تفسير سورة هود

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة هود من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(١١) سورة هود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة هود (١١) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)
١- الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ:
الر اشارة الى أن القرآن معجز، مع أنه مكون من الحروف التي ينطقون بها.
كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف.
أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما رصينا محكما لا يقع فيه نقض ولا خلل. وهى صفة لقوله كِتابٌ.
ثُمَّ فُصِّلَتْ كما تفصل القلائد بالفرائد، من دلائل التوحيد، والأحكام، والمواعظ والقصص. أو جعلت فصولا، سورة وسورة، وآية آية، وفرقت فى التنزيل، ولم تنزل جملة واحدة. أو فصل فيها ما يحتاج اليه العباد، أي بين ولخص.
أو فرقت بين الحق والباطل.
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة ثانية لقوله كِتابٌ.
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر.
ويجوز أن يكون صلة لقوله أُحْكِمَتْ، وفُصِّلَتْ أي من عنده أحكامها وتفصيلها.
٢- أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ:
أَلَّا تَعْبُدُوا مفعول له، على معنى: لئلا تعبدوا.
أو تكون (أن) مفسرة، لأن فى تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل: قال: لا تعبدوا الا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا الا الله.
٣- وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى
أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا أي أمركم بالتوحيد والاستغفار.
ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ منقطعا عما قبله على لسان النبي، صلّى الله عليه وآله وسلم، إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة، ويدل عليه قوله قبل (انى لكم بشير نذير).
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ أي ثم ارجعوا اليه بالطاعة.
يُمَتِّعْكُمْ يطول نفعكم فى الدنيا.
مَتاعاً حَسَناً بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة، ونعمة متتابعة.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى الى أن يتوفاكم.
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ويعط فى الآخرة من كان له فضل فى العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه.
وَإِنْ تَوَلَّوْا وان تتولوا.
عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ هو يوم القيامة، وصفه بالكبر كما وصفه بالعظم والثقل.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤ الى ٥]
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥)
٤- إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
بيان لعذاب اليوم الكبير بأن مرجعهم الى من هو قادر على كل شىء، فكان قادرا على أشد ما أراد من عذابهم لا يعجزه.
٥- أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ:
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يزورون عن الحق وينحرفون عنه، لأن من أقبل
على الشيء استقبله بصدره ومن ازور وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه.
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازورارهم.
أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ويزيدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضا كراهة لاستماع كلام الله تعالى.
يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ أي انه لا تفاوت فى علمه بين أسرارهم واعلانهم، فلا وجه لتوصلهم الى ما يريدون من الاستخفاء، والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم، ونفاقهم غير نافق عنده.
[سورة هود (١١) : الآيات ٦ الى ٧]
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
٦- وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ:
عَلَى اللَّهِ رِزْقُها تفضل من الله تعالى.
مُسْتَقَرَّها مكانها من الأرض ومسكنها.
وَمُسْتَوْدَعَها حيث كانت مودعة قبل الاستقرار، من صلب أو رحم أو بيضة.
كُلٌّ كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها.
فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي ذكرها مكتوب فى كتاب مبين.
٧- وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ:
وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ أي ما كان تحته خلق قبل خلق السموات والأرض، وارتفاعه فوقها، الا الماء.
لِيَبْلُوَكُمْ متعلق بقوله خَلَقَ أي خلقهن لحكمة بالغة، وهى أن يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم الطاعات
واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه.
ولما أشبه هذا اختبار المختبر قال: ليبلوكم. يريد: ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون.
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع فى طاعة الله.
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي ان السحر أمر باطل، وان بطلانه كبطلان السحر تشبيها له.
[سورة هود (١١) : الآيات ٨ الى ٩]
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩)
٨- وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ:
إِلى أُمَّةٍ الى جماعة من الأوقات.
ما يَحْبِسُهُ ما يمنعه من النزول، استعجالا له على وجه التكذيب والاستهزاء.
يَوْمَ يَأْتِيهِمْ منصوب بخبر لَيْسَ ويستدل به على من يستجيز تقديم خبر (ليس) على (ليس) وذلك أنه إذا جاز تقديم معمول خبرها عليها، كان ذلك دليلا على جواز تقديم خبرها، إذ المعمول تابع للعامل، فلا يقع الا حيث يقع العامل.
وَحاقَ بِهِمْ وأحاط بهم.
ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ العذاب الذي كانوا به يستعجلون، وإنما وضع يَسْتَهْزِؤُنَ موضع (يستعجلون)، لأن استعجالهم كان على جهة الاستهزاء.
٩- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ:
الْإِنْسانَ للجنس.
رَحْمَةً نعمة من صحة وأمن وجدة.
ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ ثم سلبنا تلك النعمة.
إِنَّهُ لَيَؤُسٌ شديد اليأس من أن تعود اليه مثل تلك النعمة المسلوبة.
كَفُورٌ عظيم الكفران لما سلف له من التقلب فى نعمة الله.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠ الى ١٢]
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
١٠- وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ:
ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي أي المصائب التي أساءتنى.
إِنَّهُ لَفَرِحٌ أشر بطر.
فَخُورٌ على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.
١١- إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ:
إِلَّا الَّذِينَ آمنوا، فان عادتهم ان نالتهم رحمة أن يشكروا، وان زالت عنهم نعمة أن يصبروا.
١٢- فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ:
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به.
وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ بأن تتلوه عليهم.
أَنْ يَقُولُوا مخافة أن يقولوا.
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم ينزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه.
إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ أي ليس عليك الا أن تنذرهم بما أوحى إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه ولا عليك ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا.
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ بحفظ ما يقولون، فتوكل عليه، وكل أمرك اليه، غير ملتفت الى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٣ الى ١٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥)
١٣- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
أَمْ منقطعة.
افْتَراهُ الضمير يعود الى ما يُوحى إِلَيْكَ فى الآية السابقة.
بِعَشْرِ سُوَرٍ تحداهم أولا بعشر سور، ثم بسورة واحدة.
مِثْلِهِ أي: أمثاله، ذهابا الى مماثلة كل واحدة منها له.
مُفْتَرَياتٍ صفة لعشر سور.
١٤- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ:
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ أي: فان لم يستجيبوا لك وللمؤمنين.
فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه الا الله من نظم معجز للخلق، واخبار بغيوب لا سبيل لهم اليه.
وَاعلموا عند ذلك.
أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الله وحده، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم.
فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة.
١٥- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ:
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس فى الدنيا، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق.

[سورة هود (١١) : الآيات ١٦ الى ١٧]

أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)
١٦- أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وحبط فى الآخرة ما صنعوه، أو صنيعهم.
يعنى لم يكن لهم ثواب، لأنهم لم يريدوا به الآخرة، انما أرادوا به الدنيا، وقد وفى إليهم ما أرادوا.
وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي كان عملهم فى نفسه باطلا، لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له.
وقرىء: وباطلا، بالنصب، على أن تكون (ما) إبهامية، وينتصب بالفعل يَعْمَلُونَ، ومعناه: وباطلا أي باطل كانوا يعملون. أو أن تكون بمعنى المصدر على: وبطل بطلانا ما كانوا يعملون.
١٧- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ:
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ فمن كان على بينة من ربه، كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها.
مِنْ رَبِّهِ أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق، وهو دليل العقل.
وَيَتْلُوهُ ويتبع ذلك البرهان.
شاهِدٌ أي شاهد يشهد بصحته، وهو القرآن.
مِنْهُ من الله، أو شاهد من القرآن.
وَمِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن.
كِتابُ مُوسى وهو التوراة.
إِماماً كتابا مؤتما به فى الدين قدوة فيه.
وَرَحْمَةً ونعمة عظيمة على المنزل إليهم.
أُولئِكَ أي من كان على بينة.
يُؤْمِنُونَ بِهِ يؤمنون بالقرآن.
مِنَ الْأَحْزابِ يعنى أهل مكة ومن ضامهم من المتحزبين على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
فِي مِرْيَةٍ فى شك.
مِنْهُ من القرآن، أو من الموعد.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)
١٨- وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ:
يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ يحبسون فى الموقف وتعرض أعمالهم.
وَيَقُولُ الْأَشْهادُ ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على الله بأنه اتخذ ولدا وشريكا.
(ألا لعنة الله على الكاذبين) ويقال: ألا لعنة الله على الكاذبين.
١٩- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ:
وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي يعدلون بالناس عنها الى المعاصي والشرك.
٢٠- أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ:
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي ما كانوا يعجزون الله فى الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم، وما كان لهم من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه.
ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ أي إنهم لفرط تصامهم عن استماع الحق وكراهتهم له، كأنهم لا يستطيعون السمع.

[سورة هود (١١) : الآيات ٢١ الى ٢٥]

أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥)
٢١- أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله.
وَضَلَّ عَنْهُمْ
بطل عنهم وضاع ما اشتروه.
ما كانُوا يَفْتَرُونَ
من الآلهة وشفاعتها.
٢٢- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ:
لا جَرَمَ لا صد ولا منع عن أنهم.
هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا ترى أحدا أبين خسرانا منهم.
٢٣- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ واطمأنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع.
٢٤- مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ:
كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ أي فريق الكافرين.
وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ أي فريق المؤمنين.
وهو من الطباق، وفيه معنيان:
أن يشبه الفريق تشبيهين اثنين.
وأن يشبه الذي جمع بين العمى والصمم، أو الذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكون الواو فى وَالْأَصَمِّ وفى وَالسَّمِيعِ لعطف الصفة على الصفة.
هَلْ يَسْتَوِيانِ يعنى الفريقين.
مَثَلًا تشبيها.
٢٥- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ:
أي أرسلنا نوحا بأنى لكم نذير، والمعنى: أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام، وهو قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨)
٢٦- أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ:
أَنْ لا تَعْبُدُوا بدل من إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله.
أو تكون أَنْ مفسرة متعلقة بقوله أَرْسَلْنا أو بقوله نَذِيرٌ.
يَوْمٍ أَلِيمٍ وصف اليوم بقوله أَلِيمٍ من الاسناد المجازى لوقوع الألم فيه.
٢٧- فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ:
الْمَلَأُ الأشراف.
ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا تعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن الله لو أراد أن يجعلها فى أحد من البشر لجعلها فيهم.
مِنْ فَضْلٍ من زيادة شرف علينا تؤهلكم للنبوة.
بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ فيما تدعونه.
٢٨- قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ:
أَرَأَيْتُمْ أخبرونى.
إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ على برهان.
مِنْ رَبِّي وشاهد منه يشهد بصحة دعواى.
وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ بإيتاء البينة على أن البينة فى نفسها هى الرحمة.
ويجوز أن يريد بالبينة: المعجزة، وبالرحمة: النبوة.
فَعُمِّيَتْ فخفيت.
وعلى الوجه الأول فى تفسير البينة والرحمة فالسياق ظاهر.
وأما على الوجه الثاني فحقه أن قال: فعميتا، والوجه أن يقدر:
فعميت، بعد البينة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة.
أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ أي: أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)
٢٩- وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ:
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ الضمير فى قوله عَلَيْهِ راجع الى قوله إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ الآيتان: ٢٥، ٢٦.
إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ أي انهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو انهم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة.
قَوْماً تَجْهَلُونَ تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل. أو تجهلون بلقاء ربكم، أو تجهلون أنهم خير منكم.
٣٠- وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ:
مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعنى من انتقامه.
إِنْ طَرَدْتُهُمْ وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا به، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء.
٣١- وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ:
وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ معطوف على عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أي لا أقول عندى خزائن الله ولا أقول: أنا أعلم الغيب.
والمعنى: لا أقول لكم عندى خزائن الله فأدعى فضلا عليكم فى الغنى حتى تجحدوا فضلى بقولكم وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ولا أدعى علم الغيب حتى تنسبونى الى الكذب والافتراء، أو حتى أطلع على ما فى نفوس أتباعى وضمائر قلوبهم.
وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا لى: ما أنت إلا بشر مثلنا.
وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم.
لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً ان الله لن يؤتيهم خيرا فى الدنيا والآخرة لهوانهم عليه كما تقولون، مساعدة لكم ونزولا على هواكم.
إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ان قلت شيئا من ذلك.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)
٣٢- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ:
جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أردت جدالنا وشرعت فيه فأكثرته.
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المعجل.
٣٣- قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ:
إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ أي ليس الإتيان بالعذاب إلى انما هو إلى من كفرتم به وعصيتموه.
إِنْ شاءَ أي إن اقتضت حكمته أن يعجله لكم.
٣٤- وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ أي إنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله كيف ينفعكم نصحى.
أَنْ يُغْوِيَكُمْ أي: أن يهلككم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)
٣٥- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ:
فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي عقاب إجرامى أي افترائى.
وَأَنَا بَرِيءٌ أي لم يثبت ذلك وأنا برىء منه.
مِمَّا تُجْرِمُونَ من إجرامكم فى إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم.
٣٦- وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ:
لَنْ يُؤْمِنَ اقناط من إيمانهم وأنه كالمحال الذي لا تعلق به لمتوقع.
إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من إيمانه وقد للتوقع وقد أصابت محزها.
فَلا تَبْتَئِسْ فلا تحزن حزن يائس مستكين.
والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام لك منهم.
٣٧- وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ:
بِأَعْيُنِنا فى موضع الحال. والمعنى: اصنعها محفوظا كأن الله معه أعينا تكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب، وأن يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه.
وَوَحْيِنا وأنا نوحى إليك ونلهمك كيف تصنع.
وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ولا تدعنى فى شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك.
إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ انهم محكوم عليهم بالاغراق.
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠)
٣٨- وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ:
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ حكاية حال ماضية.
سَخِرُوا مِنْهُ ومن عمله السفينة.
فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ يعنى فى المستقبل.
كَما تَسْخَرُونَ منا الساعة.
٣٩- فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ:
مَنْ يَأْتِيهِ فى محل نصب والناصب تَعْلَمُونَ أي فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه.
وَيَحِلُّ عَلَيْهِ حلول الدين والحق اللازم لا انفكاك عنه.
عَذابٌ مُقِيمٌ وهو عذاب الآخرة.
٤٠- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ:
حَتَّى هى التي يبتدأ بعدها الكلام، دخلت على الجملة من الشرط والجزاء.
التَّنُّورُ وجه الأرض.
زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعنى ذكرا وأنثى.
وَأَهْلَكَ عطف على اثْنَيْنِ.
إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أنه من أهل النار من أهله.
وَمَنْ آمَنَ عطف على وَأَهْلَكَ يعنى: وأحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)
٤١- وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ:
بِسْمِ اللَّهِ حال من الواو فى ارْكَبُوا أي: اركبوا فيها مسمين الله، أو قائلين: بسم الله.
مَجْراها وَمُرْساها وقت إجرائها ووقت ارسائها، اما لأن المجرى والمرسى للوقت، واما لأنهما مصدر ان كالاجراء والارساء، حذف منهما الوقت المضاف.
وانتصابهما فى بِسْمِ اللَّهِ من معنى الفعل، أو بما فيه من ارادة القول.
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لولا مغفرته لذنوبكم ورحمته إياكم لما نجاكم.
٤٢- وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ:
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ متعلق بمحذوف دل عليه ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون بِسْمِ اللَّهِ وهى تجرى بهم، أي:
تجرى وهم فيها.
فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ يريد موج الطوفان، شبه كل موجة منه بالجبل فى تراكمها وارتفاعها.
٤٣- قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ، قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ:
لا عاصِمَ لا مانع. أو لا معصوم، أو لا ذا عصمة.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي الا من رحمه الله، أي لكن من يرحمه الله فهو يعصمه.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦)
٤٤- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:
وَقِيلَ يا أَرْضُ أي ان هذه الأجرام العظام منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة عليه، كأنها عقلاء مميزون.
وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أمسكى.
غِيضَ الْماءُ أي نقص.
وَقُضِيَ الْأَمْرُ وأنجز ما وعد الله نوحا من هلاك قومه.
وَاسْتَوَتْ واستقرت السفينة.
عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالموصل.
وَقِيلَ بُعْداً أي هلاكا.
٤٥- وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ:
إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أي بعض أهلى، لأنه كان ابنه من صلبه، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله.
وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وأن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك فى إنجازه والوفاء به وقد وعدتنى أن تنجى أهلى، فما بال ولدي.
وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أي أعلم الحكام وأعدلهم.
٤٦- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ:
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لانتفاء كونه من أهله.
وقيل: أي ابنك ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف.
وقيل: الضمير لنداء نوح، أي ان نداءك هذا عمل غير صالح وليس بذاك.
وقرىء: انه عمل- على الفعلية- غير صالح، من الكفر والتكذيب.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)
٤٧- قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ:
أَنْ أَسْئَلَكَ من أن أطلب منك فى المستقبل ما لا علم لى بصحته، تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك.
وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط منى من ذلك.
وَتَرْحَمْنِي بالتوبة على.
أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أعمالا.
٤٨- قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ:
بِسَلامٍ مِنَّا مسلما محفوظا من جهتنا. أو مسلما عليك مكرما.
وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ ومباركا عليك.
وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ يحتمل أن تكون (من) للبيان، فيراد:
الأمم الذين كانوا معه فى السفينة، لأنهم كانوا جماعات. أو قيل لهم أمم، لأن الأمم تتثعب منهم وأن تكون لابداء الغاية، أي على أمم ممن معك، وهى الأمم الى آخر الدهر.
وَأُمَمٌ رفع بالابتداء.
سَنُمَتِّعُهُمْ صفة، والخبر محذوف، تقديره: وممن معك سنمتعهم، وانما حذف لأن قوله مِمَّنْ مَعَكَ يدل عليه.
٤٩- تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ:
تِلْكَ اشارة الى قصة نوح عليه السلام، ومحلها الرفع على الابتداء، والجمل بعدها أخبار.
وَلا قَوْمُكَ أي: ان قومك الذين أنت منهم على كثرتهم ووفور عددهم إذا لم يكن ذلك شأنهم، ولا سمعوه ولا عرفوه، فكيف برجل منهم.
مِنْ قَبْلِ هذا أي من قبل ايحائى إليك واخبارك بها، أو من قبل هذا العلم الذي كسبته بالوحى، أو من قبل هذا الوقت.
فَاصْبِرْ على تبليغ الرسالة وأذى قومك، كما صبر نوح، وتوقع فى العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما قيض لنوح ولقومه.
إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ فى الفوز والنصر والغلبة للمتقين.
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)
٥٠- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ:
أَخاهُمْ واحدا منهم، وانتصابه للعطف على (نوحا).
هُوداً عطف بيان.
غَيْرُهُ بالرفع، صفة على محل الجار والمجرور.
وقرىء: غيره، بالجر، صفة على اللفظ.
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء.
٥١- يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ:
أَفَلا تَعْقِلُونَ إذ تردون النصيحة ممن لا يطلب عليها أجرا الا من الله وهو ثواب الآخرة.
٥٢- وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ:
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ آمنوا به.
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ من عبادة غيره، لأن التوبة لا تصلح الا بعد الايمان.
مِدْراراً كثيرة الدر.
وَلا تَتَوَلَّوْا ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم اليه وأرغبكم فيه.
مُجْرِمِينَ مصرين على اجرامكم وآثامكم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]
قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥)
٥٣- قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ:
عَنْ قَوْلِكَ حال من الضمير فى بِتارِكِي آلِهَتِنا، كأنه قيل:
وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك.
وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم اليه إقناطا له من الاجابة.
٥٤- إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ:
اعْتَراكَ مفعول نَقُولُ، وإِلَّا لغو. والمعنى: ما نقول الا قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء.
بِسُوءٍ أي خبلك ومسك بجنون لسبك إياها وصدك عنها وعداوتك لها.
٥٥- مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ:
مِنْ دُونِهِ من اشراككم آلهة من دونه أو مما تشركونه من آلهة من دونه، أي أنتم تجعلونها شركاء له، ولم يجعلها هو شركاء، ولم ينزل بذلك سلطانا.
فَكِيدُونِي جَمِيعاً أنتم وآلهتكم.
ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ أعجل ما تفعلون، من غير انتظار، فانى لا أبالى بكم وبكيدكم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)
٥٦- إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي انه على طريق الحق والعدل فى ملكه، لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده معتصم به.
٥٧- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فان تتولوا.
وَيَسْتَخْلِفُ كلام مستأنف، يريد: ويهلككم الله ويجىء بقوم آخرين يخلفونكم فى دياركم وأموالكم.
وقرىء: (ويستخلف) بالجزم.
وَلا تَضُرُّونَهُ بتوليكم.
وقرىء: (ولا تضروه) عطفا على محل فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ.
شَيْئاً من ضرر قط.
عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي رقيب عليه مهيمن، فما تخفى عليه أعمالكم.
٥٨- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ:
بِرَحْمَةٍ مِنَّا بسبب الايمان الذي أنعمنا عليهم بالتوفيق له.
٥٩- وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ:
وَتِلْكَ عادٌ اشارة الى قبورهم وآثارهم.
وَعَصَوْا رُسُلَهُ لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله.
وَاتَّبَعُوا أطاعوا.
كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يريد رؤساءهم وكبراءهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢)
٦٠- وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ:
بُعْداً دعاء بالهلاك.
قَوْمِ هُودٍ عطف بيان لعاد.
٦١- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ:
هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ لم ينشئكم فيها الا هو.
وَاسْتَعْمَرَكُمْ وأمركم بالعمارة.
قَرِيبٌ دانى الرحمة سهل المطلب.
مُجِيبٌ لمن دعاه وسأله.
٦٢- قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ:
فِينا فيما بيننا.
مَرْجُوًّا كانت تلوح فيك مخايل الخير وأمارات الرشد فكنا نرجوك لننتفع بك، وتكون مشاورا فى الأمور ومسترشدا فى التدابير.
يَعْبُدُ آباؤُنا حكاية حال ماضية.
مُرِيبٍ يوقع فى الريبة، وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين.

[سورة هود (١١) : الآيات ٦٣ الى ٦٨]

قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨)
٦٣- قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ:
فَما تَزِيدُونَنِي إذن.
غَيْرَ تَخْسِيرٍ يعنى تخسرون أعمالى وتبطلونها.
٦٤- وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ:
آيَةً نصب على الحال قد عمل فيه ما دل عليه اسم الاشارة من معنى الفعل.
لَكُمْ حال متقدمة لقوله آيَةً لأنها لو تأخرت عنها لكانت صفة لها.
عَذابٌ قَرِيبٌ عاجل لا يستأخر.
٦٥- فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ:
تَمَتَّعُوا استمتعوا بالعيش.
فِي دارِكُمْ فى بلدكم.
غَيْرُ مَكْذُوبٍ غير مكذوب فيه.
٦٦- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ:
وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أي: ونجيناهم من خزى يومئذ.
٦٧- وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ:
الصَّيْحَةُ صيحة من السماء.
جاثِمِينَ ساقطين على وجوههم.
٦٨- كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ:
بُعْداً هلاكا.
[سورة هود (١١) : الآيات ٦٩ الى ٧٢]
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)
٦٩- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ:
رُسُلُنا أي الملائكة.
بِالْبُشْرى بالبشارة بالولد.
سَلاماً سلمنا عليك سلاما.
سَلامٌ أمركم سلام.
فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ فما لبث فى المجيء به، بل عجل فيه، أو فما لبث مجيئه.
حَنِيذٍ مشوى بالحجارة المحماة.
٧٠- فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ:
نَكِرَهُمْ استوحش منهم.
وَأَوْجَسَ أضمر.
٧١- وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ:
قائِمَةٌ على رؤوسهم تخدمهم.
فَضَحِكَتْ سرورا بزوال الخيفة، أو بهلال أهل الخبائث.
٧٢- قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ:
شَيْخاً نصب بما دل عليه اسم الاشارة.
عَجِيبٌ أن يولد ولد من هرمين، وهو استبعاد من حيث العادة التي أجراها الله تعالى.

[سورة هود (١١) : الآيات ٧٣ الى ٧٦]

قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)
٧٣- قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ:
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ أي ان هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة (ويخصكم بالانعام به) يا أهل بيت النبوة، فليست بمكان عجب.
حَمِيدٌ فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده.
مَجِيدٌ كريم كثير الإحسان إليهم.
٧٤- فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ:
الرَّوْعُ ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافه، أي انه لما اطمأن قلبه بعد الخوف، وملىء سرورا بسبب البشرى فرغ للمجادلة.
٧٥- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ:
لَحَلِيمٌ غير عجول على كل من أساء اليه.
أَوَّاهٌ كثير التأوه من الذنوب.
مُنِيبٌ تائب راجع الى الله بما يحب ويرضى.
٧٦- يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ:
يا إِبْراهِيمُ على ارادة القول، أي قالت له الملائكة:
أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال، وان كانت الرحمة ديدنك، فلا فائدة منه.
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وهذا قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن صواب وحكمة.
عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ والعذاب نازل بالقوم لا محالة، لا مرد له بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.

[سورة هود (١١) : الآيات ٧٧ الى ٨١]

وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)
٧٧- وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ:
سِيءَ بِهِمْ أي ساءه مجيئهم.
وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه.
يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد فى الشر.
٧٨- وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ:
يُهْرَعُونَ يسرعون.
وَمِنْ قَبْلُ أي ومن قبل مجىء الرسل.
كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي كانت عادتهم إتيان الرجال.
هؤُلاءِ بَناتِي ابتداء وخبر.
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ابتداء وخبر، أي أزوجكموهن.
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أي لا تهينونى ولا تذلونى.
أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
٧٩- قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ:
وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ اشارة الى الأضياف.
٨٠- قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ:
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أي أنصارا وأعوانا.
أَوْ آوِي أي ألجأ وأنصرف.
٨١- قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ:
لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بمكروه.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ أي سر من أول الليل.
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ بطائفة من الليل.
وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أي لا ينظر وراءه منكم أحد، أو لا يتخلف منكم أحد.
إِلَّا امْرَأَتَكَ بالنصب على الاستثناء.
إِنَّهُ مُصِيبُها من العذاب.
[سورة هود (١١) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥)
٨٢- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ:
مِنْ سِجِّيلٍ السجيل: الكثير الشديد.
مَنْضُودٍ متتابع.
٨٣- مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ:
مُسَوَّمَةً معلمة، نعت للحجارة.
بِبَعِيدٍ أي لم تكن تخطئهم.
٨٤- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ:
إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ بثروة واسعة تغنيكم عن التطفيف. أو أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون.
عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ مهلك.
٨٥- وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ:
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ لا تنقصوهم مما استحقوا شيئا.
وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ العثى فى الأرض، نحو السرقة والغارة وقطع السبيل.
[سورة هود (١١) : الآيات ٨٦ الى ٨٩]
بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩)
٨٦- بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ:
بَقِيَّتُ اللَّهِ ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بشرط أن تؤمنوا.
٨٧- قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاؤا إنك لأنت الحليم الرشيد:
أصلواتك للسخرية والهزء.
٨٨- قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ:
وَرَزَقَنِي مِنْهُ أي من لدنه.
رِزْقاً حَسَناً وهو ما رزقه من النبوة والحكمة.
مَا اسْتَطَعْتُ أي مدة استطاعتي للاصلاح.
وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وما كونى موفقا لاصابة الحق فيما آتى وأذر، ووقوعه موافقا لرضا الله الا بمعونته وتأييده.
٨٩- وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ:
لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ أي لا يكسبنكم شقاقى إصابة العذاب.
وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ يعنى أنهم أهلكوا فى عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم.

[سورة هود (١١) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)
٩٠- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ:
رَحِيمٌ وَدُودٌ عظيم الرحمة، فاعل بهم ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من الإحسان والإجمال.
٩١- قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ:
ما نَفْقَهُ ما نفهم.
كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ لأنهم كانوا لا يلقون اليه أذهانهم رغبة عنه وكراهية له.
فِينا ضَعِيفاً لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منا ان أردنا بك مكروها.
لَرَجَمْناكَ لقتلناك شر قتلة.
وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ أي لا تعز علينا ولا تكرم وانما يعز علينا رهطك، لأنهم من أهل ديننا.
٩٢- قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ:
أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ أي ان تهاونهم به تهاون بالله، فحين عز عليهم رهطه دونه، كان رهطه أعز عليهم من الله.
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا ونسيتموه وجعلتموه كالشىء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به.
والله بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ قد أحاط بأعمالكم علما، فلا يخفى عليه شىء منها.
٩٣- وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ:
اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي اعملوا قارين على جهتكم التي أنتم عليها من الشرك والشنآن لى، أو اعملوا متمكنين من عداوتى مصغين لها.
إِنِّي عامِلٌ على حسب ما يؤتينى الله من النصر أو التأييد ويمكننى.
مَنْ يَأْتِيهِ من استفهامية معلقة لفعل العلم عن عمله فيها كأنه قيل: أسوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب.
وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ يعنى فى زعمكم ودعواكم، تجهيلا لهم.
وَارْتَقِبُوا وانتظروا العاقبة وما أقول لكم.
إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ منتظر.
[سورة هود (١١) : الآيات ٩٤ الى ٩٨]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨)
٩٤- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ:
الصَّيْحَةُ صيحة السماء.
جاثِمِينَ هامدين.
٩٥- كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ:
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا كأن لم يقيموا فى ديارهم أحياء متصرفين مترددين.
أَلا بُعْداً ألا هلاكا. وقيل: بعدا لهم من الرحمة كما بعدت ثمود منها.
٩٦- وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ:
بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ أي آيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوته، أو أن المراد بالسلطان المبين: العصا، لأنها أبهرها.
٩٧- إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ:
وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره، وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، أي وما أمر فرعون بصالح حميد العاقبة.
٩٨- يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته.
فَأَوْرَدَهُمُ أي فيوردهم، لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به، أي يقدمهم فيوردهم النار لا محالة.
الْوِرْدُ المورود.
الْمَوْرُودُ الذي وردوه.
[سورة هود (١١) : آية ٩٩]
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)
٩٩- وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ:
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدنيا.
لَعْنَةً أي يلعنون فى الدنيا.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي ويلعنون فى الآخرة.
بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي بئس العطاء المعطى، أو بئس العون المعان، وهذا لأن اللعنة فى الدنيا رفد للعذاب، وقد رفدت بالعذاب فى الآخرة.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)
١٠٠- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ:
ذلِكَ مبتدأ.
مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ خبر بعد خبر، أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك.
مِنْها الضمير للقرى.
قائِمٌ باق.
وَحَصِيدٌ عافى الأثر.
١٠١- وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ:
وَما ظَلَمْناهُمْ باهلاكنا إياهم.
وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بارتكابهم ما به أهلكوا.
فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله.
الَّتِي يَدْعُونَ التي يعبدون.
لَمَّا منصوب بقوله فَما أَغْنَتْ.
أَمْرُ رَبِّكَ عذابه ونقمته.
تَتْبِيبٍ تخسير.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٥]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)
١٠٢- وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ:
وَكَذلِكَ محل الكاف الرفع، والتقدير: ومثل ذلك الأخذ أخذ ربك.
وَهِيَ ظالِمَةٌ حال من الْقُرى.
أَلِيمٌ شَدِيدٌ وجيع صعب على المأخوذ.
١٠٣- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ:
ذلِكَ اشارة الى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبهم.
لَآيَةً لِمَنْ خافَ لعبرة له.
النَّاسُ رفع باسم المفعول الذي هو مَجْمُوعٌ.
يَوْمٌ مَشْهُودٌ أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد.
والمشهود: الذي كثر مشاهدوه.
١٠٤- وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ:
إِلَّا لِأَجَلٍ الأجل، يطلق على مدة التأجيل كلها، وعلى منتهاها.
والعد انما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها، والمعنى: الا لانتهاء مدة معدودة، بحذف المضاف.
١٠٥- يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ:
يَوْمَ يَأْتِ حذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير فى لغة هذيل.
والفاعل الله عز وجل. ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم.
وانتصاب الظرف يَوْمَ بإضمار (اذكر) أو بقوله لا تَكَلَّمُ واما بالانتهاء المحذوف فى قوله إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أي ينتهى الأجل يوم يأتى.
فَمِنْهُمْ الضمير لأهل الموقف، ولم يذكروا لأن ذلك معلوم، ولأن قوله لا تَكَلَّمُ يدل عليه.
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ الشقي: الذي وجبت له النار لإساءته. والسعيد:
الذي وجبت له الجنة لإحسانه.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٩]
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)
١٠٦- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ:
زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ الزفير: إخراج النفس، والشهيق: رده.
١٠٧- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ:
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي سماوات الآخرة وأرضها، فهى دائمة مخلوقة للأبد. أو أن المراد التأبيد ونفى الانقطاع.
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء من الخلود فى عذاب النار، فمن أهل النار من يبقون فيها الى حين.
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب.
١٠٨- وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ:
إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فان من أهل الجنة من يرقى الى ما هو أجل موقعا، وهو رضوان الله.
غَيْرَ مَجْذُوذٍ غير مقطوع، ولكنه ممتد الى غير نهاية.
١٠٩- فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ:
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ فى شك مما أنزل عليك مما سيعرض لهم من سوء عاقبة عبادتهم.
ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ أي ان حالهم فى الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالين، وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزلن بهم مثله.
وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم.
غَيْرَ مَنْقُوصٍ حال.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٠ الى ١١٢]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)
١١٠- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ:
فَاخْتُلِفَ فِيهِ آمن به قوم وكفر به قوم.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ أي كلمة الإنظار الى يوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين قوم موسى.
١١١- وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ:
وَإِنَّ كُلًّا التنوين عوض من المضاف اليه، يعنى: وإن كلهم.
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ جواب قسم محذوف، واللام فى لَمَّا موطئة للقسم. وما، زائدة، والمعنى: وان جميعهم والله ليوفينهم.
رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ من حسن وقبيح، وايمان وجحود.
١١٢- فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق، غير عادل عنها.
وَلا تَطْغَوْا ولا تخرجوا عن حدود الله.
إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ عالم، فهو مجازيكم به، فاتقوه.

[سورة هود (١١) : الآيات ١١٣ الى ١١٦]

وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)
١١٣- وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ:
وَلا تَرْكَنُوا الركون، هو الميل اليسير.
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: الى الذين وجد فيهم الظلم.
وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ حال من قوله فَتَمَسَّكُمُ أي فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال.
والمعنى: وما لكم من دون الله من أنصار تقدرون على منعكم من عذابه، لا يقدر على منعكم منه غيره.
ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ثم لا ينصركم هو.
١١٤- وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ:
طَرَفَيِ النَّهارِ غدوة وعشية. وصلاة الغدوة الفجر. وصلاة العشية الظهر والعصر. وطرفى، منصوب على الظرف، لأنهما مضافان الى الوقت.
وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وساعات من الليل، وهى ساعاته القريبة من آخر النهار.
ذلِكَ اشارة الى قوله فَاسْتَقِمْ فما بعده.
ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ عظة للمتعظين.
١١٥- وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:
وَاصْبِرْ بيان لمكان الصبر ومحله.
فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ الذين أقاموا الصلوات وانتهوا عن الطغيان ولم يركنوا الى الظالمين وصبروا وفعلوا غير ذلك من الحسنات.
١١٦- فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ:
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ فهلا كان.
أُولُوا بَقِيَّةٍ أولوا فضل وخير. أي فلو كان منهم أولوا مراقبة وخشية من انتقام الله.
إِلَّا قَلِيلًا استثناء منقطع. والمعنى: ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهى.
مِمَّنْ أَنْجَيْنا من، للبيان لا للتبعيض، لأن النجاة انما هى للناهين وحدهم.
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي تاركوا النهى عن المنكرات.
ما أُتْرِفُوا فِيهِ أي ما غرقوا فيه من حب الرياسة والثروة، ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم.
وَكانُوا مُجْرِمِينَ مغمورين بالآثام.
[سورة هود (١١) : الآيات ١١٧ الى ١١٩]
وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
١١٧- وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ:
وَما كانَ وما صح واستقام.
لِيُهْلِكَ اللام لتأكيد النفي.
بِظُلْمٍ حال من الفاعل.
والمعنى: واستحال فى الحكمة أن يهلك الله القرى ظالما أهلها.
وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ وأهلها قوم مصلحون، تنزيها لذاته عن الظلم، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظلم.
١١٨- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ:
أُمَّةً واحِدَةً أي ملة واحدة، فهو لم يضطرهم الى ذلك ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا.
١١٩- إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ:
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ الا ناسا هداهم الله ولطف بهم.
وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ اشارة الى ما دل عليه الكلام الأول وتضمنه.
يعنى: ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف فى خلقهم.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وهى قوله للملائكة:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لعلمه بكثرة من يختار الباطل.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٢٠ الى ١٢٣]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
١٢٠- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ:
وَكُلًّا التنوين فيه عوض من المضاف اليه، كأنه قيل: وكل نبأ نقص عليك.
مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ بيان لقوله وَكُلًّا.
ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بدل من قوله وَكُلًّا.
ويجوز أن يكون المعنى: وكل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك. وما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ مفعول نَقُصُّ.
ومعنى نثبت الفؤاد: زيادة يقينه وما فيه طمأنينة قلبه، لأن كثرة الأدلة أثبت للقلب وأرسخ للعلم.
وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ أي فى هذه الأنباء المقتصة فيها ما هو حق.
١٢١- وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ:
عَلى مَكانَتِكُمْ على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها.
١٢٢- وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ:
إِنَّا مُنْتَظِرُونَ أن ينزل لكم نحو ما اقتص الله من النقم النازلة بأشباهكم.
١٢٣- وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ:
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيهما.
وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فلا بد أن يرجع اليه أمرهم وأمرك.
فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فانه كافيك وكافلك.
Icon