ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الكهف (١٨) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١)قال أبو جعفر: زعم الأخفش سعيد والكسائي والفراء «١» وأبو عبيد أن في أول هذه السورة تقديما وتأخيرا، وأن المعنى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا.
قَيِّماً نصب على الحال. وقول الضحّاك فيه حسن أنّ المعنى مستقيم أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه، ولا فساد ولا تناقض عِوَجاً مفعول به. يقال: في الدين، وفي الأمر، وفي الطريق عوج، وفي الخشبة والعصا عوج أي عيب أي ليس متناقضا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢]
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢)
لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ نصب بلام كي، والتقدير لينذركم بأسا أي عذابا من عنده.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤]
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (٤)
وَيُنْذِرَ عطف عليه الَّذِينَ مفعولون.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥]
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥)
كَبُرَتْ كَلِمَةً نصب على البيان أي كبرت مقالتهم اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً كلمة من الكلام. وقرأ الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق كبرت كلمة «٢» بالرفع بفعلها أي عظمت كلمتهم، وهي قولهم: اتّخذ الله ولدا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦]
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦)
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ جمع أثر، ويقال: أثر. إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٩٥.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨)
إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها قيل «ما» و «زينة» مفعولان ويكون فيه تقديران:
أحدهما أنه مخصوص للشجر والثمر والمال وما أشبههنّ، والآخر أنه عموم لأنه دالّ على بارئه، وقول آخر أنّ جعلنا هاهنا بمعنى خلقنا يتعدّى إلى «ما» و «زينة» مفعول من أجله، وهذا قول حسن لِنَبْلُوَهُمْ أي لنختبرهم فنأمرهم بالطاعة لننظر أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فالحسن العمل الذي يزهد في الزينة ثم أعلم الله عزّ وجلّ أنه مبيد ذلك كله فقال تعالى: وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨).
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩]
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ أي أبل حسبت أنّهم كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً وفي آيات الله عز وجل مما ترى أعجب منهم. قال ابن عباس: وجّهت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من مكة إلى المدينة ليسألا أحبار يهود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فسألاهم فقالوا: سله عن فتية ذهبوا في الدهر الأول كان لهم حديث عجب، وعن رجل طواف بلغ المشارق والمغارب، وعن الروح، فإن أخبركم بالاثنين فهو نبي، وإن أخبركم بالروح فليس بنبي، فنزلت سورة الكهف.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ أي هاربين بدينهم فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي أعطنا من عندك رحمة تنجينا بها من هؤلاء الكفار وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً أي على ما ننجو به. ويقال: رشد ورشد إلّا أنّ رشدا هاهنا أولى لتتفق الآيات.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ الواحدة أذن مؤنّثة وتحذف الضمة لثقلها فتقول: أذن سِنِينَ ظرف ويقال: سنينا. يجعل الإعراب في النون. عَدَداً نصب لأنه مصدر، ويجوز أن يكون نعتا لسنين يكون عند الفراء بمعنى معدودة، وعند البصريين بمعنى ذات عدد.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٢]
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢)
أَمَداً منصوب عند الفراء «١» من جهتين: إحداهما التفسير، والأخرى بلبثهم أي بلبثهم أمدا. قال أبو جعفر: والجهة الأولى أولى لأن المعنى: عليها، فإن قال قائل:
كيف جاز التفريق بين أحصى وأمدا؟ وقولك: مرّ بنا عشرون اليوم رجلا قبيح، فالجواب أنّ هذا أقوى من عشرين لأن فيه معنى الفعل.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٣]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
الْفِتْيَةُ جمع فتى في أقل العدد، ولا يقاس عليه والكثير فتيان.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٤]
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي شددناها حتّى قالوا بين يدي الكفار رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً مصدر، وحقيقته قول شطط، ويجوز أن يكون مفعولا للقول.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٦]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ والتقدير: اذكروا إذا اعتزلتموهم. هذا قول بعض الفتية لبعض وَما يَعْبُدُونَ في موضع نصب أي واعتزلتم ما يعبدون فلم يعبدوه إِلَّا اللَّهَ استثناء فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ جواب الأمر وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً زعم الأصمعي أنه لا يعرف في كلام العرب إلّا مرفقا بكسر الميم في الأمر وفي اليد وفي كل شيء.
وزعم الكسائي والفراء «٢» أن اللغة الفصيحة كسر الميم، وأن الفتح جائز. قال الفراء:
وكأنّ الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بينه وبين مرفق الإنسان، وقد يفتحان جميعا. فزعم الأخفش سعيد أنّ فيه ثلاث لغات جيدة مرفق ومرفق ومرفق. فمن قال: مرفق جعله مما ينتقل ويعمل به، مثل مقطع، ومن قال: مرفق جعله كمسجد لأنه من رفق يرفق كسجد يسجد، ومن قال: مرفق جعله بمعنى الرفق.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٣٦.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٧]
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧)قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ «١» أدغموا التاء في الزاي والأصل تتزاور، وقرأ أهل الكوفة (تزاور) «٢» حذفوا التاء، وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق وابن عامر (تزور) «٣» مثل تحمرّ، وحكى الفراء: تزوار «٤» مثل تحمارّ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٨]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨)
ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ظرفان فِراراً ورُعْباً منصوبان على التمييز، ولا يجوز عند سيبويه ولا عند الفراء تقديمهما، وأجاز ذلك محمد بن يزيد لأن العامل متصرّف، وروي عن يحيى بن وثاب والأعمش أنهما قرءا لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ بضم الواو.
وهذا جائز لأن الضمة من جنس الواو إلّا أن الكسر أجود، وليس هذا مثل أَوِ انْقُصْ [المزمل: ٣] لأن بعد الواو هاهنا ضمة فِراراً مصدر لأنّ معنى ولّيت فررت.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٩]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩)
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي أيقظناهم لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ أي ليسأل بعضهم بعضا قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ، ويجوز «لبتّم» على الإدغام لقرب المخرجين قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أحدهم: لبثنا يوما، وقال آخر: لبثنا نحوه فقال لهم كبيرهم لا تختلفوا فإنّ الاختلاف هلكة رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ وقرأ أهل المدينة فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ فأدغم، وأدغم ابن كثير القاف في الكاف لتقاربهما، وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو بِوَرِقِكُمْ حذفوا الكسرة لثقلها، وحكى الفراء: أنه يقال: «بورقكم» «٥» بكسر الواو، كما يقال: كبد وفخذ، وحكى غيره: أنه يقال للورق:
رقّة مثل عدة، وهذا على لغة من قال: ورقة فحذف الواو فقال: رقة.
فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ التقدير: أيّ أهلها، وروى سعيد بن جبير عن ابن
(٢) انظر تيسير الداني ١١٦، والبحر المحيط ٦/ ١٠٤. [.....]
(٣) انظر تيسير الداني ١١٦، والبحر المحيط ٦/ ١٠٤.
(٤) انظر البحر المحيط ٦/ ١٠٤.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ١٣٧، والبحر المحيط ٦/ ١٠٧.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٠]
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠)
إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ.
شرط ومجازاة أَوْ يُعِيدُوكُمْ عطف على المجازاة وفي إِذاً معنى الشرط والمجازاة أَبَداً ظرف زمان.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢١]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١)
إِذْ يَتَنازَعُونَ ظرف زمان والعامل فيه ليعلموا إذ بعثناهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٢]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ على إضمار مبتدأ أي هم ثلاثة رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ مبتدأ وخبر، وكذا سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. وفي المجيء بالواو «وثامنهم» خاصة دون ما تقدّم قولان: أحدهما أن دخولها وخروجها واحد، والآخر أنّ دخولها يدلّ على تمام القصة وانقطاع الكلام. ذكر هذا القول إبراهيم بن السريّ فيكون المعنى عليه أنّ الله جلّ وعزّ خبر بما يقولون ثم أتى بحقيقة الأمر فقال: وثامنهم كلبهم. ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ رفع بفعله أي القليل يعلمونهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٣]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣)
غَداً ظرف زمان والأصل فيه غدو.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٤]
إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤)
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نصب على الاستثناء المنقطع.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٥]
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ هذه قراءة «١» أهل المدينة وأبي عمرو
وأبو عبيدة: التقدير ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مائة. قال أبو جعفر: والخفض ردّ على مائة لأنها بمعنى مئين، كما أنشد النحويون: [الكامل] ٢٧٣-
فيها اثنتان وأربعون حلوبة | سودا كخافية الغراب الأسحم «٢» |
يجب أن تتوقّى القراءة به لأن كلام العرب ثلاث مائة سنة فسنة بمعنى سنين فجئت به على المعنى والأصل.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٢٦]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ حذف منه الإعراب لأنه على لفظ الأمر، وهو بمعنى التعجب أي ما أسمعه وما أبصره.
وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: ٥٢] وحجّتهم أنها في السواد بالواو.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم لكتبهم الصلاة والحياة بالواو، ولا تكاد العرب تقول:
الغدوة لأنها معرفة ولا تدخل الألف واللام على معرفة، وروي عن الحسن (لا تعد عينيك) «٣» نصب بوقوع الفعل عليها.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ في خبر إنّ ثلاثة أقوال: منها أن يكون التقدير إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم، ثم حذف منهم لأن الله جلّ وعزّ أخبرنا أنه يحبط أعمال الكفار، وقيل: التقدير: إنّا لا نضيع أجرهم لأن من أحسن عملا لهم، والجواب الثالث أن يكون التقدير: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم جنات عدن وعَمَلًا نصب على البيان.
(٢) الشاهد لعنترة في ديوانه ١٩٣، والحيوان ٣/ ٤٢٥، وخزانة الأدب ٧/ ٣٩٠، وشرح شذور الذهب ٣٢٥، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٨٧، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٦٢٥، وشرح المفصّل ٣/ ٥٥.
(٣) انظر المحتسب ٢/ ٢٧.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣١]
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)يُحَلَّوْنَ فِيها حكى الفراء «١» يُحَلَّوْنَ فِيها يقال: حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست الحلي، ويقال: حلي الشيء يحلى. مِنْ أَساوِرَ في موضع نصب لأنه خبر ما لم يسمّ فاعله مِنْ ذَهَبٍ في موضع نصب على التمييز إلا أن الأفصح في كلام العرب إذا كان الشيء مبهما أن يؤتى بمن والقرآن إنما يأتي بأفصح اللغات فيقال: عنده جبّة من خز وجبّتان خزّا، وأساور من ذهب وسواران ذهبا. وأساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، ويقال: سوار، وحكى قطرب إسوار. قال أبو جعفر: قطرب صاحب شذوذ.
قد تركه يعقوب وغيره، فلم يذكروه. وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ ولو كان سندسا جاز ولكنه مبهم، والفصيح أن يؤتى معه بمن كما تقدم. قال الكسائي: واحد السندس سندسة، وواحد العبقريّ عبقريّة، وواحد الرّفرف رفرفة وواحد الأرائك أريكة نِعْمَ الثَّوابُ رفع بنعم ولو كان نعمت لجاز لأنه للجنّة وهي على هذا وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٢]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ التقدير مثلا مثل الرجلين.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٣]
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها محمول على لفظ كلتا، وأجاز النحويون في غير القرآن الحمل على المعنى، وأن تقول كلتا الجنتين آتتا أكلهما لأن المعنى الجنتان كلتاهما آتتا أكلهما، وأجاز الفراء «٢» كلتا الجنتين آتى أكله قال: لأن المعنى أكل الجنتين، أو كلّ الجنتين. وفي قراءة عبد الله كلّ الجنتين أتى أكله «٣». والمعنى عند الفراء على هذا كلّ شيء من ثمر الجنتين آتى أكله قال: ومن العرب من يفرد واحد كلتا، وهو يريد التثنية، وأنشد: [الرجز] ٢٧٤-
في كلت رجليها سلامي واحده «٤»
قال أبو جعفر: يقول الخليل وسيبويه «٥» رحمهما الله: جاءني كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، كلّه بألف في اللفظ، وقال غيرهما: إلّا أنه يكتب
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٤٢.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١١٩.
(٤) الرجز بغير نسبة في معاني الفراء ٢/ ١٤٢.
(٥) انظر الكتاب ١/ ٢٦٦.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٤]
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤)
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ قال الأخفش: وكان لأحدهما.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٦]
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦)
قرأ أهل المدينة لأجدنّ خيرا مّنهما منقلبا «١» بتثنية منهما وقرأ أهل الكوفة (مِنْها) والتثنية أولى لأن الضمير أقرب إلى الجنتين.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٨]
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨)
لكِنَّا مذهب الكسائي والفراء «٢»، والمازني أن الأصل «لكن أنا» فألقيت حركة الهمزة على نون لكن، وحذفت الهمزة، وأدغمت النون في النون. والوقف عليها لكنّا وهي ألف أنا لبيان الحركة، ومن العرب من يقول: أنه. قال أبو حاتم فرووا عن عاصم لكنّنا هو الله ربّي «٣» وزعم أن هذا لحن يعني إثبات الألف في الإدراج. قال: ومثله قراءة من قرأ كِتابِيَهْ [الحاقة: ١٩] فأثبت الهاء في الإدراج. قال أبو إسحاق: إثبات الألف في لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي في الإدراج جيد لأنه قد حذفت الألف من أنا فجاؤوا بها عوضا. قال: وفي قراءة أبيّ بن كعب لكن أنا هو الله ربّي «٤».
[سورة الكهف (١٨) : آية ٣٩]
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩)
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ في موضع رفع والتقدير إلّا من شاء، ويجوز أيضا عند النحويين أن تكون «ما» في موضع نصب وتكون للشرط، والتقدير أيّ شيء شاء الله كان فحذف الجواب، ومثله فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ [الأنعام: ٣٥]. لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ على التجربة، ويجوز لا قوّة إلّا بالله إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً أَنَا فاصلة لا موضع لها من الإعراب، ويجوز أن يكون في موضع نصب توكيدا للنون والياء، وقرأ عيسى بن عمر إن ترني أنا أقلّ منك مالا «٥» بالرفع يجعل أنا مبتدأ وأقل خبره والجملة في موضع المفعول الثاني والمفعول الأول والنون والياء إلّا أن الياء حذفت لأن الكسرة تدلّ عليها وإثباتها جيد بالغ وهو الأصل ولأنها الاسم على الحقيقة وإنما النون جيء بها لعلّة.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٤٤. [.....]
(٣) انظر تيسير الداني ١١٧.
(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٨٠.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ١٤٥، والبحر المحيط ٦/ ١٢٣.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤١]
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١)أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً التقدير ذا غور، مثل «واسأل القرية» قال الكسائي: يقال:
مياه غور وقد غار الماء يغور غوورا، ويجوز الهمز لانضمام الواو وغورا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٢]
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ اسم ما لم يسمّ فاعله مضمر وهو المصدر، ويجوز أن يكون المخفوض في موضع رفع فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ في موضع نصب أي منقلبا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٣]
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ اسم تكن والخبر لَهُ، ويجوز أن يكون يَنْصُرُونَهُ الخبر.
والوجه الأول عند سيبويه أولى لأنه قد تقدّم له، وأبو العباس يخالفه ويحتج بقول الله جلّ وعزّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: ٤]، وقد أجاز سيبويه الوجه الآخر وأنشد: [الرجز] ٢٧٥-
لتقربنّ قربا جلذيّا | ما دام فيهنّ فصيل حيّا «١» |
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٤]
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)
هُنالِكَ قيل: إن هذا التمام فيكون العامل فيه منتصرا. وأحسن من هذا أن يكون «هنالك» مبتدأ أي في تلك الحال تتبيّن نصرة الله جلّ وعزّ وليّه. وقرأ الكوفيون (الولاية) «٢» أي السلطان وهو بعيد جدّا. وفي «الحقّ» ثلاثة أوجه: قرأ أبو عمرو والكسائي (الحقّ) بالرفع نعتا للولاية، وقرأ أهل المدينة وحمزة الْحَقِّ بالخفض نعتا لله جلّ وعز ذي الحق. قال أبو إسحاق: ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما يقال: هذا لك حقا. هُوَ خَيْرٌ ثَواباً على البيان. وفي عقب ثلاثة أوجه: ضم العين
(٢) انظر تيسير الداني ١١٧.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٤٥]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)
وفي تَذْرُوهُ ثلاثة أوجه: تَذْرُوهُ قراءة العامة. قال الكسائي: وفي قراءة عبد الله تذريه «١» وحكى الكسائي أيضا «تذريه» وحكى الفراء «٢» : أذريت الرجل عن البعير أي قلبته، وأنشد سيبويه والمفضل: [الطويل] ٢٧٦-
فقلت له: صوّب ولا تجهدنّه... فتذرك من أخرى القطاة فتزلق «٣»
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً وهذا من الشكل وقد تكلّم العلماء فيه، فقال قوم: كان بمعنى يكون، وقال آخرون: كان بمعنى ما زال. قال أبو جعفر: ورأيت أبا إسحاق ينكر أن يكون الماضي بمعنى المستقبل إلّا بحرف يدلّ على ذلك. قال: وإنما خوطبت العرب على ما تعرف ولا تعرف في كلامها هذا وأحسن ما قيل في هذا قول سيبويه.
قال: عاين القوم قدرة الله جلّ وعزّ فقيل لهم هكذا كان أي لم يزل مقتدرا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ أي واذكر. قال بعض النحويين: التقدير: والباقيات الصالحات خير يوم نسيّر الجبال. قال أبو جعفر: وهو غلط من أجل الواو. وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً على الحال، وكذا عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
وكذا لا يُغادِرُ في موضع الحال، وكذا حاضِراً.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٠]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ استثناء، وزعم أبو إسحاق أنه استثناء ليس من الأول لأنّ
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٤٦، والبحر المحيط ٦/ ١٢٤.
(٣) الشاهد لعمرو بن عمّار الطائي في الكتاب ٣/ ١١٧، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٦٢، (فيدنك)، ولامرئ القيس في ديوانه ١٧٤، ولسان العرب (ذرا)، والمحتسب ٢/ ١٨١، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨/ ٥٢٦، ومجالس ثعلب ٢/ ٤٣٦، والمقتضب ٢/ ٢٣.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥١]
ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)
قال أبو جعفر: وقرأ أبو جعفر والجحدري وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً بفتح التاء. وفي عضد ستة أوجه: أفصحها «عضد» ولغة بني تميم «عضد» «١» وروي عن الحسن أنه قرأ (عضدا) «٢» بضم العين والضاد، وحكى هارون القارئ «عضد». قال أبو إسحاق: ويجوز «عضد» واللغة السادسة «عضد» على لغة من قال: فخذ، وكتف، وقيل: إن الضمير الذي في ما أَشْهَدْتُهُمْ يعود على إبليس وذرّيته، والمعنى: ما أشهدت إبليس وذرّيته خلق السموات والأرض لأستعين بهم ولا أشهدتهم خلق أنفسهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٢]
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢)
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أي الذين جعلتموهم شركاء في الألوهة والعبادة فنادوهم ليخلّصوكم مما أنتم فيه من العذاب ويجازوكم على عبادتكم إياهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٣]
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ الأصل رأى قلبت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ولهذا زعم الكوفيون أن رأى يكتب بالياء واتّبعهم على هذا بعض البصريين، فأما البصريون الحذاق، منهم: محمد بن يزيد فإنّ هذا كلّه يكتب عندهم بالألف. قال أبو جعفر:
وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: لا يجوز أن يكتب مضى ورمى وكلّ ما كان من ذوات الياء إلّا بالألف، ولا فرق بين ذوات الياء وذوات الواو في الخطّ كما أنه لا فرق بينهما في اللفظ، وإنما الكتاب نقل ما في اللفظ كما أن ما في اللفظ نقل ما في القلب، ومن كتب ذوات شيئا من هذا بالياء فقد أشكل وجاء بما لا يجوز، ولو وجب أن تكتب ذوات الياء بالياء لوجب أن تكتب ذوات الواو بالواو، وهم مع هذا يناقضون فيكتبون، رمى بالياء ورماه بالألف فإن كانت العلّة أنه من ذوات الياء وجب أن يكتبوا رماه بالياء ثم يكتبون ضحا وكسا جمع كسوة وهما من ذوات الواو بالياء. وهذا لا يحصّل ولا يثبت على أصل. قال: فقلت لمحمد بن يزيد: فما بال الكتّاب وأكثر الناس قد اتّبعوهم على هذا الخطأ البيّن؟ قال: الأصل في هذا من الأخفش سعيد لأنه كان رجلا محتالا للتكسّب، فاحتال بهذا وهو الكسائي فهذا هو
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٨٠.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٥]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥)
أَنْ الأولى في موضع نصب والثانية في موضع رفع، وسنة الأولين الاستئصال. أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا «١» على الحال، ومذهب الفراء أن قبلا قبيل أي متفرقا يتلو بعضه بعضا، ويجوز عنده أن يكون المعنى عيانا، قال الأعرج: وكانت قراءته (قبلا) معناه جميعا. قال أبو عمرو: وكانت قراءته (قبلا) «٢» معناه عيانا. قال أبو جعفر: وهذا من المجاز لمّا كانوا قد جاءتهم البراهين وما ينبغي أن يؤمنوا به وما ينبغي أن يقبلوه كانوا بمنزلة من منعه أن يؤمن أحد هذين.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٦]
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦)
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ على الحال.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٧]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧)
وَمَنْ أَظْلَمُ أي لنفسه مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها أي عن قبولها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ترك كفره ومعاصيه فلم يتب منها.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٩]
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩)
وَتِلْكَ في موضع رفع بالابتداء والْقُرى نعت أو بدل أَهْلَكْناهُمْ في موضع الخبر محمول على المعنى لأن المعنى أهل القرى، ويجوز أن يكون تلك في موضع نصب على قول من قال: زيدا ضربته وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً «٣» قيل:
المعنى أنه قيل لهم: إن لم يؤمنوا أهلكتهم وقت كذا ومهلك من أهلكوا، وقرأ عاصم (مهلكا) «٤» بفتح الميم واللام، وهو مصدر هلك، وأجاز الكسائي والفراء لِمَهْلِكِهِمْ
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٣٢.
(٣) انظر تيسير الداني ١١٧.
(٤) انظر تيسير الداني ١١٧. [.....]
مهلك اسم للزمان، والتقدير لوقت مهلكهم كما يقال: أتت الناقة على مضربها.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٠]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ وهو يوشع بن نون. قال الفراء: كلّ من أخذ عن أحد وتعلّم منه فهو فتاه وإن كان شيخا شبّه بالعبد، أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ظرف. قال الفراء «١» :
الحقب في لغة قيس سنة، وفي التفسير أنه ثمانون سنة. قال أبو جعفر: حقيقة الحقب وقت من الزمان مبهم يكون لتمييز سنة أو أقلّ أو أكثر.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦١]
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١)
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً مصدر دلّ عليه «اتّخذ» كما تقول: هو يدعه تركا.
ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا، كما يقال: اتّخذت زيدا وكيلا، ومثله اتّخذت مكان كذا وكذا طريقا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٢]
فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢)
فَلَمَّا جاوَزا التقدير فلمّا جاوزا مجمع البحرين، وحذف المفعول. قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا مفعولان. لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أي
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٣]
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣)
فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ قيل: المعنى نسيت أن أذكر لك خبر الحوت فإنّه حيي ثم انساب في البحر ونسي هذه الآية العظيمة لأن الآيات كانت كبيرة في ذلك الوقت.
وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ ويجوز ضم «٢» الهاء على الأصل، وإثبات الواو جائز، وكذا إثبات الياء إذا كسرت أَنْ أَذْكُرَهُ في موضع نصب على البدل من الهاء بدل الاشتمال، والتقدير وما أنساني أن أذكره إلّا الشيطان أي إن الشيطان وسوس إليه وشغل قلبه حتى نسي فنسب النسيان إلى الشيطان مجازا. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً «٣» قال أبو إسحاق:
فيه وجهان: يكون يوشع صلّى الله عليه وسلّم قال: واتّخذ سبيله في البحر عجبا، والوجه الآخر أن يكون يوشع عليه السلام قال: واتّخذ سبيله في البحر عجبا فقال موسى صلّى الله عليه وسلّم عجبا أي أعجب عجبا. قال: وفيه وجه ثالث هو أولى مما قال أبو إسحاق، وهو أن أحمد بن
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٣٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١٣٨.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٤]
قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤)
قالَ ذلِكَ مبتدأ ما كُنَّا نَبْغِ خبره وحذفت الياء لأنه تمام الكلام فأشبه رؤوس الآيات فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أي رجعا في الطريق الذي جاءا منه يقصّان الأثر قصصا.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦)
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ يكون نعتا، ويكون مستأنفا. وَعَلَّمْناهُ معطوف عليه. مِنْ لَدُنَّا مبنية لأنها لا تتمكن عِلْماً مفعول ثان. وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة رُشْداً «١» وقرأ أبو عمرو (رشدا) «٢» وهما لغتان بمعنى واحد.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٦٨]
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨)
مصدر لأن معنى أحطت به وخبرته واحد، ومثله: [الطويل] ٢٧٧-
فسرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا | ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال «٣» |
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٠]
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠)
قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أي إن رأيت شيئا تنكره فلا تعجلنّ بسؤالي عنه حتّى أذكره لك.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧١]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١)
قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ليغرق أهلها «٤» والمعنى واحد. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قيل: إنما قال له موسى صلّى الله عليه وسلّم هذا لأنه لم يعلم أنه نبيّ وأنّ هذا بوحي. وقيل: لا يجوز أن يكون موسى صلّى الله عليه وسلّم صحبه على أن يتعلم منه إلّا وهو نبيّ لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لا يتعلمون إلّا من الملائكة أو النبيين صلّى الله عليه وسلّم، وإنما
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٤٠، وتيسير الداني ١١٧.
(٣) مرّ الشاهد رقم (٧٨).
(٤) انظر تيسير الداني ١١٨.
شَيْئاً منصوب على أنه مفعول به أي أتيت شيئا، ويجوز أن يكون التقدير: جئت بشيء إمر ثم حذفت الباء فتعدّى الفعل فنصب.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٣]
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)
قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ في معناه قولان: أحدهما روي عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: هذا من معاريض الكلام والآخر أنه نسي فاعتذر ولم ينس في الثانية ولو نسي لاعتذر وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً مفعولان.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٤]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤)
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو «١» وقرأ الكوفيون زَكِيَّةً فزعم أبو عمرو أن زاكية هاهنا أولى لأن الزاكية التي لا ذنب لها: وكان الذي قتله الخضر صلّى الله عليه طفلا، وخالفه في هذا أكثر الناس فقال الكسائي والفراء»
: زاكية واحد، وقال غيرهما: لو كان الأمر على ما قال لكان زكيّة أولى لأن فعيلا أبلغ من فاعل، ولم يصحّ أنّ الذي قتله الخضر كان طفلا بل ظاهر القرآن يدلّ على أنه كان بالغا. يدلّ على ذلك «بغير نفس» فهذا يدلّ على أن قتله بنفسه جائز، وهذا لا يكون لطفل، ولا يقع القود إلا بعد البلوغ نُكْراً الأصل ومن قال «نكرا» حذفت الضمة لثقلها.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٦]
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦)
قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها أي بعد هذه المسألة قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً أي من قبلي قد عذرتك مدافعتي عن صحبتك، وهذه قراءة «٣» أبي عمرو والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ أهل المدينة (من لدني) «٤» بتخفيف النون. والقراءة الأولى أولى في العربية وأقيس لأن الأصل «لدن» بإسكان النون ثم تزيد عليها ياء لتضيفها إلى نفسك ثم تزيد نونا ليسلم سكون نون لدن، كما نقول: عنّي ومنّي فكما لا تقول عني يجب ألّا تقول: لدني، والحجّة في جوازه على ما حكي عن محمد بن يزيد أنّ النون حذفت كما قرأ أهل المدينة فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الحجر: ٥٤] بكسر النون. وأحسن من هذا القول ما
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٥٥.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١٤٢، وتيسير الداني ١١٨.
(٤) انظر البحر المحيط ٦/ ١٤٢، وتيسير الداني ١١٨.
قدني من نصر الخبيبين قدي «١»
فجاء باللغتين جميعا. قال: وأيضا فإن لدن أثقل من عن ومن.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٧]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧)
وقرأ أبو رجاء العطاردي «٢» فأبوا أن يضيفوهما مخففا. يقال: أضفته وضيّفته أي أنزلته ضيفا وضفته أي مالت نزلت به. وهو مشتق من ضاف السّهم أي مال، وضافت الشمس أي مالت للغروب. وهو مخفوض بالإضافة أي بالإضافة الاسم إليه.
وروي عن أبي عمرو ومجاهد لتخذت «٣» يقال: تخذ يتخذ واتّخذ افتعل منه.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٨]
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ تكرير «بين» عند سيبويه على التوكيد أي هذا فراق بيننا أي تواصلنا. قال سيبويه: ومثله أخزى الله الكاذب منّي ومنك أي منّا، وأجاز الفراء قال: هذا فراق بيني وبينك، على الظرف.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٧٩]
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)
أَمَّا السَّفِينَةُ مبتدأ والخبر فَكانَتْ لِمَساكِينَ ولم ينصرف مساكين لأنه جمع لا نظير له في الواحد. وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ أكثر أهل التفسير يقول: وراء بمعنى أمام. قال أبو إسحاق: وهذا جائز لأن وراء مشتقّة من توارى، فما توارى عنك فهو وراءك كان أمامك أم خلفك فيجب على قول أبي إسحاق أن يكون وراء ليس من ذوات الهمزة وأن
«ليس الإمام بالشحيح الملحد»
(٢) وهذه قراءة ابن الزبير والحسن وأبي رزين وابن محيصن وعاصم أيضا، انظر البحر المحيط ٦/ ١٤٣.
(٣) انظر تيسير الداني ١١٨، وهي قراءة ابن كثير أيضا. [.....]
يقال: بين يديك برد، وإن كان لم يأتك، ووراءك برد، وإن كان بين يديك لأنه إذا لحقك صار وراءك.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٠]
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠)
وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ ويجوز عند سيبويه في غير القرآن مؤمنان على أن نضمر في كان و (أبواه مؤمنان) ابتداء وخبر في موضع خبر كان، وحكى سيبويه «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصّرانه» «٢» فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً أي تجاوزا فيما لا يجب. وعلم الله عزّ وجلّ هذا منه إن أبقاه فأمر بفعل الأصلح.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨١]
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)
خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً أكثر أهل التفسير يقول: الزكاة الدين، والرحم:
المودة. قال أبو جعفر: وليس هذا بخارج من اللغة لأن الزكاة مشتقة من الزكاء وهو النماء والزيادة، والرحم من الرّحمة كما قال: [الراجز] ٢٧٩-
يا منزل الرّحم على إدريس | ومنزل اللّعن على إبليس «٣» |
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا. ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ نذكره في العشر الذي بعد هذا لأنه أولى به.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٥]
فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥)
فَأَتْبَعَ سَبَباً «٤» أي من الأسباب التي أوتيها، وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو.
وقراءة الكوفيين (فأتبع) جعلوها ألف قطع، وهذه القراءة اختيار أبي عبيد لأنها من
(٢) مرّ تخريج الحديث في حواشي تفسير الآية ٥٨- سورة النحل.
(٣) الشاهد لرؤبة بن العجاج في اللسان (رحم).
(٤) انظر البحر المحيط ٦/ ١٥١.
وهذا التفريق، وإن كان الأصمعي قد حكاه، لا يقبل إلّا بعلّة أو دليل، وقوله عزّ وجلّ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ليس في الحديث أنه لحقوهم، وإنما الحديث لمّا خرج موسى صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه انطبق عليهم البحر، والحقّ في هذا أنّ تبع واتبع واتّبع لغات بمعنى واحد، وهي بمعنى السير، فقد يجوز أن يكون معه لحاق وأن لا يكون.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧)
وَجَدَها تَغْرُبُ في موضع الحال فِي عَيْنٍ والحمأة الطين المتغير اللون والرائحة. وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أبي إسحاق أنّ المعنى أنّ الله جلّ وعزّ خيّره بين هذين الحكمين وردّ عليّ بن سليمان عليه قوله جلّ وعزّ خيّره لم يصح أن ذا القرنين نبيّ فيخاطب بهذا، وكيف يقول لربه جلّ وعزّ: ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ وكيف يقول: فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ فيخاطب بالنون. قال: والتقدير: قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين. قال أبو جعفر: هذا الذي قاله أبو الحسن لا يلزم منه شيء أما قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ فيجوز أن يكون الله جلّ وعزّ خاطبه على لسان نبي في وقته، ويجوز أن يكون قال له هذا كما قال فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: ٤]، وأما إشكال فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فإن تقديره أن الله جلّ وعزّ لما خيّره بين القتل في قوله إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وبين الاستبقاء في قوله جلّ وعزّ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
قالَ لأولئك القوم. أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أي أقام على الكفر منكم فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي بالقتل ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ أي يوم القيامة فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي شديدا.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٨٨]
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ أي تاب من الكفر. وَعَمِلَ صالِحاً قال أحمد بن يحيى: «أن» في موضع نصب في إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قال ولو رفعه كان صوابا بمعنى فإمّا هو، كما قال: [الطويل] ٢٨٠-
فسيرا فإمّا حاجة تقضيانها | وإمّا مقيل صالح وصديق «١» |
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ١٥٢، ومعاني الفراء ٢/ ١٥٩، وتيسير الداني ١١٨.
والقراءة الثالثة فيها ثلاثة أقوال: قال الفراء: جزاء منصوب على التمييز، والقول الثاني أن يكون مصدرا، وقال أبو إسحاق: هو مصدر في موضع الحال أي مجزيّا بها جزاء، والقراءة الرابعة عند أبي حاتم على حذف التنوين وهي كالثانية وهذا عند غيره خطأ لأنه ليس موضع حذف تنوين لالتقاء الساكنين، فيكون تقديره: فله الثواب جزاء الحسنى وعندها عند العين.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٩ الى ٩٠]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ويقال مطلع وهو القياس.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩١ الى ٩٢]
كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢)
كَذلِكَ بمعنى الأمر كذلك ويجوز أن تكون الكاف في موضع نصب أي تطلع طلوعا كذلك. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ «١» قراءة أهل المدينة وعاصم، وقرأ أهل مكة وأبو عمرو بَيْنَ السَّدَّيْنِ والذي بعده كذلك، وقرأ الكوفيون إلّا عاصما بضمّ هذا وفتح الذي بعده، وتكلّم الناس في السّدّ والسّدّ. فقال عكرمة: كلّ ما كان من صنع الله جل وعز فهو سدّ بالضم، وما كان من صنعة بني آدم فهو سدّ بالفتح، وقال أبو عمرو بن العلاء: السدّ بالفتح هو الحاجز بينك وبين الشيء، والسدّ بالضم ما كان من غشاوة في العين، وقال عبد الله بن أبي إسحاق: السدّ بالفتح ما لم يره عيناك، والسدّ بالضّم ما رأته عيناك. قال أبو جعفر: هذه التفريقات لا تقبل إلا بحجّة ودليل، ولا سيما وقد قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد. ووقع هذا الاختلاف بلا دليل ولا حجّة. والحقّ في هذا ما حكي عن محمد بن يزيد قال: السدّ المصدر، وهذا قول الخليل وسيبويه، والسدّ الاسم. فإذا كان على هذا كانت القراءة بالضم أولى لأن المقصود الاسم لا المصدر. وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ سائر الكوفيون يَفْقَهُونَ قَوْلًا «٢» بضم الياء، وهو
(٢) انظر تيسير الداني ١١٨، والبحر المحيط ٦/ ١٥٤.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٤]
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ بلغتهم أو بإيماء إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «١» وقرأ عاصم والأعرج إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «٢» بالهمز جعلهما مشتقّين من أجيج النار عند الكسائي، ويكونان عربيّين ولم يصرفا جعلا اسمين لقبيلتين. فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ سائر الكوفيين خراجا «٣» ومحمد بن يزيد يذهب إلى أن الخرج: المصدر، والخراج: الاسم، وأن معنى استخرجت الخراج أظهرته، ويوم الخروج يوم الظهور عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قد ذكرناه «٤».
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٥]
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥)
قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ مبتدأ وخبره أي الّذي مكّنّي فيه ربّي من الأسباب التي أوتيتها خير من الخراج الذي تجعلونه لي، وقرأ مجاهد وابن كثير قال ما مكّنني «٥» فلم يدغم لأن النون الأولى من الفعل والثانية ليست منه، والإدغام حسن لاجتماع حرفين من جنس واحد أَجْعَلْ جزم لأنه جواب الأمر.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٦]
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦)
قال الفراء: ساوى وسوّى واحد. قال أبو إسحاق: الصّدفان والصّدفان ناحيتا الجبل. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً «٦» بمعنى أعطوني قطرا أفرغ، وقراءة الكوفيين «ايتوني» بمعنى جيئوني معينين. آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً نصب في هذه القراءة بأفرغ.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٧]
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧)
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ حكى أبو عبيد أن حمزة كان يدغم التاء في الطاء ويشدد
(٢) انظر تيسير الداني ١١٨.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ١٥٤.
(٤) مرّ في إعراب الآية ٩٣- الكهف.
(٥) انظر البحر المحيط ٦/ ١٥٥، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٠٠.
(٦) انظر البحر المحيط ٦/ ١٥٥. [.....]
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٨]
قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)
قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي أي هذا الفعل نعمة من الله عزّ وجلّ، والرحمة من الله جلّ وعزّ هي النعمة والإحسان. فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي أي الوقت الذي وعد فيه أن يأجوج ومأجوج يخرجون جَعَلَهُ دَكَّاءَ بمعنى بقعة دكّاء وأرضا دكّاء.
[سورة الكهف (١٨) : آية ٩٩]
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩)
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ أي خلّيناهم ولم يمنعهم حتّى ماجوا مع الناس.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٠]
وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠)
وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ أي أخرجناها.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠١]
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١)
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ في موضع خفض على النعت للكافرين فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي أي هم بمنزلة من عينه مغطّاة فلا ينظر إلى دلائل الله جلّ وعزّ ولا يسمع وعظه. وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أي ذلك ثقيل عليهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٢]
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ أبو إسحاق يقدره بمعنى أفحسبوا أن ينفعهم ذلك، وقال غيره: في الكلام حذف، والمعنى: أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ولا أعاقبهم.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٣]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ فخالف حمزة في هذا، وقراءة حمزة أصوب وأولى في هذا، وهذا
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٦١٣.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٤]
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في موضع خفض على النعت للأخسرين، ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى هم، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أعني.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١٠٩]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي قيل المعنى لما يقدر أن يتكلّم به والله عزّ وجلّ أعلم بما أراد.
[سورة الكهف (١٨) : آية ١١٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي لست أقدر على أن أكرهكم ولا أن أجبركم على ما أدعوكم إليه، قال أبو إسحاق: يقال حال من المكان يحول حولا إذا تحوّل منه ومثله من المصادر عظم عظما وصغر صغرا. فَلْيَعْمَلْ والأصل فليعمل حذفت الكسرة لثقلها ولأن اللام قد اتصلت بالفاء وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً روي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في المشركين خاصة. قال أبو جعفر: والتقدير على هذا القول: ولا يشرك بالله جلّ وعزّ أحدا فيعبده معه.