ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الآيات: (١- ٦) [سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤)وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
التفسير:
كان مما يلقى به المشركون النبىّ لصرفه عن دعوته- أن يجمعوا له مالا، إن كان يريد مالا، حتى يكون أكثرهم مالا، وأوسعهم غنى، أو يقيموه رئيسا عليهم، إن كان يطمع فى الرياسة، أو يزوجوه أجمل بناتهم، وأكرمهم نسبا، إن كان يرغب فى ذلك.. فلما لم يلقوا من النبي الكريم إلا تساميا عن هذه المطالب الرخيصة، وإلا إعراضا عنها، وأنه لا يتحول عن الدّين الذي يدعو إليه، ولو وضعوا الشمس فى يمينه، والقمر فى يساره! - لمّا لم يجدوا استجابة من النبىّ فى ترك دعوته، جاءوه يعرضون عليه أن يخلطوا دينهم بدينه، وأن يجمعوا بينهما، فيعبدون هم ما يعبده النبىّ إلى جانب ما يعبدون ويعبد هو ما يعبد المشركون إلى جانب معبوده الذي يعبده فإن كان الذي جاء به خيرا مما معهم شاركوه فيه، وأخذوا حظهم منه، وإن كان الذي هم عليه خيرا مما جاء به شاركهم فيه، وأخذ حظه منه.. وبهذا تنقطع أسباب الشقاق، والعداوة، بينهم وبينه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ» (٦٤: الزمر)..
فالمخاطبون من قريش هنا هم الكافرون الذين حكم عليهم بالكفر حكما مؤبّدا، وأنهم لن يؤمنوا أبدا، ولهذا أخذوا هذا الوضع فى سورة خاصة بهم..
قوله تعالى:
«قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ»..
الكافرون هنا، هم المشركون من قريش..
وقوله تعالى: «لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ» أي أنا لا أعبد المعبودات التي تعبدونها. إن لى معبودا لا أعبد سواه..
وقوله تعالى: «وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ» أي وأنتم لا تعبدون الإله الذي أعبده أنا.. إن لكم آلهة تعبدونها، غير الإله الذي أعبده..
فهناك إذن اختلاف بعيد بينى وبينكم، فى ذات المعبود الذي أعبده، وذوات المعبودات التي تعبدونها. هذا هو حالى وحالكم الآن.. وهذا هو الحكم فيما أعبد، وفيما تعبدون.. وتلك حقيقة لا خلاف بيننا عليها.. أنا لا أعبد
وقوله تعالى:
«وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ»..
هو تعقيب على هذا الحكم العام المطلق، وينبنى عليه: أننى لا أنا عابد ما عبدتم، فى أي حال من أحوالى، لا حاضرا ولا مستقبلا.. ولا أنتم عابدون فى المستقبل الإله الذي أعبده.. فأنا على ما أنا عليه من عبادة الإله الذي أعبده، لا أتحول عن عبادته، وأنتم على ما أنتم عليه من عبادة ما تعبدون من معبودات لا تتحولون عن عبادتها..
وهذا يعنى أن الذين خوطبوا بهذا الخطاب من المشركين، لم يدخلوا فى الإسلام، ولم يؤمنوا بالله، بل ماتوا على شركهم.. وهذا ما يفهم من قوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» ففى وصف المشركين بالكفر إشارة إلى أنهم من الذين استبدّ بهم العناد، وركبهم الضلال، فانتقلوا- بدعوة النبىّ لهم إلى الإيمان بالله- انتقلوا من الشرك إلى الكفر الصريح..
يقول الطّبرسى فى تفسيره: يريد (أي بالكافرين) قوما معينين، لأن الألف واللام للعهد..
والقرآن الكريم، حين يلقى رءوس المشركين، ومن غلبت عليه الشّقوة منهم ممن لا يدخلون فى دين الله أبدا- كان يخاطبهم بوصف الكافرين لا المشركين، ومن ذلك قوله تعالى: «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً. فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً» (١٥- ١٧ الطارق).. ويقول سبحانه فى أحد رءوس هؤلاء المشركين: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا» (٧٧- ٧٩ مريم)..
(م ١٠٧ التفسير القرآنى- ج ٣٠)
وقوله تعالى:
«لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ».
هو فصل الخطاب، ومقطع الأمر فيما بين النبىّ، وهؤلاء الكافرين..
إن لهم دينهم الذي يدينون به ويحاسبون عليه، وهو له دينه الذي يدين به، ويلقى ربه عليه.
«وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» (٤١: يونس).
(١١٠) سورة النصر
نزولها: مدنية.. اختلف فى ترتيب نزولها، والرأى عندنا أنها نزلت قبل فتح مكة عدد آياتها: ثلاث آيات عدد كلماتها: ست وعشرون كلمة عدد حروفها: أربعة وسبعون حرفا
مناسبتها لما قبلها
آذن النبي- صلوات الله وسلامه عليه- المشركين فى سورة «الكافرون» التي سبقت هذه السورة- آذانهم بكلمة الفصل بينه وبينهم «لَكُمْ دِينُكُمْ