ﰡ
[سورة العصر (١٠٣) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)قوله تعالى: وَالْعَصْرِ [١] قيل: أي ورب الدهر. وقيل: أراد به والعصر.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [٢] يعني أبا لهب خسر أيامه كلها.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [٣] يعني أدوا الفرائض كما فرضت عليهم.
وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ [٣] أي بالله عزَّ وجلَّ.
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [٣] على أمره.
قيل: ما الصبر؟ قال: لا عمل أفضل من الصبر، ولا ثواب أكبر من ثواب الصبر ولا زاد إلا التقوى، ولا تقوى إلا بالصبر، ولا معين على الصبر لله إلا الله عزَّ وجلَّ «١».
قيل: الصبر من الأعمال؟ قال: نعم الصبر من العمل بمنزلة الرأس من الجسد، لا يصلح أحدهما إلا بصاحبه.
قيل: ما أجل الصبر؟ قال: أجله انتظار الفرج من الحق.
قيل: فما أصل الصبر؟ قال: مجاهدة النفس على إقامة الطاعات وأدائها بأحكامها وحدودها ومكابدتها على اجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها.
قيل: والناس في الصبر كيف هم؟ قال: الناس في الصبر صنفان: فصنف يصبرون للدنيا حتى ينالوا منها ما تشتهي أنفسهم، فهو الصبر المذموم، وصنف يصبرون للآخرة طلباً لثواب الآخرة وخوفاً من عذابها.
قيل: فالصبر للآخرة هو على نوع واحد أو على أنواع؟ قال: الصبر للآخرة له أربع مقامات:
فثلاث منها فرض، والرابع فضيلة: صبر على طاعة الله عزَّ وجلَّ وصبر على معصيته وصبر على المصائب من عنده «٢». أو قال: صبر على أمر الله عزَّ وجلَّ، وصبر على نهيه، وصبر على أفعال الله عزَّ وجلَّ، فهذه ثلاث مقامات منه، وهي فرض، والمقام الرابع فضيلة وهو الصبر على أفعال المخلوقين. قال الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل: ١٢٦] الآية، كم بالمثل وفضل الصبر، ثم قال: وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: ١٢٧] ولا يعين عليه إلا هو.
ولقد لحق رجل بأويس القرني رحمه الله فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خريقة قد تردى بها «٣».
(٢) قوت القلوب ١/ ٣٣١، ٣٥١- ٣٥٢، وهو قول الحسن البصري.
(٣) شعب الإيمان ١/ ٥٢٤ وصفوة الصفوة ٣/ ٥٣- ٥٤ والحلية ٢/ ٨٧ وسير أعلام النبلاء ٤/ ٣٠.