ﰡ
مائة وثلاث وعشرون اية مكية الا قوله أقم الصّلوة طرفى النّهار الاية ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ مبتدا وخبر- او كتاب خبر مبتدا محذوف أُحْكِمَتْ آياتُهُ اى نظمت آياته نظما محكما لا يقع فيه نقص من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى- او منعت من النسخ ان كان المراد آيات السورة فانه ليس شيء منها منسوخا- او أحكمت بالحجج والدلائل- او جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لاشتمالها على أمهات الحكم العلمية والعملية ثُمَّ فُصِّلَتْ اى بينت بالفوائد من العقائد والاحكام والمواعظ والاخبار كما يفصل القلائد بالفرائد- او فصلت بجعلها سورا- او بانزالها نجما نجما- او فصل اى بين فيها ولخص ما يحتاج اليه مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة للكتاب او خبر بعد خبر او صلة لاحكمت او لفصلت يعنى فصلت من عنده أحكامها وهو تقرير لاحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغى باعتبار ما ظهر من امره وما خفى
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ اى لان لا تعبدوا- او بان لا تعبدوا- او فى ذلك الكتاب ان لا تعبدوا- وقيل ان مفسرة لانّ فى تفصيل الآيات معنى القول- ويجوز ان يكون كلاما مبتدا للاغراء كانه قيل الزموا ان لا تعبدوا الا الله إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ اى من الله تعالى نَذِيرٌ بالعقاب على الشرك وَبَشِيرٌ (٢) بالثواب على التوحيد
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ اى رجوع أموركم كلها فى الدنيا والاخرة وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الاثابة والتعذيب فى الدارين قَدِيرٌ (٤) فهو تقرير لما مر من الآيات-
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ اى من الله تعالى روى البخاري عن ابن عباس قال كان ناس يعنى من المسلمين يستحيون ان يتخلوا فيفضوا بفروجهم الى السماء وان يجامعوا نساءهم فيفضوا الى السماء فنزل ذلك فيهم- وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ وابن مردوية من طريق محمّد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس- واخرج ابن ابى شيبة وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن ابى مليكة قال سمعت ابن عباس يقرا أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قال كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط الا وقد تغشوا ثيابهم كراهة ان يفضوا بفروجهم الى السماء- وقال البغوي قال عبد الله بن شداد نزلت هذه الاية فى بعض المنافقين كان إذا مرّ برسول الله ﷺ ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم- وكذا اخرج ابن جرير وغيره عن عبد الله ابن شداد بن الهاد- وفى لفظ المنافقين نظر فان الاية مكية والنفاق حدث بالمدينة وضمير منه
وَما مِنْ دَابَّةٍ وهى كل حيوان يدب على الأرض فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها لتكفله إياها تفضلا ورحمة- وانما اتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله وحملا على التوكل فيه- ومن هاهنا قيل انّ على بمعنى من والاضافة فى رزقها للعهد يعنى ان الرزق المعهود المعلوم عند الله تعالى للعبد فالله تعالى متكفله إياه يأتى منه دون من غيره- قال مجاهد هو ما جاء من رزق فمن الله وربما لم يرزقها حتّى يموت جوعا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها قال البغوي قال ابن مقسم وروى ذلك عن ابن عباس مستقرها المكان الّذي تأوى اليه وتستقر فيه ليلا ونهارا- ومستودعها الموضع الّذي تدفن فيه إذا مات- وقال ابن مسعود المستقر أرحام الأمهات والمستودع أصلاب الآباء- ورواه سعيد بن جبير وعلى بن طلحة وعكرمة عن ابن عباس- وقيل المستقر الجنة او النار والمستودع القبر لقوله تعالى فى صفة الجنة والنار حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا- وساءَتْ مُسْتَقَرًّا كُلٌّ اى كل واحد من الدواب وأحوالها وأرزاقها فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) اى مثبت فى اللوح المحفوظ او فى كتب الحفظة- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى خلقهما وما فيهما- او المراد بالسماوات ما هو فى جهة العلو- وبالأرض ما هو فى جهة السفل- وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات وَكانَ عَرْشُهُ قبل خلق السموات والأرض عَلَى الْماءِ قال البغوي وكان ذلك الماء على متن الريح- وقال كعب الأحبار خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء- ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد- ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها- ثم وضع العرش على الماء- وقال ضمرة ان الله عز وجل كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وخلق القلم فكتب به ما هو كائن من خلقه وما هو خالق من خلقه ثم ان ذلك سبح الله ومجّده الف عام قبل ان يخلق شيئا من خلقه وروى البخاري عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ﷺ كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء- ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شيء الحديث- وقد ذكرنا بعض ما ورد من الاخبار فى العرش فى تفسير اية الكرسي فى سورة البقرة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا اى ليعاملكم معاملة المبتلى المختبر لاحوالكم وهو اعلم بكم حتّى يظهر فيكم استحقاق الثواب والعقاب فان السموات والأرض وما فيها اسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما يحتاج اليه أعمالكم يستدعى ان تشكروا ربكم- ودلائل وامارات تستدلون بها على صانعكم وتستنبطون منها معرفة ربكم- فقوله ليبلوكم متعلق بخلق وفيه اشارة الى ان السموات والأرض وما بينهما لم تخلق لانفسها بل توطية وتمهيدا لخلق المكلفين بل لخلق المؤمنين بل لخلق أحسنهم عملا
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ الاية- واخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله يعنى لان أخرنا عنهم العذاب الموعود إِلى أُمَّةٍ اى الى حين مَعْدُودَةٍ ساعاته- ذكر فى القاموس فى معانى امة الحين- وقال البغوي اى الى أجل معدود- واصل الامة الجماعة فكانّه قال الى انقراض امة ومجيء اخرى- وقال البيضاوي الى جماعة من الأوقات معدودة اى قليلة لَيَقُولُنَّ اى الكفار استهزاء ما يَحْبِسُهُ اى ما يمنعه من الوقوع أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ العذاب فى علم الله كيوم بدر لَيْسَ ذلك العذاب مَصْرُوفاً عَنْهُمْ اى مدفوعا عنهم ويوم منصوب بمصروفا يعنى ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم وَحاقَ بِهِمْ اى أحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقا ومبالغة فى التهديد ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) اى العذاب الّذي كانوا يستعجلونه ويقولون استهزاء ما يحبسه فوضع يستهزءون موضع يستعجلون-
وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ يعنى الجنس مِنَّا رَحْمَةً اى من نعمة صحة وأمن وجدة واللام فى لئن لتوطية القسم ثُمَّ نَزَعْناها اى سلبنا تلك النعمة مِنْهُ وجواب
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم مَسَّتْهُ صفة لضراء لَيَقُولَنَّ جواب قسم وجزاء شرط ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي «١» اى المصائب الّتي ساءتنى يعنى لا ينسب ذهاب السيئات الى الله تعالى ولا يشكره بل ينسبه الى عادة الدهر إِنَّهُ لَفَرِحٌ اشر بطر بالنعمة مغتربها والفرح لذة فى القلب بنيل المشتهى فَخُورٌ (١٠) على الناس يزعم نفسه مستحقّا لذلك النعمة متعاليا على الناس يشغله الفرح والفخر عن الشكر
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء من الإنسان يعنى الا المؤمنين فانهم ليسوا بيؤس ولا كفور عند سلب النعمة بل يرجون فضل الله ويشكرون نعماءه السابقة والباقية ولا فرحين بطرا وأشرا غير مفتخرين على الناس عند انعامه بل يشكرون الله تعالى- وضع الله سبحانه الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ موضع المؤمنين اشعارا بانهم يصبرون فى الضراء ويعملون شكرا فى السراء- عن صهيب قال قال رسول الله ﷺ عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم- وقال الفراء هذه استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فانهم ان نالهم شدة صبروا وان نالوا نعمة شكروا- وعلى قول الفراء اللام فى الإنسان للعهد يعنى إذا أذقنا الإنسان الكافر الّذي مر ذكره منا رحمة إلخ حتّى ينقطع الاستثناء أُولئِكَ اى الصابرون الشاكرون لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) يعنى رضوان الله وجنته- عن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول الله ﷺ قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم-
فَلَعَلَّكَ يا محمّد تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ يعنى ما فيه سبّ الهتهم وذلك حين قالوا ايت بقرآن غير هذا ليس فيه سبّ الهتنا كذا قال البغوي- قال البيضاوي
أَمْ يَقُولُونَ أم منقطعة والاستفهام فيه للانكار يعنى بل أيقولون افْتَراهُ اى اختلقه من عند نفسه الضمير المنصوب عائد الى ما يوحى قُلْ يا محمّد فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فان قيل قد قال فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وقد عجزوا عنه فكيف قال فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ فهو كرجل يقول لاخر أعطني درهما فيعجز فيقول أعطني عشرة- أجيب بان سورة هود نزلت اولا فلما عجزوا عن إتيان العشرة انزل بعد ذلك فاتوا بسورة- وأنكر المبرد هذا الجواب وقال بل نزلت سورة يونس اولا وأجاب بان معنى قوله فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فى الاخبار عن الغيب والاحكام والوعد والوعيد على طبق الكتب المنزلة المتقدمة فعجزوا عن ذلك فقال لهم فى سورة هود فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فى مجرد البلاغة وحسن النظم- قلت ثم قال فى سورة البقرة فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ- وتوحيد المثل باعتبار كل واحد مُفْتَرَياتٍ مختلقات من عند أنفسكم ان صح انى اختلقته فانكم عرب فصحاء مثلى تقدرون على ما اقدر عليه بل
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ بإتيان ما دعوتم اليه وجمع الضمير فى لكم اما لتعظيم الرسول- او لان المؤمنين ايضا كانوا يتحدّونهم- وكان امر الرسول متناولا لهم من حيث انه يجب اتباعه عليهم فى كل امر الا ما خصه الدليل- او للتنبيه على ان التحدي مما يوجب قوة يقينهم ورسوخ ايمانهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ اى متلبسا «١» بما لا يعلمه الا الله ولا يقدر عليه سواه وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ولظهور عجز الهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقه باعجازه عليه- وفيه تهديد واقناط من ان يجيرهم من بأس الله الهتهم فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) ثابتون على الإسلام راسخون مخلصون فيه إذا تحقق عندكم اعجازه مطلقا ويجوز ان يكون الكل خطابا للمشركين والضمير المرفوع فى لم يستجيبوا لمن استطعتم والمعنى فان لم يستجب لكم ايها الكفار من استطعتم دعوتهم الى المعاونة على المعارضة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعارضة فاعلموا انه نظم لا يعلمه الا الله وانه منزل من عنده وان ما دعاكم اليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون فى الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة وفى هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر-
مَنْ كانَ يُرِيدُ بعمله وإحسانه الْحَياةَ الدُّنْيا اى طول البقاء فى الدار الدنيا والصحة وَزِينَتَها من الأموال والأولاد والأزواج والخدم والحشم نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ اى نوصل إليهم جزاء أعمالهم الحسنة وافيا فِيها اى فى الدنيا وَهُمْ فِيها فى الدنيا لا يُبْخَسُونَ (١٥) اى لا ينقصون شيئا من أجورهم
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ شيء من الجزاء إِلَّا النَّارُ لانهم استوفوا جزاء أعمالهم الحسنة فى الدنيا وبقيت لهم أوزار الأعمال السيئة وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها من الحسنات يعنى لم يبق لهم ثواب فى الاخرة- اولم يكن لانهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى حتّى يكون اجره على الله- والظرف اما متعلق بحبط والضمير يعود الى الاخرة- واما بصنعوا والضمير يعود الى الدنيا وَباطِلٌ فى نفسه
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ برهان مِنْ رَبِّهِ يدله على الحق والصواب فيختار عبادة الله على عبادة الأوثان والدار الاخرة الباقية ونعيمها على الدار الدنيا الفانية ولذاتها- الموصول
العلم فليأت الباب رواه ابن عدى فى الكامل والعقيلي فى الضعفاء والطبراني والحاكم عن ابن عباس وابن عدى والحاكم عن جابر- اشارة الى علوم الأولياء دون علوم الفقهاء فان أخذ علوم الفقهاء لم ينحصر على علىّ رضى الله عنه بل قال فيه رسول الله ﷺ أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم- وقيل شاهد منه هو الإنجيل- وقبله كتاب موسى التورية شاهد له- وقيل البينة البرهان العقلي والشاهد القران- قال الحسين بن الفضل الشاهد هو القران ونظمه واعجازه- والمعنى أفمن كان قائما على وفق البرهان العقلي ويتبع ذلك البرهان شاهد من الله يعنى القران يشهد بصحة البرهان ومن قبل القران كتاب موسى يعنى التورية ايضا يشهد للبرهان والمراد بالموصول المسلم المخلص أُولئِكَ اشارة الى من كان على بينة بناء على ان المراد به جماعة المسلمين وجاز ان يكون اشارة الى شاهد من حيث المعنى ان كان المراد به علىّ رضى الله عنه ومن
وَمَنْ أَظْلَمُ يعنى لا أحد «١» اظلم مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بان زعم ان له ولدا او شريكا- او أسند اليه ما لم ينزله ونفى عنه ما أنزله- وأسند اليه تحريم ما لم يحرّم وتحليل ما حرم أُولئِكَ المفترون يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ يوم القيامة فيسئلهم عن أعمالهم وَيَقُولُ الْأَشْهادُ يعنى الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم كذا اخرج ابو الشيخ عن مجاهد وعن ابن عباس انهم الأنبياء والرسل وهو قول الضحاك ويؤيده قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً- واخرج ابن المبارك عن سعيد بن المسيب قال ليس من يوم الا وتعرض على النبي ﷺ أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم- وقال قتادة الخلائق كلهم- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كتفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتّى قرره بذنوبه وراى فى نفسه انه قد هلك قال سترتها عليك فى الدنيا وانا اغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته واما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) فيه تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ بظلمهم على الله بكذبهم عليه- قلت وليست الاشهاد منحصرة فى من ذكر بل من الاشهاد أعضاء المكلف قال الله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ- وقال الله تعالى قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا الاية- وقال الله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ الاية وسنذكر- وفى حديث انس عند مسلم يقول الله كفى بنفسك اليوم عليك
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى يمنعون الناس عن دينه وَيَبْغُونَها عِوَجاً اى يصفونها بالانصراف عن الحق والصواب- او يبغون أهلها ان يعوجوا بالردة وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) يعنى والحال انهم كافرون بالاخرة وتكرير كلمة هم لتأكيد كفرهم واختصاصهم
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس سابقين- وقال قتادة هاربين- وقال مقاتل فائتين- والمعنى واحد يعنى ما كانوا يعجزون الله فى الدنيا ان يعاقبهم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يعنى أنصارا يحفظهم من عذاب الله ولكن الله اخر عذابهم الى يوم القيامة ليكون أشد ودوم يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ استيناف قرا ابن كثير وابن عامر وابو جعفر- ابو محمّد ويعقوب يضعّف بالتشديد من التفعيل
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
حيث اشتروا عبادة الحجارة بعبادة الله تعالى واشتروا النار بالجنة وَضَلَ
اى فات عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
(٢١) ان الأصنام يشفع لهم عند الله
لا جَرَمَ فيه اقوال أحدها انّ لا- ردّ لكلام سابق يعنى ليس الأمر كما زعموا افتراء- وجرم كلام مبتدا معناه كسب وفاعله مضمر وقوله تعالى أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) فى محل النصب على المفعولية يعنى كسب الحكم بخسرانهم- وقيل معنى جرم وجب وحق فعلى هذا انهم فى الاخرة فى محل الرفع على الفاعلية- ثانيها ان لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقا وانهم فى الاخرة فى محل الرفع على انه فاعل يعنى حق حقا انهم خاسرون- ثالثها ان معناه لا محالة- وفى القاموس لا جرم ولا ذا جرم ولا ان جرم ولا ان ذا جرم ولا جرم ككرم بالضم اى لا بد او حقا او لا محالة- وهذا أصله ثم تحول الى معنى القسم فلذلك يجاب عنه باللام يقال لا جرم لاتينّك- وكونهم من الأخسرين لان خسران غيرهم بالكفر او المعاصي وخسرانهم بالكفر وصد غيرهم عن الايمان
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ قال ابن عباس خافوا- وقال قتادة انابوا وقال مجاهد اطمأنوا- وفى القاموس اخبت خشع وتواضع والخبيت الشيء الحقير أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) دائمون
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ المؤمنين والكافرين كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ فانه مثل الكافر فان الكفار لا يستطيعون السمع يعنى سماع الحق سماع قبول وما كانوا يبصرون الهدى وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وذلك مثل المؤمن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ويبصرون بنور الله فى قلوبهم- فالكافر مشبه بالجامع بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما- والعاطف لعطف الصفة على الصفة ولذلك قال هَلْ يَسْتَوِيانِ ولم يقل هل يستوون كذا قال الفراء مَثَلًا اى تمثيلا او صفة او حالا
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي قرا ابن كثير وابو عمرو والكسائي بفتح الهمزة اى بانّى والمعنى أرسلناه متلبسا «١» بهذا الكلام وهو قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح كانّى والمعنى على الكسر- والباقون بالكسر اى فقال انّى لان فى الإرسال معنى القول مُبِينٌ (٢٥) ابيّن لكم موجبات العذاب والثواب
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ بدل من انّى لكم او مفعول مبين ويجوز ان يكون مفسرة متعلقة بأرسلنا او بنذير إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) ان تشركوا به شيئا- واليم بمعنى مؤلم فى الحقيقة صفة للمعذب يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جدّ جدّه ونهارك صائم للمبالغة
فَقالَ الْمَلَأُ يعنى الاشراف والرؤساء لانهم يملؤن القلوب هيبة والمجالس ابهة الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ يا نوح إِلَّا بَشَراً آدميّا مِثْلَنا لا مزية لك علينا حتّى تكون نبيّا واجب الطاعة- كانهم أرادوا ان يكون ملكا او ملكا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا اى سفلتنا والرذل الدون من كل شيء وجمعه أرذل ثم جمع على اراذل مثل كلب وأكلب وأكالب لانه بالغلبة صار مثل الاسم قال عكرمة يعنى الحاكة والاساكفة بادِيَ الرَّأْيِ الرأى النظر بالعين والقلب. وايضا الرأى الاعتقاد كذا فى القاموس- وبادى الرأى معناه ظاهر النظر من غير تعمق من البدو- او أول الرأى من البدء- والياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها- وقرا ابو عمرو بهمزة مفتوحة بعد الدال والباقون بالياء- وانتصابه بالظرف على حذف المضاف اى وقت حدوث بادى الرأى- والعامل فيه اتّبعك وانما استرذلوه لذلك او لفقرهم فانهم لمّا لم يعلموا الا ظاهرا من الحيوة الدنيا كان ذا حظ بها اشرف عندهم والمحروم فيها أرذل وَما نَرى لَكُمْ يا نوح مع من تبعك عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فى مال او غير ذلك يوهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) أنت فى دعوى النبوة واتباعك فى دعوى العلم بصدقك فغلّب المخاطبين على الغائبين
قالَ نوح يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي حجة واضحة شاهدة بصحة دعوى وَآتانِي رَحْمَةً اى بينة او هدى ونبوة مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ
وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على التبليغ فهو وان لم يذكر لكنه معلوم مما ذكر مالًا اى جعلا يثقل عليكم ان أديتم او علىّ ان لم تؤدوا إِنْ أَجرِيَ قرا نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى ليس ثوابى إِلَّا عَلَى اللَّهِ بناء على وعده تفضلا وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا جواب لهم حين سالوا طردهم ليؤمنوا به انفة من المجالسة معهم إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيخاصمون طاردهم عنده- او انهم يلاقونه ويفوزون بقربه- فكيف اطرد اولياء الله ومقربيه وَلكِنِّي قرا نافع والبزي وابو عمر بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) بلقائهم ربهم او بمراتب قربهم من الله او فى التماس طردهم او تتسفهون عليهم بان تدعوهم اراذل او تجهلون عاقبة أمركم
وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ يدفع انتقامه منى إِنْ طَرَدْتُهُمْ وهم بتلك الصفة والمثابة أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) بإدغام التاء فى الذال يعنى أفلا تتعظون وتعقلون لتعرفوا ان التماس طردهم ليس بصواب
وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى خزائن رزقه وأمواله يعنى لست مدعيا فضلى عليكم بالمال حتّى تنكرونه وتقولون ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على عندى خزائن الله ولا أقول انا اعلم الغيب حتّى تكذبونى استبعادا- او حتّى اعلم ان هؤلاء الذين اتبعونى بادى الرأى من غير بصيرة وعقد قلب- وعلى الثاني يجوز عطفه على أقول وَلا أَقُولُ لَكُمْ «٢» إِنِّي مَلَكٌ حتّى تنكرونه وتقولون ما أنت الا بشر مثلنا وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ
(٢) فى الأصل كلمة لكم داخا
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فاطلته إذ أتيت بانواعه فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) فى دعوى النبوة والوعيد على ترك الايمان فان مناظرتك لا تؤثر فينا.
قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ ليس ذلك فى وسعى لا إتيانه ولا تعجيله إِنْ شاءَ عاجلا او أجلا وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) الله بدفع العذاب او الهرب منه إذا جاء عذابه.
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي قرا نافع بفتح الياء وكذا ابو عمرو والباقون بإسكانها إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ شرط ودليل جواب والجملة دليل جواب لقوله إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ وتقدير الكلام ان كان الله يريد ان يغويكم فاردت ان انصح لكم لا ينفعكم نصحى فيه دليل على ان ارادة الله يصح تعلقها بالإغواء وان خلاف مراده تعالى محال وقيل معنى ان يغويكم ان يهلككم من غوى الفصيل إذا هلك هُوَ رَبُّكُمْ خالقكم والمتصرف فيكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) فيجازيكم بأعمالكم.
أَمْ يَقُولُونَ يعنى بل أيقولون افْتَراهُ قال ابن عباس يعنى يقولون افترى نوح وقال مقاتل معناه تقولون افترى محمّد ﷺ قُلْ يا نوح او يا محمّد إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي اى وبال اجرامى والاجرام كسب الذنب وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) من اجرامكم فى اسناد الافتراء الىّ- قال البغوي روى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح كانوا يضربون نوحا عليه السلام
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ افتعال من البؤس وهو الحزن ومعناه لا تحزن بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) من التكذيب والإيذاء- اقنطه الله من ايمانهم حتّى لا يتعب نفسه فى دعوتهم ونهاه ان يغتم حيث وعده بانى مهلكهم ومنقذك منهم- فحينئذ دعا نوح عليهم بقوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- وحكى محمّد بن إسحاق عن عبيد ابن عمير الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتّى يغشى عليه وإذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم لا يعلمون- حتّى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل بعد النجل- فلا يأتى قرن الا أخبث من الّذي قبله- حتّى كان الاخر منهم ليقولون قد كان هذا مع ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا- فشكى الى الله عز وجل وقال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً حتّى قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فاوحى الله اليه.
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا حال اى متلبسا بأعيننا- قال ابن عباس بمراء منا- وقال مقاتل بعلمنا- وقيل بحفظنا- عبر عن المبالغة فى الحفظ بالأعين لكونها اكثر آلات الحفظ والمراعات عن الاختلال من سائر الحواس وَوَحْيِنا إليك كيف تصنع او بامرنا بصنعه وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يعنى لا تدعنى باستدفاع العذاب عنهم إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) بالطوفان حكمت عليهم فى الأزل بالاغراق فلا سبيل الى كفّه- قال البغوي فى القصة ان جبرئيل عليه السلام اتى نوحا- فقال ان ربك يأمرك ان تصنع الفلك- قال كيف اصنع ولست بنجار- فقال ان ربك يقول اصنع فانك بعيني فاخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ- وقيل اوحى اليه ان يصنعها مثل جوء جوء الطائر.
وَيَصْنَعُ نوح الْفُلْكَ حكاية حال ماضية- قال البغوي اقبل نوح على عمل الفلك ولهى عن قومه- واعقم الله أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد- وجعل نوح يقطع الخشب ويضرب الحديد
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ الموصول فى محل النصب بتعلمون اى فسوف تعلمون الّذي يأتيه عَذابٌ يُخْزِيهِ يهينه وَيَحِلُّ عَلَيْهِ اى ينزل عليه او يحل حلول الدين الّذي لا انفكاك عنه عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) دائم فحل بهم عذاب الغرق حتّى ماتوا وصاروا معذّبين فى البرزخ الى يوم القيامة ثم مردّهم الى عذاب النار وبئس المصير- قال البغوي زعم اهل التورية ان الله امره ان يصنع الفلك من خشب الساج وان يصنعه اعوج ازور وان يطليه القار من داخله وخارجه- وان يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا وطوله فى السماء ثلاثين ذراعا- والذراع الى المنكب- وان يجعله ثلاث أطباق سفلا ووسطا وعلوا ويجعل فيه كوى- ففعله نوح كما امره الله تعالى- واخرج إسحاق ابن بشر وابن عساكر عن ابن عباس بلفظ ان نوحا لمّا امر ان يصنع الفلك- قال يا رب واين الخشب قال اغرس الشجر فغرس الساج عشرين سنة- وكف عن الدعاء وكفوا عن الاستهزاء- فلما أدرك الشجر امره ربه فقطعها وجفّها- وقال يا رب كيف اجعل هذا البيت- قال اجعله على ثلاث صور راسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك- واجعلها مطبقة- واجعل لها أبوابا فى جنبها وشدها بدسر يعنى مسامير الحديد وبعث الله جبرئيل فعلمه صنعة السفينة وكذا اخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب- وقال البغوي قال ابن عباس اتخذ نوح السفينة فى سنتين وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع وعرضها
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا بالعذاب غاية لقوله ويصنع وما بينهما حال من الضمير فيه- او حتّى هى الّتي يبتدا بعدها الكلام وَفارَ التَّنُّورُ واختلفوا فى التنور- اخرج ابو الشيخ عن عكرمة والزهري هو وجه الأرض كذا ذكر البغوي عنه- وكذا اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابن عباس- وذلك انه قيل لنوح عليه السلام إذا رايت الماء-
به سواهم وأزواجهم جميعا يعنى كانوا عشرة من الرجال وعشرا من النساء- وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامراة- وبنيه الثلاثة ونساءهم- فجميعهم ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء- وعن ابن عباس قال كان فى سفينة نوح ثمانين رجلا أحدهم جرهم- اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن ابن عباس قال حمل نوح معه فى السفينة ثمانين إنسانا وكان لسانه عربيّا- قال ابن عباس أول ما حمل نوح الدرة واخر ما حمل الحمار- فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلم يستقل رجلاه فجعل نوح عليه السلام يقول ويحك ادخل فنهض فلا يستطيع حتّى قال ويحك ادخل وان كان الشيطان معك- كلمة زلت عن لسانه فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان فقال نوح ما أدخلك علىّ يا عدو الله- قال الم تقل ادخل وان كان الشيطان معك- قال اخرج عنى يا عدو الله- قال مالك بد من ان تحملني معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك- وروى عن بعضهم ان الحيّة والعقرب أتيا نوحا فقالتا احملنا- فقال انكما سبب الضر والبلاء فلا احملكما
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها اى صيروا فيها وجعل ذلك ركوبا لانها فى الماء كالمركوب فى الأرض بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها حال من الضمير المرفوع فى اركبوا يعنى اركبوا فيها مسمين الله او قائلين بسم الله وقت إجرائها وارسائها- او مكانهما على ان المجرى والمرسى للوقت او للمكان او للمصدر والمضاف محذوف كقولهم اتيك خفوق النجم وانتصابهما بما قدرنا حالا ويجوز رفعهما ببسم الله على ان المراد بهما المصدر او جملة من مبتدا وخبر اى اجراؤها بسم الله فبسم الله خبره او صلته والخبر محذوف وهى اما جملة لا تعلق لها بما قبلها كانّ نوحا أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بان مجرها ومرسها بذكر اسم الله اى باسم الله اجراؤها وارساؤها ولفظ الاسم مقحم- واما حال مقدرة من الضمير المرفوع فى اركبوا او من الضمير المجرور فى فيها قرا حمزة والكسائي وحفص مجرها بفتح الميم من جرى- وقرا محمّد بن محيصن مجرها ومرسها بفتح الميمين من جرت ورست وكلّا يحتمل الثلاثة الزمان والمكان والمصدر- والباقون بضم الميمين من أجريت وأرسيت وامال حفص مجرها خاصة فى القران لا غير إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) اى لولا مغفرته لسيئاتكم ورحمته إياكم لما نجيتم- قال البغوي قال الضحاك كان نوح إذا أراد ان تجرى السفينة فقال بسم الله جرت- وإذا أراد ان ترسو قال بسم الله رست-.
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ متصل بمحذوف دل عليه اركبوا يعنى فركبوا مسمين وهى تجرى بهم وهم فيها فِي مَوْجٍ جمع موجة كتمر وتمرة وهى ما ارتفع من الماء عند اضطرابه إذا اشتدت الريح كَالْجِبالِ يعنى كل موجة منها كجبل فى ترالمها وارتفاعها وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان وقال عبيد بن عمير يام وكان كافرا وَكانَ فِي مَعْزِلٍ عزل فيه نفسه عن أبيه او عن دينه مفعل للمكان من عزله عنه إذا بعده يا بُنَيَّ قرا عاصم بفتح الياء اقتصارا عليه بالألف المبدلة من ياء الاضافة من قولك يا بنيا والباقون بكسرها اقتصارا عليه من ياء الاضافة ارْكَبْ مَعَنا فى السفينة-
قالَ له ابنه كنعان لا اسلم ولا اركب معك ولكن سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ يمنعنى من الغرق قالَ له نوح لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ اى من عذابه المأمور به إِلَّا مَنْ رَحِمَ قيل من فى محل الرفع يعنى لا مانع من عذاب الله الا الله الراحم- او الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون- رد بذلك ان يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به الا معتصم المؤمنين وهو السفينة- وقيل من فى محل النصب معناه لا معصوم الا من رحمه الله كقوله تعالى عِيشَةٍ راضِيَةٍ وقيل الاستثناء منقطع يعنى ولكن من رحمه الله يعصمه وَحالَ بَيْنَهُمَا اى بين نوح وابنه او بينه وبين الجبل الْمَوْجُ فَكانَ اى فصار او كان فى علم الله مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) يروى ان الماء علا على رءوس الجبال أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا- قال البغوي ويروى انه لما كثر الماء فى السكك وخشيت أم صبى عليه كانت تحبه حبّا شديدا- فخرجت الى الجبل حتّى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء ارتفعت حتّى بلغت ثلثيه فلمّا بلغها ذهبت حتّى استوت على رأس الجبل- فلمّا بلغ الماء رقبتها رفعت الصبى بيديها حتّى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحد الرحم أم الصبى- قلت لكن هذه القصة ينافى ما روى ان الله سبحانه اعقم أرحام نساء قوم نوح قبل غرقهم سنين حتّى لم يكن فيهم صبى حين اغرقوا-.
وَقِيلَ يعنى قال الله تعالى بعد ما تناهى امر الطوفان يا أَرْضُ ابْلَعِي اشربى ماءَكِ اى الماء الّذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء فصار أنهارا وبحارا
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ الفاء لتفسير النداء رَبِّ إِنَّ ابْنِي يعنى كنعان مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ لا خلف فيه وعدت ان تنجى أهلي فماله لم ينج- ويجوز ان يكون هذا النداء قبل الغرق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) لانك أعلمهم واعدلهم ولا يجوز خلف فى حكمك وقد حكمت بهلاك قوم ونجاة أهلي- او المعنى انك اكثر حكمة من ذوى الحكم والحكمة.
قالَ الله تعالى يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لقطع الولاية بين المؤمنين والكفار إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفى كونه من اهله- قرا الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم على الفعل الماضي وغير بالنصب على المفعولية اى عمل الشرك والتكذيب- والباقون بفتح الميم والتنوين على انه مصدر مرفوع وهو خبران على حذف المضاف ونقل إعرابه الى المضاف اليه- تقديره انه ذو عمل غير صالح وفيه مبالغة حيث جعل ذاته ذات العمل- او المعنى ان سوالك إياي بانجائه عمل غير صالح فَلا تَسْئَلْنِ يا نوح- قرا نافع وابن عامر بفتح اللام وكسر النون المشددة على ان أصله تسئلنّنى بالنون المشددة ونون الوقاية فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت المشددة الياء ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة- وقرا ابن كثير كذلك الا انه يفتح النون المشددة وليس فى هذه القراءة نون الوقاية ولا ياء المتكلم الضمير المنصوب- وقرا الباقون بإسكان اللام وكسر نون الوقاية وتخفيفها وحذف الياء واثبت ابو جعفر وابو عمرو وورش ويعقوب الياء فى الوصل فقط ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اصواب هو أم خطاء سمى نداءه سوالا لتضمنه ذكر الموعد بنجاة اهله المشعر باستنجازه فى شأن ابنه او استفسارا لمانع للانجاز فى حقه وسماه جهلا وزجر عنه بقوله إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو جعفر- ابو محمّد ابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) لان استثناء من سبق عليه القول من اهله قد دل على الحال وأغناه عن السؤال- قال البغوي اختلفوا فى هذا الابن- قال مجاهد والحسن كان ولد خبث من غير نوح ولم يعلم بذلك نوح ولذلك قال ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ- وقرا الحسن فخانتاهما- وقال ابو جعفر الباقر عليه السلام كان ابن امرأته ولذلك قال من أهلي ولم يقل منى- وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون
قالَ نوح رَبِّ إِنِّي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ فيما يستقبل ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ اى ما لا علم لى بصحته وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي سوالى بنجاة الكافر بعد النهى عنه بخطاء فى الاجتهاد وَتَرْحَمْنِي بالتوبة والعصمة والتفضل علىّ أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) أعمالا-.
قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ اى انزل من السفينة بِسَلامٍ مِنَّا اى مسلّما من المكاره من جهتنا- او مسلّما عليك وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ البركة الخير النامي- والمراد بالبركات مراتب قرب الله تعالى ورحمته وفضله وكثرة ذريته وبقاؤهم الى يوم القيامة وكون الأنبياء منهم والصالحين وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ من للبيان والمراد بالأمم الذين كانوا معه فى السفينة لانهم كانوا جماعات او لتشعّب الأمم منهم- او لابتداء الغاية اى على امم ناشية من معك قال محمّد بن كعب دخل فيه كل مؤمن الى قيام الساعة- فان قيل قوله تعالى وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ يدل على حصر البقاء فى ذرية نوح دون من معه فى الفلك- قلنا كان معه فى الفلك بنوه «١» الثلاثة فالمعنى على امم تنشا ممّن معك من ابنائك وَأُمَمٌ مبتدا حذف خبره يعنى وممّن معك امم لا بركة عليهم بل سَنُمَتِّعُهُمْ فى الدنيا بما كتبنا لهم ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) فى الاخرة لاجل كفرهم وقيل المراد بهم قوم هود وصالح ولوط وشعيب والعذاب عذاب الدنيا.
تِلْكَ يعنى قصة نوح مرفوع على الابتداء خبره مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ اى ما غاب عنك يعنى بعضها
وَإِلى عادٍ عطف على قوله الى نوح يعنى وأرسلنا الى عاد أَخاهُمْ فى النسب هُوداً عطف بيان قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠) على الله باتخاذ الأوثان شركاء له فى العبادة وجعلها شفعاء.
يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغ الرسالة أَجْراً يمنعكم ثقل ادائه عن قبول الرسالة- او يبعثنى طمعه على الكذب إِنْ أَجْرِيَ قرا نافع وابن عامر وابو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى ما ثوابى إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي اى خلقنى قرا نافع والبزىّ بفتح الياء والباقون بإسكانها أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) اى أفلا تستعملون عقولكم فتعرفوا ان من هذا شأنه يجب تصديقه.
وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ يعنى اطلبوا منه تعالى مغفرة ما سلف منكم من الشرك والمعاصي. وذلك بالإسلام فان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص فى حديث مرفوع ثُمَّ تُوبُوا اى ارجعوا إِلَيْهِ اى الى ربكم بطاعته وترك عبادة غيره يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً كثير الدر أي السيلان وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ اى يضاعف قوتكم وذلك ان الله حبس عنهم المطر ثلاث سنين- واعقم أرحام نسائهم كما ذكرنا القصة فى سورة الأعراف- فقال لهم هو دان تستغفروا ربكم وتوبوا اليه يرسل «١» الله
قالُوا يعنى قومه يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ اى بحجة تدل على صحة دعواك- وذلك لفرط عنادهم بعد ما جاءهم به من المعجزات وَما نَحْنُ بِتارِكِي عبادة آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ اى بقولك فهو صلة- او صادرين عن قولك فهو حال من الضمير فى تاركي وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) اى بمصدقين اقناط من الاجابة والتصديق.
إِنْ نَقُولُ اى ما نقول قولا إِلَّا قولنا هذا اعْتَراكَ من عراه يعروه إذا أصابه يعنى أصابك بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ اى بجنون وخبل حتّى تتكلم بالخرافات- وذلك انك تسبّ الهتنا وتمنع عن عبادتهم فانتقم بعضهم منك بالتخبيل- وجاز ان يكون معناه ما نقول فى حقك قولا الا قولنا اعتراك يعنى سيعتريك بعض الهتنا لاجل سبك إياهم بسوء اى باضرار وإهلاك- عبر عن المستقبل بالماضي مبالغة فى التحقيق والتهديد يعنى انه واقع لا محالة كانه وقع- وهذا التأويل يناسب قول هود فى الجواب حيث قالَ إِنِّي قرا نافع بفتح الياء والباقون بإسكانها أُشْهِدُ اللَّهَ على وَاشْهَدُوا أنتم يا قوم أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) به.
مِنْ دُونِهِ يعنى من الأوثان لا أعبدهم ولا أخاف منهم أصلا فَكِيدُونِي فاحتالوا فى اضرارى وإهلاكي أنتم وشركاؤكم جَمِيعاً مجتمعين يعين بعضكم بعضا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) اى لا تمهلونى- فيه استهانة لهم وثقة بالله تعالى واظهار لعجز الهتهم- فانها حجارة لا تضرو لا تنفع وفيه معجزة فانهم بعد هذه المقالة عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء الجبابرة العطّاش الى اراقة دمه من ان يضروه.
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ اى اعتمدت عليه ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ يعنى الله سبحانه آخِذٌ بِناصِيَتِها الاخذ بالناصية تمثيل لقهر القاهر على المقهور وذل المقهور بين يديه يتصرف فيه كيف يشاء- قال البغوي خص الناصية بالذكر لان العرب يستعمل ذلك إذا وصف
فَإِنْ تَوَلَّوْا حذفت احدى التاءين يعنى ان تعرضوا عمّا دعوتكم اليه فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يعنى ان أعرضتم يهلككم الله- ويستبدل بكم قوما غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه- حيث لم يبق لكم عذر بعد ما أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ولا بأس به علىّ فانى قد ادّيت ما علىّ من البلاغ وَلا تَضُرُّونَهُ تعالى باعراضكم شَيْئاً من الضرر انما تضرون أنفسكم- وقيل معناه لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لان وجودكم وعدمكم عنده سواء إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) رقيب لا يخفى عليه ما تصنعون ولا يغفل عن مجازاتكم او حافظ مستول على كل شيء فلا يمكن ان يضره شيء-.
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا بالعذاب او عذابنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا اربعة آلاف بِرَحْمَةٍ بنعمة مِنَّا اى بفضل منا لا بعملهم او بالايمان الّذي أنعمنا عليهم وَنَجَّيْناهُمْ كرر نجينا للتأكيد والتعظيم والتهويل مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وهو الريح الّتي أهلك بها عادا- وقد مر قصتها فى سورة الأعراف.
وَتِلْكَ عادٌ انث اسم الاشارة باعتبار القبيلة- وقيل اشارة الى اثار عاد يعنى فسيحوا فى الأرض وانظروا إليها ثم وصف إليها أحوالهم فقال جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كفروا بها وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعنى هودا وغيره من المرسلين فان كلهم يدعون الى التوحيد ويصدق بعضهم بعضا فعصيان واحد منهم عصيان بجميعهم وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ متكبر عَنِيدٍ (٥٩) لا يقبل الحق يقال عند الرجل يعنه عنودا إذا ابى ان يقبل الشيء وان عرفه- وقال ابو عبيد العنيد والعنود والمعاند المعارض لك بالخلاف- يعنى اتبعوا كبراءهم الطاغين يعنى عصوا من دعاهم الى الايمان وتركوا ما
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً اى دعاء باللعنة من الناس والملائكة وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ايضا يتبعون باللعن من الله تعالى اى جعلت اللعنة تابعة لهم فى الدارين واللعنة هى الابعاد والطرد عن الرحمة أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ اى جحدوه او كفروا نعمه فحذف الجار أَلا بُعْداً لِعادٍ قيل بعدا من رحمة الله وقيل هلاكا- قال البغوي للبعد معنيان أحدهما ضد القرب والاخر بمعنى الهلاك- وكذا فى القاموس والجملة دعاء عليهم باللعن والهلاك والمراد به الدلالة على انهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم- وانما كرر الا وأعاد ذكرهم تفظيعا لامرهم وحثّا على الاعتبار بحالهم قَوْمِ هُودٍ (٦٠) عطف بيان وفائدته الإيماء الى ان استحقاقهم البعد بما جرى بينهم وبين هود عليه السلام-.
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ اى بدا خلقكم مِنَ الْأَرْضِ يعنى خلقكم من آدم وآدم من التراب وَاسْتَعْمَرَكُمْ يعنى عمّركم واستبقاكم من العمر- وقال الضحاك أطال عمركم حتّى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة الى الف سنة- وكذلك قوم عاد فِيها اى فى الأرض- وقيل معناه قدركم على عمارتها وجعلكم عمّارها وسكانها وقال مجاهد استعمركم من العمرى اى جعلها لكم ما عشتم ويرثها منكم بعد انصرام اعماركم- او جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ من عباده قربا لا كيف له حتّى أفاض عليهم الوجود- او قريب بالذات بلا كيف او بالرحمة لاوليائه مُجِيبٌ (٦١) لدعائهم.
قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا اى كنا نرجوا ان تكون سيدا فينا- وقيل اى كنا نرجوا ان توافقنا فى الدين وتعود الى ديننا قَبْلَ هذا القول يعنى دعائك ايّانا الى ترك عبادة الأوثان- فلمّا سمعنا منك هذا القول انقطع رجاءنا عنك أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا على حكاية الحال الماضية وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد والتبرّى عن الأوثان مُرِيبٍ (٦٢) اى ذى ريبة على الاسناد المجازى
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ اى بيان وبصيرة مِنْ رَبِّي ادخل حرف الشك باعتبار المخاطبين- وجاز ان يكون ان مخففة من المثقلة اسمه ضمير الشان او ضمير المتكلم محذوفا يعنى انّى كنت او انّه اى الشأن كنت على بيّنة من ربّى وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً اى نبوة وحكمة فَمَنْ يَنْصُرُنِي يمنعنى مِنْ عذاب اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فى تبليغ رسالته والمنع عن الإشراك به فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) اى غير ان تخسرونى بابطال ما منحنى الله به والتعريض لعذابه- وقال الحسين بن الفضل لم يكن صالح فى خسارة حتّى قال فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ- وانما المعنى ما تزيدوننى بما تقولون الا نسبتى ايّاكم الى الخسارة فان التفسيق والتفجير فى اللغة النسبة الى الفسق والفجور فكذلك التخسير النسبة الى الخسران- وقال ابن عباس معناه ما تزيدوننى غير بصارة فى خسارتكم-.
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً انتصبت اية على الحال وعاملها معنى الاشارة ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها- وذلك ان قومه طلبوا منه ان يخرج من صخرة معينة ناقة عشراء اية لنبوته- فدعا صالح فخرجت منها ناقة وولدت فى الحال مثلها وقد مرت القصة فى سورة الأعراف فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ترع نباتها وتشرب ماءها ليس عليكم مؤنتها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ ان مسّستموها بسوء عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فى ثلاثة ايام.
فَعَقَرُوها يعنى عقر بامرهم قذار بن سالف فَقالَ لهم صالح تَمَتَّعُوا عيشوا فِي دارِكُمْ اى فى الدنيا او فى بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ الأربعاء والخميس والجمعة تصبحون اليوم الاول ووجوهكم مصفرة وفى اليوم الثاني محمرة وفى الثالث مسودة ثم تهلكون ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) اى غير مكذوب فيه- اجرى الظرف مجرى المفعول به مجازا- او وعد غير كذب على انه مصدر كالمجلود والمعقول- او غير مكذوب على المجاز على ان الواعد كانّه قال له أفي بك فان وفى به صدقه والا كذبه- فكان كما وعد- وأتاهم العذاب فى اليوم الرابع.
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا
يعنى ونجيناهم من خزى يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة بغضب الله- قرا ابو جعفر ونافع والكسائي هاهنا وفى المعارج من عذاب يومئذ بفتح يوم على اكتساب المضاف البناء من المضاف اليه والباقون بالكسر جرّا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) القادر على كل شيء والقاهر عليه.
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا اى كفروا الصَّيْحَةُ وذلك ان جبرئيل صاح صيحة واحدة- وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء فى الأرض- فتقطعت قلوبهم فى صدورهم فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) صرعى هلكى.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا اى لم يقيموا فِيها اى فى ديارهم أَلا إِنَّ ثَمُودَ قرا حفص ويعقوب وحمزة هنا والفرقان والنجم بفتح الدال من غير تنوين ووقفوا بغير الف والباقون بالتنوين ووقفوا بالألف عوضا عنه كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨) قرا الكسائي ثمود بكسر الدال مع التنوين والباقون بفتح الدال من غير تنوين-.
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا من الملائكة قال ابن عباس وعطاء كانوا ثلاثة جبرئيل وميكائيل واسرافيل- وقال محمّد بن كعب كان جبرئيل ومعه سبعة- وقال الضحاك كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثنى عشر ملكا- وقال السدى كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجوههم إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى اى بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل باهلاك قوم لوط قالُوا سَلاماً اى نسلم عليك سلاما- ويجوز نصبه بقالوا على معنى ذكروا سلاما قالَ سَلامٌ اى «١» أمركم او جوابى سلام- او عليكم سلام رفعه اجابة بأحسن من تحيتهم- فانه جملة اسمية يدل على الدوام والاستمرار بخلاف الفعلية- قرا حمزة والكسائي هاهنا وفى الذاريات سلم بكسر السين بلا الف وهما لغتان نحو حلّ وحلال وحرم وحرام- وقيل المراد به الصلح اى نحن صلح لكم غير حرب فَما لَبِثَ اى فما ابطا ابراهيم أَنْ جاءَ اى فى ان- او ما تأخر عن المجيء والجار مقدر او محذوف- وجاز ان يكون ان جاء فى محل الرفع على الفاعلية يعنى فما ابطا مجيء ابراهيم بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) اى مشوى على الحجارة- فى القاموس الشاة يحنذها حنذا او تحناذا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها فهى حنيذ- وقيل الحنيذ ما تقطر ودكا من حنذت الفرس إذ عرقته بالجلال- وفى القاموس الفرس إذا ركضه وأعداه شوطا او
فَلَمَّا رَأى ابراهيم أَيْدِيَهُمْ اى الرسل لا تَصِلُ إِلَيْهِ يعنى لا يمدون اليه أيديهم ولا يأكلون نَكِرَهُمْ يعنى انكرهم قال البيضاوي نكر وأنكر واستنكر بمعنى- وفى القاموس التّنكّر التّغيّر عن حال تسرك الى حال تكرهها وَأَوْجَسَ يعنى أحس وأضمر كذا فى القاموس- وقال مقاتل وقع فى قلبه وقال البغوي اصل الوجوس الدخول كانّ الخوف دخل قلبه مِنْهُمْ اى من الأضياف حين لم يأكلوا خِيفَةً خوفا قال قتادة وذلك انهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا انه لم يأت بخير وانما جاء بشر- قيل وذلك لانه كان عادتهم انه إذا مس من يطرقهم طعامهم امنوه والا خافوه- فخاف ان يريدوا به مكروها وظنهم لصوصا- والظاهر انه أحس بانهم ملائكة وخاف ان يكون نزولهم لامر أنكره الله عليه- او لتعذيب قومه قالُوا يا ابراهيم لا تَخَفْ إِنَّا ملائكة الله أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) بالعذاب.
وَامْرَأَتُهُ سارة بنت هاران بن ناخور وهى ابنة عم ابراهيم عليه السلام قائِمَةٌ من وراء الستر تسمع كلامهم وقيل كانت قائمة تخدم الأضياف وابراهيم جالس معهم فَضَحِكَتْ قال مجاهد وعكرمة اى حاضت فى الوقت- تقول العرب ضحكت الأرنب اى حاضت وكذا فى القاموس ويقال ضحكت السمرة إذا سال صمغها- والأكثرون على ان المراد منه الضحك المعروف واختلفوا فى سبب ضحكها- قيل ضحكت سرورا بزوال الخوف عنها وعن ابراهيم حين قالوا لا تخف- وقال السدى لمّا قرب ابراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا فخاف ابراهيم وظنهم لصوصا- فقال أَلا تَأْكُلُونَ- قالوا انا لا نأكل الطعام الا بثمن- قال ابراهيم فان له ثمنا- قالوا وما ثمنه- قال تذكرون اسم الله على اوله وتحمدونه على آخره- فنظر جبرئيل الى ميكائيل عليهما السلام وقال حق لهذا ان يتخذه ربه خليلا- فلما راى ابراهيم وسارة أيديهم لا تصل اليه ضحكت سارة- وقالت يا عجبا لاضيافنا انا نخدمهم بانفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا- وقال قتادة ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم- وقيل ضحكت لاصابة رأيها فانها كانت تقول لابراهيم اضمم إليك لوطا فانى اعلم
قالَتْ يا وَيْلَتى يا عجبا أصله كلمة ندبة يقال فى الشر- فاطلق فى امر فظيع وعند رؤية ما يتعجب منه والالف مبدلة من ياء الاضافة يدل عليه قراءة الحسن يويلتى بالياء على الأصل- وقيل الالف الف الندبة أصله يا ويلتاه أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كانت ابنة تسعين سنة فى قول ابن إسحاق وتسع وتسعين سنة فى قول مجاهد وَهذا بَعْلِي زوجى وأصله القائم بالأمر شَيْخاً ابن مائة وعشرين سنة فى قول ابن إسحاق ومائة سنة فى قول مجاهد- وكان بين البشارة والولادة سنة- ونصبه على الحال والعامل فيها معنى الاشارة إِنَّ هذا يعنى الولد من الهرمين لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) يعنى خلاف العادة.
قالُوا يعنى الملائكة منكرين عليها فى الاستعجاب
(٢) فى الأصل على لغير واو
قيل هذا على معنى الدعاء من الملائكة- وقيل على معنى الخبر- والرحمة النعمة او المحبة من الله عز وجل- والبركة النماء والزيادة فى كل خير- وقيل الرحمة النبوة- والبركات الأسباط من بنى إسرائيل لان أنبياء بنى إسرائيل منهم وكلهم من أولاد سارة- وجملة رحمة الله وبركاته مستأنفة فى مقام التعليل للانكار على التعجب- كانه قيل إياك والتعجب فان أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله تعالى عليكم- هذا على تقدير كونه خبرا أَهْلَ الْبَيْتِ منصوب على المدح او النداء لقصد التخصيص كقوله اللهم اغفر لنا أيتها العصابة- وفى الاية رد على الروافض حيث لا يزعمون ازواج النبي ﷺ من اهل البيت مع ان اهل البيت من حيث اللغة هى الأزواج وغيرهن اتباع لهن إِنَّهُ حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد مَجِيدٌ (٧٣) فى الصحاح المجد السعة فى الكرم والجلالة- والكرم يوصف به الله تعالى لاحسانه وانعامه المتظاهرة- ويوصف به الإنسان للاخلاق والافعال المحمودة الّتي تظهر منه- ولا يقال هو كريم حتّى يظهر ذلك منه- قال البغوي واصل المجد الرفعة- وقال البيضاوي كثير الخير والإحسان وفى القاموس المجيد الرفيع العالي والكريم والشريف الفعّال-.
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ اى الخوف والفزع وَجاءَتْهُ الْبُشْرى بإسحاق ويعقوب بدل الروع يُجادِلُنا جواب للماجئ به مضارعا على حكاية الحال- او لانه فى سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو- او دليل جوابه المحذوف مثل اجترى على خطابنا او شرع فى جدالنا- او متعلق بجواب محذوف أقيم مقامه مثل أخذ او ظل او اقبل
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ غير عجول على الانتقام من المسيء أَوَّاهٌ كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس- وفى القاموس الموقن او الدّعاء او الرّحيم الرقيق او الفقيه او المؤمن بالحبشية مُنِيبٌ (٧٥) راجع الى الله والمقصود من بيان صفاته ذلك بيان الحامل على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه وعدم ارادة الانتقام من المسيء فقالت الرسل عند ذلك المجادلة.
يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال. إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ اى حكمه بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو اعلم بحالهم وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) غير مصروف بجدال ولا بدعاء ولا غير ذلك.
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا يعنى تلك الملائكة لُوطاً على صورة غلمان مرد حسان الوجوه سِيءَ بِهِمْ اى ساء مجيئهم لوطا- وحزن لوط بظنه ايّاهم أناسا- فخاف عليهم ان يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم- قرا نافع وابن عامر والكسائي سيء بهم وسيئت وجوه بإشمام السين الضم هنا وفى العنكبوت والملك- والباقون بإخلاص كسرة السين وَضاقَ لوط بِهِمْ اى بسببهم ذَرْعاً تميز من النسبة يعنى ضاق ذرعه قال البغوي قلبه- وقال البيضاوي ضاق بمكانهم صدره- قلت والذرع فى الأصل اليد الى المرفق او الساعد- ويطلق على القوة كاليد- والمعنى هاهنا ضاقت اى ضعفت بهم طاقته ولم يجد من المكروه مخلصا كذا فى القاموس- قال البيضاوي هو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) شديد قال قتادة والسدى خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قرية لوط- فاتوا لوطا نصف النهار وهو فى ارض
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ قال ابن عباس وقتادة يسرعون- وقال مجاهد يهرولون وقال الحسن مشيء بين مشيئين- وقال شمر بن عطية بين الهرولة والجفر- وفى القاموس مشيء فى اضطراب وسرعة- وبناء الفعل للمفعول للدلالة على كمال الاسراع والاضطراب- فالمعنى يسرعون اليه كمال اسراع كانهم يدفعون الى الاسراع وذلك لكمال طلبهم للفاحشة وَمِنْ قَبْلُ ذلك الوقت كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ كانوا يأتون الرجال فى ادبارهم ويعملون الفواحش فتمرّنوا بها ولم يستحيوا منها حتّى جاءوا يهرعون لها مجاهرين قالَ لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا انهم غلمان يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي يعنى فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفائتهم- لا لحرمة المسلمات على الكفار فانه شرع طار- وكان فى ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزا- كما زوج النبي ﷺ ابنتيه من عتبه بن ابى لهب وابى العاص بن الربيع قبل الوحى وكانا كافرين- وقال الحسين بن الفضل عرض بناته عليهم بشرط الإسلام- وقال مجاهد وسعيد بن جبير قوله هؤلاء بناتي أراد به «١» نساءهم وأضاف الى نفسه لان كل نبى ابو أمته- وفى قراءة أبيّ بن كعب النّبىّ اولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم وهو اب لّهم- وهذا القول يرجح من حيث المعنى بان ابنتيه لا تصلحان
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ يا لوط ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ يعنى لسن أزواجا لنا فنستحقهن بالنكاح- وقيل معناه مالنا فيهن من حاجة وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) وهو إتيان الذكران.
قالَ لهم لوط حينئذ لَوْ ثبت أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً فى البدن على دفعكم لوقيت بنفسي أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) اى انضم الى عشيرة مانعة قوية امتنع به عنكم لامتنعت به عنكم حذف جواب لو- شبه العشيرة بركن الجبل فى شدته اى جانبه القوى قال فى القاموس الرّكن بالضم الجانب الأقوى وما تقوى به من ملك او جند وغيره والعز والمنعة- روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة ان النبي ﷺ قال رحم الله أخي لوطا كان يأوى الى ركن شديد- وفى لفظ يغفر الله للوط ان كان ليأوى الى ركن شديد- اخرج إسحاق وابن عساكر من طريق جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس وكذا ذكر البغوي عنه انه قال اغلق لوط بابه وأضيافه يعنى الملائكة فى الدار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراء الباب وهم يعالجون تسوّر الجدار فلما رات الملائكة ما يلقى لوط منهم.
قالُوا يا لُوطُ ان ركنك لشديد إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ
النجا- فان فى بيت لوط اسحر قوم فى الأرض سحرونا- وجعلوا يقولون يا لوط كما أنت حتّى تصبح ونصبح وسترى ما تلقى منا غدا- يوعّدونه فقال لهم لوط متى موعد هلاكهم- قالوا الصبح- قال أريد اسرع من ذلك فلو اهلكتموهم الان فقالوا اليس الصبح بقريب ثم قالوا فَأَسْرِ يا لوط بِأَهْلِكَ قرا الحرميان فاسر وان اسر بوصل الالف حيث وقع من المجرد والباء حينئذ للتعدية- والباقون بقطعها من الافعال والباء زائدة ومعناه السّير فى الليل بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قال ابن عباس بطائفة من الليل- وقال الضحاك ببقيته- وقال قتادة بعد ما مضى اوله- وقيل انه السحر الاول وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ اى لا ينصرف منكم أحد من السير فيتخلف عنك- فى القاموس لفته يلفته لواه وصرفه عن «٤» رأيه ومنه الالتفات والتلفّت- قلت فالمجرد منه متعد- والالتفات لازم بمعنى الانصراف- وقيل معنى لا يلتفت لا ينظر من ورائه- فالامر بالاسراء متوجه الى لوط والنهى عن الانصراف او النظر الى الوراء متوجه الى من تبعه إِلَّا امْرَأَتَكَ قرا ابن كثير وابو عمرو بالرفع على انه يدل من أحد- فهى مستثناة من النهى عن الانصراف والتخلف او من النظر الى الوراء- قال البغوي معنى الاية على هذه القراءة لا يلتفت أحد الا امرأتك فانها تلتفت فتهلك- وكان لوط قد أخرجها معه ونهى من تبعه ممن اسرى بهم ان يلتفت سوى زوجته- فانها لما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فادركها حجر وقتلها- وقرا اكثر القراء بالنصب على الاستثناء فاختلفوا فقال البغوي وغيره استثناء من الاسراء
(٢) ورأسه حبك اى شعر رأسه منكسر من الجعودة مثل الماء الساكن والرمل إذا هبّت عليهما الريح فتجعدان ويطيران طرائق واصل حبك جمع حباك ومعناه الطريق ومنه قوله تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ اى طريق النجوم ١٧ منه رحمه الله
(٣) النجا شدة النظر يقال للرجل الشديد الاصابة بالعين انه لنجو ونجى ١٢ نهايه منه رح
(٤) ليس فى الأصل عن رأيه-[.....]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا اى عذابنا او أمرنا به ويؤيده جعل التعذيب مسببا عنه بقوله جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها كان حقه جعلوا عاليها اى الملائكة المأمورون به- فاسند الى نفسه من حيث انه المسبب تعظيما للامر- قال البغوي وذلك ان جبرئيل عليه السلام ادخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهى خمس مدن- وفيها اربعة مائة الف وقيل اربعة آلاف الف- فرفع المدائن كلها حتّى سمع اهل السماء صياح الديكة ونياح الكلاب ولم يكفأ لهم اناء ولم ينتبه لهم نائم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها- وكذا اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير وَأَمْطَرْنا عَلَيْها اى على المدن يعنى على شواذها ومسافريها وقيل بعد قلبها أمطر عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٥) قال ابن عباس وسعيد بن جبير معربة- سنگ گل- وقال قتادة وعكرمة السجيل الطين دليله قوله عز وجل لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ- وقال مجاهد أولها حجارة وآخرها طين- وقال الحسن كان اصل الحجارة طينا فشددت- وقال الضحاك يعنى الاجر- وقيل انه من اسجله إذا أرسله وإذا أعطيته- والمعنى من مثل شيء المرسل او من مثل العطية فى الادراد- او من السجلّ اى مما كتب الله ان
(٢) ولعله
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ منصوب على الحال من حجارة ومعناه معلمة- قال ابن جريج عليها سيما لا يشاكل حجارة الأرض- وقال قتادة وعكرمة عليها خطوط حمر على هيئة الجرع- وقال الحسن والسدى كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم ومكتوب على كل حجر اسم من رمى به وَما هِيَ اى الحجارة مِنَ الظَّالِمِينَ اى من مشركى مكة- وقال البغوي قال قتادة وعكرمة يعنى من ظالمى هذه الامة- وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة بِبَعِيدٍ (٨٣) فانهم بظلمهم حقيق بان يمطروا حجارة- قال قتادة وعكرمة والله ما أجار الله منها ظالما بعد- قال البغوي وفى بعض الآثار ما من ظالم الا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة الى ساعة- وفى البيضاوي انه ﷺ سال جبرئيل فقال يعنى ظالمى أمتك ما من ظالم الا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة الى ساعة- قال السيوطي ذكره الثعلبي بغير اسناد ولم اقف له على اسناد- وفى الدر المنثور اخرج ابن ابى حاتم وابو الشيخ عن الربيع فى الاية قال كل ظالم فيما سمعنا قد جعل بحذائه حجر ينتظر متى يؤمر ان يقع به- وقيل الضمير للقرى اى هى قريبة من ظالمى مكة يمرون عليها فى أسفارهم الى الشام فليعتبروا بها- وتذكير البعيد على تأويل الحجر او المكان-.
وَإِلى مَدْيَنَ أراد أولاد مدين بن ابراهيم عليه السلام او اهل مدين وهو بلد بناه فسمى باسمه أَخاهُمْ فى النسب شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أمرهم اولا بالتوحيد فانه ملاك الأمر- ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافى للعدل المخل بحكمة المعاوضة إِنِّي قرا نافع والبزي وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها أَراكُمْ بِخَيْرٍ قال ابن عباس يعنى مؤسرين فى نعمة وسعة ليست بكم حاجة فى ان تبخسوا حقوق الناس- او المعنى أنتم فى نعمة حقها ان تشكروا الله وتتفضّلوا على الناس لا ان تنقصوا حقوقهم- وقال
وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ صرح الأمر بالإيفاء بعد النهى عن ضده مبالغة وتنبيها على انه لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف بل يلزمهم السعى بالإيفاء ولو بزيادة لا يتاتى دونها- ولذلك قال ابو حنيفة من اشترى مكيلا مكائلة او موزونا موازنة لم يجز للمشترى منه ان يبيعه ولا ان يأكله حتّى يعيد الكيل والوزن- لما نهى رسول الله ﷺ عن بيع الطعام حتّى يجرى فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشترى رواه ابن ماجة وإسحاق بن ابى شيبة من حديث جابر- وأعل بعبد الرّحمن بن ابى ليلى- ورواه البزار من حديث ابى هريرة نحوه ومن حديث انس وابن عباس من طريقين ضعيفين- قال ابن همام هذا الحديث حجة لكثرة تعدد طرقه وقبول الائمة إياه- فانه قد قال بقولنا هذا مالك والشافعي واحمد- وقال رسول الله ﷺ زن وأرجح فانا معاشر الأنبياء هكذا نزن رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن حبان من حديث سويد بن قيس بِالْقِسْطِ اى بالعدل وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ تعميم بعد تخصيص- فانه أعم من ان يكون فى المقدار او فى غيره وكذا قوله وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ فان العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من انواع الفساد- وقيل المراد بالبخس المكس كاخذ العشور من المعاملات ومن العثو السرقة وقطع الطريق والغارة مُفْسِدِينَ (٨٥) قيل فائدته إخراج ما يقصد به الصلاح كما فعله الخضر عليه السلام وقيل معناه لا تعثوا فى الأرض مفسدين امر دينكم ومصالح آخرتكم- والظاهر انه حال مؤكدة لمعنى عاملها لان عثى بمعنى أفسد.
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال ابن عباس يعنى ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله طاعة الله خير لكم- نظيره قوله تعالى وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ...
قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ قرا حمزة والكسائي وحفص على الافراد والباقون صلوتك على الجمع- قال ابن عباس كان شعيب عليه السلام كثير الصلاة لذلك قالوا هذا القول وقال الأعمش يعنى اقراءتك تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ عبادة ما يَعْبُدُ آباؤُنا من الأوثان والمعنى أصلاتك تأمرك تكليفك إيانا ان نترك فحذف المضاف- ووجه هذا التقدير ان الرجل لا يؤمر بفعل غيره أجابوا أمرهم بالتوحيد بالاستهزاء والتهكم بصلاته والاشعار بان مثله لا يدعوا اليه داع عقلى وانما دعاك اليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه- وكان كثير الصلاة كذا قال ابن عباس ولذلك جمعوا لفظ الصلاة وخصوها بالذكر أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا عطف على الموصول يعنى او نترك ان نفعل ما نشآء وهو جواب النهى عن التطفيف والأمر بالإيفاء إِنَّكَ يا شعيب لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قال ابن عباس أرادوا السفيه الغاوي كما ان العرب يصف الشيء بضده فيقول للديغ سليم وللفلاة مفازة- وقيل قالوه على وجه الاستهزاء وقصدوا وصفه بضده والفرق بين التأويلين ان اللفظ على التأويل الاول مجاز وعلى الثاني حقيقة كناية عن الذم- وقيل معناه أنت الحليم الرّشيد بزعمك- وقيل هو على الحقيقة من غير كناية والمعنى انك أنت الحليم الرشيد فى زعمنا ما كنا نزعم بك ان تقول مثل ما قلت كما قال قوم صالح قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قبل هذا-.
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ بصيرة وبيان واضح مِنْ رَبِّي بالوحى والنبوة وَرَزَقَنِي مِنْهُ اى من الله بلا كد منى فى تحصيله حال من رزقا قدم عليه لكونه نكرة رِزْقاً حَسَناً حلالا قيل كان شعيب عليه السلام كثير المال-
وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ اى يكسبنكم شِقاقِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها يعنى خلافى وعداوتى أَنْ يُصِيبَكُمْ من العذاب مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ من الغرق أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الريح أَوْ قَوْمَ صالِحٍ من الرجفة والصيحة- وان يصيبكم ثانى مفعولى يجرم فانه يتعدى الى واحد والى اثنين ككسب وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) بالزمان فانهم اقرب الهالكين منكم زمانا حتّى تعلمون ما حاق بهم- او المعنى ما ديار قوم لوط منكم ببعيد بالمكان فانهم كانوا جيرانهم- او المعنى ما قوم لوط منكم ببعيد فيما تستحقون به العذاب من الكفر والمعاصي- وافراد البعيد
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ لما صدر منكم فى الماضي بالايمان والندامة على المعاصي وطلب المغفرة ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ اى ارجعوا اليه والى امتثال أوامره الانتهاء عن مناهيه فى المستقبل إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ عظيم الرحمة للمؤمنين التائبين وَدُودٌ (٩٠) فعول من الود يجيء بمعنى الفاعل والمفعول يعنى محب للمؤمنين ومحبوبهم وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار-.
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ اى لانفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ كوجوب التوحيد وحرمة البخس وما ذكرت دليلا عليهما- وذلك لقصور عقلهم وعدم تفكرهم- وقيل قالوا ذلك استهانة لكلامه او لانهم لم يلقوا اليه أذهانهم لشدة نفرتهم- قلت بل لما طبع الله على قلوبهم فان القلوب بين إصبعين من أصابع الرّحمن يطلعها على ما يشاء ويصرفها عما يشاء وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً لا قوة لك فتمنع منا ان أردنا بك سوءا او مهينا لاعز لك فينا- قال البغوي وذلك انه كان ضرير البصر فارادوا ضعف البصر- وقيل الضعيف بلغة حمير هو الأعمى والتقييد بالظرف يابى عن هذا المعنى فائدة منع بعض المعتزلة كون الأعمى نبيّا قياسا على القضاء والشهادة- والفرق بين- وذهاب بصر يعقوب عليه السلام ثابت بالنص قال الله تعالى وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ وقال فَارْتَدَّ بَصِيراً... وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ يعنى لولا قومك لقتلناك برمى الحجارة- قال البغوي كان شعيب فى منعة من قومه- وقال البيضاوي معناه لولا عزة قومك عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم فان الرهط من الثلاثة الى العشرة- وقيل الى السبغة قلت ويؤيد الاول قوله تعالى تِسْعَةُ رَهْطٍ- وفى الصحاح الرهط العصابة دون العشرة وقيل بل الى الأربعين وقال الجزري فى النهاية الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل الى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة- وفى القاموس الرهط قوم الرجل وقبيلته ومن ثلاثة الى سبعة او الى عشرة او ما دون العشرة وما فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه- قلت وكلام البغوي يشعر انه قوم الرجل مطلقا كما فسره صاحب القاموس اولا والله اعلم وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١)
قالَ شعيب يا قَوْمِ أَرَهْطِي قرا نافع وابن كثير وابو عمرو وابن ذكوان بفتح الياء والباقون بإسكانها أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا يعنى تركتم قتلى لاجل رهطى وما باليتم بنسبتى من الله بالرسالة وجعلتم الله كالمنسى المنبوذ وراء الظهر باشراككم به واهانة رسوله- والاستفهام يحتمل الإنكار والتوبيخ والرد والتكذيب والظّهرىّ المنسوب الى الظهر والكسر من تغيرات النسب إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) لا يخفى عليه شيء منها فيجازى عليها-.
وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ على تمكنكم من عداوتى مطيعين لها إِنِّي عامِلٌ على تمكنى سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كانّه قيل سوف تعلمون ايّنا يأتيه عذاب يخزيه انا او إياكم اى يفضحه وايّنا هو كاذب- او موصولة قد عمل فيها كانّه قيل سوف تعلمون الشقي الّذي يأتيه العذاب- وقد سبق مثل هذه الاية فى الانعام- لكن أورد الفاء هناك للتصريح بان الإصرار والتمكن فيما هم عليه سبب لذلك- وحذفها هاهنا فقال سوف تعلمون لانه جواب سائل كانه قال فماذا يكون بعد ذلك وهذا ابلغ فى التهويل وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ عطف على من يأتيه لا لانه قسيم له بل لانهم اوعدوه وكذبوه فقال سوف تعلمون من المعذب والكاذب انا او أنتم- وقيل كان قياسه ومن هو صادق لينصرف الاول إليهم والثاني اليه- لكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال ومن هو كاذب على زعمهم- وقيل محل من الرفع تقديره ومن هو كاذب يعلم سوء عاقبته وَارْتَقِبُوا وانتظروا العاقبة وما أقول لكم إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم- او المراقب كالعشير او المرتقب كالرفيع.
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا ذكر هاهنا بالواو كما فى قصة عاد- إذ لم يسبقه ذكر وعد يجرى مجرى السبب له- بخلاف قصتى صالح ولوط فانه ذكر بعد الوعد وذلك قوله وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ وقوله إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ولذلك جاء بفاء السببية نَجَّيْنا
قيل ان جبرئيل عليه السلام صاح صيحة فخرجت أرواحهم- وقيل أتاهم صيحة من السماء فاهلكتهم فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) ميتين واصل الجثوم اللزوم فى المكان.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كان لم يقيموا فيها احياء متصرفين مترددين أَلا بُعْداً هلاكا ولعنا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) شبّههم بهم لان عذابهم كان ايضا بالصيحة غير ان صيحة ثمود كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم- أصله بعدت بضم العين والكسر لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك- والبعد بضم الباء مصدر لهما وبفتح الباء والعين مصدر المكسور-.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا اى بالمعجزات وليس المراد بها آيات التورية لنزولها بعد هلاك فرعون وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) اى غلبة ظاهرة غلب بها مع كونه رجلا واحدا على فرعون وجنوده- ولم يقدر فرعون على إهلاكه مع حرصه على ذلك- قيل المراد به العصا وأفردها بالذكر لكونه ابهرها- ويجوز ان يراد بهما واحد- يعنى ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوته واضحا فى نفسه او موضحا إياه- فان ابان جاء لازما ومتعديا- والفرق بين الاية والسلطان ان الاية يعم الامارة والدليل القاطع- والسلطان يخص القاطع والمبين يخص بما فيه جلاء.
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فى الكفر والطغيان والانهماك فى الضلال وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) اى ذى رشد وانما هو غىّ وضلال والرشد يستعمل فى كل ما يحمد ويرتضى- ضد الغىّ فانه يستعمل فى كل ما يذم- وفيه تجهيل لمتبعيه حيث اتبعوه على امره مع كونه بديهي البطلان- حيث ادعى الالوهية مع كونه بشرا مثلهم- وجاهر بالظلم والكفر والشرك- وترك متابعة موسى الهادي الى الحق المؤيد بالعقل والنقل والمعجزات الظاهرة.
يَقْدُمُ قَوْمَهُ اى يتقدمهم يقال قدم بمعنى تقدم يَوْمَ الْقِيامَةِ الى النار كما كان يقدمهم فى الدنيا الى الضلال فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ذكره بلفظ الماضي مبالغة فى تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء حتّى سمى إتيانها ورودا وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) اى بئس الورد الّذي وردوه فانه يراد لتبريد الكبد وتسكين العطش- والنار بالضد والاية
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدنيا لَعْنَةً يعنى لعنوا على السنة الأنبياء والمؤمنين فى الدنيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يلعنون ايضا بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) اللعنة اى بئس العون المعان او العطاء المعطى- واصل الرفد ما يضاف الى غيره ليعمده وفى القاموس الإرفاد الاعانة والإعطاء-
ذلِكَ مبتدا وما بعده خبره يعنى هذا النبا الّذي انبأناك مِنْ أَنْباءِ الْقُرى اى بعض اخبار القرى المهلكة نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مقصوص نباه عليك خبر بعد خبر مِنْها اى بعض ذلك قائِمٌ اى باق اثارها وَحَصِيدٌ (١٠٠) ومنها عافى الآثار كالزرع المحصود- قال مقاتل قائم يرى له اثر- وحصيد لا يرى له اثر- وقيل منها قائم يعنى عامر وحصيد يعنى خراب- والجملة مستأنفة وليس بحال من ضمير نقصّه لعدم الواو والضمير
وَما ظَلَمْناهُمْ الضمير عائد الى القرى والمراد بها أهلها يعنى ما ظلمناهم باهلاكنا إياهم وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بان عرّضوها له بارتكاب ما يوجبه من الكفر والمعاصي فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ يعنى ما نفعتهم ولا قدرت على ان يدفع عنهم العذاب آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ من الإغناء لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ اى عذابه وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) غير تدمير وتخسير
وَكَذلِكَ اى مثل هذا الاخذ الّذي ذكرنا فى القصص المذكورة أَخْذُ رَبِّكَ مبتدا كذلك خبره مقدم عليه إِذا أَخَذَ الْقُرى اى أهلها وَهِيَ ظالِمَةٌ حال من القرى وهى فى الحقيقة لاهلها لكنها لما أقيمت مقامهم أجريت عليها- وفائدتها الاشعار بانهم انما أخذوا بظلمهم إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) وجيع لا يرجى الخلاص منه- عن ابى موسى قال قال رسول الله ﷺ ان الله ليملى الظالم حتّى إذا اخذه لم يفلته- قال ثم قرا وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الاية رواه الشيخان فى الصحيحين والترمذي وابن ماجة-
إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما نزل بالقرى الهالكة وما قصه الله عليك لَآيَةً لعبرة لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ فانه يعتبر به عظمته ويعلم «١» بان ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين او المعنى ينزجر به عن المعاصي لعلمه بانها من اله مختار يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء
وَما نُؤَخِّرُهُ اى ذلك اليوم قرا يعقوب بالياء «١» على الغيبة اى ما يؤخر الله إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) اى الا لانتهاء مدة معدودة معلومة عند الله على حذف المضاف وأراد مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فانه لا «٢» تعدد فيه
يَوْمَ يَأْتِ اى الجزاء او اليوم على ان اليوم بمعنى حين او الله عز وجل كقوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ- وجاء ربّك قرا ابن عامر وعاصم وحمزة يأت بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة ونافع وابو عمرو والكسائي بالياء أصلا فقط وابن كثير فى الحالين- والظرف متعلق باذكر او بانتهاء المحذوف او بقوله لا تَكَلَّمُ بحذف احدى التاءين اى لا تتكلم نَفْسٌ ما ينفع وينجى من جواب او شفاعة إِلَّا بِإِذْنِهِ اى الا اذن الله نظيره لا يتكلّمون الّا من اذن له الرّحمن فَمِنْهُمْ الضمير لاهل الموقف دل عليهم قوله لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ او للناس فى قوله تعالى يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ... شَقِيٌّ كتب عليه الشقاوة وَسَعِيدٌ (١٠٥) كتب له السعادة عن على بن ابى طالب رضى الله عنه قال خرجنا على جنازة- فبينا نحن بالبقيع إذ خرج علينا رسول الله ﷺ وبيده مخصرة- فجاء ثم جلس فنكت بها الأرض ساعة ثم قال ما من نفس منفوسة الا قد كتب مكانها من الجنة او النار والا قد كتب شقى وسعيد- قال فقال رجل ألا نتكل على كتابنا يا رسول الله وندع العمل- قال لا ولكن اعملوا فكل ميسر فاما اهل الشقاء فيسروا لعمل اهل الشقاوة واما اهل السعادة فيسروا لعمل اهل السعادة قال ثم تلا فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى الاية رواه البغوي وفى الصحيحين نحوه-
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) قال ابن عباس الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف- وقال الضحاك ومقاتل الزفير
(٢) فى الأصل ان لا تعدد فيه-
خالِدِينَ «١» فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ قال الضحاك اى ما دامت سموات الجنة والنار وارضهما- وكلما علاك سماء وكلما استقر عليه قدمك ارض- ولا شك ان اجتماع الناس المذكور فيما سبق يدل على ان لهم مظل ومقل- وقال اهل المعاني هذه عبارة عن التأبيد على عادة العرب يقولون لا يأتيك ما دامت السموات والأرض يعنون ابدا إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ظاهر هذه الاية يقتضى انقطاع استقرارهم فى النار- ويؤيده ما روى عن ابن مسعود قال ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا- وعن ابى هريرة مثله وبه قال من الصوفية الشيخ محى الدين «٢» ابن العربي- لكن هذا القول مردود بالإجماع والنصوص قال الله تعالى فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ- اخرج الطبراني وابو نعيم وابن مردوية عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ لو قيل لاهل النار انكم ماكثون عدد كل حصاة لفرحوا بها- ولو قيل لاهل الجنة انكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الابد- واخرج الطبراني فى الكبير والحاكم وصححه عن معاذ ابن جبل ان رسول الله ﷺ بعثه الى اليمن فلما قدم عليهم قال يا ايها الناس انى رسول رسول الله ﷺ إليكم يخبركم ان المردّ الى الله الى جنة او نار خلود بلا موت واقامة بلا ظعن فى أجساد لا تموت- واخرج الشيخان عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال يدخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا اهل النار لا موت ويا اهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه- واخرج البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يقال يا اهل الجنة خلود ولا موت ويا اهل النار خلود ولا موت- وحديث ذبح الموت والنداء بقوله يا اهل الجنة لا موت ويا اهل النار لا موت- أخرجه الشيخان عن ابن عمرو ابى سعيد والحاكم وصححه عن ابى هريرة- قال البغوي معنى قول ابن مسعود وابى هريرة ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد عند اهل السنة ان ثبت ان لا يبقى فيها أحد من اهل الايمان- واما مواضع الكفار فممتلية
(٢) فى الأصل محى الدين العربي-
- وقد روى معناه فى حديث طويل عن ابى موسى الطبراني والبيهقي وابن ابى حاتم- وعن ابى سعيد الطبراني- وفى دخول المؤمنين المذنبين النار وخروجهم منها أحاديث بلغت حد التواتر- قال البيضاوي فساق المؤمنين يخرجون من النار وذلك كاف
(٢) سفع من النار اى علامة تغير ألوانهم يعنى اثرا من النار ١٢ نهاية منه رح
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا قرأ حفص وحمزة وخلف- ابو محمّد والكسائي بضم السين على البناء
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ شك بعد ما أخبرناك من مال الناس مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ من عبادة هؤلاء المشركين فى انها ضلال مؤد الى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصته عليك سوء عبادتهم- او من حال ما يعبدونه فى انه لا يضر ولا ينفع ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما كان يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ حذف كان لدلالة قبل عليه- والجملة مستأنفة معناه تعليل النهى عن المرية فى انهم واباؤهم سواء فى الشرك اى ما يعبدون عبادة الا كعبادة ابائهم- او ما يعبدون شيئا الا مثل ما عبدوه من الأوثان- وقد بلغك ما لحق آباءهم فسيلحقهم مثله- لان التماثل فى الأسباب يقتضى التماثل فى المسببات وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ من العذاب كابائهم او من الرزق فيكون عذر التأخير العذاب عنهم مع قيام موجبه غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) من النصيب تأكيد للتوفية- فانك قد تقول وفيته حقه وتريد به وفاء بعضه ولو مجازا-
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية فَاخْتُلِفَ فِيهِ فامن به قوم وكفر به قوم كما اختلف هؤلاء فى القران تسلية للنبى ﷺ وَلَوْلا كَلِمَةٌ الانظار الى يوم القيامة سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اى بين المحق والمبطل بانزال العذاب على المبطل ليميز به عن المحق وَإِنَّهُمْ يعنى كفار مكة لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من القران او من العذاب مُرِيبٍ (١١٠) موقع فى الريب
وَإِنَّ قرا نافع وابن كثير وابو بكر مخففة من الثقيلة عاملة اعتبارا للاصل والباقون مشددة كُلًّا التنوين بدل من المضاف اليه يعنى ان كل واحد من المختلفين المؤمنين منهم والكافرين لَمَّا قرا عاصم وابن عامر وحمزة هاهنا وفى يس لّمّا جميع لّدينا- وفى الطارق لّمّا عليها حافظ بتشديد الميم- والباقون بتخفيفها- فمن قراها بالتخفيف فلام الاولى موطية للقسم والثانية للتأكيد او بالعكس- وما مزيدة
فَاسْتَقِمْ استقامة كَما أُمِرْتَ اى مثل استقامة أمرت بها وَمَنْ تابَ مَعَكَ من الشرك وأمن عطف على المستكن فى استقم وان لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه- لمّا بين الله سبحانه امر المختلفين فى التوحيد والنبوة- واطنب فى شرح الوعد والوعيد- امر رسوله ومن تبعه بالاستقامة مثل ما امر بها- وهى شاملة للاستقامة فى العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل- والجبر والاختيار وغير ذلك- والأعمال من تبليغ الوحى وبيان الشرائع كما انزل- والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وافراط مفوت للحقوق ونحوها- عن سفيان ابن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك وفى رواية غيرك قال قل امنت بالله ثم استقم رواه مسلم- فالاستقامة لفظ جامع قال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر والنهى ولا تروغ روغان الثعلب يعنى لا تميل عن الطريق المستقيم ميلا أصلا- وهى فى غاية العسر ولذلك قالت الصوفية الاستقامة فوق الكرامة قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما ما نزلت على عهد رسول الله ﷺ اية هى أشد عليه من هذه الاية ولذلك قال شيّبتنى سورة هود- قلت قول ابن عباس يدل على ان اشتداد هذه السورة على رسول الله ﷺ حتّى شيّبته- انما كان لاجل هذه الاية الآمرة بالاستقامة- فانه ﷺ وان كان نفسه الشريفة مجبولة على الاستقامة مخلوقة على خلق عظيم- لكنها شاقة على من تبعه فلذلك شيّبته شفقة على أمته- والظاهر عندى
- اخرج الترمذي والنسائي عن ابى اليسر قال البغوي هو عمرو بن غزية الأنصاري- قال أتتني امراة تبتاع تمرا فقلت ان فى البيت تمرا أطيب منه فدخلت معى البيت فاهويت إليها فقبلتها ثم ندمت فاتيت أبا بكر رضى الله عنه فذكرت ذلك فقال استر على نفسك وتب- قال فاتيت عمر فقال استر على نفسك وتب- فلم اصبر فاتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له- فقال أخلفت غازيا فى سبيل الله فى اهله بمثل هذا- حتّى ظن انه من اهل النار فاطرق رسول الله ﷺ حتّى اوحى اليه
وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ الاية فقال اصحاب رسول الله ﷺ ألهذا خاصة أم للناس عامة- قال بل للناس عامة- قال صاحب لباب النقول- وورد نحو حديث ابى اليسر من حديث ابى امامة وابن عباس وبريدة وغيرهم- وانتصاب طرفى على الظرف لانه مضاف اليه ومعناه غدوة وعشية وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ اى طائفة من الليل او ساعات منه قريبة من النهار- فانه من ازلفه إذا قربه وهو جمع زلفة- قرا ابو جعفر بضم اللام- قال ابن عباس طرفا النهار يعنى صلوة الصبح والمغرب- وزلفا من الليل حينئذ العشاء- وقال الحسن طرفا النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء- وقال مجاهد طرفا النهار الصبح والظهر والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء- وهذا القول يشعر ان وقت الظهر والعصر واحد ولو عند الضرورة وكذا وقت المغرب والعشاء- ومن هاهنا قال مالك واحمد والشافعي إذا اسلم الكافر او طهرت الحائض او بلغ الصبى اخر وقت العصر وجبت عليه الظهر والعصر- وإذا اسلم او طهرت او بلغ اخر وقت العشاء وجبت عليه المغرب والعشاء- خلافا لابى حنيفة رحمه الله فانه لا يجب عنده الا العصر والعشاء- لنا الأحاديث الواردة فى اوقات الصلوات الّتي ذكرتها فى سوره النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً- فانها تدل على ان وقت كل صلوة مبائن للاخرى- ولاجل ذلك لا يجوز عند ابى حنيفة رحمه الله جمع صلوة الظهر والعصر ولا المغرب والعشاء بعلة سفر او مرض او مطر كما لا يجوز جمعهما بغير علة اجماعا- وقال الشافعي ومالك واحمد يجوز الجمع فى السفر- وعند مالك واحمد يجوز الجمع لاجل المطر فى العشاءين خاصة وعند الشافعي بين الظهرين ايضا- وجاز عند احمد الجمع
فى منزله جمع بين الظهر والعصر قبل ان يركب- وإذا لم تزغ له فى منزله سار حتّى إذا جاء العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر- وإذا جاءت فى منزله جمع بينها وبين العشاء- و
عظة للمتعظين
وَاصْبِرْ يا محمّد على الطاعات وعن المعاصي وعلى ما أصابك من الأذى- وقيل على الصلاة نظيره وامر أهلك بالصّلوة واصطبر عليها فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) عدل من المضمر ليكون كالبرهان على المقصود وفيه دليل على ان الصلاة والصبر اختان- وايماء بانه لا يعتدّ بهما بدون الإخلاص-
فَلَوْلا فهلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ الّتي كانت مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ اى أولوا رأى وعقل وفضل- وانما سمى بقية لان الرجل يستبقى أفضل ما عنده- يقال فلان ذو بقية إذا كان فيه خير- ومنه ما يقال فلان من بقية القوم اى من خيارهم- ومنه قولهم فى الزوايا خبايا وفى الرجال بقايا- وقيل معناه أولوا طاعة كما ذكرنا فى
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اللام لتأكيد النفي وان المصدرية مقدرة يعنى ما كان صفة ربك إهلاك الْقُرى او ما كان ربك مهلكها بِظُلْمٍ حال من ضمير الفاعل فى يهلك اى ما كان الله مهلكهم ظالما لهم وَأَهْلُها قوم مُصْلِحُونَ (١١٧) مسلمون تنزيه لذاته تعالى عن الظلم- وقيل الظلم الشرك والمعنى وما كان الله مهلك القرى بسبب شركهم فى حال يكون أهلها مصلحون فيما بينهم يتعاطون الانصاف ولا يظلم بعضهم بعضا- اخرج الطبراني وابو الشيخ عن جرير بن عبد الله قال لما نزلت هذه الاية قال رسول الله ﷺ وأهلها ينصف بعضهم بعضا- وذلك لفرط رحمة ومسامحة فى حقوقه ولذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد- ومن هاهنا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم-
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ كلهم أُمَّةً واحِدَةً مسلمين صالحين وهو دليل ظاهر على ان الأمر غير الارادة- وانه تعالى لم يرد الايمان من كل واحد وان ما أراد يجب وقوعه وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) عن الحق تاركيه «١» الى الباطل على أنحاء شتى- فمنهم يهودى ونصرانى ومجوسى ووثنى- ومنهم جبرى
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ هداهم الله من فضله الى صراط مستقيم- فهم متفقون على اصول العقائد الصحيحة وامتثال أوامر الله والانتهاء عن المناهي- عن ابن مسعود قال خط لنا رسول الله ﷺ خطا مستقيما- ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه عن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه- وقرا وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
رواه احمد والنسائي والدارمي وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك يعنى للرحمة خلقهم- فالضمير راجع الى من رحمهم والاشارة الى الرحمة- وقال الحسن وعطاء وللاختلاف خلقهم- قال اشهب سالت مالكا عن هذه الاية- فقال خلقهم ليكون فريق فى الجنة وفريق فى السعير- وقال ابو عبيدة الّذي اختاره قول من قال خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه وقال الفراء خلق اهل الرحمة للرحمة واهل الاختلاف للاختلاف- فالضمير راجع الى الناس والاشارة الى الاختلاف والرحمة جميعا- واللام للمعاقبة ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ اى حكم ربك القديم او قوله للملائكة لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ اى عصاتهما أَجْمَعِينَ (١١٩) او المعنى منهما جميعا لا من أحدهما-
وَكُلًّا اى كل نبا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ اى من اخبارهم ومن اخبار أممهم ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بيان لكلّا او بدل منه- وفائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص- وهو زيادة يقينه وتقوية قلبه على أداء الرسالة واحتمال أذى الكفار- او مفعول وكلّا منصوب على المصدر او الظرف- اى كل نوع من انواع الاقتصاص او كل وقت من الأوقات نقص عليك ما نثبت به فؤادك من انباء الرسل والأمم وَجاءَكَ فِي هذِهِ قال الحسن وقتادة فى هذه الدنيا- وقال غيرهما فى هذه السورة والظاهر ان الاشارة الى الانباء- يعنى جاءك فى هذه الانباء المقتصة عليك الْحَقُّ اى ما هو حق وَمَوْعِظَةٌ
(١٢٠) اشارة الى سائر فوائده التامة العامة
وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ اى حالكم وجهتكم الّتي أنتم عليها وعلى قدرتكم فيه تهديد ووعيد إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) على حالنا وقوتنا
وَانْتَظِرُوا بنا الدوائر إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) ان ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم ان لم تؤمنوا
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى له تعالى خاصة علم ما غاب عن العباد فيهما- لا يخفى عليه خافية مما بينهما فلا يخفى عليه أعمالكم وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ قرا نافع وحفص بضم الياء وفتح الجيم على البناء للمفعول- والباقون بفتح الياء وكسر الجيم على البناء للفاعل الْأَمْرُ كُلُّهُ فى العباد يعنى يرجع اليه تعالى لا محالة أمرك وأمرهم فينتقم لك منهم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وفى تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على انه انما ينفع التوكل مع العبادة وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣) قرا نافع وابن عامر وحفص ويعقوب هنا وفى اخر النمل بالتاء الفوقانية على الخطاب والباقون بالياء التحتانية على الغيبة فيهما- قال البغوي قال كعب خاتمة التورية خاتمة سورة هود- عن ابن عباس قال قال ابو بكر يا رسول الله قد شبت- قال ﷺ شيّبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت- رواه الترمذي والحاكم وصححه والبغوي- ورواه الحاكم عن ابى بكر وابن مردوية عن سعد ورواه ابن مردوية عن ابى بكر بلفظ شيّبتنى هود وأخواتها قبل المشيب «١» - ورواه ابو يعلى بسند ضعيف عن انس وابن مردوية عن عمران بلفظ شيّبتنى هود وأخواتها من المفصل- ورواه ابن مردوية عن انس بلفظ شيّبتنى سورة هود وأخواتها الواقعة والقارعة والحاقة وإذا الشمس كورت وسال سائل- وروى الطبراني
مضمون صفحه حديث الكريم بن الكريم ٤ بحث تحقيق الرؤيا وأقسامها وما ورد فيه من الأحاديث- ٥ تأويل همّت به وهمّ بها- ٢١ الهمّ قسمان- ٢١ مسئلة جاز للعالم ان يصف نفسه حتّى يعرف الناس قدره إذ جهلت منزلته من العلم فاراد ان ينشر علمه وليس هذا من تزكية النفس فويل الذين يطعنون على اولياء الله فى اظهار فضائلهم ٣١ حديث رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك ما لبث فى السجن طول ما لبث ٣٣ مسئلة ينبغى للرجل ان يجتهد فى نفى التهمة عن نفسه لا سيما من كان ممن يقتدى به ٣٧ ما ورد فى مدح يوسف عليه السلام على صبره- ٣٧ وما دل على كمال نزول نبينا ﷺ ٣٧ مسئلة جاز طلب الولاية والقضاء واظهاراته اهل لها ان كان أمنا على نفسه فان كان أحد لا يقوم مقامه فقد يستحب وقد يجب ان تعين لامضاء احكام الله تعالى- ٤٢ وجاز ان يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائر او كافر إذا علم انه لا سبيل الى اقامة الحق الا به- ٤٢ حديث العين حق ٤٧ حديث لا يغنى حذر عن قدر- ٤٧ ما أشكل من تعلق قلب يعقوب بيوسف عليهما السلام وحله- ٥٧ حديث الدنيا ملعونة- ٥٧ حديث سيد بنى دارا ووضع مأدبة ٥٧ وأرسل داعيا- حديث الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها تيعان وان غراسها سبحان الله إلخ- ٥٨ بيان حسن خاتم الأنبياء ﷺ وحسن يوسف عليه السلام- ٦٠ حديث لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب اليه من والده وولده- ٦٠ حديث ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان ٦٠ مسئلة جواز التأسف والبكاء عند المصيبة- ٦١ حديث بكائه ﷺ على ابنه ابراهيم وابن بنته- ٦١ حديث ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا- ٦٨ قوله ﷺ عند الوفاة مع الذين أنعم الله عليهم الاية- ٧١ حديث لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا فلا يتبايعانه ولا يطويانه- ٧٤ تمت.