تفسير سورة سورة فاطر من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
سورة الملائكة مكية وهي أربعون وست آيات
ﰡ
﴿الحمد لله فاطر السماوات والأرض﴾ خالقهما على ابتداء ﴿جاعل الملائكة رسلاً أولي﴾ أصحاب ﴿أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ في خلق الملائكة وأجنحتها ﴿ما يشاء﴾
﴿ما يفتح الله للناس من رحمة﴾ رزقٍ ومطرٍ فلا يقدر أحدٌ أن يمسكه والذي يمسك لا يرسله أحد
﴿يا أيها الناس﴾ خطاب أهل مكَّة ﴿اذكروا نعمة الله عليكم﴾ بالرِّزق والمطر وسائر ذلك ﴿هل من خالق غير الله﴾ هل يخلق أحدٌ سواه ثُمَّ ﴿يرزقكم من السماء﴾ المطر ﴿و﴾ من ﴿الأرض﴾ النَّبات ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تؤفكون﴾ من أين يقع لكم الإِفك والكذب بتوحيد الله؟ ! ثمَّ عزَّى نبيَّه عليه السَّلام بقوله:
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وإلى الله ترجع الأمور﴾
﴿يا أيها النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير﴾
﴿أفمن زين له سوء عمله﴾ بإضلال الله تعالى إيَّاه فرأى قبيح ما يعمله حَسَنًا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ لا تغتمَّ لكفرهم ولا تتحسَّر على تركهم الإيمان
﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾
﴿مَنْ كان يريد العزة﴾ أَيْ: عِلْمَ العزَّةِ لمَنْ هي ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ إليه يصل الكلام الذي هو توحيده وهو قول لا إله إلا الله ﴿والعمل الصالح﴾ يرفع ذلك الكلم الطَّيَّب والكلم الطَّيَّب: ذكر الله تعالى والعمل الصَّالح: أداء فرائضه فمن كان حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل ومعنى الرَّفع رفعه إلى محل القبول ﴿والذين يمكرون السيئات﴾ يعني: الذين مكروا برسول الله ﷺ في دار النَّدوة ﴿ومكر أولئك هو يبور﴾ أي: يفسد ويبطل وقوله تعالى:
﴿وما يعمَّر من معمَّر﴾ أي: يُطوَّل عُمر أحدِ ﴿وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ ولا يكون أحدٌ ناقص العمر وهو مُحصىً في الكتاب يعني: عدد عمر الطَّويل العمر وعمر القصير العمر
﴿وما يستوي البحران هذا عذب فرات﴾ شديد العذوبة ﴿وهذا ملح أجاج﴾ شديد المرارة ﴿ومن كلٍّ﴾ من الملح والعذب ﴿تأكلون لحماً طرياً﴾ من السَّمك ﴿وتستخرجون﴾ منه من الملح ﴿حلية تلبسونها﴾ يعني: المرجان وإنَّما ذكر هذا للدَّلالة على قدرته وقوله:
﴿من قطمير﴾ يعني: لفافة النَّواة
﴿ويوم القيامة يكفرون بشرككم﴾ أَيْ: يقولون: ما كنتم إيَّانا تعبدون ﴿ولا ينبئك مثل خبير﴾ وهو الله عز وجل وقوله:
﴿يا أيها النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾
﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾
﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾
﴿ولا تزرُ وازِرَةٌ﴾ أَيْ: لا تحمل نفسٌ حاملةٌ ﴿وزِرْ أخرى﴾ حِمل نفسٍ أخرى ﴿وإن تدع مثقلة﴾ نفس بالذنوب ﴿إلى حملها﴾ ذبوبها ﴿لا يحمل منه شيء ولو كان﴾ المدعو ﴿ذا قربى﴾ مثل الأب والابن ﴿إنما تنذر الذين يخشون ربَّهم بالغيب﴾ إنَّما ينفع إنذارك الذين يخافون الله تعالى ولم يروه ﴿ومَنْ تزكَّى﴾ عمل خيراً
﴿وما يستوي الأعمى﴾ عن الحقِّ وهو الكافر ﴿والبصير﴾ الذي يبصر رشده وهو المؤمن
﴿ولا الظلمات ولا النور﴾ يعني: الكفر والإيمان
﴿وَلا الظِّلُّ وَلا الحرور﴾ يعني: الجنَّة التي فيها ظلٌّ دائمٌ والنَّار التي لها حرارةٌ شديدةً
﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ ولا الأموات﴾ يعني: المؤمنين والكفَّار ﴿إنَّ الله يُسمع من يشاء﴾ فينتفع بذلك ﴿وما أنت بمسمع مَنْ في القبور﴾ يعني: الكفَّار شبَّههم بالأموات أيْ: كما لا يسمع أصحاب القبور كذلك لا يسمع الكفار وقوله:
﴿إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ﴾
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنَّ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾
﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾
﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر﴾ أَيْ: طرائق تكون في الجبال كالعروق بيض وحمر ﴿وغرابيب سود﴾ وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ﴾ أَيْ: كاختلاف الجبال والثَّمرات في اختلاف الألوان ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ أَيْ: مَنْ كان عالماً بالله اشتدَّت خشيته وقوله:
﴿يرجون تجارة لن تبور﴾ يعني: لن تكسد ولن تفسد
﴿إنه غفور﴾ لذنوبهم ﴿شكور﴾ لحسناتهم
﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لخبير بصير﴾
﴿ثمَّ أورثنا﴾ أعطينا بعد هلاك الأمم ﴿الكتاب﴾ القرآن لـ ﴿الذين اصطفينا من عبادنا﴾ وهم أمَّة محمد ﷺ ثمَّ ذكر أصنافهم فقال: ﴿فمنهم ظالم لنفسه﴾ وهو الذي زادت سيئاته على حسناته ﴿ومنهم مقتصد﴾ وهو الذي استوت حسناته وسيِّئاته ﴿ومنهم سابق بالخيرات﴾ وهو الذي رجحت حسناته ﴿بإذن الله﴾ بقضائه وإرادته ﴿ذلك هو الفضل الكبير﴾ يعني: إيتاء الكتاب: وقوله تعالى:
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير﴾
﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنَ﴾ يعني: كلَّ ما يحزن له الإنسان من أمر المعاش والمعاد
﴿الذي أحلنا﴾ أنزلنا ﴿دار المقامة﴾ دار الخلود ﴿من فضله﴾ أَيْ: ذلك بتفضُّله لا بأعمالنا ﴿لا يمسنا فيها نصب﴾ تعبٌ ﴿ولا يمسنا فيها لغوب﴾ إعياءٌ
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عليهم فيموتوا﴾
﴿وهم يصطرخون﴾ يستغيثون وقوله: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ أَيْ: العمر الذي يتَّعظ فيه ويرجع فيه إلى الله مَنْ يتَّعظ وهو ستون سنةً ﴿وجاءكم النذير﴾ يعني: الرَّسول: وقيل: الشيب
﴿إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور﴾
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ﴾ أَيْ: جعلكم أمة خلفت مَنْ قبلها من الأمم
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله أروني﴾ أخبروني عنهم ﴿ماذا خلقوا من الأرض﴾ أَيْ: بأيِّ شيءٍ أوجبتم لهم الشِّركة مع الله أَلخلقٍ خلقوه من الأرض ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي﴾ خلق ﴿السماوات أم آتيناهم﴾ أعطينا المشركين ﴿كتاباً﴾ بما يدَّعونه من الشِّرك ﴿فهم على بيَّنةٍ﴾ من ذلك الكتاب ﴿بل إن يعد الظالمون﴾ ما بعد بعض الظالمين بعضاً ﴿إلاَّ غروراً﴾ أباطيل
﴿إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا﴾ لئلا تزولا وتتحرَّكا ﴿ولئن زالتا﴾ ولو زالتا ﴿إن أمسكهما﴾ ما أمسكهما ﴿من أحدٍ من بعده﴾ سوى الله تعالى
﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾ يعني: المشركين كانوا يقولون قبل بعثة محمد ﷺ لئن أتانا رسولٌ ﴿ليكونن أهدى من إحدى الأمم﴾ أَيْ: من اليهود والنَّصارى والمجوس ﴿فلما جاءهم نذير﴾ هو النبي ﷺ ﴿ما زادهم﴾ مجيئه ﴿إلاَّ نفوراً﴾ عن الحقِّ
﴿استكباراً في الأرض﴾ أَيْ: استكبروا عن الإيمان استكباراً ﴿ومكر السيئ﴾ ومكروا المكر السيئ وهو مكرهم بالنبي ﷺ ليقتلوه ﴿ولا يحيق﴾ أَيْ: يحيط ﴿المكر السيئ إلاَّ بأهله﴾ فحاق بهم مكرهم يوم بدرٍ ﴿فهل ينظرون﴾ بعد تكذيبك ﴿إلاَّ سنة الأولين﴾ يعني: العذاب
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ في السماوات وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾
﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا﴾ من الجرائم ﴿ما ترك على ظهرها﴾ على ظهر الأرض ﴿من دابة﴾ من الإنس والجنِّ وكلِّ ما يعقل ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أجلهم فإنَّ الله كان بعباده بصيراً﴾