تفسير سورة العصر

بيان المعاني
تفسير سورة سورة العصر من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

واستيلاء الغفلة. أعاذنا الله من ذلك وحفظنا ووقانا، ومن الخمول حمانا، هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة والله أعلم، واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
تفسير سورة العصر عدد ١٣- ١٠٣
نزلت بمكة بعد الانشراح، وهي ثلاث آيات ومثلها في عدد الآي النصر والكوثر، وأربع عشرة كلمة وستون حرفا، ولا يوجد في القرآن سورة مبدوءة أو مختومة بما بدئت أو ختمت به.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: «وَالْعَصْرِ ١» أقسم جل قسمه سبحانه بزمان رسوله كما أقسم بمكانه في سورة البلد الآتية تنبيها على أن زمنه أفضل الأزمنة ومكانه أشرف الأمكنة عدا البقعة التي ضمته فلا يوازيها بالشرف مكان، حتى قال بعض العلماء بأنها أفضل من عرش الرحمن ولم يعارضه أحد دلالة على اتفاقهم على هذه وإجماعهم على أنه أحب خلق الله اليه وأفضلهم، وانه عند ربه بمكان لا يوازيه مكان وقال ابن عباس المراد به الدهر وذلك لأنهم يضيفون النوائب والنوازل إليه فأقسم الله به تنبيها على فضله، وأن الله هو المؤثر فيه وان ما يحصل فيه كان بتقديره وقضائه. وهناك أقوال بأنه اليوم والليلة لأن العرب تعبر عنها به قال حميد بن ثور:
ولم يلبت العصران يوما وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما
وإنه الوقت المعلوم لأنه خلق الله آدم فيه ولأنه بمقابل الضحى حيث أقسم أوّلا بأول النهار فناسب أن يقسم بآخره، وأنه صلاة العصر لأنها على أكثر الأقوال أنها الصلاة الوسطى وانه زمان حياته صلّى الله عليه وسلم وما بعده إلى يوم القيامة، ومقداره بالنسبة لما مضى بمقدار العصر من اليوم والليلة روى البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يقول إن بقاءكم فيمن سلف من قبلكم من الأمم كما بين صلاة
163
العصر إلى غروب الشمس. ولشرفه صلّى الله عليه وسلم وشرف أمته الذين فيه. قال تعالى:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية ١٠٩ من آل عمران في ج ٣ وجواب القسم «إِنَّ الْإِنْسانَ» أي جنسة المشتمل على أفراده كلها «لَفِي خُسْرٍ ١) من عمره لأن كل ساعة تمر منه لا بد أن تكون في طاعة أو معصية فان في معصية فهي الخسران المبين وإن في طاعة فلعلّ غيرها أفضل منها وهو قادر على الإتيان بالأفضل فكان فعل غير الأفضل نقصانا وخسرانا، وقد ورد في الحديث ما منكم إلا ندم يوم القيامة إن كان محسنا ندم إن لم يكن ازداد وإن كان مسيئا ندم إن لم يكن أقلع. ولا دلالة في هذه الآية لقول من قال إن مرتكب الكبيرة مخلد في النار لأن المستثنى محصور فيمن آمن وعمل صالحا لأنه لا دلالة فيها على اكثر من كون المستثنى في خسر ليس إلا، والخسر عام فيكون بالخلود إذا مات كافرا ويمطلق الدخول في النار إذا مات مؤمنا عاصيا فلا معنى للقول بان المستثنى ناسخ للمستثنى منه فيها كما لا منسوخ في المستثنى منه وهو «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» فهم مستثنون من الخسران لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا وفازوا لاستبدالهم الفاني الخسيس بالباقي النقيس. وهذا اللفظ يشمل كل من اتصف بالايمان والعمل الصالح لا يختص بعلي كرم الله وجه أو سلمان الفارسي كما يتوهم من اقتصار ابن عباس عليها، على أنها من الطراز الأول في هذا المضمار كما وأنه لا يختص بمعنى الخاسر أبي جهل أو غيره من أضرابه، لأن اللفظ عام يدخل فيه كل من خسر الدنيا والآخرة وكل المؤمنين الذين يعملون صالحا «وَتَواصَوْا» عند الاجتماع والمفارقة فيما بينهم بان يوصي بعضهم بعضا «بِالْحَقِّ» في كل نوع من أنواعه ومنه القرآن وكل عمل خير «وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ٣» بسكون الباء وقوىء بكسر الباء بنقل حركة الراء إلى الباء في الوقف لئلا يحتاج القارئ إلى الإتيان ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وهي لغة شاذة ولكنها في دمشق مستفيضة، وكذلك في حلب، أن يوصي بعضهم بعضا عند الشدائد وغيرها بالصبر وعن المعاصي التي تشتاق إليها النفس الخبيثة
164
Icon