مكية
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
(لقد خلّوْك وانصدعوا | فما آبوا ولا رجعوا) |
(ولم يوفوا بنذرِهمُ | فيا تبَّا لما صَعنوا) |
(تواعَدَني قوْمي ليَسْعوْا بمهجتي | بجارية لهم تَبّا لهم تبّاً) |
(إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو الحَطَبْ | هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ.) |
وقال آخر:
(مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ | ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ.) |
(أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني | إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.) |
(مُذَمَّماً عَصَيْنَا | وأَمْرَهُ أَبَيْنا) |
ورسول الله ﷺ في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: ﴿وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً﴾ فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مذمم، وانصرفت.
مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومدينة في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدهما : ما دفع عنه.
الثاني : ما نفعه، قاله الضحاك.
وفي ﴿ مالُه ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه أراد أغنامه ؛ لأنه كان صاحب سائمة، قاله أبو العالية.
الثاني : أنه أراد تليده وطارفه، والتليد : الموروث، والطارف : المكتسب.
وفي قوله ﴿ وما كَسَبَ ﴾ وجهان :
أحدهما : عمله الخبيث، قاله الضحاك.
الثاني : ولده، قاله ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أولادكم من كسبكم١ "
وكان ولده عتبة بن أبي لهب مبالغاً في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، فقال حين نزلت ﴿ والنجم إذا هوى ﴾ : كفرت بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج إلى الشام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك "، فأكله الأسد٢.
وفيما لم يغن عنه ماله وما كسب وجهان :
أحدهما : في عداوته النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني : في دفع النار عنه يوم القيامة.
٢ في الأصل: الذئب، وهو سهو. وقد سبق أن ذكر المؤلف في سورة النجم أنه الأسد وكذا في كتب السيرة..
أحدهما : أنه سين سوف.
الثاني : سين الوعيد، كقوله تعالى ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ﴾ و ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا ﴾.
وفي ﴿ يَصْلى ﴾ وجهان :
أحدهما : صلي النار، أي حطباً ووقوداً، قاله ابن كيسان.
الثاني : يعني تُصليه النار، أي تنضجه، وهو معنى قول ابن عباس، فيكون على الوجه الأول صفة له في النار، وعلى الوجه الثاني صفة للنار.
وفي ﴿ ناراً ذاتَ لَهَبٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : ذات ارتفاع وقوة واشتعال، فوصف ناره ذات اللهب بقوتها ؛ لأن قوة النار تكون مع بقاء لهبها.
الثاني : ما في هذه الصفة من مضارعة كنيته التي كانت من نذره ووعيده.
وهذه الآية تشتمل على أمرين :
أحدهما : وعيد من الله حق عليه بكفره.
الثاني : إخبار منه تعالى بأنه سيموت على كفره، وكان خبره صدقاً، ووعيده حقاً.
وفي ﴿ حمالة الحطب ﴾ أربعة أوجه : أحدها : أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها كانت تعيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر، فكان يحتطب، فعيرت بأنها كانت تحتطب، قاله قتادة.
الثالث : أنها كانت تحتطب الكلام وتمشي بالنميمة، قاله الحسن والسدي، فسمي الماشي بالنميمة حمال الحطب ؛ لأنه يشعل العداوة كما تشعل النار الحطب، قال الشاعر :
إنّ بني الأَدْرَمِ حَمّالو١ الحَطَبْ | هم الوُشاةُ في الرِّضا وفي الغَضَبْ. |
وقال آخر :
مِنَ البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظهر لأمةٍ | ولم تمشِ بَيْن الحيّ بالحَطَب والرطْبِ. |
٢ الحرب: أخذ المال بالقوة..
وفي ﴿ حبل من مسد ﴾ سبعة أقاويل :
أحدها : أنه سلسلة من حديد، قاله عروة بن الزبير، وهي التي قال الله تعالى فيها :﴿ ذرعها سبعون ذراعاً ﴾ قال الحسن : سميت السلسلة مسداً ؛ لأنها ممسودة، أي مفتولة.
الثاني : أنه حبل من ليف النخل، قاله الشعبي، ومن قول الشاعر :
أعوذ بالله مِن لَيْل يُقرّبني *** إلى مُضاجعةٍ كالدَّلْكِ بالمسَدِ.
الثالث : أنها قلادة من ودع، على وجه التعيير لها، قاله قتادة.
الرابع : أنه حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها، قاله الحسن، ذكرت به على وجه التعيير أيضاً.
الخامس : أنها قلادة من جوهر فاخر، قالت : لأنفقنها في عداوة محمد، ويكون ذلك عذاباً في جيدها يوم القيامة.
السادس : أنه إشارة إلى الخذلان، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء، كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.
السابع : أنه لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى بها.
روى الوليد بن كثير عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر، أنه لما نزلت " تبت يدا " في أبي لهب وامرأته أم جميل، أقبلت ولها ولولة، وفي يدها فهر١، وهي تقول :
مُذَمَّماً عَصَيْنَا *** وأَمْرَهُ أَبَيْنا
ودِينَه قَلَيْنا.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله، قد أقبلت وإني أخاف أن تراك، فقال : إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ﴾ فأقبلت على أبي بكر، ولم تر رسول الله، فقالت : يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال : لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت فعثرت في مرطها، فقالت : تعس مذمم، وانصرفت٢.
٢ ورد هذا الخبر في سيرة ابن هشام ٣٧١/١ لكن فيه بعض اختلاف وتريد بقولها مذمم محمدا صلى الله عليه ولم فقد كانوا يعكسون بغضا له عليه السلام..