تفسير سورة هود

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة هود من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

١١ شرح إعراب سورة هود ع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة هود (١١) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)
قال أبو جعفر: يقال: هذه هود فاعلم بغير تنوين على أنه اسم للسورة لأنك لو سمّيت امرأة بزيد لم تصرف هذا قول الخليل وسيبويه «١»، وعيسى يقول: هذه هود فاعلم بالتنوين على أنه اسم للسورة وكذلك لو سمّى امرأة بزيد لأنه لمّا سكن وسطه خفّ فصرف فإن أردت الحذف صرفت على قول الجميع فقلت: هذه هود فاعلم تريد هذه سورة هود. قال سيبويه: والدليل على هذا أنك تقول: هذه الرحمن فلولا أنك تريد سورة الرحمن ما قلت هذه. كِتابٌ بمعنى هذا كتاب أُحْكِمَتْ آياتُهُ في موضع رفع نعت لكتاب وأحسن ما قيل في معنى «أحكمت» جعلت محكمة كلّها لا خلل فيها ولا باطل وفي ثُمَّ فُصِّلَتْ آياته جعلت متفرّقة ليتدبّر مِنْ لَدُنْ في موضع خفض إلّا أنها مبنيّة على السكون لأنها غير متمكّنة وما بعدها مخفوض بالإضافة، وحكى سيبويه «٢» : لدن غدوة يا هذا لمّا كان يقال: لد، كما أنشد سيبويه: [الرجز] ٢٠٦-
من لد شول فإلى إتلائها «٣»
صارت النون مثلها في عشرين فنصبت ما بعدها حَكِيمٍ أي في أفعاله خَبِيرٍ أي بمصالح خلقه.
[سورة هود (١١) : آية ٢]
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)
أَلَّا قال الكسائي والفراء «٤» : أي بأن لا وقال أبو إسحاق المعنى لئلا تَعْبُدُوا نصب بأن.
[سورة هود (١١) : آية ٣]
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)
(١) انظر الكتاب ٣/ ٢٦٥.
(٢) انظر الكتاب ١/ ٩٢.
(٣) مرّ الشاهد رقم ٧٢ «من لد شولا».
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣.
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا عطف ثُمَّ تُوبُوا عطف أيضا يُمَتِّعْكُمْ جواب الأمر أي يمتعكم بالمنافع مَتاعاً اسم للمصدر حَسَناً من نعته. وَيُؤْتِ عطف على يمتّعكم كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ مفعولان.
[سورة هود (١١) : آية ٥]
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
وروى ابن جريج عن محمد بن عبّاد قال: سمعت ابن عباس يقول: (ألا إنهم تثنوني صدورهم ليستخفوا منه) «١» قال: كانوا لا يجامعون النساء ولا يأتون الغائط وهم يغضون إلى السماء فنزلت هذه الآية، وقيل: كان بعضهم ينحني على بعض ليسارّه وبلغ من جهلهم أن توهموا أن ذلك يخفى على الله جلّ وعزّ، وروى غير محمد بن عباد عن ابن عباس إلا إنهم تثنون صدورهم «٢» ومعنى تثنون والقراءتين الأخريين مقارب لأنها تثنوني حتى يثنوها، وحذف الياء لا يجوز إلا في ضرورة الشعر كما قال: [المتقارب] ٢٠٧-
فهل يمنعني ارتيادي البلاد من حذر الموت أن يأتين «٣»
أو في صلة نحو وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر: ٤] يَسْتَغْشُونَ في موضع خفض بالإضافة.
[سورة هود (١١) : آية ٦]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦)
وَما مِنْ دَابَّةٍ في موضع رفع والمعنى وما دابة إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها رفع بالابتداء وعند الكوفيين بالصفة.
[سورة هود (١١) : آية ٧]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ كسرت إن لأنها بعد القول مبتدأة وحكى سيبويه الفتح لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بفتح اللام التي قبل النون لأنه فعل متقدّم لا ضمير فيه، وبعده لَيَقُولَنَّ لأن فيه ضميرا.
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٠٣، ومعاني الفراء ٢/ ٣.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٠٣، ومختصر ابن خالويه ٥٩.
(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ٩٥، والدرر ٥/ ١٥١، والكتاب ٣/ ٥٧٤، وشرح المفصل ٩/ ٤٠، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٢٤، والمحتسب ١/ ٣٤٩، وبلا نسبة في همع الهوامع ٢/ ٧٨.

[سورة هود (١١) : الآيات ٨ الى ٩]

وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩)
لَيَؤُسٌ من يئس ييأس وحكى سيبويه «١» : يئس ييئس على فعل يفعل، ونظيره حسب يحسب ونعم ينعم وبئس يبئس، وبعضهم يقول: يئس ييأس لا يعرف في كلام العرب إلّا هذه الأربعة الأحرف من السالم جاءت على فعل يفعل في واحد منها اختلاف، فهو يائس ويؤوس على التكثير وكذا فاخر وفخور.
[سورة هود (١١) : آية ١٠]
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠)
قال يعقوب القارئ: وقرأ بعض أهل المدينة إنه لفرح فخور «٢».
قال أبو جعفر: هكذا كما تقول: فطن وحذر وندس ويجوز في كلتا اللغتين الإسكان لثقل الضمة والكسرة.
[سورة هود (١١) : آية ١١]
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا في موضع نصب. قال الأخفش: هو استثناء ليس من الأول وقال الفراء «٣» : هو استثناء من الأول. وَلَئِنْ أَذَقْناهُ أي الإنسان قال: لأن الإنسان بمعنى الناس.
[سورة هود (١١) : آية ١٢]
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ معطوف على تارك، وصدرك مرفوع به. أَنْ يَقُولُوا في موضع نصب أي كراهة أن يقولوا.
[سورة هود (١١) : آية ١٣]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣)
قُلْ فَأْتُوا وبعده.
[سورة هود (١١) : آية ١٤]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)
(١) انظر الكتاب ٤/ ١٦٥.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٠٧، ومختصر ابن خالويه ٥٩.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٤. [.....]
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ولم يقل: لك فهو على تحويل المخاطبة أو على أن تكون المخاطبة له كالمخاطبة للمؤمنين وعلى أن يخاطب مخاطبة الجميع.
[سورة هود (١١) : آية ١٥]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)
مَنْ كانَ في موضع جزم بالشرط، وجوابه نُوَفِّ إِلَيْهِمْ فالأول من اللفظ ماض والثاني مستقبل كما قال زهير: [الطويل] ٢٠٨-
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه «١»
قال مجاهد: نوف إليه حسناته في الدنيا، وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وفّي ثوابها فإن كان مسلما وفي في الدنيا والآخرة وإن كان كافرا وفّي في الدنيا، وقيل: المعنى: من كان يريد بغزوة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم الغنيمة وفيها ولم ينقص منها.
[سورة هود (١١) : آية ١٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)
وَباطِلٌ ابتداء ما كانُوا يَعْمَلُونَ خبره، وقال أبو حاتم: وحذف الهاء. قال أبو جعفر: وهذه لا يحتاج إلى حذف لأنه بمعنى المصدر أي وباطل عمله وفي حرف أبيّ وعبد الله وباطلا ما كانوا يعملون «٢» خبره تكون ما زائدة أي كانوا يعملون باطلا.
[سورة هود (١١) : آية ١٧]
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ابتداء والخبر محذوف أي: أفمن كان على بيّنة من ربّه ومعه من الفضل ما يبين به ذلك لغيّه فهذا على قول علي بن الحسين والحسن بن أبي الحسن قالا: وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ لسانه، وقال عكرمة عن ابن عباس: ويتلوه شاهد منه «جبرائيل» عليه السلام فيكون على هذا «ويتلو البيان والبرهان شاهد من الله عزّ
(١) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٣٠، والخصائص ٣/ ٣٢٤، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٢٦٧، وشرح شواهد المغني ١/ ٣٨٦، ولسان العرب (سبب). وعجزه:
«ولو نال أسباب الماء بسلّم»

(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢١١، ومختصر ابن خالويه ٥٩.
وجلّ»، وقال الفراء: قال بعضهم «ويتلوه شاهد منه» الإنجيل وإن كان قبله أي يتلوه في التصديق. وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى رفع بالابتداء. قال أبو إسحاق: المعنى: ويتلوه من قبله كتاب موسى لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم موصوف في كتاب موسى صلّى الله عليه وسلّم يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: ١٥٧]، وحكى أبو حاتم عن بعضهم أنه قرأ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى «١» بالنصب. قال أبو جعفر: النصب جائز يكون معطوفا على الهاء أي ويتلو كتاب موسى إِماماً وَرَحْمَةً على الحال.
[سورة هود (١١) : آية ٢٠]
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)
يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ أي على قدر كفرهم ومعاصيهم ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ (ما) في موضع نصب على أن يكون المعنى بما كانوا كما تقول: جزيته ما فعل وبما فعل وأنشد سيبويه: [البسيط] ٢٠٩-
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به «٢»
ويجوز أن يكون المعنى: يضاعف لهم العذاب أبدا، والتقدير في العربية وقت ذلك ويجوز أن تكون «ما» نافية لا موضع لها. قال الفراء: ما كانوا يستطيعون السمع لأنّ الله جلّ وعزّ أضلّهم في اللّوح المحفوظ، والجواب الرابع عن أبي إسحاق قال:
لبغضهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعداوتهم له لا يستطيعون أن يستمعوا منه ولا يتفهموا الحجج. قال أبو جعفر: وهذا معروف في كلام العرب أن يقال: فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان إذا كان ذلك ثقيلا عليه. وَما كانُوا يُبْصِرُونَ عطف.
[سورة هود (١١) : آية ٢١]
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١)
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
ابتداء وخبر: ويقال: اللذون ولا يجوز أن يبنى كما يبنى الواحد وفي بنائه أربعة أقوال: قال الأخفش: ضمّت الّذي إلى النون فصار كخمسة عشر، وقيل: لأنه لا يتم إلّا بصلة، ولا يعرب الاسم من وسطه، وقال علي بن سليمان: لأنه يقع لكل غائب، وقال محمد بن يزيد: لأنه يحتاج إلى ما بعده كالحروف إلّا أنه أنّث وثنّي وجمع لأنه نعت ولم تحرّك ياؤه في موضع النصب لأنه ليس بمعرف ولهذا حذفت في التثنية.
(١) وهذه قراءة محمد بن السائب الكلبي وغيره، انظر البحر المحيط ٥/ ٢١١، ومختصر ابن خالويه ٥٩.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٥١).

[سورة هود (١١) : آية ٢٢]

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)
لا جَرَمَ قد تكلّم العلماء فيه، فقال الخليل وسيبويه «١» : جرم بمعنى حقّ، «فإنّ» عندهما في موضع رفع وهذا قول الفراء «٢» ومحمد بن يزيد وزعم الخليل أن «لا» هاهنا جيء بها ليعلم أنّ المخاطب لم يبتدئ كلامه وإنّما خاطب من خاطبه والكلام يجاء به ليدلّ على المعاني. وقال أبو إسحاق: «لا» هاهنا نفي لما ظنّوا أنه ينفعهم كان المعنى لا ينفعهم ذلك جَرَمَ أَنَّهُمْ أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران فإنّ عنده في موضع نصب، وقال الكسائي: في الإعراب لا صدّ ولا منع عن أنهم، وحكى الكسائي فيها أربع لغات «لا جرم»، «ولا عن ذا جرم» و «لا انّ ذا جرم» قال: وناس من فزارة يقولون: لا جر أنهم بغير ميم، وحكى الفراء «٣» فيه لغتين أخريين قال: بنو عامر يقولون: لا ذا جرم، قال: وناس من العرب يقولون: لا جرم بضم الجيم.
[سورة هود (١١) : آية ٢٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣)
إِنَّ الَّذِينَ اسم إنّ آمَنُوا صلة وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ عطف على الصلة قال مجاهد «أخبتوا» اطمأنوا وقال الفراء: أخبتوا إلى ربهم ولربهم واحد وقد يكون المعنى وجّهوا أخباتهم إلى ربهم. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خبر «إنّ».
[سورة هود (١١) : آية ٢٤]
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ابتداء، والخبر كَالْأَعْمى وما بعده. قال الأخفش: أي كمثل الأعمى قال أبو جعفر: التقدير: مثل فريق الكافر كالأعمى والأصمّ ومثل فريق المؤمن كالسميع والبصير ولهذا هَلْ يَسْتَوِيانِ ولا يقع هاهنا من حروف العطف إلّا الواو لأنها للاجتماع، وحكى سيبويه: مررت بأخيك وصديقك.
[سورة هود (١١) : آية ٢٥]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي أي فقال إنّي وأني أي بأنّي.
[سورة هود (١١) : آية ٢٧]
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ قال إسحاق: «الملأ» الرؤساء أي هم مليئون بما
(١) انظر الكتاب ٣/ ١٥٩.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٨.
يقولون: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا نصب على الحال ومثلنا مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدّر فيه التنوين كما قال: [الكامل] ٢١٠-
يا ربّ مثلك في النّساء غريرة «١»
وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا وهم الفقراء والذين لا حسب لهم والخسيسو الصناعات، وفي الحديث أنّهم كانوا حاكة وحجّامين، وكان هذا جهلا منهم لأنهم عابوا نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بما لا عيب فيه لأن الأنبياء صلوات الله عليهم إنّما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات وليس عليهم تغيير الصور والهيئات وهم يرسلون إلى النّاس جميعا فإذا أسلم منهم الذين لم يلحقهم من ذلك نقصان لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم بادِيَ الرَّأْيِ بدأ يبدو إذا ظهر كما قال: [الكامل] ٢١١-
فاليوم حين بدون للنّظّار «٢»
ويجوز أن يكون «بادي الرأي» من بدأ وخفّفت الهمزة، وحقّق أبو عمرو الهمزة فقرأ بادِيَ الرَّأْيِ «٣». قال أبو إسحاق: نصبه بمعنى في بادئ الرأي. قال أبو جعفر: لم يشرح النحويون نصبه فيما علمت بأكثر من هذا فيجوز أن يكون «في» حذفت كما قال جلّ وعزّ وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] ويجوز أن يكون المعنى اتباعا ظاهرا.
[سورة هود (١١) : آية ٢٨]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨)
وحكى الكسائي والفراء «٤» أَنُلْزِمُكُمُوها بإسكان الميم الأولى تخفيفا وقد أجاز سيبويه مثل هذا وأنشد: [السريع] ٢١٢-
فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل «٥»
(١) الشاهد لأبي محجن الثقفي في الكتاب ١/ ٤٩٣، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٥٤٠، وشرح المفصّل ٢/ ١٢٦، وهو ليس في ديوانه، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٣٧، ورصف المباني ١٩٠، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٤٥٧، والمقتضب ٤/ ٢٨٩، وعجزه:
«بيضاء قد متّعتها بطلاق»
(٢) الشاهد من قصيدة للربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير العبسي في شرح ديوان الحماسة للتبريزي ٢/ ٩٩٦، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ١٠١٩، وشرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ١١١، والخصائص ٣/ ٣٠٠، وصدره:
«قد كنّ يخبأن الوجوه تستّرا»
(٣) انظر تيسير الداني ١٠١.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ١٢.
(٥) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٢٢، والكتاب ٤/ ٣١٩، وإصلاح المنطق ٢٤٥، والأصمعيات ١٣٠، وجمهرة اللغة ٩٦٢، وخزانة الأدب ٤/ ١٠٦، والدرر ١/ ١٧٥، ورصف المباني ٣٢٧، وشرح التصريح ١/ ٨٨، وشرح شواهد الإيضاح ٢٥٦، وشرح المفصل ١/ ٤٨، ولسان العرب (دلك) و (حقب)، و (وغل)، والمحتسب ١/ ١٥، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ٦٦، والاشتقاق ٣٣٧، والخصائص ١/ ٧٤، وهمع الهوامع ١/ ٥٤.
ويجوز على قول يونس في غير القرآن أنلزمكمها يجري المضمر مجرى المظهر كما تقول: أنلزمكم تلك.
[سورة هود (١١) : آية ٣٠]
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠)
أَفَلا تَذَكَّرُونَ أدغمت التاء في الذال، ويجوز حذفها فتقول: تذكّرون.
[سورة هود (١١) : آية ٣١]
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أخبر بتواضعه وتذلّله لله جلّ وعزّ وأنه لا يدّعي ما ليس له من خزائن الله جلّ وعزّ وهي أنعامه على من يشاء من عباده، وأنه لا يعلم الغيب لأن الغيب لا يعلمه إلا الله جلّ وعزّ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ أي ولا أقول إنّ منزلتي عند الله جلّ وعزّ منزلة الملائكة. وقد قالت العلماء: الفائدة في هذا الكلام الدلالة على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلّم لدوامهم على الطاعة واتصال عبادتهم إلى يوم القيامة. وَلا أَقُولُ لكم ولا لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ والأصل تزدريهم حذفت الهاء والميم لطول الاسم والدال مبدلة من تاء لأن الزاي مجهورة والتاء مهموسة فأبدل من التاء حرف مجهور من مخرجها. إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي إن قلت هذا وإذن ملغاة لأنها متوسطة.
[سورة هود (١١) : آية ٣٢]
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢)
وعن ابن عباس فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا «١» والجدل في كلام العرب المبالغة في الخصومة والمناظرة مشتق من الجدل وهو شدّة الفتل. ويقال للصقر أجدل لشدّته في الطير.
[سورة هود (١١) : آية ٣٤]
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ أي لأنكم لا تقبلون نصحا.
[سورة هود (١١) : آية ٣٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
إِجْرامِي مصدر أجرم وأجرامي جمع جرم وقد أجرم وجرم.
(١) انظر المحتسب ١/ ٣٢١، ومختصر ابن خالويه ٦٠، والبحر المحيط ٥/ ٢١٩.

[سورة هود (١١) : آية ٣٦]

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ في صرف نوح قولان: أحدهما أنّه أعجميّ ولكنه خفّ لأنه على ثلاثة أحرف، والآخر أنّه عربيّ قال عكرمة: إنما سمّي نوحا لأنه كان يكثر النياحة على نفسه قال: وركب في السفينة لعشر خلون من رجب وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود: ٤٤] لعشر خلون من المحرّم فذلك ستة أشهر وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها ورفعها ثلاثون ذراعا. أَنَّهُ في موضع رفع على أنه اسم ما لم يسمّ فاعله ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون التقدير بأنه، لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ في موضع رفع بيؤمن فَلا تَبْتَئِسْ أي فلا تغتمّ حتى تكون بائسا.
[سورة هود (١١) : آية ٣٧]
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا قيل: معناه بحفظنا، وقيل: بعلمنا، وقيل: لأن الملائكة صلوات الله عليهم كانت تريد ذلك، وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي لا تسألني فيهم فإني مغرقهم.
[سورة هود (١١) : آية ٣٨]
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨)
وَكُلَّما ظرف مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قال الأخفش والكسائي يقال:
سخرت به ومنه.
[سورة هود (١١) : آية ٣٩]
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ قال الكسائي: وناس من أهل الحجاز يقولون: سو تعلمون.
قال: ومن قال: ستعلمون أسقط الواو والفاء جميعا، وحكى الكوفيون: سف تعلمون.
ولا يعرف البصريون إلّا سوف يفعل وسيفعل لغتان ليست إحداهما من الأخرى.
[سورة هود (١١) : آية ٤٠]
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠)
قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ في موضع نصب باحمل. وَأَهْلَكَ عطف عليه إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ «من» في موضع نصب بالاستثناء. وَمَنْ آمَنَ في موضع نصب عطف على اثنين وإن شئت على أهلك، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ رفع بآمن، ولا يجوز نصبه على الاستثناء لأن الكلام قبله لم يتم إلّا أنّ الفائدة في دخول «إلّا» و «ما» أنك لو قلت: آمن معه فلان وفلان جاز أن يكون غيرهم قد آمن فإذا جئت بما وإلا أوجبت لما بعد إنّ ونفيت عن غيرهم.

[سورة هود (١١) : آية ٤١]

وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها بضم ميميهما «١» قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة إلّا من شذّ منهم، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها بفتح الميم وَمُرْساها بضم الميم، وروي عن يحيى بن عيسى عن الأعمش عن يحيى بن وثاب باسم الله مجراها ومرساها «٢» بفتح الميم فيهما، وقرأ مجاهد ومسلم بن جندب وعاصم الجحدري باسم الله مجريها ومرسيها «٣» فالقراءة الأولى بمعنى باسم الله إجراؤها وإرساؤها مرفوع بالابتداء، ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون التقدير باسم الله وقت إجرائها كما تقول: أنا أجيئك مقدم الحاجّ، وقيل:
التقدير باسم الله موضع إجرائها ثم حذف موضع وأقيم مجراها مقامه، وقال الضحاك:
كان إذا قال: باسم الله جرت، وإذا قال: باسم الله رست وتكون الباء متعلّقة باركبوا و «مجراها» بفتح الميم من جرت مجرى و «مرساها» بفتح الميم من رست رسوّا ومرسى إذا ثبتت، ومجريها نعت لله جلّ وعزّ في موضع جرّ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هو مجريها ومرسيها ويجوز النصب على الحال بمعنى أعني.
[سورة هود (١١) : آية ٤٢]
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢)
وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ ويجوز على قول سيبويه وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ مختلس وَكانَ فِي مَعْزِلٍ «٤» وأنشد سيبويه: [الوافر] ٢١٣-
له زجل كأنه صوت حاد «٥»
فأما وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ «٦» فقراءة شاذّة وزعم أبو حاتم أنها تجوز على أنه يريد ابنها ثم يحذف الألف كما تقول: ابنه فتحذف الواو. قال أبو جعفر: هذا الذي قاله أبو حاتم لا يجوز على مذهب سيبويه لأن الألف خفيفة فلا يجوز حذفها والواو ثقيلة يجوز حذفها. وَكانَ فِي مَعْزِلٍ اسم المكان والمصدر معزل يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا
(١) انظر تيسير الداني ١٠١. [.....]
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٤.
(٣) انظر القراآت المختلفة في البحر المحيط ٥/ ٢٢٥، ومعاني الفراء ٢/ ١٤.
(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٦٠.
(٥) مرّ الشاهد رقم (١٧) وعجزه:
«إذا طلب الوسيقة أو زمير»
(٦) انظر مختصر ابن خالويه ٦٠، وهذه قراءة هشام بن عروة.
، وقرأ عاصم يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا بفتح الياء. قال أبو إسحاق: ويجوز في العربية يا بنيّ اركب معنا كما تقول: يا غلامي أقبل وكذا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر: ٥٣] «يا بني اركب معنا» على أن تحذف الياء وتبقي الكسرة دالّة عليها كما تقول: يا غلام أقبل. فأما قراءة عاصم فمشكلة، قال أبو حاتم: يريد يا بنيّاه ثم حذف. قال أبو جعفر، ورأيت عليّ بن سليمان يذهب إلى أنّ هذا لا يجوز لأن الألف خفيفة فلا يحذف.
قال أبو جعفر: وما علمت أحدا من النحويين جوّز الكلام في هذا إلّا أبا إسحاق فإنّه زعم أنّ الفتح من جهتين والكسر من جهتين فالفتح على أن يبدل من الياء ألفا كما قال جلّ وعزّ أحيانا يا وَيْلَنا [هود: ٧٢]. وكما قال: [الطويل] ٢١٤-
فيا عجبا من رحلها المتحمّل «١»
فيريد بابنيّا ثم حذف الألف لالتقاء الساكنين كما تقول: جاءني عبد الله في التثنية، والجهة الأخرى أن تحذف الألف لأنّ النداء موضع حذف ولكن على أن تحذف الياء، والجهة الأخرى على أن يحذفها لالتقاء الساكنين. وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ يدلّ هذا- والله أعلم- على أنّ نوحا صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم أنه كافر وأنه ظنّ أنا مؤمن.
[سورة هود (١١) : آية ٤٣]
قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)
قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ على التبرئة ويجوز «لا عاصم اليوم» تكون «لا» بمعنى ليس إِلَّا مَنْ رَحِمَ في موضع نصب استثناء ليس من الأول ويجوز أن تكون في موضع رفع على أنّ عاصما بمعنى معصوم مثل ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦] ومن أحسن ما قيل فيه أن يكون «من» في موضع رفع والمعنى لا يعصم اليوم من أمر الله إلّا الراحم أي إلّا الله جلّ وعزّ ويحسن هذا لأنك لم تجعل عاصما بمعنى معصوم فتخرجه من بابه.
[سورة هود (١١) : آية ٤٤]
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤)
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ قيل: هذا مجاز لأنها موات وقيل: جعل فيها ما تميّز به، والذي قال إنّها مجاز، قال: لو فتّش كلام العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الآية على حسن نظمها وبلاغة وصفها واشتمال المعاني فيها، وحكى الكسائي
(١) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص ١١، وشرح شواهد المغني ٢/ ٥٥٨، ولسان العرب (عقر)، وتهذيب اللغة ١/ ٢١٨، ومقاييس اللغة ٤/ ٩٠، وتاج العروس (عقر)، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٤٩، ومغني اللبيب ١/ ٢٠٩، وصدره:
«ويوم عقرت للعذارى مطيّتي»
والفراء «١» بلعت وبلعت، وَغِيضَ الْماءُ يقال: غاض الماء وغضته، ويجوز غيض الماء، بضم الغين وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فبيّن الإعراب فيه لأن الياء مشدّدة فقبلها ساكن، وحكى الفراء: واستوت على الجودي، بإسكان الياء لأن قبلها مكسورا وهي مخفّفة وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ والذي قال هذه فيما روي نوح صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون، أي أبعد الله الظالمين فبعدوا بعدا على المصدر.
[سورة هود (١١) : آية ٤٥]
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥)
إِنَّ ابْنِي اسم إنّ مِنْ أَهْلِي في موضع الخبر. وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ اسم «إن» وخبرها، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ابتداء وخبره.
[سورة هود (١١) : آية ٤٦]
قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «٢» قد ذكرناه. فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي بي من لم يعلم أنه مؤمن، إِنِّي أَعِظُكَ أي أعظك بنهيي وزجري لئلّا تكون، والبصريون يقدرون كراهة أن يكون.
[سورة هود (١١) : آية ٤٧]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)
أي أسألك أن توفّقني وتلطف لي حتّى لا أسأل ذلك وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي يدلّ على أنّ الأنبياء صلوات الله عليهم يذنبون أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي رحمتك يوم القيامة.
[سورة هود (١١) : آية ٤٨]
قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)
قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ أي من السفينة بِسَلامٍ أي بسلامة. وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ أي نعم ثابتة مشتقّ من بروك الجمل وهو ثباته وإقامته. مِمَّنْ مَعَكَ «من» للتبعيض وتكون لبيان الجنس. وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ أي وتكون أمم. قال الأخفش سعيد: كما تقول: كلّمت زيدا وعمرو جالس، وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما «٣» وتقديره وسنمتّع أمما.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ١٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٢٩.
(٣) انظر معاني الفراء ١/ ١٨.

[سورة هود (١١) : آية ٤٩]

تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)
تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ أي تلك الأنباء وفي موضع آخر ذلك أي ذلك النبأ فَاصْبِرْ أي فاصبر على أذى قومك كما صبر هؤلاء الرسل صلّى الله عليهم وسلّم.
[سورة هود (١١) : آية ٥٠]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠)
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً نصب بمعنى وأرسلنا. قال أبو إسحاق: قيل له أخوهم لأنه منهم أو لأنه من بني آدم عليه السلام كما أنهم من بني آدم ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ على اللفظ وغيره على الموضع وغيره على الاستثناء. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ أي ما أنتم في اتّخاذكم إلها غيره إلّا كاذبون عليه جلّ وعزّ.
[سورة هود (١١) : آية ٥١]
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١)
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً حذفت الياء لأن النداء موضع حذف لكثرته، ويجوز إثباتها لأنها اسم.
[سورة هود (١١) : آية ٥٢]
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)
يُرْسِلِ السَّماءَ جزم لأنه جواب وفيه معنى المجازاة مِدْراراً على الحال وفيه معنى التكثير، والعرب تحذف الهاء في مفعال على النسب. وَيَزِدْكُمْ عطفا على يرسل.
[سورة هود (١١) : آية ٥٤]
إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤)
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا على تذكير بعض ويجوز التأنيث على المعنى.
[سورة هود (١١) : آية ٥٦]
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ أي رضيت بحكمه ووثقت بنصره. وما مِنْ دَابَّةٍ في موضع رفع بالابتداء. إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي يصرّفها كيف يشاء ويمنعها مما شاء أي فلا يصلون إلى ضرري، وكلّ ما فيه الروح يقال: له دابّ ودابّة والهاء للمبالغة إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قيل: معناه لا خلل في تدبيره ولا تفاوت في خلقه.

[سورة هود (١١) : آية ٥٧]

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)
فَإِنْ تَوَلَّوْا في موضع جزم فلذلك حذفت منه النون، والأصل تتولّوا فحذفت التاء لاجتماع تاءين وإنّ المعنى معروف فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ بمعنى قد بيّنت لكم وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ مستأنف، ويجوز أن يكون عطفا على ما يجب فيما بعد الفاء ويجوز الجزم في غير القرآن مثل وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ [الأنعام: ١١٠] وكذا وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً.
[سورة هود (١١) : آية ٥٨]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨)
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا لأنّ أحدا لا ينجو إلا برحمة الله تعالى وإن كانت له أعمال صالحة، وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل هذا، وقيل: معنى بِرَحْمَةٍ مِنَّا بأن بيّنا لهم الهدى الذي هو رحمة.
[سورة هود (١١) : آية ٥٩]
وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)
وَتِلْكَ عادٌ ابتداء وخبر، وحكى الكسائي والفراء «١» إنّ من العرب من لا يصرف عادا أي يجعله اسما للقبيلة.
[سورة هود (١١) : آية ٦٠]
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)
أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ قال الفراء «٢» : أي كفروا نعمة ربّهم قال: ويقال: كفرته وكفرت به، وشكرت له وشكرته.
[سورة هود (١١) : آية ٦١]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وإلى ثمود أخاهم صالحا وصرفا ثمودا في سائر القرآن ولم يصرف حمزة ثمود في شيء من القرآن، وكذا روي عن الحسن واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع، وزعم أبو عبيد أنه لولا مخالفة السواد لكان الوجه ترك الصرف إذ كان الأغلب عليه التأنيث. قال أبو جعفر: الذي قاله أبو عبيد رحمه الله من أن الغالب عليه التأنيث كلام مردود لأن ثمودا يقال له حيّ ويقال له قبيلة وليس الغالب عليه القبيلة بل الأمر
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ١٩.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠.
على ضدّ ما قال عند سيبويه، والأجود عند سيبويه فيما لم يقل فيه بنو فلان الصرف نحو: قريش وثقيف وما أشبههما وكذا ثمود، والعلة في ذلك أنه لمّا كان التذكير الأصل وكان يقع له مذكّر ومؤنّث كان الأصل والأخفّ أولى والتأنيث جيّد بالغ حسن، وأنشد سيبويه في التأنيث: [الكامل] ٢١٥-
غلب المساميح الوليد سماحة وكفى قريش المعضلات وسادها «١»
غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ ولا يجوز إدغام الهاء في الهاء إلّا على لغة من حذف الواو في الإدراج إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ أي قريب الإجابة.
[سورة هود (١١) : آية ٦٤]
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤)
هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ ابتداء وخبر، وقيل: ناقة الله لأنه أخرجها لهم من جبل على ما طلبوا على أنهم يؤمنون. لَكُمْ آيَةً نصب على الحال. فَذَرُوها أمر فلذلك حذفت منه النون، ولا يقال: وذر ولا واذر إلّا شاذا، وللنحويين فيه قولان: قال سيبويه «٢» : استغنوا عنه بترك، وقال غيره: لما كانت الواو ثقيلة وكان في الكلام فعل بمعناه لا واو فيه ألغوه، تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ جزم لأنه جواب الأمر. قال أبو إسحاق:
ويجوز رفعه على الحال والاستئناف. وَلا تَمَسُّوها جزم بالنهي. قال الفراء. بِسُوءٍ أي بعقر فَيَأْخُذَكُمْ جواب النهي عَذابٌ قَرِيبٌ من عقرها.
[سورة هود (١١) : آية ٦٥]
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥)
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا أي بنعم الله جلّ وعزّ قبل العذاب. ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ظرف زمان.
[سورة هود (١١) : آية ٦٦]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦)
قال أبو حاتم: حدّثنا أبو زيد عن أبي عمرو أنه قرأ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أدغم الياء في الياء وأضاف وكسر الميم من يومئذ. قال أبو جعفر: الذي يرويه النحويون مثل سيبويه ومن قاربه عن أبي عمرو في مثل هذا الإخفاء فأما الإدغام فلا يجوز لأنه يلتقي
(١) الشاهد لعديّ بن الرقاع في ديوانه ص ٤٠، وخزانة الأدب ٤٠، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٨٢، والطرائف الأدبية ٩٠، ولسان العرب (قرش) ولجرير في لسان العرب (سمح)، وليس في ديوانه، وهو بلا نسبة في الإنصاف ص ٥٠٦، وما ينصرف وما لا ينصرف ٥٩، والمقتضب ٣/ ٣٦٢، والكتاب ٣/ ٢٧٤.
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٢٢٨.
ساكنان ولا يجوز كسر الزاي. قال أبو جعفر: ومن قرأ من خزي يومئذ حذف التنوين وأضاف ومن نوّن نصب يومئذ على أنه ظرف ومن حذف التنوين ونصب فقال ومن خزي يومئذ فله تقديران عند النحويين: فتقدير سيبويه أنه مبنيّ لأن ظرف الزمان ليس الإعراب فيه متمكنا فلما أضيف إلى غير معرب بني وأنشد: [الطويل] ٢١٦-
على حين ألهى الناس جلّ أمورهم «١»
وقال أبو حاتم: جعل «يوم» و «إذ» بمنزلة خمسة عشر.
[سورة هود (١١) : آية ٦٧]
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧)
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ صيح بهم فماتوا وذكّر لأن الصيحة والصياح واحد، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ قيل: ساقطين على وجوههم.
[سورة هود (١١) : آية ٦٩]
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩)
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قيل: بالولد، وقيل: بشروه بأنهم رسل الله جلّ وعزّ وأنّه لا خوف عليه. قالُوا سَلاماً في نصبه وجهان: يكون مصدرا، والوجه الآخر أن يكون منصوبا بقالوا كما يقال: قالوا خيرا والتفسير على هذا روى يحيى القطّان عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالُوا سَلاماً أي سددا، قالَ سَلامٌ «٢» في رفعه وجهان: أحدهما على إضمار مبتدأ أي هو سلام وأمري سلام، والآخر بمعنى سلام عليكم. قال الفراء «٣» : ولو كانا جميعا منصوبين أو مرفوعين جاز، غير أن الفراء اعتلّ لأن كان الأول منصوبا والثاني مرفوعا فقال: قالوا سلاما فقال إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم هو سلام إن شاء الله. فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ سيبويه يذهب إلى أنّ «أن» في موضع نصب، قال: تقول: لا يلبث أن يأتيك أي عن إتيانك وأجاز الفراء: أن يكون موضعها بلبث أي فما أبطأ مجيئه.
(١) الشاهد لأعشى همدان في الحماسة البصرية ٢/ ٢٦٢، ولشاعر من همدان في شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٧١، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير في المقاصد النحوية ٣/ ٤٦، وهو مع آخر في ملحق ديوان الأحوص ص ٢١٥، وملحق ديوانه جرير ١٠٢١، وبلا نسبة في الكتاب ١/ ١٧١، والإنصاف ٢٩٣، وجمهرة اللغة ٦٨٢، والخصائص ١/ ١٢٠، وسرّ صناعة الإعراب ص ٥٠٧، وشرح الأشموني ١/ ٢٠٤، وشرح التصريح ١/ ٣٣١، وشرح ابن عقيل ٢٨٩، ولسان العرب (ندل) و (خشف) وعجزه:
«فندلا زريق المال ندل الثعالب» [.....]
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٤١.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢١.

[سورة هود (١١) : آية ٧٠]

فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠)
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ هذه لغة أهل الحجاز، ولغة أسد وتميم «أنكرهم» وقال امرؤ القيس: [الطويل] ٢١٧-
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها «١»
ويروى للأعشى: [البسيط] ٢١٨-
وأنكرتني وما كان الّذي نكرت من الحوادث إلّا الشّيب والصّلعا «٢»
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قال سيبويه: وناس من ربيعة يقولون: «منهم» أتبعوها الكسرة ولم يكن المسكّن عندهم حاجزا حصينا. قال أبو جعفر: وقيل: إنما أوجس منهم خيفة لأنه كان يقيم معتزلا في ناحية فخاف أن يكونوا عزموا له على شرّ، وكان الضّيفان إذا لم يأكلوا فإنما أرادوا شرّا.
[سورة هود (١١) : آية ٧١]
وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١)
وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ ابتداء وخبر، فَضَحِكَتْ قد ذكرناه، وقيل: إنما ضحكت لأنهم أحيوا العجل بإذن الله عزّ وجلّ فلما لحق بأمه ضحكت فلما ضحكت بشروها بإسحاق وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ رفعه من جهتين: إحداهما بالابتداء ويكون في موضع الحال أي بشروها بإسحاق مقابلا له يعقوب، والوجه الآخر أن يكون التقدير ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب، ولا يكون على هذا داخلا في البشارة، وقرأ حمزة وعبد الله بن عامر وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ والكسائي والأخفش وأبو حاتم يقدّرون يعقوب في موضع خفض، وعلى مذهب سيبويه والفراء «٣»، يكون في موضع نصب. قال الفراء: ولا يجوز الخفض إلّا بإعادة الخافض.
قال سيبويه ولو قلت: مررت بزيد أوّل من أمس وأمس عمرو كان قبيحا خبيثا لأنك فرّقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو كما تفرّق بين الجارّ
(١) هذا الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص ٦٨، وعجزه:
«ولا ابن جريج في قربه حمص أنكرا»
(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٥١، ولسان العرب (نكر)، وتهذيب اللغة ١٠/ ١٩١، وديوان الأدب ٢/ ٢٣٥، وأساس البلاغة (نكر)، وتاج العروس (نكر) و (صلع)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٥/ ٤٧٦، والمحتسب ٢/ ٢٩٨، وتفسير الطبري ١٢/ ٧١.
(٣) انظر الكتاب ١/ ١٤٧، ومعاني الفراء ٢/ ٢٢.
والمجرور. قال أبو جعفر: يكون التقدير: من وراء إسحاق وهبنا له يعقوب كما قال «١» :[البسيط] ٢١٩-
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيّار
أو عامر بن طفيل في مركّبه أو حادثا يوم نادى القوم يا حار
[سورة هود (١١) : آية ٧٢]
قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)
قالَتْ يا وَيْلَتى بإمالة الألف وتفخيمها. قال أبو إسحاق: أصلها الياء فأبدل من الياء ألف. وَهذا بَعْلِي ابتداء وخبر شَيْخاً على الحال. قال أبو إسحاق: والحال هاهنا نصبها من لطيف النحو وغامضه لأنك إذا قلت: هذا زيد قائما، وكان المخاطب لا يعرف زيدا لم يجز لأنه لا يكون زيدا ما دام قائما فإذا زال ذلك لم يكن زيدا فإذا كان يعرف زيدا صحّت المسألة، والعامل في الحال التنبيه والإشارة. قال الأخفش:
وفي قراءة أبيّ وابن مسعود وهذا بعلي شيخ قال الفراء «٢» : وفي قراءة ابن مسعود وهذا بعلي شيخ. قال أبو جعفر: الرفع من خمسة أوجه: تقول هذا زيد قائم، فزيد بدل من هذا وقائم خبر المبتدأ، ويجوز أن يكون هذا مبتدأ وزيد قائم خبرين، وحكى سيبويه: هذا حلو حامض: ويجوز أن يكون «قائم» مرفوعا على إضمار هذا أو هو، ويجوز أن يكون مرفوعا على البدل من زيد، والوجه الخامس أن يكون هذا مبتدأ وزيد مبيّنا عنه وقائم خبرا.
[سورة هود (١١) : آية ٧٣]
قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ مبتدأ، والخبر في عَلَيْكُمْ وحكى سيبويه «عليكم» بكسر الكاف لمجاورتها الياء أَهْلَ الْبَيْتِ منصوب على النداء ويسمّيه سيبويه «٣» تخصيصا إِنَّهُ حَمِيدٌ أي محمود مَجِيدٌ أي ماجد.
[سورة هود (١١) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ، مذهب الأخفش والكسائي أن يجادلنا في موضع جادلنا. قال أبو جعفر: لما كان جواب «لمّا» يجب أن يكون للماضي جعل المستقبل مكانه كما أنّ الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه، وفي جواب آخر يكون «يجادلنا» في موضع الحال أي أقبل يجادلنا
(١) مرّ الشاهد رقم ١٣٥.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٣.
(٣) انظر الكتاب ٢/ ٢٤٠.
وهذا قول الفراء «١». ويقال: أناب إذا رجع، فإبراهيم صلّى الله عليه وسلّم كان راجعا إلى الله جلّ وعزّ في أموره كلّها.
[سورة هود (١١) : آية ٧٧]
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧)
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وإن شئت ضممت السين لأن أصلها الضمّ. الأصل سوئ بهم من السوء، قلبت حركة الواو على السين فانقلبت ياء فإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على الياء فقلت: سي بهم مخففا. ولغة شاذة التشديد. وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً على البيان وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ وعصبصب على التكثير أي مكروه مجتمع الشرّ، وقد عصب أي عصب بالشرّ عصابة، ومنهم قيل: عصابة وعصبة أي مجتمعو الكلمة ومجتمعون في أنفسهم، وعصبة الرجل المجتمعون معه في النسب، وتعصّبت لفلان صرت كعضبته، ورجل معصوب مجتمع الخلق.
[سورة هود (١١) : آية ٧٨]
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ في موضع الحال. قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي ابتداء وخبر، هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ وقرأ عيسى بن عمر هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، وروى سيبويه: «احتبى ابن مروان «٢» في اللّحن، أي حين قرأ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ» «٣» قال أبو حاتم: ابن مروان قارئ أهل المدينة. قال الكسائي: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ «٤» صواب يجعل هنّ عمادا. قال أبو جعفر: قول الخليل وسيبويه والأخفش أن هذا لا يجوز ولا تكون «هنّ» هاهنا عمادا، قال: وإنما تكون عمادا فيما لا يتمّ الكلام إلا بما بعدها نحو: كان زيد هو أخاك، لتدلّ بها على أن الأخ ليس بنعت. قال أبو إسحاق: وتدلّ على أنّ كان تحتاج إلى خبر، وقال غيره: يدلّ بها على أن الخبر معرفة أو ما قاربها. وَلا تُخْزُونِ في ضيفي أي لا تهينوني ولا تذلوني، وضيف يقع للاثنين والجميع على لفظ الواحد لأنه في الأصل مصدر، ويجوز فيه التثنية والجمع. أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي يرشدكم وينهاكم.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٣.
(٢) هو محمد بن مروان السديّ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، انظر غاية النهاية ٢/ ٢٦١.
(٣) انظر الكتاب ٢/ ٤١٧.
(٤) هذه قراءة الحسن وزيد بن علي، وعيسى بن عمر، وسعيد بن جبير ومروان بن الحكم أيضا، انظر معجم القراءات القرآنية ٣/ ١٢٦، والبحر المحيط ٥/ ٢٤٧، وتفسير الطبري ١٢/ ٥٢، والكشاف ٢/ ٢٨٣، والمحتسب ١/ ٣٢٥.

[سورة هود (١١) : آية ٧٩]

قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩)
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ أي لأنا لم نتزوّج بهن.
[سورة هود (١١) : آية ٨١]
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ أي لن يصلوا إليك بمكروه فيروى أنه لمّا قالوا له هذا خلّى بين قومه وبين الدخول فأمرّ جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم يده على أعينهم فعموا وعلى أيديهم فجفّت فرجعوا إلى منازلهم مسرعين. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يقال: سرى وأسرى إذا سار بالليل لغتان فصيحتان، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ نصب بالاستثناء، وهي القراءة البيّنة.
والمعنى فأسر بأهلك إلّا امرأتك، وقد قال جلّ وعزّ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أي من الباقين لم يخرج بها، وإن كان قد قيل فيه غير هذا، ويدل أيضا على النصب أنه في قراءة عبد الله فأسر بأهلك إلا امرأتك «١» وقد قيل: المعنى لا يلتفت منكم أحد إلى ما خلّف وليخرج مع لوط صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير إلا امرأتك بالرفع على البدل، فأنكر هذه القراءة جماعة منهم أبو عبيد، قال أبو عبيد: ولو كان كذا لكان «ولا يلتفت» بالرفع، وقال غيره:
كيف يجوز أن يأمرها بالالتفات؟ قال أبو جعفر: وهذا الحمل من أبي عبيد ومن غيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحلّه من العربية لا يجب أن يكون، والتأويل له على ما حكى محمد بن يزيد قال: هذا كما يقول الرجل لحاجبه لا يخرج فلان فلفظ النهي لفلان ومعناه للمخاطب أي لا تدعه يخرج، فكذا لا يلتفت منكم أحد إلّا امرأتك، ومثله لا يقم أحد إلّا زيد، يكون معناه انههم عن القيام إلّا زيدا، ووجه آخر يكون معناه مر زيدا وحده بالقيام.
أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ لأن لوطا صلّى الله عليه وسلّم استعجلهم بالعذاب لغيظه على قومه، وقرأ عيسى بن عمر أَلَيْسَ الصُّبْحُ «٢» بضم الباء وهي لغة.
[سورة هود (١١) : آية ٨٢]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢)
جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها مفعولان، حكى أبو عبيد عن الفراء أنه قد يقال «٣» لحجارة الأرحاء سِجِّيلٍ وحكى عنه محمد بن الجهم أن سجّلا طين يطبخ حتى يصير بمنزلة الأرحاء، مَنْضُودٍ من نعت سجيل.
[سورة هود (١١) : آية ٨٣]
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣)
مُسَوَّمَةً من نعت حجارة. قال الفراء «٤» : زعموا أنها كانت مخطّطة بحمرة
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٤٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٤٩. [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤.
وسواد في بياض، فذلك تسويمها أي علاماتها. قال: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ يعني قوم لوط بِبَعِيدٍ قال: لم تكن تخطئهم.
[سورة هود (١١) : آية ٨٤]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤)
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً لم تنصرف مدين لأنها اسم مدينة.
[سورة هود (١١) : آية ٨٦]
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦)
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ابتداء وخبر. وقد ذكرنا معناه وقد قيل: المعنى: ما يبقيه الله جلّ وعزّ لكم من رزقه وحفظه. خَيْرٌ لَكُمْ ممّا تأخذونه بالبخس والظلم. وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي لا يتهيّأ لي أن أحفظكم من إزالة نعم الله جلّ وعزّ عنكم بمعاصيكم.
[سورة هود (١١) : آية ٨٧]
قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)
قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَنْ في موضع نصب، وقال الكسائي: موضعها خفض على إضمار الباء، أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا (أن) في موضع نصب لا غير عطف على (ما) والمعنى أو تأمرك أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، وزعم الفراء «١» أنّ التقدير: أو تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء، وقرأ الضحاك بن قيس أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء بالتاء فأن على هذه القراءة معطوفة على أن الأولى. إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ. قال أبو جعفر: قد ذكرناه وفيه زيادة هي أحسن ممّا تقدم ولأن ما قبلها يدلّ على صحّتها أي أنت الحليم الرشيد فكيف تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا ويدلّ عليها أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أنكروا لمّا رأوا من كثرة صلاته وعبادته وأنه حليم رشيد أن يكون يأمرك بترك ما كان يعبد آباؤهم، وهذا جهل شديد أو مكابرة وبعده أيضا ما يدلّ عليه.
[سورة هود (١١) : آية ٨٨]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨)
أي أفلا أنهاكم عن الضلال، وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ في موضع نصب بأريد.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٥.

[سورة هود (١١) : آية ٨٩]

وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩)
وقرأ يحيى بن وثاب لا يجرمنّكم بضم الياء شِقاقِي في موضع رفع أَنْ يُصِيبَكُمْ في موضع نصب. وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ قال الكسائي أي دورهم في دوركم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٩١ الى ٩٢]
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢)
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ يقال فقه يفقه إذا فهم فقها وفقها، وحكى الكسائي فقهانا وفقه فقها إذا صار فقيها. وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً على الحال. وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ رفع بالابتداء، وكذا أَرَهْطِي والمعنى أرهطي في قلوبكم أعظم من الله عزّ وجلّ وهو يملككم. وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا مفعولان.
[سورة هود (١١) : آية ٩٣]
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)
مَنْ في موضع نصب مثل يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة: ٢٢٠] وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ عطف عليها، وأجاز الفراء «١» أن يكون موضعهما رفعا بجعلهما استفهاما. ويدلّ على القول الأول أنّ من الثانية موصولة ومحال أن يوصل بالاستفهام، وقد زعم الفراء أنهم إنما جاءوا بهو في وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ لأنهم لا يقولون: من قائم إنما يقولون: من قام ومن يقوم ومن القائم، فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل. قال أبو جعفر: ويدلّ على خلاف هذا قوله: [الخفيف] ٢٢٠-
من رسول إلى الثّريّا بأنّي ضقت ذرعا بهجرها والكتاب «٢»
[سورة هود (١١) : آية ٩٥]
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)
وحكي أن أبا عبد الرحمن السلميّ قرأ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ «٣» بضم العين. قال أبو جعفر: المعروف في اللغة أنه يقال: بعد يبعد بعدا وبعدا إذا هلك.
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٦.
(٢) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة ص ٤٣٠.
(٣) وهي قراءة أبي حيوة أيضا، انظر البحر المحيط ٥/ ٢٥٧، ومختصر ابن خالويه ٦١.

[سورة هود (١١) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقال: قدمهم يقدمهم قدما وقدوما إذا تقدّمهم وَبِئْسَ الْوِرْدُ رفع ببئس الْمَوْرُودُ رفع بالابتداء وإن شئت على إضمار مبتدأ، وكذا بئس الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ حكى الكسائي وأبو عبيدة «١» : رفدته أرفده رفدا أي أعنته وأعطيته، واسم العطيّة الرفد.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٠]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠)
ذلِكَ رفع على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك وإن شئت بالابتداء، وكذا مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ أي منها موجود مبني ومنها مخسوف به وذاهب. قال الأخفش سعيد:
حصيد أي محصود وجمعه حصدى وحصاد مثل مرضى ومراض، قال: ويجوز فيمن يعقل حصداء مثل قبيل وقبلاء.
[سورة هود (١١) : آية ١٠١]
وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)
وَما ظَلَمْناهُمْ أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه، وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وحكى سيبويه أنه يقال: ظلم إياه. وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ مفعولان وهو مجاز لمّا كانت عبادتهم إياها قد خسرتهم ثواب الآخرة، قيل: ما زادوهم غير تخسير.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٢]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ ابتداء وخبر، وقرأ عاصم الجحدريّ وكذلك أخذ ربّك إذ أخذ القرى «٢» فإذ لما مضى أي حين أخذ القرى، وإذا للمستقبل أي متى أخذ القرى وَهِيَ ظالِمَةٌ أي أهلها مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢].
[سورة هود (١١) : آية ١٠٣]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)
ذلِكَ يَوْمٌ ابتداء وخبر مَجْمُوعٌ من نعته الناس اسم ما لم يسمّ فاعله ولهذا لم يقل: مجموعون، ويجوز أن يكون الناس رفعا بالابتداء، ومجموع له خبره ولم يقل:
مجموعون لأن «له» يقوم مقام الفاعل.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٥]
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)
يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه «٣» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي
(١) انظر مجاز القرآن ١/ ٢٩٨.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦٠.
(٣) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦١.
بإثبات الياء في الإدراج وحذفها في الوقف، وحكي أن أبيّا وابن مسعود رضي الله عنهما قرأ يوم يأتي «١» بإثبات الياء في الوقف والوصل، وقرأ الأعمش وحمزة يَوْمَ يَأْتِ «٢» بغير ياء في الوقف والوصل. قال أبو جعفر: الوجه في هذا أن لا يوقف عليه وأن يوصل بالياء لأن جماعة من النحويين قالوا لا وجه لحذف الياء، ولا يجزم الشيء بغير جازم فأما الوقف بغير ياء ففيه قول الكسائي قال: لأن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذف الياء كما يحذف الضمة، على أنّ أبا عبيد قد احتجّ بحذف الياء في الوقف والوصل بحجتين: إحداهما أنه زعم أنه رآه في الإمام الذي يقال له مصحف عثمان رضي الله عنه بغير ياء، والحجة الأخرى أنه حكى أنها لغة هذيل يقولون: ما أدر. قال أبو جعفر: أما حجته بمصحف عثمان رضي الله عنه فشيء يرده عليه أكثر العلماء. قال مالك بن أنس رحمه الله: سألت عن مصحف عثمان رضي الله عنه، فقيل لي قد ذهب وأما الحجة بقولهم: ما أدر فلا حجّة فيه لأن هذا الحرف قد حكاه النحويون القدماء وذكروا علته، وأنه لا يقاس عليه والعلّة فيه عند سيبويه، وإن كان سيبويه حكى: لا أدري، كثرة الاستعمال، ومعنى كثرة الاستعمال أنه نفي لكل ما جهل، وأنشد الفراء في حذف الياء: [الرجز] ٢٢١-
كفّاك كفّ ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسّيف الدّما «٣»
لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ والأصل تتكلّم حذفت إحدى التاءين تخفيفا.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٦]
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا ابتداء فَفِي النَّارِ في موضع الخبر، وكذا لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ قال أبو العالية: الزفير من الصدر والشهيق من الحلق. قال أبو إسحاق: الزفير من شديد الأنين وقبيحه، والشهيق من الأنين المرتفع جدا. قال: وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في النهيق.
[سورة هود (١١) : آية ١٠٧]
خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)
خالِدِينَ فِيها نصب على الحال ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ في موضع نصب أي دوام السموات والأرض والتقدير وقت ذلك، إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ في موضع نصب، لأنه استثناء ليس من الأول وقد ذكرنا معناه.
(١) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦٢.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٧، والأضداد لابن الأنباري ٦٤.

[سورة هود (١١) : آية ١٠٨]

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)
وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بضم السين، وقال أبو عمرو:
والدليل على أنه سعدوا أن الأول شقوا ولم يقل: أشقوا قال أبو جعفر: رأيت علي بن سليمان يتعجّب من قراءة الكسائي سُعِدُوا مع علمه بالعربية إذ كان هذا لحنا لا يجوز لأنه إنما يقال: سعد فلان وأسعده الله جلّ وعزّ فأسعد مثل أمرض وإنما احتجّ الكسائي بقولهم: مسعود ولا حجّة له فيه لأنه يقال: مكان مسعود فيه ثم يحذف فيه ويسمّى به واحتجّ بقول العرب: فغرفاه وفغرفوه، وكذا شحاه «١» وسار الدابة وسرته ونزحت البئر ونزحتها وجبر العظم وجبرته، وذا لا يقاس عليه إنما ينطق منه بما نطقت به العرب.
قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: لو قال لنا قائل: كيف تنطقون بالمتعدّي من فغرفوه؟ ما قلنا إلّا أفغرت فاه، وهذا الذي قال حسن ويكون فغرفاه ليس بمتعدّي ذلك ولكنها لغة على حدة. عَطاءً اسم للمصدر غَيْرَ مَجْذُوذٍ من نعته يقال: جذّه وحذّه كما قال: [الطويل] ٢٢٢-
تجذّ السّلوقيّ المضاعف نسجه ويوقدن بالصّفّاح نار الحباحب «٢»
[سورة هود (١١) : آية ١٠٩]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)
فَلا تَكُ في موضع جزم بالنهي وحذف النون لكثرة الاستعمال. وأحسن ما قيل في معناه: قل لكل من شكّ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ إنّ الله جلّ وعزّ ما أمرهم به وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم.
[سورة هود (١١) : آية ١١٠]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠)
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ والكلمة أنّ الله جلّ وعزّ حكم أن يؤخّرهم إلى يوم القيامة لما علم من الصلاح في ذلك. ولولا ذلك لقضي بينهم
(١) شحا يشحو الرجل: فتح فاه.
(٢) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٤٦ «تقدّ السلوقيّ.. وتوقد»، ولسان العرب (حجب) و (صفح) و (سلق)، ومقاييس اللغة ٢/ ٢٨، والتنبيه والإيضاح ١/ ٥٨، ومجمل اللغة ٢/ ٢٨، وكتاب العين ٥/ ٧٧، وتهذيب اللغة ٤/ ٢٥٧، وجمهرة اللغة ١٧٤، وبلا نسبة في كتاب العين ٣/ ١٢٢، وجمهرة اللغة ٨٥١، وتاج العروس (حبب) و (صفح) و (سلق). [.....]
بأن يثاب المؤمن ويعاقب الكافر. وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ من نعت شكّ.
[سورة هود (١١) : آية ١١١]
وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)
وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا فيها ثماني قراءات «١» خمس منها موافقة للسواد. قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بتشديد «إنّ» وتخفيف «لما»، وقرأ نافع بتخفيفهما جميعا. وقرأ أبو جعفر وشيبة وحمزة وهو المعروف من قراءة الأعمش بتشديدهما جميعا وقرأ عاصم بتخفيف «إن» وتشديد «لمّا»، وقرأ الزهري «٢» بتشديد «لمّا» والتنوين، فهذه خمس قراءات، وروي عن الأعمش وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا بتخفيف «إن» ورفع «كلّ» وتشديد «لمّا».
قال أبو حاتم: وفي حرف أبيّ وإن كلّ إلّا ليوفّينّ ربّك أعمالهم. وفي حرف ابن مسعود وإن كلّ إلّا ليوفّينّهم ربّك أعمالهم. قال أبو جعفر: القراءة الأولى أبينها ينصب «كلّا» بأنّ اللام للتوكيد وما صلة والخبر في ليوفّينّهم، والتقدير وإنّ كلّا ليوفّينّهم، وقراءة نافع على هذا التقدير إلّا أنه خفّف «إن» وأعملها عمل الثقيلة. وقد ذكر هذا الخليل وسيبويه وهو عندهما كما يحذف من الفعل ويعمل كما قال: [الطويل] ٢٢٣-
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السّلم «٣»
وأنكر الكسائي أن تخفّف «إن» وتعمل وقال: ما أدري على أي شيء قرأ وإن كلّا، وقال الفراء: نصب كلّا بقوله: لنوفّينّهم. وهذا من كثير الغلط، لا يجوز عند أحد: زيدا لأضربنّه، والقراءة الثالثة بتشديدهما جميعا عند أكثر النحويين لحن، حكي عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز، ولا يقال: إن زيدا إلا لأضربنّه، ولا لمّا لأضربنه، وقال الكسائي: الله جلّ وعزّ أعلم بهذه القراءة ما أعرف لها وجها. قال أبو جعفر: وللنحويين بعد هذا أربعة أقوال: قال الفراء «٤» : الأصل وإنّ كلّا لممّا فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت إحداهن قال أبو إسحاق هذا خطأ لأنه يحذف النون من «من»
(١) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٨، والبحر المحيط ٥/ ٢٦٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦٦.
(٣) الشاهد لابن صريم اليشكري في الكتاب ٢/ ١٣٤، ولعلباء بن أرقم في الأصمعيات ١٥٧، والدرر ٢/ ٢٠٠، وشرح التصريح ١/ ٢٣٤، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٨٤، ولزيد بن أرقم في الإنصاف ١/ ٢٠٢، ولكعب بن أرقم في لسان العرب (قسم) ولباغت بن صريم اليشكري في تخليص الشواهد ٣٩٠، وشرح المفصل ٨/ ٨٣، وله أو لعلباء بن أرقم في المقاصد النحوية ٢/ ٣٠١، ولأحدهما أو لأرقم بن علباء في شرح شواهد المغني ١/ ١١١، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١/ ٣٧٧، وجواهر الأدب ١٩٧، والجنى الداني ص ٢٢٢، ورصف المباني ١١٧، وسرّ صناعة الإعراب ٢/ ٦٨٣، وسمط اللآلي ص ٧٢٩، وشرح الأشموني: ١/ ١٤٧، وشرح عمدة الحافظ ٢٤١، وشرح قطر الندى ١٥٧، والمحتسب ١/ ٣٠٨، ومغني اللبيب ١/ ٣٣.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٩.
فيبقى حرف واحد. وقال أبو عثمان المازني: الأصل وإنّ كلّا لما بتخفيف ما ثم ثقلت. قال أبو إسحاق: هذا خطأ إنما يخفّف المثقّل ولا يثقّل المخفّف، وقال أبو عبيد القاسم بن سلّام: الأصل وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ بالتنوين من لممته لمّا أي جمعته ثم بنى منه فعلى كما قريء ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [المؤمنون: ٤٤] بغير تنوين وتنوين. قال أبو إسحاق: القول الذي لا يجوز عندي غيره أن «إن» تكون مخففة من الثقيلة وتكون بمعنى «ما» مثل إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ [الطارق: ٤] وكذا أيضا تشدّد على أصلها وتكون بمعنى «ما» ولمّا بمعنى «إلّا» حكى ذلك الخليل وسيبويه «١». قال أبو جعفر: والقراءات الثلاث المخالفات للسواد تكون فيها «إن» بمعنى «ما» لا غير وتكون على التفسير لأنه لا يجوز أن يقرأ بما خالف السواد إلّا على هذه الجهة.
[سورة هود (١١) : آية ١١٣]
وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣)
قال أبو عمرو بن العلاء وَلا تَرْكَنُوا لغة أهل الحجاز، وقال الفراء: لغة تميم وقيس ركن يركن وروي عن قتادة أنه قرأ وَلا تَرْكَنُوا بضم الكاف. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ «٢». وأنكر هذا أبو عبيد قال: لأنه ليس فيه حرف من حروف الحلق. قال أبو جعفر: لا معنى لقوله: ليس فيه حرف من حروف الحلق لأن حروف الحلق لا تجتلب الكسرة، وهذه اللغة ذكرها الخليل وسيبويه»
عن غير أهل الحجاز إذا كان الفعل على فعل كسروا أول مستقبله ليدلّوا على الكسرة التي في ماضيه، وكان يجب أن يكسر ثانيه ليتفق مع الماضي فلم يجز ذلك للزوم الثاني الإسكان فكسروا الأول، فقالوا يحذر وهي مشهورة في بني فزارة وهذيل، كما قال:
[الكامل] ٢٢٤-
وإخال إنّي لاحق مستتبع «٤»
(١) انظر الكتاب ٢/ ١٤٠.
(٢) انظر البحر المحيط ٥/ ٢٦٩، والمحتسب ١/ ٣٣٠.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٢٢٧.
(٤) الشاهد لأبي ذؤيب الهذلي في تخليص الشواهد ص ٤٤٨، والدرر ٢/ ٢٥٩، وشرح أشعار الهذليين ١/ ٨، وشرح شواهد المغني ١/ ٢٦٢، والمقاصد النحوية ٣/ ٤٩٤، والمنصف ١/ ٣٢٢، ولسان العرب (نصب) وللهذلي في مغني اللبيب: ١/ ٢٣١، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢/ ٦٠٤، وهمع الهوامع ١/ ١٥٣، وصدره:
«فلبثت بعدهم بعيش ناصب».
وكذا إذا كان في ماضيه ألف وصل مكسورة كسروا أول المستقبل نحو نستعين قال سيبويه: وكذا ما كان يجب أن تكون فيه ألف وصل مثل تفعّل وتفاعل.
[سورة هود (١١) : آية ١١٤]
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤)
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ نصب على الظرف، وحذفت النون للإضافة، وكسرت الياء لالتقاء الساكنين، ولم يحذفها لأن ما قبلها مفتوح (وزلفا) عطف. وقرأ أبو جعفر وَزُلَفاً بضمّ الزاي واللام وهو جمع زليف لأنه قد نطق بزليف ويجوز أن يكون واحدا، وقرأ ابن محيصن وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ بضم الزاي وإسكان اللام والتنوين وهو مسكن من زلف لأزلف الفتحة خفيفة. إِنَّ الْحَسَناتِ قد قيل: يعني به الصلوات ومما لا تنازع فيه أن التوبة تذهب السيئات. وإن اجتناب الكبائر يذهب السيئات الصغائر.
[سورة هود (١١) : آية ١١٥]
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)
وَاصْبِرْ أي على أذاهم.
[سورة هود (١١) : آية ١١٦]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)
فَلَوْلا بمعنى هلّا، وهذا تستعمله العرب على التعجب من الشيء أي فهلّا كان من القرون من قبلكم قوم. يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ لما أعطاهم الله جلّ وعزّ من العقول وأراهم من الآيات. إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ استثناء ليس من الأول. وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ أي من الاشتغال بالمال واللذات.
[سورة هود (١١) : آية ١١٨]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨)
وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ خبر يزال.
[سورة هود (١١) : آية ١١٩]
إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ استثناء. وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ معنى تمّت ثبتت، ذلك كما أخبر به.
[سورة هود (١١) : آية ١٢٠]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)
وَكُلًّا نصب بنقص. ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ أي على الصبر على أداء الرسالة
وما بدل من كل، وقال الأخفش، «وكلّا» نصب على الحال فقدّم الحال كما تقول:
كلّا ضربت القوم. وَمَوْعِظَةٌ أي ما يتّعظ به من إهلاك الأمم. وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي يتذكرون ما ترك بمن هلك فيتوفّون.
[سورة هود (١١) : آية ١٢٣]
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
قال الأخفش: وما ربك بغافل عما يعملون إذا لم يخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم معهم قال: وقال بعضهم: تَعْمَلُونَ «١» لأنه خاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم معهم أو قال قل لهم: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
(١) وهي قراءة حفص وقتادة والأعرج وشيبة وأبي جعفر والجحدري، انظر البحر المحيط ٥/ ٢٧٥.
Icon