تفسير سورة عبس

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة عبس من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة عبس
مكية عددها اثنتان وأربعون آية كوفي

قوله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴾ [آية: ١] يقول: عبس بوجهه وأعرض إلى غيره نزلت في عبد الله بن أبي مسرح الأعمر، وأمه أم مكتوم، اسمه عمرو بن قيس بن زائدة بن رواحة بن الأصم بن حجر بن عبد ود بن بغيض بن عامر بن لؤى بن غالب. وأما أم مكتوم: اسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى، وذلك أنه ذات يوم كان جالساً في المسجد وحده ليس معه ثان وكان رجلا مكفوف البصر، إذ نزل ملكان من السماء ليصليا في المسجد الحرام، فقالا: من هذا الأعمى الذي لا يبصر في الدنيا ولا في الآخرة؟ قال أحدهما: ولكن أعجب من أبي طالب يدعو الناس إلى الإسلام! وهو لا يبصرهما، ويسمع ذلك، فقام عبدالله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا معه أمية بن خلف، والعباس بن عبدالمطلب وهما قيام بين يديه يعرض عليهما الإسلام، فقال عبدالله: يا محمد، قد جئتك تابئاً فهل لي من توبة؟ فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه عنه، وأقبل بوجهه إلى العباس وأمية بن خلف، فكرر عبدالله كلامه فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه وكلح فاستحيى عبدالله وظن أنه ليس له توبة فرجع إلى منزله، فأنزل الله عز وجل فيه: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴾ يعني كلح النبي صلى الله عليه وسلم وتولى ﴿ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ ﴾ [آية: ٢] ثم قال: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ يا محمد ﴿ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ ﴾ [آية: ٣] يقول: لعله أن يؤمن فيصلى فيتذكر في القرآن بما قد أفسد ﴿ أَوْ يَذَّكَّرُ ﴾ في القرآن ﴿ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ [آية: ٤] يعني الموعظة، يقول: أن تعرض عليه الإسلام فيؤمن فتنفعه تلك الذكرى ﴿ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ ﴾ [آية: ٥] عن الله في نفسه يعني أمية بن خلف ﴿ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴾ [آية: ٦] يعني تدعو وتقبل بوجهك ﴿ وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ ﴾ [آية: ٧] يقول: وما عليك ألا يؤمن ولا يصلح ما قد أفسد، هؤلاء النفر.
﴿ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ ﴾ [آية: ٨] في الحر ﴿ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴾ [آية: ٩] الله يعني بن أم مكتوم ﴿ فَأَنتَ عَنْهُ ﴾ يا محمد ﴿ تَلَهَّىٰ ﴾ [آية: ١٠] يعني تعرض بوجهك عنه، ثم وعظ الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقبل على من استغنى عنه فقال: لا تقبل عليه ولا تعرض عن من جاءك يسعى، ولا تقبل على من استغنى وتعرض عن من يخشى ربه، فلما نزلت هذه الآية في ابن مكتوم، أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه بعد ذلك على المدينة مرتين في غزواته، ثم انقطع الكلام، ثم استأنف فقال: ﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ [آية: ١١] يعني آيات القرآن ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ [آية: ١٢] يعني الرب تعالى نفسه، يقول: من شاء الله تعالى فهمه يعني القرآن، يقول من شاء ذكر، أن يفرض الأمر إلى عباده. ثم قال: إن هذا القرآن ﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ [آية: ١٣] يعني في كتب مكرمة ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ يعني به اللوح المحفوظ، مرفوعة فوق السماء الرابعة نظيرها، في الواقعة عند الله ﴿ مُّطَهَّرَةٍ ﴾ [آية: ١٤] من الشرك والكفر ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾ [آية: ١٥] يعني تلك الصحف بأيدي كتبة كرام مسلمين، ثم اثنى على الملائكة الكتبة، فقال: ﴿ كِرَامٍ ﴾ يعني مسلمين، وهم الملائكة ﴿ بَرَرَةٍ ﴾ [آية: ١٦] يعني مطيعين لله تعالى أنقياء أبرار من الذنوب، وكان ينزل إليهم اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، إلى الكتبة من الملائكة، ثم ينزل به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع الكلام، فذلك قوله: ﴿ قُتِلَ ٱلإِنسَانُ ﴾ يعني لعن الإنسان ﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ [آية: ١٧] يقول: الذي أكفره،" نزلت هذه الآية في عتبة بن أبى لهب بن عبدالمطلب، وذلك أنه كان غضب على أبيه فأتى محمداً صلى الله عليه وسلم فآمن به، فلما رضي أبوه عنه وصالحه وجهزه وسرحه إلى الشام بالتجارات فقال: بلغوا محمداً عن عتبة أنه قد كفر بالنجم، فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " اللهم سلط عليه كلبك يأكله " فنزل ليلا في بعض الطريق فجاء الأسد فأكله "، ثم قال وهو يعلم: ﴿ مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ ﴾ [آية: ١٨] فأعلمه كيف خلقه ليعتبر في خلقه فقال: ﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [آية: ١٩] في بطن أمه من نطفة، ثم من عقلة، ثم من مضغة، ثم عظماً، ثم روحاً، فقدر هذا الخلق في بطن أمه ثم أخرج من بطن أمه ﴿ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ [آية: ٢٠] يعني هون طريقه في الخروج من بطن أمه يقول يسره للخروج أفلا يعتبر فيوحد الله في حسن خلقه فيشكر الله في نعمه ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ ﴾ عند أجله ﴿ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [آية: ٢١].
﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾ [آية: ٢٢] في الآخرة يعني إذا شاء بعثه من بعد موته ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يؤمن الإنسان بالنشور، ثم استأنف فقال: ﴿ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ [آية: ٢٣] يعني ما عهد الله إليه أمر الميثاق الأول، يعني التوحيد، يعني بها آدم، عليه السلام، ثم استأنف ذكر ما خلق عليه، فذكر رزقه ليعتبر.
فقال: ﴿ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ ﴾ يعني عتبة بن أبى لهب ﴿ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴾ [آية: ٢٤] يعني رزقه ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً ﴾ [آية: ٢٥] على الأرض يعني المطر ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً ﴾ [آية: ٢٦] يعني عن النبت والشجر ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ﴾ [آية: ٢٧] يعني الحبوب كلها ﴿ وَعِنَباً وَقَضْباً ﴾ [آية: ٢٨] يعني به الرطاب ﴿ وَزَيْتُوناً ﴾ يعني الرطبة التي يعصر منها الزيت ﴿ وَنَخْلاً ﴾ [آية: ٢٩] ﴿ وَحَدَآئِقَ غُلْباً ﴾ [آية: ٣٠] يعني الشجر الملتف الشجرة التي يدخل بعضها في جوف بعض ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ﴾ [آية: ٣١] يعني المرعى ﴿ مَّتَاعاً لَّكُمْ ﴾ يقول: في هذا كله متاعاً لكم ﴿ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾ [آية: ٣٢] ففي هذا معتبر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" خلقتم من سبع، ورزقتم من سبع، وخرجتم على سبع ".
﴿ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ ﴾ [آية: ٣٣] يعني الصيحة صاخت أسماع الخلق بالصيحة من الصائح يسمعها الخلق، ثم عظم الرب عز وجل، ذلك فقال: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ [آية: ٣٤] يعني لا يلتفت إليه ﴿ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ [آية: ٣٥].
﴿ وَصَاحِبَتِهُ ﴾ يعني وامرأته ﴿ وَبَنِيهِ ﴾ [آية: ٣٦] ﴿ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [آية: ٣٧] يعني إذا وكل بكل إنسان ما يشغله، عن هؤلاء الأقرباء ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴾ [آية: ٣٨] يعني فرحة بهجة، ثم نعتها فقال: ﴿ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [آية: ٣٩] لما أعطيت من الخير والكرامة، قال: ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴾ [آية: ٤٠] يعني السواد كقوله:﴿ سَنَسِمُهُ ﴾بالسواد﴿ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ ﴾[القلم: ١٦] ﴿ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴾ [آية: ٤١] يعني يغشاها الكسوف وهى الظلمة، ثم أخبر الله عز وجل عنهم فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الذين كتب الله هذا لهم الشر في الآخرة ﴿ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ﴾ يعني الجحدة والظلمة وهم ﴿ ٱلْفَجَرَةُ ﴾ [آية: ٤٢] يعني الكذبة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:" نزل القرآن في ليلة القدر جميعاً كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة من الملائكة في السماء الدنيا، ثم أخبر به جبريل صلى الله عليه وسلم في عشرين شهراً، ثم أخبر به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة ".
Icon