تفسير سورة سورة نوح من كتاب النكت والعيون
المعروف بـتفسير الماوردي
.
لمؤلفه
الماوردي
.
المتوفي سنة 450 هـ
سورة نوح
مكية
ﰡ
﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون﴾ قوله عز وجل:
﴿إنا أَرْسَلْنا نُوحاً إلى قَوْمِه﴾ روى قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال: (أول نبي أُرسل نوح) قال قتادة: بعث من الجزيرة. واختلف في سنه حين بعث: قال ابن عباس: بعث وهو ابن أربعين سنة. وقال عبد اللَّه بن شداد: بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة. وقال إبراهيم بن زيد: إنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه في الدنيا.
﴿أنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أن يأتيَهم عَذابٌ أَليمٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: يعني عذاب النار في الآخرة، قاله ابن عباس. الثاني: عذاب الدنيا، وهو ما ينزل عليهم بعد ذلك من الطوفان، قاله الكلبي،
98
وكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيباً، وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه، فيقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
﴿يَغْفِرْ لكم مِن ذُنوبكم﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن (من) صلة زائدة، ومعنى الكلام يغفر ذنوبكم، قاله السدي. الثاني: أنها ليست صلة، ومعناه يخرجكم من ذنوبكم، قاله زيد بن أسلم. الثالث: معناه يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها، قاله ابن شجرة.
﴿ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسمى﴾ يعني إلى موتكم وأجلكم الذي خط لكم، فيكون موتكم بغير عذاب إن آمنتم.
﴿إنّ أَجَلَ اللَّه إذا جاءَ لا يُؤخَّرُ لو كنتم تَعْلَمونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني بأجل اللَّه الذي لا يؤخر يوم القيامة، جعله اللَّه أجلاً للبعث، قاله الحسن. الثاني: يعني أجل الموت إذا جاء لم يؤخر، قاله مجاهد. الثالث: يعني أجل العذاب إذا جاء لا يؤخر، قاله السدي. وفي قوله: (لو كنتم تعلمون) وجهان: أحدهما: أن ذلك بمعنى إن كنتم تعلمون. الثاني: لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل اللَّه إذا جاء لا يؤخر، قاله الحسن.
99
﴿ يَغْفِرْ لكم مِن ذُنوبكم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن " من " صلة زائدة، ومعنى الكلام يغفر لكم ذنوبكم، قاله السدي.
الثاني : أنها ليست صلة، ومعناه يخرجكم من ذنوبكم، قاله زيد بن أسلم.
الثالث : معناه يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها، قاله ابن شجرة.
﴿ ويُؤَخِّرْكم إلى أجَلٍ مُسمى ﴾ يعني إلى موتكم وأجلكم الذي خط لكم، فيكون موتكم بغير عذاب إن آمنتم.
﴿ إنّ أَجَلَ اللَّه إذا جاءَ لا يُؤخَّرُ لو كنتم تَعْلَمونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني بأجل اللَّه الذي لا يؤخر يوم القيامة، جعله اللَّه أجلاً للبعث، قاله الحسن.
الثاني : يعني أجل الموت إذا جاء لم يؤخر، قاله مجاهد.
الثالث : يعني أجل العذاب إذا جاء لا يؤخر، قاله السدي.
وفي قوله :" لو كنتم تعلمون " وجهان :
أحدهما : أن ذلك بمعنى إن كنتم تعلمون.
الثاني : لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل اللَّه إذا جاء لا يؤخر، قاله الحسن.
{قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
99
والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا}
﴿قال رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمي ليلاً ونهاراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: دعوتهم ليعبدوك ليلاً ونهاراً. الثاني: دعوتهم ليلاً ونهاراً إلى عبادتك.
﴿فلم يَزدْهم دُعائي إلاّ فِراراً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: إلا فراراً من طاعتك. الثاني: فراراً من إجابتي إلى عبادتك. قال قتادة: بلغنى أنه كان يذهب الرجل بابنه إلى نوح، فيقول لابنه: احذر هذا لا يغرنك فإن أبي قد ذهب بي غليه وأنا مثلك، فحذرني كما حذرتك.
﴿وإنِّي كلما دَعَوْتُهم لِتَغَفِرَ لهم﴾ يعني كلما دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم ما تقدم من الشرك.
﴿جعلوا أصابعهم في آذانهم﴾ لئلا يسمعوا دعاءه ليؤيسوه من إجابة ما لم يسمعوه، قال محمد بن إسحاق: كان حليماً صبوراً.
﴿واستغْشَوا ثيابَهم﴾ أي عطوا رؤسهم وتنكروا لئلا يعرفهم.
﴿وأَصَرُّوا﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه إقامتهم على الكفر، قال قتادة: قدماً قدماً في معاصي اللَّه لالتهائهم عن مخافة اللَّه حتى جاءهم أمر اللَّه. الثاني: الإصرار: أن يأتي الذنب عمداً، قاله الحسن. الثالث: معناه أنهم سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا قاله السدي.
﴿واستكْبَروا استكباراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن ذلك كفرهم باللَّه وتكذيبهم لنوح، قاله الضحاك. الثاني: أن ذلك تركهم التوبة، قاله ابن عباس، وقوله (استبكارا) تفخيم.
100
﴿ثم إنّي دَعْوتُهم جِهاراً﴾ أي مجاهرة يرى بعضهم بعضاً.
﴿ثم إني أعْلَنْتُ لهم﴾ يعني الدعاء، قال مجاهد: معناه صِحْتُ.
﴿وأسَرَرْتُ لهم إسْراراً﴾ الدعاء عن بعضهم من بعض، وفيه وجهان: أحدهما: أنه دعاهم في وقت سراً، وفي وقت جهراً. الثاني: دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً، وكل هذا من نوح مبالغة في الدعاء وتلطفاً في الاستدعاء.
﴿فقلتُ استغْفِروا ربّكم إنّه كان غَفّاراً﴾ وهذا فيه ترغيب في التوبة، وقد روى حذيفة عن النبي ﷺ أنه قال: (الاستغفار ممحاة للذنوب). وقال: الفضيل: يقول العبد استغفر اللَّه، قال: وتفسيرها أقلني.
﴿يُرْسِلِ السماءَ عليكم مِدْراراً﴾ يعني غيثاً متتابعاً، وقيل إنهم كانوا قد أجدبوا أربعين سنة، حتى أذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم، فقال ترغيباً في الإيمان.
﴿ويُمْدِدْكم بأموالٍ وبنينَ ويَجْعَل لكم جَنّاتٍ ويَجْعَل لكم أنهاراً﴾ قال قتادة: علم نبي اللَّه نوح أنهم أهل حرص على الدنيا، فقال هلموا إلى طاعة اللَّه فإن من طاعته درك الدنيا والآخرة.
﴿ما لكم لا ترجون للَّه وقاراً﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: ما لكم لا تعرفون للَّه عظمة، قاله مجاهد، وعكرمة. الثاني: لا تخشون للَّه عقاباً وترجون منه ثواباً، قاله ابن عباس في رواية ابن جبير. الثالث: لا تعرفون للَّه حقه ولا تشكرون له نعمه، قاله الحسن. الرابع: لا تؤدون للَّه طاعة، قاله ابن زيد. الخامس: أن الوقار الثبات، ومنه قوله تعالى:
﴿وقرن في بيوتكن﴾ [الأحزاب: ٣٣] أي اثبتن، ومعناه لا تثبتون وحدانية اللَّه وأنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه، قال
101
ابن بحر: دلهم على ذلك فقال:
﴿وقد خلقكم أطواراً﴾ في وجهان: أحدهما: يعني طوراً نطفة، ثم طوراً علقة، ثم طوراً مضغة، ثم طوراً عظماً، ثم كسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر أنبتنا له الشعر وكملت له الصورة، قاله قتادة. الثاني: أن الأطوار اختلافهم في الطول والقصر، والقوة والضعف والهم والتصرف، والغنى والفقر. ويحتمل ثالثاً: أن الأطوار اختلافهم في الأخلاق والأفعال.
﴿ألمْ تَروْا كيف خَلَق اللَّهُ سَبْعَ سمواتٍ طِباقاً﴾ فيها قولان: أحدهما: أنهن سبع سموات على سبع أرضين، بين كل سماء وأرض خلق، وهذا قول الحسن. والثاني: أنهن سبع سموات طباقاً بعضهن فوق بعض، كالقباب، وهذا قول السدي.
﴿وجَعَل القَمَرَ فيهنّ نُوراً﴾ فيه قولان: أحدهما: معناه وجعل القمر فيهن نوراً لأهل الأرض، قاله السدي. الثاني: أنه جعل القمر فيهن نوراً لأهل السماء والأرض، قاله عطاء. وقال ابن عباس: وجهه يضيء لأهل الأرض، وظهره يضيء لأهل السماء.
﴿وجَعَل الشّمْسَ سِراجاً﴾ يعني مصباحاً لأهل الأرض، وفي إضافته لأهل السماء القولان الأولان.
﴿واللَّه أَنْبَتكُم مِنَ الأرضِ نَباتاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني آدم خلقه من أديم الأرض كلها، قاله ابن جريج، وقال خالد بن معدان: خلق الإنسان من طين، فإنما تلين القلوب في الشتاء. الثاني: أنبتهم من الأرض بالكبر بعد الصغر، وبالطول بعد القصر، قاله ابن بحر. الثالث: أن جميع الخلق أنشأهم باغتذاء ما تنبته الأرض وبما فيها، وهو محتمل.
﴿ثم يُعيدُكم فيها﴾ يعني أمواتاً في القبور.
102
﴿ويُخْرِجُكم إخراجاً﴾ لنشور بالبعث.
﴿واللَّهُ جَعَل لكم الأرضَ بِساطاً﴾ أي مبسوطة، وفيه دليل على أنها مبسوطة.
﴿لِتَسْلُكوا منها سُبُلاً فجاجاً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: طرقاً مختلفة، قاله ابن عباس. الثاني: طرقاً واسعة، قاله ابن كامل. الثالث: طرقاًً أعلاماً، قاله قتادة.
103
﴿ فلم يَزدْهم دُعائي إلاّ فِراراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إلا فراراً من طاعتك.
الثاني : فراراً من إجابتي إلى عبادتك.
قال قتادة : بلغنى أنه كان يذهب الرجل بابنه إلى نوح، فيقول لابنه : احذر هذا لا يغرنك فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك، فحذرني كما حذرتك.
﴿ وإنِّي كلما دَعَوْتُهم لِتَغَفِرَ لهم ﴾ يعني كلما دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم ما تقدم من الشرك.
﴿ جعلوا أصابعهم في آذانهم ﴾ لئلا يسمعوا دعاءه ليؤيسوه من إجابة ما لم يسمعوه، قال محمد بن إسحاق : كان حليماً صبوراً.
﴿ واستغْشَوا ثيابَهم ﴾ أي غطوا رؤسهم وتنكروا لئلا يعرفهم.
﴿ وأَصَرُّوا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه إقامتهم على الكفر، قال قتادة : قدماً قدماً في معاصي اللَّه لالتهائهم عن مخافة اللَّه حتى جاءهم أمر اللَّه.
الثاني : الإصرار : أن يأتي الذنب عمداً، قاله الحسن.
الثالث : معناه أنهم سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا قاله السدي.
﴿ واستكْبَروا استكباراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن ذلك كفرهم باللَّه وتكذيبهم لنوح، قاله الضحاك.
الثاني : أن ذلك تركهم التوبة، قاله ابن عباس، وقوله " استكبارا " تفخيم.
﴿ ثم إنّي دَعْوتُهم جِهاراً ﴾ أي مجاهرة يرى بعضهم بعضاً.
﴿ ثم إني أعْلَنْتُ لهم ﴾ يعني الدعاء، قال مجاهد : معناه صِحْتُ.
﴿ وأسَرَرْتُ لهم إسْراراً ﴾ الدعاء عن بعضهم من بعض، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه دعاهم في وقت سراً، وفي وقت جهراً.
الثاني : دعا بعضهم سراً وبعضهم جهراً، وكل هذا من نوح مبالغة في الدعاء وتلطفاً في الاستدعاء.
﴿ فقلتُ استغْفِروا ربّكم إنّه كان غَفّاراً ﴾ وهذا فيه ترغيب في التوبة، وقد روى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الاستغفار ممحاة للذنوب ".
وقال : الفضيل : يقول العبد استغفر اللَّه، قال : وتفسيرها أقلني.
﴿ يُرْسِلِ السماءَ عليكم مِدْراراً ﴾ يعني غيثاً متتابعاً، وقيل إنهم كانوا قد أجدبوا أربعين سنة، حتى أذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم، فقال ترغيباً في الإيمان.
﴿ ويُمْدِدْكم بأموالٍ وبنينَ ويَجْعَل لكم جَنّاتٍ ويَجْعَل لكم أنهاراً ﴾ قال قتادة :
علم نبي اللَّه نوح أنهم أهل حرص على الدنيا، فقال هلموا إلى طاعة اللَّه فإن من طاعته درك الدنيا والآخرة.
﴿ ما لكم لا ترجون للَّه وقاراً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : ما لكم لا تعرفون للَّه عظمة، قاله مجاهد، وعكرمة.
الثاني : لا تخشون للَّه عقاباً وترجون منه ثواباً، قاله ابن عباس في رواية ابن جبير.
الثالث : لا تعرفون للَّه حقه ولا تشكرون له نعمه، قاله الحسن.
الرابع : لا تؤدون للَّه طاعة، قاله ابن زيد.
الخامس : أن الوقار الثبات، ومنه قوله تعالى :﴿ وقرن في بيوتكن ﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ] أي اثبتن، ومعناه لا تثبتون وحدانية اللَّه وأنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه.
قال ابن بحر : دلهم على ذلك فقال :﴿ وقد خلقكم أطواراً ﴾ في وجهان :
أحدهما : يعني طوراً نطفة، ثم طوراً علقة، ثم طوراً مضغة، ثم طوراً عظماً، ثم كسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر أنبتنا له الشعر وكملت له الصورة، قاله قتادة.
الثاني : أن الأطوار اختلافهم في الطول والقصر، والقوة والضعف والهم والتصرف، والغنى والفقر.
ويحتمل ثالثاً : أن الأطوار اختلافهم في الأخلاق والأفعال.
﴿ ألمْ تَروْا كيف خَلَق اللَّهُ سَبْعَ سمواتٍ طِباقاً ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنهن سبع سموات على سبع أرضين، بين كل سماء وأرض خلق، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنهن سبع سموات طباقاً بعضهن فوق بعض، كالقباب، وهذا قول السدي.
﴿ وجَعَل القَمَرَ فيهنّ نُوراً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : معناه وجعل القمر فيهن نوراً لأهل الأرض، قاله السدي.
الثاني : أنه جعل القمر فيهن نوراً لأهل السماء والأرض، قاله عطاء.
وقال ابن عباس : وجهه يضيء لأهل الأرض، وظهره يضيء لأهل السماء.
﴿ وجَعَل الشّمْسَ سِراجاً ﴾ يعني مصباحاً لأهل الأرض، وفي إضافته لأهل السماء القولان الأولان.
﴿ واللَّه أَنْبَتكُم مِنَ الأرضِ نَباتاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني آدم خلقه من أديم الأرض كلها، قاله ابن جريج، وقال خالد بن معدان : خلق الإنسان من طين، فإنما تلين القلوب في الشتاء.
الثاني : أنبتهم من الأرض بالكبر بعد الصغر، وبالطول بعد القصر، قاله ابن بحر.
الثالث : أن جميع الخلق أنشأهم باغتذاء ما تنبته الأرض وبما فيها، وهو محتمل.
﴿ ثم يُعيدُكم فيها ﴾ يعني أمواتاً في القبور.
﴿ ويُخْرِجُكم إخراجاً ﴾ للنشور بالبعث.
﴿ واللَّهُ جَعَل لكم الأرضَ بِساطاً ﴾ أي مبسوطة، وفيه دليل على أنها مبسوطة.
﴿ لِتَسْلُكوا منها سُبُلاً فجاجاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : طرقاً مختلفة، قاله ابن عباس.
الثاني : طرقاً واسعة، قاله ابن كامل.
الثالث : طرقاًً أعلاماً، قاله قتادة.
﴿قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا﴾ ﴿قال نوحٌ ربِّ إنهم عَصَوْني﴾ قال أهل التفسير: لبث فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين عاماً داعياً لهم، وهم على كفرهم وعصيانهم، قال ابن عباس: رجا نوح الأبناء بعد الآباء، فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبعة قرون، ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين.
﴿واتّبَعوا مَنْ لم يَزِدْه مالُه ووَلدُه إلاّ خَساراً﴾ قرىء ولده بفتح الواو وضمها، وفيهما قولان: أحدهما: أن الولد بالضم الجماعة من الأولاد، والولد بالفتح واحد منهم، قاله الأعمش، قال الربيع بن زياد:
(وإن تكَ حَرْبُكم أمست عواناً | فإني لم أكُنْ مّمن جَناها) |
(ولكن وُلْدُ سَوْدةَ أرَّثوها | وحَشّوا نارها لمن اصطلاها) |
﴿ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً﴾ أي عظيماً، والكبّار أشد مبالغة من كبير. وفيه وجهان، أحدهما: ما جعلوه للَّه من الصاحبة والولد، قاله الكلبي.
103
الثاني: هو قول كبرائهم لأتباعهم:
﴿وقالوا لا تَذَرُنَّ آلِهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً﴾ الآية، قاله مقاتل. وفي هذه الأصنام قولان: أحدهما: أنها كانت للعرب لم يعبدها غيرهم ويكون معنى الكلام: كما قال قوم نوح لأتباعهم لا تذرن آلهتكم، قالت العرب مثلهم لأولادهم وقومهم لا تذرنّ وداً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، ثم عاد الذكر بعد ذلك إلى قوم نوح. واختلف في هذه الأسماء، فقال عروة بن الزبير: اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان ود أكبرهم وأبرهم به، وقال غيره: إن هذه الأسماء كانت لرجال قبل قوم نوح، فماتوا فحزن عليهم أبناؤهم حزناً شديداً، فزين لهم الشيطان أن يصورهم لينظروا إليهم ففعلوا، ثم عبدها أبناؤهم من بعدهم. وقال محمد بن كعب: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح فحدث بعدهم من أخذ في العبادة مأخذهم، فزين لهم إبليس أن يتصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، ثم عبدها من بعدهم قوم نوح، ثم انتقلت بعدهم إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل. فأما ود فهو أول صنم معبود، سمي بذلك لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل من قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم:
(حيّاك ودٌّ فإنا لا يحل لنا | لهْوُ النساءِ وإنّ الدينَ قد عزمَا.) |
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر، في قولهم، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ، في قول قتادة، وقال مقاتل: حي من نجران. قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أجرد، ويسيرون معه لا يهيجونه، حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم المنزل، فيضربون عليه بناء وينزلون حوله. وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع، في قول قتادة وعكرمة وعطاء.
104
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول عطاء ونحوه عن مقاتل.
﴿وقد أَضَلّوُا كثيراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: يريد أن هذه الأصنام قد ضل بها كثير من قومه. الثاني: أن أكابر قومه قد أضلوا كثيراً من أصاغرهم وأتباعهم.
﴿ولا تَزِدِ الظّالمينّ إلاَّ ضَلالاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: إلا عذاباً، قاله ابن بحر واستشهد بقوله تعالى:
﴿إن المجرمين في ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ [القمر: ٤٧]. الثاني: إلا فتنة بالمال والولد، وهو محتمل.
105
﴿ ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً ﴾ أي عظيماً، والكبّار أشد مبالغة من كبير.
وفيه وجهان، أحدهما : ما جعلوه للَّه من الصاحبة والولد، قاله الكلبي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الثاني : هو قول كبرائهم لأتباعهم :﴿ وقالوا لا تَذَرُنَّ آلِهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً ﴾ الآية، قاله مقاتل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الثاني : هو قول كبرائهم لأتباعهم :﴿ وقالوا لا تَذَرُنَّ آلِهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً ﴾ الآية، قاله مقاتل.
وفي هذه الأصنام قولان :
أحدهما : أنها كانت للعرب لم يعبدها غيرهم ويكون معنى الكلام : كما قال قوم نوح لأتباعهم لا تذرن آلهتكم، قالت العرب مثلهم لأولادهم وقومهم لا تذرنّ وداً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، ثم عاد الذكر بعد ذلك إلى قوم نوح.
واختلف في هذه الأسماء، فقال عروة بن الزبير : اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان ود أكبرهم وأبرهم به، وقال غيره : إن هذه الأسماء كانت لرجال قبل قوم نوح، فماتوا فحزن عليهم أبناؤهم حزناً شديداً، فزين لهم الشيطان أن يصورهم لينظروا إليهم ففعلوا، ثم عبدها أبناؤهم من بعدهم.
وقال محمد بن كعب : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح فحدث بعدهم من أخذ في العبادة مأخذهم، فزين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم، ثم عبدها من بعدهم قوم نوح، ثم انتقلت بعدهم إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل.
فأما ود فهو أول صنم معبود، سمي بذلك لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل من قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم :
حيّاك ودٌّ فإنا لا يحل لنا | لهْوُ النساءِ وإنّ الدينَ قد عزمَا. |
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر، في قولهم، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ، في قول قتادة، وقال مقاتل : حي من نجران.
قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أجرد، ويسيرون معه لا يهيجونه، حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل، فيضربون عليه بناء وينزلون حوله.
وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع، في قول قتادة وعكرمة وعطاء.
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول عطاء ونحوه عن مقاتل.
﴿ وقد أَضَلّوُا كثيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يريد أن هذه الأصنام قد ضل بها كثير من قومه.
الثاني : أن أكابر قومه قد أضلوا كثيراً من أصاغرهم وأتباعهم.
﴿ ولا تَزِدِ الظّالمينّ إلاَّ ضَلالاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا عذاباً، قاله ابن بحر واستشهد بقوله تعالى :﴿ إن المجرمين في ضَلالٍ وسُعُرٍ ﴾ [ القمر : ٤٧ ].
الثاني : إلا فتنة بالمال والولد، وهو محتمل.
﴿مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا﴾ ﴿وقال نوحٌ ربِّ لا تَذَرْ على الأرضِ مِنَ الكافرين دَيّارا﴾ اختلفوا في سبب دعاء نوح على قومه بهذا على قولين: أحدهما: أنه لما نزلت عليه قوله تعالى:
﴿لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ [هود: ٣٦] دعا عليهم بهذا الدعاء، قاله قتادة. الثاني: أن رجلاً من قومه حمل ولده صغيراً على كتفه، فمر بنوح، فقال لابنه: إحذر هذا فإنه يضلك فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجّهُ، فحينئذٍ غضب نوح ودعا عليهم. وفي قوله
﴿ديّاراً﴾ وجهان: أحدهما: أحداً، قاله الضحاك. الثاني: من يسكن الديار، قاله السدي.
﴿ربِّ اغْفِرْ لي ولوالدّيّ﴾ فيه قولان:
105
أحدهما: أنه أراد أباه، واسمه لمك، وأمه واسمها منجل، وكانا مؤمنين، قاله الحسن. الثاني: أنه أراد أباه وجده، قاله سعيد بن جبير.
﴿ولمن دَخَل بَيْتِيِ مُؤْمِناً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني صديقي الداخل إلى منزلي، قاله ابن عباس. الثاني: من دخل مسجدي، قاله الضحاك. الثالث: من دخل في ديني، قاله جويبر.
﴿وللمؤمنين والمؤمنات﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أراد من قومه. الثاني: من جميع الخلق إلى قيام الساعة، قاله الضحاك.
﴿ولا تَزِدِ الظالمينَ﴾ يعني الكافرين.
﴿إلا تباراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: هلاكاً. الثاني: خساراً، حكاهما السدي.
106
سورة الجن
بسم الله الرحمن الرحيم
107
﴿ وقال نوحٌ ربِّ لا تَذَرْ على الأرضِ مِنَ الكافرين دَيّارا ﴾ اختلفوا في سبب دعاء نوح على قومه بهذا على قولين :
أحدهما : أنه لما نزلت عليه قوله تعالى :﴿ لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾ [ هود : ٣٦ ] دعا عليهم بهذا الدعاء، قاله قتادة.
الثاني : أن رجلاً من قومه حمل ولده صغيراً على كتفه، فمر بنوح، فقال لابنه :
احذر هذا فإنه يضلك فقال : يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجّهُ، فحينئذٍ غضب نوح ودعا عليهم.
وفي قوله ﴿ ديّاراً ﴾ وجهان :
أحدهما : أحداً، قاله الضحاك.
الثاني : من يسكن الديار، قاله السدي.
﴿ ربِّ اغْفِرْ لي ولوالدّيّ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد أباه، واسمه لمك، وأمه واسمها منجل، وكانا مؤمنين، قاله الحسن.
الثاني : أنه أراد أباه وجده، قاله سعيد بن جبير.
﴿ ولمن دَخَل بَيْتِيِ مُؤْمِناً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني صديقي الداخل إلى منزلي، قاله ابن عباس.
الثاني : من دخل مسجدي، قاله الضحاك.
الثالث : من دخل في ديني، قاله جويبر.
﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد من قومه.
الثاني : من جميع الخلق إلى قيام الساعة، قاله الضحاك.
﴿ ولا تَزِدِ الظالمينَ ﴾ يعني الكافرين.
﴿ إلا تباراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هلاكاً.
الثاني : خساراً، حكاهما السدي.