات﴾ [التوبة: ٥٨].
وقال مقاتل هنا هذا القول: إن الهمزة: الذي يغتاب بالغيبة، واللمزة الذي يغتاب في الوجه.
وقال قتادة، ومجاهد: الهمزة: الطَّعَّان في أنسابهم، وقال ابن زيد: الهامز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللامز: الذي يلمزهم بلسانه ويلمز بعينه].
وقال ابن كيسان: الهمزة: الذي يؤدي جلساءه بسوء اللفظ، واللُّمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه، ورأسه، وبحاجبيه.
وقرأ عبد الله بن مسعود، وأبو وائل، والنخعي، والأعمش: «ويلٌ للهمزة اللمزة».
وأصل الهمز: الكسر، والعض على الشيء بعنف، ومنه همز الحرف، ويقال: همزت رأسه، وهمزت الجوز بكفي: كسرته.
وقيل: أصل الهمزِ، واللمز: الدفع والضرب لمزه يلمزه لمزاً، إذا ضربه، ودفعه، وكذلك همزه: أي: دفعه، وضربه؛ قال الراجز: [الرجز]
489
البركعة: القيام على أربع وبركعه فتبركع، صرعه، فوقع على استه، قاله في «الصحاح».

فصل فيمن نزلت فيه السورة


روى الضحاك عن ابن عبَّاس: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس، ويعيبهم مقبلين، ومدبرين.
وقال ابن جريج: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ورائه، ويقدح فيه في وجهه.
وقيل: إنها نزلت في أبي بن خلف.
وقيل: في جميل بن عامر الثقفي.
وقيل: إنها عامة من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين.
قال مجاهد: ليست بخاصة لأحد، بل لكل من كانت هذه صفته.
وقال الفراءُ: يجوز أن يذكر الشيء العام، ويقصد به الخاص، قصد الواحد إذا قال: أزورك أبداً، فتقول: من لم يزرني فلست بزائره، تعني ذلك القائل.

فصل في نظم الآية


قال ابن الخطيب: فإن قيل: لم قال: «ويلٌ» منكراً، وفي موضع آخر: «ولَكُمُ الويْلُ»، معرفاً؟.
فالجواب: لأن ثمة قالوا: ﴿ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤، ٤٦]، فقال: «ولكُمُ الويْلُ» وهاهنا نكر، حتى لا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
قيل: في «ويْلٌ» إنها كلمة تقبيح، و «ويس» استصغار، «ويح» ترحم، فنبه بهذا على قبيح هذا الفعل.
قوله: ﴿الذى جَمَعَ﴾ قرأ ابن عامر والأخوان: بتشديد الميم، على المبالغة، والتكثير.
والباقون: مخففاً، وهي محتملة للتكثير وعدمه.
490
وقوله تعالى: ﴿وَعَدَّدَهُ﴾، العامة: على تثقيل الدَّال الأولى، وهي أيضاً للمبالغة.
وقرأ الحسن والكلبي: بتخفيفها، وفيه أوجه:
أحدها: أن المعنى جمع مالاً، وعدد ذلك المال، أي: وجمع عدده: أي: أحصاه.
والثاني: أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته، وأقاربه وعدده، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على «مالاً»، أي: وجمع عدد المال، وعدد نفسه.
والثالث: أن عدده فعل ماض بمعنى عده، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله: [البسيط]
٥٢٩٣ -................................... إنِّ أجُودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
أي: ضنوا وبخلوا، فأظهر التضعيف.
و «الذي» بدل من كل أو نصب على الذم، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف، لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فسيتنقص غيره.

فصل في معنى جمع المال


قال المفسرون: ﴿جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ﴾، أي: أعده لنوائب الدهر، مثل: كرم، وأكرم.
وقيل: أحصى عدده. قاله السدي.
وقال الضحاكُ: أي: أعد ماله لمن يرثه من أولاده.
وقيل: تفاخر بعدده، وكثرته، والمقصود: الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة، كقوله: ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ [ق: ٢٥].
491
قوله: ﴿يَحْسَبُ﴾، يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً من فاعل «جَمَعَ»، و «أخْلدهُ» بمعنى: «يُخلِدهُ» وأوقع الماضي موقع المضارع.
وقيل: هو على الأصل، أي: أطال عمره.
قال السديُّ: «يظن أن ماله أخلده، أي: يبقيه حياً لا يموت».
وقال عكرمة: أي: يزيد في عمره وقيل: أحياه فيما مضى.
وهو ماض بمعنى المستقبل، وقالوا: هلك والله فلان، ودخل النار. أي: يدخل النار.
492
قوله :﴿ الذى جَمَعَ ﴾ قرأ ابن عامر١ والأخوان : بتشديد الميم، على المبالغة، والتكثير.
والباقون : مخففاً، وهي محتملة للتكثير وعدمه.
وقوله تعالى :﴿ وَعَدَّدَهُ ﴾، العامة : على تثقيل الدَّال الأولى، وهي أيضاً للمبالغة.
وقرأ الحسن والكلبي٢ : بتخفيفها، وفيه أوجه :
أحدها : أن المعنى جمع مالاً، وعدد ذلك المال، أي : وجمع عدده : أي : أحصاه.
والثاني : أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته، وأقاربه وعدده، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على «مالاً »، أي : وجمع عدد المال، وعدد نفسه.
والثالث : أن عدده فعل ماض بمعنى عده، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله :[ البسيط ]
٥٢٩٣-. . . *** إنِّي أجُودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِنُوا٣
أي : ضنوا وبخلوا، فأظهر التضعيف.
و«الذي » بدل من كل، أو نصب على الذم، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف ؛ لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز، وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره.

فصل في معنى جمع المال


قال المفسرون :﴿ جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ ﴾، أي : أعده لنوائب الدهر، مثل : كرم، وأكرم.
وقيل : أحصى عدده. قاله السدي٤.
وقال الضحاكُ : أي : أعد ماله٥ لمن يرثه من أولاده.
وقيل : تفاخر بعدده، وكثرته، والمقصود : الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة، كقوله :﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ [ ق : ٢٥ ].
١ ينظر: السبعة ٦٩٧، والحجة ٦/٤٤١، وإعراب القراءات ٢/٥٢٩، وحجة القراءات ٧٧٢..
٢ ينظر: المحرر الوجيز ٥/٥٢١، والبحر المحيط ٨/٥١٠، والدر المصون ٦/٥٦٨.
.

٣ عجز بيت لقعنب ابن أم صاحب وصدره:
*** مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ***
ينظر الخصائص ١/١٦٠، ٢٥٧، وسمط اللآلىء ص ٥٧٦، وشرح أبيات سيبويه ١/٣١٨، والكتاب ٢٩٨، ٣/٥٣٥، ولسان العرب (ظلل)، و(ضنن)، والمنصف ١/٣٣٩، ٢/٣٠٣، ونوادر أبي زيد ص ٤٤، وخزانة الأدب ١/١٥٠، ٢٤٥، وشرح شافية ابن الحاجب ٣/٢٤١، وشرح المفصل ٢/١٣، والمقتضب ١/١٤٢، ٢٥٣، ٣/٣٥٤..

٤ ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧٠)، عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم..
٥ ذكره الماوردي في "تفسيره" (٦/٣٣٦)، والقرطبي (٢٠/١٢٥)..
قوله :﴿ يَحْسَبُ ﴾، يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً من فاعل «جَمَعَ »، و «أخْلدهُ » بمعنى :«يُخلِدهُ »، وأوقع الماضي موقع المضارع.
وقيل : هو على الأصل، أي : أطال عمره.
قال السديُّ :«يظن أن ماله أخلده، أي : يبقيه حياً لا يموت »١.
وقال عكرمة : أي : يزيد في عمره٢ وقيل : أحياه فيما مضى.
وهو ماض بمعنى المستقبل، وقالوا : هلك والله فلان، ودخل النار. أي : يدخل النار.
١ ذكر ه القرطبي (٢٠/١٢٧)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧٠)، عنه بمعناه وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم..
٢ تقدم تخريجه..
قوله: ﴿كَلاَّ﴾، رد لما توهمه الكفار، أي: لا يخلد ولا يبقى له مال.
وقيل: حقاً لينبذن.
قوله: ﴿لَيُنبَذَنَّ﴾، جواب قسم مقدر، وقرأ علي والحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - بخلاف عنه، ومحمد بن كعب، ونصر بن عاصم، وحميد، وابن محيصن، وأبو عمرو في رواية: «لَيُنْبذَنَّ» بألف التثنية، لينبذان أي: هو وماله.
وعن الحسن أيضاً: «ليُنبذُنَّ» بضم الذال، وهو مسند لضمير الجماعة، أي: ليطرحن الهمزة، وأنصاره واللمزة، والمال، وجامعه معاً.
وقرأ الحسن أيضاً: «ليُنبذَنَّهُ» على معنى لينبذن ماله.
وعنه أيضاً: بالنون «لَنَنْبُذَنَّهُ» على إخبار الله - تعالى - عن نفسه، وأنه ينبذ صاحب المال. ﴿فِي الحطمة﴾ وهي نار الله، سميت بذلك؛ لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه، وتهشمه، والحطمة: الكثير الحطم، يقال: رجل حطمة: أي أكول، وحطمته: كسرته، قال: [الرجز]
٥٣٠٤ -....................................
492
قَدْ لفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
وقال آخر: [الرجز]
٥٣٠٣ - ومَنْ هَمَزْنَا عِزَّهُ تَبَركَعَا عَلى اسْتِهِ زَوْبعَةً أوْ زَوْبَعَا
٥٣٠٥ - إنَّا حَطَمْنَا بالقَضيبِ مُصْعبَا يَوْمَ كَسرْنَا أنفهُ ليَغْضَبَا
حكى الماوردي عن الكلبي: ان الحطمة، هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم، وحكي القشيريُّ عنه: «الحُطمةُ» الدرجة الثانية من درج النار.
وقال الضحاك: وهي الدرك الرابع.
وقال ابن زيدٍ: اسم من أسماء جهنم.
قوله: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة﴾، على التعظيم لشأنها، والتفخيم لأمرها: ثم فسرها ما هي فقال: ﴿نَارُ الله الموقدة﴾، أي: هي نار الله التي أوقد عليها ألف عام، حتى احمرت، وألف عام حتى اسودّت، وألف عام حتى ابيضّت.
قوله: ﴿التي تَطَّلِعُ﴾ يجوز أن تكون تابعة ل «نارُ اللهِ»، وأن تكون مقطوعة.
قال محمد بن كعب: تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقاً جديداً، فرجعت تأكلهم، وكذلك روى خالد بن أبي عمران عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ النار تأكل أهلها، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثُمَّ إذا صدروا تعود، فلذلك قوله تعالى: ﴿نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة﴾ » وخص الأفئدة؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، أي: أنه في حال من يموت، وهم لا يموتون، كما قال تعالى: ﴿لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى﴾ [طه: ٧٤] فهم إذاً أحياءٌ، في معنى الأموات.
وقيل: معنى ﴿تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة﴾ أي: تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وكذلك بما استبقاه الله - تعالى - من الأمارة الدَّالة عليه، ويقال: اطَّلَع فلان على كذا: أي: علمه، [وقد قال تعالى: ﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وتولى﴾ [المعارج: ١٧].
493
وقال تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ [الفرقان: ١٢].
قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ﴾. أي: مطبقة عليهم، قاله الحسن والضحاك وقد تقدم في سورة البلد.
وقيل: مغلقة بلغة قريش، يقولون: أصدتُ الباب: إذا أغلقته. قاله مجاهد.
ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات: [الخفيف]
٥٣٠٦ - إنَِّ في القصْرِ لوْ دخلْنَا غَزالاً مُصْفقاً مُوصداً عليْهِ الحِجَابُ
قوله: ﴿عَمَدٍ﴾. قرأ الأخوان وأبو بكر: بضمتين، جمع عمود، نحو رسول ورسل.
وقيل: جمع عماد، نحو: كتاب وكتب.
وروي عن أبي عمرو: الضم، والسكون، وهوتخفيف لهذه القراءة.
والباقون: «عَمَدٍ» بفتحتين، فقيل: بل هو اسم جمع ل «عمود».
وقيل: بل هو جمع له.
قال الفراء: ك «أديم وأدم».
وقال أبو عبيدة: هو جمع عماد.
و «فِي عَمَدٍ» يجوز أن يكون حالاً من الضمير في «عَليهِم»، أي: موثقين، وأن يكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي: هم في عمد، وأن يكون صفة ل «مُؤصَدةٌ»، قاله أبو البقاء. يعني: فتكون النَّار داخل العمد.
وقال القرطبي: «الفاء بمعنى الباء، أي: موصدة بعمد ممدة». قاله ابن مسعود، وهي في قراءته: «بعمد ممددة».
قال الجوهريُّ: العمُود: عمود البيت، وجمع القلّة، أعمدة، وجمع الكثرة: عُمُد وعَمَد، وقرئ بهما في قوله تعالى: ﴿فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾.
494
وقال أبو عبيدة: العمُود: كل مستطيل من خشب، أو حديد، وهو أصل للبناء مثل العماد. عمدت الشيء فانعمد أي: أقمته بعماد يعتمد عليه، وأعمدته أي جعلت تحته عماداً.

فصل في معنى الآية


قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ الله تَبارَكَ وتَعَالَى يَبعَثُ عَليْهِمْ مَلائِكَةً بأطْباقٍ من نَارٍ، ومَسامِيرَ مِنْ نَارٍ، وعُمدٍ منْ نَارٍ، فتطبق عليهم بتِلْكَ الأطْبَاقِ، وتُسَدُّ بتلْكَ المَسَامِيرِ، وتُمَدُّ بتِلْكَ العُمدِ، فلا يَبْقَى فيْهَا خَلَلٌ يَدخلُ مِنهُ رَوْحٌ ولا يَخرجُ مِنهُ غمٌّ، فيكُونُ فِيهَا زَفيرٌ وشَهِيقٌ، فذلكَ قوله تَعَالَى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ﴾ ».
وقال قتادة: عمد يعذبون بها، واختاره الطَّبري.
وقال ابن عبًّاس: إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم.
وقال أبو صالح: قيود في أرجلهم.
وقال القشيري: العمد: أوتاد الأطباق.
وقيل: المعنى، في دهور ممدودة، لا انقطاع لها.
روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ قَرَأ ﴿ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ﴾ أعطيَ مِنَ الأجْرِ عَشْرَ حَسناتٍ، وبعدد من اسْتَهْزأ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ».
495
سورة الفيل
496
قوله :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة ﴾، على التعظيم لشأنها، والتفخيم لأمرها.
ثم فسرها ما هي فقال :﴿ نَارُ الله الموقدة ﴾، أي : هي نار الله التي أوقد عليها ألف عام، حتى احمرت، وألف عام حتى اسودّت، وألف عام حتى ابيضّت.
قوله :﴿ التي تَطَّلِعُ ﴾ يجوز أن تكون تابعة ل «نارُ اللهِ »، وأن تكون مقطوعة.
قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقاً جديداً، فرجعت تأكلهم، وكذلك روى خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم :«إنَّ النار تأكل أهلها، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت، ثُمَّ إذا صدروا تعود، فلذلك قوله تعالى :﴿ نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة ﴾١ وخص الأفئدة ؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، أي : إنه في حال من يموت، وهم لا يموتون، كما قال تعالى :﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى ﴾ [ طه : ٧٤ ] فهم إذاً أحياءٌ، في معنى الأموات.
وقيل : معنى ﴿ تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة ﴾ أي : تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وكذلك بما استبقاه الله - تعالى - من الأمارة الدَّالة عليه، ويقال : اطَّلَع فلان على كذا : أي : علمه، [ وقد قال تعالى :﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وتولى ﴾ [ المعارج : ١٧ ].
وقال تعالى :﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾٢ [ الفرقان : ١٢ ].
١ ذكره القرطبي في "تفسيره" (٢٠/١٢٦)..
٢ سقط من: أ..
قوله تعالى :﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴾. أي : مطبقة عليهم، قاله الحسن والضحاك١ وقد تقدم في سورة البلد.
وقيل : مغلقة بلغة قريش، يقولون : أصدتُ الباب : إذا أغلقته. قاله مجاهد٢.
ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات :[ الخفيف ]
٥٣٠٦- إنَِّ في القصْرِ لوْ دخلْنَا غَزالاً مُصْفقاً مُوصداً عليْهِ الحِجَاب٣
١ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٦٨٩)، عن ابن عباس وعطية والحسن والضحاك.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧٠)، عن ابن عباس وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر..

٢ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٦٨٩)، عن ابن زيد، وينظر تفسير القرطبي (٢٠/١٣٧)..
٣ ينظر ديوانه ٨٤، والقرطبي ٢٠/١٢٧..
قوله :﴿ عَمَدٍ ﴾. قرأ١ الأخوان وأبو بكر : بضمتين، جمع عمود، نحو رسول ورسل.
وقيل : جمع عماد، نحو : كتاب وكتب.
وروي عن أبي عمرو : الضم، والسكون، وهو تخفيف لهذه القراءة.
والباقون :«عَمَدٍ » بفتحتين، فقيل : بل هو اسم جمع ل«عمود ».
وقيل : بل هو جمع له.
قال الفراء : ك«أديم وأدم ».
وقال أبو عبيدة : هو جمع عماد.
و «فِي عَمَدٍ » يجوز أن يكون حالاً من الضمير في «عَليهِم »، أي : موثقين، وأن يكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي : هم في عمد، وأن يكون صفة ل «مُؤصَدةٌ »، قاله أبو البقاء٢. يعني : فتكون النَّار داخل العمد.
وقال القرطبي٣ :«الفاء بمعنى الباء، أي : موصدة بعمد ممدة ». قاله ابن مسعود، وهي في قراءته :«بعمد ممددة ».
قال الجوهريُّ٤ : العمُود : عمود البيت، وجمع القلّة : أعمدة، وجمع الكثرة : عُمُد وعَمَد، وقرئ بهما في قوله تعالى :﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴾.
وقال أبو عبيدة : العمُود : كل مستطيل من خشب، أو حديد، وهو أصل للبناء مثل العماد. عمدت الشيء فانعمد أي : أقمته بعماد يعتمد عليه، وأعمدته أي جعلت تحته عماداً.

فصل في معنى الآية


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنَّ الله تَبارَكَ وتَعَالَى يَبعَثُ عَليْهِمْ مَلائِكَةً بأطْباقٍ من نَارٍ، ومَسامِيرَ مِنْ نَارٍ، وعُمدٍ منْ نَارٍ، فتطبق عليهم بتِلْكَ الأطْبَاقِ، وتُسَدُّ بتلْكَ المَسَامِيرِ، وتُمَدُّ بتِلْكَ العُمدِ، فلا يَبْقَى فيْهَا خَلَلٌ يَدخلُ مِنهُ رَوْحٌ ولا يَخرجُ مِنهُ غمٌّ، فيكُونُ فِيهَا زَفيرٌ وشَهِيقٌ، فذلكَ قوله تَعَالَى :﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾ »٥.
وقال قتادة : عمد يعذبون بها٦، واختاره الطَّبري٧.
وقال ابن عبًّاس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم٨.
وقال أبو صالح : قيود في أرجلهم.
وقال القشيري : العمد : أوتاد الأطباق.
وقيل : المعنى، في دهور ممدودة، لا انقطاع لها.
١ ينظر: السبعة ٦٩٧، والحجة ٦/٤٤٢ -٤٤٣، وإعراب القراءات ٢/٥٣٠، وحجة القراءات ٧٧٣..
٢ ينظر الإملاء ٢/٢٩٤..
٣ الجامع لأحكام القرآن ٢٠/١٢٧..
٤ الصحاح ٢/٥١١..
٥ ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧١)، وعزاه إلى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن أبي هريرة..
٦ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٦٩٠)، عن قتادة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧٠)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر..
٧ ينظر جامع البيان ١٢/٦٩٠..
٨ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٦٩٢)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (١/١٢٢)، من طريق محمد بن سيرين عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٧٤)، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه..
Icon