تفسير سورة الكافرون

حدائق الروح والريحان
تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن المعروف بـحدائق الروح والريحان .
لمؤلفه محمد الأمين الهرري . المتوفي سنة 1441 هـ

التفسير وأوجه القراءة
١ - و ﴿الألف﴾ (١) و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)﴾ للجنس، ولكنها لما كانت الآية خطابًا لمن سبق في علم الله أنه يموت على كفره.. كان المراد بهذا العموم خصوص من كان كذلك؛ لأن من الكفار عند نزول هذه السورة من أسلم وعبد الله تعالى.
قال المفسرون: في مناداتهم (٢) بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدتهم ومحل عزهم وشوكتهم إيذان بأنه - ﷺ - محروس منهم، ففيها عَلَم من أعلام النبوة، وفي التعبير بالجمع الصحيح دلالة على قلتهم أو حقارتهم وذلتهم، وهم كفرة مخصوصة كالوليد بن المغيرة وأبي جهل والعاص بن وائل وأضرابهم ممن قد علم الله أنه لا يأتي ولا يتأتى منهم الإيمان أبدًا على ما هو مضمون السورة، فالخطاب للرسول - ﷺ - بالنسبة إلى قوم مخصوصين، فلا يرد أن مقتضى هذا الأمران يقول كل مسلم ذلك لكل جماعة من الكفار، مع أن الشرع ليس حاكمًا به؛ أي: قل لهم يا محمد يا هؤلاء الكفرة الذين علم الله عدم إيمانهم يعني صناديد قريش المذكورين آنفًا.
٢ - ﴿لَا أَعْبُدُ﴾ أنا فيما يُستقبل من الزمان ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾؛ أي: الأصنام التي تعبدونها؛ لأن لا، لا تدخل غالبًا إلا على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن ما، لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال، ألا ترى أن لن تأكيد فيما تنفيه لا، قال الخليل في: لن أصله لا، والمعنى: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم.
٣ - ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾؛ أي: ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي، والمراد: ولا أنتم عابدون عبادة يعتد بها؛ إذ العبادة مع إشراك الأنداد لا تكون في حيز الاعتداد.
٤ - ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾؛ أي: وما كنت عابدًا فيما سلف ما عبدتم فيه؛ أي: لم يُعهد مني عبادة صنم في الجاهلية، فكيف يرجى مني في الإِسلام.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
٥ - ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾؛ أي: وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته وهو الله تعالى، فليس في السورة تكرار.
وقيل: هاتان الجملتان لنفي العبادة حالًا، كما أن الأوليين لنفيها استقبالًا، وإنما لم يقل (١): ما عبدت ليوافق ما عبدتم؛ لأنهم كانوا موسومين قبل البعثة بعبادة الأصنام، وهو عليه السلام لم يكن حينئذ موسومًا بعبادة الله ومشتهرًا بكونه عابدًا لله على سبيل الامتثال لأمره يعني ما يقتضيه جعل العبادة صلة للموصول، ثم عدم الموسومية بشيء لا يقتضي عدم ذلك الشيء، فلا يلزم أن لا يكون - ﷺ - عابدًا لله قبل البعثة، بل يكون ما وقع منه قبلها من قبيل الجري على العادة المستمرة القديمة، وفي "القاموس": كان - ﷺ - على دين قومه على ما بقي فيهم من إرث إبراهيم وإساعيل عليهما السلام في حجهم ومناكحهم وبيوعهم وأساليبهم، وأما التوحيد فإنهم كانوا بذلوه والنبي - ﷺ - لم يكن إلا عليه. انتهى.
وإيثار ﴿مَا﴾ في ﴿أَعْبُدُ﴾ على من؛ لأن المراد هو الوصف، كأنه قيل: ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته قال (٢): الأخفش والفراء، المعنى: لا أعبد الساعة ما تعبدون، ولا أنتم عابدون الساعة ما أعبد، ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم، ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد، قال الزجاج: نفى رسول الله - ﷺ - بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال وفيما يستقبل، ونفى عنهم عبادة الله في الحال وفيما يستقبل، وقيل: إن كل واحد من الجملتين يصلح للحال والاستقبال، ولكنا نخص أحدهما بالحال، والثاني بالاستقبال رفعًا للتكرار.
وكل هذا فيه من التكلف والتعسف ما لا يخفى على منصف، فإن جعل قوله: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾ للاستقبال وإن كان صحيحًا على مقتضى اللغة العربية، ولكنه لا يتم جعل قوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾ للاستقبال؛ لأن الجملة تفيد الدوام والثبات في كل الأوقات، فدخول النفي عليهما يرفع ما دلت عليه من الدوام والثبات في كل الأوقات، ولو كان حملها على الاستقبال صحيحًا للزم مثله في قوله: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾ وفي قوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾ فلا يتم ما قيل من حمل الجملتين الأخريين على الحال، وكما يندفع هذا يندفع ما
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
393
قيل من العكس؛ لأن الجملة الثانية والثالثة والرابعة كلها جمل اسمية مصدرة بالضمائر التي هي المبتدأ في كل واحد منها، فكيف يصح القول مع هذا الاتحاد بأن معانيها في الحال والاستقبال مختلفة؟ وأما قول من قال: إن كل واحد منها يصلح للحال والاستقبال، فهو إقرار منه بالتكرار؛ لأن حمل هذا على معنى، وحمل هذا على معنى آخر مع الاتحاد يكون من باب التحكم الذي لا يدل عليه دليل.
وإذا تقرر لك هذا (١): فاعلم أن القرآن نزل بلسان العرب، ومن مذاهبهم التي لا تجحد واستعمالاتهم التي لا تُنكر أنهم إذا أرادوا التأكيد كرروا، كما أن من مذاهبهم أنهم إذا أرادوا الاختصار أوجزوا، وهذا معلوم لكل من له علم بلغة العرب، وهذا مما لا يحتاج إلى إقامة البرهان عليه؛ لأنه يستدل على ما فيه خفاء، ويبرهن على ما هو متنازع فيه، وأما ما كان من الوضوح والظهور والجلاء بحيث لا يشك فيه شاك ولا يرتاب فيه مرتاب، فهو مستغن عن التطويل غير محتاج إلى تكثير القال والقيل، وقد وقع في القرآن من هذا ما يعلمه كل من يتلو القرآن، وربما يكثر في بعض السور، كما في سورة الرحمن وسورة المرسلات، وفي أشعار العرب من هذا ما لا يأتي عليه الحصر، ومن ذلك قول الشاعر:
يَا لَبَكْرٍ انْشُرُوْا لِيْ كُلَيْبَا يَا لَبَكْرٍ أَيْنَ أيْنَ الْفِرَارُ
وقول الآخر:
هَلَّا سَأَلْتِ جُمُوْعَ كِلْـ ـدَةَ يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنَا
وقول الآخر:
يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ يَا عَلْقَمَهْ خَيْرَ تَمِيْمٍ كُلِّهَا وَأَكْرَمَهْ
وقول الآخر:
لَا يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِيْ ثُلَّاثَ تَحْيَاتٍ وإنْ لَمْ تُكْلَمِ
وقول الآخر:
(١) الشوكاني.
394
يَا جَعْفَرٌ يَا جَعْفَرٌ يَا جَعْفَرُ إِنْ أَكُ دَحْدَاحًا فَأَنْتَ أَقْصَرُ
وقول الآخر:
فَأيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاةُ بِبَغْلَتِي أَتَاكِ أَتَاكِ اللَّاحِقُوْنَ احْبِسِ احْبِسِ
وقد ثبت عن الصادق المصدوق؛ وهو أفصح من نطق بلغة العرب أنه كان إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات، وإذا عرفت هذا ففائدة ما وقع في السورة من التأكيد هو قطع أطماع الكفار عن أن يجيبهم رسول الله - ﷺ - إلى ما سألوه من عبادة آلهتهم، قلت التأسيس كما قالوا أولى من حمله على التأكيد، لما في التأسيس من أهمية كل جملة بفإدتها لعلم لم تفده الأخرى، كما أشرنا إليه في سورة الرحمن والمرسلات، وإنما عبر سبحانه بـ ﴿ما﴾ التي لغير العقلاء في المواضع الأربعة؛ لأنه يجوز ذلك، كما في قوله: سبحان ما سخركن لنا ونحوه.
والنكتة في ذلك أن يجري الكلام على نمط واحد ولا يختلف، وقيل: إنه أراد الصفة كما مر، كأنه قال: لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، وقيل: إن ما، في المواضع الأربعة هي المصدرية لا الموصولة؛ أي: لا أعبد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي، إلخ. انتهى من "الشوكاني".
وعبارة أبي حيان هنا: وللمفسرين في هذه الجمل أقوال (١):
أحدها: أنها للتأكيد، فقوله: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾ توكيد لقوله: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾، وقوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾ ثانيًا تأكيد لقوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾ أولًا، والتوكيد في لسان العرب كثير جدًّا نثرًا ونظمًا، وفائدة هذا التوكيد: قطع أطماع الكفار، وتحقيق الإخبار بموافاتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبدًا.
والثاني: أنه ليس للتوكيد، واختلفوا فقال الأخفش: المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون، ولا أنتم عابدون الساعة ما أعبد، ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم، ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد، فزال التوكيد؛ إذ قد تقيَّدت كل جملة بزمان مغاير.
(١) البحر المحيط.
395
وقال أبو مسلم (١): ﴿مَا﴾ في الأوليين بمعنى الذي، والمقصود المعبود، و ﴿مَا﴾ في الأُخريين مصدرية؛ أي: لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين، وقال ابن عطية: لما كان قوله: ﴿لَا أَعْبُدُ﴾ محتملًا أن يراد به الآن، ويبقى المستأنُف منتظرًا ما يكون فيه جاء البيان بقوله: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾ أبدًا وما حييت، ثم جاء قوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾ الثاني حتمًا عليهم أنهم لا يؤمنون به أبدًا، كالذي كشف الغيب، فهذا كما قيل لنوح عليه السلام: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ ولكن ﴿مَا﴾ هنا في قوم معينين، وقوم نوح عموا بذلك، لهذا معنى الترديد الذي في السورة، وهو بارع الفصاحة وليس بتكرار فقط، بل فيما ذكرته. انتهى.
وقد ذكر النحاة: أن دخول لا على المضارع يراد به الحال، ودخول ما على المضارع يراد به الاستقبال، وذلك مذكور في المبسوطات من كتب النحو اهـ من "البحر".
وخلاصة معنى السورة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾؛ أي: قل لهم يا محمد (٢): إن الإله الذي تزعمون أنكم تعبدونه ليس هو الذي أعبده؛ لأنكم تعبدون من يتخذ الشفعاء أو الولد، أو يحل في شخص، أو يتجلى في صورة معينة، أو نحو ذلك مما تزعمون، وأنا أعبد إلهًا لا مثيل له ولا ند، وليس له ولد ولا صاحبة، ولا يحل في جسم، ولا تُدرك كنهه العقول، ولا تحويه الأمكنة، ولا تمر به الأزمنة، ولا يُتقرب إليه بالشفعاء، ولا تقدم إليه الوسائل، وعلى الجملة فبين ما تعبدون وما أعبد فارق عظيم وبون شاسع، فأنتم تصفون معبودكم بصفات لا يجمل بمعبودي أن يتصف بها.
﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾؛ أي: إنكم لستم بعابدين إلهي في أدعو إليه لمخالفة صفاته لإلهكم، فلا يمكن التوفيق بينهما بحال، وبعد أن نفى الاختلاف في المعبود نفى الاختلاف في العبادة من قبل أنهم كانوا يظنون أن عبادتهم التي يؤدونها أمام شفعائهم، أو في المعابد التي أقاموها لها، أو في خلواتهم، وهم على اعتقادهم بالشفعاء عبادة خالصة لله، وأن النبي - ﷺ - لا يفضلهم في شيء، فقال:
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
396
﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥)﴾؛ أي: ولا أنا بعابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي، قاله أبو مسلم الأصفهاني كما مر.
وخلاصة ما سلف: الاختلاف التام في المعبود والاختلاف البين في العبادة، فلا معبودنا واحد ولا عبادتنا واحدة؛ لأن معبودي منزه عن الند والنظير، متعال عن الظهور في شخص معين وعن المحاباة لشعب أو واحد بعينه، والذي تعبدونه أنتم على خلاف ذلك، كما أن عبادتي خالصة لله وحده، وعبادتكم مشوبة بالشرك مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى، فلا تسمى على الحقيقة عبادة،
٦ - ثم هددهم وتوعدهم، فقال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾، وهذه الجملة تقرير لقوله تعالى: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾، وقوله: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾، وأما قوله: ﴿وَلِيَ﴾ - بفتح ياء المتكلم - ﴿دِينِ﴾ - بحذف الياء إذ أصله: ديني - فتقرير لقوله: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾.
والمعنى (١): إن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم، لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضًا، كما تطمعون، فلا تعلِّقوا به أمانيكم الفارغة، فإن ذلك من المحال، وإن ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم أيضًا؛ لأنكم علقتموه بالمَحال الذي هو عبادتي لآلهتكم، أو استلامي إياها؛ ولأن ما وعدتموه عين الإشراك، وحيث كان مبنى قولهم: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، على شركة الفريقين في كلتا العبادتين.. كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر إفراد حتمًا؛ أي: إن رضيتم بدينكم فقد رضيت بديني، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، وقيل: المعنى: لكم جزاؤكم على أعمالكم، ولي جزائي على عملي؛ لأن الدين هو الجزاء، وقال أبو الليث: وفي هذه الآية دليل على أن الرجل إذا رأى منكرًا أو سمع قولًا منكرًا، فأنكره ولم يقبلوا منه.
لا يجب عليه أكثر من ذلك، وإنما عليه مذهبه وطريقه، وتركهم على مذهبهم وطريقهم اهـ.
وهذه الآية: منسوخة بآية السيف كما مر، وقيل: ليست بمنسوخة؛ لأنها أخبار، والأخبار لا يدخلها النسخ.
(١) روح البيان.
397
وفي الحديث: "مروا صبيانكم، فليقرؤوا هذه السورة عند المنام، فلا يعرض لهم شيء".
ومن خرج مسافرًا فقرأ هذه السور الخمس: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾، ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ (١)﴾، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)﴾، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)﴾ رجع سالمًا غانمًا، وقرأ الجمهور (١): بإسكان الياء من قوله: ﴿وليْ﴾ وقرأ نافع وهشام وحفص والبزي بفتحها، وقرأ الجمهور أيضًا بحذف الياء من ديني وقفًا ووصلًا، وأثبتها نصر بن عاصم وسلام ويعقوب وصلًا ووقفًا، قالوا: لأنها اسم فلا تُحذف، ويجاب بأن حذفها لرعاية الفواصل سائغ وإن كانت اسمًا.
الإعراب
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد - ﷺ -، والجملة مستأنفة. ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿أي﴾: منادى نكرة مقصوده في محل النصب على المفعولية مبني على الضم، و ﴿الهاء﴾: حرف تنبيه زائد تعويضًا عما فات؛ أي: من الإضافة. ﴿الْكَافِرُونَ﴾: بدل من ﴿أي﴾، أو نعت لها، وجملة النداء في محل النصب مقول لـ ﴿قُل﴾. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَعْبُدُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنا، يعود على محمد - ﷺ -. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قُل﴾. ﴿تَعْبُدُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: ما تعبدونه، ويجوز أن تكون مصدرية، فتكون مؤولة مع ما بعدها بمصدر مفعول مطلق. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَنْتُمْ﴾؛ مبتدأ. ﴿عَابِدُونَ﴾: خبره، والجملة في محل النصب معطوفة على ما قبلها. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول به لـ ﴿عَابِدُونَ﴾، ووقعت للعقلاء على سبيل التعظيم، وجملة ﴿أَعْبُدُ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما
(١) الشوكاني.
398
أعبده، ويجوز أن تكون مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر منصوب على أنه مفعول مطلق. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَنَا عَابِدٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على ما قبلها. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿عَابِدٌ﴾، وجملة ﴿عَبَدْتُمْ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ موصولة كانت أو مصدرية. ﴿وَلَا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لَا﴾: نافية. ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ. ﴿عَابِدُونَ﴾: خبر، والجملة معطوفة على ما قبلها. ﴿مَا﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول ﴿عَابِدُونَ﴾، وجملة ﴿أعبُدُ﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ موصولة أو مصدرية. ﴿لَكُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿دِينُكُمْ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾ مقرَّرة لما قبلها. ﴿وَلِيَ﴾ خبر مقدم. ﴿دِينِ﴾: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاءً عنها بالكسرة، دين مضاف، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بالكسرة في محل الجر مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على ما قبلها على كونها مقولًا لـ ﴿قل﴾، وإن شئت قلت في إعراب السورة: ﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...﴾ إلى آخر السورة مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾؛ لأن مرادنا لفظها لا معناها، والمقول منصوب بالقول، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بالكسرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية، والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿قُلْ﴾ أمر مقتطع من مضارعه المجزوم، وأصله: لم يقل، حذف الجازم وحرف المضارعة، فصار ﴿قُلْ﴾ بوزن فل، والمحذوف منه عين الكلمة، يقال: قال يقول قولًا إذا تلفظ بكلمة، والقول: لفظ مفرد وضع لمعنى.
﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾: جمع سلامة من كفر، مفرده كافر، والكفر بالضم والسكون ضد الإيمان، ويُفتح كالكُفور والكفران بضمهما، يقال: كفر بنعمة الله من باب نصر، والكفر أيضًا جحود النعمة وهو ضد الشكر، وقد كفره من باب دخل كفرًا وكفرانًا، وفي القاموس: كفر نعمة الله وبها كُفورًا وكفرانًا، جحدها وسترها، وكافَرَه حقه جحده، والمكفَّر كمعظَّم المجحود النعمة مع إحسانه، والكافر الجاحد لأنعم الله تعالى، والجمع كفار وكفرة محركة، وكِفار ككتاب، وهي كافرة من
399
كوافر، ورجل كَفَّار كشدَّاد وكفور جمع كُفُر بضمتين، وكفر عليه يكفر - من باب ضرب - غطاه، والشيء ستره ككفَّره، والكافر الليل والبحر والوادي العظيم والنهر الكثير والسحاب المظلم والزارع والدرع ومن الأرض ما بعد عن الناس كالكَفْر بالفتح والسكون، والأرض المستوية والغائط الوطىء والنبت وموضع ببلاد هذيل، والظلمة كالكفرة بالفتح والسكون، والداخل في السلاح كالمكفر كمحدِّث، ومنه: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" أو معناه: لا تكفروا الناس، فتكفروا إلى آخر ما في هذه المادة.
فائدة: قالوا: وأول من سن الكفر والإباء والاستكبار إبليس اللعين، وأول من سن النسيان والتوبة آدم عليه السلام، وأول من سن القتل قابيل ولد آدم.
﴿لَا أَعْبُدُ﴾ يقال: عبده يعبده - من باب نصر - إذا تذلل له، وأطاع، والعبد الإنسان حرًا كان أو رقيقًا، والعبد أيضًا ضد الحر، والجمع عبيد مثل كلب وكَلِيب، وهو جمع عزيز وأَعبُد وعِباد وعُبْدان بالضم كتمر وتمران، وعبدان بالكسر وتشديد الدال، وعِبْدان بالكسر كجحش وجحشان إلى آخر ما في هذه المادة اهـ "مختار" كما ذكرناه في رسالتنا "سلَّم المعراج على خطبة المنهاج".
﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ و ﴿ما﴾ في هذه السورة يجوز فيها وجهان:
أحدهما: أنها بمعنى الذي، فإن كان المراد بها الأصنام، كما في الأولى والثالثة فالأمر واضح؛ لأنهم غير عقلاء، وما أصلها أن تكون لغير العقلاء، وإذا أريد بها الباري سبحانه، كما في الثانية والرابعة، فاستدل به من جوَّز وقوعها على أولي العلم، ومن منع جعلها مصدرية، والتقدير: ولا أنتم عابدون عبادتي؛ أي: مثل عبادتي، وقال أبو مسلم ﴿مَا﴾ في الأوليين بمعنى الذي، والمقصود المعبود، و ﴿مَا﴾ في الأخريين مصدرية؛ أي: لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر، ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين، فتحصَّل من مجموع ذلك ثلاثة أقوال.
والثاني: أنها كلها بمعنى الذي أو مصدرية، أو الأوليان بمعنى الذي، والأخريان مصدريتان، ولقائل أن يقول: لو قيل: بأن الأولى والثالثة والرابعة مصدرية.. لكان حسنًا حتى لا يلزم وقوع (ما) على أولي العلم، وهو مقتضى قول
400
من يمنع وقوعها على أولي العلم، كما تقدم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: خطابهم بهذا الوصف الشنيع الرذيل في محل عزهم وشوكتهم في قوله: ﴿أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ إيذانًا بأنه - ﷺ - محروس منهم.
ومنها: التعبير فيه بالجمع الصحيح في من أوزان جمع القلة دلالة على قلتهم أو حقارتهم وذلتهم، وهم كفرة مخصوصة معينون، كما مر.
ومنها: طباق السلب في قوله: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، فالأولى نفي، والثانية إثبات.
ومنها: المقابلة بين كل من الجملتين الأوليين: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾ ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾؛ أي: في الحال، والمقابلة بين الجملتين الأخريين: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤)﴾ ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣)﴾؛ أي: في الاستقبال، وفي هذه المقابلة نفي لعبادة الأصنام في الحال والاستقبال، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾.
ومنها: تقديم المسند على المسند إليه في قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾ إفادةً للقصر، ويكون القصر فيه قصر إفراد؛ لإفادته قصر كل من الفريقين بعبادة إلهه.
ومنها: التكرير في هذه السورة؛ لإفادة التأكيد عند من يقول به.
ومنها: إيثار ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿مَا أَعْبُدُ﴾ على من إشعارًا بأن المراد منها الوصف، كأنه قيل: ولا أنتم عابدون ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته.
401
ومنها: جناس الاشتقاق بين: ﴿أَعْبُدُ﴾ و ﴿عَابِدٌ﴾، وبين ﴿عَبَدْتُمْ﴾ و ﴿عَابِدُونَ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
* * *
(١) إلى هنا تم تفسير سورة الكافرون اليوم التاسع والعشرين من شهر الله المحرم قبيل الغروب من شهور سنة: ١٤١٧ هـ ألف وأربع مئة وسبع عشرة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
402
سورة النصر
سورة النصر، وتسمى سورة التوديع، مدنية بلا خلاف، نزلت بعد سورة التوبة، وهي ثلاث آيات، وسبع عشرة كلمة، وسبعة وسبعون حرفًا.
المناسبة: ومناسبتها لما قبلها (١): أنه لما ذكر في السورة السابقة اختلاف دين الرسول الذي يدعو إليه ودين الكفار الذي يعكفون عليه.. أشار في هذه السورة إلى أن دينهم سيضمحل ويزول، وأن الدين الذي يدعو إليه سيغلب عليه، ويكون هو دين السواد الأعظم من سكان المعمورة.
وقال أبو حيان (٢): مناسبتها لما قبلها: أنه لما كان في قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ موادعة جاء في هذه السورة بما يدل على تخويفهم وتهديدهم، وأنه آن مجيء نصر الله وفتح مكة واضمحلال ملة الأصنام، وإظهار دين الله تعالى.
فضلها: ومما ورد في فضلها ما تقدم في تفسير سورة الزلزلة أنها تعدل ربع القرآن، وسورة إذا زلزلت تعدل أيضًا ربع القرآن، ومنه ما روي (٣) عن النبي - ﷺ - أنه قال: "من قرأ سورة إذا جاء أُعطي من الأجر كمن شهد مع محمد - ﷺ - يوم فتح مكة" زادها الله شرفًا، ولكن فيه مقال.
تسميتها: وتسمى هذه السورة سورة التوديع، واختُلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك، وليس في ظاهرها نعي، فقيل: لأن التقدير: فسبح بحمد ربك فإنك حينئذٍ لاحق بالله وذائق طعم الموت، ما ذاقه من قبلك جميع الرسل، وعند الكمال يرقب الزوال، كما قال الشاعر:
إِذَا تَمَّ شَيْءٌ بَدَا تَقْصُهُ تَوَقَّعْ زَوَالًا إِذَا قِيْلَ تَمّ
وقيل: لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار، وذلك
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البيضاوي.
403
مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار، وسميت سورة النصر؛ لذكر النصر فيها.
الناسخ والمنسوخ: وقال محمد بن حزم - رحمه الله تعالى -: سورة النصر كلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
404

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)﴾.
أسباب النزول
قيل: نزلت منصرَفَهُ - ﷺ -، من غزوة خيبر، وعاش بعد نزولها سنتين، وقال ابن عمر: نزلت في أوسط أيام التشريق بمنى في حجة الوداع، وعاش - ﷺ - بعدها ثمانين يومًا أو نحوها، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أُنزل بالمدينة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي، في "الدلائل" عن ابن عمر قال: هذه السورة نزلت على رسول الله - ﷺ - أوسط أيام التشريق بمنى، وهو في حجة الوداع ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ حتى ختمها، فعرف رسول الله - ﷺ - أنها الوداع.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ قال رسول الله - ﷺ -: "نُعيت إلى نفسي وقرب إليَّ أجلي"، وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه أيضًا قال: لما نزلت ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ نُعِيَتْ لرسول الله - ﷺ - نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان قط اجتهادًا في أمر الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة قالت: لما أُنزل ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ قال رسول الله - ﷺ -: "إنه الله لم يبعث نبيًا إلا عمر في أمته شطر ما عُمِّر النبي الماضي قبله، فإن عيسى ابن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي وعشرون سنة، وأنا ميت في هذه السنة" فبكت فاطمة، فقال النبي - ﷺ -: "أنت أول أهلي بي لحوقًا فتبسمت".
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾.. دعا رسول الله - ﷺ - فاطمة، وقال: "إنه قد نُعيت إلى نفسي"، فبكت ثم
405
Icon