بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة نوح عليه السلاموهي مكية وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ. وعن ابن عباس : أنه بعث وهو ابن أربعين سنة. وعن عوف بن أبي شداد : أنه بعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة. ويقال : سمي نوحا ؛ لأنه كان ينوح على نفسه. والله أعلم.
ﰡ
وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ﴿أنذر قَوْمك﴾ من غير " أَن " وَمَعْنَاهُ: وَقُلْنَا لَهُ أنذر قَوْمك.
وَقَوله ﴿من قبل أَن يَأْتِيهم عَذَاب أَلِيم﴾ قيل: هُوَ الْغَرق فِي الدُّنْيَا.
وَقيل هُوَ النَّار فِي الْآخِرَة.
وَقد كَانَت لَهُم ذنُوب أخر عَفا الله عَنْهَا.
وَقَالَ الْفراء: " من " لَيست هَاهُنَا للتَّبْعِيض،
وَقَوله: ﴿ويؤخركم إِلَى آجل مُسَمّى﴾ أَي: إِلَى الْمَوْت.
فَإِن قيل: هَذِه الْآيَة تدل على أَنه يجوز أَن يكون للْإنْسَان أجلان، وَأَن الْعقُوبَة تقع قبل الْأَجَل الْمَضْرُوب للْمَوْت.
وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يجوز أَن يُقَال: إِن الْأَجَل أجلان: أَحدهمَا: إِلَى سنة أَو سنتَيْن إِن عصوا الله، وَالْآخر: إِلَى عشر سِنِين أَو عشْرين سنة إِن أطاعوا الله، فعلى هَذَا قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر﴾ أَي: فِي حالتي الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن الْأَجَل وَاحِد بِكُل حَال.
وَقَوله ﴿ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى﴾ أَي: يميتكم غير ميتَة الاستئصال والعقوبة، وَهُوَ الْمَوْت الَّذِي يكون بِلَا غرق وَلَا قتل وَلَا حرق.
وَقيل: يؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى، أَي: عنْدكُمْ، وَهُوَ الْأَجَل الَّذِي تعرفونه، وَذَلِكَ موت من غير هَذِه الْوُجُوه.
وَهَذَا القَوْل أقرب إِلَى مَذْهَب أهل السّنة، فعلى هَذَا قَوْله: إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر) هُوَ الْأَجَل الْمُسَمّى الْمَضْرُوب لكل إِنْسَان).
وَقَوله ﴿لَو كُنْتُم تعلمُونَ﴾ [أَي] : إِن كُنْتُم تعلمُونَ.
وَقَوله: ﴿جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم﴾ يَعْنِي: فعلوا ذَلِك لِئَلَّا يسمعوا.
وَقَوله: ﴿واستغشوا ثِيَابهمْ﴾ أَي: تغطوا بثيابهم لِئَلَّا يرَوا نوحًا، وَلَا يسمعوا كَلَامه، وَذكر النّحاس قولا آخر وَقَالَ: إِن معنى قَوْله: ﴿واستغشوا ثِيَابهمْ﴾ أَي: أظهرُوا الْعَدَاوَة.
وَيُقَال: لبس فلَان ثِيَاب الْعَدَاوَة على معنى إِظْهَار الْعَدَاوَة.
وَقَوله: ﴿وأصروا﴾ قَالَ (أَبُو عبيد) :[أَي] : أَقَامُوا عَلَيْهِ.
والإصرار أَن يفعل الْفِعْل ثمَّ لَا ينْدَم.
وَفِي بعض الغرائب من الْآثَار؛ " لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَلَا كَبِيرَة مَعَ الاسْتِغْفَار ".
وَقَوله: ﴿واستكبروا استكبارا﴾ أَي: تكبروا تكبرا.
وَقد بَينا أَن الشّرك وَترك الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ استكبار.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَن معنى قَوْله: ﴿إِنِّي دَعَوْت قومِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ إِلَى التَّوْحِيد، وَأما قَوْله: ﴿ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهارا ثمَّ إِنِّي أعلنت لَهُم وأسررت لَهُم إسرارا﴾ هُوَ دعاؤه إيَّاهُم إِلَى الاسْتِغْفَار لما يتلوه من بعد، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَقلت اسْتَغْفرُوا
ومدرارا، أَي: مُتَتَابِعًا.
وَالسَّمَاء: الْمَطَر.
وَقيل هُوَ الْمَطَر فِي إبانه.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: إِذا أَرَادَ الله بِقوم خيرا أمطرهم فِي وَقت الزَّرْع، وَحبس عَنْهُم فِي وَقت الْحَصاد، وَإِذا أَرَادَ بِقوم سوءا أمطرهم فِي وَقت الْحَصاد وَحبس فِي وَقت الزَّرْع.
وروى الشّعبِيّ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - خرج (مرّة) للاستسقاء فَلم يزدْ على الاسْتِغْفَار ثمَّ نزل.
فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّك لم تستسق! فَقَالَ: لقد طلبت الْغَيْث بِمَجَادِيح السَّمَاء الَّتِي يسْتَنْزل بهَا الْمَطَر، وتلا قَوْله تَعَالَى: ﴿اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا﴾.
وَعَن بَعضهم: أَن الله تَعَالَى أعقم أَرْحَام نِسَائِهِم أَرْبَعِينَ سنة، وَحبس عَنْهُم الْمَطَر أَرْبَعِينَ سنة، فَهُوَ معنى قَول نوح: ﴿يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين﴾.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا﴾ أَي: بساتين وأنهارا تجْرِي فِيمَا بَينهَا.
وَقَالَ قطرب: مالكم لَا تبالون من عَظمَة الله تَعَالَى.
وَقيل: وقارا، أَي: طَاعَة، وَمَعْنَاهُ: مالكم لَا ترجون طَاعَة الله، أَي: لَا تستعملونها.
وَالْقَوْل الأول هُوَ الْمَعْرُوف، ذكره الْفراء والزجاج وَغَيرهمَا، وَقد يذكر الرَّجَاء بِمَعْنى الْخَوْف؛ لِأَنَّهُ لَا يكون الرَّجَاء إِلَّا وَمَعَهُ خوف الْفَوْت.
قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا لسعته النَّحْل لم يرج لسعها | وخالفها فِي بَيت نوب (عوامل)) |
(إِذا أهل الْكَرَامَة أكرموني | فَلَا أَرْجُو الهوان من اللئام). |
وَذكره ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا.
قَالَ الشَّاعِر:
(والمرء يخلق طورا بعد (أطوار)
وَمعنى الْحَالَات هَاهُنَا: أَنه خلقه نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظما ولحمها إِلَى أَن أتم خلقه.
وَالْجَوَاب من وُجُوه: أَحدهمَا: أَنه يجوز فِي لِسَان الْعَرَب أَن (يُقَال) : فِيهِنَّ نورا، وَإِن كَانَ فِي إحديهن، كَالرّجلِ يَقُول: توارى فلَان فِي دور فلَان، وَإِن كَانَ توارى فِي إحديها.
وَيَقُول الْقَائِل: وَنزلت على بني تَمِيم، وَإِن كَانَ نزل عِنْد بَعضهم.
وَالْوَجْه الثَّانِي: مَا قَالَه عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن وَجه الْقَمَر إِلَى السَّمَوَات السَّبع وَقَفاهُ إِلَى الأَرْض، وَكَذَا قَالَ فِي الشَّمْس، فعلى هَذَا قَوْله: {فِيهِنَّ نورا﴾ أَي: نوره فِيهِنَّ.
وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن السَّمَوَات فِي الْمَعْنى كشيء وَاحِد، فَقَالَ: ﴿فِيهِنَّ نورا﴾ لهَذَا، وَإِن كَانَ فِي سَمَاء وَاحِد.
وَالْوَجْه الرَّابِع: أَن معنى قَوْله: ﴿فِيهِنَّ نورا﴾ أَي: مَعَهُنَّ نورا.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(وَهل ينعمن من كَانَ آخر عَهده | ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال) |
وَقَوله: ﴿وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا﴾ أَي: فِيهِنَّ، وَالْمعْنَى مَا بَينا.
وَعَن عبد الله بن عَمْرو أَيْضا قَالَ: مَا خلق الله شَيْئا أَشد حرارة من الشَّمْس، وَلَوْلَا أَن السَّمَاء تحول بَين الأَرْض وَبَين ضوئها وَإِلَّا (لأحرقت) كل شَيْء فِي الأَرْض.
وروى أَنه سُئِلَ لماذا يبرد الزَّمَان فِي الشتَاء، وَبِمَ يكون الْحر فِي الصَّيف؟ فَقَالَ: تكون الشَّمْس فِي الصَّيف فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَفِي الشتَاء فِي السَّمَاء السَّابِعَة.
وَقيل: أنبتكم فنبتم نباتا.
وَقَوله: ﴿ويخرجكم إخراجا﴾ عِنْد النشور.
والسبيل قد يذكر وَيُؤَنث.
قَالَ الشَّاعِر:
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت | فَتلك سَبِيل لست فِيهَا بأوحد) |
وَفِي التَّفْسِير: أَن ودا كَانَت لكَلْب، والسواع كَانَت لهذيل، ويغوث كَانَت لبني غطيف بن دارم، ويعوق كَانَت لهمدان، ونسرا كَانَت لحمير، وَقد قيل على خلاف هَذَا.
وَكَانَت بَقِيَّة هَذِه الْأَصْنَام لَهُم من زمَان نوح قد غرقت، فاستخرجها لَهُم إِبْلِيس حَتَّى عبدوها.
وَعَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: كَانَت يَغُوث من رصاص رَأَيْته، وَكَانُوا يحملونه على جمل أجرد إِذا سافروا وَلَا يهيجون الْجمل ويجعلونه قدامهم، فَإِذا برك فِي مَوضِع نزلُوا، وَقَالُوا: رضى ربكُم بالمنزل.
وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: هَذِه الْأَسْمَاء أَسمَاء قوم صالحين قبل نوح، فَلَمَّا مَاتُوا زين الشَّيْطَان لأبنائهم ليتخذوا أشخاصا على صورهم، فَيكون نظرهم إِلَيْهَا حثا لَهُم على الْعِبَادَة، ثمَّ إِنَّهُم عبدوها من بعد لما تطاول لَهُم الزَّمَان.
وَقَوله: ﴿وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا ضلالا﴾ دَعَا عَلَيْهِم هَذَا الدُّعَاء عُقُوبَة لَهُم، وَهُوَ مثل دُعَاء مُوسَى على قوم فِرْعَوْن ﴿رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم﴾.
وَقيل: هُوَ فِي الْقَبْر.
وَعَن الْحسن قَالَ: الْبَحْر طبق جَهَنَّم.
وَقيل: الْبَحْر نَار ثمَّ نَار.
وَقَوله: ﴿فَلم يَجدوا لَهُم من دون الله أنصارا﴾ أَي: أحدا يمنعهُم من عَذَاب الله.
وَقيل: ديارًا أَي: من ينزل دَارا، مَأْخُوذ من الدَّار.
ثمَّ إِنَّه لما أخبر الله تَعَالَى أَنه لَا يُؤمن أحد مِنْهُم دَعَا عَلَيْهِم.
وَفِي الْقِصَّة: أَن الرجل مِنْهُم كَانَ يحمل ابْنه على كتفه إِلَيْهِ وَيَقُول: احذر هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون، فَإِن أَبى أحذرني إِيَّاه كَمَا حذرتك، فَفَعَلُوا كَذَلِك حَتَّى مضى سَبْعَة قُرُون،
وَقَوله: ﴿وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا﴾ أَي: سفينتي.
وَقيل: صومعتي.
وَقيل: بَيْتِي الَّذِي أسْكنهُ.
وَقَوله: ﴿وَلِلْمُؤْمنِينَ﴾ أَي: لكل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَوله: ﴿وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا تبارا﴾ أَي: هَلَاكًا.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ﴾تَفْسِير سُورَة الْجِنّ
وَهِي مَكِّيَّة