وهي مكية وآياتها مائة وإحدى عشر آية، وكلماتها ألف وخمسمائة وسبع وسبعون كلمة وحروفها ستة آلاف وثلاثمائة وستون حرفا.
ﰡ
سورة الكهف
وهي مكية وآياتها مائة وإحدى عشرة آية، وكلماتها ألف وخمسمائة وسبع وسبعون كلمة وحروفها ستة آلاف وثلاثمائة وستون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الكهف (١٨): آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١)
قوله عز وجل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه بإنعامه على خلقه وعلم عباده كيف يثنون عليه، ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي الإسلام وما أنزل على عبده محمد صلّى الله عليه وسلّم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم وخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالذكر لأن إنزال القرآن كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً أي لم يجعل له شيئا من العوج قط والعوج في المعاني، كالعوج في الأعيان والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وقيل معناه لم يجعله مخلوقا روي عن ابن عباس في قوله تعالى:
«قرآنا عربيا غير ذي عوج» قال غير مخلوق.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٢ الى ١٠]
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠)
قَيِّماً أي مستقيما وقال ابن عباس: عدلا، وقيل قيما على الكتب كلّها مصدقا لها وناسخا لشرائعها لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً معناه لينذر الذين كفروا بأسا شديدا وهو قوله سبحانه وتعالى بعذاب بئيس مِنْ لَدُنْهُ أي من عنده وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً يعني الجنة ماكِثِينَ فِيهِ أي مقيمين فيه أَبَداً وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ أي بالولد وباتخاذه يعني أن قولهم لم يصدر عن علم بل عن جهل مفرط. فإن قلت اتخاذ الله ولدا في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم. قلت انتفاء العلم يكون للجهل بالطريق الموصل إليه وقد يكون في نفسه محالا لا يستقيم تعلق العلم به وَلا لِآبائِهِمْ أي ولا لأسلافهم من قبل كَبُرَتْ أي عظمت كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي هذا الذي يقولونه لا تحكم به عقولهم
152
وفكرهم البتة لكونه في غاية الفساد والبطلان فكأنه يجري على لسانهم على سبيل التقليد إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً أي ما يقولون إلا كذبا قيل حقيقة الكذب أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر قولهم عنه وزاد بعضهم مع علم قائله أنه غير مطابق وهذا القيل باطل لأن الله سبحانه وتعالى وصف قولهم بإثبات الولد بكونه كذبا مع أن الكثير منهم يقولون ذلك ولا يعلمون كونه باطلا فعلمنا أن كل خبر لا تطابق الخبر عنه فهو كذب والكذب خلاف الصدق، وقيل: هو الانصراف عن الحق إلى الباطل ورجل كذاب وكذوب إذا كان كثير الكذب. قوله عز وجل فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أي قاتل نفسك عَلى آثارِهِمْ أي من بعدهم إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن أَسَفاً أي حزنا وقيل غيظا إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها أي مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها، وقيل يعني النبات والشجر والأنهار، وقيل أراد به الرجال خاصة فهم زينة الأرض، وقيل أراد به العلماء والصلحاء وقيل جميع ما في الأرض هو زينة لها. فإن قلت أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين. قلت زينتها كونها تدل على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته، وقيل إن جميع ما في الأرض ثلاثة معدن ونبات وحيوان وأشرف أنواع الحيوان الإنسان، قيل الأولى أن لا يدخل في هذه الزينة المكلف، بدليل قوله تعالى: لِنَبْلُوَهُمْ فمن يبلو يجب أن لا يدخل في ذلك ومعنى لنبلوهم نختبرهم أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أصلح عملا وقيل أيهم أترك للدنيا وأزهد فيها. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها أي من الزينة، صَعِيداً جُرُزاً يعني مثل أرض لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والصعيد وجه الأرض وقيل هو التراب والجرز الأملس اليابس الذي لا ينبت فيه شيء، قوله سبحانه وتعالى أَمْ حَسِبْتَ أي أظننت يا محمد أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً أي هم عجب من آياتنا وقيل معناه أنهم ليسوا بأعجب آياتنا، فإن خلقنا من السموات والأرض وما فيهم من العجائب أعجب منهم والكهف الغار الواسع في الجبل، والرقيم هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم ثم وضع على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة، وعن ابن عباس أن الرقيم اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف وقال كعب الأحبار: هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه أصحاب الكهف ثم ذكر الله عز وجل قصة أصحاب الكهف فقال عز وجل من قائل إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ أي صاروا إليه، وجعلوه مأواهم، والفتية جمع فتى وهو الطري من الشباب فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهب لنا الهداية والنصر والأمن من الأعداء وَهَيِّئْ لَنا أي أصلح لنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً أي حتى نكون بسببه راشدين مهديين وقيل معناه واجعل أمرنا رشدا كله.
ذكر قصة الكهف وسبب خروجهم إليه:
قال محمد بن إسحاق ومحمد بن يسار مرج أمر أهل الإنجيل، وعظمت فيهم الخطايا وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكون بعبادة الله وتوحيده وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه وكان ينزل قرى الروم فلا يترك في قرية نزلها أحد إلا فتنه عن دينه حتى يعبد الأصنام أو يقتله. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها أفسوس استخفى منه أهل الإيمان وهربوا في كل وجه فاتخذ شرطا من الكفار وأمرهم أن يتبعوهم بين القتل وبين عبادة الأصنام، فمنهم من يرغب في الحياة ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل، فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ويجعل ما قطع من أجسادهم على أسوار المدينة وأبوابها فلما عظمت الفتنة وكثرت ورأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء، وكانوا من أشراف الروم وهم ثمانية نفر وبكوا وتضرعوا إلى الله عز وجل وجعلوا يقولون:
«ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا» اكشف عن عبادك
153
المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنهم البلاء حتى يعلنوا عبادتك فبينما هم على ذلك وقد دخلوا مصلاهم أدركهم الشرط فوجدوهم سجودا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل فقال لهم الشرط ما خلفكم عن أمر الملك، ثم انطلقوا إلى الملك فأخبروه خبر الفتية فبعث إليهم فأتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة، وجوههم بالتراب فقال لهم ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلوا أنفسكم أسوة أهل مدينتكم اختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم، فقال مكسلينا وهو أكبرهم: إن لنا إلها ملء السموات والأرض عظمته لن ندعوا من دونه إلها أبدا له الحمد والتكبير من أنفسنا خالصا أبدا، إياه نعبد وإياه نسأل النجاة والخير فأما الطواغيت فلن نعبدها أبدا اصنع بنا ما بدا لك. وقال أصحابه مثل ذلك فلما سمع الملك كلامهم أمر بنزع ثيابهم وحلية كانت عليهم من الذهب والفضة وقال سأفرغ لكم وأنجز لكم ما أوعدتكم من العقوبة وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلا أني أراكم شبانا حديثة أسنانكم فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه فترجعون إلى عقولكم. ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده، وانطلق دقيانوس إلى مدينة أخرى قريبة منه لبعض أموره فلما رأى الفتية خروجه بادروا وخافوا إذا قدم أن يذكرهم، فأتمروا بينهم واتفقوا على أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له ينجلوس
«١»، فيمكثوا فيه ويعبدوا الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فيصنع بهم ما يشاء فلما اتفقوا على ذلك عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه فأخذ نفقة فتصدق منها وانطلقوا بما بقي معهم، وأتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فمكثوا فيه.
وقال كعب الأحبار: مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا فقال لهم الكلب: ما تريدون مني لا تخشوا مني أنا أحب أحباب الله عز وجل فناموا حتى أحرسكم. وقال ابن عباس: هربوا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعهم الكلب فخرجوا من البلد إلى الكهف. قال ابن عباس: فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتحميد ابتغاء لوجه الله عز وجل وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم اسمه تمليخا فكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا وكان من أجملهم وأجلدهم وكان إذا دخل المدينة لبس ثيابا رثة كثياب المسلمين ثم يأخذ ورقة فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا، ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع إلى أصحابه فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا. ثم قدم دقيانوس المدينة وأمر عظماء أهلها أن يذبحوا للطواغيت ففزع من ذلك أهل الإيمان وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل فأخبرهم أن الجبار قد دخل المدينة وأنهم قد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الله ويتضرعون إليه ويتعوذون من الفتنة فقال لهم تمليخا: يا إخوتاه ارفعوا رؤوسكم وأطعموا وتوكلوا على ربكم فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع وذلك عند غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويذكر بعضهم بعضا فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله عز وجل على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فأصابه ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم فلما كان من الغد تفقدهم دقيانوس والتمسهم فلم يجدهم فقال لبعض عظماء المدينة لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد ظنوا أن بي غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري ما كنت لأجهل عليهم إن هم تابوا وعبدوا آلهتي فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة، قد كنت أجلت لهم أجلا ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل ولكنهم لم يتوبوا، فلما قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل إلى آبائهم فأتى بهم فقال: أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني، فقالوا: أما نحن لم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة إنهم ذهبوا بأموالنا وأهلكوها في أسواق المدينة، ثم انطلقوا إلى جبل يدعى ينجلوس فلما قالوا له ذلك خلى سبيلهم، وجعل ما يدري ما يصنع
154
بالفتية فألقى الله سبحانه وتعالى في نفسه أن يأمر بسد باب الكهف عليهم وأراد الله عز وجل أن يكرمهم بذلك ويجعلهم آية لأمة تستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
فأمر دقيانوس بالكهف فسد عليهم وقال دعوهم كما هم في كهفهم يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروه قبرا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله عز وجل أرواحهم وفاة نوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال. ثم إن رجلين مؤمنين في بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما، اسم أحدهما بيدروس واسم الآخر روناس اهتما أن يكتبا شأن هؤلاء الفتية، وأسماءهم وأنسابهم وأخبارهم في لوحين من رصاص ويجعلاهما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان، وقالا: لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم خبرهم حين يقرأ الكتاب ففعلا ذلك وبنيا عليه وبقي دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه، وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها وكان معهم كلب صيد لهم، وكان أحدهم وزير الملك فقذف الله سبحانه وتعالى الإيمان في قلوبهم فآمنوا وأخفى كل واحد إيمانه وقال في نفسه أخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لئلا يصيبني عقاب بجرمهم، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده فرجا أن يكون على مثل أمره وجلس إليه من غير أن يظهره على أمره ثم خرج آخر فخرجوا جميعا فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم إيمانه من صاحبه مخافة على نفسه، ثم قالوا ليخرج كل فتيين فيخلوا ويفشي كل واحد سره إلى صاحبه ففعلوا ذلك فإذا هم جميعا على الإيمان وإذا الكهف في جبل عظيم قريب منهم فقال بعضهم لبعض فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته. فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيد فناموا ثلاثمائة سنين وازداد تسعا، وفقدهم قومهم وطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في مملكة فلان ابن فلان الملك ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا ليكون لهؤلاء شأن ومات ذلك الملك، وجاء قرن بعد قرن. قال محمد بن إسحاق: ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدروس فلما ملك بقي ملكه ثماني وستين سنة، فتحزب الناس في ملكه فكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب بها فكبر ذلك على الملك الصالح وتضرع إلى الله وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون لا حياة إلا الحياة الدنيا وإنما تبعث الأرواح دون الأجساد. وجعل بيدروس الملك يرسل إلى من يظن فيهم خيرا وأنهم أئمة في الخلق فلم يقبلوا منه وجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا يخرجون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلق بابه عليه، ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجلس عليه فدأب ليله ونهاره يتضرع إلى الله تعالى ويبكي ويقول رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليه. ثم إن الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة عباده أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليهم ليعلموا أن الساعة آتية فيها، ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين، فألقى الله سبحانه وتعالى في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي فيه ذلك الكهف وكان اسمه أولياس أن يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف ويبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان بها تلك الحظيرة حتى نزعا ما كان على باب الكهف، وفتحا باب الكهف وحجبهم الله تعالى عن الناس بالرعب فلما فتح باب الكهف أذن الله سبحانه وتعالى ذو القدرة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا
155
يستيقظون منها إذا أصبحوا من ليلتهم. ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كما كانوا يفعلون لا يرى في وجوههم
ولا ألوانهم شيء ينكرونه وأنهم كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن دقيانوس في طلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم: أنبئنا بما قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار، وهم يظنون أنهم قد رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون وقد خيل إليهم أنهم كانوا ينامون حتى تساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياما قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكل ذلك في أنفسهم يسير فقال لهم تمليخا: قد التمستم في المدينة وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله، ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها وما الذي يذكر فينا عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرن بك أحدا، وابتع لنا طعاما فأتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا به فقد أصبحنا جياعا، ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم التي ضربت بطابع دقيانوس وكانت كخفاف الربع، فانطلق تمليخا خارجا فلما مر بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مر ولم يبال بها حتى أتى باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق تخوفا أن يراه أحد من أهلها فيعرفه، ولا يشعر أن دقيانوس وأهله هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة. فلما أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة كانت لأهل الإيمان. إذ كان أمر الإيمان ظاهرا فيهما فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها يمينا وشمالا ثم ترك ذلك الباب ومضى إلى باب آخر فرأى مثل ذلك فخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى أشخاصا كثيرة محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول يا ليت شعري ما هذا أما عشية أمس كان المسلمون يخفون هذه العلامة في هذه المدينة ويستخفون بها واليوم ظاهرة لعلي نائم حالم ثم يرى أنه ليس بنائم فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشي في أسواقها فسمع ناسا يحلفون باسم عيسى ابن مريم، فزاده ذلك تعجبا ورأى أنه حيران فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدران المدينة وهو يقول في نفسه والله ما أدري ما هذا أما عشية أمس فليس كان على الأرض من يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل وأما اليوم فأسمع كل إنسان يذكر عيسى ابن مريم لا يخاف، ثم قال في نفسه: لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف والله ما أعلم مدينة بقرب مدينتنا فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له ما اسم هذه المدينة يا فتى فقال اسمها أفسوس، فقال في نفسه لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج قبل أن يصيبني فيها شر فأهلك. فمضى إلى الذين يبتاعون الطعام فأخرج لهم الورق التي كانت معه وأعطاها رجلا منهم وقال له بعني بهذه الورق طعاما، فأخذها الرجل ونظر إلى ضرب الورق ونقشها فعجب منها فناولها رجلا آخر من أصحابه فنظر ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل ويتعجبون منها ويتشاورون بينهم، ويقول بعضهم لبعض: إن هذا أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان طويل فلما رآهم تمليخا يتحدثون فيه فرق فرقا شديدا وخاف وجعل يرعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس، وجعل أناس يأتونه ويتعرفونه فلا يعرفونه فقال لهم وهو شديد الخوف منهم: أفضلوا علي قد أخذتم ورقي فأمسكوها وأما طعامك فلا حاجة لي به، فقالوا له يا فتى من أنت وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه منا انطلق معنا وأرناه وشاركنا فيه نخفف عليك ما وجدت، وإنك إن لم تفعل نحملك إلى السلطان فنسلمك إليه فيقتلك فلما سمع قولهم قال والله قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه، فقالوا له يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت وجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم وخاف حتى لم يجر على لسانه إليهم شيء، فلما رأوه لا يتكلم
أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه وجعلوا يسحبونه في سكك المدينة حتى سمع به من فيها، وقيل قد أخذ رجل معه كنز فاجتمع عليه أهل المدينة وجعلوا
156
ينظرون إليه ويقولون والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فيها قط وما نعرفه، وجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم، وكان متيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة وأنه من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله فيخلصه من أيديهم إذ اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها، اللذين يدبران أمرها وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أريوس واسم الآخر طنطيوس، فلما انطلقوا به إليهما ظن تمليخا أنه إنما ينطلق به إلى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا، وهو يبكي والناس يسخرون منه كما يسخرون من المجنون ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ علي اليوم صبرا وأولج معي روحا منك تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل يقول في نفسه فرقوا بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ويا ليتهم يأتونني فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار فإنا قد كنا تواثقنا على الإيمان بالله وأن لا نشرك به أحدا أبدا ولا نفترق في حياة ولا موت فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس ورأى أنه لم يذهب إلى دقيانوس، أفاق وذهب عنه البكاء وأخذ أريوس وطنطيوس الورقة ونظرا إليها وعجبا منها وقال أين الكنز الذي وجدت يا فتى فقال تمليخا: ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكم فقال له أحدهما: ممن أنت فقال تمليخا أما أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة فقيل له: ومن أبوك ومن يعرفك بها فأخبرهم باسم أبيه، فلم يوجد من يعرفه ولا أباه فقال له أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق فلم يدر تمليخا ما يقول غير أنه نكث بصره إلى الأرض فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون، وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينفلت منكم، فقال له أحدهما ونظر إليه نظرا شديدا أتظن إنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذه المدينة وضربها ولهذه الورقة أكثر من ثلاث مائة سنة وأنت غلام شاب أتظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ شمط وحولك سراة هذه المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه المدينة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار، وإنني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته. فقال لهم تمليخا: أخبروني عما أسألكم عنه فإن أنتم فعلتم صدقتكم عما عندي، فقالوا له سل لا نكتمك شيئا، قال: فما فعل الملك دقيانوس فقال: ما نعرف على وجه الأرض من اسمه دقيانوس ولم يكن إلا ملك هلك في الزمان الأول وله دهر طويل وهلك بعده قرون كثيرة، فقال تمليخا: إني إذا لحيران وما يصدقني أحد من الناس فيما أقول لقد كنا فتية على دين الواحد وأن الملك أكرهنا على عبادة الأصنام والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس، فأتينا إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس فنمنا فيه فلما انتهينا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسس الأخبار فإذا أنا معكم كما ترون فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فلما سمع أريوس قول تمليخا قال يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها الله عز وجل لكم على يد هذا الفتى فانطلقوا بنا معه حتى يرينا أصحابه. فانطلق أريوس وطنطيوس ومعهما جميع أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم فلما رأى الفتية أصحاب الكهف تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي فيه ظنوا أنه أخذ وذهب به إلى ملكهم دقيانوس فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس بعث بهم إليهم ليؤتى بهم فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض وأوصى بعضهم بعضا وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار وهو ينتظرنا حتى نأتيه. فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس على هذه الحالة إذ هم بأريوس وأصحابه وقوفا على
باب الكهف فسبقهم تمليخا ودخل وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه ثم سألوه عن خبره فقص عليهم الخبر كله، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمن الطويل وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث وليعلموا أن الساعة لا ريب فيها. ثم دخل على أثر تمليخا أريوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم فضة فوقف على الباب ودعا جماعة من عظماء أهل المدينة وأمر بفتح التابوت بحضرتهم
157
﴿ قيماً ﴾ أي مستقيماً وقال ابن عباس : عدلاً، وقيل قيماً على الكتب كلّها مصدقاً لها وناسخاً لشرائعها ﴿ لينذر بأساً شديداً ﴾ معناه لينذر الذين كفروا بأساً شديداً وهو قوله سبحانه وتعالى بعذاب بئيس ﴿ من لدنه ﴾ أي من عنده ﴿ ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ﴾ يعني الجنة.
﴿ ماكثين فيه أبداً ﴾ أي مقيمين فيه.
﴿ ما لهم به من علم ﴾ أي بالولد وباتخاذه يعني أن قولهم لم يصدر عن علم بل عن جهل مفرط. فإن قلت اتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم. قلت انتفاء العلم يكون للجهل بالطريق الموصل إليه وقد يكون في نفسه محالاً لا يستقيم تعلق العلم به ﴿ ولا لآبائهم ﴾ أي ولا لأسلافهم من قبل ﴿ كبرت ﴾ أي عظمت ﴿ كلمة تخرج من أفواههم ﴾ أي هذا الذي يقولونه لا تحكم به عقولهم وفكرهم البتة لكونه في غاية الفساد والبطلان فكأنه يجري على لسانهم على سبيل التقليد ﴿ إن يقولون إلا كذباً ﴾ أي ما يقولون إلا كذباً قيل حقيقة الكذب أنه الخبر الذي لا يطابق المخبر قولهم عنه وزاد بعضهم مع علم قائله أنه غير مطابق وهذا القيل باطل لأن الله سبحانه وتعالى وصف قولهم بإثبات الولد بكونه كذباً مع أن الكثير منهم يقولون ذلك ولا يعلمون كونه باطلاً فعلمنا أن كل خبر لا تطابق الخبر عنه فهو كذب والكذب خلاف الصدق، وقيل : هو الانصراف عن الحق إلى الباطل ورجل كذاب وكذوب إذا كان كثير الكذب.
قوله عز وجل ﴿ فلعلك باخع نفسك ﴾ أي قاتل نفسك ﴿ على آثارهم ﴾ أي من بعدهم ﴿ إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ﴾ يعني القرآن ﴿ أسفاً ﴾ أي حزناً وقيل غيظاً.
﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ﴾ أي مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها، وقيل يعني النبات والشجر والأنهار، وقيل أراد به الرجال خاصة فهم زينة الأرض، وقيل أراد به العلماء والصلحاء وقيل جميع ما في الأرض هو زينة لها. فإن قلت أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين. قلت زينتها كونها تدل على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته، وقيل إن جميع ما في الأرض ثلاثة معدن ونبات وحيوان وأشرف أنواع الحيوان الإنسان، قيل الأولى أن لا يدخل في هذه الزينة المكلف، بدليل قوله تعالى :﴿ لنبلوهم ﴾ فمن يبلو يجب أن لا يدخل في ذلك ومعنى لنبلوهم نختبرهم ﴿ أيهم أحسن عملاً ﴾ أي أصلح عملاً وقيل أيهم أترك للدنيا وأزهد فيها.
﴿ وإنا لجاعلون ما عليها ﴾ أي من الزينة، ﴿ صعيداً جرزاً ﴾ يعني مثل أرض لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والصعيد وجه الأرض وقيل هو التراب والجرز الأملس اليابس الذي لا ينبت فيه شيء.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ أم حسبت ﴾ أي أظننت يا محمد ﴿ أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ﴾ أي هم عجب من آياتنا وقيل معناه أنهم ليسوا بأعجب آياتنا، فإن خلقنا من السموات والأرض وما فيهم من العجائب أعجب منهم والكهف الغر الواسع في الجبل، الرقيم هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصتهم ثم وضع على باب الكهف وكان اللوح من رصاص وقيل من حجارة، وعن ابن عباس أن الرقيم اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف وقيل اسم للجبل الذي فيه أصحاب الكهف ثم ذكر الله عز وجل قصة أصحاب الكهف.
فقال عز وجل من قائل ﴿ إذ أوى الفتية إلى الكهف ﴾ أي صاروا إليه، وجعلوه مأواهم، والفتية جمع فتى وهو الطري من الشباب ﴿ فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ﴾ أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهب لنا الهداية والنصر والأمن من الأعداء ﴿ وهيئ لنا ﴾ أي أصلح لنا ﴿ من أمرنا رشداً ﴾ أي حتى نكون بسببه راشدين مهديين وقيل معناه واجعل أمرنا رشداً كله.
ذكر قصة الكهف وسبب خروجهم إليه :
قال محمد بن إسحاق ومحمد بن يسار مرج أمر أهل الإنجيل، وعظمت فيهم الخطايا وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكون بعبادة الله وتوحيده وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت وقتل من خالفه وكان ينزل قرى الروم فلا يترك في قرية نزلها أحد إلا فتنه عن دينه حتى يعبد الأصنام أو يقتله. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها أفسوس استخفى منه أهل الإيمان وهربوا في كل وجه فاتخذ شرطاً من الكفار وأمرهم أن يتبعوهم بين القتل وبين عبادة الأصنام، فمنهم من يرغب في الحياة ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل، فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل فيقتلون ويقطعون ويجعل ما قطع من أجسادهم على أسوار المدينة وأبوابها فلما عظمت الفتنة وكثرت ورأى ذلك الفتية حزنوا حزناً شديداً فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء، وكانوا من أشراف الروم وهم ثمانية نفر وبكوا وتضرعوا إلى الله عز وجل وجعلوا يقولون :﴿ ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً ﴾ اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وارفع عنه البلاء حتى يعلنوا عبادتك ؛ فبينما هم على ذلك وقد دخلوا مصلاهم أدركهم الشرط فوجدوهم سجوداً يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل فقال لهم الشرط ما خلفكم عن أمر الملك، ثم انطلقوا إلى الملك فأخبروه خبر الفتية فبعث إليهم فأتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة، وجوههم بالتراب فقال لهم ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلوا أنفسكم أسوة أهل مدينتكم اختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم، فقال مكسلينا وهو أكبرهم : إن لنا إلهاً ملء السموات والأرض عظمته لن ندعوا من دونه إلهاً أبداً له الحمد والتكبير من أنفسنا خالصاً أبداً، إياه نعبد وإياه نسأل النجاة والخير فأما الطواغيت فلن نعبدها أبداً اصنع بنا ما بدا لك. وقال أصحابه مثل ذلك فلما سمع الملك كلامهم أمر بنزع ثيابهم وحلية كانت عليهم من الذهب والفضة وقال سأفرغ لكم وأنجز لكم ما أوعدتكم من العقوبة وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلا أني أراكم شباناً حديثة أسنانكم فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلاً تذكرون فيه فترجعون إلى عقولكم. ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده، وانطلق دقيانوس إلى مدينة أخرى قريبة منه لبعض أموره فلما رأى الفتية خروجه بادروا وخافوا إذا قدم أن يذكرهم، فأتمروا بينهم واتفقوا على أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له ينجلوس، فيمكثوا فيه ويعبدوا الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فيصنع بهم ما يشاء فلما اتفقوا على ذلك عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه فأخذ نفقة فتصدق منها وانطلقوا بما بقي معهم، وأتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف فمكثوا فيه. وقال كعب الأحبار : مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مراراً فقال لهم الكلب : ما تريدون مني لا تخشوا مني أنا أحب أحباب الله عز وجل فناموا حتى أحرسكم. وقال ابن عباس : هربوا من دقيانوس وكانوا سبعة فمروا براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعهم الكلب فخرجوا من البلد إلى الكهف. قال ابن عباس : فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتحميد ابتغاء لوجه الله عز وجل وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم اسمه تمليخا فكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سراً وكان من أجملهم وأجلدهم وكان إذا دخل المدينة لبس ثياباً رثة كثياب المسلمين ثم يأخذ ورقة فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاماً وشراباً، ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ثم يرجع إلى أصحابه فلبثوا بذلك ما شاء الله أن يلبثوا. ثم قدم دقيانوس المدينة وأمر عظماء أهلها أن يذبحوا للطواغيت ففزع من ذلك أهل الإيمان وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل فأخبرهم أن الجبار قد دخل المدينة وأنهم قد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجداً يدعون الله ويتضرعون إليه ويتعوذون من الفتنة فقال لهم تمليخا : يا أخوتاه ارفعوا رؤوسكم واطعموا وتوكلوا على ربكم فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع وذلك عند غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويذكر بعضهم بعضاً فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله عز وجل على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فأصابه ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم فلما كان من الغد تفقدهم دقيانوس والتمسهم فلم يجدهم فقال لبعض عظماء المدينة لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا لقد ظنوا أن بي غضباً عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري ما كنت لأجهل عليهم إن هم تابوا وعبدوا آلهتي فقال عظماء المدينة ما أنت بحقيق أن ترحم قوماً فجرة مردة عصاة، قد كنت أجلت لهم أجلاً ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل ولكنهم لم يتوبوا، فلما قالوا ذلك غضب غضباً شديداً ثم أرسل إلى آبائهم فأتى بهم فقال : أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني، فقالوا : أما نحن لم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة إنهم ذهبوا بأموالنا وأهلكوها في أسواق المدينة، ثم انطلقوا إلى جبل يدعى ينجلوس فلما قالوا له ذلك خلى سبيلهم، وجعل ما يدري ما يصنع بالفتية فألقى الله سبحانه وتعالى في نفسه أن يأمر بسد باب الكهف عليهم وأراد الله عز وجل أن يكرمهم بذلك ويجعلهم آية لأمة تستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. فأمر دقيانوس بالكهف فسد عليهم وقال دعوهم كما هم في كهفهم يموتون جوعاً وعطشاً ويكون كهفهم الذي اختاروه قبراً لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم وقد توفى الله عز وجل أرواحهم وفاة نوم وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال. ثم إن رجلين مؤمنين من بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهما، اسم أحدهما بيدروس واسم الآخر روناس اهتما أن يكتبا شأن هؤلاء الفتية، وأسمائهم وأنسابهم وأخبارهم في لوحين من رصاص ويجعلاهما في تابوت من نحاس ويجعلا التابوت في البنيان، وقالا : لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوماً مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم خبرهم حين يقرأ الكتاب ففعلا ذلك وبنيا عليه وبقي دقيانوس ما بقي ثم مات هو وقومه، وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك وقال عبيد بن عمير : كان أصحاب الكهف فتياناً مطوقين مسورين ذوي ذوائب فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها وكان معهم كلب صيد لهم، وكان أحدهم وزير الملك فقذف الله سبحانه وتعالى الإيمان في قلوبهم فآمنوا وأخفى كل واحد إيمانه وقال في نفسه أخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لئلا يصيبني عقاب بجرمهم، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالساً وحده فرجا أن يكون على مثل أمره وجلس إليه من غير أن يظهره على أمره ثم خرج آخر فخرجوا جميعاً فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض ما جمعكم وكل واحد يكتم إيمانه من صاحبه مخافة على نفسه، ثم قالوا ليخرج كل فتيين فيخلوا ويفشي كل واحد سره إلى صاحبه ففعلوا ذلك فإذا هم جميعاً على الإيمان وإذا الكهف في جبل عظيم قريب منهم فقال بعضهم لبعض فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيد فناموا ثلاثمائة سنين وازداد تسعاً، وفقدهم قومهم وطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم فكتبوا أسمائهم وأنسابهم في لوح فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان ابن فلان الملك ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا ليكون لهؤلاء شأن وما ذلك الملك، وجاء قرن بعد قرن. قال محمد بن إسحاق : ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدروس فلما ملك بقي ملكه ثماني وستين سنة، فتحزب الناس في ملكه فكانوا أحزاباً منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب بها فكبر ذلك على الملك الصالح وتضرع إلى الله وحزن حزناً شديداً لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون لا حياة إلا الحياة الدنيا وإنما تبعث الأرواح دون الأجساد. وجعل بيدروس الملك يرسل إلى من يظن فيهم خيراً وأنهم أئمة في الخلق فلم يقبلوا منه وجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا يخرجون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلق بابه عليه، ولبس مسحاً وجعل تحته رماداً فجلس عليه فدأب ليله ونهاره يتضرع إلى الله تعالى ويبكي ويقول رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليهم. ثم إن الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة عباده أراد أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليم ليعلموا أن الساعة آتية فيها، ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين، فألقى الله سبحانه وتعالى في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي فيه ذلك الكهف وكان اسمه أولياس أن يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف ويبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان بها تلك الحظيرة حتى نزعا ما كان على باب الكهف، وفتحا باب الكهف وحجبهم الله تعالى عن الناس بالرعب فلما فتح باب الكهف أذن الله سبحانه وتعالى ذو القدرة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون منها إذا أصبحوا من ليلتهم. ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كما كانوا يفعلون لا يرى في وجوههم ولا ألوانهم شيء ينكرونه وأنهم كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن دقيانوس في طلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخاً صاحب نفقتهم : أنبئنا بما قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار، وهم يظنون أنهم قد رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون وقد خيل إليهم أنهم كانوا ينامون حتى تساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض كم لبثتم نياماً قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكل ذلك في أنفسهم يسير فقال لهم تمليخا : قد التمستم في المدينة وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحوا للطواغيت أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسلمينا : يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله، ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها وما الذي يذكر فينا عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرن بك أحداً، وابتع لنا طعاماً فأتنا ب
فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيهما مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وكشطونس وبيرونس وديموس وبطيوس وقالوس والكلب اسمه قطمير. كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر بهم فلما قرءوه عجبوا وحمدوا الله سبحانه وتعالى الذي أراهم آية تدلهم على البعث ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه، ثم دخلوا على الفتية الكهف فوجدوهم جلوسا مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخر أريوس وأصحابه سجدا لله وحمدوا الله سبحانه وتعالى الذي أراهم آية من آياته ثم كلم بعضهم بعضا وأخبرهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس ثم أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح بيدروس أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله جعلها الله على ملكك للناس آية لتكون لهم نورا وضياء وتصديقا للبعث، وذلك أن فتية بعثهم الله وقد كان توفاهم منذ ثلاث مائة سنة وأكثر، فلما أتى الملك الخبر رجع عقله إليه وذهب همه وقال: أحمدك اللهم رب السموات والأرض وأعبدك وأسبح لك تطولت علي ورحمتني ولم تطفئ النور الذي جعلته لآبائي وللعبد الصالح بيدروس الملك ثم أخبر بذلك أهل مدينته فركب وركبوا معه حتى أتوا مدينة أفسوس، فتلقاهم أهلها وساروا معه نحو الكهف فلما صعد الجبل ورأى الفتية بيدروس فرح بهم وخر ساجدا على وجهه وقام بيدروس الملك قدامهم ثم اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه. ثم قال الفتية لبيدروس الملك نستودعك الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته حفظك الله وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الإنس والجن. فبينما الملك قائم إذا هم رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم، فقام الملك إليهم وجعل ثيابهم عليهم وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من ذهب فلما أمسى ونام أتوه في منامه فقالوا له إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكنا خلقنا من تراب وإلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله تعالى منه، فأمر الملك عند ذلك بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب، ولم يقدر أحد أن يدخل عليهم وأمر الملك أن يتخذوا على باب الكهف مسجدا يصلى فيه وجعل لهم عيدا عظيما وأمر أن يؤتى كل سنة. وقيل إن تمليخا حمل إلى الملك الصالح فقال له الملك من أنت قال أنا رجل من أهل هذه المدينة، وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواما لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أن فتية قد فقدوا في الزمان الأول وإن أسماءهم مكتوبة على لوح في خزانته فدعا باللوح ونظر في أسمائهم فإذا اسمه مكتوب وذكر أسماء الآخرين فقال تمليخا: هم أصحابي فلما سمع الملك ركب ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا: دعوني حتى أدخل على أصحابي فأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل تمليخا فبشرهم فقبض الله روحه وأرواحهم وأعمى على الملك وأصحابه أثرهم فلم يهتدوا إليهم فذلك قوله عز وجل إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ أي صاروا إلى الكهف واسمه خيرم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي هداية في الدين وَهَيِّئْ لَنا أي يسر لنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً أي ما نلتمس منه رضاك وما فيه رشدنا، وقال ابن عباس: أي مخرجا من الغار في سلامة. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ١١ الى ١٧]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)
﴿ ثم بعثناهم ﴾ أي من نومهم ﴿ لنعلم ﴾ أي علم مشاهدة وذلك أن الله عز وجل لم يزل عالماً، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيماناً واعتباراً ﴿ أي الحزبين ﴾ أي الطائفتين ﴿ أحصى لما لبثوا أمداً ﴾ أي أحفظ لما مكثوا في كهفهم نياماً وذلك أن أهل المدينة تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف.
قوله تعالى ﴿ نحن نقص عليك نبأهم بالحق ﴾ أي نقرأ عليك خبر أصحاب الكهف بالحق أي بالصدق ﴿ إنهم فتية ﴾ أي شبان ﴿ آمنوا بربهم وزدناهم هدى ﴾ أي إيماناً وبصيرة.
﴿ وربطنا على قلوبهم ﴾ أي شددنا على قلوبهم بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا عليه من خفض العيش وفروا بدينهم إلى الكهف ﴿ إذ قاموا ﴾ يعني بين يدي دقيانوس الجبار حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام ﴿ فقالوا ﴾ أي الفتية ﴿ ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً ﴾ إنما قالوا ذلك لأن قومهم كانوا يعبدون الأصنام ﴿ لقد قلنا إذاً شططاً ﴾ قال ابن عباس : يعني جوراً وقيل كذباً يعني إن دعونا غير الله.
﴿ هؤلاء قومنا ﴾ يعني أهل بلدهم ﴿ اتخذوا من دونه ﴾ أي من دون الله ﴿ آلهة ﴾ يعني أصناماً يعبدونها ﴿ لولا ﴾ أي هلا ﴿ يأتون عليهم ﴾ أي على عبادة الأصنام ﴿ بسلطان بين ﴾ أي بحجة واضحة وفيه تبكيت لأن الإتيان بحجة على عبادة الأصنام محال ﴿ فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ﴾ أي وزعم أنه له شريكاً أو ولداً.
قال بعضهم لبعض ﴿ وإذ اعتزلتموهم ﴾ يعني قومكم ﴿ وما يعبدون إلا الله ﴾ وذلك أنهم كانوا يعبدون الله، ويعبدون معه الأصنام والمعنى وإذا اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته ﴿ فأووا إلى الكهف ﴾ أي الجؤوا إليه ﴿ ينشر لكم ﴾ أي يبسط لكم ﴿ ربكم من رحمته ويهيئ ﴾ أي يسهل ﴿ لكم من أمركم مرفقاً ﴾ أي ما يعود إليه يسركم ورفقكم.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وترى الشمس إذا طلعت تزاور ﴾ أي تميل وتعدل ﴿ عن كهفهم ذات اليمين ﴾ أي جانب اليمين ﴿ وإذا غربت تقرضهم ﴾ أي تتركهم وتعدل عنهم ﴿ ذات الشمال وهم في فجوة منه ﴾ أي متسع من الكهف ﴿ ذلك من آيات الله ﴾ أي من عجائب صنعه ودلالات قدرته وذلك أن ما كان في ذلك السمت تصيبهم الشمس ولا تصيبهم اختصاصاً لهم بالكرامة، وقيل إن باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبداً لا تقع الشمس عليهم عند الطلوع ولا عند الغروب ولا عند الاستواء فتؤذيهم بحرها، ولكن اختار الله لهم مضجعاً في متسع ينالهم فيه برد الريح ونسيمها ويدفع عنهم كرب الغار وغمه، وعلى هذا القول يكون معنى قوله ذلك من آيات الله أي إن شأنهم وحديثهم من آيات الله ﴿ من يهد الله فهو المهتد ﴾ يعني مثل أصحاب الكهف وفيه ثناء عليهم ﴿ ومن يضلل ﴾ أي ومن يضلله الله ولم يرشده ﴿ فلن تجد له ولياً ﴾ أي معيناً ﴿ مرشداً ﴾ أي يرشده.
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ألقينا عليهم النوم، وقيل منعنا نفوذ الأصوات إلى مسامعهم فإن النائم إذا سمع الصوت ينتبه فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً أي أنمناهم سنين كثيرة فإن العدد يدل على الكثرة ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أي من نومهم لِنَعْلَمَ أي علم مشاهدة وذلك أن الله عز وجل لم يزل عالما، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا واعتبارا أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أي الطائفتين أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً أي أحفظ لما مكثوا في كهفهم نياما وذلك أن أهل المدينة تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف. قوله تعالى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ أي نقرأ عليك خبر أصحاب الكهف بالحق أي بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ أي شبان آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً أي إيمانا وبصيرة وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي شددنا على قلوبهم بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم، ومفارقة ما كانوا عليه من خفض العيش وفروا بدينهم إلى الكهف إِذْ قامُوا يعني بين يدي دقيانوس الجبار حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فَقالُوا أي الفتية رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً إنما قالوا ذلك لأن قومهم كانوا يعبدون الأصنام لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً قال ابن عباس: يعني جورا وقيل كذبا يعني إن دعونا غير الله هؤُلاءِ قَوْمُنَا يعني أهل بلدهم اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أي من دون الله آلِهَةً يعني أصناما يعبدونها لَوْلا أي هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ أي على عبادة الأصنام بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي بحجة واضحة وفيه تبكيت لأن الإتيان بحجة على عبادة الأصنام محال فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي وزعم أنه له شريكا أو ولدا ثم قال بعضهم لبعض وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ يعني قومكم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وذلك أنهم كانوا يعبدون الله، ويعبدون معه الأصنام والمعنى وإذا اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ أي الجؤوا إليه يَنْشُرْ لَكُمْ أي يبسط لكم رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ أي يسهل لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً أي ما يعود إليه يسركم ورفقكم. قوله سبحانه وتعالى وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ أي تميل وتعدل عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ أي جانب اليمين وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ أي تتركهم وتعدل عنهم ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي متسع من الكهف ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ أي من عجائب صنعه ودلالات قدرته وذلك أن ما كان في ذلك السمت تصيبهم الشمس ولا تصيبهم اختصاصا لهم بالكرامة، وقيل إن باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبدا لا تقع الشمس عليهم عند الطلوع ولا عند الغروب ولا عند الاستواء فتؤذيهم بحرها، ولكن اختار الله لهم مضجعا في متسع ينالهم فيه برد الريح ونسيمها ويدفع عنهم كرب الغار وغمه، وعلى هذا القول يكون معنى قوله ذلك من آيات الله أي إن شأنهم وحديثهم من آيات الله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ يعني مثل أصحاب الكهف وفيه ثناء عليهم وَمَنْ يُضْلِلْ أي ومن يضلله الله ولم يرشده فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا أي معينا مُرْشِداً أي يرشده. قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وكذلك بعثناهم ﴾ يعني كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان بعثناهم من النومة التي تشبه الموت ﴿ ليتساءلوا بينهم ﴾ أي ليسأل بعضهم بعضاً ﴿ قال قائل منهم ﴾ وهو رئيسهم وكبيرهم مكسلمينا ﴿ كم لبثتم ﴾ أي في نومكم وذلك، أنهم استنكروا طول نومهم وقيل إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك ﴿ قالوا لبثنا يوماً ﴾ ثم نظروا فوجدوا الشمس قد بقي منها بقية فقالوا ﴿ أو بعض يوم ﴾ فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظافرهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم ﴿ قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ﴾ وقيل إن مكسلمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم ﴿ فابعثوا أحدكم ﴾ يعني تمليخا ﴿ بورقكم ﴾ هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ﴿ هذه إلى المدينة ﴾ قيل هي ترسوس وكان اسمها في الزمن الأول قبل الإسلام أفسوس ﴿ فلينظر أيها أزكى طعاماً ﴾ أي أحلى طعاماً وقيل أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن، ولا تكون من ذبح من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم، وقيل أطيب طعاماً وأجود وقيل أكثر طعاماً وأرخصه ﴿ فليأتكم برزق منه ﴾ أي قوت وطعام تأكلونه ﴿ وليتلطف ﴾ أي وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان ﴿ ولا يشعرن ﴾ أي ولا يعلمن ﴿ بكم أحداً ﴾ أي من الناس.
﴿ إنهم إن يظهروا عليكم ﴾ أي يعلموا بمكانكم ﴿ يرجموكم ﴾ قيل معناه يشتموكم ويؤذوكم بالقول وقيل يقتلوكم، وكان من عادتهم القتل بالحجارة وهو أخبت القتل وقيل يعذبوكم ﴿ أو يعيدوكم في ملتهم ﴾ أي الكفر ﴿ ولن تفلحوا إذاً أبداً ﴾ أي إن عدتم إليه.
وَتَحْسَبُهُمْ خطاب لكل أحد أَيْقاظاً أي منتبهين لأن أعينهم مفتحة وَهُمْ رُقُودٌ أي نيام وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ قال ابن عباس: كانوا يقلبون في السنة مرة من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم، قيل كانوا يقلبون في يوم عاشوراء وقيل كانوا لهم في السنة تقلبتان وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ قال ابن عباس: كان كلبا أغر وعنه أنه كان فوق القلطي ودون الكرزي. والقلطي كلب صيني وقيل كان أصفر وقيل كان شديد الصفرة يضرب إلى حمرة، وقال ابن عباس: كان اسمه قطمير وقيل ريان وقيل صهبان قيل ليس في الجنة دواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعام بِالْوَصِيدِ أي فناء الكهف، وقيل عتبة الباب وكان الكلب قد بسط ذراعيه وجعل وجهه عليهم، قيل كان ينقلب مع أصحابه فإذا انقلبوا ذات اليمين كسر الكلب أذنه اليمنى ورقد عليها، وإذا انقلبوا ذات الشمال كسر أذنه اليسرى ورقد عليها لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ يا محمد لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله من رقدتهم وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً أي خوفا من وحشة المكان. وقيل لأن أعينهم مفتحة كالمتيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام وقيل لكثرة شعورهم، وطول أظفارهم ولتقلبهم من غير حس ولا إشعار وقيل إن الله سبحانه وتعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد. قال ابن عباس: غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية: لو كشف الله عن هؤلاء لنظرنا إليهم، فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك فقيل له لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا. فبعث معاوية ناسا فقال اذهبوا فانظروا، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأحرقهم. قوله سبحانه وتعالى وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ يعني كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان بعثناهم من النومة التي تشبه الموت لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ أي ليسأل بعضهم بعضا قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ وهو رئيسهم وكبيرهم مكسلمينا كَمْ لَبِثْتُمْ أي في نومكم وذلك، أنهم استنكروا طول نومهم وقيل إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك قالُوا لَبِثْنا يَوْماً ثم نظروا فوجدوا الشمس قد بقي منها بقية فقالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وقيل إن مكسلمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ يعني تمليخا بِوَرِقِكُمْ هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قيل هي ترسوس وكان اسمها في الزمن الأول قبل الإسلام أفسوس فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً أي أحل طعاما وقيل أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن، ولا تكون من ذبح من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم، وقيل أطيب طعاما وأجود وقيل أكثر طعاما وأرخصه فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ أي قوت وطعام تأكلونه وَلْيَتَلَطَّفْ أي وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان وَلا يُشْعِرَنَّ أي ولا يعلمن بِكُمْ أَحَداً أي من الناس إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ أي يعلموا بمكانكم يَرْجُمُوكُمْ قيل معناه يشتموكم ويؤذوكم بالقول وقيل يقتلوكم، وكان من عادتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل وقيل يعذبوكم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ أي الكفر وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً أي إن عدتم إليه. قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٢١ الى ٢٥]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
160
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي أطلعنا الناس عليهم لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني قوم بيدروس الذين أنكروا البعث وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها أي لا شك فيها أنها آتية إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ. قال ابن عباس:
في البنيان فقال المسلمون نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا وقال المشركون نبني بنيانا لأنهم على ملتنا وقيل كان تنازعهم في البعث فقال المسلمون تبعث الأجساد والأرواح وقال قوم تبعث الأرواح فأراهم الله آية وأن البعث للأرواح والأجساد وقيل تنازعوا في مدة لبثهم وقيل في عددهم فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ يعني بيدروس وأصحابه لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً قوله تعالى سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى نجران كانوا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فجرى ذكر أصحاب الكهف عندهم فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ أي وقال العاقب وكان نسطوريا خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ وقال المسلمون سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فحقق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك بأخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على لسان جبريل صلّى الله عليه وسلّم بعد ما حكى قول النصارى أولا، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى رجما بالغيب أي ظنا وحدسا من غير يقين ولم يقل ذلك في السبعة وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أن الحال في الباقي بخلافه، فوجب أن يكون المخصوص بالظن هو قول النصارى وأن يكون قول المسلمين مخالفا لقول النصارى في كونه رجما بالغيب وظنا، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ هذا هو الحق لأن العلم بتفاصيل العوالم والكائنات فيه في الماضي والمستقبل لا يكون إلا لله تعالى أو من أخبره الله سبحانه وتعالى بذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا من أولئك القليل كانوا سبعة وهم مكسلمينا
«١» وتمليخا ومرطونس وبينونس وسارينوس ودنوانس وكشفيططنونس وهو الراعي واسم كلبهم قطمير فَلا تُمارِ فِيهِمْ.
أي لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم إِلَّا مِراءً ظاهِراً أي إلا بظاهر ما قصصنا عليك فقف عنده ولا تزد عليه وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ أي في أصحاب الكهف مِنْهُمْ أي من أهل الكتاب أَحَداً أي لا ترجع إلى قول أحد منهم بعد أن أخبرناك قصتهم. قوله سبحانه وتعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعني إذا عزمت على فعل شيء غدا فقل إن شاء الله ولا تقله بغير استثناء، وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي أياما ثم نزلت هذه الآية وقد تقدمت القصة في سورة بني إسرائيل وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال ابن عباس: معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وجوز ابن عباس الاستثناء المنقطع، وإن كان بعد سنة وجوزه الحسن ما دام في المجلس وجوزه بعضهم إذا قرب الزمان، فإن بعد لم يصح ولم يجوزه جماعة حتى يكون الكلام متصلا بالاستثناء وقيل في معنى الآية واذكر ربك إذا غضبت قال وهب مكتوب في التوراة والإنجيل ابن آدم
«اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب»، وقيل الآية في الصلاة يدل عليه ما روي عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«من نسي صلاة فليصلها إذ ذكرها» قال تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي متفق عليه زاد مسلم أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً أي يثبتني على طريق هو أقرب إليه وأرشد، وقيل إن الله سبحانه وتعالى أمره أن يذكره إذا نسي شيئا ويسأله أن يذكره أو يهديه لما هو خير له من أن يذكر ما نسي وقيل إن القوم لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله سبحانه
161
قوله تعالى ﴿ سيقولون ثلاثة رابعهم ﴾ روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف عندهم فقال السيد وكان يعقوبياً كانوا ثلاثة رابعهم ﴿ كلبهم ويقولون ﴾ أي وقال العاقب وكان نسطورياً ﴿ خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون ﴾ وقال المسلمون ﴿ سبعة وثامنهم كلبهم ﴾ فحقق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل صلى الله عليه وسلم بعدما حكى قول النصارى أولاً، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى رجماً بالغيب أي ظناً وحدساً من غير يقين ولم يقل ذلك في السبعة وتخصيص الشيء بالوصف يدل على أن الحال في الباقي بخلافه، فوجب أن يكون المخصوص بالظن هو قول النصارى وأن يكون قول المسلمين مخالفاً لقول النصارى في كونه رجماً بالغيب وظناً، ثم أتبعه بقوله سبحانه وتعالى ﴿ قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ﴾ هذا هو الحق لأن العلم بتفاصيل العوالم والكائنات فيه في الماضي والمستقبل لا يكون إلا لله تعالى أو من أخبره الله سبحانه وتعالى بذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنا من أولئك القليل كانوا سبعة وهم مكسلمينا وتمليخا ومرطونس وبينونس وسارينوس ودنوانس وكشفيططنونس وهو الراعي واسم كلبهم قطمير ﴿ فلا تمار فيهم ﴾.
أي لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم ﴿ إلا مراء ظاهراً ﴾ أي إلا بظاهر ما قصصنا عليك فقف عنده ولا تزد عليه ﴿ ولا تستفت فيهم ﴾ أي في أصحاب الكهف ﴿ منهم ﴾ أي من أهل الكتاب ﴿ أحداً ﴾ أي لا ترجع إلى قول أحد منهم بعد أن أخبرناك قصتهم.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ﴾ يعني إذا عزمت على فعل شيء غداً فقل إن شاء الله ولا تقله بغير استثناء، وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه سلم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال أخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي أياماً ثم نزلت هذه الآية وقد تقدمت القصة في سورة بني إسرائيل.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ﴾ يعني إذا عزمت على فعل شيء غداً فقل إن شاء الله ولا تقله بغير استثناء، وذلك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه سلم عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فقال أخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي أياماً ثم نزلت هذه الآية وقد تقدمت القصة في سورة بني إسرائيل.
﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ قال ابن عباس : معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فاستثن وجوز ابن عباس الاستثناء المنقطع، وإن كان بعد سنة وجوزه الحسن ما دام في المجلس وجوزه بعضهم إذا قرب الزمان، فإن بعد لم يصح ولم يجوزه جماعة حتى يكون الكلام متصلاً بالاستثناء وقيل في معنى الآية واذكر ربك إذا غضبت قال وهب مكتوب في التوراة والإنجيل ابن آدم « اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب »، وقيل الآية في الصلاة يدل عليه ما روي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من نسي صلاة فليصلها إذ ذكرها قال تعالى ﴿ أقم الصلاة لذكري ﴾ » متفق عليه زاد مسلم أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ﴿ وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً ﴾ أي يثبتني على طريق هو أقرب إليه وأرشد، وقيل إن الله سبحانه وتعالى أمره أن يذكره إذا نسي شيئاً ويسأله أن يذكره أو يهديه لما هو خير له من أن يذكر ما نسي وقيل إن القوم لما سألوه عن قصة أصحاب الكهف على وجه العناد أمره الله سبحانه وتعالى أن يخبرهم أن الله سبحانه وتعالى سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو أدل لهم من قصة أصحاب الكهف وقد فعل حيث أتاه من علم غيب المرسلين وقصصهم مما هو أوضح وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقيل هذا شيء أمره الله أن يقوله إن شاء الله إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان وإذا نسي الإنسان قوله إن شاء الله فتوبته من ذلك أن يقول مع قوله إن شاء الله عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً.
قوله عز وجل ﴿ ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً ﴾ قيل هذا خبر عن قول أهل الكتاب ولو كان خبراً من الله عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل الله أعلم بما لبثوا وجه ولكن الله رد قولهم.
وتعالى أن يخبرهم أن الله سبحانه وتعالى سيؤتيه من الحجج على صحة نبوته ما هو أدل لهم من قصة أصحاب الكهف وقد فعل حيث آتاه من علم غيب المرسلين وقصصهم مما هو أوضح وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقيل هذا شيء أمره الله أن يقوله مع قوله إن شاء الله إذا ذكر الاستثناء بعد النسيان وإذا نسي الإنسان قوله إن شاء الله فتوبته من ذلك أن يقول مع قوله إن شاء الله عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا. قوله عز وجل وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قيل هذا خبر عن قول أهل الكتاب ولو كان خبرا من الله عن قدر لبثهم لم يكن لقوله قل الله أعلم بما لبثوا وجه ولكن الله رد قولهم بقوله:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٢٦ الى ٢٩]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا والأصح أنه إخبار من الله تعالى عن قدر لبثهم في الكهف ويكون معنى قوله قل الله أعلم بما لبثوا، يعني إن نازعوك في مدة لبثهم في الكهف فقل أنت الله أعلم بما لبثوا أي هو أعلم منكم وقد أخبر بمدة لبثهم وقيل إن أهل الكتاب قالوا إن المدة من حين دخلوا الكهف إلى يومنا هذا وهو اجتماعهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثمائة وتسع سنين فرد الله عليهم بذلك وقال قل الله أعلم بما لبثوا يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلمه إلا الله. فإن قلت لم قال سنين ولم يقل سنة، قلت قيل لما نزل قوله سبحانه وتعالى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقالوا أياما أو شهورا أو سنين فنزلت سنين على وفق قولهم وقيل هو تفسير لما أجمل في قوله فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا وازدادوا تسعا وقيل قالت نصارى نجران أما ثلاثمائة فقد عرفنا وأما التسع فلا علم لنا بها. فنزلت قل الله أعلم بما لبثوا. وقيل إن عند أهل الكتاب لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية والله سبحانه وتعالى ذكر ثلاثمائة سنة وتسع سنين قمرية والتفاوت بين القمرية والشمسية في كل مائة سنة ثلاث سنين فتكون الثلاثمائة الشمسية ثلاث مائة وتسع سنين قمرية لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال أهلها فإنه العالم وحده به فكيف يخفى عليه حال أصحاب الكهف أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ معناه ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه بكل مسموع لا يغيب عن سمعه وبصره شيء يدرك البواطن كما يدرك الظواهر والقريب والبعيد والمحجوب وغيره لا تخفى عليه خافية ما لَهُمْ أي ما لأهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ أي من دون الله مِنْ وَلِيٍّ أي ناصر وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً قيل معناه لا يشرك الله في علم غيبه أحدا وقيل في قضائه. قوله تعالى وَاتْلُ أي واقرأ يا محمد ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ يعني القرآن واتبع ما فيه واعمل به لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا مغير للقرآن ولا يقدر أحد على التطرق إليه بتغيير أو تبديل. فإن قلت موجب هذا أن لا يتطرق النسخ إليه. قلت النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا. وقيل معناه لا مغير لما أوعد الله بكلماته أهل معاصيه وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ أي من دون الله إن لم تتبع القرآن مُلْتَحَداً أي ملجأ وحرزا تعدل إليه. قوله عز وجل وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يسلم وعنده جماعة من
قوله تعالى ﴿ واتل ﴾ أي واقرأ يا محمد ﴿ ما أوحي إليك من كتاب ربك ﴾ يعني القرآن واتبع ما فيه واعمل به ﴿ لا مبدل لكلماته ﴾ أي لا مغير للقرآن ولا يقدر أحد على التطرق إليه بتغيير أو تبديل. فإن قلت موجب هذا أن لا يتطرق النسخ إليه. قلت النسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلاً. وقيل معناه لا مغير لما أوعد الله بكلماته أهل معاصيه ﴿ ولن تجد من دونه ﴾ أي من دون الله إن لم تتبع القرآن ﴿ ملتحداً ﴾ أي ملجأ وحرزاً تعدل إليه.
قوله عز وجل ﴿ واصبر نفسك ﴾ الآية نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء ومنهم سلمان وعليه صوف قد عرق فيها وبيده خوص يشقه وينسجه فقال عيينة للنبيّ صلى الله عليه وسلم : أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلساً فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك أي احبس يا محمد نفسك ﴿ مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ﴾ يعني طرفي النهار ﴿ يريدون وجهه ﴾ أي يريدون وجه الله لا يريدون عرض الدنيا، وقيل نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا زرع ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :« الحمد الله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم » ﴿ ولا تعد ﴾ أي لا تصرف ولا تجاوز ﴿ عيناك عنهم ﴾ إلى غيرهم ﴿ تريد زينة الحياة الدنيا ﴾ أي تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا ﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ﴾ أي جعلنا قلبه غافلاً عن ذكرنا يعني عيينة بن حصن وقيل أمية بن خلف ﴿ واتبع هواه ﴾ أي في طلب الشهوات ﴿ وكان أمره فرطاً ﴾ ضياعاً ضيع أمره وعطل أيامه، وقيل ندماً وقيل سرفاً وباطلاً وقيل مخالفاً للحق.
﴿ وقل الحق من ربكم ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا من ربكم الحق وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلى من ذلك شيء ﴿ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله ﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ وقيل معنى الآية وقل الحق من ربكم أي لست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا، فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم ناراً وإن آمنتم فلكم ما وصف الله لأهل طاعته، وعن ابن عباس في معنى الآية : من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر ﴿ إنا أعتدنا ﴾ أي هيأنا من العتاد وهو العدة ﴿ للظالمين ﴾ أي الكافرين ﴿ ناراً أحاط بهم سرادقها ﴾ السرادق الحجزة التي تطيف بالفساطيط عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « قال سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة » أخرجه الترمذي قال ابن عباس : هو حائط نار وقيل هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة وقيل هو دخان يحيط بالكفار ﴿ وإن يستغيثوا ﴾ أي من شدة العطش ﴿ يغاثوا بماء كالمهل ﴾ قال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في قوله سبحانه وتعالى بماء كالمهل قال :« كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه منه » أخرجه الترمذي. وقال رشدين أحد رواة الحديث قد تكلم بفيه من قبل حفظة الفروة جلدة الوجه وقيل المهل الدم والقيح وقيل هو الرصاص والصفر المذاب ﴿ يشوي الوجوه ﴾ أي ينضج الوجوه من حره ﴿ بئس الشراب ﴾ أي ذلك الذي يغاثون به ﴿ وساءت ﴾ أي النار ﴿ مرتفقاً ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : منزلاً وقيل مجتمعاً وأصل المرتفق المتكأ وإنما جاء كذلك لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقاً وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا متكأ.
الفقراء ومنهم سلمان وعليه صوف قد عرق فيها وبيده خوص يشقه وينسجه فقال عيينة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك أي احبس يا محمد نفسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يعني طرفي النهار يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي يريدون وجه الله لا يريدون عرض الدنيا، وقيل نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يرجعون إلى تجارة ولا زرع ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» وَلا تَعْدُ أي لا تصرف ولا تجاوز عَيْناكَ عَنْهُمْ إلى غيرهم تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا يعني عيينة بن حصن وقيل أمية بن خلف وَاتَّبَعَ هَواهُ أي في طلب الشهوات وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ضياعا ضيع أمره وعطل أيامه، وقيل ندما وقيل سرفا وباطلا وقيل مخالفا للحق وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا من ربكم الحق وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من
ذلك شيء فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله «اعملوا ما شئتم» وقيل معنى الآية وقل الحق من ربكم أي لست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا، فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا وإن آمنتم فلكم ما وصف الله لأهل طاعته، وعن ابن عباس في معنى الآية: من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر إِنَّا أَعْتَدْنا أي هيأنا من العتاد وهو العدة لِلظَّالِمِينَ أي الكافرين ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها السرادق الحجزة التي تطيف بالفساطيط عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «قال سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة» أخرجه الترمذي قال ابن عباس: هو حائط نار وقيل هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة وقيل هو دخان يحيط بالكفار وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا أي من شدة العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ قال ابن عباس: هو ماء غليظ مثل دردي الزيت، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في قوله سبحانه وتعالى بماء كالمهل قال: «كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه منه» أخرجه الترمذي. وقال رشدين أحد رواة الحديث قد تكلم بفيه من قبل حفظة الفروة جلدة الوجه وقيل المهل الدم والقيح وقيل هو الرصاص والصفر المذاب يَشْوِي الْوُجُوهَ أي ينضج الوجوه من حره بِئْسَ الشَّرابُ أي ذلك الذي يغاثون به وَساءَتْ أي النار مُرْتَفَقاً قال ابن عباس رضي الله عنهما: منزلا وقيل مجتمعا وأصل المرتفق المتكأ وإنما جاء كذلك لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا متكأ. قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٣٠ الى ٣٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا أي لا نترك أعمالهم الصالحة وقيل إن قوله إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا كلام معترض وتقديره إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ أي دار إقامة سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وذلك لأن أفضل المساكن ما كان يجري فيه الماء يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ قيل يحلى كل إنسان منهم ثلاثة أساور سوار
﴿ أولئك لهم جنات عدن ﴾ أي دار إقامة سميت عدناً لخلود المؤمنين فيها ﴿ تجري من تحتهم الأنهار ﴾ وذلك لأن أفضل المساكن ما كان يجري فيه الماء ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ﴾ قيل يحلى كل إنسان منهم ثلاثة أساور سوار من ذهب لهذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى ﴿ وحلوا أساور من فضة ﴾ وسوار من لؤلؤ لقوله ﴿ ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير ﴾ ﴿ ويلبسون ثياباً خضراً من سندس ﴾ هو الديباج الرقيق ﴿ وإستبرق ﴾ هو الديباج الصفيق الغليظ وقيل السندس المنسوج بالذهب ﴿ متكئين ﴾ خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك ﴿ فيها ﴾ أي في الجنة ﴿ على الأرائك ﴾ جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولما وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء قال ﴿ نعم الثواب ﴾ أي نعم الجزاء ﴿ وحسنت ﴾ أي الجنات ﴿ مرتفقاً ﴾ أي مقراً ومجلساً، والمراد بقوله وحسنت مرتفقاً مقابلة ما تقدم ذكره من قوله سبحانه وتعالى وساءت مرتفقاً.
قوله عز وجل ﴿ واضرب لهم مثلاً رجلين ﴾ قيل نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم وهما أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان مؤمناً وأخوه الأسود بن عبد الأسود وكان كافراً وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه وسلمان وأصحابه وشبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه قطروس وهما اللذان وصفهما الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات وكانت قصتهما على ما ذكره عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكان لهما ثمانية آلاف دينار، وقيل كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فاشترى أحدهما أرضاً بألف دينار فقال صاحبه اللهم إن فلاناً قد اشترى أرضاً بألف وإني قد اشتريت منك أرضاً في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم إن صاحبه بنى داراً بألف دينار فقال اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار وإني اشتريت منك داراً في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم اشترى خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال اللهم إني أشتري منك خدماً ومتاعاً بألف دينار في الجنة فتصدق بها، ثم أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبي لعل ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في خدمه وحشمه فقام إليه فنظر إليه صاحبه فعرفه فقال فلان، قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتعينني بخير قال فما فعلت بمالك وقد قاسمتك مالاً وأخذت شطره، فنص عليه قصته فقال وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئاً فطرده، فقضي لهما فتوفيا فنزل فيهما قوله :﴿ فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين ﴾ وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أمواله فنزل فيهما ﴿ واضرب لهم مثلاً رجلين ﴾ ﴿ جعلنا لأحدهما جنتين ﴾ أي وجعلنا بساتين ﴿ من أعناب وحففناهما ﴾ أي أطفناهما من جوانبهما ﴿ بنخل وجعلنا بينهما زرعاً ﴾ أي بين النخل والأعناب الزرع وقيل بينهما أي بين الجنتين، يعني لم يكن بين الجنتين خراب بغير زرع.
﴿ كلتا الجنتين آتت ﴾ أي أعطت كل واحدة من الجنتين ﴿ أكلها ﴾ أي ثمرها تماماً ﴿ ولم تظلم منه شيئاً ﴾ أي ولم تنقص منه شيئاً ﴿ وفجرنا خلالهما ﴾ شققنا وسطهما ﴿ نهراً ﴾.
من ذهب لهذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى «وحلوا أساور من فضة» وسوار من لؤلؤ لقوله «ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير» وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ هو الديباج الرقيق وَإِسْتَبْرَقٍ هو الديباج الصفيق الغليظ وقيل السندس المنسوج بالذهب مُتَّكِئِينَ خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك فِيها أي في الجنة عَلَى الْأَرائِكِ جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولما وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء قال نِعْمَ الثَّوابُ أي نعم الجزاء وَحَسُنَتْ أي الجنات مُرْتَفَقاً أي مقرا ومجلسا، والمراد بقوله وحسنت مرتفقا مقابلة ما تقدم ذكره من قوله سبحانه وتعالى وساءت مرتفقا. قوله عز وجل وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ قيل نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم وهما أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان مؤمنا وأخوه الأسود بن عبد الأسود وكان كافرا وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه وسلمان وأصحابه وشبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه قطروس وهما اللذان وصفهما الله سبحانه وتعالى في سورة والصافات وكانت قصتهما على ما ذكره عطاء الخراساني قال: كان رجلان شريكان لهما ثمانية آلاف دينار، وقيل كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف وإني قد اشتريت منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار وإني اشتريت منك دارا في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال هذا اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم اشترى خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا اللهم إني أشتري منك خدما ومتاعا بألف دينار في الجنة فتصدق بها، ثم أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبي لعل ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في خدمه وحشمه فقام إليه فنظر إليه صاحبه فعرفه فقال فلان، قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتعينني بخير قال فما فعلت بمالك وقد قاسمتك مالا وأخذت شطره، فنص عليه قصته فقال وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده، فقضي لهما فتوفيا فنزل فيهما قوله فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أمواله فنزل فيهما «واضرب لهم مثلا رجلين» جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ أي وجعلنا بساتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما أي أطفناهما من جوانبهما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً أي بين النخل والأعناب الزرع وقيل بينهما أي بين الجنتين، يعني لم يكن بين الجنتين خراب بغير زرع كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أي أعطت كل واحدة من الجنتين أُكُلَها أي ثمرها تماما وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي ولم تنقص منه شيئا وَفَجَّرْنا خِلالَهُما شققنا وسطهما نَهَراً.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٣٤ الى ٤٤]
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨)
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣)
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)
﴿ ودخل جنته ﴾ يعني الكافر آخذاً بيد أخيه المؤمن يطوف به فيها ويريه إياها ﴿ وهو ظالم لنفسه ﴾ أي بكفره فتوهم أنها لا تفنى أبداً وأنكر البعث.
فقال ﴿ وما أظن الساعة قائمة ﴾ أي كائنة ﴿ ولئن رددت إلى ربي ﴾ فإن قلت كيف قال ولئن رددت إلى ربي وهو منكر للبعث قلت معناه ولئن رددت إلى ربي على ما نزعم من أن الساعة آتية ﴿ لأجدن خيراً منها منقلباً ﴾ أي يعطيني هناك خيراً منها لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.
﴿ قال له صاحبه ﴾ يعني المؤمن ﴿ وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ﴾ أي خلق أصلك من تراب لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقاً له ﴿ ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ﴾ أي عداك بشراً سوياً وكملك إنساناً ذكراً بالغ مبلغ الرجال.
﴿ لكنا هو الله ربي ﴾ مجازه لكن أنا هو الله ربي ﴿ ولا أشرك بربي أحداً ﴾.
﴿ ولولا ﴾ أي هلا ﴿ إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ﴾ والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها ما شاء الله اعترافاً بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله تعالى وفضله وأن أمرها بيده وأنه إن شاء تركها عامرة وإن شاء تركها خراباً ﴿ لا قوة إلا بالله ﴾ أي وقلت لا قوة إلا بالله إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها بمعونة الله وتأييده ولا أقدر على حفظ مالي ودفع شيء عنه إلا بالله. روي عن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى من ماله شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله الحائط البستان ﴿ إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً ﴾ أي لأجل ذلك تكبرت علي وتعظمت.
﴿ فعسى ربي ﴾ أي فلعل ربي ﴿ أن يؤتين ﴾ أي يعطيني ﴿ خيراً من جنتك ﴾ يعني في الآخرة ﴿ ويرسل عليها ﴾ أي على جنتك ﴿ حسباناً ﴾ قال ابن عباس : ناراً، وقيل مرامي ﴿ من السماء ﴾ وهي الصواعق فتهلكها ﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ أي أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقيل رملاً هائلاً.
﴿ أو يصبح ماؤها غوراً ﴾ غائراً ذاهباً لا تناله الأيدي ولا الدلاء ﴿ فلن تستطيع له طلباً ﴾ يعني إن طلبته لم تجده.
﴿ وأحيط بثمره ﴾ يعني أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها من السماء ناراً فأهلكها وغار ماؤها ﴿ فأصبح ﴾ يعني صاحبها الكافر ﴿ يقلب كفيه ﴾ يصفق بكف على كف ويقلب كفيه ظهراً لبطن تأسفاً وتلهفاً ﴿ على ما أنفق فيها ﴾ المعنى فأصبح يندم على ما أنفق في عمارتها ﴿ وهي خاوية على عروشها ﴾ أي ساقطة سقوفها وقيل إن كرومها المعرشة سقطت عروشها في الأرض ﴿ ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ﴾ يعني أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً.
﴿ ولم تكن له فئة ﴾ أي جماعة ﴿ ينصرونه من دون الله ﴾ أي يمنعونه من عذاب الله ﴿ وما كان منتصراً ﴾ أي ممتنعاً لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل معناه لا يقدر على رد ما ذهب منه.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ هنالك الولاية ﴾ قرئ بكسر الواو يعني السلطان في القيامة ﴿ لله الحق ﴾ وقرئ بفتحها من الموالاة والنصرة، يعني أنهم يتولونه يومئذٍ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون من دونه في الدنيا ﴿ هو خير ثواباً ﴾ أي أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب ﴿ وخير عقباً ﴾ يعني عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة.
وَكانَ لَهُ أي لصاحب البستان ثَمَرٌ قرئ بالفتح جمع ثمرة وقرئ بالضم وهو الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف من الذهب والفضة وغيرهما فَقالَ يعني صاحب البستان لِصاحِبِهِ يعني المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ أي يخاطبه أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً أي عشيرة ورهطا وقيل خدما وحشما وَدَخَلَ جَنَّتَهُ يعني الكافر آخذا بيد أخيه المؤمن يطوف به فيها ويريه إياها وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي بكفره فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث فقال وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً أي كائنة وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي فإن قلت كيف قال ولئن رددت إلى ربي وهو منكر للبعث قلت معناه ولئن رددت إلى ربي على ما نزعم من أن الساعة آتية لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً أي يعطيني هناك خيرا منها لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها قالَ لَهُ صاحِبُهُ يعني المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ أي خلق أصلك من تراب لأن خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقا له ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أي عداك بشرا سويا وكملك إنسانا ذكرا بالغ مبلغ الرجال لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي مجازه لكن أنا هو الله ربي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَلَوْلا أي هلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها ما شاء الله اعترافا بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله تعالى وفضله وأن أمرها بيده وأنه إن شاء تركها عامرة وإن شاء تركها خرابا لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أي وقلت لا قوة إلا بالله إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها بمعونة الله وتأييده ولا أقدر على حفظ مالي ودفع شيء عنه إلا بالله. روي عن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء لا قوة إلا بالله الحائط البستان إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً أي لأجل ذلك تكبرت علي وتعظمت فَعَسى رَبِّي أي فلعل ربي أَنْ يُؤْتِيَنِ أي يعطيني خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ يعني في الآخرة وَيُرْسِلَ عَلَيْها أي على جنتك حُسْباناً قال ابن عباس: نارا، وقيل مرامي مِنَ السَّماءِ وهي الصواعق فتهلكها فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً أي أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها وقيل تزلق فيها الأقدام وقيل رملا هائلا أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً غائرا ذاهبا لا تناله الأيدي ولا الدلاء فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً يعني إن طلبته لم تجده وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ يعني أحاط العذاب بثمر جنته وذلك أن الله تعالى أرسل عليها من السماء نارا فأهلكها وغار ماؤها فَأَصْبَحَ يعني صاحبها الكافر يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ يصفق بكف على كف ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا عَلى ما أَنْفَقَ فِيها المعنى فأصبح يندم على ما أنفق في عمارتها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ساقطة سقوفها وقيل إن كرومها المعرشة سقطت عروشها في الأرض وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً يعني أنه تذكر موعظة أخيه المؤمن فعلم أنه أتى من جهة شركه وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ أي جماعة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي يمنعونه من عذاب الله وَما كانَ مُنْتَصِراً أي ممتنعا لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل معناه لا يقدر على رد ما ذهب منه. قوله سبحانه وتعالى هُنالِكَ الْوَلايَةُ قرئ بكسر الواو يعني السلطان في القيامة لِلَّهِ الْحَقِّ وقرئ بفتحها من الموالاة والنصرة، يعني أنهم يتولونه يومئذ ويتبرؤون مما كانوا يعبدون من دونه في الدنيا هُوَ خَيْرٌ ثَواباً أي أفضل جزاء لأهل طاعته لو كان غيره يثيب وَخَيْرٌ عُقْباً يعني عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير إثابة وعاقبة قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨)
قوله سبحانه وتعالى ﴿ المال والبنون ﴾ يعني التي يفتخر بها عيينة وأصحابه الأغنياء ﴿ زينة الحياة الدنيا ﴾ يعني ليست من زاد الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعهما لأقوام ﴿ والباقيات الصالحات ﴾ قال ابن عباس : هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ( م ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لأن أقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت الشمس » عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « استكثروا من قول الباقيات الصالحات. قيل : وما هن يا رسول الله ؟ قال : التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا مررتم برياض الجنة فارتفعوا. قلت : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : المساجد. قلت : وما الرتع ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب عن سعيد بن المسيب أن الباقيات الصالحات هي قول العبد الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه مالك في الموطأ موقوفاً عليه وعن ابن عباس أن الباقيات الصالحات الصلوات الخمس وعنه أنها الأعمال الصالحة ﴿ خير عند ربك ثواباً ﴾ أي جزاء ﴿ وخير أملاً ﴾ أي ما يؤمله الإنسان.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ ويوم نسير الجبال ﴾ أي نذهب بها وذلك أن تجعل هباء منثوراً كما يسير السحاب ﴿ وترى الأرض بارزة ﴾ أي ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا بناء وقيل هو بروز ما في بطنها من الموتى وغيرهم فيصير باطن الأرض ظاهرها ﴿ وحشرناهم ﴾ يعني جميعاً إلى موقف الحساب ﴿ فلم نغادر منهم أحداً ﴾ أي لم نترك منهم أحداً.
﴿ وعرضوا على ربك صفاً ﴾ أي صفاً صفاً وفوجاً فوجاً لأنهم صف واحد وقيل قياماً كل أمة وزمرة صف ثم يقال لهم ﴿ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ﴾ يعني أحياء وقيل حفاة عراة غرلاً ﴿ بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً ﴾ يعني القيامة يقول ذلك لمنكر البعث ( ق ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال :« أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين إلا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم قال : فيقال لي إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. زاد في رواية فأقول سحقاً سحقاً » قوله غرلاً أي قلفاً والغرلة القلفة التي تقع من جلد الذكر وهو موضع الختان، وقوله سحقاً أي بعداً، قال بعض العلماء : إن المراد بهؤلاء أصحاب الردة الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة بعد ( ق ) عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« يحشر الناس حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة : فقلت الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض قال : الأمر أشد من أن يهمهم ذلك » زاد النسائي في رواية ﴿ لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه ﴾.
وَاضْرِبْ لَهُمْ أي اضرب يا محمد لقومك مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ يعني المطر فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ أي خرج منه كل لون وزهرة فَأَصْبَحَ أي عن قريب هَشِيماً قال ابن عباس:
يابسا تَذْرُوهُ الرِّياحُ قال ابن عباس: تذريه تفرقه وتنسفه وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أي قادرا قوله سبحانه وتعالى الْمالُ وَالْبَنُونَ يعني التي يفتخر بها عيينة وأصحابه الأغنياء زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا يعني ليست من زاد الآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: المال والبنون حرث الدنيا والأعمال الصالحة حرث الآخرة وقد يجمعهما لأقوام وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ قال ابن عباس: هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس». عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال
«استكثروا من قول الباقيات الصالحات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله». عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إذا مررتم برياض الجنة فارتفعوا. قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: المساجد. قلت: وما الرتع؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب عن سعيد بن المسيب أن الباقيات الصالحات هي قول العبد الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله أخرجه مالك في الموطأ موقوفا عليه وعن ابن عباس أن الباقيات الصالحات الصلوات الخمس وعنه أنها الأعمال الصالحة خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً أي جزاء وَخَيْرٌ أَمَلًا أي ما يؤمله الإنسان. قوله سبحانه وتعالى وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ أي نذهب بها وذلك أن تجعل هباء منثورا كما يسير السحاب وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً أي ظاهرة ليس عليها شجر ولا جبل ولا بناء وقيل هو بروز ما في بطنها من الموتى وغيرهم فيصير باطن الأرض ظاهرها وَحَشَرْناهُمْ يعني جميعا إلى موقف الحساب فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لم نترك منهم أحدا عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
أي صفا صفا وفوجا فوجا لأنهم صف واحد وقيل قياما كل أمة وزمرة صف ثم يقال لهم قَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
يعني أحياء وقيل حفاة عراة غرلالْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
يعني القيامة يقول ذلك لمنكر البعث (ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بموعظة فقال: أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ألا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم قال: فيقال لي إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. زاد في رواية فأقول سحقا سحقا» قوله غرلا أي قلفا والغرلة القلفة التي تقع من جلد الذكر وهو موضع الختان، وقوله سحقا أي بعدا، قال بعض العلماء: إن المراد بهؤلاء أصحاب الردة الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة بعده (ق) عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«يحشر الناس حفاة عراة غرلا». قالت عائشة: فقلت الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض قال:
«الأمر أشد من أن يهمهم ذلك». زاد النسائي في رواية
«لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه».
قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٤٩ الى ٥١]
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)
166
وَوُضِعَ الْكِتابُ يعني صحائف أعمال العباد توضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم، وقيل توضع بين يدي الله تعالى فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ أي خائفين مِمَّا فِيهِ يعني من الأعمال السيئة وَيَقُولُونَ يعني إذا رأوها يا وَيْلَتَنا أي يا هلاكنا وكل من وقع في هلكة دعا بالويل مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ أي لا يترك صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً أي من ذنوبنا الصغيرة إِلَّا أَحْصاها أي عدها وكتبها وأثبتها فيه وحفظها، قال ابن عباس:
الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة. وقال سعيد بن جبير: الصغيرة اللمم واللمس والقبلة والكبيرة الزنا عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب مثل قوم نزلوا في بطن واد فجاء هذا بعود وجاء هذا بعود وجاء هذا بعود فانضجوا خبزهم وإن محقرات الذنوب لموبقات» الحقير الشيء الصغير التافه وقوله لموبقات أي مهلكات. وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً أي مكتوبا أي مثبتا في كتابهم وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً أي لا ينقص ثواب أحد عمل خيرا ولا يؤاخذ أحدا بجرم لم يعمله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» أخرجه الترمذي. وقال لا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أبي موسى. قوله سبحانه وتعالى وَإِذْ قُلْنا أي واذكر يا محمد إذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ قال ابن عباس: كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم وقال الحسن: كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس وكونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجن بدليل قوله سبحانه وتعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا، وذلك أن قريشا قالت الملائكة بنات الله، فهذا يدل على أن الملك يسمى جنا ويعضده اللغة لأن الجن مأخوذ من الاجتنان، وهو الستر فعلى هذا تدخل الملائكة فيه فكل الملائكة جن لاستتارهم وليس كل جن ملائكة، ووجه كونه من الملائكة أن الله سبحانه وتعالى استثناه من الملائكة والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ويصح دخوله وذلك يوجب كونه من الملائكة ووجه من قال إنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة قوله كان من الجن والجن جنس مخالف للملائكة قوله أفتتخذونه وذريته فأثبت له ذرية والملائكة لا ذرية لهم، وأجيب عن الاستثناء أنه استثناء منقطع وهو مشهور في كلام العرب قال الله سبحانه وتعالى وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي وقال تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً قيل إنه كان من الملائكة فلما خالف الأمر مسخ وغير وطرد ولعن. وقوله تعالى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أي خرج عن طاعة ربه أَفَتَتَّخِذُونَهُ يعني يا بني آدم أفتتخذون إبليس وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ يعني أعداء روى مجاهد عن الشعبي قال: إني لقاعد يوما إذ أقبل رجل فقال أخبرني هل لإبليس زوجة قلت إن ذلك العرس ما شهدته ثم ذكرت قول الله عز وجل أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم، قيل يتوالدون كما يتوالد ابن آدم. وقيل إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين. قال مجاهد: من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومره وبه يكنى، وزلنبور وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلع وبتر وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب، والأعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجيزة المرأة، ومطموس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلا، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحسن موضعه وإذا أكل ولم يسم أكل معه، قال الأعمش: ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه
167
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وإذ قلنا ﴾ أي واذكر يا محمد إذ قلنا ﴿ للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ﴾ قال ابن عباس : كان من حي من الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم وقال الحسن : كان من الجن ولم يكن من الملائكة فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس وكونه من الملائكة لا ينافي كونه من الجن بدليل قوله سبحانه وتعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً، وذلك أن قريشاً قالت الملائكة بنات الله، فهذا يدل على أن الملك يسمى جناً ويعضده اللغة لأن الجن مأخوذ من الاجتنان، وهو الستر فعلى هذا تدخل الملائكة فيه فكل الملائكة جن لاستتارهم وليس كل جن ملائكة، ووجه كونه من الملائكة أن الله سبحانه وتعالى استثناه من الملائكة والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل ويصح دخوله وذلك يوجب كونه من الملائكة ووجه من قال إنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة قوله كان من الجن والجن جنس مخالف للملائكة قوله أفتتخذونه وذريته فأثبت له ذرية والملائكة لا ذرية لهم، وأجيب عن الاستثناء أنه استثناء منقطع وهو مشهور في كلام العرب قال الله سبحانه وتعالى ﴿ وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ﴾ وقال تعالى ﴿ لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ﴾ قيل إنه كان من الملائكة فلما خالف الأمر مسخ وغير وطرد ولعن. وقوله تعالى ﴿ ففسق عن أمر ربه ﴾ أي خرج عن طاعة ربه ﴿ أفتتخذونه ﴾ يعني يا بني آدم أفتتخذون إبليس ﴿ وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ﴾ يعني أعداء روي مجاهد عن الشعبي قال : إني لقاعد يوماً إذ أقبل رجل فقال أخبرني هل لإبليس زوجة قلت إن ذلك العرس ما شهدته ثم ذكرت قول الله عز وجل ﴿ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ﴾ فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت نعم، قيل يتوالدون كما يتوالد ابن آدم. وقيل إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين. قال مجاهد : من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومره وبه يكنى، وزلنبور وهو صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب ومدح السلع وبتر وهو صاحب المصائب يزين خمش الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب، والأعور وهو صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجيزة المرأة، ومطموس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها في أفواه الناس لا يجدون لها أصلاً، وداسم وهو الذي إذا دخل الرجل بيته ولم يسلم ولم يذكر الله بصره من المتاع ما لم يرفع أو يحسن موضعه وإذا أكل ولم يسم أكل معه، قال الأعمش : ربما دخلت البيت ولم أذكر إسم الله ولم أسلم فرأيت مطهرة فقلت ارفعوا هذه وخاصمتهم ثم أذكر فأقول داسم داسم أعوذ بالله منه، روى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء » أخرجه الترمذي. ( م ) عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بين وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً » قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ( م ) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت » قال الأعمش أراه قال فيلتزمه. وقوله ﴿ بئس للظالمين بدلاً ﴾ يعني بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم وطاعته.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ ما أشهدتهم ﴾ أي ما أحضرتهم يعني إبليس وذريته وقيل الكفار وقيل الملائكة ﴿ خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ﴾ والمعنى ما أشهدتهم خلقها فأستعين بهم على خلقها وأشاورهم فيها ﴿ وما كنت متخذ المضلين ﴾ يعني الشياطين الذين يضلون الناس ﴿ عضداً ﴾ يعني أنصاراً وأعواناً.
وخاصمتهم ثم أذكر فأقول داسم داسم أعوذ بالله منه، روى أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
«إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء» أخرجه الترمذي. (م) عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذاك
شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني (م) عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت» قال الأعمش أراه قال فيلتزمه. وقوله بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا يعني بئس ما استبدلوا طاعة إبليس وذريته بعبادة ربهم وطاعته. قوله سبحانه وتعالى ما أَشْهَدْتُهُمْ أي ما أحضرتهم يعني إبليس وذريته وقيل الكفار وقيل الملائكة خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ والمعنى ما أشهدتهم خلقها فأستعين بهم على خلقها وأشاورهم فيها وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ يعني الشياطين الذين يضلون الناس عَضُداً يعني أنصارا وأعوانا. قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٥٢ الى ٦٠]
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠)
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا يعني يقول الله تعالى يوم القيامة نادوا شُرَكائِيَ يعني الأصنام الَّذِينَ زَعَمْتُمْ يعني أنهم شركائي فَدَعَوْهُمْ أي فاستغاثوا بهم فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي فلم يجيبوهم ولم ينصروهم وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ يعني بين الأصنام وعبدتها وقيل بين أهل الهدى وبين أهل الضلال مَوْبِقاً يعني مهلكا قال ابن عباس:
هو واد في النار وقيل نهر تسيل منه نار وعلى حافتيه حيات مثل البغال الدهم وقيل كل حاجز بين شيئين فهو موبق وأصله الهلاك وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ أي المشركون النَّارَ فَظَنُّوا أي أيقنوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها أي داخلوها وواقعون فيها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي معدلا لأنها أحاطت بهم من كل جانب وقيل لأن الملائكة تسوقهم إليها. قوله سبحانه وتعالى وَلَقَدْ صَرَّفْنا أي بينا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي ليتذكروا ويتعظوا وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا أي خصومة في الباطل قال ابن عباس: أراد النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقيل أراد به أبي بن خلف وقيل أراد به جميع الكفار وقيل الآية على العموم وهو الأصح (ق) عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرقه وفاطمة ليلا فقال:
«ألا تصليان». فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله تعالى فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئا ثم سمعته
168
يقول وهو مول يضرب فخذه بيده
«وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» قوله عز وجل وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى يعني القرآن وأحكام الإسلام والبيان من الله تعالى وقيل إنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ والمعنى أنه لا مانع لهم من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة والتخلية حاصلة والأعذار زائلة فلم لم يقدموا على الإيمان والاستغفار إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ يعني سنتنا بإهلاك الأولين إن لم يؤمنوا وهو عذاب الاستئصال أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا قال ابن عباس: أي عيانا من المقابلة وقيل فجأة. قوله سبحانه وتعالى وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ أي بالثواب على الطاعة وَمُنْذِرِينَ بالعقاب لمن عصى وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ هو قولهم
«أبعث الله بشرا رسولا» وقولهم للرسل
«ما أنتم إلا بشر مثلنا» وشبه ذلك لِيُدْحِضُوا أي ليبطلوا بِهِ الْحَقَّ ويزيلوه وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً فيه إضمار يعني اتخذوا ما أنذروا به وهو القرآن استهزاء. قوله عز وجل وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ أي وعظ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها أي تولى عنها وتركها ولم يؤمن بها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ أي ما عمل من المعاصي من قبل إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي أغطية أَنْ يَفْقَهُوهُ يريد لئلا يفهموه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً أي ثقلا وصما وَإِنْ تَدْعُهُمْ يا محمد إِلَى الْهُدى أي الدين فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً وهذا في أقوام علم الله منهم أنهم لا يؤمنون وَرَبُّكَ الْغَفُورُ أي البليغ المغفرة ذُو الرَّحْمَةِ أي الموصوف بالرحمة لَوْ يُؤاخِذُهُمْ أي يعاقب الكفار بِما كَسَبُوا من الذنوب لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ أي في الدنيا بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ يعني البعث والحساب لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا أي ملجأ وَتِلْكَ الْقُرى قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا أي كفروا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً أي أجلا لإهلاكهم. قوله سبحانه وتعالى وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ الآيات أكثر العلماء على أن موسى المذكور في هذه الآية هو موسى بن عمران من سبط لاوي بن يعقوب صاحب المعجزات الظاهرة وصاحب التوراة. وعن كعب الأحبار أنه موسى بن ميشا من أولاد يوسف بن يعقوب وكان قد تنبأ قبل موسى بن عمران. والقول الأول أصح بدليل أن الله سبحانه وتعالى في كتابه لم يذكر العزيز موسى إلا أراد به صاحب التوراة فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه ولو أراد شخصا آخر لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز بينهما وتزيل الشبهة فلما لم يميزه بصفة علمنا أنه موسى بن عمران صاحب التوراة وأما فتاه فالأصح أنه يوشع ابن نون بن أفرا ثم ابن يوسف وهو صاحب موسى وولي عهده بعد وفاته، وقيل إنه أخو يوشع وقيل فتاة يعني بده بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم
«لا يقل أحدكم عبده وأمتي وليقل فتاي وفتاتي». (ق) عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن موسى
عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسأل أي الناس أعلم فقال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا رب فكيف لي به قال: فخذ معك حوتا فاجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت وانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به. فقال له فتاه أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً قال فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا فقال موسى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً قال رجعا فقصا آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب أبيض فسلم عليه موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم أتيتك لتعلمني ما علمت رشدا، قال: إنك لن تستطيع
169
﴿ ورأى المجرمون ﴾ أي المشركون ﴿ النار فظنوا ﴾ أي أيقنوا ﴿ أنهم مواقعوها ﴾ أي داخلوها وواقعون فيها ﴿ ولم يجدوا عنها مصرفاً ﴾ أي معدلاً لأنها أحاطت بهم من كل جانب وقيل لأن الملائكة تسوقهم إليها.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ ولقد صرفنا ﴾ أي بينا ﴿ في هذا القرآن للناس من كل مثل ﴾ أي ليتذكروا ويتعظوا ﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ﴾ أي خصومة في الباطل قال ابن عباس : أراد النضر بن الحارث وجداله في القرآن وقيل أراد به أبي بن خلف وقيل أراد به جميع الكفار وقيل الآية على العموم وهو الأصح ( ق ) عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً فقال :« ألا تصليان » فقلت يا رسول الله أنفسنا بيد الله تعالى فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ولم يرجع إلى شيئاً ثم سمعته يقول وهو مول يضرب فخذه بيده ﴿ وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ﴾.
قوله عز وجل ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ﴾ يعني القرآن وأحكام الإسلام والبيان من الله تعالى وقيل إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ ويستغفروا ربهم ﴾ والمعنى أنه لا مانع من الإيمان ولا من الاستغفار والتوبة والتخلية حاصلة والأعذار زائلة فلم لم يقدموا على الإيمان والاستغفار ﴿ إلا أن تأتيهم سنة الأولين ﴾ يعني سنتنا بإهلاك الأولين إن لم يؤمنوا وهو عذاب الاستئصال ﴿ أو يأتيهم العذاب قبلاً ﴾ قال ابن عباس : أي عياناً من المقابلة وقيل فجأة.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ﴾ أي بالثواب على الطاعة ﴿ ومنذرين ﴾ بالعقاب لمن عصى ﴿ ويجادل الذين كفروا بالباطل ﴾ هو قولهم ﴿ أبعث الله بشراً رسولاً ﴾ وقولهم للرسل ﴿ ما أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ وشبه ذلك ﴿ ليدحضوا ﴾ أي ليبطلوا ﴿ به الحق ﴾ ويزيلوه ﴿ واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً ﴾ فيه إضمار يعني اتخذوا ما أنذروا به وهو القرآن استهزاء.
قوله عز وجل ﴿ ومن أظلم ممن ذكر ﴾ أي وعظ ﴿ بآيات ربه فأعرض عنها ﴾ أي تولى عنها وتركها ولم يؤمن بها ﴿ ونسي ما قدمت يداه ﴾ أي ما عمل من المعاصي من قبل ﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ﴾ أي أغطية ﴿ أن يفقهوه ﴾ يريد لئلا يفهموه ﴿ وفي آذانهم وقراً ﴾ أي ثقلاً وصماً ﴿ وإن تدعهم ﴾ يا محمد ﴿ إلى الهدى ﴾ أي الدين ﴿ فلن يهتدوا إذاً أبداً ﴾ وهذا في أقوام علم الله منهم أنهم لا يؤمنون.
﴿ وربك الغفور ﴾ أي البليغ المغفرة ﴿ ذو الرحمة ﴾ أي الموصوف بالرحمة ﴿ لو يؤآخذهم ﴾ أي يعاقب الكفار ﴿ بما كسبوا ﴾ من الذنوب ﴿ لعجل لهم العذاب ﴾ أي في الدنيا ﴿ بل لهم موعد ﴾ يعني البعث والحساب ﴿ لن يجدوا من دونه موئلاً ﴾ أي ملجأ.
﴿ وتلك القرى ﴾ قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ﴿ أهلكناهم لما ظلموا ﴾ أي كفروا ﴿ وجعلنا لمهلكهم موعداً ﴾ أي أجلاً لإهلاكهم.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وإذ قال موسى لفتاه ﴾ الآيات أكثر العلماء على أن موسى المذكور في هذه الآية هو موسى بن عمران من سبط لاوي بن يعقوب صاحب المعجزات الظاهرة وصاحب التوراة. وعن كعب الأحبار أنه موسى بن ميشا من أولاد يوسف بن يعقوب وكان قد تنبأ قبل موسى بن عمران. والقول الأول أصبح بدليل أن الله سبحانه وتعالى في كتابه لم يذكر العزيز موسى إلا أراد به صاحب التوراة فإطلاق هذا الاسم يوجب الانصراف إليه ولو أراد شخصاً آخر لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز بينهما وتزيل الشبهة فلما لم يميزه بصفة علمنا أنه موسى بن عمران صاحب التوراة وأما فتاه فالأصح أنه يوشع ابن نون بن أفراً ثم ابن يوسف وهو صاحب موسى وولي عهده بعد وفاته، وقيل إنه أخو يوشع وقيل فتاة يعني بده بدليل قوله صلى الله عليه وسلم « لا يقل أحدكم عبده وأمتي وليقل فتاي وفتاتي » ( ق ) عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس : كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« إن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فسأل أي الناس أعلم فقال أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى : يا رب فكيف لي به قال : فخذ معك حوتاً فاجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما، فاضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت وانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به. فقال له فتاه ﴿ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً ﴾ قال فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً فقال موسى ﴿ ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً ﴾ قال رجعا فقصا آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب أبيض فسلم عليه موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك لتعلمني ما علمت رشداً، قال : إنك لن تستطيع معي صبراً، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه وأنت على علم من علم الله لا أعلمه فقال موسى : ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً فقال له الخضر : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول، فلما ركبا السفينة لم يفجأ موسى إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها « لقد جئت شيئاً إمراً قال : ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً : قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كانت الأولى من موسى نسياناً قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى :«أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً » قال وهذه أشد من الأولى قال «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض » أي مائلا فقال الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا «لو شئت لاتخذت عليه أجراً قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله موسى، لوددت أنه صبر يقص علينا من أخبارهما » قال سعيد بن جبير فكان ابن عباس يقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين. وفي رواية عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قام موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً حتى إذا ما فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال : أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ ؟ قال : لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى. فقال بلى قال أي رب وأين هو قال بمجمع البحرين قال خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح. وفي رواية تزود حوتاً مالحاً فإنه حيث يفقد الحوت زاد في رواية وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حي فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر ورجعنا إلى التفسير. قوله سبحانه وتعالى ﴿ لا أبرح ﴾ أي لا أزال أسير ﴿ حتى أبلغ مجمع البحرين ﴾ قيل أراد بحر فارس والروم ما يلي المشرق وقيل طنجة وقيل إفريقية ﴿ أو أمضي حقباً ﴾ يعني أو أسير دهراً طويلاً. والحقب ثمانون سنة فحمل خبزاً وسمكة مالحة في المكتل وهو الزنبيل الذي يسع خمسة عشر صاعاً ومضيا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين وعندها عين تسمى عين الحياة لا تصيب شيئاً إلا حيي فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وهاجت ودخلت في البحر.
معي صبرا، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه وأنت على علم من علم الله لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فقال له الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول، فلما ركبا السفينة لم يفجأ موسى إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها «لقد جئت شيئا إمرا قال: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا: قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا» قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى:
«أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا» قال وهذه أشد من الأولى قال «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من ولدني عذرا. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض» أي مائلا فقال الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا «لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله موسى، لوددت أنه صبر يقص علينا من أخبارهما» قال سعيد بن جبير فكان ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين. وفي رواية عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا ما فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى. فقال بلى قال أي رب وأين هو قال بمجمع البحرين قال خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح. وفي رواية تزود حوتا مالحا فإنه حيث يفقد الحوت زاد في رواية وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حي فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر ورجعنا إلى التفسير. قوله سبحانه وتعالى لا أَبْرَحُ أي لا أزال أسير حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قيل أراد بحر فارس والروم ما يلي المشرق وقيل طنجة وقيل إفريقية أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً يعني أو أسير دهرا طويلا. والحقب ثمانون سنة فحمل خبزا وسمكة مالحة في المكتل وهو الزنبيل الذي يسع خمسة عشر صاعا ومضيا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين وعندها عين تسمى عين الحياة لا تصيب شيئا إلا حيي فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وهاجت ودخلت في البحر.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٦١ الى ٦٢]
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)
فَلَمَّا بَلَغا يعني موسى وفتاه مَجْمَعَ بَيْنِهِما أي بين البحرين نَسِيا أي تركا حُوتَهُما.
وإنما كان الحوت مع يوشع بن نون، وهو الذي نسيه وإنما أضاف النسيان إليهما تزواده لسفرهما وقيل المراد من قوله نسيا حوتهما أي نسيا كيفية الاستدلال بهذه الحالة المخصوصة على الوصول للمطلوب.
فَاتَّخَذَ أي الحوت سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً أي مسلكا. وروى أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال «انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم يلتئم فدخل موسى الكوة على أثر الحوت فإذا هو بالخضر». قال ابن عباس: جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى صار صخرة، وقد روينا أنهما لما انتهيا إلى الصخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا فأمسك الله
قوله سبحانه وتعالى ﴿ فلما جاوزوا ﴾ يعني ذلك الموضع وهو مجمع البحرين ﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ لفتاه آتنا غداءنا ﴾ أي طعامنا ﴿ لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ﴾ أي تعباً وشدة وذلك أنه ألقي على موسى الجوع بعد ما جاوز الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع في طلبه.
عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره فانطلقا حتى إذا كان من الضد وهو قوله سبحانه وتعالى فَلَمَّا جاوَزا يعني ذلك الموضع وهو مجمع البحرين قالَ يعني موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا أي طعامنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أي تعبا وشدة وذلك أنه ألقي على موسى الجوع بعد ما جاوز الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع في طلبه.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٦٣ الى ٧١]
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)
قالَ يعني يوشع أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ وهي صخرة كانت بالموضع الموعود فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ أي تركته وفقدته، وذلك أن يوشع حين رأى من الحوت ذلك قام ليدرك موسى فيخبره فنسي أن يخبره، فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم قال وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ أي وما أنساني أن أذكر لك أمر الحوت إلا الشيطان، قيل المراد من النسيان شغل قلب الإنسان بوساوس الشيطان التي هي فعله دون النسيان الذي يضاد الفكر لأن ذلك لا يصح إلا من قبل الله تعالى وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً قيل هذا من قول يوشع بن نون يعني وقع الحوت في البحر فاتخذ سبيله فيه مسلكا. وروي في الخبر كان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا وقيل أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهرا ثم صار حيا بعد ما أكل بعضه. قوله عز وجل قالَ يعني موسى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ نطلب فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أي رجعا يقصان الذي جاءا منه ويتبعانه فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا قيل كان ملكا من الملائكة والصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاء في التواريخ أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان وكنيته أبو العباس، قيل كان من بني إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا والخضر لقب له، سمي به لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت. (خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنما سمي خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء»، الفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة وقيل سمي خضرا لأنه كان إذا صلّى اخضر ما حوله. وروينا أن موسى رأى الخضر مسجى بثوب فسلم عليه، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا. ومعنى مسجى بثوب أي مغطى بثوب وقوله وأنى بأرضك السلام معناه من أين بأرضك التي أنت فيها الآن السلام. وروي أنه لقيه على طنفسة خضراء على جانب البحر فذلك قوله سبحانه وتعالى فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً أي نعمة مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أي علم الباطن إلهاما ولم يكن الخضر نبيا عند أكثر أهل العلم. فإن قلت ظاهر الآيات يدل على أن الخضر كان أعلى شأنا من موسى وكان موسى يظهر التواضع له والتأدب معه. قلت لا يخلو إما أن يكون الخضر من بني إسرائيل أو من غيرهم فإن كان من بني إسرائيل فهو من أمة موسى، ولا جائز أن يكون أحد الأمة أفضل من نبيها أو أعلى شأنا منه، وإن كان من غير بني إسرائيل فقد قال الله تعالى لبني إسرائيل وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أي على عالمي زمانكم قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ معناه جئت لأصحبك وأتبعك عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً أي صوابا وقيل علما ترشدني به. وفي بعض
قوله عز وجل ﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ ذلك ما كنا نبغ ﴾ نطلب ﴿ فارتدا على آثارهما قصصاً ﴾ أي رجعا يقصان الذي جاءا منه ويتبعانه.
﴿ فوجدوا عبداً من عبادنا ﴾ قيل كان ملكاً من الملائكة والصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في التواريخ أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان وكنيته أبو العباس، قيل كان من بني إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا والخضر لقب له، سمي به لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت. ( خ ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما سمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء »، الفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة وقيل سمي خضراً لأنه كان إذا صلّى اخضر ما حوله. وروينا أن موسى رأى الخضر مسجى بثوب فسلم عليه، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام قال أنا موسى أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً. ومعنى مسجى بثوب أي مغطى بثوب وقوله وأنى بأرضك السلام معناه من أين بأرضك التي أنت فيها الآن السلام. وروي أنه لقيه على طنفسة خضراء على جانب البحر فذلك قوله سبحانه وتعالى ﴿ فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة ﴾ أي نعمة ﴿ من عندنا وعلمناه من لدنا علماً ﴾ أي علم الباطن إلهاماً ولم يكن الخضر نبياً عند أكثر أهل العلم. فإن قلت ظاهر الآيات يدل على أن الخضر كان أعلى شأناً من موسى وكان موسى يظهر التواضع له والتأدب معه. قلت لا يخلو إما أن يكون الخضر من بني إسرائيل أو من غيرهم فإن كان من بني إسرائيل فهو من أمة موسى، ولا جائز أن يكون أحد الأمة أفضل من نبيها أو أعلى شأناً منه، وإن كان من غير بني إسرائيل فقد قال الله تعالى لبني إسرائيل ﴿ وإني فضلتكم على العالمين ﴾ أي على عالمي زمانكم.
﴿ قال له موسى هل أتبعك ﴾ معناه جئت لأصحبك وأتبعك ﴿ على أن تعلمن مما علمت رشداً ﴾ أي صواباً وقيل علماً ترشدني به. وفي بعض الأخبار قال الخضر لموسى : كفى بالتوراة علماً وبني إسرائيل شغلاً، فقال له موسى : إن الله أمرني بهذا.
﴿ قال ﴾ الخضر لموسى ﴿ إنك لن تستطيع معي صبراً ﴾ وإنما قال ذلك لأنه علم أنه يرى أموراً منكرة ولا يجوز للأنبياء الصبر مع المنكرات.
ثم بين عذره في ترك الصبر فقال ﴿ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً ﴾ أي علماً.
﴿ قال ﴾ موسى ﴿ ستجدني إن شاء الله صابراً ﴾ إنما استثنى لأنه لم يثق من نفسه بالصبر ﴿ ولا أعصي لك أمراً ﴾ أي أخالفك فيما تأمرني به.
قال ﴿ فإن اتبعتني ﴾ أي فإن صحبتني ولم يقل اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه شرط عليه ثم شرطاً فقال ﴿ فلا تسألني عن شيء ﴾ أي مما أعمله مما تنكره ولا تعترض عليه ﴿ حتى أحدث لك منه ذكراً ﴾ معناه حتى أبتدأ بذكره فأبين لك شأنه.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ فانطلقا ﴾ أي يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها، فوجدا سفينة فركباها فقال أهل السفينة هؤلاء لصوص، وأمروهما بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكن أرى وجوه الأنبياء. وروينا عن أبي بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول، أي بغير عوض ولا عطاء، فلما لججوا في البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحاً من ألواح السفينة فذلك » قوله تعالى ﴿ حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال ﴾ يعني موسى له ﴿ أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً ﴾ أي أتيت شيئاً عظيماً منكراً. روي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشا به الخرق.
الأخبار قال الخضر لموسى: كفى بالتوراة علما وبني إسرائيل شغلا، فقال له موسى: إن الله أمرني بهذا فحينئذ قالَ الخضر لموسى إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وإنما قال ذلك لأنه علم أنه يرى أمورا منكرة ولا يجوز للأنبياء الصبر مع المنكرات ثم بين عذره في ترك الصبر فقال وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً أي علما قالَ موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً إنما استثنى لأنه لم يثق من نفسه بالصبر وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً أي أخالفك فيما تأمرني به قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي أي فإن صحبتني ولم يقل اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه شرط عليه ثم شرطا فقال فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أي مما أعمله مما تنكره ولا تعترض عليه حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً معناه حتى أبتدئ بذكره فأبين لك شأنه. قوله سبحانه وتعالى فَانْطَلَقا أي يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها، فوجدا سفينة فركباها فقال أهل السفينة هؤلاء لصوص، وأمروهما بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكن أرى وجوه الأنبياء. وروينا عن أبي بن كعب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول، أي بغير عوض ولا عطاء، فلما لججوا في البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من ألواح السفينة فذلك» قوله تعالى حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ يعني موسى له أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أي أتيت شيئا عظيما
منكرا. روي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشا به الخرق.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٧٢ الى ٧٧]
قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)
قالَ العالم وهو الخضر أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ يعني موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ. قال ابن عباس: لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئا آخر. وقيل معناه بما تركت من عهدك والنسيان الترك وقال أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «كانت الأولى من موسى نسيانا والثانية شرطا والثالثة عمدا» وَلا تُرْهِقْنِي أي لا تغشني مِنْ أَمْرِي عُسْراً والمعنى لا تعسر علي متابعتك وسيرها بالاغضاء وترك المناقشة وقيل لا تكلفني مشقة ولا تضيق علي أمري. فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان، يلعبون فأخذ الخضر غلاما ظريفا وضيء الوجه كان وجهه يتوقد حسنا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه. وروى عبد الرزاق هذا الخبر وفيه أشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه. وروي أنه رضخ رأسه بحجر وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله. قال ابن عباس:
كان غلاما لم يبلغ الحنث ولم يكن نبي الله موسى يقول أقتلت نفسا زاكية، إلا وهو صبي لم يبلغ الحنث، وقيل كان رجلا وقيل كان اسمه حيسور وقيل كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه. وقيل كان غلاما يعمل بالفساد ويتأذى منه أبواه. (ق) عن أبي بن كعب قال: قال رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا» لفظ مسلم قالَ يعني موسى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي لم تذنب قط وقرئ زكية وهي التي أذنبت ثم تابت بِغَيْرِ نَفْسٍ أي لم تقتل نفسا حتى يجب عليها القتل لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً أي منكرا عظيما، وقيل النكر أعظم من الأمر لأنه حقيقة الهلاك، وفي خرق السفينة خوف الهلاك، وقيل الأمر أعظم لأن فيه تغريق جمع كثير، وقيل معناه لقد جئت شيئا أنكر من الأول لأن ذاك كان خرقا
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ لا تؤاخذني بما نسيت ﴾. قال ابن عباس : لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئاً آخر. وقيل معناه بما تركت من عهدك والنسيان الترك وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم « كانت الأولى من موسى نسياناً والثانية شرطاً والثالثة عمداً » ﴿ ولا ترهقني ﴾ أي لا تغشني ﴿ من أمري عسراً ﴾ والمعنى لا تعسر علي متابعتك وسيرها بالأغضاء وترك المناقشة وقيل لا تكلفني مشقة ولا تضيق علي أمري.
﴿ فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله ﴾ في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان، يلعبون فأخذ الخضر غلاماً ظريفاً وضيء الوجه كان وجهه يتوقد حسناً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه. وروى عبد الرزاق هذا الخبر وفيه أشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه. وروي أن رضخ رأسه بحجر وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله. قال ابن عباس : كان غلاماً لم يبلغ الحنث ولم يكن نبي الله موسى يقول أقتلت نفساً زكية، إلا وهو صبي لم يبلغ الحنث، وقيل : كان رجلاً وقيل كان اسمه حيسور وقيل كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه. وقيل كان غلاماً يعمل بالفساد ويتأذى منه أبواه. ( ق ) عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً » لفظ مسلم ﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ أقتلت نفساً زكية ﴾ أي لم تذنب قط وقرئ زكية وهي التي أذنبت ثم تابت ﴿ بغير نفس ﴾ أي لم تقتل نفساً حتى يجب عليها القتل ﴿ لقد جئت شيئاً نكراً ﴾ أي منكراً عظيماً، وقيل النكر أعظم من الأمر لأنه حقيقة الهلاك، وفي خرق السفينة خوف الهلاك، وقيل الأمر أعظم لأن فيه تغريق جمع كثير، وقيل معناه لقد جئت شيئاً أنكر من الأول لأن ذاك كان خرقاً يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه.
﴿ قال ﴾ يعني الخضر ﴿ ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ﴾ قيل زاد في هذه الآية قوله لك لأنه نقض العهد مرتين، وقيل إن هذه اللفظة توكيد للتوبيخ.
﴿ قال ﴾ موسى ﴿ إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ﴾ قيل إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه، قال موسى إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني، أي فارقني لا تصاحبني ﴿ قد بلغت من لدني عذراً ﴾ قال ابن عباس : أي قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقيل معناه اتضح لك العذر في مفارقتي والمعنى أنه مدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرتين أولاً وثانياً مع قرب المدة ( ق ) عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رحمة الله علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فلو صبر لرأى العجب » قوله ذمامة هو بذال معجمة أي حياء وإشفاق من الذم واللوم، يقال ذممته ذمامة لمته ملامة ويشهد له قول الخضر هذا فراق بيني وبينك.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ﴾ قال ابن عباس : يعني أنطاكية وقيل الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل هي بلدة بالأندلس ﴿ استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ﴾ قال أبي بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « أتيا أهل قرية لئاماً فطافا في المجلس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما ». وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما. وعن أبي هريرة قال : أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم. وعن قتادة قال : شر القرى التي لا تضيف الضيف ﴿ فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض ﴾ أي يسقط وهذا من مجاز الكلام لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها، فاستعير لها النظر كما أستعير للجدار الإرادة. ﴿ فأقامه ﴾ أي سواه، وفي حديث أبي بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم « فقال الخضر بيده هكذا فأقامه » وقال ابن عباس : هدمه وقعد يبنيه. ﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ لو شئت لاتخذت عليه أجراً ﴾ يعني على إصلاح الجدار جعلاً والمعنى أنك قد علمت أنا جياع، وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو اتخذت على عملك أجراً.
يمكن تداركه بالسد وهذا لا سبيل إلى تداركه قالَ يعني الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قيل زاد في هذه الآية قوله لك لأنه نقض العهد مرتين، وقيل إن هذه اللفظة توكيد للتوبيخ فعند هذا قالَ موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قيل إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه، قال موسى إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فلا تصاحبني، أي فارقني لا تصاحبني قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً قال ابن عباس: أي قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقيل معناه اتضح لك العذر في مفارقتي والمعنى أنه مدحه بهذه الطريقة من حيث أنه احتمله مرتين أولا وثانيا مع قرب المدة (ق) عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«رحمة الله علينا وعلى موسى وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة فقال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فلو صبر لرأى العجب» قوله ذمامة هو بذال معجمة أي حياء وإشفاق من الذم واللوم، يقال ذممته ذمامة يعني لمته ملامة ويشهد له قول الخضر هذا فراق بيني وبينك.
قوله سبحانه وتعالى فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس: يعني أنطاكية وقيل الأيلة وهي أبعد الأرض من السماء وقيل هي بلدة بالأندلس اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما قال أبي بن كعب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
«أتيا أهل قرية لئاما فطافا في المجلس فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما». وروي أنهما طافا في القرية فاستطعماهم فلم يطعموهما واستضافاهم فلم يضيفوهما. وعن أبي هريرة قال: أطعمتهما امرأة من أهل بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعا لنسائهم ولعن رجالهم. وعن قتادة قال: شر القرى التي لا تضيف الضيف فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي يسقط وهذا من مجاز الكلام لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه قرب ودنا من السقوط كما تقول داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت تقابلها، فاستعير لها النظر كما أستعير للجدار الإرادة. فَأَقامَهُ أي سواه، وفي حديث أبي بن كعب عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال الخضر بيده هكذا فأقامه وقال ابن عباس: هدمه وقعد يبنيه. قالَ يعني موسى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً يعني على إصلاح الجدار جعلا والمعنى أنك قد علمت أنا جياع، وأن أهل القرية لم يطعمونا فلو اتخذت على عملك أجرا.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٧٨ الى ٨٢]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
قالَ يعني الخضر هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ يعني هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل إن هذا الإنكار على ترك أخذ الأجر هو المفرق بيننا سَأُنَبِّئُكَ أي سوف أخبرك بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً وقيل إن موسى أخذ بثوب الخضر وقال أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني فقال الخضر أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ قيل كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر، أي يؤجرونها ويكتسبون بها، وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئا لا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته، وإن حال الفقير في الضر والحاجة أشد من حال المسكين، لأن الله تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها أي أجعلها ذات عيب وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ أي أمامهم وقيل خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح. يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً أي كل سفينة صالحة فخرقتها وعبتها حتى لا يأخذها
173
الملك الغاصب وكان اسمه الجلندي والأزدي وكان كافرا وقيل اسمه هدد بن بدد، روي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره وقال أردت إذا هي تمر به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها وانتفعوا بها. قوله عز وجل وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أي خفنا والخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون عن علم بما يخشى منه، وقيل معناه فعلمنا أَنْ يُرْهِقَهُما أي يغشيهما وقيل يكلفهما طُغْياناً وَكُفْراً قيل معناه فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه على دينه فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما الإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه خَيْراً مِنْهُ زَكاةً أي صلاحا وتقوى، وقيل هو في مقابلة قوله تعالى
«أقتلت نفسا زاكية» فقال الخضر أردنا أن يرزقهما الله خيرا منه زكاة وَأَقْرَبَ رُحْماً أي ويكون المبدل منه أقرب عطفا ورحمة لأبويه، بأن يبرهما ويشفق عليهما قيل أبدلهما جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا فهدى الله على يديه أمة من الأمم وقيل ولدت سبعين نبيا، وقيل أبدلهما بغلام مسلم وقيل إن الغلام الذي قتل فرح به أبواه حين ولد وحزن عليه حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض العبد بقضاء الله تعالى فإن قضاء الله سبحانه وتعالى للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
قوله سبحانه وتعالى وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ قيل كان اسمهما أصرم وصريم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما روى أبو الدرداء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
«كان الكنز ذهبا وفضة» أخرجه الترمذي. وقيل كان الكنز صحفا فيها علم. وقال ابن عباس: كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن أيقن بالقدر كيف يغضب، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه. وقيل الكنز إذا أطلق يراد به المال ومع التقييد يراد به غيره، يقال عند فلان كنز علم وكان هذا اللوح جامعا لهما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً قيل إن اسمه كاشح وكان من الأتقياء، قال ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، وقيل كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء، قال محمد بن المنكدر: إن الله سبحانه وتعالى يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم وقال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما أي يدركا ويعقلا قوتهما، وهو البلوغ وقيل ثمان عشرة سنة. فإن قلت كيف قال في الأولى فأردت وفي الثانية فأردنا وفي الثالثة فأراد ربك وما وجه كل واحدة في هذه الألفاظ. قلت إنه لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه على سبيل الأدب مع الله تعالى، فقال فأردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنه من العلماء العظماء في علم الباطن وعلوم الحكمة، وأنه لم يقدم على مثل هذا القتل إلا بحكمة عالية، ولما ذكر رعاية المصالح في مال اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله سبحانه وتعالى لأن حفظ الأبناء وصلاح أحوالهم لرعاية حق الآباء ليس إلا لله سبحانه وتعالى، فلأجل ذلك أضافه إلى الله تعالى وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما يعني إذا بلغا وعقلا وقويا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي نعمة من ربك وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه إياي لأن تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم وتغيير أصولهم، لا يكون إلا بالنص وأمر الله تعالى.
واستدل بعضهم بقوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري على أنه الخضر كان نبيا لأن هذا يدل على الوحي وذلك للأنبياء، والصحيح أنه ولي لله وليس بنبي. وأجيب عن قوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري إنه إلهام من الله سبحانه وتعالى له بذلك، وهذه درجة الأولياء. وقيل معناه إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة الله لأنها بأسرها ترجع إلى معنى واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.
ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أي لم تطق أن تصبر عليه. روي أن موسى عليه السلام لما أراد أن
174
قال الخضر ﴿ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ﴾ قيل كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر، أي يؤجرونها ويكتسبون بها، وفي دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئاً لا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته، وإن حال الفقير في الضر والحاجة أشد من حال المسكين، لأن الله تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة ﴿ فأردت أن أعيبها ﴾ أي أجعلها ذات عيب ﴿ وكان وراءهم ملك ﴾ أي أمامهم وقيل خلفهم وكان رجوعهم في طريقهم عليه والأول أصح. ﴿ يأخذ كل سفينة غصباً ﴾ أي كل سفينة صالحة فخرقتها وعبتها حتى لا يأخذها الملك الغاصب وكان اسمه الجلندي والأزدي وكان كافراً وقيل اسمه هدد بن بدد، روي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ولم يكونوا يعلمون بخبره وقال أردت إذا هي تمر به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها وانتفعوا بها.
قوله عز وجل ﴿ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ﴾ أي خفنا والخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون عن علم بما يخشى منه، وقيل معناه فعلمنا ﴿ أن يرهقهما ﴾ أي يغشيهما وقيل يكلفهما ﴿ طغياناً وكفراً ﴾ قيل معناه فخشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه على دينه.
﴿ فأردنا أن يبدلهما ربهما ﴾ الإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه ﴿ خيراً منه زكاة ﴾ أي صلاحاً وتقوى، وقيل هو في مقابلة قوله تعالى ﴿ أقتلت نفساً زكية ﴾ فقال الخضر أردنا أن يرزقهما الله خيراً منه زكاة ﴿ وأقرب رحماً ﴾ أي ويكون المبدل منه أقرب عطفاً ورحمة لأبويه، بأن يبرهما ويشفق عليهما قيل أبدلهما جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبياً فهدى الله على يديه أمة من الأمم وقيل ولدت سبعين نبياً، وقيل أبدلهما بغلام مسلم وقيل إن الغلام الذي قتل فرح به أبواه حين ولد وحزن عليه حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض العبد بقضاء الله تعالى فإن قضاء الله سبحانه وتعالى للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ﴾ قيل كان اسمهما أصرم وصريم ﴿ وكان تحته كنز لهما ﴾ روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كان الكنز ذهباً وفضة » أخرجه الترمذي. وقيل كان الكنز صحفاً فيها علم. وقال ابن عباس : كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجباً لمن أيقن بالقدر كيف يغضب، عجباً لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجباً لمن أيقن بالحساب كيف يغفل عجباً لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه. وقيل الكنز إذا أطلق يراد به المال ومع التقييد يراد به غيره، يقال عند فلان كنز علم وكان هذا اللوح جامعاً لهما ﴿ وكان أبوهما صالحاً ﴾ قيل إن اسمه كاشح وكان من الأتقياء، وقال ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما، وقيل كان بينهما وبين الأب الصالح سبع آباء، قال محمد بن المنكدر : إن الله سبحانه وتعالى يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم وقال سعيد بن المسيب : إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. ﴿ فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ﴾ أي يدركا ويعقلا قوتهما، وهو البلوغ وقيل ثمان عشرة سنة. فإن قلت كيف قال في الأولى فأردت وفي الثانية فأردنا وفي الثالثة فأراد ربك وما وجه كل واحدة في هذه الألفاظ. قلت إنه لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه على سبيل الأدب مع الله تعالى، فقال فأردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العلماء العظماء في علم الباطن وعلوم الحكمة، وأنه لم يقدم على مثل هذا القتل إلا بحكمة عالية، ولما ذكر رعاية المصالح في مال اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله سبحانه وتعالى لأن حفظ الأبناء وصلاح أحوالهم لرعاية حق الآباء ليس إلا لله سبحانه وتعالى، فلأجل ذلك أضافه إلى الله تعالى ﴿ ويستخرجا كنزهما ﴾ يعني إذا بلغا وعقلا وقويا ﴿ رحمة من ربك ﴾ أي نعمة من ربك ﴿ وما فعلته عن أمري ﴾ أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر والله وإلهامه إياي لأن تنقيص أموال الناس وإراقة دمائهم وتغيير أصولهم، لا يكون إلا بالنص وأمر الله تعالى. واستدل بعضهم بقوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري على أنه الخضر كان نبياً لأن هذا يدل على الوحي وذلك للأنبياء، والصحيح أنه ولي الله وليس بنبي، وأجيب عن قوله سبحانه وتعالى وما فعلته عن أمري إنه إلهام من الله سبحانه وتعالى له بذلك، وهذه درجة الأولياء. وقيل معناه إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة الله لأنهما بأسرها ترجع إلى معنى واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى.
﴿ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً ﴾ أي لم تطق أن تصبر عليه. روي أن موسى عليه السلام لما أراد أن يفارق الخضر قال : أوصني قال : لا تطلب العلم لتحدث به واطلب العلم لتعمل به. واختلف العلماء في أن الخضر حي أم ميت فقيل إنه حي وهو قول الأكثرين من العلماء وهو متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة والحكايات في رؤيته والاجتماع به، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاواه : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة. هذا آخر كلامه، وقيل إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان السبب في حياة الخضر فيما حكي أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذو القرنين دخل الظلمة لطلب عن الحياة، وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فاغتسل وشرب منها وصلى شكراً لله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، فرجع وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله سبحانه وتعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة « أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده ».
يفارق الخضر قال: أوصني قال: لا تطلب العلم لتحدث به واطلب العلم لتعمل به. واختلف العلماء في أن الخضر حي أم ميت فقيل إنه حي وهو قول الأكثرين من العلماء وهو متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة والحكايات في رؤيته والاجتماع به، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاواه: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة. هذا آخر كلامه، وقيل إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان السبب في حياة الخضر فيما حكي أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذو القرنين دخل الظلمة لطلب عين الحياة، وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فاغتسل وشرب منها وصلى شكرا لله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، فرجع وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله سبحانه وتعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد ما صلى العشاء ليلة
«أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حيا لكان لا يعيش بعده».
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٨٣ الى ٩١]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)
وقوله عز وجل وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الإسكندر بن فيلفوس كذا صح الرومي، وكان ولد عجوز ليس لها ولد غيره ونقل الإمام فخر الدين في تفسيره عن أبي الريحان السروري المنجم في كتابه المسمى بالآثار الباقية عن القرون الخالية أنه من حمير واسمه أبو كرب سمي ابن عير بن أبي أفريقيس الحميري وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما | ملكا علا في الأرض غير مفند |
بلغ المشارق والمغارب يبتغي | أسباب ملك من كريم مرشد |
فرآى مآب الشمس عند غروبها | في عين ذي خلب وثأطة حرمد |
قوله فرأى مآب الشمس، أي ذهاب الشمس وقوله في عين ذي خلب أي حمأة، والثأطة الحمأة أيضا والجمع ثأط والحرمد الطين الأسود. وقيل سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها، وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل لأنه دخل النور والظلمة، وقيل لأنه رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس وقيل لأنه كان له ذؤابتان حسنتان، وقيل كان له قرنان تواريهما العمامة، وروي عن علي أنه أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيمن فمات فأحياه الله ثم بعثه فأمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله. واختلفوا في نبوته فقيل كان نبيا ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى قلنا يا ذا القرنين وخطاب الله لا يكون إلا مع الأنبياء وقيل لم يكن نبيا. قال أبو الطفيل: سئل علي عن ذي القرنين أكان نبيا فقال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا أحب الله فأحبه الله وناصح الله، فناصحه الله. وروي أن عمر سمع رجلا يقول لآخر يا ذا القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء، فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة والأصح الذي عليه الأكثرون أنه كان ملكا صالحا عادلا وأنه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال والجنوب وهذا هو القدر المعمور من الأرض، وذلك أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن دان له طوائف ثم مضى إلى ملوك العرب وقهرهم، ومضى حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم رجع إلى مصر وبنى الإسكندرية، وسماها باسمه ثم دخل الشام وقصد بيت المقدس وقرب فيه
قوله سبحانه وتعالى ﴿ إنا مكنا له في الأرض ﴾ أي وطأنا له والتمكين تمهيد الأسباب، قال علي سخر الله له السحاب فحمل عليه ومد له في الأسباب، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير في الأرض وذلك له طريقها. ﴿ وآتيناه من كل شيء ﴾ ما يحتاج إليه الخلق وكل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء ﴿ سبباً ﴾ أي علماً يسبب به إلى كل ما يريده ويسير به في أقطار الأرض وقيل بلاغاً إلى حيث أراد، وقيل قربنا له أقطار الأرض.
﴿ فأتبع سبباً ﴾ أي سلك طريقاً.
﴿ حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ﴾ أي ذات حماة وهي الطينة السوداء، وقرئ حامية أي حارة، وسأل معاوية كعباً : كيف تجد في التوراة تغرب الشمس وأين تغرب ؟ قال : نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين. وقيل يجوز أن يكون معنى في عين حمئة أي عندها عين حمئة، أو في رأي العين، وذلك أنه بلغ موضعاً من المغرب لم يبق بعده شيء من العمران فوجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة. كما أن راكب البحر يرى أن الشمس كأنها تغيب في البحر ﴿ ووجد عندها قوماً ﴾ أي عند العين أمة، قال ابن جريج : مدينة لها اثنا عشر ألف باب يقال إنها الجاسوس واسمها بالسريانية حريحسا سكنها قوم من نسل ثمود الذين آمنوا بصالح لولا ضجيج أهلها، لسمع الناس وجبة الشمس حين تجب أي تغيب ﴿ قلنا يا ذا القرنين ﴾ يستدل بهذا من يزعم أنه كان نبياً فإن الله خاطبه من قال إنه لم يكن نبياً قال المراد منه الإلهام وقيل يحتمل أن يكون الخطاب على لسان غيره ﴿ إما أن تعذب ﴾ يعني تقتل من لم يدخل في الإسلام.
﴿ وإما أن تتخذ فيهم حسنا ﴾ يعني تعفو وتصفح وقيل تأسرهم فتعلمهم الهدى، خيره الله سبحانه وتعالى بين الأمرين.
﴿ قال أما من ظلم ﴾ أي كفر ﴿ فسوف نعذبه ﴾ أي نقتله ﴿ ثم يرد إلى ربه ﴾ أي في الآخرة ﴿ فيعذبه عذاباً نكراً ﴾ أي منكراً يعني بالنار لأنها أنكر من القتل.
﴿ وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى ﴾ أي جزاء أعماله الصالحة ﴿ وسنقول له من أمرنا يسراً ﴾ أي نلين له القول ونعامله باليسر من أمرنا.
﴿ ثم أتبع سبباً ﴾ أي سلك طريقاً ومنازل.
﴿ حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً ﴾ قيل إنهم كانوا في مكان ليس بينهم وبين الشمس ستر من جبل ولا شجر ولا يستقر عليهم بناء، فإذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب لهم تحت الأرض، فإذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقيل إنهم كانوا إذا طلعت الشمس نزلوا في الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كالبهائم، وقيل هم قوم عراة يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحق بالأخرى، وقيل إنهم من قوم من نسل مؤمني قوم هود واسم مدينتهم جابلق واسمها بالسريانية مرقيسيا وهم مجاورون يأجوج ومأجوج.
قوله سبحانه وتعالى ﴿ كذلك ﴾ أي كما بلغ مغرب الشمس كذلك بلغ مطلعها، وقيل معناه أنه حكم في القوم الذين هم عند مطلع الشمس كما حكم في القوم الذين هم عند مغربها وهو الأصح.
﴿ وقد أحطنا بما لديه خبراً ﴾ أي علماً بما عنده ومن معه من الجند والعدة وآلات الحرب، وقيل معناه وقد علمنا حين ملكناه ما عنده من الصلاحية بذلك الملك والاستقلال به والقيام بأمره.
القربان، ثم انعطف إلى أرمينية وبوب الأبواب وبنى السد ودانت له ملوك العراق والنبط والبربر. واستولى على ممالك الفرس ثم مضى إلى الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ثم رجع إلى العراق ومرض بشهرزور ومات بها وحمل إلى حيث هو مدفون وقيل إن عمره كان ألفا وثلاثين سنة ومثل هذا الملك البسيط الذي هو على خلاف العادات وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الأرض فذلك قوله سبحانه وتعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً أي خبرا يتضمن حاله. قوله سبحانه وتعالى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي وطأنا له والتمكين تمهيد الأسباب، قال علي سخر الله له السحاب فحمل عليه ومد له في الأسباب، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء وسهل عليه السير في الأرض وذلل له طريقها. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ما يحتاج إليه الخلق وكل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء سَبَباً أي علما يتسبب به إلى كل ما يريده ويسير به في أقطار الأرض وقيل بلاغا إلى حيث أراد، وقيل قربنا له أقطار الأرض فَأَتْبَعَ سَبَباً أي سلك طريقا حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ذات حماة وهي الطينة السوداء، وقرئ حامية أي حارة، وسأل معاوية كعبا: كيف تجد في التوراة تغرب الشمس وأين تغرب؟ قال: نجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين. وقيل يجوز أن يكون معنى في عين حمئة أي عندها عين حمئة، أو في رأي العين، وذلك أنه بلغ موضعا من المغرب لم يبق بعده شيء من العمران فوجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة. كما أن راكب البحر يرى أن الشمس كأنها تغيب في البحر وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً أي عند العين أمة، قال ابن جريج: مدينة لها اثنا عشر ألف باب يقال إنها الجاسوس واسمها بالسريانية حريحسا سكنها قوم من نسل ثمود الذين آمنوا بصالح لولا ضجيج أهلها، لسمع الناس وجبة الشمس حين تجب أي تغيب قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ يستدل بهذا من يزعم أنه كان نبيا فإن الله خاطبه ومن قال إنه لم يكن نبيا قال المراد منه الإلهام وقيل يحتمل أن يكون الخطاب على لسان غيره إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ يعني تقتل من لم يدخل في الإسلام.
وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً يعني تعفو وتصفح وقيل تأسرهم فتعلمهم الهدى، خيره الله سبحانه وتعالى بين الأمرين قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أي كفر فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي نقتله ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ أي في الآخرة فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي منكرا يعني بالنار لأنها أنكر من القتل وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي جزاء أعماله الصالحة وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي نلين له القول ونعامله باليسر من أمرنا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي سلك طريقا ومنازل حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً قيل إنهم كانوا في مكان ليس بينهم وبين الشمس ستر من جبل ولا شجر ولا يستقر عليهم بناء، فإذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب لهم تحت الأرض، فإذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم وحروثهم. وقيل إنهم كانوا إذا طلعت الشمس نزلوا في الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فرعوا كالبهائم، وقيل هم قوم عراة يفترش أحدهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى، وقيل إنهم قوم من نسل مؤمني قوم هود واسم مدينتهم جابلق واسمها بالسريانية مرقيسيا وهم مجاورون يأجوج ومأجوج. قوله سبحانه وتعالى كَذلِكَ أي كما بلغ مغرب الشمس كذلك بلغ مطلعها، وقيل معناه أنه حكم في القوم الذين هم عند مطلع الشمس كما حكم في القوم الذين عند مغربها وهو الأصح.
وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً أي علما بما عنده ومن معه من الجند والعدة وآلات الحرب، وقيل معناه وقد علمنا حين ملكناه ما عنده من الصلاحية بذلك الملك والاستقلال به والقيام بأمره. قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٩٢ الى ٩٤]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)
176
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ هما هنا جبلان في ناحية الشمال في منقطع أرض الترك حكي أن الواثق بعث بعض من يثق به من أتباعه إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب من الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً أي أمام السدين قيل هم الترك لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قال ابن عباس: لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ فإن قلت كيف أثبت لهم القول وهم لا يفهمون. قلت تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم، وقيل معناه لا يكادون يفقهون قولا إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم الخرس إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أصلهما من أجيج النار وهو ضوؤها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم، وهم من أولاد يافث بن نوح والترك منهم قيل إن طائفة منهم خرجت تغير فضرب ذو القرنين السد فبقوا خارجه فسموا الترك لذلك لأنهم تركوا خارجين. قال أهل التواريخ: أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس
«هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء» وروى حذيفة مرفوعا
«أن يأجوج ومأجوج أمة، وكل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه قد حمل السلاح، وهم من ولد آدم يسيرون إلى خراب الدنيا، وقال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.
وعن علي: منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط في الطول. وقال كعب: هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم «١» ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز. فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله سبحانه وتعالى إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس. يقال له ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج. فقال ذو القرنين بأي قوة أكابدهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم؟
فقال الله تعالى إني سأقويك وأبسط لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك، فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك. فانطلق حتى أتى مغرب الشمس، فوجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد، فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم، حتى أتى هاويل ففعل فيهم كفعله في ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل فيهم كفعله في الأمتين، وجند منهم جندا عظيما ثم أخذ ناحية اليسرى فأتى تأويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض. فلما كان فيما يلي منقطع الترك مما يلي المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس: يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض، وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا شك أنهم يتملكون الأرض ويظهرون عليها
177
﴿ حتى إذا بلغ بين السدين ﴾ هما هنا جبلان في ناحية الشمال في منقطع أرض الترك حكي أن الواثق بعث بعض من يثق به من أتباعه إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب من الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل ﴿ وجد من دونهما قوماً ﴾ أي أمام السدين قيل هم الترك ﴿ لا يكادون يفقهون قولاً ﴾ قال ابن عباس : لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم.
﴿ قالوا يا ذا القرنين ﴾ فإن قلت كيف أثبت لهم القول وهم لا يفهمون. قلت تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم، وقيل معناه لا يكادون يفقهون قولاً إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم الخرس ﴿ إن يأجوج ومأجوج ﴾ أصلهما من أجيج النار وهو ضوؤها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم، وهم من أولاد يافث بن نوح والترك منهم قيل إن طائفة منهم خرجت تغير فضرب ذو القرنين السد فبقوا خارجه فسموا الترك لأنهم تركوا خارجين. قال أهل التواريخ : أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والخزر والصقالبة ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس « هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء » وروى حذيفة مرفوعاً « أن يأجوج ومأجوج أمة، وكل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه قد حمل السلاح، وهم من ولد آدم يسيرون إلى خراب الدنيا، وقال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه بالأخرى وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحق بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.
وعن علي : منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط في الطول. وقال كعب : هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز. فلما بلغ كان عبداً صالحاً قال الله سبحانه وتعالى إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس. يقال له ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض إحداهما في القطر الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج. فقال ذو القرنين بأي قوة أكابدهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم ؟ فقال الله تعالى إني سأقويك وأبسط لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك، فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك. فانطلق حتى مغرب الشمس، فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد، فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جنداً عظيماً وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم، حتى أتى هاويل ففعل فيهم كفعله في ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل فيهم كفعله في الأمتين، وجند منهم جنداً عظيماً ثم أخذ ناحية اليسرى فأتى تأويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض. فلما كان فيما يلي منقطع الترك مما يلي المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض، وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا شك أنهم يتملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجاً، على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ؟ قال :﴿ ما مكَّنيّ فيه ربي خير ﴾ وقال أعدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم.
فانطلق حتى توسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب وأضراس كالسباع، ولهم هدب شعر يواري أجسادهم، ويتقون به من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى، يصيف في واحدة ويشتي في واحدة يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف إلى مابين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الأساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى ﴿ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ﴾ قيل فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا حملوه وأدخلوه أرضهم، فلقوا منهم أذىً شديداً وقيل فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل معناه أنهم سيفسدون عن خروجهم ﴿ فهل نجعل لك خرجاً ﴾ أي جعلاً وأجراً من الأموال ﴿ على أن تجعل بيننا وبينهم سداً ﴾ أي حاجزاً فلا يصلون إلينا.
ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا، على أن تجعل بيننا وبينهم سدا؟ قال: «ما مكّنّي فيه ربي خير» وقال أعدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم.
فانطلق حتى توسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب وأضراس كالسباع، ولهم هدب شعر يواري أجسادهم، ويتقون به من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى، يصيف في واحدة ويشتي في واحدة، يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الأساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ قيل فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا حملوه وأدخلوه أرضهم، فلقوا منهم أذى شديدا وقيل فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل معناه أنهم سيفسدون عند خروجهم فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي جعلا وأجرا من الأموال عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا أي حاجزا فلا يصلون إلينا.
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٩٥ الى ٩٨]
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
قالَ لهم ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما قواني به ربي خير من جعلكم فَأَعِينُونِي يعني لا أريد منكم المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً أي سدا قالوا وما تلك القوة؟ قال فعلة وصناع يحسنون البناء والآلة. قالوا وما تلك الآلة؟ قال: آتُونِي أي أعطوني وقيل جيئوني «١» زُبَرَ الْحَدِيدِ أي قطع الحديد فأتوه بها، وبالحطب فجعل الحطب على الحديد والحديد على الحطب حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي بين طرفي الجبلين قالَ انْفُخُوا يعني في النار حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً أي صار نارا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ أي أصيب عليه قِطْراً أي نحاسا مذابا فجعلت النار تأكل الحطب وجعل النحاس يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس قيل إن السد كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، وقيل إن عرضه خمسون ذراعا وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ، واعلم أن هذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها. فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي يعلو عليه لعلوه وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً أي من أسفله لشدته وصلابته قالَ يعني ذو القرنين هذا أي السد رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي أي نعمة من ربي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي قيل يعني القيامة وقيل وقت خروجهم جَعَلَهُ دَكَّاءَ أي أرضا ملساء وقيل مدكوكا مستويا مع الأرض وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين» قوله وعقد بيده تسعين هو من موضوعات الحساب، وهو أن تجعل رأس إصبعك السبابة في وسط الإبهام من باطنها شبه الحلقة، لكن لا يتبين لها إلا خلل يسير وعنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غدا قال فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا، إن شاء الله تعالى، واستثنى قال فيرجعون فيجدونه
قال :﴿ آتوني ﴾ أي أعطوني وقيل جيئوني ﴿ زبر الحديد ﴾ أي قطع الحديد فأتوه بها، وبالحطب فجعل الحطب على الحديد والحديد على الحطب ﴿ حتى إذا ساوى بين الصدفين ﴾ أي بين طرفي الجبلين ﴿ قال انفخوا ﴾ يعني في النار ﴿ حتى إذا جعله ناراً ﴾ أي صار ناراً ﴿ قال آتوني أفرغ عليه ﴾ أي أصيب عليه ﴿ قطراً ﴾ أي نحاساً مذاباً فجعلت النار تأكل الحطب وجعل النحاس يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس قيل إن السد كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، وقيل إن عرضه خمسون ذراعاً وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ، واعلم أن هذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها. فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه.
﴿ فما استطاعوا أن يظهروه ﴾ أي يعلو عليه لعلوه وملاسته ﴿ وما استطاعوا له نقباً ﴾ أي من أسفله لشدته وصلابته.
﴿ قال ﴾ يعني ذو القرنين ﴿ هذا ﴾ أي السد ﴿ رحمة من ربي ﴾ أي نعمة من ربي ﴿ فإذا جاء وعد ربي ﴾ قيل يعني القيامة وقت خروجهم ﴿ جعله دكاء ﴾ أي أرضاً ملساء وقيل مدكوكاً مستوياً مع الأرض ﴿ وكان وعد ربي حقاً ﴾. ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين » قوله وعقد بيده تسعين هو من موضوعات الحساب، وهو أن تجعل رأس أصبعك السبابة في وسط الإبهام من باطنها شبه الحلقة، لكن لا يتبين لها إلا خلل يسير وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غداً قال فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً، إن شاء الله تعالى، واستثنى قال فيرجعون فيجدونه على هيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس فيستقون المياه وتفر منهم الناس » وفي رواية « تتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون بسهام إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء فيزدادون قسوة وعتواً، فيبعث الله عليهم نغفاً في رقابهم فيهلكون، فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكراً » أخرج الترمذي. وقوله قسوة وعتواً أي غلظة وفظاظة وتكبراً، والنغف دود يكون في أنوف الإبل والغنم وقوله وتشكر يقال شكرت الشاة تشكر شكراً، إذا امتلأ ضرعها لبناً، والمعنى أنها تمتلي أجسامها لحماً وتسمن. ( خ ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج ».
على هيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس فيستقون المياه وتفر منهم الناس» وفي رواية «تتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون بسهام إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء فيزدادون قسوة وعتوا، فيبعث الله عليهم نغفا في رقابهم فيهلكون، فو الذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرا» أخرج الترمذي. وقوله قسوة وعتوا أي غلظة وفظاظة وتكبرا، والنغف دود يكون في أنوف الإبل والغنم وقوله وتشكر يقال شكرت الشاة تشكر شكرا، إذا امتلأ ضرعها لبنا، والمعنى أنها تمتلي أجسامها لحما وتسمن. (خ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج». قوله عز وجل:
[سورة الكهف (١٨): الآيات ٩٩ الى ١٠٥]
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥)
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ قيل هذا عند فتح السد، يقول تركنا يأجوج ومأجوج يموج أي يدخل بعضهم في بعض كموج الماء، ويختلط بعضهم في بعض لكثرتهم، وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض لكثرتهم ويختلط إنسهم بجنهم حيارى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فيه دليل على أن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً أي في صعيد واحد وَعَرَضْنا أي أبرزنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً ليشاهدوها عيانا الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ أي غشاء وستر عَنْ ذِكْرِي أي عن الإيمان والقرآن والهدى والبيان وقيل عن رؤية الدلائل وتبصرها وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أي سمع قبول للإيمان والقرآن لغلبة الشقاء عليهم، وقيل معناه لا يستطيعون أن يسمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لشدة عداوتهم له.
قوله تعالى أَفَحَسِبَ أي أفظن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ يعني أربابا يريد عيسى والملائكة، بل هم لهم أعداء يتبرؤون منهم. وقال ابن عباس: يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله، والمعنى أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي فلا أعاقبهم وقيل معناه أفظنوا أنه ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إِنَّا أَعْتَدْنا أي هيأنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا أي منزلا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي مثواهم وقيل معدة لهم عندنا كالنزل للضيف. قوله تعالى قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا يعني الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبوارا، قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى، وقيل هم الرهبان الذي حبسوا أنفسهم في الصوامع، وقال علي بن أبي طالب:
هم أهل حوراء يعني الخوارج الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ أي بطل عملهم واجتهادهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أي يظنون أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أي عملا ثم وصفهم فقال تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ يعني أنهم جحدوا دلائل توحيده وقدرته، وكفروا بالبعث والثواب والعقاب، وذلك لأنهم كفروا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن فصاروا كافرين بهذه الأشياء فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي بطلت فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً. قيل لا تقيم لهم ميزانا، لأن الميزان إنما توضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليتميزوا مقدار الطاعات ومقدار السيئات. قال أبو سعيد الخدري «يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم من العظم كجبال
﴿ وعرضنا ﴾ أي أبرزنا ﴿ جهنم يومئذ للكافرين عرضاً ﴾ ليشاهدوها عياناً.
﴿ الذين كانت أعينهم في غطاء ﴾ أي غشاء وستر ﴿ عن ذكري ﴾ أي عن الإيمان والقرآن والهدى والبيان وقيل عن رؤية الدلائل وتبصرها ﴿ وكانوا لا يستطيعون سمعاً ﴾ أي سمع قبول للإيمان والقرآن لغلبة الشقاء عليهم، وقيل معناه لا يستطيعون أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة عداوتهم له.
قوله تعالى ﴿ أفحسب ﴾ أي أفظن ﴿ الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ﴾ يعني أرباباً يريد عيسى والملائكة، بل هم لهم أعداء يتبرؤون منهم. وقال ابن عباس : يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله، والمعنى أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي فلا أعاقبهم وقيل معناه أفظنوا أنه ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ﴿ إنا أعتدنا ﴾ أي هيأنا ﴿ جنهم للكافرين نزلاً ﴾ أي منزلاً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي مثواهم وقيل معدة لهم عندنا كالنزل للضيف.
قوله تعالى ﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ﴾ يعني الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلاً ونوالاً فنالوا هلاكاً وبواراً، قال ابن عباس : هم اليهود والنصارى، وقيل هم الرهبان الذي حبسوا أنفسهم في الصوامع وقال علي بن أبي طالب : هم أهل حوراء يعني الخوارج.
﴿ الذين ضل سعيهم ﴾ أي بطل عملهم واجتهادهم ﴿ في الحياة الدنيا وهم يحسبون ﴾ أي يظنون ﴿ أنهم يحسنون صنعاً ﴾ أي عملاً.
ثم وصفهم الله تعالى ﴿ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ﴾ يعني أنهم جحدوا دلائل توحيده وقدرته، وكفروا بالبعث والثواب والعقاب، وذلك لأنهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فصاروا كافرين بهذه الأشياء ﴿ فحبطت أعمالهم ﴾ أي بطلت ﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ﴾. قيل لا تقيم لهم ميزاناً، لأن الميزان إنما توضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليتميزوا مقدار الطاعات ومقدار السيئات. قال أبو سعيد الخدري « يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم من العظم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئاً فذلك قوله تعالى ﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ﴾ وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا شيئاً ذلك قوله تعالى ﴿ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ﴾ وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا حظ ولا قدر ولا وزن ( ق ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرؤوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ".
تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئا فذلك قوله تعالى
«فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا شيئا فذلك قوله تعالى
«فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا» وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا حظ ولا قدر ولا وزن (ق) عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال
«إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا».
[سورة الكهف (١٨): الآيات ١٠٦ الى ١١٠]
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من حبوط أعمالهم وخسة قدرهم، ثم ابتدأ فقال تعالى جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً يعني سخرية واستهزاء. قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا. عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
«إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة». قال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس، فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها. وقيل: الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب. وقيل: هي الجنة الملتفة بالأشجار التي تنبت ضروبا من النبات. وقيل: الفردوس البستان بالرومية. وقيل: بلسان الحبش منقولا إلى العربية نزولا هو ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلا. وقيل في معنى كانت لهم أي في علم الله تعالى قبل أن يخلقوا خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ أي لا يطلبون عَنْها حِوَلًا أي تحولا إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى.
قوله تعالى قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي قال ابن عباس: قالت اليهود يا محمد تزعم أننا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك
«ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» ثم تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل لما نزل
«وما أوتيتم من العلم إلا قليلا» قالت اليهود أوتينا علم التوراة وفيها علم كل شيء.
فأنزل الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ما يستمده الكاتب ويكتب به، وأصله من الزيادة قال مجاهد: لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب قيل والخلائق يكتبون لَنَفِدَ الْبَحْرُ أي لنفد ماؤه قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي أي علمه وحكمه وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً والمعنى ولو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لفني ماء البحر ولم تفن كلمات ربي، ولو جئنا بمثل ماء البحر في كثرته مددا وزيادة. قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ قال ابن عباس: علم الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم التواضع لئلا يزهى على خلقه، فأمره أن يقر فيقول آنا آدمي مثلكم إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به وهو قوله تعالى يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له في ملكه فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ أي يخاف المصير إليه وقيل يؤمل رؤية ربه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً أي من حصل له رجاء لقاء الله تعالى والمصير إليه فليستعمل نفسه في العمل الصالح وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً أي لا يرائي بعمله ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله سبحانه وتعالى وقد يراد به الرياء والسمعة اعتبر فيه قيدان، أحدهما: يراد به سبحانه وتعالى والثاني: أن يكون مبرأ من جهات الشرك جميعها (ق)
180
عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
«من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به» قوله من سمع سمع الله به أي من عمل عملا مراءاة للناس يشتهر بذلك شهرة الله يوم القيامة، وقيل سمع الله به أي أسمعه المكروه (م) عن أبي هريرة قال
«سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إن الله تبارك وتعالى يقول «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ولغير مسلم فأنا منه بريء هو والذي عمله». عن سعيد بن أبي فضالة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول
«إذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان يشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه منه فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
«أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؟ قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء». (م) عن أبي الدرداء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
«من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» وفي رواية من آخرها والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.
181
قوله تعالى ﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً ﴾. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة » قال كعب : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس، فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وقال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها. وقيل : الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب. وقيل : هي الجنة الملتفة بالأشجار التي تنبت ضروباً من النبات. وقيل : الفردوس البستان بالرومية. وقيل : بلسان الحبش منقولاً إلى العربية نزولاً هو ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلاً. وقيل في معنى كانت لهم أي في علم الله تعالى قبل أن يخلقوا.
﴿ خالدين فيها لا يبغون ﴾ أي لا يطلبون ﴿ عنها حولاً ﴾ أي تحولاً إلى غيرها، قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى.
قوله تعالى ﴿ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي ﴾ قال ابن عباس : قالت اليهود يا محمد تزعم أننا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك ﴿ ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ﴾ ثم تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فأنزل الله تعالى وقيل لما نزل ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ﴾ قالت اليهود أوتينا علم التوراة وفيها علم كل شيء.
فأنزل الله تعالى ﴿ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي ﴾ ما يستمده الكتاب ويكتب به، وأصله من الزيادة قال مجاهد : لو كان البحر مداداً للقلم يكتب قيل والخلائق يكتبون ﴿ لنفد البحر ﴾ أي لنفد ماؤه ﴿ قبل أن تنفد كلمات ربي ﴾ أي علمه وحكمه ﴿ ولو جئنا بمثله مداداً ﴾ والمعنى ولو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لفني ماء البحر ولم تفن كلمات ربي، ولو جئنا بمثل ماء البحر في كثرته مدداً وزيادة.
قوله تعالى ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم ﴾ قال ابن عباس : علم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهى على خلقه، فأمره أن يقر فيقول أنا آدمي مثلكم إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به وهو قوله تعالى ﴿ يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ﴾ لا شريك له في ملكه ﴿ فمن كان يرجو لقاء ربه ﴾ أي يخاف المصير إليه وقيل يؤمل رؤية ربه ﴿ فليعمل عملاً صالحاً ﴾ أي من حصل له رجاء لقاء الله تعالى والمصير إليه فليستعمل نفسه في العمل الصالح ﴿ ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ﴾ أي لا يرائي بعمله ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله سبحانه وتعالى وقد يراد به الرياء والسمعة اعتبر فيه قيدان، أحدهما : يراد به سبحانه وتعالى والثاني : أن يكون مبرأ من جهات الشرك جميعها ( ق ) عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به » قوله من سمع سمع الله به أي من عمل عملاً مراآة للناس يشتهر بذلك شهرة الله يوم القيامة، وقيل سمع الله به أي أسمعه المكروه ( م ) عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تبارك وتعالى يقول «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه ولغير مسلم فأنا منه بريء هو والذي عمله » عن سعيد بن أبي فضالة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه نادى منادٍ من كان يشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه منه فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك » أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ؟ قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء ». ( م ) عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال » وفي رواية من آخرها والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.