ﰡ
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا | كما أن الغنى أبدا وصف له ذاتي |
ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب سبحانه غير القولين اللذين تذكرهما الفلاسفة والمتكلمون.
فإن الفلاسفة قالوا : علة الحاجة الإمكان. والمتكلمون قالوا : علة الحاجة الحدوث. والصواب : أن الإمكان والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار وفقر العالم إلى الله سبحانه أمر ذاتي لا يعلل فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته ثم يستدل بإمكانه وحدوثه وغير ذلك من الأدلة على هذا الفقر.
والمقصود : أنه سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه سبحانه كما أخبر عن ذاته المقدسة، وحقيقته أنه غني حميد.
فالفقر المطلق من كل وجه ثابت لذواتهم وحقائقهم من حيث هي. والغنى المطلق من كل وجه ثابت لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي فيستحيل أن يكون العبد إلا فقيرا. ويستحيل أن يكون الرب سبحانه إلا غنيا، كما أنه يستحيل أن يكون العبد إلا عبدا والرب إلا ربا.