ﰡ
مكية، وآيها: خمس آيات، وحروفها: أحد وثمانون حرفًا، وكلمها: ثلاث وعشرون كلمة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)﴾.[١] ﴿تَبَّتْ﴾ أي: خسرت ﴿يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ أي: هو، أخبر عن يديه والمراد بهما: نفسُه؛ على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وأسند ذلك إلى اليدين؛ من حيثُ اليدُ موضع الكسب والربح، وأبو لهب هو عبدُ العزى بنُ عبد المطلب، وهو عم النّبيّ - ﷺ -، وكني لشهرته بكنيته دون اسمه (١). قرأ ابن كثير: (لَهْبٍ) بإسكان الهاء، والباقون: بفتحها (٢)، وهما لغتان، ولا خلاف في الحرف الثّاني أنّه بالفتح.
(وَتَبَّ) فالأول دعاء، والثّاني خبرة كقولهم: أهلكه الله تعالى، وقد هلك.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٧٠٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٥)، و"تفسير البغوى" (٤/ ٧١٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٦٥).
* * *
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)﴾.
[٢] ﴿مَا أَغْنَى﴾ (ما) نافية؛ أي: ما يغني ﴿عَنْهُ مَالُهُ﴾ أي: ما يدفع عنه عذابَ الله ما جمعَ من المال، وكان صاحب مواشي ﴿وَمَا﴾ أي: والذي ﴿كَسَبَ﴾ من عَرَض الدنيا من عقار ونحوه، وقيل: المراد بما كسب: بنوه، فكأنّه قال: ما أغنى عنه مالُه وولده.
وقال - ﷺ -: "خيرُ ما كَسَبَ الرَّجلُ من عملِ يدِه، وإن ولدَ الرجلِ من كَسْبِه" (٣).
* * *
﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)﴾.
[٣] ثمّ أوعده بالنار فقال: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ صاحبةَ تلهُّب وتوقُّد.
(٢) انظر: "تفسير البيضاوي" (٥/ ٥٤٤).
(٣) كذا ساقه ابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٥٣٤)، وعنه نقله المصنِّف رحمه الله. وقد رواه أبو داود (٣٥٢٨)، كتاب: الإجارة، باب: في الرَّجل يأكل من مال ولده، والنسائي (٤٤٤٩)، كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب، وابن ماجه (٢١٣٧)، كتاب: التجارات، باب: الحث على المكاسب، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: "إنَّ أطيب ما أكل الرَّجل من كسبه، وولده من كسبه".
[٤] وتعطف على ضمير ﴿سَيَصْلَى﴾ ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ أمُّ جميل بنتُ حرب أختُ أبي سفيان ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ أي: الخطايا.
وقال ابن عبّاس: كانت تجيء بالشوك، وتطرحه في طريق النّبيّ - ﷺ - وطريق أصحابه؛ لتعقرَهم بذلك، فسميت: حمالة الحطب. قرأ عاصم: (حَمَّالَةَ) بالنصب على الذم؛ كقوله: ﴿مَّلْعُوْنِيْنَ﴾، وقرأ الباقون: بالرفع (١)، وله وجهان: أحدهما: سيصلى هو وامرأتهُ حمالةُ الحطب، والثّاني: وامرأته حمالةُ الحطب في النّار أيضًا.
* * *
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)﴾.
[٥] ﴿فِي جِيدِهَا﴾ عنقها ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعًا، وأصله من المَسْد، وهو الفتل الشديد، فبينا هي ذات يوم حاملة حزمة، فأعيت (٢)، فقعدت على حجر تستريح، فأتاها ملَكٌ فجذبها من حلقها (٣)، فأهلكها الله (٤)، والله أعلم.
* * *
(٢) "فأعيت" زيادة من "ت".
(٣) في "ت": "خلفها".
(٤) لفظ الجلالة "الله" لم يرد في "ت"، وانظر "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٣٢٧).