تفسير سورة الطارق

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٨٦ شرح إعراب سورة الطارق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الطارق (٨٦) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١)
وَالسَّماءِ خفض بواو القسم. وَالطَّارِقِ عطف عليها من قولهم طرق طروقا إذا أتى ليلا.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٢ الى ٣]
وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)
النَّجْمُ بمعنى هو النجم الثاقب، ويجوز أن يكون الثَّاقِبُ نعتا للطارق، وأصحّ ما قيل في معنى الثاقب ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس الثاقب قال:
يقول: المضيء، وحكى الفراء: ثقب أي ارتفع وأنه زحل، قيل له: الثاقب لارتفاعه، وقال غيره: لطلوعه من المشرق كأنه يثقب موضعه.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ٤]
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا «١» عَلَيْها حافِظٌ قراءة أبي عمرو ونافع والكسائي، وقرأ أبو جعفر والحسن إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) قال أبو جعفر: القراءة الأولى بيّنة في العربية تكون ما زائدة و «إن» مخففة من الثقيلة هذا مذهب سيبويه، وهو جواب القسم، والقراءة الثانية تكون «لمّا» بمعنى إلا عليها. قال أبو جعفر: حكى سيبويه «٢»، أقسمت عليك لمّا فعلت، بمعنى ألا فعلت.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ٥]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)
من نظر القلب والأصل فلينظر حذفت الكسرة لثقلها وجزم الفعل بلام الأمر وكسرت الراء لالتقاء الساكنين. مِمَّ خُلِقَ الأصل مما حذفت الألف لأنها استفهام، وتم الكلام.
(١) انظر تيسير الداني ١٨٠، والبحر المحيط ٨/ ٤٤٨.
(٢) انظر الكتاب ٣/ ١٢٢.

[سورة الطارق (٨٦) : آية ٦]

خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)
قال أبو جعفر: قول الكسائي والفراء أن معنى دافق مدفوق قال: وأهل الحجاز أفعل الناس لهذا يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتا مثل «ماء دافق» وسرّ كاتم أي مكتوم. قال أبو جعفر: فاعل بمعنى مفعول فيه بطلان البيان، ولا يصح ولا ينقاس، ولو جاز هذا لجاز ضارب بمعنى مضروب، والقول عند البصريين أنه على النسب، كما قال: [الطويل] ٥٥٥- كليني لهم يا أميمة ناصب «١» وكما قال: [الطويل] ٥٥٦-
وليس بذي سيف فيقتلني به وليس بذي رمح وليس بنبّال «٢»
[سورة الطارق (٨٦) : آية ٧]
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧)
وقرأ عيسى مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وحكى الأصمعي: الصّلب بمعنى الصلب.
وَالتَّرائِبِ جمع تربية، ويقال: تريب واختلف العلماء في معناه فمن أصح ما قيل فيه ما رواه عطيّة عن ابن عباس قال: الترائب موضع القلادة، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الترائب بين ثدي المرأة، وقال سعيد بن جبير: الترائب الأضلاع إلى أسفل الصلب وقال مجاهد: ما بين المنكبين والصدر، وقال الضحاك: الترائب اليدان والرجلان والعينان، وقال قتادة: الترائب نحو الصلب وروى الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة قال: الترائب غضارة القلب ومنه يكون الولد، قال أبو جعفر: هذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يروى أن الماء يخرج من البدن كلّه حتى من كل شعره إلا أن القول الأول مستعمل في كلام العرب كما قال: [الوافر] ٥٥٧-
ومن ذهب يلوح على تريب كلون العاج ليس بذي غضون «٣»
وكما قال: [الطويل] ٥٥٨-
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسّجنجل «٤»
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٢٦).
(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ٣٣، وشرح أبيات سيبويه ٣/ ٢٢١، والكتاب ٣/ ٤٢٢، وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤١، وشرح المفصّل ٦/ ١٤، ولسان العرب (نبل)، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٤٠، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٧٤٥، ومغني اللبيب ١/ ١١١، والمقتضب ٣/ ١٦٢. [.....]
(٣) الشاهد للمثقب العبد في شعره ص ٣٢، وديوان المفضليات ٥٧٩، وتفسير الطبري ٣٠/ ١٤٥.
(٤) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥، ولسان العرب (سجل)، وتهذيب اللغة ٥/ ٣٧٧، وتاج العروس (ترب) و (فيض)، و (هفف)، و (سجل) وبلا نسبة في لسان العرب (ترب) و (هفف) وديوان الأدب ٢/ ٨٦.
وزعم الفراء «١» أن معنى بين الصلب والترائب من الصلب والترائب لا يجعل بين زائدة ولكن كما يقول: فلان هالك بين هذين.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ٨]
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨)
اختلف العلماء في هذا الضمير. فمن أصحّ ما قيل فيه قول قتادة قال: على بعثه وإعادته فالضمير على هذا للإنسان. قال أبو جعفر: وقرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد عن مندل بن علي عن ليث عن مجاهد إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال على ردّ الماء في الإحليل. وهو مذهب ابن زيد قال على رجعه لقادر على حبسه حتى لا يخرج. هذان قولان، وعن الضحاك كمعناهما، وعنه قول ثالث: على رجعه لقادر قال: على رجعه بعد الكبر إلى الشباب وبعد الشباب إلى الصبا وبعد الصبا إلى النطفة. قال أبو جعفر: والقول الأول أبينهما واختاره محمد بن جرير غير أنه احتجّ بحجة لتقويته هي خطأ في العربية. زعم أن قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ من صلة رجعه يقدره أنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر. قال أبو جعفر:
وهذا غلط، ولو كان كذا لدخل في صلته رجعه ولفرقت بين الصلة والموصول بخبر «إن»، وذلك غير جائز ولكن يعمل في «يوم» ناصر.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٩ الى ١٠]
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠)
أي تختبر وتظهر. قيل: يعني الصلاة والصيام وغسل الجنابة.
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ قال قتادة: من قوة تمنعه من الله عزّ وجلّ: وَلا ناصِرٍ ينصره منه، وقال الثوري: مِنْ قُوَّةٍ من عشيرة وَلا ناصِرٍ حليف.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ١١]
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١)
قال أبو جعفر: أهل التفسير على أنه المطر لأنه يرجع كل عام إلا ابن زيد فإنه قال: وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ شمسها وقمرها ونجومها. وجمع رجع رجعان سماع من العرب على غير قياس، ولو قيس لقيل أرجع ورجوع.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ١٢]
وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢)
لأنها تصدع بالنبات.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١٣ الى ١٤]
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
جواب القسم الثاني أي ذو فصل وكذا وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤).
[سورة الطارق (٨٦) : آية ١٥]
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥)
أي للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ١٦]
وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦)
أمهلهم.
[سورة الطارق (٨٦) : آية ١٧]
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
نعت لمصدر أي إمهالا رويدا. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس «رويدا» قال: يقول: قريبا، وقال الحسن: قليلا.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٥٥.
Icon