تفسير سورة سورة نوح من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة نوح مكية
وهي تسع أو ثمان وعشرون آية وفيها ركوعان
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر ﴾ : بأن أنذر، أي : بأن قلنا له أنذر، { قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم {
﴿ قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله ﴾، لتضمن الإنذار معنى القول جاز أن يكون أن مفسرة، ﴿ واتقوه وأطيعون ﴾
﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ : بعضها، وهو ما سبق وقيل : منزائدة، ﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ : منتهى آجالكم، ولا يستعجلكم بالعقوبة، فإن الطاعة وصلة الرحم يزاد بهما في العمر، ﴿ إن أجل الله ﴾ : الأجل الأطول، ﴿ إذا جاء لا يؤخر ﴾ : فآمنوا قبل مجيئه، أو إن الأجل المقدر إذا جاء على الوجه المقدر به أجلا لا يؤخر، فبادروا في حين الإمهال، ﴿ لو كنتم تعلمون ﴾ : من أهل العلم لعلمتم ذلك،
﴿ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ﴾ أي : دائما،
﴿ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ﴾ : من الحق،
﴿ وإني كلما دعوتهم ﴾ : إلى الإيمان، ﴿ لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ﴾ : لئلا يسمعوا دعوتي، ﴿ واستغشوا ثيابهم ﴾ : تغطوا بالثياب لئلا يروني، أو لئلا أعرفهم، ﴿ وأصروا ﴾ : على ضلالهم، ﴿ واستكبروا ﴾ : عن إتباعي، ﴿ استكبارا ﴾، قالوا :﴿ أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ﴾( الشعراء : ١١١ )،
﴿ ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ﴾ أي : دعوتهم مرة بعد أخرى بأي وجه أمكنني و " ثم " للتراخي الزماني، أو الرتبي، و " جهارا " مصدر من غير لفظه،
﴿ فقلت استغفروا ربكم ﴾ : بالتوبة، ﴿ إنه كان غفارا ﴾
﴿ يرسل السماء عليكم مدرارا ﴾ : كثير الدرور حال، والمفعال مما يستوي فيه المذكر والمؤنث،
﴿ ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ﴾ : بساتين، ﴿ ويجعل لكم أنهارا ﴾
﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ﴾ : لا تخافون له عظمة، حتى تتركوا عصيانه و " الله " إما حال من وقارا، أو مفعول ترجون بزيادة اللام، و " وقارا " تمييز كفجرنا الأنهار عيونا، أو لا ترون له عظمة، أو لا تعتقدون الوقار، فيثيبكم على توقيركم،
﴿ وقد خلقكم أطوارا ﴾ : نطفة، ثم علقة، ثم حال موجبة لتعظيمه وتوقيره
﴿ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ﴾ : مطابقة بعضها فوق بعض،
﴿ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس ﴾ : فيهن، ﴿ سراجا ﴾ : تزيل الظلمة كما يزيلها السراج، ولو كان القمر والشمس في أحدهن نورا وسراجا لصدق أنهما فيهن، أو إضاءتهما في السماوات كلها، وكلام ابن عباس يدل عليه،
﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتا ﴾ أي : أنشأكم منها، فإن آدم منها، أي : أنبتكم فنبتم نباتا، فاختصر دلالة على سرعة نفاذ أمره،
﴿ ثم يعيدكم فيها ﴾ : بعد الموت، ﴿ ويخرجكم ﴾ : من الأرض، ﴿ إخراجا ﴾ : بالحشر أكده بالمصدر كما أكد الإنشاء دلالة على أنه في التحقق كهو،
﴿ والله جعل لكم الأرض بساطا ﴾ : تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه،
﴿ لتسلكوا ﴾ : متخذين، ﴿ منها سبلا فجاجا ﴾ : واسعة.
﴿ قال نوح رب إنهم عصوني ﴾ : فيما أمرتهم به، ﴿ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ﴾ أي : اتبعوا رؤساءهم الأخسرين بسبب الأموال والأولاد،
﴿ ومكروا ﴾، عطف على لم يزده وجمع الضمير باعتبار المعنى، ﴿ مكرا كبارا ﴾ : عظيما في الغاية لإتباعهم في تسويلهم أنهم على الحق كما يقولون في القيامة، ﴿ بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا ﴾ الآية( سبأ : ٣٣ )،
﴿ وقالوا لا تذرن آلهتكم ﴾ أي : عبادتها، ﴿ ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ﴾ أي : لا تذرن الآلهة سيما هؤلاء هي أسماء آلهتهم،
﴿ وقد أضلوا ﴾ : الأصنام، ﴿ كثيرا ﴾ : من الخلق كما قال الخليل :﴿ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا ﴾ الآية ( إبراهيم : ٣٥، ٣٦ )، وعن مقاتل، وقد أضل رؤساؤهم كثيرا، ﴿ ولا تزد الظالمين ﴾، عطف على " رب إنهم عصونيط ﴿ إلا ضلالا ﴾، دعاء عليهم لتمردهم وعنادهم، كما دعا موسى ﴿ ربنا اطمس على أموالهم ﴾ :( يونس : ٨٨ )
﴿ مما خطيئاتهم ﴾ : من أجلها وما مزيدة للتأكيد، ﴿ أغرقوا ﴾ : بالطوفان، ﴿ فأدخلوا نارا ﴾ : فإنه يعرض عليهم النار في القبور بكرة وعشيا، أو المراد نار جهنم، والتعقيب لعدم الاعتداء لما بين الإغراق، والإدخال كأنه نومة، ﴿ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ﴾ : ما نصرهم آلهتهم،
﴿ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ﴾ أي : أحد يدور في الأرض، أو نازل دار، وأصله ديوار، ففعل به ما فعل بسيد،
﴿ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ﴾ : صبيانهم، ﴿ ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ﴾، قال ذلك لخبرته بهم، وتجربته لمكثه بينهم ألف سنة إلا خمسين عاما،
﴿ رب اغفر لي ولوالدي ﴾، كانا مؤمنين، ﴿ ولمن دخل بيتي ﴾ : داري، أو مسجدي، أو سفينتي، ﴿ مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ : إلى القيامة، ﴿ ولا تزد الظالمين إلا تبارا ﴾ : هلاكا.
والحمد لله الذي جعلنا من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم.