تفسير سورة سورة هود من كتاب أحكام القرآن
المعروف بـأحكام القرآن للجصاص
.
لمؤلفه
الجصَّاص
.
المتوفي سنة 370 هـ
ﰡ
عَلَى أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ دُعَاءٌ فَإِخْفَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَهْرِ بِهِ لِقَوْلِهِ تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية آخِرَ سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
سُورَةُ هُودٍ
مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا فَمَتَى أَخَذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصِلَ الْكَافِرُ رَحِمًا أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ فِيمَا خُوِّلَ وَدَفْعِ مَكَارِهِ الدُّنْيَا روى عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْغَزْوِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَنِيمَةِ دُونَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ وَسَهْمَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ نَصِيبًا وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ فِي قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانُوا مَتَى غُلِبُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْجَارِيَ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ الْكُفْرِ وَمَتَى حَضَرُوا رَضَخَ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْكَافِرُ بِحُضُورِ الْقِتَالِ هُوَ السَّهْمُ أَوْ الرَّضْخُ
قَوْله تَعَالَى وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أن يغويكم يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْمُعْتَرَضَ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَبْدِي حَرٌّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ ثُمَّ يَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَلَّمْت شَرْطٌ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ جَوَابِهِ كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ اللَّهُ يريد أن يغويكم شَرْطٌ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ
سُورَةُ هُودٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النار فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نصيب وَمِثْلُهُمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلًا لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا فَمَتَى أَخَذَ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً بِمُقْتَضَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصِلَ الْكَافِرُ رَحِمًا أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ جَزَاءَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ فِيمَا خُوِّلَ وَدَفْعِ مَكَارِهِ الدُّنْيَا روى عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْغَزْوِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَنِيمَةِ دُونَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ وَسَهْمَهُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الثَّانِيَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا شَهِدَ الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ نَصِيبًا وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ الِاسْتِعَانَةُ بِالْكُفَّارِ فِي قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانُوا مَتَى غُلِبُوا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْجَارِيَ عَلَيْهِمْ دُونَ حُكْمِ الْكُفْرِ وَمَتَى حَضَرُوا رَضَخَ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْكَافِرُ بِحُضُورِ الْقِتَالِ هُوَ السَّهْمُ أَوْ الرَّضْخُ
قَوْله تَعَالَى وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أن يغويكم يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْمُعْتَرَضَ حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَبْدِي حَرٌّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ ثُمَّ يَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كَلَّمْت شَرْطٌ مُعْتَرِضٌ عَلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ جَوَابِهِ كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ اللَّهُ يريد أن يغويكم شَرْطٌ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ
إن أردت أن أنصح لكم قَبْلَ اسْتِتْمَامِ الْجَوَابِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وَهَذَا الْمَعْنَى فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْفَرَّاءِ فِي مَسَائِلَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الكبير وقوله يريد أن يغويكم أَيْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يُقَالُ غَوَى يَغْوِي غيا ومنه فسوف يلقون غيا وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ يُقَالُ غَوَى الرَّجُلُ يَغْوِي غَيًّا إذَا فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسِهِ قَالَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ آدَمَ وَعَصَى آدم ربه فغوى أَيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا يُؤَوَّلُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَيْبَةَ فِيهَا فَسَادُ الْعَيْشِ فَقَوْلُهُ يغويكم يُفْسِدُ عَلَيْكُمْ عَيْشَكُمْ وَأَمْرَكُمْ بِأَنْ يُخَيِّبَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ
قَوْله تَعَالَى وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا يَعْنِي بِحَيْثُ نَرَاهَا فَكَأَنَّهَا تُرَى بِأَعْيُنٍ عَلَى طَرِيقِ الْبَلَاغَةِ وَالْمَعْنَى بِحِفْظِنَا إيَّاكَ حِفْظَ مَنْ يَرَاك وَيَمْلِكُ دَفْعَ السُّوءِ عَنْك وَقِيلَ بِأَعْيُنِ أو أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِك وَقَوْلُهُ وَوَحْيِنَا يَعْنِي عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إلَيْك مِنْ صِفَتِهَا وَحَالِهَا وَيَجُوزُ بِوَحْيِنَا إلَيْك أَنْ اصْنَعْهَا
وقَوْله تعالى فإنا نسخر منكم كما تسخرون مَجَازٌ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ لِأَنَّ جَزَاءَ الذَّمِّ عَلَى السُّخْرِيَةِ بِالْمِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سيئة سيئة مثلها وقَوْله تَعَالَى قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن الله يستهزى بهم وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ
قَوْله تَعَالَى وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إن ابنى من أهلى سَمَّى ابْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ابْنًا كَانَ أَوْ زَوْجَةً أَوْ أَخًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ فَجَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِلُهُ وهو في عيال وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم فَسَمَّى جَمِيعَ مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِلُهُ وَسَفِينَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ ابْنِي من أهلى يعنى من أهلى الذي وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك الَّذِينَ وَعَدْتُك أَنْ أُنْجِيَهُمْ
قوله تعالى إنه عمل غير صالح قِيلَ فِيهِ مَعْنَاهُ ذُو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ فَجَاءَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ كَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءِ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدْ النَّاسُ أمره | ومن يغو لا يعدم من الْغَيِّ لَائِمَا |
قَوْله تَعَالَى وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا يَعْنِي بِحَيْثُ نَرَاهَا فَكَأَنَّهَا تُرَى بِأَعْيُنٍ عَلَى طَرِيقِ الْبَلَاغَةِ وَالْمَعْنَى بِحِفْظِنَا إيَّاكَ حِفْظَ مَنْ يَرَاك وَيَمْلِكُ دَفْعَ السُّوءِ عَنْك وَقِيلَ بِأَعْيُنِ أو أَوْلِيَائِنَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِك وَقَوْلُهُ وَوَحْيِنَا يَعْنِي عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إلَيْك مِنْ صِفَتِهَا وَحَالِهَا وَيَجُوزُ بِوَحْيِنَا إلَيْك أَنْ اصْنَعْهَا
وقَوْله تعالى فإنا نسخر منكم كما تسخرون مَجَازٌ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ لِأَنَّ جَزَاءَ الذَّمِّ عَلَى السُّخْرِيَةِ بِالْمِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سيئة سيئة مثلها وقَوْله تَعَالَى قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن الله يستهزى بهم وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَ
قَوْله تَعَالَى وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إن ابنى من أهلى سَمَّى ابْنَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَنَّهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ابْنًا كَانَ أَوْ زَوْجَةً أَوْ أَخًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ فَجَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِلُهُ وهو في عيال وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم فَسَمَّى جَمِيعَ مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِلُهُ وَسَفِينَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّ ابْنِي من أهلى يعنى من أهلى الذي وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَهُمْ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك الَّذِينَ وَعَدْتُك أَنْ أُنْجِيَهُمْ
قوله تعالى إنه عمل غير صالح قِيلَ فِيهِ مَعْنَاهُ ذُو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ فَجَاءَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ كَمَا قَالَتْ الْخَنْسَاءِ: