وسورة هود لها شبه كبير بسورة يونس قبلها، وتستغرق أخبار الأنبياء السابقين وقصصهم مع أقوامهم أكبر قسم من هذه السورة، فبالإضافة إلى قصة هود مع قومه تتناول سورة هود جوانب جديدة من قصص نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى. و " سورة هود " أطلق عليها هذا الاسم، أخذا من الآيات الكريمة التي وردت أثناءها في الحديث عن هود عليه السلام وقومه عاد، كقوله تعالى :﴿ وإلى عاد أخاهم هودا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾ |الآية : ٥٠|. وقوله تعالى :﴿ قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ﴾ |الآية : ٥٣|، وقوله تعالى :﴿ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ﴾ |الآية : ٥٨|. وقوله تعالى :﴿ ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾ |الآية : ٦٠|.
وفي هذه السورة الكريمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( شيبتني هود وأخواتها ) جوابا لأبي بكر الصديق عندما قال له :( يا رسول الله قد شبت ) كما روى ذلك الترمذي في سننه، وأخواتها هي : سورة الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، كما ورد في رواية أخرى عند الترمذي.
في نهاية الربع الماضي ختمنا بعون الله وتوفيقه سورة يونس المكية، التي تليها في ترتيب المصحف الكريم سورة هود المكية أيضا.
ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن كتاب الله لا يتناول الموضوع الواحد، ولاسيما قصص الأنبياء، عدة مرات لمجرد التكرار، بل إن عودته ما بين الحين والحين إلى تناول تلك القصص تتضمن عرض جانب جديد من جوانبها لم يسبق عرضه من قبل، مما يتناسب مع السياق والموضوع الجديد الذي وردت فيه القصة.
قال أبو القاسم بن جزي صاحب " القوانين الفقهية " في كتابه ﴿ التسهيل لعلوم التنزيل ﴾ : " فإن قيل ما الحكمة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن، فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه ربما ذكر في سورة من أخبار الأنبياء ما لم يذكره في سورة أخرى، ففي كل واحدة منهما فائدة زائدة على الأخرى.
الثاني : أنه ذكرت أخبار الأنبياء في مواضع على طريقة الإطناب، وفي مواضع على طريقة الإيجاز، لتظهر فصاحة القرآن في الطريقتين.
الثالث : أن أخبار الأنبياء قصد بذكرها مقاصد، فتعدد ذكرها بتعدد تلك المقاصد، فلما كانت أخبار الأنبياء تفيد فوائد كثيرة ذكرت في مواضع كثيرة، " ولكل مقام مقال " انتهى.
ﰡ
ونبه كتاب الله إلى أن من زاد في الإحسان، زيد له في الثواب بقدر ما زاد من الحسنات والأعمال الصالحة، فقال تعالى :﴿ ويؤت كل ذي فضل فضله ﴾ وكما يصدق هذا على الثواب في الآخرة يصدق على الجزاء في الدنيا.
وأنذر كتاب الله على لسان رسوله كافة المخالفين، والعصاة المتعنتين، فالتفت إلى خطابهم قائلا :﴿ وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير، إلى الله مرجعكم، وهو على كل شيء قدير ﴾.
﴿ ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه، ألا حين يستغشون ثيابهم ﴾ أي يجعلونها أغشية وأغطية ﴿ يعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾.
وقوله تعالى هنا :﴿ ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين ﴾ إشارة إلى أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه يعلم على العموم والخصوص، وعلى الجملة والتفصيل، في أي أرض تعيش الأحياء وفي أي أرض تموت، زرافات ووحدانا، وبأوسع من هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾ |الأنعام : ٥٩|.
والمراد " بالكتاب المبين " في هاتين الآيتين هو نفس المراد بالكتاب في قوله تعالى :﴿ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم، ما فرطنا في الكتاب من شيء، ثم إلى ربهم يحشرون ﴾ |الأنعام : ٣٨| أي كتاب خاص محفوظ عند الله، فيه بيان مفصل عن شؤون الخليقة من بدايتها إلى نهايتها.
و " العمل الأحسن " المعبر به في هاتين الآيتين هو نفس المعنى المراد من " العبادة " التي ورد ذكرها في قوله تعالى :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ |الذاريات : ٥٦|. فكل عمل صالح هو عبادة لله وامتثال لأمره، من جهة، وكل عبادة هي في حد ذاتها عمل صالح، من جهة أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
في المصحف الكريم
وقوله تعالى في هذا الربع :﴿ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ﴾. المراد بالأمة هنا الأمد والأجل، أي إن أخرنا عنهم العذاب إلى وقت محدود تساءلوا ما الذي يحبس ذلك العذاب، وبنفس المعنى استعمل لفظ " أمة " في قوله تعالى :﴿ وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ﴾ |يوسف : ٤٥| أي استذكر بعد مدة.
ولإتمام الفائدة في هذا المقام ينبغي التنبيه إلى أن لفظ ﴿ أمة ﴾ في كتاب الله يستعمل أيضا بمعنى " الإمام المقتدى به " كما في قوله تعالى :﴿ إن إبراهيم كان أمة ﴾ |النحل : ١٢٠|، وبمعنى " الفرقة والطائفة " كما في قوله تعالى :﴿ من أهل الكتاب أمة قائمة ﴾ |آل عمران : ١١٣| وبمعنى " الجماعة " كما في قوله تعالى :﴿ ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ﴾ |القصص : ٢٣|، وبمعنى " الملة " كما في قوله تعالى :﴿ إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ﴾ |الزخرف : ٢٣|، وبمعنى " أمة الإجابة المصدقة للرسالة " كما في قوله تعالى :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ |آل عمران : ١١٠| وبمعنى " أمة الدعوة " الشاملة لكل من بعث إليه الرسول ممن آمنوا أو بقوا على الكفر، كما في قوله تعالى :﴿ ولكل أمة رسول، فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ﴾ |يونس : ٤٧|.
﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ أي في الدنيا ﴿ وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها ﴾، والضمير هنا يعود على الآخرة، ﴿ وباطل ما كانوا يعملون ﴾ أي في الدنيا.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " هذه الآية عامة في كل من ينوي غير الله بعمله، كان معه أصل الإيمان أو لم يكن. وفي الحديث القدسي :( إني لا أقبل عملا أشرك فيه مع غيري، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ).
وبنفس المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وما له في الآخرة من نصيب ﴾ |الشورى : ٢٠| وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾ |الإسراء : ١٨|.
﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ أي في الدنيا ﴿ وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها ﴾، والضمير هنا يعود على الآخرة، ﴿ وباطل ما كانوا يعملون ﴾ أي في الدنيا.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" هذه الآية عامة في كل من ينوي غير الله بعمله، كان معه أصل الإيمان أو لم يكن. وفي الحديث القدسي :( إني لا أقبل عملا أشرك فيه مع غيري، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ).
وبنفس المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها، وما له في الآخرة من نصيب ﴾ |الشورى : ٢٠| وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ﴾ |الإسراء : ١٨|.
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع، ضرب كتاب الله المثل لفريق الذين كفروا وعملوا السيئات، ولفريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فأما الفريق الأول فهو كالأعمى بالنسبة للبصير، وكالأصم بالنسبة للسميع، وذلك لأنه لا ينتفع ببصره وسمعه الانتفاع المطلوب، فكأنه فاقد لهما بالمرة، إذ يسمع كلام الله ولا يتأثر به، ويرى صنع الله ولا يتأمل فيه.
وأما الفريق الثاني فهو سميع بصير، لأنه ينتفع بحاستي السمع والبصر انتفاعا تاما، ويستعملهما استعمالا لائقا، السمع : في سماع الدعوة إلى الحق، والبصر : في مشاهدة بدائع الخلق، وذلك قوله تعالى :﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع، هل يستويان مثلا، أفلا تذكرون ﴾.
يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الضعفاء الذين اتبعوه لم تكن عندهم –فيما زعم كبار قوم نوح- قدرة على التروي والبحث في الدعوة التي دعاهم نوح إليها، بل أقبلوا عليها دون بحث ولا تحقيق، واتبعوها بمجرد سماعها دون تأمل ولا تمحيص، وإذن فهم مخدوعون مغرورون. وهذه المعاني التي تضمنتها أجوبة كبار قوم نوح هي التي يشير إليها قوله تعالى هنا :﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه، ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا، بادي الرأي ﴾ أي واتبعوك دون بحث ولا نظر، بل لأول وهلة ﴿ وما نرى لكم علينا من فضل ﴾ أي لا ميزة تميزكم علينا بسبب الدين الذي اعتنقتموه، فأنتم لا زلتم كما كنتم لا تفضلوننا بشيء ﴿ بل نظنكم كاذبين ﴾ أي نعتقدكم كاذبين، والظن هنا بمعنى اليقين.
وفي هذا السياق نبه كتاب الله إلى أن نوحا حاول بكل الوسائل أن يزيل من أذهان كبار قومه ما تخيلوه، من أن غرضه من الدعوة التي يقوم بها غرض مادي صرف، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله إذ قال لقومه :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله ﴾.
والملاحظ أن مثل هذه المقولة تتكرر في قصة كل نبي أو رسول، إما لأن أعداء الرسل يظنون أن في إمكانهم شراء كل الضمائر بثمن بخس، حتى يتنازل الرسل عن دعواتهم، وينصرفوا لحال سبيلهم، وإما لأن أعداء الرسل ينظرون إلى ما يكون عليه الرسل غالبا من الفقر والخصاصة والزهد، فيظنون بهم الظنون، ويخيل إليهم أنهم طلاب مال وغنى، وعشاق رفاهية ونفوذ، ولذلك يضطر الأنبياء والرسل إلى الرد على المترفين من قومهم بمثل هذا الرد القاطع الصريح، حفظا للدعوة من تسرب الأعداء إليها، وقطعا لكل أمل في قطع الطريق عليها.
وفي هذا السياق نبه كتاب الله إلى أن نوحا حاول بكل الوسائل أن يزيل من أذهان كبار قومه ما تخيلوه، من أن غرضه من الدعوة التي يقوم بها غرض مادي صرف، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله إذ قال لقومه :﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا، إن أجري إلا على الله ﴾.
والملاحظ أن مثل هذه المقولة تتكرر في قصة كل نبي أو رسول، إما لأن أعداء الرسل يظنون أن في إمكانهم شراء كل الضمائر بثمن بخس، حتى يتنازل الرسل عن دعواتهم، وينصرفوا لحال سبيلهم، وإما لأن أعداء الرسل ينظرون إلى ما يكون عليه الرسل غالبا من الفقر والخصاصة والزهد، فيظنون بهم الظنون، ويخيل إليهم أنهم طلاب مال وغنى، وعشاق رفاهية ونفوذ، ولذلك يضطر الأنبياء والرسل إلى الرد على المترفين من قومهم بمثل هذا الرد القاطع الصريح، حفظا للدعوة من تسرب الأعداء إليها، وقطعا لكل أمل في قطع الطريق عليها.
ومما رد به نوح على كبار قومه حيث اعتبروه غير أهل للرسالة، لكونه بشرا مثلهم، أنه برغم بشريته مرسل إليهم من عند الله، فهو ﴿ بشر رسول ﴾، لأن الرسالة لا تتنافى مع البشرية مطلقا، بل هي تشريف لها، وتكريم للمنتمين إليها، وهي أعلى درجة يمنحها الله للبشر. ونفى لهم نفيا قاطعا أن يكون ملكا، أو أن يشارك الله في علم الغيب، فعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، كما نفى نفيا باتا أن يتصرف في ملك الله وخزائنه الواسعة تصرفا خاصا، لا من قريب ولا من بعيد، لأن المتصرف في خزائن الكون هو الله وحده لا شريك له، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ﴾. وبهذه الردود الصريحة الواضحة اتضحت طبيعة الرسالة على حقيقتها منذ أقدم العهود، واتضحت خصائصها دون مبالغة ولا غلو ولا إغراق في الخيال، وإذا كان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتبرأون من علم الغيب، ومن التصرف في الكون، ويفردون الله بهما دون سواه، فأولى بغيرهم من بقية الناس أن لا يدعوا ذلك لأنفسهم، وأن لا يدعى لهم.
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي : " قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير : " ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي :" قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير :" ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.
وبمقتضى هذا التأويل أخذ نوح ينادي ابنه ليفارق الكافرين من قومه، ويلتحق به في " سفينة النجاة "، فما كان من ابنه المصر على الكفر إلا أن فضل البقاء حيث هو، ظانا أن في إمكانه النجاة من الطوفان إذا اعتصم بالجبل.
ولم يسع نوحا – وهو الناصح الأمين الذي طالما أسدى النصح للبعيد والقريب – إلا أن يجدد النصح لابنه، ويؤكد له أنه لا عاصم يعصمه من عذاب الله، وأن الطوفان سيدرك الجميع لا محالة، ولا تنجو منه إلا سفينة النجاة التي صنعها نوح بوحي من ربه، وركبها ومن معه، متحصنين باسمه الأقدس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾.
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن المرحلة الأخيرة من قصة نوح عليه السلام. ويحكي لنا أن نوحا عندما أراد أن يركب السفينة التي صنعها بوحي من ربه لم ينس ما عليه من واجب الشكر لله، والتوكل على الله، فأمر المتأهبين للركوب معه عند ركوبهم " سفينة النجاة " أن يذكروا عند ركوبهم اسم الله عليها، وأن يحصنوها باسمه الأقدس من كل سوء ينزل بها، حتى يتم جري سفينة نوح ورسوها في أحسن الأحوال، ولا ينالها أي أذى من الأمواج المتلاطمة والشامخة كالجبال، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وهي تجري بهم في موج كالجبال ﴾.
قال القاضي أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ :" قال علماؤنا : إنما سأل نوح ربه، لأجل قول الله : احمل فيها من كل زوجين –إلى- وأهلك. وترك نوح قوله –إلا من سبق عليه القول- لأنه رآه استثناء عائدا إلى قوله :﴿ من كل زوجين اثنين ﴾، وحمله الرجاء على ذلك، فأعلمه الله أن الاستثناء عائد إلى الكل، وأنه قد سبق القول على بعض أهله، كما سبق على بعض من الزوجين ﴿ أي من كل زوجين اثنين ﴾ وأن الذي سبق عليه القول من أهله ﴿ أي علاوة على امرأته ﴾ هو ابنه، تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كان آباؤهم صالحين ".
وقال ابن العربي :" قوله تعالى :﴿ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ﴾ نص في ذكر الله في كل حال وعلى كل أمر، وقد روي الدارقطني وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر ). وقال ابن كثير :" ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه ".
أما الدعاء الذي دعا به نوح عليه السلام، عندما استوى على السفينة، بتلقين من ربه، فقد نص عليه كتاب الله في آية أخرى إذ يقول مخاطبا لنبيه نوح :﴿ فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ﴾ |المؤمنون : ٢٨، ٢٩|.
ثم وصف كتاب الله نداء نوح لابنه الذي أصر على الكفر، وما دار بينهما من حوار مؤثر في تلك الفترة العصيبة. ومنه يبدو الصراع الداخلي الذي كان قائما بين عاطفة نوح بصفته مجرد ﴿ أب عادي ﴾، وواجبه بصفته ﴿ رسولا عن الله ﴾. فقد ظن نوح عليه السلام أن الاستثناء الذي ورد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ﴾ إنما هو منصب على ما أمر بحمله معه من أصناف الأحياء المختلفة، بمعنى أن منها ما أذن الله بحمله معه في السفينة ليستمر بقاؤه في العالم، ومنها ما سبق عليه القضاء بالغرق والانقراض نهائيا، ولم يعتقد نوح عليه السلام أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى :﴿ إلا من سبق عليه القول ﴾ منصب حتى على أهله أنفسهم، فمنهم من أذن له بأخذه في السفينة، كأبنائه الثلاثة :﴿ سام وحام ويافث ﴾، ومنهم من لا حظ له فيها كامرأة نوح وابنه الرابع ﴿ يام ﴾.
وبمقتضى هذا التأويل أخذ نوح ينادي ابنه ليفارق الكافرين من قومه، ويلتحق به في " سفينة النجاة "، فما كان من ابنه المصر على الكفر إلا أن فضل البقاء حيث هو، ظانا أن في إمكانه النجاة من الطوفان إذا اعتصم بالجبل.
ولم يسع نوحا – وهو الناصح الأمين الذي طالما أسدى النصح للبعيد والقريب – إلا أن يجدد النصح لابنه، ويؤكد له أنه لا عاصم يعصمه من عذاب الله، وأن الطوفان سيدرك الجميع لا محالة، ولا تنجو منه إلا سفينة النجاة التي صنعها نوح بوحي من ربه، وركبها ومن معه، متحصنين باسمه الأقدس، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ﴾.
وقد نقل ابن كثير عن قتادة أنه قال : " قد أبقى الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى رآها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعدها، فهلكت وصارت رمادا ".
فهذه الآية تنص صراحة على أن قرابة العقيدة والإيمان هي القرابة الحقيقية والوحيدة، التي لها الاعتبار الأول بين الأقرباء في تكافلهم وتعاونهم، وتحديد مصيرهم المشترك، فإذا انتفت هذه القرابة الروحية والدينية بينهم كانت قرابة الدم المادية في الدرجة الأخيرة من الاعتبار، أو لا اعتبار لها بالمرة، لأن طابع البنوة الصحيح هو أن يكون الابن وارثا سر أبيه، يرث منه خير خصاله، وأفضل خلاله، والروحية منها قبل المادية، فتتصل به سلسلة الصلاح ولا تنقطع، وتنتقل الأمانة عن طريقه من جيل إلى جيل. وهكذا يصبح ابنك الروحي في العقيدة أو أخوك الروحي في الإيمان هو ابنك الحقيقي وأخوك الحق الذي تعتمد عليه بعد الله تعالى كل الاعتماد، في إدراك المنى وبلوغ المراد.
ولهذا طالب كتاب الله المسلمين بأن يكون الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما، وحذر من موالاة العشيرة ومن التودد إلى الأقرباء متى كانوا غير إخوان في العقيدة والدين، فقال تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ﴾ |المجادلة : ٢٢| فالبغض في الله والحب في الله من الإيمان كما جاء في الأثر.
في المصحف الكريم
بعدما تناولت عدة آيات كريمة في الربع الماضي قصة هود عليه السلام مع قومه عاد، وبينت ما بذله من جهد بالغ ونصح مستمر، في سبيل هدايتهم إلى الإيمان بالله، وحضهم على التوبة إلى الله، وتعريفهم بما يستتبعه الإيمان والتقوى من الحياة الطيبة والمتعة والقوة :﴿ ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ﴾ وتعريفهم بما يؤدي إليه الإصرار على الكفر والضلال، من تعذيب وإبادة واستئصال، واستخلاف للغير واستبدال ﴿ فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، ويستخلف ربي قوما غيركم، ولا تضرونه شيئا ﴾، انتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة صالح مع قومه ثمود، ونظرا لأن بداية هذه القصة صادفت نهاية الربع الماضي أجلنا الشروع فيها إلى هذا الربع، حتى نقدم تفسيرها في صعيد واحد.
وأول ما يواجهنا من قصة صالح أن الدعوة التي وجهها إلى قومه ثمود هي صورة طبق الأصل من دعوة من سبقه من الأنبياء والمرسلين، وخلاصتها الأمر بعبادة الله دون سواه، والتعريف بأنه لا إله في الحقيقة إلا الله، فهذا هو مفتاح الدعوة ومدخلها الوحيد إلى تحرير الإنسان، من كل عبودية لأخيه الإنسان، سواء كانت تلك العبودية عبودية جسمية للطغاة المتجبرين، أو عبودية وهمية للدجاجلة المشعوذين ﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ﴾.
ثم بين صالح لقومه ثمود أن الله تعالى هو وحده الذي يستحق أن يرجى ويخاف، وأن يطاع أمره، ويتجنب نهيه، فهو الذي بيده الإعطاء والمنع، وعلى يده الضر والنفع، وهو مصدر كل النعم التي يتمتع بها الإنسان بدءا واستمرارا، وما دام الإنسان مدينا بوجوده أولا، وبرزقه ثانيا للحق سبحانه وتعالى، فالمنطق السليم يقضي على الإنسان بأن يتوجه إليه، ويعتمد عليه، وما دامت أقرب وسلة للتحلي بالفضائل هي التخلي عن الرذائل، فما على الإنسان إلا أن يستغفر الله ويقبل عليه، فيجده أقرب إليه من نفسه التي بين جنبيه ﴿ هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ﴾ أي خلقكم لعمارتها وجعل لكم فيها معايش ﴿ فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب ﴾. وقوله تعالى هنا :﴿ إن ربي قريب مجيب ﴾ على غرار قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وإذا سألك عبادي عني فاني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعان ﴾ |البقرة : ١٨٦|.
فما كان من قوم صالح إلا أن أجابوا نبيهم بنفس الجواب التقليدي الذي اعتاد خصوم الرسالات أن يجيبوا بمثله كافة الأنبياء والرسل، وهذا الجواب يكون عادة عبارة عن مزيج من التكذيب والتجريح والاستهزاء، ومهما اختلفت ألفاظه فإن المعنى الذي يعبر عنه واحد في نهاية الأمر.
وهكذا رأينا مرة أخرى أن الدعوة التي يدعو إليها الأنبياء والرسل دعوة واحدة، يجددها الواحد بعد الآخر، وأن موقف خصوم الأنبياء والرسل موقف واحد يقلد فيه بعضهم بعضا، ويتوارثونه خلفا عن سلف، كما رأينا أن مصير أهل الفسق والكفر مصير واحد هو الخسران المبين والعذاب الأليم، ومصير أهل التقوى والإيمان مصير واحد هو الرضوان الأكبر والفوز العظيم.
ويقبل، على الإيمان بصالح، المستضعفون من قومه، بينما المترفون وكبار القوم يواصلون حياتهم على ما ألفوه من الشرك والوثنية.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
غير أن كبار القوم وأصحاب المصالح، لم يصبروا طويلا على امتثال أمر صالح، ولعلهم وجدوا في هذا الأمر حدا لاحتكارهم، وقيدا لاستغلالهم واستثمارهم، ولعل ألبان ﴿ ناقة صالح ﴾ أصبحت عونا لصالح على الدعوة إلى الله، وغذاء للفقراء المستضعفين الذين آمنوا بالله، فلم يسع كبار قوم صالح وكفارهم إلا أن يحرضوا على قتل ﴿ ناقة الله ﴾، تحديا صارخا لصالح الذي انتشرت دعوته إلى الله ﴿ وقالوا يا صالح إيتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ﴾ |الأعراف : ٧٧|. وحدد صالح لمصرعهم بعد عقرهم للناقة ثلاثة أيام، كل يوم منها يرون فيه لونا من ألوان العذاب، قبل أن يهلكوا ويبيدوا بالمرة، وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز :﴿ ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ﴾، فعقروها فقال :﴿ تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزي يومئذ، إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، كأن لم يغنوا فيها، ألا إن ثمودا كفروا ربهم، ألا بعدا لثمود ﴾.
ولهذه القصة علاقة بإبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان بينه وبين لوط قرابة روح وقرابة نسب، فقد أرسل الله ملائكته إلى لوط عليه السلام ليخبروه بأن موعد هلاك المفسدين الضالين من قومه قد أصبح على الأبواب. وفي طريقهم إلى لوط عرجوا على إبراهيم الخليل واستضافوه، فأحسن ضيافتهم ﴿ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ﴾. والحنيذ هو المشوي على الحجارة المحماة.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.
وبعدما أسدل الستار، على قوم لوط بما فعلوه من الفواحش والأوزار، عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن كل من عمل عملهم، وسلك مسلكهم، من الفسقة الظالمين، سيكون مهددا بعذاب الله، وسيف العقاب مصلت على رأسه دائما، إن لم يكن على الصورة التي عوقب بها قوم لوط، فعلى صورة أخرى لا يعلمها إلا الله، فللعذاب ألوان شتى، كما أن للزهر ألوانا شتى، فقال تعالى ﴿ وما هي ﴾ أي نقمة الله ﴿ من الظالمين ببعيد ﴾.
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.
في المصحف الكريم
تتناول الآيات الكريمة في أكبر قسم من هذا الربع قصة شعيب عليه السلام مع قومه مدين، وفي هذه القصة نواجه نوعا جديدا من المخالفات ارتكبه قوم شعيب وأسرفوا فيه إسرافا بالغا.
فبالإضافة إلى شركهم بالله، وما يترتب على الشرك وحده، وما ينبثق عنه من آفات وعاهات وتقاليد فاسدة، نجد أهل مدين قد بالغوا في استغلال الخلق وأكل أموال الناس بالباطل، فهم يطففون الكيل، ويطففون الوزن، ويبخسون الناس أشياءهم، وهم مثل فاضح للاستغلال المادي الفاحش الذي لا يرحم ولا يخجل، ولا يتعفف ولا ينصف أحدا، الأمر الذي جعل شعيبا عليه السلام يرفع عقيرته ضد قومه، عملا بأمر الله الذي لا يرضى عن الاستغلال والمستغلين، من أي جنس أو دين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير ﴾ أي في معيشتكم ورزقكم، وأخشى عليكم زوال هذا الخير ﴿ وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ﴾ أي ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم من أكل أموال الناس بالباطل ﴿ وما أنا عليكم بحفيظ ﴾.
وقول أهل مدين لنبيهم شعيب ﴿ أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ﴾ |الآية : ٨٧| تتضمن نوعا من الاستهزاء والتعبير، إذ كانوا متضايقين مما رأوه عليه من المواظبة على عبادة الله، والتضرع بين يديه، شأنهم في ذلك شأن خصوم الرسالات الإلهية في جميع العصور، الذين يتطيرون بأهل الصلاح والتقوى، ويتضايقون من استقامتهم وثباتهم على الحق.
ثم عقب شعيب على ما دار بينه وبين كفار قومه بما يوضح الهدف الأساسي، من كل رسالة إلهية بعث الله بها إلى الناس، وهذه الرسالة تتلخص أولا وأخيرا في إصلاح أحوال الناس إصلاحا شاملا، تصلح معه عقيدتهم، وتصلح معه شريعتهم، ويصلح معه سلوكهم، ويصلح معه مجتمعهم، وتصلح معه معايشهم، وتصلح معه علاقاتهم. وهكذا يتسرب الإصلاح إلى كل زاوية من زوايا حياتهم الظاهرة والباطنة، فيصبحون أمة فاضلة وصالحة، ويصبح مجتمعهم مجتمعا فاضلا وصالحا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا على لسان شعيب عليه السلام ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب ﴾.
وها هنا كلمتان في غاية الأهمية لا بد من الوقوف عندهما ولو قليلا، ألا وهما كلمة ﴿ الإصلاح ﴾ وكلمة ﴿ التوفيق ﴾. فكلمة الإصلاح تعني على العموم الإتيان بما هو صالح ونافع ومناسب، من الصلاح، ضد الفساد، وأصل معنى " الفساد " في لغة العرب زوال منفعة الشيء وتعذر المقصود منه، وأطلق الفساد في لسان الشرع على الشرك بالله الذي هو منبع جميع الضلالات والبدع، وعلى إذاية الخلق، كما في قوله تعالى :﴿ والله لا يحب الفساد ﴾ |البقرة : ٢٠٥| سواء كانت تلك الإذاية عامة لمجموعهم، أو خاصة ببعضهم، فيكون الصلاح الذي هو ضد الفساد عبارة عن سلوك طريق الهدى والاستقامة، والعمل على نفع الخلق نفعا عاما أو خاصا، ويكون ﴿ الصالح ﴾ هو الذي قام بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد.
والمراد بكلمة ﴿ التوفيق ﴾ هنا ضد الخذلان، من " الوفق بين الشيئين "، بمعنى التحامهما، ولم ترد كلمة التوفيق بمعنى عدم الخذلان في آية أخرى من كتاب الله. ونعمة التوفيق بهذا المعنى من أجل النعم التي أنعم الله بها على الخواص من عباده، فمن رزق نعمة التوفيق فقد رزق خيرا كثيرا. قال حجة الإسلام الغزالي : " وإنما الاعتبار بقلب العالم الموفق، المراقب لدقائق الأحوال، وهو المحك الذي يمتحن به خفايا الأمور، وما أعز هذا القلب في القلوب ".
في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع يواصل كتاب الله الحديث عن يوم القيامة، وقد بدأ الحديث عن هذا اليوم الموعود في نهاية الربع الماضي بقوله تعالى :﴿ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود ﴾. ثم تلا ذلك قوله تعالى هنا :﴿ يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد ﴾ |الآية : ١٠٥|. وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة مرتبطا بعضها ببعض، لأنها في موضوع واحد.
وقوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾ الوارد في سياق كل من السعداء والأشقياء، في تفسيره تأويلان مختلفان :
التأويل الأول : أن المراد ﴿ خالدين في الجنة أو في النار ما دامت سماوات الآخرة وأرضها ﴾ لأن الآخرة هي دار الخلود. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ |الزمر : ٧٤|، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس حيث قال : " لكل جنة سماء وأرض "، والحسن البصري حيث قال : " سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، والخلود في الجنة أو في النار ما دامت تلك السماء وتلك الأرض ". وإلى هذا التأويل مال ابن كثير في تفسيره حيث قال : " قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ " |إبراهيم : ٤٨| وبه أخذ القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " إذ قال : " وجوابنا أن للنار سماء وأرضا، وكذلك الجنة، ولا يفنيان، فهذا هو المراد ".
التأويل الثاني : أن المراد هو مجرد التأبيد والدوام، على حد قول العرب : " هذا دائم دوام السماوات والأرض أو باق ما لاح كوكب، وما ناح الحمام ". وإلى هذا التأويل ذهب ابن جرير وابن جزى في تفسيرهما.
وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم ﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء، هي أن تبقى قلوبهم معلقة بين جناحي الخوف والرجاء.
وقوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ في سياق الكلام على الذين شقوا وارد مورد الاستثناء من قوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ﴾ |الأنعام : ١٢٨| ويشبهه قوله تعالى في آية ثالثة :﴿ ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |النمل : ٨٧|، وقوله تعالى في آية رابعة :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |الزمر : ٦٨|.
وقال ابن كثير ما خلاصته : " اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير "، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه. واختار ابن جرير ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة، وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء ( يعني " إلا ما شاء ربك "، الوارد في سياق الحديث عن الأشقياء ) عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيئين والمؤمنين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها ". قال ابن كثير : " وهذا عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة ".
ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله ﴾ |الكهف : ٢٣، ٢٤| ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ﴾ |الآية : ٤٩|، وقوله تعالى في سورة الأعلى :﴿ سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله ﴾ |الآيتان : ٦، ٧|.
وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء :﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، ﴿ إنه لقول فصل، وما هو بالهزل ﴾ |الطارق : ١٣، ١٤| وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.
وذهب الضحاك والحسن البصري إلى أن الاستثناء في قوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ الوارد في سياق السعداء هو منصب على عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها بعد العذاب، إذ أن هؤلاء لا يصدق عليهم ما يصدق على السعداء الأصليين الذين لم يروا العذاب أصلا، من أنهم في الجنة خالدون، لأن عصاة الموحدين يمرون بالعذاب الأليم أولا، ولا ينالهم عفو الله إلا أخيرا.
وقوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾ الوارد في سياق كل من السعداء والأشقياء، في تفسيره تأويلان مختلفان :
التأويل الأول : أن المراد ﴿ خالدين في الجنة أو في النار ما دامت سماوات الآخرة وأرضها ﴾ لأن الآخرة هي دار الخلود. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :﴿ وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ |الزمر : ٧٤|، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس حيث قال :" لكل جنة سماء وأرض "، والحسن البصري حيث قال :" سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، والخلود في الجنة أو في النار ما دامت تلك السماء وتلك الأرض ". وإلى هذا التأويل مال ابن كثير في تفسيره حيث قال :" قلت : ويحتمل أن المراد بما دامت السماوات والأرض الجنس، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سماوات وأرض، كما قال تعالى :﴿ يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ﴾ " |إبراهيم : ٤٨| وبه أخذ القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " إذ قال :" وجوابنا أن للنار سماء وأرضا، وكذلك الجنة، ولا يفنيان، فهذا هو المراد ".
التأويل الثاني : أن المراد هو مجرد التأبيد والدوام، على حد قول العرب :" هذا دائم دوام السماوات والأرض أو باق ما لاح كوكب، وما ناح الحمام ". وإلى هذا التأويل ذهب ابن جرير وابن جزى في تفسيرهما.
وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم ﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء، هي أن تبقى قلوبهم معلقة بين جناحي الخوف والرجاء.
وقوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ في سياق الكلام على الذين شقوا وارد مورد الاستثناء من قوله تعالى :﴿ خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ﴾، على غرار قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ﴾ |الأنعام : ١٢٨| ويشبهه قوله تعالى في آية ثالثة :﴿ ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |النمل : ٨٧|، وقوله تعالى في آية رابعة :﴿ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ﴾ |الزمر : ٦٨|.
وقال ابن كثير ما خلاصته :" اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " زاد المسير "، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه. واختار ابن جرير ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة، وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء ( يعني " إلا ما شاء ربك "، الوارد في سياق الحديث عن الأشقياء ) عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيئين والمؤمنين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها ". قال ابن كثير :" وهذا عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة ".
ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله ﴾ |الكهف : ٢٣، ٢٤| ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف :﴿ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ﴾ |الآية : ٤٩|، وقوله تعالى في سورة الأعلى :﴿ سنقرئك فلا تنسى، إلا ما شاء الله ﴾ |الآيتان : ٦، ٧|.
وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء :﴿ إن ربك فعال لما يريد ﴾ إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، ﴿ إنه لقول فصل، وما هو بالهزل ﴾ |الطارق : ١٣، ١٤| وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.
وذهب الضحاك والحسن البصري إلى أن الاستثناء في قوله تعالى :﴿ إلا ما شاء ربك ﴾ الوارد في سياق السعداء هو منصب على عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها بعد العذاب، إذ أن هؤلاء لا يصدق عليهم ما يصدق على السعداء الأصليين الذين لم يروا العذاب أصلا، من أنهم في الجنة خالدون، لأن عصاة الموحدين يمرون بالعذاب الأليم أولا، ولا ينالهم عفو الله إلا أخيرا.
و " المرية " هي الشك، والنهي عن الشك الوارد هنا في قوله تعالى :﴿ فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ﴾ وإن كان في ظاهره موجها للرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه موجه في الحقيقة إلى غيره من أفراد المدعوين والمكلفين، الذين يتصور في حقهم وجود الشك، والمطلوب منهم الوصول إلى اليقين، لتمييز الحق من الباطل، نظير قوله تعالى في آية سابقة وجه فيها الخطاب إلى الرسول، والخطاب في الحقيقة موجه إلى بقية الناس ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ﴾ |يونس : ٩٤| والنبي لم يشك ولم يسأل.
وبين كتاب الله أن الله وحده هو الذي يجب أن يكون ولي الذين آمنوا، يوالونه وينصرونه، ويقفون بجانب أوامره دائما، لأن غير الله وإن تولوه فلن يكون لهم وليا، إذ ليس بيده ضر ولا نفع، ولا عطاء ولا منع، وإذا اعتمدوا على غير الله وكلهم الله إلى أنفسهم، وخذلهم خذلانا مبينا ﴿ وما لكم من دون الله من أولياء، ثم لا تنصرون ﴾.
وقوله تعالى :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ عقب الأمر بالصلاة مباشرة، شبيه بقوله تعالى في آية أخرى :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ |العنكبوت : ٤٥|. فالصلاة إذا أقيمت على الوجه الأكمل هي أحسن الحسنات، وهي أكبر مطهر ومكفر للسيئات، بما تعين عليه من محاسبة النفس على الأوزار، وما تدفع إليه باستمرار من التوبة والاستغفار. جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيئا ؟ قالوا : لا يا رسول الله. قال : كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الذنوب والخطايا ) رواه مالك في الموطأ، والبخاري في الصحيح، والترمذي في السنن، وأحمد في المسند. وروى الإمام أحمد من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ). والمراد " بالنهر الغمر " في حديث أبي هريرة : كثير الماء.
وقوله تعالى هنا :﴿ إلا من رحم ربك ﴾ استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق : من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.
وقوله تعالى هنا :﴿ إلا من رحم ربك ﴾ استثناء متصل، أي إلا من رحم ربك فإنه لا يختلف، والمراد به من التزم دعوة الأنبياء والرسل، وآمن بها دون أن يشوبها بأية بدعة أو ضلالة، ولا أن يدخل عليها أي تغيير أو تبديل. وبعبارة أدق : من اختار لنفسه سيرة الرسول وأصحابه، فتمسك بها دون أن يحيد عنها وكان من حزب الله، الموعود بالفلاح والفوز والنجاة.
وقوله تعالى :﴿ وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ﴾ إشارة إلى هذه السورة الكريمة –سورة هود- التي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :( شيبتني هود وأخواتها ).
وبختام سورة هود ننهي حصة اليوم لطولها، مؤجلين القول في الآيات الأولى من سورة يوسف –وإن كانت مندرجة في هذا الربع- إلى الحصة المقبلة إن شاء الله، وكل آت قريب.