تفسير سورة سبأ

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
وبعدما من الله علينا بتفسير سورة الأحزاب المدنية ننتقل إلى سورة سبأ المكية، وإنما سميت ( سورة سبأ ) لقول الله تعالى فيها :﴿ لقد كان لسبأ في مساكنهم آية ﴾،

وتتضمن فاتحة هذه السورة حمد الله في الأولى والآخرة، وتمجيد حكمته وقدرته، والتعريف بعلمه الذي أحاط بكل شيء من مخلوقاته، وذلك قوله تعالى :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير( ١ ) يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو الرحيم الغفور( ٢ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين( ٣ ) ﴾.
ثم جدد كتاب الله الحديث عن قيام الساعة وموقف المكذبين بها، عن جهل، أو عناد، فقال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم ﴾،
ووصف مآل الذين استجابوا لله ورسوله فقال في حقهم : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم مغفرة ورزق كريم( ٤ ) }،
كما وصف مآل المعاندين الذين يتحدون الله ورسوله فقال في حقهم :﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم( ٥ ) ﴾،
وبين السر في وقوفهم هذا الموقف، وهو ما هم عليه من علم وإيمان، فقال تعالى :﴿ ويرى الذين أوتوا العلم، الذي أنزل إليك من ربك هو الحق، ويهدي إلى صراط العزيز الحميد( ٦ ) ﴾،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:ثم جدد كتاب الله الحديث عن قيام الساعة وموقف المكذبين بها، عن جهل، أو عناد، فقال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم ﴾،
ووصف مآل الذين استجابوا لله ورسوله فقال في حقهم : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم مغفرة ورزق كريم( ٤ ) }،


ثم قال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد( ٧ ) افترى على الله كذبا، أم به جنة ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:كما وصف مآل المعاندين الذين يتحدون الله ورسوله فقال في حقهم :﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم( ٥ ) ﴾،

ثم عقب على ذلك بقوله :﴿ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد( ٨ ) ﴾.
وختم هذا الربع بدعوة الجاحدين والمعاندين إلى النظر في خلق السماوات والأرض، والتدبر في آيات الله البارزة فيهما، واستخلاص النتائج الحتمية من التدبر العميق في عظمة خلقهما، مع تهديدهم إن لم يتراجعوا عن جحودهم وعنادهم بعذاب مفاجئ، يسلط عليهم من تحت أرجلهم أو من فوق رؤوسهم، وذلك قوله تعالى :﴿ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء، إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ( ٩ ) ﴾.
الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع بين كتاب الله لمن لا يزالون في شك من أمر النبوة أن الرسول الأعظم ليس بدعا من الرسل، وأن الرسالات الإلهية التي جاءوا بها كما تعنى بالشؤون الروحية للنوع الإنساني تعنى بشؤونه المادية المباشرة، بل تأخذ بيده فتسدد خطواته الأولى في نفس المجال التقني والصناعي، و( الآخرة ) التي دعا الرسل والأنبياء إلى الإيمان بها إنما هي المرحلة الأخيرة في مسيرة جهاد الإنسان المتواصل، من أجل صلاح الإنسان، وازدهار العمران، حيث يجني الإنسان ثمرة عمله، ويصل إلى تحقيق رجائه وأمله، إن وفى بما عاهد عليه الله في خلافته، ولم يتنكر لدينه وشريعته، ﴿ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ﴾. ( ٧ : ١٨ ).
يقول الله تعالى هنا :﴿ ولقد -آتينا داوود منا فضلا ﴾، وهذا الفضل الذي آتاه الله إياه يظهر بشكل بارز في عدة مظاهر روحية ومادية :
المظهر الأول : تسبيح الجبال معه عندما يتلو( الزبور ) الذي أنزله الله عليه، وإصغاء الطير أثناء تلاوته إليه، فالجبال تردد صدى صوته القوي العظيم، فيشترك في تمجيد الله في آن واحد الجماد والحيوان والإنسان، وتبرز من خلال تمجيد الله وتوحيده وحدة الأكوان، ﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ ( ٤٤ : ١٧ )، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى وهو ينادي الجبال لتسبح الله مع نبيه داوود :﴿ يا جبال أوبي معه والطير ﴾، وسيأتي في سورة ( ص ) قوله تعالى في شأن داوود عليه السلام ( ١٨ ) :﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو يقرأ في الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال :( لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود )، فأجابه أبو موسى قائلا :( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا ) والثوب ( المحبر )هو المخطط بالألوان، أي : لجعلته لك أنواعا حسانا. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) تعليقا على نفس الحديث في سياق كلامه على هذه الآية :( فيه دليل على الإعجاب بحسن الصوت، والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن، وما تتأثر به القلوب في التقوى أعظم في الأجر، والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى، وزيادة في الخلق ومنة، وأحق ما لبس هذه الحلة النفسية والموهبة الكريمة كتاب الله، فنعم الله إذا صرفت في الطاعة قضي بها حق النعمة ).
المظهر الثاني من مظاهر الفضل الذي آتاه الله داوود : تمكينه من استعمال معدن الحديد فيما تتوقف عليه سلامة الدولة، وإطلاعه على سر صناعته، وتطويعه في يده، حتى عاد كالطين المبلول والعجين والشمع. وللحديد أهمية خاصة في حياة الشعوب والدول نبه إليها كتاب الله فيما سيأتي من سورة الحديد، إذ قال تعالى ( ٢٥ ) :﴿ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ﴾، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا :﴿ وألنا له الحديد( ١٠ ) ﴾.
المظهر الثالث من مظاهر فضل الله على داوود : تعريفه بالطريقة التقنية المثلى لصنع الدروع، حتى تحمي المحاربين من سهام الأعداء، متى اضطروا لحمل السلاح، وتنبيهه إلى أن الدرع الذي يحمي لابسه يلزم أن يكون على قدر جسمه وقامته، لكي يستره سترا تاما، وإرشاده إلى أن كل حلقة من حلقات الدرع يلزم تقديرها بقدر الحاجة، بحيث تجمع بين الخفة التي لا تضعف من مناعة الدرع، وبين الحصانة التي لا تثقل الجسم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق :﴿ أن اعمل سابغات وقدر في السرد ﴾، ويقال لصانع الدروع ( سراد وزراد ) بإبدال السين زايا، يزيد هذا المعنى توكيدا وإيضاحا قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء في شأن داوود عليه السلام ( ٨٠ ) :﴿ وسخرنا مع داوود الجبال والطير، وكنا فاعلين، وعلمناه صنعة لبوس لكم ليحصنكم من بأسكم، فهل أنتم شاكرون ﴾.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عما امتن به على سليمان بن داوود من فضل أشمل وأعظم، هذا الفضل يتجلى في عدة مظاهر :
المظهر الأول : تسخير الريح له في زمان محدود ومكان محدود، وجعلها أداة سريعة في يده ويد أعوانه، للقيام بأسرع ما يمكن من التنقلات والمواصلات، بحيث يكون من المستطاع قطع مسافة شهر في الغدو ومسافة شهر في الرواح، أي قطع مسافة شهرين في يوم واحد، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق في سورة الأنبياء ( ٨١ ) :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنا بكل شيء عالمين ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٦ ) :﴿ فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾.
والمظهر الثاني : تمكينه من استعمال معدن النحاس، وتعريفه بالطريقة التقنية المثلى لتذويبه وإسالته، وإرشاده إلى استعماله في صنع ما يلزم من آلات وأدوات، للنفع الخاص والنفع العام، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسلنا له عين القطر ﴾ أي : معدن النحاس، وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ﴾، و( المحاريب ) جمع ( محراب )، وهذا اللفظ يطلق على كل بناء مرتفع ممتنع، وعلى أشرف بيوت الدار، كما يطلق على المكان الذي يصلي فيه الإمام، لأنه يجب أن يرفع ويعظم، وهو أرفع مكان في المسجد، و( التماثيل ) جمع ( تمثال )، وهو اسم للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره أي المشبه به من إنسان أو حيوان أو غيرهما، ( والجفان ) جمع ( جفنة ) وهي القصعة الكبيرة، وشبهت في هذه الآية ( بالجوابي ) جمع ( جابية )، لاتساعها وكبرها، ومعنى ( الجابية ) الحوض العظيم الذي يجمع فيه الماء، ( والقدور الراسيات ) هي القدور الثوابت التي لا تحمل ولا تحرك لعظمها، ومنها يغرف الطعام في الجفان. قال ابن العربي :( ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك، فإنهم يطبخون جميعا، ويأكلون جميعا، من غير استئثار أحد منهم على أحد ).
وتعليقا على كلمة ( تماثيل ) الواردة في هذه الآية وما تفيده من إباحة التصوير على عهد سليمان قال ( ابن العربي ) ما نصه :( ورد على ألسنة أهل الكتاب أنه كان أمرا مأذونا فيه، والذي أوجب النهي عنه في شرعنا - والله أعلم- ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب ).
ومن لطائف التفسير ما نبه إليه الرازي أثناء تفسيره لهذه الآيات من أن ( كتاب الله ذكر ثلاثة أشياء في حق داوود، وثلاثة أشياء في حق سليمان عليهما السلام، فتسخير الجبال لداوود هو من جنس تسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير للأول هو من جنس تسخير الجن للثاني، إذ الشأن في الطير النفور من الإنس، والشأن في الإنس النفور من الجن، ومع ذلك صار الطير لا ينفر من داوود، بل يستأنس به ويطلبه، وأصبح سليمان لا ينفر من الجن، بل يسخره ويستخدمه، وأما القطر، أي : النحاس والحديد فتجانسهما غير خفي ) وذكر كتاب الله في حق داوود اشتغاله بآلة الحرب، بينما ذكر في حق سليمان اشتغاله بمهام السلم ؛ لأن ملكه كان موطدا من عهد أبيه.
ثم أننا نجد كتاب الله يدرج في سياق التنويه بفضل الله على نبيه سليمان عليه السلام آيات يدور الحديث فيها حول نوع ( الجن ) الذي يقابل نوع ( الأنس )، والمراد بهم نوع خفي من الكائنات يعمر الكون علاوة على الإنسان، وهو خاضع مثله للتكليف في الدنيا والجزاء في الآخرة، حسبما تدل عليه عدة آيات في سورة الأنعام وسورة الأعراف وسورة فصلت وسورة الذاريات وسورة الرحمان وسورة الجن، غير أن كتاب الله لم يفصل القول في هذا النوع الخفي من الأحياء، واقتصرت على بيان، أن الله خلقه من نار، وترك تفاصيل أمره مستورة ومحجوبة عن الأنظار، ﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾( ٢٧ : ١٥ )، ﴿ وخلق الجان من مارج من نار ﴾( ١٥ : ٥٥ ).
ونظرا إلى أن بعض الأغرار من البشر تكونت عندهم فكرة غامضة وسخيفة عن الجن من نسج الخيال، وأخذوا يعبدونهم، ظنا منهم أنهم يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، واستمر اعتقادهم الباطل، يتناقله جيل عن جيل، إلى حين ظهور الإسلام، فقد تصدى كتاب الله في سياق الحديث عن سليمان لإبطال هذا الاعتقاد الفاسد، مبينا أن الجن ليسوا إلا عبارة عن كائنات خفية، خاضعة لأمر الله، ومسؤولة عما كلفت به أمام الله، فليس للجن في الكون أمر ولا نهي، ولا سطوة ولا تأثير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى واصفا تسخير سليمان لهم أثناء حياته :﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير( ١٢ ) ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء ( ٨٢ ) :﴿ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ﴾، وقوله فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٨-٣٧ )، ﴿ والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:وانتقل كتاب الله إلى الحديث عما امتن به على سليمان بن داوود من فضل أشمل وأعظم، هذا الفضل يتجلى في عدة مظاهر :
المظهر الأول : تسخير الريح له في زمان محدود ومكان محدود، وجعلها أداة سريعة في يده ويد أعوانه، للقيام بأسرع ما يمكن من التنقلات والمواصلات، بحيث يكون من المستطاع قطع مسافة شهر في الغدو ومسافة شهر في الرواح، أي قطع مسافة شهرين في يوم واحد، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق في سورة الأنبياء ( ٨١ ) :﴿ ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنا بكل شيء عالمين ﴾، وقوله تعالى فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٦ ) :﴿ فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ﴾.
والمظهر الثاني : تمكينه من استعمال معدن النحاس، وتعريفه بالطريقة التقنية المثلى لتذويبه وإسالته، وإرشاده إلى استعماله في صنع ما يلزم من آلات وأدوات، للنفع الخاص والنفع العام، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسلنا له عين القطر ﴾ أي : معدن النحاس، وقوله تعالى في نفس السياق :﴿ يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ﴾، و( المحاريب ) جمع ( محراب )، وهذا اللفظ يطلق على كل بناء مرتفع ممتنع، وعلى أشرف بيوت الدار، كما يطلق على المكان الذي يصلي فيه الإمام، لأنه يجب أن يرفع ويعظم، وهو أرفع مكان في المسجد، و( التماثيل ) جمع ( تمثال )، وهو اسم للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره أي المشبه به من إنسان أو حيوان أو غيرهما، ( والجفان ) جمع ( جفنة ) وهي القصعة الكبيرة، وشبهت في هذه الآية ( بالجوابي ) جمع ( جابية )، لاتساعها وكبرها، ومعنى ( الجابية ) الحوض العظيم الذي يجمع فيه الماء، ( والقدور الراسيات ) هي القدور الثوابت التي لا تحمل ولا تحرك لعظمها، ومنها يغرف الطعام في الجفان. قال ابن العربي :( ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك، فإنهم يطبخون جميعا، ويأكلون جميعا، من غير استئثار أحد منهم على أحد ).
وتعليقا على كلمة ( تماثيل ) الواردة في هذه الآية وما تفيده من إباحة التصوير على عهد سليمان قال ( ابن العربي ) ما نصه :( ورد على ألسنة أهل الكتاب أنه كان أمرا مأذونا فيه، والذي أوجب النهي عنه في شرعنا - والله أعلم- ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب ).
ومن لطائف التفسير ما نبه إليه الرازي أثناء تفسيره لهذه الآيات من أن ( كتاب الله ذكر ثلاثة أشياء في حق داوود، وثلاثة أشياء في حق سليمان عليهما السلام، فتسخير الجبال لداوود هو من جنس تسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير للأول هو من جنس تسخير الجن للثاني، إذ الشأن في الطير النفور من الإنس، والشأن في الإنس النفور من الجن، ومع ذلك صار الطير لا ينفر من داوود، بل يستأنس به ويطلبه، وأصبح سليمان لا ينفر من الجن، بل يسخره ويستخدمه، وأما القطر، أي : النحاس والحديد فتجانسهما غير خفي ) وذكر كتاب الله في حق داوود اشتغاله بآلة الحرب، بينما ذكر في حق سليمان اشتغاله بمهام السلم ؛ لأن ملكه كان موطدا من عهد أبيه.
ثم أننا نجد كتاب الله يدرج في سياق التنويه بفضل الله على نبيه سليمان عليه السلام آيات يدور الحديث فيها حول نوع ( الجن ) الذي يقابل نوع ( الأنس )، والمراد بهم نوع خفي من الكائنات يعمر الكون علاوة على الإنسان، وهو خاضع مثله للتكليف في الدنيا والجزاء في الآخرة، حسبما تدل عليه عدة آيات في سورة الأنعام وسورة الأعراف وسورة فصلت وسورة الذاريات وسورة الرحمان وسورة الجن، غير أن كتاب الله لم يفصل القول في هذا النوع الخفي من الأحياء، واقتصرت على بيان، أن الله خلقه من نار، وترك تفاصيل أمره مستورة ومحجوبة عن الأنظار، ﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾( ٢٧ : ١٥ )، ﴿ وخلق الجان من مارج من نار ﴾( ١٥ : ٥٥ ).
ونظرا إلى أن بعض الأغرار من البشر تكونت عندهم فكرة غامضة وسخيفة عن الجن من نسج الخيال، وأخذوا يعبدونهم، ظنا منهم أنهم يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، واستمر اعتقادهم الباطل، يتناقله جيل عن جيل، إلى حين ظهور الإسلام، فقد تصدى كتاب الله في سياق الحديث عن سليمان لإبطال هذا الاعتقاد الفاسد، مبينا أن الجن ليسوا إلا عبارة عن كائنات خفية، خاضعة لأمر الله، ومسؤولة عما كلفت به أمام الله، فليس للجن في الكون أمر ولا نهي، ولا سطوة ولا تأثير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى واصفا تسخير سليمان لهم أثناء حياته :﴿ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير( ١٢ ) ﴾، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء ( ٨٢ ) :﴿ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ﴾، وقوله فيما سيأتي من سورة ( ص : ٣٨-٣٧ )، ﴿ والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ﴾.


وتنويها بداود وآله قال تعالى في نفس المقام :﴿ واعملوا صالحا، إني بما تعملون بصير ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى يرعى عمل الصالحين من عباده بعين رعايته، ما داموا لا يفترون في عملهم عن خشية الله ومراقبته. وقال تعالى :﴿ ا عملوا آل داوود، شكرا ﴾، إشارة إلى أن شكر الله على نعمه متى كان محور الحركات والسكنات، والدافع الأول إلى ما يقوم به العبد من صالح الأعمال وجميل الحسنات، أثمر لصاحبه في الدنيا والآخرة أطيب الثمرات. قال الزمخشري :( فيه دليل على أن العبادة يجب أن تؤدى على طريق الشكر )، وقال أبو بكر ( ابن العربي ) ( حقيقة الشكر ) استعمال النعمة في الطاعة، والكفر استعمالها في المعصية ).
وقد نوه كتاب الله بشكر سليمان في غير ما آية، كقوله تعالى في سورة النمل ( ١٩ ) :﴿ فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحا ترضاه ﴾، وقوله تعالى في نفس السورة حكاية عن سليمان وقد رأى عرش ملكة سبأ بين يديه ( ٤٠ ) :﴿ فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم ﴾.
وقوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور( ١٣ ) }، إشارة إلى أن أكثر من يتقلبون في نعم الله الظاهرة والباطنة لا يؤدون حق شكرها، بل هم في غفلة ساهون، حتى إذا ذهبت النعمة، وحلت النقمة، أفاقوا من غفلتهم، وندموا على سكرتهم، ولات حين مندم، ﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾( ٧ : ١٤ ) و( الشكور )، هو المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، الذي يشغل به قلبه ولسانه وجوارحه، اعتقادا واعترافا وكدحا، حسبما عرفه جار الله الزمخشري، ومن شاء أن يكون من عباد الله الصالحين فليكن من هذا الفوج القليل.
وللدلالة على أن علم الجن علم قاصر ومحدود، وأنهم لا يعلمون من الغيب شيئا، على خلاف ما يعتقده الأغرار البسطاء، أورد كتاب الله شاهدا على ذلك موت سليمان، مبينا أن الجن الذين كانوا يعلمون بين يديه لم يشعروا بموته، واستمروا على أداء الخدمات الشاقة التي عاقبهم بها، ظنا منهم أنه لا يزال حيا يملك ويحكم، ولولا أن ( العصا ) التي كان يتوكأ عليها أكلتها الأرضة وانكسرت، فسقط جثمانه على الأرض، لما أدرك الجن أنه مات، ولما توقفوا عما كان قد كلفهم به من الخدمات، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق :﴿ فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منساته، فلما خر تبنيت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين( ١٤ ) ﴾، والمراد ( بدابة الأرض ) هنا الأرضة التي تأكل الخشب، والمراد ( بالمنساة ) العصا.
ومن قصة آل داوود التي يتجلى فيها فضل الله ومقابلة فضله بالشكر، انتقل كتاب الله إلى قصة، ( سبأ ) التي يتجلى فيها فضل الله، لكن مع مقابلته بالجحود والكفر :
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
يقول الله تعالى :﴿ لقد كان لسبإٍ في مساكنهم آية ﴾، أي : أن ما أكرم الله به قوم سبأ من خصوبة الأرض وجودة التربة، ونقاوة الهواء، واختلاف الزروع والأشجار، وتنوع الثمار، وامتداد الظلال وجريان الأنهار، يعد آية من آيات الله، الناطقة بقدرته وحكمته ورحمته، الباعثة على عبادته وشكره وطاعته :﴿ جنتان عن يمين وشمال ﴾، أي : أن مساكنهم تحف بها من جهة اليمين- كما تحف بها من جهة الشمال- بساتين خضراء، ومزارع فيحاء، على مد البصر، حتى كأن ما على اليمين من البساتين والمزارع يكون جنة واحدة، وما على الشمال منها يكون جنة واحدة أيضا، لاتصال تلك البساتين والمزارع بعضها بعض، وتداخل بعضها مع بعض، ﴿ كلوا من رزق ربكم واشكروا له ﴾، أي أن كل ما حولهم كان لسان حاله يوحي إليهم بالإقبال على مائدة الله، والتمتع بالطيبات من الرزق، والشكر لله على نعمه المتواصلة، فقد أتم الله عليهم نعمته من جميع الوجوه، ولا يسعهم إلا أن ينهضوا بشكرها فرحين مبتهجين.
يقول الله تعالى :﴿ بلدة طيبة ورب غفور ﴾، هذا تعقيب مستأنف، أوجز فيه كتاب الله وصف أرض سبأ ووصف أهلها، فالأرض أرض طيبة، وطيبها يصدق بكونها أرضا خصبة لا سبخة، وكون مناخها مناخا صحيا طيب الهواء، لا وخامة فيه ولا وباء، ولا هوام كالعقرب والحية والحرباء، والناس في هذه الأرض يعبدون الله ويشكرونه، ويذكرون فضله ويستغفرونه، فيغفر لهم ما فرط منهم من السيآت، ويتقبل منهم ما قدموا من الحسنات :﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾( ١١٤ : ١١ ).
ومن قصة آل داوود التي يتجلى فيها فضل الله ومقابلة فضله بالشكر، انتقل كتاب الله إلى قصة، ( سبأ ) التي يتجلى فيها فضل الله، لكن مع مقابلته بالجحود والكفر :
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
لكن لما أعرض قوم سبأ عن عبادة الله وطاعته، وانصرفوا عن شكره على نعمته، بطرا وطغيانا، وجحودا وكفرانا، بدلهم الله من حال إلى حال، وسلط عليهم الكوارث والأهوال، فتهدم ( سد مأرب ) الذي كان يعد من أعاجيب العالم القديم، إذ كان أوسع السدود وأشهرها، ( وهو يبعد عن مدينة صنعاء بنحو ستين ميلا، ولا تزال بقاياه ماثلة للعيان إلى الآن ) وطغى ماء السد وماء السيل على ما كان عندهم من بساتين ومزارع وأبنية، فذهب العمران والازدهار، وحل محله الخراب والدمار، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾، و( العرم ) السيل الذي لا يطاق.
يقول تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل ﴾، ها هنا يبين كتاب الله ما حل بمزارعهم ومعايشهم من ضياع وإهمال، حيث تحولت البساتين والمزارع إلى غابات وأدغال، والمراد " بالخمط " كل شجر ذي شوك فيه مرارة، ( والأثل ) نوع من الخشب شبيه بالطرفاء لا ثمرة له في الغالب، و( السدر ) شجر النبق، وبعدما أصبح السدر أحسن أشجارهم لم يبق منه إلا القليل. وإنما قال تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين دواتي أكل خمط وأثل ﴾، لأجل ( المشاكلة ) بين النوعين، على غرار قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾، إذ مثل هذا النبات الوحشي لا يسمى في الحقيقة ( جنة ) ولا بستانا. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجزى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:ومن قصة آل داوود التي يتجلى فيها فضل الله ومقابلة فضله بالشكر، انتقل كتاب الله إلى قصة، ( سبأ ) التي يتجلى فيها فضل الله، لكن مع مقابلته بالجحود والكفر :
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
لكن لما أعرض قوم سبأ عن عبادة الله وطاعته، وانصرفوا عن شكره على نعمته، بطرا وطغيانا، وجحودا وكفرانا، بدلهم الله من حال إلى حال، وسلط عليهم الكوارث والأهوال، فتهدم ( سد مأرب ) الذي كان يعد من أعاجيب العالم القديم، إذ كان أوسع السدود وأشهرها، ( وهو يبعد عن مدينة صنعاء بنحو ستين ميلا، ولا تزال بقاياه ماثلة للعيان إلى الآن ) وطغى ماء السد وماء السيل على ما كان عندهم من بساتين ومزارع وأبنية، فذهب العمران والازدهار، وحل محله الخراب والدمار، وذلك معنى قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ﴾، و( العرم ) السيل الذي لا يطاق.
يقول تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل ﴾، ها هنا يبين كتاب الله ما حل بمزارعهم ومعايشهم من ضياع وإهمال، حيث تحولت البساتين والمزارع إلى غابات وأدغال، والمراد " بالخمط " كل شجر ذي شوك فيه مرارة، ( والأثل ) نوع من الخشب شبيه بالطرفاء لا ثمرة له في الغالب، و( السدر ) شجر النبق، وبعدما أصبح السدر أحسن أشجارهم لم يبق منه إلا القليل. وإنما قال تعالى :﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين دواتي أكل خمط وأثل ﴾، لأجل ( المشاكلة ) بين النوعين، على غرار قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها ﴾، إذ مثل هذا النبات الوحشي لا يسمى في الحقيقة ( جنة ) ولا بستانا. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجزى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾.

ومن قصة آل داوود التي يتجلى فيها فضل الله ومقابلة فضله بالشكر، انتقل كتاب الله إلى قصة، ( سبأ ) التي يتجلى فيها فضل الله، لكن مع مقابلته بالجحود والكفر :
أما فضل الله على سبأ فينطق به قوله تعالى :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية، جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور( ١٥ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما –آمنين( ١٨ ) ﴾.
وأما جحود سبأ وكفرهم بنعمة الله، وما نشأ عنه من تبدل الأحوال، والتعرض للدمار والزوال، فينطق به قوله تعالى :﴿ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل( ١٦ ) ذلك جازيناهم بما كفروا، وهل يجازى إلا الكفور( ١٧ ) ﴾، وقوله تعالى :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
يقول الله تعالى :﴿ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ﴾، أي : أن الله تعالى أكرم قوم سبأ بعمران مزدهر متصل الحلقات، ترتبط فيه المدن الكبرى بسلسلة من القرى الصغيرة العامرة، المبثوثة في أطراف البادية، وهذه القرى قريب بعضها من بعض، ويتراءى بعضها لبعض، والسير فيما بينها يمكن ليلا ونهارا، بما تتوفر عليه من استقرار وأمان، ناشئين عن ازدهار واتصال العمران، وقد دلت الكشوف الأثرية الحديثة على أن الحضارة العربية في عهد دولة سبأ بلغت غاية النمو والازدهار، لا فرق في ذلك بين الناحية الإدارية، والناحية العمرانية، والناحية الثقافية، والناحية الصناعية، والناحية التجارية، والناحية الزراعية.
ومما يتصل بموضوع الآيات الواردة هنا عن سبأ اتصالا وثيقا، ويلقي الأضواء عليها : أن دولة سبأ بلغ أهلها في العلم بالهندسة وتنظيم الري وحسن الاستفادة من مياه الأمطار درجة عالية، فأنشأوا من السدود والقنوات ما كان مثارا للدهشة والإعجاب في أطراف العالم إذ ذاك، إذ إن تلك السدود العربية تعتبر أقدم السدود التي عرفها التاريخ، مما كان له أثر كبير فيما وصفه كتاب الله بأنه ( آية ) من آيات الله، إذ قال تعالى هنا :﴿ لقد كان لسبإ في مساكنهم آية ﴾، وقال :﴿ بلدة طيبة ورب غفور ﴾.
وبعدما تحولت مزارع قوم سبأ وبساتينهم الفيحاء إلى غابات وأدغال، وأصبحت قراهم المزدهرة وعمرانها المتصل في خبر كان، ولم يبق منها إلا الخراب والأطلال، تذكروا الله والتجأوا إليه، لكن كان أمر الله قدرا مقدورا، فاستبدلهم بعيشتهم الراضية، ( معيشة ضنكا ) كلها متاعب مضنية، تحتاج إلى ركوب أخطار عديدة، والتقلب في أسفار طويلة وبعيدة، لا يكفي فيها زاد ولا راحلة، ولا تنجو من مخاوفها ومفاجأتها أي قافلة، وبذلك جعلهم عبرة للمعتبرين يتحدثون بهم، ويتمثلون بمصيرهم المفجع قائلين، ( تفرقوا أيادي سبأ ) وذلك ما يشير إليه قوله تعالى : عقابا على بطرهم وعدم شكرهم :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:وبعدما تحولت مزارع قوم سبأ وبساتينهم الفيحاء إلى غابات وأدغال، وأصبحت قراهم المزدهرة وعمرانها المتصل في خبر كان، ولم يبق منها إلا الخراب والأطلال، تذكروا الله والتجأوا إليه، لكن كان أمر الله قدرا مقدورا، فاستبدلهم بعيشتهم الراضية، ( معيشة ضنكا ) كلها متاعب مضنية، تحتاج إلى ركوب أخطار عديدة، والتقلب في أسفار طويلة وبعيدة، لا يكفي فيها زاد ولا راحلة، ولا تنجو من مخاوفها ومفاجأتها أي قافلة، وبذلك جعلهم عبرة للمعتبرين يتحدثون بهم، ويتمثلون بمصيرهم المفجع قائلين، ( تفرقوا أيادي سبأ ) وذلك ما يشير إليه قوله تعالى : عقابا على بطرهم وعدم شكرهم :﴿ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا، وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ١٩ ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين( ٢٠ ) ﴾
وبين كتاب الله أن إبليس لا سلطان له على الخلق، وإنما يغزى ويغوي من اختار الغواية والضلال، وذلك قوله تعالى :﴿ وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ﴾، أي : لنكشف للناس عما سبق في علمنا من أمر المؤمن والكافر، ﴿ وربك على كل شيء حفيظ( ٢١ ) ﴾.
ثم خاطب كتاب الله المشركين متحديا لهم، وطالبا منهم أن يدعوا شركاءهم :﴿ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيها من شرك ﴾، مبينا لهم أن الله تعالى غني عن الشركاء والأعوان :﴿ و ما له منهم من ظهير( ٢٢ ) ﴾.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى أن سبق الإذن من الحق سبحانه وتعالى للشفعاء والمشفوع فيهم أمر ضروري قبل كل شفاعة، وأن الشافعين والمشفوع لهم يكونون أثناء انتظارهم لإذنه سبحانه في حالة جزع وفزع لا يدرون هل يؤذن لهم أو لا يؤذن، فإذا صدر الإذن بالشفاعة من الرحمان الرحيم، ذي العرش العظيم، تبادلوا البشرى، وذلك قوله تعالى :﴿ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى إذا فزع عن قلوبهم ﴾، أي : زال الفزع وارتفع، بالإذن لهم في الشفاعة، سأل بعضهم بعضا، ﴿ قالوا ماذا قال ربكم، قالوا الحق ﴾، أي : قال القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى، فليس لملك ولا نبي أن يتكلم في ذلك اليوم إلا بإذنه، ﴿ وهو العلي الكبير٢٣ ﴾.
الربع الأول من الحزب الرابع والأربعين في المصحف الكريم
في الآيات الأخيرة من الربع الماضي وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يتحدى المشركين، ويطلب منهم دعوة شركائهم الذين يتمسكون بعبادتهم، ويعلقون الأمل على شفاعتهم، مسجلا على أولئك الشركاء العجزة المفاليس، فقرهم المدقع وعجزهم التام، إذ قال تعالى فيما سبق :﴿ قل أدعو الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيهما من شرك ﴾.
وفي بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يواصل تحديه للمشركين، ويوجه إليهم سؤالا ملحا عمن يرزقهم، وهل أولئك الشركاء الذين يعبدونهم هم الذين يرزقونهم، مع أنهم لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وحيث أنه كان من المنتظر أن يتلعثموا ولا يجيبوا، فقد أذن الله لنبيه أن يتولى هو بنفسه الجواب نيابة عنهم، بمقتضى لسان الحال، الذي هو أفصح من لسان المقال، وذلك قوله تعالى في السِؤال :﴿ قل من يرزقكم من السماوات والأرض ﴾، فكان الجواب، ﴿ قل الله ﴾.
قال جار الله الزمخشري محللا السر في توجيه السؤال وتلقي الجواب من مصدر واحد، وهو نفس النبي عليه السلام : " أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله :﴿ قل الله ﴾، وذلك للإشعار بأنهم مُقرُّون به بقلوبهم، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به، لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق، مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ﴾، ( ٣١ : ١٠ ) إلى أن قال :﴿ فسيقولون الله ﴾، ثم قال ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾( ٣٢ : ١٠ )، فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وإصرار، وحذرا من التزام الحجة ".
ورغما عن وضوح الحجة وسلامة البرهان، على أن الله الذي يرزق عباده هو الذي يستحق عبادتهم وطاعتهم، ومن عبده هو الذي يكون على هدى، وأن من لا تأثير له في خلق ولا رزق، ولا شرك له في السماوات والأرض، ينبغي أن يهمل ويسقط من الحساب، ومن عبده هو الضال المضل، قال تعالى مستدرجا للكافرين المشركين، وإن كان الحق كله مع المؤمنين الموحدين، ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين( ٢٤ ) قل لا تسئلون عما أجرمنا، ولا نسأل عما تعلمون( ٢٥ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:في الآيات الأخيرة من الربع الماضي وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يتحدى المشركين، ويطلب منهم دعوة شركائهم الذين يتمسكون بعبادتهم، ويعلقون الأمل على شفاعتهم، مسجلا على أولئك الشركاء العجزة المفاليس، فقرهم المدقع وعجزهم التام، إذ قال تعالى فيما سبق :﴿ قل أدعو الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيهما من شرك ﴾.
وفي بداية هذا الربع وجه كتاب الله الخطاب إلى نبيه، آمرا له أن يواصل تحديه للمشركين، ويوجه إليهم سؤالا ملحا عمن يرزقهم، وهل أولئك الشركاء الذين يعبدونهم هم الذين يرزقونهم، مع أنهم لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وحيث أنه كان من المنتظر أن يتلعثموا ولا يجيبوا، فقد أذن الله لنبيه أن يتولى هو بنفسه الجواب نيابة عنهم، بمقتضى لسان الحال، الذي هو أفصح من لسان المقال، وذلك قوله تعالى في السِؤال :﴿ قل من يرزقكم من السماوات والأرض ﴾، فكان الجواب، ﴿ قل الله ﴾.
قال جار الله الزمخشري محللا السر في توجيه السؤال وتلقي الجواب من مصدر واحد، وهو نفس النبي عليه السلام :" أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله :﴿ قل الله ﴾، وذلك للإشعار بأنهم مُقرُّون به بقلوبهم، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به، لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق، مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم، وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله :﴿ قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ﴾، ( ٣١ : ١٠ ) إلى أن قال :﴿ فسيقولون الله ﴾، ثم قال ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾( ٣٢ : ١٠ )، فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وإصرار، وحذرا من التزام الحجة ".
ورغما عن وضوح الحجة وسلامة البرهان، على أن الله الذي يرزق عباده هو الذي يستحق عبادتهم وطاعتهم، ومن عبده هو الذي يكون على هدى، وأن من لا تأثير له في خلق ولا رزق، ولا شرك له في السماوات والأرض، ينبغي أن يهمل ويسقط من الحساب، ومن عبده هو الضال المضل، قال تعالى مستدرجا للكافرين المشركين، وإن كان الحق كله مع المؤمنين الموحدين، ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين( ٢٤ ) قل لا تسئلون عما أجرمنا، ولا نسأل عما تعلمون( ٢٥ ) ﴾.

ونظرا إلى أن اختلاف البشر في معتقداتهم لا سبيل إلى القضاء عليه في الحياة الدنيا ما داموا موكولين إلى اختيارهم، فإن فصل القضاء بينهم لا يتم إلا عند حشرهم ووقوفهم جميعا بين يدي الله يوم القيامة، وذلك قوله تعالى :﴿ قل يجمع بيننا ربنا، ثم يفتح بيننا بالحق، وهو الفتاح العليم( ٢٦ ) ﴾، أي : القاضي بالحق، العليم بأحوال الخلق.
ولتبكيت المشركين وتسفيه معتقداتهم من جهة، والمزيد من التنازل، أملا في إقناعهم بالرجوع الى الحق من جهة أخرى، أمر الله تعالى نبيه أن يقترح عليهم عقد مقارنة وموازنة بين خصال الشركاء الذين ألحقوهم بالله، وبين كمالات الله الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء، وبديهي أنه لا مجال للمقارنة بين صفات الخالق وصفات المخلوق، وبين الحي القيوم، والجماد الشبيه بالمعدوم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ قل أروني الذين ألحقتهم به شركاء، كلا ﴾، أي : ليس له شركاء، ﴿ بل هو الله العزيز الحكيم( ٢٧ ) ﴾، أي ذو العزة الذي قهر بعزته كل شيء، الحكيم في تصرفاته وكلماته، وشرعه وقدره.
ووجه كتاب الله الخطاب إلى خاتم أنبيائه ورسله، ممتنا عليه، ومؤكدا للناس أجمعين أن الرسالة التي جاء بها رسالة عامة إلى كافة البشر، ولا يفل من حدها ولا ينقص من شأنها كون الجاهلين والمعاندين أصروا على تجاهل أمرها، وعدم الإقرار بها، فستفرض نفسها بحجتها البالغة عليهم جميعا، وذلك قوله تعالى :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٢٨ ) ﴾، ومن لوازم عموم الرسالة أن يتوجه الرسول إلى الإنسانية جمعاء بالتبليغ والتبشير والإنذار، وأن يكفهم عن الضلال ويرشدهم إلى الهدى على ممر الأجيال والأعصار، وبنفس المعنى سبق قوله تعالى في سورة الأعراف ( ١٥٨ ) :﴿ قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ﴾، وقوله تعالى في سورة الفرقان( ١ ) :﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾، و( البشارة ) لمن أسلم وجهه لله بإحسان، و( النذارة ) لمن أسلم وجهه للهوى والشيطان.
وأورد كتاب الله سؤالا عن موعد قيام الساعة، وهو أحد الأسئلة الغريبة التي يوجهها المتعنتون والمعاندون في كل مناسبة، لا بقصد الاسترشاد، ولكن بقصد التحدي والعناد، فقال تعالى حكاية عنهم :﴿ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين( ٢٩ ) ﴾
ولقن رسوله الجواب المناسب لهذا السؤال :﴿ قل لكم ميعاد يوم لا تستخرون عنه ساعة، ولا تستقدمون( ٣٠ ) ﴾، و( الميعاد ) ظرف الوعد من مكان أو زمان، وهو هنا للزمان
ولم يخف كتاب الله وجود طائفة من الكافرين بلغ بها الجحود والعناد، والغلو في الكفر والإلحاد، ليس فقط إلى عدم الاعتراف بالقرآن، وإنكار ما تضمنه من العقائد الثابتة بالحجة والبرهان، بل إلى إنكار جميع الكتب السماوية والعقائد التي جاءت بها الأديان، وذلك قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾.
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ولم يخف كتاب الله وجود طائفة من الكافرين بلغ بها الجحود والعناد، والغلو في الكفر والإلحاد، ليس فقط إلى عدم الاعتراف بالقرآن، وإنكار ما تضمنه من العقائد الثابتة بالحجة والبرهان، بل إلى إنكار جميع الكتب السماوية والعقائد التي جاءت بها الأديان، وذلك قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾.
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:ولم يخف كتاب الله وجود طائفة من الكافرين بلغ بها الجحود والعناد، والغلو في الكفر والإلحاد، ليس فقط إلى عدم الاعتراف بالقرآن، وإنكار ما تضمنه من العقائد الثابتة بالحجة والبرهان، بل إلى إنكار جميع الكتب السماوية والعقائد التي جاءت بها الأديان، وذلك قوله تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ﴾.
ثم بين كتاب الله لرسوله الأعظم ما سيكون عليه يوم القيامة حال الأتباع والمتبوعين، والرؤساء والمرءوسين، الضالين منهم والمضلين، وهم يتبادلون الاتهام والملام، ويتراشقون بلاذع القول وقارص الكلام، وذلك قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ﴾، أي : محبوسون في موقف الحساب بين يدي الله، ﴿ يرجع بعضهم إلى بعض القول ﴾، أي : لو رأيت تحاورهم وتناكرهم وتراجعهم في القول لرأيت مشهدا مريعا، وموقفا فظيعا :﴿ يقول الذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ لولا أنتم لكنا مؤمنين( ٣١ ) وقال الذين استكبروا ﴾، وهم القادة، ﴿ للذين استضعفوا ﴾، وهم الأتباع :﴿ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين( ٣٢ ) وقال الذين استضعفوا ﴾أي : الأتباع، ﴿ للذين استكبروا ﴾، أي : القادة، ردا عليهم، ﴿ بل مكر الليل والنهار، إذ تأمروننا أن نكفر بالله، ونجعل له أندادا ﴾، أي : أن الإجرام لم يكن من جهتنا، بل من جهة مكركم وخداعكم لنا، واحتيالكم علينا، وبث معتقداتكم الباطلة بيننا باستمرار، في الليل والنهار


ولما رأوا العذاب رؤساء ومرؤوسين، استولى عليهم الذعر الندم، من الرأس إلى أخمص القدم، فبرزت آثاره على أسارير وجوههم، وأحاطت الأغلال بأعناقهم. أما القادة والرؤساء فمن أجل ضلالهم في أنفسهم وإضلالهم لغيرهم، وأما الأتباع والمرؤوسون فمن أجل تسليم مقادتهم لهم والانقياد لأوامرهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون( ٣٣ ) ﴾ : للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع عذاب بحسبهم، وبدلا من سلاسل الخداع والتضليل، التي كانوا يوثقون بها أعناق الجيل بعد الجيل، هاهي أعناقهم موثقة بسلاسل من أغلال الحديد الثقيل.
وانتقل كتاب الله إلى كشف الغطاء عن الخطة العدائية التي جرى عليها الطغاة المترفون كلما بعث إلى الناس نبي أو رسول، وما تواطئوا عليه من غلط كبير، ووهم خطير، إذ يظنون أن سعة أموالهم، وكثرة أولادهم هي من دلائل حظوتهم عند الله، فيأمنون مكر الله، جاهلين أن الله تعالى إنما يمهل الظالمين، وأن كيده متين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون( ٣٤ ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين( ٣٥ ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾، فسعة الرزق عند الغنى لا تدل على مقامه الكريم عند الله، وضيق ذات اليد عند الفقير لا يفيد هوانه على الله، ووجود الترف، لا يدل على الشرف، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:وانتقل كتاب الله إلى كشف الغطاء عن الخطة العدائية التي جرى عليها الطغاة المترفون كلما بعث إلى الناس نبي أو رسول، وما تواطئوا عليه من غلط كبير، ووهم خطير، إذ يظنون أن سعة أموالهم، وكثرة أولادهم هي من دلائل حظوتهم عند الله، فيأمنون مكر الله، جاهلين أن الله تعالى إنما يمهل الظالمين، وأن كيده متين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون( ٣٤ ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين( ٣٥ ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾، فسعة الرزق عند الغنى لا تدل على مقامه الكريم عند الله، وضيق ذات اليد عند الفقير لا يفيد هوانه على الله، ووجود الترف، لا يدل على الشرف، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:وانتقل كتاب الله إلى كشف الغطاء عن الخطة العدائية التي جرى عليها الطغاة المترفون كلما بعث إلى الناس نبي أو رسول، وما تواطئوا عليه من غلط كبير، ووهم خطير، إذ يظنون أن سعة أموالهم، وكثرة أولادهم هي من دلائل حظوتهم عند الله، فيأمنون مكر الله، جاهلين أن الله تعالى إنما يمهل الظالمين، وأن كيده متين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون( ٣٤ ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين( ٣٥ ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾، فسعة الرزق عند الغنى لا تدل على مقامه الكريم عند الله، وضيق ذات اليد عند الفقير لا يفيد هوانه على الله، ووجود الترف، لا يدل على الشرف، ﴿ ولكن أكثر الناس لا يعلمون( ٣٦ ) ﴾.
ثم قرر كتاب الله حقيقة دينية ثابتة قام عليها الإسلام، ألا وهي أن قيمة الإنسان عند ربه تقدر بخلقه القويم، وسلوكه المستقيم، بشكل متواصل ومستديم، ولا دخل للغنى والفقر في هذا التقويم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى :﴿ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ﴾، أي : ليست الأموال والأولاد دليلا على حظوتكم عندنا وقربكم منا، إذا لم يزينها الإيمان والعمل الصالح :﴿ إلا من آمن وعمل صالحا ﴾، فمن أدى في أمواله حق الله، وأنفق أمواله في سبيل الله، وعلم أولاده الخير وفقههم في الدين، ورباهم على طاعة الله، كانت له الأموال والأولاد نعم الزلفى إلى الله :﴿ فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ﴾، أي : لهم الجزاء المضعف ( الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف )، ( وهم في الغرفات آمنون( ٣٧ ) }، أي : آمنون من العذاب والأسقام والأحزان.
أما الذين حادوا الله ورسوله كبرا وعنادا، فستتلقاهم الزبانية يوم القيامة من سبعة أبواب، وسيساقون أذلاء مستسلمين إلى ساحة العذاب، وإلى ذلك يشير قوله تعالى :﴿ والذين يسعون في آياتنا، أي : يسعون في إبطال أدلتنا، وتكذيب ما أنزلناه في كتابنا، { معاجزين ﴾، أي : معاندين لنا، محاولين تعجيزنا، ﴿ أولئك في العذاب محضرون( ٣٨ ) ﴾، أي : يساقون مرغمين على الحضور، جزاء ما أصروا من كفر وفجور.
وأكد كتاب الله مرة أخرى أن مقدار الرزق الذي يناله الإنسان لا يدل على مقامه عند الله، فكثرة الرزق لا تدل على التكريم، وقلته لا تدل على الهوان، لكن ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) كما جاء في الحديث الشريف، وذلك قوله تعالى :﴿ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ﴾، أي : يخلفه عليكم ويعطيكم بدله، إذا كانت النفقة في طاعة الله، وذلك إما بمثله، وإما بالثواب عليه وادخاره للآخرة :﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ﴾( ٣٠ : ٣ )، وإما بالقناعة وغنى القلب، ( والقناعة كنز لا ينفذ )، على أن كل ما عند العبد إنما هو من خلق الله ورزقه، ﴿ وهو خير الرازقين( ٣٩ ) ﴾، إذ هو سبحانه خالق الرزق، وخالق الأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق، وخزائن رزقه لا تتناهى ولا تفنى ﴿ ولله خزائن السماوات والأرض ﴾( ٧ : ٦٣ )، قال مجاهد :( لا يتأولن أحدكم هذه الآية :﴿ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ﴾، من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد فيه، فإن الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل، ولا ينفق جميع ما في يده، ثم يبقى طول عمره في فقر ).
وكما استنكر كتاب الله في الربع الماضي ( عبادة الجن ) وقضى على رواسبها المتخلفة من عهد الجاهلية، عندما قال في شأنهم :﴿ ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ﴾ وعندما قال :﴿ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ﴾، استنكر كتاب الله في هذا الربع عبادة فريق من الناس للملائكة، وجاء هذا الاستنكار، في صيغة سؤال واستفسار، وذلك قوله تعالى :﴿ ويوم يحشرهم جميعا ﴾، أي : يحشر الكافرين والمشركين في عرض شامل جامع :﴿ ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون( ٤٠ ) ﴾، أي : هل أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم، وكنتم راضين عن عبادتهم
وسبق في كتاب الله سؤال من هذا النوع، موجه إلى عيسى عليه السلام مع جواب مماثل ( ١١٦ : ٥ )، أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله. قال، سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق }،
فيتبرأ الملائكة منهم بالمرة، ويبدؤون جوابهم بتنزيه الله عن كل سوء :﴿ قالوا سبحانك ﴾، أي : تعاليت وتقدست عن أن يعبد أحد سواك، ﴿ أنت ولينا من دونهم ﴾، أي : أنت ربنا الذي نتولاه وحده بالعبادة، ونخلص له الطاعة، لا نتولى غيرك ولا نعبد سواك.
ثم واصل الملائكة جوابهم قائلين :﴿ بل كانوا يعبدون الجن، أكثرهم بهم مؤمنون( ٤١ ) ﴾، أي أن شياطين الجن هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان، وخيلوا إليهم أن تلك الأوثان هي على صور الملائكة، فصدقوهم وآمنوا بهم، ﴿ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ﴾( ١٠٠ : ٦ )، ﴿ وجعلوا بينه وبين الجن نسبا ﴾ ( ١٥٨ : ٣٧ )، قال جار الله الزمخشري ( قد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين برءاء مما وجه إليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريع من عبدوهم أشد، وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم ).
ثم بين كتاب الله أن الآمال التي كان يعلقها عبدة الأوثان والجن والملائكة على معبوداتهم آمال ضائعة، وأن رجاءهم في نفعهم عند نزول الشدائد مآله الخيبة والخسران، فقال تعالى مخاطبا لهم جميعا :﴿ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا، ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون( ٤٢ ) ﴾، إذ الآخرة دار حساب وجزاء، لا دار تكليف وابتلاء.
وعاد كتاب الله إلى الحديث عن مزاعم أعداء الرسالة والرسول، وما يحدثونه من البلبلة في النفوس والعقول، وذلك قوله تعالى في وصفهم ووصف مزاعمهم الباطلة :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات، قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ﴾، والإشارة هنا إلى الرسول عليه السلام، ﴿ وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى ﴾، والإشارة هنا إلى القرآن، ﴿ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين( ٤٣ ) ﴾، والإشارة هنا إلى الحق.
وهكذا انحصرت مزاعمهم ضد الرسالة والرسول في وجوب التقليد الأعمى لمعتقدات الجاهلية والتمسك بها، ورمي الرسالة بكونها مجرد كذب وسحر، دون الدخول في مناقشة محتوياتها، ومحاولة التصدي لإبطالها بالدليل والبرهان، علما منهم بأن رسالة القرآن وحدها هي التي تأخذ قصب السبق وتفوز في الرهان، لأن حجتها فيها، ودليلها منها، إذ لا كتاب أبين من كتاب الله، ولذلك وصف كتاب الله الآيات بأنها ( بينات )، والحق أن موقف الذين تمسكوا بالشرك والكفر من العرب كان موقفا غريبا، فبعدما ظلوا قرونا طوالا منذ عهد إسماعيل يتطلعون إلى أن يبعث إليهم رسول، وينزل على رسولهم كتاب، مثل الأقوام الآخرين، ﴿ وما آتيناهم من كتب يدرسونها، وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير( ٤٤ ) ﴾، إذا بهم عندما أكرمهم الله بخاتم رسله، وأنزل عليه خاتم كتبه، يتنكرون له، ويكفرون به، ويعلنون الحرب عليه، وكان من المعقول والمنتظر أن يتلقفوا رسالته ويتلقوها بكلتا اليدين، لأنها رسالة حق وصدق لا شك فيها ولا مين.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى أن وجود روافض مكذبين يتبجحون بتكذيب الرسل ورفض الرسالات الإلهية ليس بدعا في تاريخ البشر، لاختلاف الاستعدادات الطبيعية، واختلاف المستويات الفكرية، واختلاف الأهواء والاختيارات الشخصية، واختلاف البيئات الاجتماعية، لكن عاقبة الرفض والتكذيب كانت دائما هي إنزال العقاب بالمكذبين، وكان عقابهم من الله بالتدمير والتعذيب، وذلك هو ( النكير ) العظيم، الذي يشير إليه قوله تعالى :﴿ وكذب الذين من قبلهم، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، فكذبوا رسلي، فكيف كان نكير( ٤٥ ) ﴾.
الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعين في المصحف الكريم
في بداية هذا الربع لقن كتاب الله لرسوله الأعظم ما يواجه به الشاكين والمعاندين، لإفحامهم وإقناعهم، وللقضاء على شكهم وعنادهم، داعيا إياهم إلى الالتقاء معه على كلمة سواء، وهذه الكلمة الواحدة الجامعة المانعة هي أن ينهضوا وينتصبوا للبحث عن ( الحق المطلق ) في أمر الرسول وأمر الرسالة، متجردين من كل هوى وعصبية وفكر مسبق، مستخدمين العقل والمنطق، وملكة التفكير العميق، في دراسة هذا الأمر دراسة موضوعية، على أن تتم هذه الدراسة بطريقة ( فردية ) متأنية، حتى لا يتأثر أحدهم بالآخر، وبطريقة ( ثنائية ) وجماعية، حتى يناظر كل واحد الآخر، ويقارن النتيجة التي وصل إليها بما وصل إليه قرينه من رأي، وبهذا الأسلوب المزدوج، من تمحيص أمر الرسول والرسالة تمحيصا موضوعيا، دون عصبية ولا هوى، يثبت الحق ويزهق الباطل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ قل إنما أعظكم بواحدة ﴾، أي : بكلمة واحدة هي أجمع جوامع الكلم، ﴿ أن تقوموا لله ﴾أي : أن تقوموا للبحث عن الحقيقة وطلب الحق بكامل التجرد والإخلاص لوجه الله، ( مثنى )، أي : اثنين، عندما يكون الواحد منكم مع غيره، ( وفرادى )، أي : واحد واحدا عندما يكون الواحد منكم منفردا بنفسه، ( ثم تتفكروا }، أي : منفردين ومجتمعين، وتستخدموا فكركم على فطرته وسجيته، وتقلبوا وجوه النظر في أمر الرسول وأمر الرسالة، قال جار الله الزمخشري :( أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما إتباع الهوى، ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح، على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد، يفكر في نفسه بعد ونصفة، من غير( أن يكابرها، ويعرض فكره على عقله وذهنه، وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم ) ونقل القرطبي عن بعض المفسرين تعليقا على قوله تعالى هنا :﴿ مثنى وفرادى ﴾ :( أن العقل حجة الله على العباد، فأوفرهم عقلا أوفرهم حظا من الله، فإذا كانوا﴿ فرادى ﴾ كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا﴿ مثنى ﴾ تقابل الذهنان، فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد )، أي : ما زاد على الانفراد )، أضعافا مضاعفة.
ومتى أنعموا النظر على هذا الوجه المعتبر، رفضوا مزاعم المعاندين والمكذبين، وأدركوا عن علم ويقين، أن محمدا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقا وصدقا، وأنه خاتم الرسل المبعوث إلى الخلق أجمعين، وبذلك يبطل تلقائيا قول من زعم أنه ( ساحر ) إذ لا أثر في أفعاله وأقواله لأي نوع من أنواع السحر، ويبطل قول من زعم أنه ( شاعر ) إذ لا تشابه بين آيات الذكر الحكيم وبين أي نوع من أنواع الشعر، ويبطل قول من زعم أنه ( مجنون ) إذ لا يبدو في تصرفاته وأحواله أي أثر من آثار الجنون. وكيف ينسب الجنون إلى من آتاه الله الكتاب والحكمة، وأكرمه بمزية التحصين والعصمة :﴿ ما بصاحبكم من جنة، إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد( ٤٦ ) ﴾.
وجريا على ما درج عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم منذ أقدم القدم، من التطوع بتبليغ الرسالة إلى أقوامهم، والترفع عن تناول أي أجر على ما يقومون به من تبليغ رسالات ربهم، خاطب كتاب الله خاتم رسله قائلا :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، إن أجري إلا على الله، وهو على كل شيء شهيد( ٤٧ ) ﴾.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وجريا على ما درج عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم منذ أقدم القدم، من التطوع بتبليغ الرسالة إلى أقوامهم، والترفع عن تناول أي أجر على ما يقومون به من تبليغ رسالات ربهم، خاطب كتاب الله خاتم رسله قائلا :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، إن أجري إلا على الله، وهو على كل شيء شهيد( ٤٧ ) ﴾.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٧:وجريا على ما درج عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم منذ أقدم القدم، من التطوع بتبليغ الرسالة إلى أقوامهم، والترفع عن تناول أي أجر على ما يقومون به من تبليغ رسالات ربهم، خاطب كتاب الله خاتم رسله قائلا :﴿ قل ما سألتكم من أجر فهو لكم، إن أجري إلا على الله، وهو على كل شيء شهيد( ٤٧ ) ﴾.
ثم إن ( الحق ) لا بد أن ينتصر، و( الباطل )، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة :﴿ قل إن ربي يقذف بالحق ﴾، أي : يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، ﴿ علام الغيوب( ٤٨ ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد( ٤٩ ) ﴾، أي : لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء ( ٨١ ) :﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول :﴿ جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾، ﴿ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾، و( سية القوس ) ما عطف من طرفيها.

وردا على ما كان يزعمه المشركون من أن عقيدة التوحيد التي يدعو إليها رسول الله، ويبرهن عليها كتاب الله، إنما هي مجرد ضلال وانحراف، وأن الوثنية التي درجوا عليها هي الحق الصراح، أكد لهم الرسول عليه السلام بأمر من ربه أنه سيظل وفيا لعقيدة التوحيد، متمسكا بها، وداعيا إليها، حاملا رايتها، متحملا كل النتائج التي تترتب على الإيمان بها والدعوة إليها، بالرغم من كونهم يعتبرونها ضلالا وانحرافا، مهتديا بالمبدأ القرآني القويم، المطابق للمنطق السليم، ﴿ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾( ١٥ : ١٧ )، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ﴾، وهذا هو الشق الأول من الرد، أما الشق الثاني فقد جاء بأكثر مما كان ينتظر، إذ تضمن إشارة إلى أن قدرة العقل على التفكير الصحيح ومعرفة الحق، التي سبق التنبيه إليها عند قوله تعالى في الآية الأولى من هذا الربع، ﴿ ثم تتفكروا ﴾، هي وإن كانت أساسا للنظر، والوصول إلى الاقتناع والإقناع، تظل قدرة محدودة تكتنفها السحب والغيوم في كثير من الأحيان، ولذلك فهي لا تستغني عن الهداية الإلهية، التي يحمل ( الوحي الإلهي ) مشعلها الكشاف المنير، فالوحي الإلهي- لكونه منبثقا من منبع النور نفسه – له نور قوي تخترق أشعته جميع الحجب التي تعترض العقل في طريقه، فيهتدي العقل بمعونته إلى اكتشاف الحق ومعرفته في كثير من المجالات، وهذا هو المعنى الإضافي الذي جاء به الشق الثاني من رد الرسول على المشركين ومن كان على شاكلتهم إذ يقول :﴿ وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ﴾.
ثم عقب كتاب الله على ذلك كله بقوله :﴿ إنه سميع ﴾إشارة إلى أن الله تعالى مطلع على كل ما يدور بين الرسول وخصوم الرسالات من جدل وحوار، وأنه يبارك ذلك الحوار الموصول الحلقات، عسى أن يقتنع الشاكون والجاحدون بما يقدمه لهم كتاب الله من الحجج والبراهين، ويهتدوا إلى الحق المبين، وبقوله :﴿ قريب( ٥٠ ) ﴾، إشارة إلى أن من طرق باب الحق سبحانه وتعالى ملتمسا للهداية، نال منه ما يرجوه وأشرف على الغاية، ﴿ ولقد خلقنا الإنسان، ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾، ( ١٦ : ٥٠ ).
وتعريفا ببعض المشاهد المثيرة التي سيكون عليها خصوم الرسالات الإلهية يوم الفزع الأكبر، قال تعالى :﴿ ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ﴾، ووقت الفزع هو وقت البعث وقيام الساعة، ومعنى ﴿ لا فوت ﴾، أنهم لا يفلتون من سطوة الله، ولا أمل لهم في النجاة، ﴿ وأخذوا من مكان قريب( ٥١ ) ﴾، فمن كان منهم في مكان سحيق لم يحل بعد المسافة بينه وبين عذاب الله، ومن حاول منهم الفرار لم يستطع أن يفلت من قبضة الله، ﴿ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ﴾( ٧١ : ٣٩ )
ثم قال تعالى :﴿ وقالوا آمنا به ﴾، أي : عندما رأوا العذاب رأي العين آمنوا بالرسول ورسالته بحكم الاضطرار، لكن الإيمان من هذا النوع وفي مثل هذا الوقت ليس له أي اعتبار، ﴿ وأنى لهم التناوش من مكان بعيد( ٥٢ ) وقد كفروا به من قبل ﴾ أي : أنى لهم أن يتداركوا في الآخرة ما ضيعوه في الدنيا، مع أن الدنيا هي دار التكليف والابتلاء، والآخرة إنما هي دار الجزاء، ثم قال تعالى :﴿ ويقذفون بالغيب من مكان بعيد( ٥٣ ) ﴾ إشارة إلى أنهم كانوا يلقون الكلام على عواهنه دون تحفظ أو تثبيت، ويتفننون في إلقاء التهم دون تريث، فتارة يتهمون الرسول بأنه ساحر، وتارة أخرى يتهمونه بأنه شاعر، وتارة يتهمونه بأنه كاهن، وتارة أخرى يتهمونه بأنه مجنون، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بريء من ذلك كله، بعيد عنه بعد السماء من الأرض، ولا سند لهم في ذلك إلا ( الرجم بالغيب ) والتحدي بالعناد والرفض
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٢:ثم قال تعالى :﴿ وقالوا آمنا به ﴾، أي : عندما رأوا العذاب رأي العين آمنوا بالرسول ورسالته بحكم الاضطرار، لكن الإيمان من هذا النوع وفي مثل هذا الوقت ليس له أي اعتبار، ﴿ وأنى لهم التناوش من مكان بعيد( ٥٢ ) وقد كفروا به من قبل ﴾ أي : أنى لهم أن يتداركوا في الآخرة ما ضيعوه في الدنيا، مع أن الدنيا هي دار التكليف والابتلاء، والآخرة إنما هي دار الجزاء، ثم قال تعالى :﴿ ويقذفون بالغيب من مكان بعيد( ٥٣ ) ﴾ إشارة إلى أنهم كانوا يلقون الكلام على عواهنه دون تحفظ أو تثبيت، ويتفننون في إلقاء التهم دون تريث، فتارة يتهمون الرسول بأنه ساحر، وتارة أخرى يتهمونه بأنه شاعر، وتارة يتهمونه بأنه كاهن، وتارة أخرى يتهمونه بأنه مجنون، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بريء من ذلك كله، بعيد عنه بعد السماء من الأرض، ولا سند لهم في ذلك إلا ( الرجم بالغيب ) والتحدي بالعناد والرفض
﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون، كما فعل بأشياعهم من قبل ﴾، أي : لما كان همهم الأول والأخير وشغلهم الشاغل هو التمتع بالشهوات والملذات، في جميع الأحوال والأوقات، فوجئوا في دار الجزاء بالحرمان التام، كما فعل بمن كان على شاكلتهم من سالف الأمم والأقوام.
ثم كشف كتاب الله عن السر فيما تعرضوا له من الأهوال، مبينا أن ( الشك ) الذي كان مسيطرا على عقولهم هو علة العلل فيما أصاب حياتهم من الانتكاس والاختلال، ﴿ إنهم كانوا في شك مريب( ٥٤ ) ﴾.
Icon