ﰡ
مكية، وآيها: ثمان وعشرون آية، وحروفها: تسع مئة وتسعة وعشرون حرفًا، وكلمها: مئتان وأربع وعشرون كلمة.
عن أُبي بن كعب (١) -رضي الله عنه-: قال رسول الله - ﷺ -: "من قرأَ سورةَ نوح، كان من المؤمنين الذين تُدركهم دعوةُ نوح" (٢).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١)﴾.[١] ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ واسمه عبد الغفار، وسمي نوحًا؛ لكثرة نوحه على نفسه، وصرف نوح مع عجمته وتعريفه؛ لخفته وسكون الوسط من حروفه، وتقدم ذكر نسبه وتاريخ مولده ومحل قبره في [سورة آل عمران، وتقدم ذكر الاختلاف في عمره حين بعثه الله إلى قومه في] (٣) سورة
(٢) رواه الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٤٣). وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٤/ ٩٥).
(٣) ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
﴿إِلَى قَوْمِهِ﴾ وكانوا يعبدون الأوثان.
﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ﴾ نصب؛ أي: بأن أنذر، وهي الناصبة للفعل.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ عذاب الآخرة والطوفان إن لم يؤمنوا.
...
﴿قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢)﴾.
[٢] ﴿قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أُنذركم وأبين لكم.
...
﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣)﴾.
[٣] ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾ بطاعته ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما آمركم به من الإيمان. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وابن عامر، والكسائي، وخلف: (أَنُ اعْبُدُواْ الله) بضم النون في الوصل، والباقون: بكسرها (١)، فمن قرأ بالضم اتباعًا لضمة الباء، وتركًا لمراعاة الحائل لخفة السكون، فهو كأن ليس ثَمَّ حائل، ومن قرأ بالكسر، فهو الأصل في التقاء الساكنين من كلمتين، وقرأ يعقوب: (وَأَطِيعُونِي) بإثبات الياء، والباقون: بحذفها (٢).
(٢) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٢٩).
[٤] ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ (مِنْ) زائدة؛ أي: يغفر ذنوبكم.
﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ﴾ معافَيْنَ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ هو وقت موتكم بلا إهلاك.
﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ بتعذيبكم ﴿إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ فبادروا في أوقات الإمهال.
قرأ أبو جعفر، وورش عن نافع: (وَيُوَخِّرْكُمْ) (لاَ يُوَخَّرُ) بفتح الواو بغير همز، والباقون: بالهمز.
﴿لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك، لآمنتم.
...
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥)﴾.
[٥] فلما أيس من إيمانهم لما أخبر ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]، ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ أي: دائمًا متصلًا، نصب بـ (دَعَوْتُ).
...
﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦)﴾.
[٦] ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ عن الإيمان، مفعول ثان لـ (دعوتُ). قرأ الكوفيون، ويعقوب: (دُعَائِي) بإسكان الياء، والباقون: بفتحها (١).
[٧] ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُم﴾ ذنوبهم (١).
﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ لئلا يسمعوا كلامي. قرأ الدوري عن الكسائي: (آذَانِهِمْ) بالإمالة، والباقون: بالفتح (٢).
﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ تغطَّوا بها ﴿وَأَصَرُّوا﴾ أقاموا على المعصية.
﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن الإيمان ﴿اسْتِكْبَارًا﴾ عظيمًا.
...
﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨)﴾.
[٨] ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾ مصدر في موضع الحال، أي: مجاهِرًا.
...
﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (٩)﴾.
[٩] ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ﴾ صوتي مرارًا، وبالغت في إعلاني. قرأ الكوفيون، وابن عامر، ويعقوب: (إِنِّي أَعْلَنْتُ) بإسكان الياء، والباقون: بفتحها (٣).
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٧٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٢٣٠).
(٣) انظر: "الكشف" لمكي (٢/ ٣٣٨)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٠).
...
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠)﴾.
[١٠] وكان قد منع عنهم المطر، وعقمت نساؤهم، وغارت مياههم.
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ من الشرك ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ للتائبين.
...
﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١)﴾.
[١١] ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ كثير الدُّرور.
...
﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ يكثر أموالكم وأولادكم ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين.
﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ جارية، ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء، والاستسقاء: هو الدعاء بطلب السقيا على وجه مخصوص، فإذا أجدبت الأرض، وقحط المطر، سُنَّ الاستسقاء بالاتفاق.
واختلفوا في حكمه، فقال أبو حنيفة: لا صلاة في الاستسقاء، إنما الدعاء والاستغفار، وإن صلوا فرادى، فحسن، وقال صاحباه: يصلي الإمام بالناس ركعتين بلا أذان ولا إقامة كالعيد بالتكبيرات الزوائد عند محمد، وعند أبي يوسف: لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام، وهو المشهور،
والقراءة في الركعتين جهرًا بالاتفاق.
ويستحب للإمام تحويل ردائه بعد أن يستقبل القبلة، ويفعل الناس كذلك عند الثلاثة؛ خلافًا لأبي حنيفة، وأجازه محمد بن الحسن للإمام فقط.
وإن خرج أهل الذمة، لم يمنعوا عند الثلاثة، ولم يختلطوا بالمسلمين، ولم يفردوا بيوم، ومنع أبو حنيفة وأصحابه من خروجهم.
...
﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)﴾.
[١٣] ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ لا تخافون لله عَظَمة.
...
﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ تاراتٍ، حالًا بعد حال، نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق.
[١٥] ثم أتبع ذلك ما يؤيده من آيات الآفاق فقال: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾ أي: مطابقة، جعل كلَّ واحدة طبقًا للأخرى.
...
﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ وهو في السماء الدنيا؛ لأنه إذا كان في واحدة منهن، فهو فيهن.
قال عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص: "إن الشمس والقمر أَقفاؤهما إلى الأرض، وإقبال نورهما وارتفاعه في السماء" (١)، وهو الذي يقتضيه لفظ (السِّراج).
﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ مصباحًا مضيئًا تبصَر فيه الأشياء، وضوء القمر أقوى من نور القمر، وقيل: الشمس في السماء الخامسة، وقيل: في الرابعة، وقال عبد الله بن عمر: "هي في الشتاء في الرابعة، وفي الصيف في السابعة" (٢).
(٢) قال أبو حيان في "البحر المحيط" (٨/ ٣٣٤): وهذا شيء لا يوقف على معرفته إلا من علم الهيئة.
[١٧] ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ استعارة من حيث أُخذ آدم -عليه السلام- من الأرض، ثم صار الجميع نابتًا منه، وقوله: ﴿نَبَاتًا﴾ مصدر (١) واقع موقع إنبات؛ أي: فنبتُّم نباتًا.
...
﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (١٨)﴾.
[١٨] ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا﴾ مقبورين.
﴿وَيُخْرِجُكُمْ﴾ للبعث ﴿إِخْرَاجًا﴾ لموقف العرض والجزاء.
...
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾ بسيطة.
...
﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا﴾ طرقًا ﴿فِجَاجًا﴾ واسعة.
...
﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١)﴾.
[٢١] فلما لم يطيعوه، ويئس نوح من إيمانهم ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ لم يجيبوا دعوتي.
﴿إِلَّا خَسَارًا﴾ ضلالًا في الدنيا، وعقوبة في الآخرة. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن عامر، وعاصم بخلاف عنه: (وَوَلَدَهُ) بفتح الواو واللام، والباقون: بضم الواو وإسكان اللام، وهما بمعنى (١).
...
﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ أي: كبيرًا عظيمًا، وهو كذبهم على الله.
...
﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ أي: عبادتها ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا﴾ قرأ نافع، وأبو جعفر: (وُدًّا) بضم الواو، والباقون: بفتحها (٢).
﴿وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ وهي أصنام كانت أعظم أصنامهم، فخصوا بالذكر، وكان الطوفان دفنها، فأخرجها الشيطان لمشركي العرب، فعبدت كلبٌ وَدًّا، وهمدان سُواعًا، ومذحج يغوث، ومراد يعوق، وحمير نسرًا.
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٥)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٧٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٢).
[٢٤] ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا﴾ أي: الأصنام، وهو إخبار نوح عنهم، وهو منقطع مما حكاه عنهم، والمعنى: قد أضل هؤلاء ﴿كَثِيرًا﴾ من الناس.
روي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا، صَوَّرهم أهلُ ذلك العصر من حجر، وقالوا ننظر إليها، فنذكر أفعالهم، فهلك ذلك الجيل، وكبر تعظيم الآخر لتلك الحجارة، ثم كذلك حتى عبدت (١)، ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها إلى قبائل العرب، ثم دعا نوح عليهم إلى الله تعالى فقال: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا﴾ هلاكًا، فأهلكوا، وذكر الظالمين؛ لتعم الدعوة كلَّ من جرى مجراهم.
...
﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ قرأ أبو عمرو: بفتح الطاء والياء وألف بعدهما من غير همز، وضمَّ الهاء مثل عَطاياهُم، وقرأ الباقون:. (خَطِيئَاتِهِمْ) بكسر الطاء وياء ساكنة بعدها وبعد الياء همزة مفتوحة وألف وتاء مكسورة وكسر الهاء للإتباع (٢)، وكلا القراءتين جمع خطيئة، و (ما) مزيدة للتأكيد والتفخيم، المعنى: من أجل خطيئاتهم.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٥٣)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٥)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٧٩)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٣).
...
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ أحدًا يدور في الأرض، وَديَّار أصله دَيْوار، وهو فَيْعال من الدوران، أي: من يجيء ويذهب.
وروي أن نوحًا -عليه السلام- لم يدع بهذه الدعوة إلا من بعد أن أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم، وأعقم أرحام النساء قبل العذاب بسبعين سنة (١).
...
﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (٢٧)﴾.
[٢٧] ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ﴾ كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح، فيقول: احذر هذا؛ فإنه كذاب، وإن أبي حَذَّرنيه، فيموت الكبير، وينشأ الصغير عليه.
﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا﴾ مائلًا عن الحق.
﴿كَفَّارًا﴾ عظيمَ الكفر، قال ذلك لما علم حالهم؛ لمكثه ألف
...
﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ اسم أبيه لامخ وقيل لمك بن متوشلح، وأمه شمخاء بنت أنوش، وكانا مؤمنين، [وفي معنى قوله تعالى: ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ من الأمثال الدائرة على ألسن الناس: لا تلدُ الحيةُ إلا حية] (١)، قال ابن عباس: لم يكفرْ لنوحٍ أبٌ ما بينه وبين آدم عليه السلام (٢).
﴿وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ﴾ أي: داري ﴿مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ تعميم بالدعاء لمؤمني كل أمة. قرأ هشام عن ابن عامر، وحفص عن عاصم: (بَيْتِيَ) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها (٣).
﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ هلاكًا، وذهابَ رسم، فاستجاب الله دعوته، وأهلكهم، والله أعلم.
(٢) انظر: "تفسير الثعالبي" (٤/ ٣٤٥).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٥٤)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٣٤).