ﰡ
مكية وهي خمس آيات وعشرون كلمة وسبعة وسبعون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة المسد (١١١): الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
قوله عز وجل: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (ق) «عن ابن عباس قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم على الصفا، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وفي رواية «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش». الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وجميعه، وقيل إنه رمى النبي صلّى الله عليه وسلّم بحجر، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه.
فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهرا بالكنية دون الاسم، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته، وكان جديرا بأن يذكر بها. وَتَبَّ قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب، يعني ماله وملكه، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب: إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ، أي شيء يغني عنه ماله، أي ما يدفع عنه عذاب الله، وما كسب يعني من المال، وكان صاحب مواش، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال، أي الربح بعد رأس ماله، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولده الإنسان من كسبه، كما جاء في الحديث «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» أخرجه التّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى:
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أي نارا تلتهب عليه وَامْرَأَتُهُ يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن
(وهي مكية وقيل مدنية وهي أربع آيات، وخمس عشرة كلمة وسبعة وأربعون حرفا) (فصل في فضلها) (خ) عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن»، وفي رواية قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم فقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله فقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ثلث القرآن» (م) عن أبي الدّرداء أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءا من القرآن» (م) عن أبي هريرة قال:
«خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ، حتى ختمها»، وقد ذكر العلماء رضي الله عنهم في كونه صلّى الله عليه وسلّم جعل سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن أقوال متناسبة متقاربة، فقيل إن القرآن العزيز لا يعدو ثلاثة أقسام، وهي الإرشاد إلى معرفة ذات الله تعالى وتقديسه أو صفاته وأسمائه أو معرفة أفعاله، وسنته مع عباده، ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثة، وهو التّقديس وازنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلث القرآن لأن منتهى التقديس في أن يكون واحدا في ثلاثة أمور لا يكون حاصلا منه من هو من نوعه وشبهه ودل عليه. قوله لَمْ يَلِدْ، ولا يكون حاصلا ممن هو نظيره، وشبيهه، ودل عليه قوله وَلَمْ يُولَدْ، ولا يكون أحد في درجته وإن لم يكن أصلا له، ولا فرعا منه، ودل عليه قوله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، ويجمع ذلك كله قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وجملته وتفصيله، هو قولك لا إله إلا الله فهذا سر من أسرار القرآن المجيد الذي لا تتناهى أسراره، ولا تنقضي عجائبه وقال الإمام فخر الدين الرّازي: لعل الغرض منه أن يكون المقصود الأشرف في جميع الشرائع، والعبادات معرفة ذات الله جلّ جلاله وتعالى علاؤه وثناؤه، ومعرفة أفعاله، وهذه السورة مشتملة على معرفة ذات الله تعالى، فلهذا كانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن، وقال الشّيخ محيي الدين النّووي رحمه الله، قيل معناه إن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص، وأحكام وصفات الله تعالى، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات، فهي ثلث القرآن، وجزء من ثلاثة أجزاء، وقيل معناه أن ثواب قراءتها يتضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف. قوله يتقالها يقال استقللت الشيء، وتقللته وتقاللته أي عددته قليلا في بابه، ونظرت إليه بعين القلة قيل سميت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ سورة الإخلاص. إما لأنها خالصة لله تعالى في صفته أو لأن قارئها قد أخلص لله التوحيد، ومن فوائد هذه السّورة أن الاشتغال بقراءتها يفيد الاشتغال بالله، وملازمة الأعراض عما سوى الله تعالى وهي متضمنة تنزيه الله تعالى، وبراءته، عن كل ما لا يليق به لأنها مع قصرها جامعة لصفات الأحدية والصّمدانية، والفردانية، وعدم النّظير عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد، محيت عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين»، وفي رواية عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه فقرأ قل هو الله أحد مائة مرة فإذا كان يوم القيامة يقول