ﰡ
ومن آيات الله في الآفاق قوله تعالى :﴿ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا، فسقناه إلى بلد ميت، فأحيينا به الأرض بعد موتها، كذلك النشور( ٩ ) ﴾، أي : أن بعث الأموات يماثل إحياء الأرض الموات،
وقوله تعالى :﴿ ذلكم الله ربكم له الملك ﴾، أي : أن الله تعالى هو الذي بيده الملك والملكوت، وعنده خزائن السماوات والأرض، فهو الخالق والرازق والمدبر الذي يدبر الأمر، وما يتصرف فيه الإنسان - انطلاقا من نفسه التي بين جنبيه - إنما هو عارية مستردة على وجه الارتفاق والانتفاع، ولا يملك أحد- على وجه التحقيق - ملكية مطلقة، حتى القشرة الرقيقة البيضاء، التي تفصل بين التمرة والنواة، وهي ما يطلق عليه اسم ( القطمير )، ﴿ والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير( ١٣ ) ﴾.
بعدما دعا كتاب الله في الربع الماضي الناس كافة، البر منهم والفاجر، والمؤمن والكافر، إلى أن يتذكروا نعمة الله عليهم، ومدده الواصل دون انقطاع إليهم، إذ قال تعالى :﴿ يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم، هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ﴾، وبعدما أعلن للجميع أن الله تعالى هو وحده مالك الملك، لا يشاركه في ملكه أحد، إذ قال تعالى :﴿ ذلكم الله ربكم له الملك ﴾، عقب على ذلك في بداية هذا الربع بتقرير حقيقة كونية وبشرية لا مفر لكل إنسان من الاعتراف بها، ولو حاول أن يتجاهلها ويتغافل عنها، ألا وهي أن النوع الإنساني وإن بلغ ما بلغ من العتو والاستكبار، والادعاء العريض للسعة والغنى والتحكم في مجاري الأقدار، كان ولا يزال وسيظل يتعثر في أذيال الفقر والاحتياج باستمرار، وذلك قوله تعالى هنا يخاطب الناس جميعا، حتى يخففوا من غلوائهم، ويتراجعوا عن غرورهم وادعائهم :﴿ يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ﴾، فقراء إلى توجيهه وهدايته، فقراء إلى توفيقه ورعايته، فقراء إلى رزقه ورحمته، فقراء إلى عفوه ومغفرته، وأنتم من بين جميع الخلائق أشد الخلائق افتقارا إليه، واضطرارا إلى الاعتماد عليه، لتنوع حاجاتكم، وكثرة رغباتكم، وما أنتم عليه من إغراق في الخيال، وتعلق شديد بالأماني والآمال، وعناد وإلحاح ودلال، ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾( ٢٨ : ٤ )، فالفقر هو صفة الإنسان الطبيعية، وغناه الطارئ إنما هو مجرد عارية، والغنى الحقيقي والمطلق والدائم هو صفة الذات العلية ﴿ والله هو الغني ﴾، وكل ما تتقلبون فيه من النعم الظاهرة والباطنة إنما هو من صنع الله، وهبة مهداة إليكم من الله، وقوله تعالى :﴿ الحميد( ١٥ ) ﴾ بعد وصفه ( بالغني ) إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى وإن انفرد بوصف الغنى الحقيقي دون عباده الفقراء، فإنه لا يبخل عليهم بالإمداد المتواصل والعطاء، وإذن فليس في وصف الله لهم بالفقر أي تحقير أو ازدراء، وإنما هو نوع من الإثارة والتنبيه والإغراء، والذين يقدرون نعم الله عليهم حق قدرها، لابد أن يحمدوا المنعم بها ويؤدوا واجب شكرها، فهو( غني ) يسد فقرهم، ( حميد ) يستحق شكرهم، ﴿ وإن تشكروا يرضه لكم ﴾( ٧ : ٣٩ ).
ويكفي أن يتذكر الإنسان ما يصيبه من حيرة وذهول، عندما يفاجأ بما لم يكن في الحسبان، فتختل موازين حياته العادية، ويشعر بأنه قد نزلت بساحته أكبر داهية، وبذلك يظهر الفقر الطبيعي للإنسان، ويتجلى عجزه البالغ للعيان، ولا تعود حياته سيرتها الأولى إلا إذا حفته الألطاف الخفية، فمن الله عليه، وأمده من جديد بما يحتاج إليه، وصدق الله العظيم إذ قال في فاتحة هذه السورة :﴿ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم ﴾.
ذلك أن الله تعالى لم يستخلف الإنسان في الأرض ليفسد فيها ويسفك الدماء، ويمارس المنكر والفحشاء، وإنما استخلفه ليقيم فوق سطحها دولة الفضيلة والصلاح والعدل والإخاء، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يعاقب الإنسان بالسلب بعد العطاء، متى أخل برسالة الخلافة وأهملها، ولم يتعظ بعاقبة السوء التي أصابت كل من تنكر لها وعطلها، وصدق الله العظيم إذ قال ( ١٣٣ : ٦ ) :﴿ إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ﴾، وإذ قال ( ١٣٣ : ٤ :﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ﴾.
وليؤكد كتاب الله إمكان هذا التأديب الإلهي الصارم، قال تعالى :﴿ وما ذلك على الله بعزيز( ١٧ ) ﴾، أي : ليس ذلك على قدرة الله وحكمته بمتعذر ولا ممتنع، بل هو أمر واقع، ليس له من دافع، فكم من أجيال فاسدة لقيت مصرعها ودخلت في خبر كان، فحلت محلها أجيال صالحة، لأن كفتها أصبحت في كف القدر وميزان الحق راجحة.
على أن قوله تعالى هنا في سورة فاطر المكية :﴿ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز ﴾، إنما هو تأكيد جديد لنفي الإنذار الإلهي الذي سبق في سورة إبراهيم المكية أيضا، في مثل هذا السياق، وبنفس اللفظ والمعنى، حيث قال تعالى ( ٢٠ ) :﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد، ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد( ١٦ ) وما ذلك على الله بعزيز( ١٧ ) ﴾، وسيجدد كتاب الله التذكير بهذه الحقائق مرة أخرى في سورة ( محمد ) عند قوله تعالى ( ٣٨ ) :﴿ والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾.
ذلك أن الله تعالى لم يستخلف الإنسان في الأرض ليفسد فيها ويسفك الدماء، ويمارس المنكر والفحشاء، وإنما استخلفه ليقيم فوق سطحها دولة الفضيلة والصلاح والعدل والإخاء، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يعاقب الإنسان بالسلب بعد العطاء، متى أخل برسالة الخلافة وأهملها، ولم يتعظ بعاقبة السوء التي أصابت كل من تنكر لها وعطلها، وصدق الله العظيم إذ قال ( ١٣٣ : ٦ ) :﴿ إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ﴾، وإذ قال ( ١٣٣ : ٤ :﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ﴾.
وليؤكد كتاب الله إمكان هذا التأديب الإلهي الصارم، قال تعالى :﴿ وما ذلك على الله بعزيز( ١٧ ) ﴾، أي : ليس ذلك على قدرة الله وحكمته بمتعذر ولا ممتنع، بل هو أمر واقع، ليس له من دافع، فكم من أجيال فاسدة لقيت مصرعها ودخلت في خبر كان، فحلت محلها أجيال صالحة، لأن كفتها أصبحت في كف القدر وميزان الحق راجحة.
على أن قوله تعالى هنا في سورة فاطر المكية :﴿ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز ﴾، إنما هو تأكيد جديد لنفي الإنذار الإلهي الذي سبق في سورة إبراهيم المكية أيضا، في مثل هذا السياق، وبنفس اللفظ والمعنى، حيث قال تعالى ( ٢٠ ) :﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد، ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد( ١٦ ) وما ذلك على الله بعزيز( ١٧ ) ﴾، وسيجدد كتاب الله التذكير بهذه الحقائق مرة أخرى في سورة ( محمد ) عند قوله تعالى ( ٣٨ ) :﴿ والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾.
وهذا المبدأ، مبدأ المسؤولية الفردية، المتعلقة بكل شخص بمفرده، يوم الجزاء، وأمام القضاء، قرره كتاب الله وأكده في غير ما سورة وغير ما آية. وورد بنفس اللفظ والمعنى في سورة الأنعام :( ١٦٤ )، وسورة الإسراء :( ١٥ )، وسورة الزمر( ٧ )، وسورة النجم :( ٣٨ )، وهنا في سورة فاطر، حيث قال تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾، وهذه السورة كلها مكية، مما يدل على أن مبدأ مسؤولية كل فرد عن عمله الخاص، وعدم مؤاخذته بعمل غيره، ولا مؤاخذة الغير بعمله، يكون جزءا لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، وأصلا أساسيا من أصول التشريع الإسلامي، ومن بين الآيات التي قررت وأكدت هذا المبدأ العادل قوله تعالى ( ٢١ : ٥٢ ) :﴿ كل امرئ بما كسب رهين ﴾، وقوله تعالى ( ٣٩ : ٥٣ ) :﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزياه الجزاء الأوفى ﴾، وذلك على خلاف المعمول به في عرف الطغاة المستبدين، قديما وحديثا، من مؤاخذة الفرد بعمل غيره، وإن كان لا دخل له فيه من قريب ولا من بعيد.
وليوضح كتاب الله ثقل المسؤولية الشخصية، الملقاة على عاتق كل فرد، صور لنا الشخص وهو يمشي مثقلا بأوزاره، يلتمس من رفاقه في القافلة إعانته والتخفيف عنه، فلا يستجيب له أحد، ولو كان من أقرب الأقربين، لأن كل واحد منهم ينوء بحمله الخاص، ولسان حاله يقول :﴿ نفسي نفسي ﴾، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :﴿ وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء، ولو كان ذا قربى ﴾، على غرار قوله تعالى في آية أخرى( ٣٧ : ٨٠ ) ﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾.
وقوله تعالى خطابا لنبيه :﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة ﴾، إشارة إلى أن الموعظة الحسنة إنما تحدث أثرها، وتؤتي أكلها على الوجه الأكمل، عندما يكون المستمع إليها والمنتفع بها ممن يؤمن بالله، ويؤدي حقوق الله، ومن فعل ذلك وأقبل على ممارسة العمل الصالح عادت بركته عليه، وانجر نفعه إليه، فعاش عيشة طيبة طاهر القلب، طاهر العرض، زكي النفس :﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ﴾، أما الله تعالى فهو غني عن عباده غنى مطلقا، بحيث لا تنفعه طاعتهم، ولا تضره معصيتهم، ﴿ وإلى الله المصير( ١٨ ) ﴾، أي : إليه سبحانه مرجع الخلق أجمعين، العصاة منهم والطائعين، ﴿ ولا يظلم ربك أحدا ﴾( ٤٩ : ١٨ ).
ثم قال تعالى مكتفيا من رسوله الأمين بما قام به من تبليغ وإنذار، في حق من أصر على كفره بالغ الإصرار :﴿ إن الله يسمع من يشاء، وما أنت بمسمع من في القبور( ٢٢ ) إن أنت إلا نذير( ٢٣ ) ﴾.
ثم قال تعالى مكتفيا من رسوله الأمين بما قام به من تبليغ وإنذار، في حق من أصر على كفره بالغ الإصرار :﴿ إن الله يسمع من يشاء، وما أنت بمسمع من في القبور( ٢٢ ) إن أنت إلا نذير( ٢٣ ) ﴾.
وقد أبرز كتاب الله في هذه الآيات بالخصوص ظاهرة اختلاف الألوان، في الحيوان والإنسان، والجماد والنبات :
فبالنسبة لألوان النبات نجد قوله تعالى :﴿ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ﴾.
وبالنسبة لألوان الجماد نجد قوله تعالى :﴿ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ﴾.
وبالنسبة لألوان الإنسان والحيوان نجد قوله تعالى :﴿ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ﴾.
وسبق في سورة ( الروم ) قوله تعالى( ٢١ ) :﴿ ومن -آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين ﴾.
وواضح أن من استعرض في صعيد واحد نماذج من جميع أصناف الإنسان والحيوان، المنتشرة في أطراف العالم، أو استعرض نماذج من جميع أنواع النبات وأصناف الثمرات، التي تزخر بها الطبيعة، ولاحظ ما بينها من تفاوت في الألوان والسمات، وتفاوت في نفس اللون الواحد الذي تختلف فيه الدرجات، لرأى العجب العجاب، مما تحار فيه الألباب، وكذلك الأمر عندما يستعرض الإنسان أنواع الأحجار والصخور والجبال، وما هي عليه من ألوان تبهر الخيال، وتمثل الجمال والجلال، فيرى إلى أي حد تتصرف قدرة الله الكبير المتعال.
ولفظ ( الجدد ) في قوله تعالى هنا :﴿ ومن الجبال جدد ﴾، جمع ( جدة )، وتطلق على الجزء من الشيء الواحد، إذا كان لونه يخالف لون الباقي، وواضح أن شعاب الجبال وثناياها يختلف لون بعضها عن بعض، فتزداد تنوعا وتألقا، يقال :( طريق مجدود ) أي طريق مسلوك، و( الجادة ) وسط الطريق.
ولفظ ( الغرابيب ) في قوله تعالى هنا :﴿ غرابيب سود ﴾، جمع ( غربيب )، أي شديد السواد، تشبيها بلون الغراب الأسود.
ولفظ ﴿ العلماء ﴾، في قوله تعالى :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، لا يقتصر على أهل الفقه والأثر، الذين ورثوا ( العلم النبوي الشريف ) فكانوا أمناء على تبليغه ونشره، بل يشملهم ويشمل كل من نال حظا من العلم- ولاسيما العلم بأسرار الكون وحقائق الطبيعة - فسخره لخير الإنسان، وجعله معراجا للدخول في حظيرة الإيمان، والتحق بركب الصالحين من ( عباد الرحمان )، والمراد( بالخشية )هنا تلك الحالة النفسية والروحية التي تهز كيان المؤمن، فتجعله يقبل على الله من كل قلبه، ويتهيب الإقدام على معصية ربه، ولا ينبغي أن يفهم من قوله تعالى :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، أن الخشية لا تكون إلا من عالم منتصب لنشر العلم، إذ كثير من المؤمنين، غير العلماء المنتصبين، يخشون الله، لأن عندهم حظا من العلم بالله، وإنما المراد أن الخشية على وجهها الصحيح الكامل لا يتصف بها إلا العالم الكامل، قال ابن كثير :( كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ) وقال القشيري :( من فقد العلم بالله فلا خشية له من الله )، وقال الربيع بن أنس :( من لم يخش الله تعالى فليس بعالم ).
وقوله تعالى تعقيبا على ذلك :﴿ إن الله عزيز غفور( ٢٨ ) ﴾، إشارة إلى أنه بوصفه ( عزيزا )، سيعامل المسيء بمقتضى ( العزة )، وبوصفه( غفورا ) سيعامل المحسن بمقتضى( المغفرة ).
وقد أبرز كتاب الله في هذه الآيات بالخصوص ظاهرة اختلاف الألوان، في الحيوان والإنسان، والجماد والنبات :
فبالنسبة لألوان النبات نجد قوله تعالى :﴿ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ﴾.
وبالنسبة لألوان الجماد نجد قوله تعالى :﴿ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ﴾.
وبالنسبة لألوان الإنسان والحيوان نجد قوله تعالى :﴿ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ﴾.
وسبق في سورة ( الروم ) قوله تعالى( ٢١ ) :﴿ ومن -آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين ﴾.
وواضح أن من استعرض في صعيد واحد نماذج من جميع أصناف الإنسان والحيوان، المنتشرة في أطراف العالم، أو استعرض نماذج من جميع أنواع النبات وأصناف الثمرات، التي تزخر بها الطبيعة، ولاحظ ما بينها من تفاوت في الألوان والسمات، وتفاوت في نفس اللون الواحد الذي تختلف فيه الدرجات، لرأى العجب العجاب، مما تحار فيه الألباب، وكذلك الأمر عندما يستعرض الإنسان أنواع الأحجار والصخور والجبال، وما هي عليه من ألوان تبهر الخيال، وتمثل الجمال والجلال، فيرى إلى أي حد تتصرف قدرة الله الكبير المتعال.
ولفظ ( الجدد ) في قوله تعالى هنا :﴿ ومن الجبال جدد ﴾، جمع ( جدة )، وتطلق على الجزء من الشيء الواحد، إذا كان لونه يخالف لون الباقي، وواضح أن شعاب الجبال وثناياها يختلف لون بعضها عن بعض، فتزداد تنوعا وتألقا، يقال :( طريق مجدود ) أي طريق مسلوك، و( الجادة ) وسط الطريق.
ولفظ ( الغرابيب ) في قوله تعالى هنا :﴿ غرابيب سود ﴾، جمع ( غربيب )، أي شديد السواد، تشبيها بلون الغراب الأسود.
ولفظ ﴿ العلماء ﴾، في قوله تعالى :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، لا يقتصر على أهل الفقه والأثر، الذين ورثوا ( العلم النبوي الشريف ) فكانوا أمناء على تبليغه ونشره، بل يشملهم ويشمل كل من نال حظا من العلم- ولاسيما العلم بأسرار الكون وحقائق الطبيعة - فسخره لخير الإنسان، وجعله معراجا للدخول في حظيرة الإيمان، والتحق بركب الصالحين من ( عباد الرحمان )، والمراد( بالخشية )هنا تلك الحالة النفسية والروحية التي تهز كيان المؤمن، فتجعله يقبل على الله من كل قلبه، ويتهيب الإقدام على معصية ربه، ولا ينبغي أن يفهم من قوله تعالى :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، أن الخشية لا تكون إلا من عالم منتصب لنشر العلم، إذ كثير من المؤمنين، غير العلماء المنتصبين، يخشون الله، لأن عندهم حظا من العلم بالله، وإنما المراد أن الخشية على وجهها الصحيح الكامل لا يتصف بها إلا العالم الكامل، قال ابن كثير :( كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ) وقال القشيري :( من فقد العلم بالله فلا خشية له من الله )، وقال الربيع بن أنس :( من لم يخش الله تعالى فليس بعالم ).
وقوله تعالى تعقيبا على ذلك :﴿ إن الله عزيز غفور( ٢٨ ) ﴾، إشارة إلى أنه بوصفه ( عزيزا )، سيعامل المسيء بمقتضى ( العزة )، وبوصفه( غفورا ) سيعامل المحسن بمقتضى( المغفرة ).
لا يخفى على كل مؤمن أن الذكر الحكيم هو حجر الزاوية في بناء صرح الإسلام، والحصن الحصين الذي يحمي الأمة الإسلامية من
كوارث الدهر وتقلبات الأيام، ولذلك يتجه أعداء الإسلام في كل حين إلى الطعن في مبانيه، والتشكيك في معانيه، وهم يرددون في كل عصر ما قاله الكافرون الأولون ( ٢٦ : ٤١ ) :﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾، من أجل ذلك نجد كتاب الله يرفع في كل مناسبة علم الحق والحقيقة، مؤكدا أن الذكر الحكيم كتاب وحي إلهي كريم، يحق الحق ويبطل الباطل، ويكشف ما هو زيف وزور عند الأواخر والأوائل، فما وافقه في القديم والحديث فهو حق وصدق، وما خالفه فهو باطل وزور، وذلك قوله تعالى في بداية هذا الثمن :﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ﴾، وبمثل هذا المعنى سبق قوله تعالى في سورة البقرة( ٩٧ ) :﴿ فإنه نزله على قلبك، بإذن الله، مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ﴾، وقوله تعالى في سورة آل عمران ( ٣ ) :﴿ نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ﴾ الآية، وقوله في سورة المائدة( ٤٨ ) :﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ﴾. الآية.
وقوله تعالى :﴿ إن الله بعباده لخبير بصير( ٣١ ) ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى ( الخبير ) ببواطن عباده و( البصير ) بظواهرهم، لا يمكن أن ينزل لهدايتهم إلا كتابا كله حق وصدق، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾( ٤٢ : ٤١ )، متى اتبعوه كانوا من الفائزين، وصدق الله العظيم إذ قال :( ١٤ : ٦٧ )، ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ﴾.
ثم تولى كتاب الله تصنيف المؤمنين من عباده، حسب سلوكهم الخاص والعام، وحسب الدرجة التي يحتلونها في سلم الاستقامة والانحراف، فقال تعالى :﴿ فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ﴾، فالظالم لنفسه من لم يشكر نعمة الله عليه ووضعها في غير موضعها، فغلبته زلاته، وتتابعت سقطاته، والمقتصد من مال إلى القصد والاعتدال، وحاول أن يعطي للدنيا حقها وللآخرة حقها، والسابق بالخيرات من حاز قصب السبق في الحسنات والمبرات، ونال رفيع الدرجات، وبذلك يكون ( المقتصد ) واسطة بين طرفين : طرف ( الظالم لنفسه ) من جهة، وطرف ( السابق بالخيرات ) من جهة أخرى، وسبق في سورة آل عمران قوله تعالى ( ٦٦ ) :﴿ منهم أمة مقتصدة، وكثير منهم فاسقون ﴾. وسبق في سورة لقمان قوله تعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه( ١٩ ) :﴿ واقصد في مشيك ﴾، من ( القصد ) بمعنى التوسط، على أن الشأن في المؤمن، إذا تورط في ظلم نفسه بارتكاب السيئات وتناول الموبقات، أن لا يصر عليها، وأن يتوب إلى الله منها، اعتمادا على الوعد الحق الذي وعد الله به المذنبين التائبين، إذ قال تعالى ( ٢٥ : ٤٢ ) :﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ﴾.
وقوله تعالى :﴿ بإذن الله ﴾، بعد قوله :﴿ سابق بالخيرات ﴾ تنبيه إلى أنه لا يرتفع إلى درجة السابقين المتقين، إلا من أعانه الله وشمله برعايته، فكان من الموفقين، وهذا المعنى هو الذي عبرت عنه بكل صراحة الآية الكريمة التي سبقت في سورة النور( ٢١ ) :﴿ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ﴾.
ثم قال تعالى :﴿ ذلك هو الفضل الكبير( ٣٢ ) ﴾، إشارة إلى نعمة ( توريث القرآن العظيم لهذه الأمة، واصطفائها لأداء أسمى مهمة، وإما إلى نعمة السبق بالخيرات، ورفع الدرجات، وإما إلى نعمة التوفيق الحاصل بإذن الله، لمن وفقه الله، ولا مانع من أن تكون إشارة شاملة لهذه المعاني مجتمعة، إذ لا تناقض بينها، فكلها فضل كبير من الله، وعلى رأسها جميعا كتاب الله.
وقوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور ﴾، الآية، يشعر بأن الجنة ليست دار تكليف وابتلاء، وإنما هي دار نعيم مقيم وسعادة وهناء، ولذلك تكون أيدي المنعم عليهم محلاة بالأساور، المرصعة باللآلئ والجواهر، ويزيد هذا المعنى توضيحا قوله تعالى على لسانهم في نفس السياق :﴿ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾، أي : لا يصيبهم فيها تعب، ولا يلحقهم فيها إعياء، لأنهم معفون في الآخرة من جميع التكاليف والأعباء.
وكما ورد هنا قوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ﴾ سبق في الآية الثالثة والعشرين من سورة الحج نفس النص ونفس النظير، وسيأتي في سورة الإنسان قوله تعالى ( ٢١ ) :﴿ وحلوا أساور من فضة ﴾، إشارة إلى أن حلية المنعم عليهم كما تكون من ذهب تكون من فضة، حسب مقاماتهم ودرجاتهم في الجنة، ولله الفضل والمنة.
وقوله تعالى :﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾، تعبير عما أخذوا يحسون به من سكينة وطمأنينة، ورضا واستبشار، عند حلولهم بجنات عدن، فقد فارقتهم الأحزان كلها، ولا سيما الحزن الأكبر الناشئ عن خوف العاقبة، ومن أجل ذلك هاهم يحمدون الله ويسبحون بحمده، ولفظ ( الحزن )، الوارد في هذه الآية بفتح الحاء والزاي هو لغة في ( الحزن ) بضم الحاء وسكون الزاي.
وقوله تعالى حكاية عنهم :﴿ إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، تعبير عما هم عليه من أدب مع الله، وإعلان ( للاعتراف بفضله سبحانه، إذ هو الغفور الذي يغفر السيئات ولو كثرت، وهو الشكور الذي يثيب على الحسنات ولو قلت، وفيه كذلك تنبيه إلى أن الدنيا إنما هي دار مرور وعبور، وأن الآخرة هي دار القرار، لأنها دار الإقامة الدائمة والاستقرار. قال فخر الدين الرازي تعليقا على هذه الآيات الكريمة :( كما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى، حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة، وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة، فقالوا :﴿ الحمد لله ﴾، وقالوا :﴿ إن ربنا لغفور ﴾، اعترافا بتقصيرهم، وقالوا﴿ شكور ﴾، إقرارا بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم، وقالوا :﴿ أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، أي : لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله ).
وقوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور ﴾، الآية، يشعر بأن الجنة ليست دار تكليف وابتلاء، وإنما هي دار نعيم مقيم وسعادة وهناء، ولذلك تكون أيدي المنعم عليهم محلاة بالأساور، المرصعة باللآلئ والجواهر، ويزيد هذا المعنى توضيحا قوله تعالى على لسانهم في نفس السياق :﴿ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾، أي : لا يصيبهم فيها تعب، ولا يلحقهم فيها إعياء، لأنهم معفون في الآخرة من جميع التكاليف والأعباء.
وكما ورد هنا قوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ﴾ سبق في الآية الثالثة والعشرين من سورة الحج نفس النص ونفس النظير، وسيأتي في سورة الإنسان قوله تعالى ( ٢١ ) :﴿ وحلوا أساور من فضة ﴾، إشارة إلى أن حلية المنعم عليهم كما تكون من ذهب تكون من فضة، حسب مقاماتهم ودرجاتهم في الجنة، ولله الفضل والمنة.
وقوله تعالى :﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾، تعبير عما أخذوا يحسون به من سكينة وطمأنينة، ورضا واستبشار، عند حلولهم بجنات عدن، فقد فارقتهم الأحزان كلها، ولا سيما الحزن الأكبر الناشئ عن خوف العاقبة، ومن أجل ذلك هاهم يحمدون الله ويسبحون بحمده، ولفظ ( الحزن )، الوارد في هذه الآية بفتح الحاء والزاي هو لغة في ( الحزن ) بضم الحاء وسكون الزاي.
وقوله تعالى حكاية عنهم :﴿ إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، تعبير عما هم عليه من أدب مع الله، وإعلان ( للاعتراف بفضله سبحانه، إذ هو الغفور الذي يغفر السيئات ولو كثرت، وهو الشكور الذي يثيب على الحسنات ولو قلت، وفيه كذلك تنبيه إلى أن الدنيا إنما هي دار مرور وعبور، وأن الآخرة هي دار القرار، لأنها دار الإقامة الدائمة والاستقرار. قال فخر الدين الرازي تعليقا على هذه الآيات الكريمة :( كما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى، حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة، وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة، فقالوا :﴿ الحمد لله ﴾، وقالوا :﴿ إن ربنا لغفور ﴾، اعترافا بتقصيرهم، وقالوا﴿ شكور ﴾، إقرارا بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم، وقالوا :﴿ أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، أي : لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله ).
وقوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور ﴾، الآية، يشعر بأن الجنة ليست دار تكليف وابتلاء، وإنما هي دار نعيم مقيم وسعادة وهناء، ولذلك تكون أيدي المنعم عليهم محلاة بالأساور، المرصعة باللآلئ والجواهر، ويزيد هذا المعنى توضيحا قوله تعالى على لسانهم في نفس السياق :﴿ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ﴾، أي : لا يصيبهم فيها تعب، ولا يلحقهم فيها إعياء، لأنهم معفون في الآخرة من جميع التكاليف والأعباء.
وكما ورد هنا قوله تعالى :﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ﴾ سبق في الآية الثالثة والعشرين من سورة الحج نفس النص ونفس النظير، وسيأتي في سورة الإنسان قوله تعالى ( ٢١ ) :﴿ وحلوا أساور من فضة ﴾، إشارة إلى أن حلية المنعم عليهم كما تكون من ذهب تكون من فضة، حسب مقاماتهم ودرجاتهم في الجنة، ولله الفضل والمنة.
وقوله تعالى :﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾، تعبير عما أخذوا يحسون به من سكينة وطمأنينة، ورضا واستبشار، عند حلولهم بجنات عدن، فقد فارقتهم الأحزان كلها، ولا سيما الحزن الأكبر الناشئ عن خوف العاقبة، ومن أجل ذلك هاهم يحمدون الله ويسبحون بحمده، ولفظ ( الحزن )، الوارد في هذه الآية بفتح الحاء والزاي هو لغة في ( الحزن ) بضم الحاء وسكون الزاي.
وقوله تعالى حكاية عنهم :﴿ إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، تعبير عما هم عليه من أدب مع الله، وإعلان ( للاعتراف بفضله سبحانه، إذ هو الغفور الذي يغفر السيئات ولو كثرت، وهو الشكور الذي يثيب على الحسنات ولو قلت، وفيه كذلك تنبيه إلى أن الدنيا إنما هي دار مرور وعبور، وأن الآخرة هي دار القرار، لأنها دار الإقامة الدائمة والاستقرار. قال فخر الدين الرازي تعليقا على هذه الآيات الكريمة :( كما هدى الله المؤمن في الدنيا هداه في العقبى، حتى دعاه بأقرب دعاء إلى الإجابة، وأثنى عليه بأطيب ثناء عند الإنابة، فقالوا :﴿ الحمد لله ﴾، وقالوا :﴿ إن ربنا لغفور ﴾، اعترافا بتقصيرهم، وقالوا﴿ شكور ﴾، إقرارا بوصول ما لم يخطر ببالهم إليهم، وقالوا :﴿ أحلنا دار المقامة من فضله ﴾، أي : لا عمل لنا بالنسبة إلى نعم الله ).
وقوله تعالى في وصفهم :﴿ يصطرخون فيها ﴾، مأخوذ من ( الصراخ ) الذي هو الصياح بجهد وشدة، ويلاحظ فيما حكاه كتاب الله عنهم في هذا السياق :﴿ أخرجنا نعمل ﴾، ما هم مطبوعون عليه من الأسلوب الجاف، والكلام النازل إلى حد الأسفاف، لكونه خاليا من كل أدب مع الله، والغريب في الأمر هو إصرارهم على ذلك حتى في الوقت الذي هم فيه أحوج ما يكون إلى فضل الله ورحمته، وهم بين يديه لا يستطيعون الإفلات من قبضته، فكان الرد عليهم أنسب ما يكون لطلبهم، إذ قال تعالى تأنيبا لهم :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى قد أمهلهم ولم يعجل موتهم، عسى أن يتداركوا ما فاتهم، لكنهم استمروا على ما اعتادوه من التمرد والعصيان، ولم يفكروا لحظة واحدة في الانتقال من الكفر إلى الإيمان، لا عن طريق التأمل والتذكر والاعتبار، ولا عن طريق ما جاءتهم به الرسل من التبشير والإنذار، وحيث أنهم وضعوا نعمة الله في غير موضعها، وأتوا بالمعذرة في غير وقتها، قيل لهم، جزاء كفرهم وكبرهم :﴿ فذوقوا فما للظالمين من نصير( ٣٧ ) ﴾.
وتعليقا على قوله تعالى هنا :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ﴾، قال جار الله الزمخشري :﴿ إنه يتناول كل عمر يتمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر، إلا أن التوبيخ في العمر المتطاول أعظم ﴾ ونقل ابن كثير عن ابن عباس : أن العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في هذه الآية هو ستون سنة، وهذا موافق للحديث الذي رواه البخاري في ( كتاب الرقاق ) من صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة ) ومعنى ( أعذر إليه ) أي بلغ به أقصى العذر.
وقوله تعالى في وصفهم :﴿ يصطرخون فيها ﴾، مأخوذ من ( الصراخ ) الذي هو الصياح بجهد وشدة، ويلاحظ فيما حكاه كتاب الله عنهم في هذا السياق :﴿ أخرجنا نعمل ﴾، ما هم مطبوعون عليه من الأسلوب الجاف، والكلام النازل إلى حد الأسفاف، لكونه خاليا من كل أدب مع الله، والغريب في الأمر هو إصرارهم على ذلك حتى في الوقت الذي هم فيه أحوج ما يكون إلى فضل الله ورحمته، وهم بين يديه لا يستطيعون الإفلات من قبضته، فكان الرد عليهم أنسب ما يكون لطلبهم، إذ قال تعالى تأنيبا لهم :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ﴾، إشارة إلى أن الله تعالى قد أمهلهم ولم يعجل موتهم، عسى أن يتداركوا ما فاتهم، لكنهم استمروا على ما اعتادوه من التمرد والعصيان، ولم يفكروا لحظة واحدة في الانتقال من الكفر إلى الإيمان، لا عن طريق التأمل والتذكر والاعتبار، ولا عن طريق ما جاءتهم به الرسل من التبشير والإنذار، وحيث أنهم وضعوا نعمة الله في غير موضعها، وأتوا بالمعذرة في غير وقتها، قيل لهم، جزاء كفرهم وكبرهم :﴿ فذوقوا فما للظالمين من نصير( ٣٧ ) ﴾.
وتعليقا على قوله تعالى هنا :﴿ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ﴾، قال جار الله الزمخشري :﴿ إنه يتناول كل عمر يتمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر، إلا أن التوبيخ في العمر المتطاول أعظم ﴾ ونقل ابن كثير عن ابن عباس : أن العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم في هذه الآية هو ستون سنة، وهذا موافق للحديث الذي رواه البخاري في ( كتاب الرقاق ) من صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أعذر الله عز وجل إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة ) ومعنى ( أعذر إليه ) أي بلغ به أقصى العذر.
في بداية هذا الربع خص كتاب الله بالذكر ظاهرة كونية كبرى تحار فيها العقول والأفهام، ألا وهي ظاهرة تماسك الكائنات وتجاذبها بعضها مع بعض في السماء والأرض، دون أن تكون مرتكزة على أي شيء، أو معلقة بأي شيء، وذلك بالنسبة لجميع الكواكب والشموس والأجرام، السابحة في أفلاكها في الفضاء، بنظام وانتظام، على مر الليالي والأيام، والقرون والأعوام، مما لا يحيط به علما وعدا، ولا يقوم به صيانة وحفظا، إلا خالقه بديع السماوات والأرض، وذلك ما ينطق به قوله تعالى في إيجاز وإعجاز :
﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾، قال الفراء :( أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد ) فبالقوة الماسكة التي أودعها الله في السماوات والأرض حماهما من التصدع والانهيار، وأنعم على الإنسان بنعمة الطمأنينة والاستقرار، وذلك بالرغم مما يقترفه من الذنوب والأوزار :﴿ إنه كان حليما غفورا( ٤١ ) ﴾.
وسبق في التنبيه إلى هذه الظاهرة الكبرى قوله تعالى في سورة الرعد( ٢ ) :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ﴾، وقوله تعالى في سورة لقمان( ١٠ ) :﴿ خلق السماوات بغير عمد ترونها ﴾، قال القشيري :( أمسكهما بقدرته، وأتقنهما بحكمته، ورتبهما بمشيئته، وخلق أهلهما على موجب قضيته، فلا شبيه في إبقائهما وإفنائهما يساهمه، ولا شريك في وجودهما ونظامهما يقاسمه )، وسبق في سورة الحج قوله تعالى ( ٦٣ ) :﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾.
وأعاد كتاب الله تقرير حقيقة كونية اجتماعية ثابتة، ألا وهي أن لله في خلقه سننا منتظمة ومحكمة، ترتبط فيها الأسباب والمسببات، والعلل والمعلولات، ارتباطا وثيقا، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلا ﴾، على غرار قوله تعالى في سورة الأحزاب ( ٦٢ ) :﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾، وقوله تعالى هنا :﴿ ولن تجد لسنة الله تحويلا( ٤٣ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في سورة الإسراء( ٧٧ ) :﴿ ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾.
و( التبديل ) المرفوض هنا بالنسبة لأئمة الكفر هو تبديل العذاب بغيره، فالعذاب قائم بهم، وثابت لهم، و( التحويل ) المرفوض بالنسبة لهم هو تحويل العذاب عنهم إلى غيرهم، فالعذاب واقع على من استحقه، لا يتجاوزه إلى غيره أبدا، ونبه القرطبي إلى أن كلمة ( سنة ) في هذا السياق تضاف أحيانا إلى الله، وأحيانا إلى غيره، لتعلق الأمر بالجانبين، مثلها في ذلك مثل كلمة ( الأجل )، تضاف إلى الله كما في قوله تعالى ( ٥ : ٢٩ ) ﴿ فإن أجل الله لآت ﴾، وتضاف إلى غيره كما في قوله تعالى ( ٣٤ : ٧ ) :﴿ فإذا جاء أجلهم ﴾.
وأعاد كتاب الله تقرير حقيقة كونية اجتماعية ثابتة، ألا وهي أن لله في خلقه سننا منتظمة ومحكمة، ترتبط فيها الأسباب والمسببات، والعلل والمعلولات، ارتباطا وثيقا، وذلك قوله تعالى هنا :﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلا ﴾، على غرار قوله تعالى في سورة الأحزاب ( ٦٢ ) :﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾، وقوله تعالى هنا :﴿ ولن تجد لسنة الله تحويلا( ٤٣ ) ﴾، على غرار قوله تعالى في سورة الإسراء( ٧٧ ) :﴿ ولا تجد لسنتنا تحويلا ﴾.
و( التبديل ) المرفوض هنا بالنسبة لأئمة الكفر هو تبديل العذاب بغيره، فالعذاب قائم بهم، وثابت لهم، و( التحويل ) المرفوض بالنسبة لهم هو تحويل العذاب عنهم إلى غيرهم، فالعذاب واقع على من استحقه، لا يتجاوزه إلى غيره أبدا، ونبه القرطبي إلى أن كلمة ( سنة ) في هذا السياق تضاف أحيانا إلى الله، وأحيانا إلى غيره، لتعلق الأمر بالجانبين، مثلها في ذلك مثل كلمة ( الأجل )، تضاف إلى الله كما في قوله تعالى ( ٥ : ٢٩ ) ﴿ فإن أجل الله لآت ﴾، وتضاف إلى غيره كما في قوله تعالى ( ٣٤ : ٧ ) :﴿ فإذا جاء أجلهم ﴾.
وللتخفيف من غلواء البشر المتبجحين بقوتهم، ومواجهة تحديهم، قال تعالى :﴿ وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض، إنه كان عليما قديرا( ٤٤ ) ﴾، ﴿ عليما ﴾، بمبلغ قوتهم المحدودة، ﴿ قديرا ﴾، على أخذهم وتأديبهم في ثوان معدودة، وصدق الله العظيم إذ قال في كتابه في سورة فصلت ( ١٥ ) :﴿ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ﴾، وفي سورة البقرة ( ١٦٥ ) :﴿ ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ﴾، قال الرازي :( لو أن قائلا قال : هب أن الأولين كانوا أشد قوة وأطول أعمارا، لكنا نستخرج بذكائنا ما يزيد على قواهم، ونستعين بأمور أرضية لها خواص، أو كواكب سماوية لها آثار، لقال تعالى أي جوابا على هذا الإشكال :﴿ وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض، إنه كان عليما قديرا( ٤٤ ) ﴾.