تفسير سورة الهمزة

التفسير القرآني للقرآن
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب التفسير القرآني للقرآن المعروف بـالتفسير القرآني للقرآن .
لمؤلفه عبد الكريم يونس الخطيب . المتوفي سنة 1390 هـ

(١٠٤) سورة الهمزة
نزولها: نزلت بمكة.. بعد سورة القيامة.
عدد آياتها: تسع آيات.
عدد كلماتها: ثلاث وثلاثون كلمة.
عدد حروفها: مائة وثلاثون حرفا.
مناسبتها لما قبلها
فى سورة العصر أقسم الحقّ جلّ وعلا «بالعصر» على أن الإنسان فى خسر، مستثنيا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر.
وفى هذه السورة (سورة الهمزة) عرض للإنسان الخاسر، ومن أبن كان خسرانه، وإلى أين يكون مصيره.

بسم الله الرحمن الرّحيم

الآيات: (١- ٩) [سورة الهمزة (١٠٤) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
1670
التفسير:
قوله تعالى:
«وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ».
«الهمزة» هو الذي يهمز الناس، أي يؤذبهم بقوارص الكلم جهرة، فيخدش حياءهم، ويمتهن كرامتهم، ليزداد هو علوّا وتطاولا على الناس، ولتخفّ موازينهم إزاء ميزانه، فلا يرتفع أمامه رأس، ولا يشمخ أنف.
و «اللمزة» هو الذي ينقص من أقدار ذوى الأقدار، فى غير مواجهتهم، إذ كان لا يستطيع أن يلقاهم وجها لوجه. فيشيع الفاحشة فيهم، ويذيع قالة السوء عنهم.
فالهمز واللّمز غايتهما واحدة، وهى الحطّ من أقدار الناس، ومحاولة إنزالهم منازل الدّون فى الحياة.. وإن كان الهمز بأسلوب العلانية، واللمز بأسلوب السرّ والخفاء.. ومن كان من شأنه الهمز كان من شأنه اللمز كذلك، والعكس صحيح.. إذ هما ينبعان من طبيعة واحدة.
وقوله تعالى:
«الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ» هو من أوصاف هذا الهمزة اللّمزة، الذي توعّده الله سبحانه وتعالى بالويل والعذاب..
فأكثر الناس همزا ولمزا للناس، هو الذي يحرص على جمع المال، ويجعل هذا الجمع كلّ همّه فى الدنيا..
وإنه لكى ينفسح له طريق الجمع، ويخلو له ميدان الكسب، يحارب الناس بكل سلاح، فلا يدع فى الميدان الذي يعمل فيه إنسانا إلا طعنه
1671
الطعنات القاتلة متى أمكنته الفرصة فيه.. بالهمز حينا، وباللمز أحيانا.
ثم إنه من جهة أخرى- إذ يجمع ما يجمع من مال- حريص على أن يدفع عن هذا المال كل عادية يراها بأوهامه وظنونه، فهو لشدة حرصه على ما جمع، يحسب أن كل الناس لصوص يريدون أن يسرقوه، أو قطاع طرق يتربصون به.. وهو لهذا يرمى الناس بكل سلاح، ويطعنهم بكل ما يقع ليده.. وكأنهم متلبسون بسرقة ماله الذي جمع!! ثم هو من جهة ثالثة، حريص على أن يقيم له من هذا المال الذي جمعه، سلطانا على الناس، لا بما ينفق عليهم منه فى وجوه الخير، ولا بما يمدّ به يده إليهم من معروف، بل بما يرى الناس من غناه وكثرة أمواله.. وهو لهذا يعمل على إعلاء نفسه بهدم غيره، والحطّ من منزلته.. وهذا هو الإنسان فى أسوأ أحواله، وأخسّ منازله.. إنه لا يسمو بذاتيته، ولا يرتفع بسعيه فى وجوه الخير والفلاح، بل إنه يرتفع على حطام الناس، ويعلو على جثث ضحاياه، الذين يريق دمهم بهمزه ولمزه.
وهذا هو السرّ- والله أعلم- فى الجمع هنا بين الهمزة، اللّمزة، وجامع المال ومكتنزه.
فالهمز واللمز، وإن كان طبيعة غالبة فى الناس من أغنياء وفقراء، إلّا أنه عند الذين همّهم كلّه هو المال، يعدّ سلاحا من الأسلحة العاملة لهم فى جمع المال، وفى حراسته، وفى التمكين لهم من التسلط على الناس به.
وعدّد المال: جمع بعضه إلى بعض فى صفوف مترصّة، وفى صنوف متعددة، كل صنف منها يأخذ مكانا خاصّا به، فهذا ذهب، وذاك فضة، وذا جواهر ولآلىء، وتلك أنعام وزروع، ورياض، وهذه دور وقصور، وأثاث ورياش، إلى غير ذلك مما يعدّ من عالم المال، ويحسب بحسابه.
1672
وقوله تعالى:
«يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ» جملة حالية تكشف عن ظنون هذا الإنسان وأوهامه، وهو أنه على ظنّ من أن هذا المال الذي جمعه، سيخلّده، ويمدّ له فى الحياة، وأنه بقدر ما يستكثر من المال بقدر ما يكون له من بقاء فى هذه الدنيا.. هكذا شأن الحريصين على المال، الذين اتجه همهم كلّه إلى جمعه.. إنهم لا يذكرون الموت أبدا، ولا يغشون مكانا يذكّرهم به، ولا يستمعون إلى حديث يذكر فيه.. إن الموت عندهم هو عدوّ قد قتلوه بأمانيّهم الباطلة، وأراحوا أنفسهم منه، فما لهم والحديث عنه؟ وما لهم وما يذكّرهم به؟
وقوله تعالى:
«كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ».
أي كلّا، إنه فى وهم خادع، وفى ضلال مبين، إذ يحسب أن المال يخلّد صاحبه ويمدّ له فى العمر.. وكلا إنه سيموت، وسيبعث، وسينبذ أي يرمى فى الحطمة، أي جهنّم، التي تحطمه حطما، وتدقّه دقّا، وتهشمه هشما..
ونبذ الشيء: طرحه فى غير مبالاة، هوانا له واستخفافا به.. كما تنبذ النواة من النمرة بعد أن تؤكل.
وقوله تعالى:
«وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ؟ نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ».
استفهام عن الحطمة، يلفت النظر إليها، ويدير العقل للبحث عن حقيقتها..
1673
وجواب يجيب عن هذا السؤال، ليكشف عن حقيقة هذه الحطمة، ليلتقى مع ما وقع فى النفس من تصورات لها، فتزداد حقيقتها وضوحا وبيانا.
إنها نار الله الموقدة.. قد أوقدها الله فكانت نار لله، وليست من تلك النار التي يوقدها الناس!.
وقوله تعالى:
«الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ».
أي أنها نار ذات شأن عجيب، ليس فى نار الدنيا شىء من صفاتها وآثارها.. إنها تطلع على الأفئدة، أي أنها لا تتسلط على الأجسام وحسب، بل إنها تتسلط كذلك على المشاعر والوجدانات، فتشتعل بها المشاعر، ونحترق بها الوجدانات.. وقد يكون فى هذا ما يشير- والله أعلم- إلى أن عذاب أهل النار نفسىّ، أكثر منه مادىّ.
وقد قيل إن معنى الاطلاع على الأفئدة، هو أن هذه النار العجيبة تعرف أهلها، وكأنّها اطلعت على سرائرهم، وما عملوا من منكرات، فتدعوهم إليها، وتمسك بهم، وتشتمل عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعى» (١٧- ١٨ المعارج) وقوله سبحانه: «إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً» (١٢: الفرقان).
قوله تعالى:
«إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ».
أي أن هذه النار مؤصدة، أي مغلقة على أهلها، مطبقة عليهم، لا يجدون لهم فيها منفذا إلى العالم الخارجي.. أما هم، فهم مشدودون إلى عمد ممددة، قد شدت أغلالهم إليها.. فهم بهذه القيود فى سجن، داخل هذا السجن!
1674
وقد قلنا فى غير موضع إن هذه الأوصاف التي توصف بها أدوات العذاب، فى النار، وتلك الأوصاف التي توصف بها ألوان النعيم فى الجنة، هى مما فتمثله فى الدنيا، ونرى مشابه منه كما نطق به القرآن الكريم، أما كنه هذه الأشياء وحقيقتها، فلا يعلمها إلا الله، سبحانه، وعلينا أن نصدق بها كما وردت، دون أن نبحث عن صفاتها، وحدودها
(١٠٥) سورة الفيل
نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة «الكافرون».
عدد آياتها: خمس آيات.
عدد كلماتها: ثلاث وعشرون كلمة.
عدد حروفها: ثلاثة وتسعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها
فى سورة «الهمزة» عرض لمن جمع المال، واتخذ منه سلاحا يغمز به الناس، ويهمزهم، ويمزق أديمهم، ويزبل وجودهم الإنسانى بين الناس..
وسورة «الفيل» تعرض لجماعة من تلك الجماعات، التي اجتمع ليدها قوة من تلك القوى المخيفة، هى الفيل، الذي يشبه قوة المال فى طغيانه، حين يجتمع ليد إنسان جهول غشوم، طاغية، فيتسلط على الناس، كما يتسلط صاحب الفيل على صاحب الحمار، أو الحصان، مثلا.. فكان عاقبة صاحب هذا الفيل الهلاك والدمار، كما كان عاقبة صاحب هذا المال، الذلّ والخزي، والخسران..
1675
Icon