تفسير سورة الجاثية

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الجاثية من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي ثلاثون وسبع آيات

﴿حم﴾
﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم﴾
﴿إن في السماوات والأرض﴾ أَيْ: إنَّ في خلقهما ﴿لآيات﴾ لدلالاتٍ على قدرة الله وتوحيده وقوله:
﴿وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون﴾
﴿واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون﴾
﴿فبأيِّ حديث بعد الله﴾ أَيْ: بعد حديث الله وكتابه ﴿يؤمنون﴾
﴿ويلٌ لكلِّ أفاك أثيم﴾ كذَّاب صاحب إثمٍ
﴿يسمع آيات الله تتلى عليه ثمَّ يصرُّ﴾ يُقيم على كفره ﴿مستكبراً﴾ مُتعظِّماً عن الإيمان به
﴿وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً﴾ استهزأ بها
﴿ومن ورائهم﴾ أمامهم ﴿جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا﴾ من الأموال ﴿شيئاً﴾
﴿هذا هدى﴾ أَيْ: هذا القرآن هدىً ﴿والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذابٌ من رجز أليم﴾ مُؤلمٌ مرجع وقوله:
﴿الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون﴾
﴿جميعاً منه﴾ أيْ: كلُّ ذلك تفضُّلٌ منه وإحسانٌ
﴿قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله﴾ نزلت قبل الأمر بالقتال يقول: قل لهم يصفحوا عن المشركين الذين لا يخافون عقوبة الله وعذابه ﴿ليجزي قوماً﴾ أَيْ: ليجزيهم ﴿بما كانوا يكسبون﴾ من سوء أعمالهم وقوله:
﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون﴾
﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ أَيْ: المنِّ والسَّلوى
﴿وآتيناهم بينات من الأمر﴾ يعني: أحكام التَّوراة وبيان أمر النبيِّ عليه السَّلام ﴿فما اختلفوا﴾ في نبوَّته ﴿إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ يعني: ما عملوه من شأنه ﴿بغياً بينهم﴾ حسداً منهم له
﴿ثم جعلناك على شريعة﴾ مذهبٍ وملَّةٍ ﴿من الأمر﴾ من الدِّين ﴿فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون﴾ مراد الكافرين
﴿إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً﴾ لن يدفعوا عنك عذاب الله إن اتَّبعت أهواءهم
﴿هذا﴾ إشارةٌ إلى القرآن ﴿بصائر﴾ معالم ﴿للناس﴾ في الحدود والأحكام يبصرون بها
﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات﴾ اكتسبوا الكفر والمعاصي ﴿أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم﴾ مُستوياً حياتهم وموتهم أَيْ: المؤمنُ مؤمنٌ حياً وميتاً والكافر كافرٌ حياً وميتاً فلا يستويان ﴿ساء ما يحكمون﴾ بئس ما يقضون إذ حسبوا أنَّهم كالمؤمنين: نزلت هذه الآية حين قال المشركون: لئن كان ما تقولون حقا لنفضلنَّ عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا
﴿وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون﴾
﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ أَيْ: الكافر اتَّخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئاً إلاَّ ركبه ﴿وأضله الله على علم﴾ على ما سبق في علمه قبل أن يخلقه أنَّه ضالٌّ وباقي الآية مُفسَّر في أوَّل سورة البقرة
﴿وقالوا﴾ يعني: منكري البعث: ﴿ما هي إلاَّ حياتنا الدنيا﴾ أَيْ: ما الحياة إلاَّ هذه الحياة في دار الدُّنيا ﴿نموت﴾ نحن ﴿ونحيا﴾ أولادنا ﴿وما يهلكنا إلاَّ الدهر﴾ أَيْ: ما يفنينا إلاَّ مرُّ الزَّمان ﴿وما لهم بذلك من علم﴾ أَيْ: الذين يقولون ﴿إن هم إلاَّ يظنون﴾ ما هم إلاَّ ظانِّين ما يقولون
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أَدلَّتنا في قدرتنا على البعث ﴿بينات﴾ واضحات ﴿ما كان حجَّتهم إلاَّ أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين﴾ أن نُبعث بعد الموت وقوله:
﴿ثمَّ يجمعكم إلى يوم القيامة﴾ أَيْ: مع ذلك اليوم
﴿ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون﴾
﴿وترى كل أمة﴾ كلم أهلِ دينٍ ﴿جاثية﴾ مُجتمعةً للحساب وقيل: جالسةً على الرُّكَب من هول ذلك اليوم
﴿هذا كتابنا ينطق﴾ أَيْ: ديوان الحفظة ﴿إنا كنا نَستنسِخُ﴾ نأمر بنسخ ﴿ما كنتم تعملون﴾
﴿فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين﴾
﴿وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين﴾
﴿وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين﴾
﴿وبدا لهم سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا به يستهزئون﴾
﴿وقيل اليوم ننساكم﴾ نترككم في العذاب كما تركتم الإيمان والعمل ليومكم هذا وقوله:
﴿ولا هم يستعتبون﴾ أَيْ: لا يُلتمس منهم عمل ولا طاعة
﴿فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين﴾
﴿وله الكبرياء﴾ العظمة ﴿في السماوات والأرض﴾ أَيْ: إنَّه يُعظَّم بالعبادة في السموات والأرض ﴿وهو العزيز الحكيم﴾
Icon