تفسير سورة الصافات

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي مائة وثمانون آية

﴿والصافات صفاً﴾ يعني: صفوف الملائكة في السَّماء
﴿فالزاجرات زجراً﴾ يعني: الملائكة تزجر السَّحاب وتسوقه
﴿فالتاليات ذكراً﴾ جماعة قرَّاء القرآن
﴿إن إلهكم لواحد﴾ أقسم الله سبحانه بهؤلاء أنَّ إلهكم لواحد
﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ مطالع الشمس
﴿إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب﴾ بضوئها ﴿و﴾ حفظناها
﴿حفظاً من كلِّ شيطان مارد﴾ متمرِّدٍ خبيثٍ
﴿لا يَسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى﴾ يعني: الملائكة ﴿ويقذفون من كلّ جانب﴾ ويُرمون
﴿دحوراً﴾ يُدحرون دحوراً أَيْ: يُباعدون ﴿ولهم عذاب واصب﴾ دائم
﴿إلاَّ من خطف الخطفة﴾ سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة ﴿فأتبعه﴾ لحقه ﴿شهاب ثاقب﴾ كوكبٌ مضيءٌ
﴿فاستفتهم﴾ فسلهم يعني: أهل مكَّة ﴿أهم أشد خلقاً أم من خلقنا﴾ من الأمم السَّالفة قبلهم وغيرهم من السماوات والأرض ﴿إنا خلقناهم من طين لازب﴾ لاصقٍ لازمٍ
﴿بل عجبت﴾ يا محمَّد من تكذيبهم إيَّاك ﴿و﴾ هم ﴿يسخرون﴾ من تعجُّبك
﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ﴾
﴿وإذا رأوا آية﴾ معجزةً سخروا
﴿وقالوا إن هذا إلاَّ سحر مبين﴾
﴿أإذا متنا وكنا تراباً وعظاما أإنا لمبعوثون﴾
﴿أو آباؤنا الأولون﴾
﴿قل: نعم﴾ تبعثون ﴿وأنتم داخرون﴾ صاغرون أذلاَّء
﴿فإنما هي﴾ يعني: القيامة ﴿زجرة﴾ صحية ﴿واحدة فإذا هم﴾ أحياءٌ ﴿ينظرون﴾ سوء أعمالهم وقيل: ما كذَّبوا به
﴿وقالوا: يا ويلنا هذا يوم الدين﴾ يوم نُجازى فيه بما عملنا
﴿هذا يوم الفصل﴾ بين الحقِّ والباطل ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾
﴿احشروا الذين ظلموا﴾ كفروا ﴿أزواجهم﴾ قرناءهم من الشَّياطين وأوثانهم
﴿فاهدوهم﴾ دلُّوهم إلى النار
﴿وقفوهم﴾ احسبوهم ﴿إنهم مسؤولون﴾ عن أقوالهم وأفعالهم
﴿ما لكم لا تناصرون﴾ لا ينصر بعضكم بعضاً
﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مستسلمون﴾ مُنقادون
﴿وأقبل بعضهم على بعض﴾ يعني: الأتباع والرُّؤساء ﴿يتساءلون﴾ يتخاصمون
﴿قالوا﴾ يعني: الأتباع للرُّؤساء ﴿إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين﴾ تقهروننا بالقوَّة من قبل الدين فتضلوننا عنه
﴿قالوا بل لم تكونوا مؤمنين﴾ أَيْ: إنَّما الكفر من قبلكم
﴿وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كنتم قوما طاغين﴾
﴿فحق علينا﴾ جميعاً ﴿قول ربنا﴾ كلمة العذاب
﴿فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾
﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إلا الله يستكبرون﴾
﴿ويقولون أإنا لتاركوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾
﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ المرسلين﴾
﴿إنكم لذائقوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ﴾
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
﴿إِلا عباد الله المخلصين﴾ المؤمنين لكن عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ معلوم﴾ بكرة وعشيا
﴿فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾
﴿في جنات النعيم﴾
﴿عَلَى سرر متقابلين﴾
﴿بكأس من معين﴾ خمرٍ تجري على وجه الأرض
﴿بيضاء لذة للشَّاربين﴾ ذات لذاة
﴿لا فيها غولٌ﴾ داءٌ ولا وجعٌ ﴿ولا هم عنها ينزفون﴾ لا تذهب بعقولهم
﴿وعندهم قاصرات الطرف﴾ نساء لا ينظرن إلى غير أزواجهنَّ ﴿عين﴾ نُجْل العيون
﴿كأنهن بيض﴾ في صفاء لونها ﴿مكنون﴾ يستره ريش النَّعام
﴿فأقبل بعضهم﴾ يعني: أهل الجنَّة ﴿على بعض يتساءلون﴾ عمَّا مرَّ بهم
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ يعني: الذين قصَّ الله خبرهما في سورة الكهف كان يقول له قرينه:
﴿أَإِنّك لمن المصدقين﴾ ممَّن يصدِّق بالبعث والجزاء؟ وقوله:
﴿أإنَّا لمدينون﴾ أَيْ: مجزيون
﴿قال﴾ الله سبحانه لأهل الجنَّة: ﴿هل أنتم مطلعون﴾ إلى النَّار
﴿فاطلع﴾ المسلم فرأى قرينه الكافر ﴿في سواء الجحيم﴾ وسطه فقال له:
﴿تالله إن كدت لَتُرِديْنَ﴾ تهلكني وتضلُّني
﴿ولولا نعمة ربي﴾ عصمته ورحمته ﴿لكنت من المحضرين﴾ في النَّار
﴿أفما نحن بميتين﴾ ﴿إلاَّ موتتنا الأولى﴾ يقوله أهل الجنَّة للملائكة حين يُذبح الموت فتقول الملائكة: لا فيقولون: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿لِمِثْلِ هَذَا فليعمل العاملون﴾
﴿إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾
﴿أذلك﴾ الذي ذكرتُ من نعيم أهل الجنَّة ﴿خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾
﴿إنا جعلناها فتنة للظالمين﴾ افتتنوا بها وكذَّبوا بكونها فصارت فتنةً لهم وذلك أنَّهم أنكروا أن يكون في النَّار شجرة قال الله تعالى:
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصل الجحيم﴾ أصلها في قعر جهنَّم
﴿طلعها﴾ ثمرها ﴿كأنَّه رؤوس الشياطين﴾ في القبح وكراهية المنظر
﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾
﴿ثُمَّ إنَّ لهم عليها﴾ على شجرة الزَّقوم ﴿لشوباً﴾ خلطاً ومزاجاً ﴿من حميم﴾ ماءٍ حارٍ
﴿ثم إنَّ مرجعهم﴾ مرجع الكفَّار ﴿لإِلى الجحيم﴾ الذي يجمع هذه الأشياء وقوله:
﴿إنهم ألفوا آباءهم ضالين﴾
﴿يهرعون﴾ أَيْ: يزعجون إلى أتباعهم
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ﴾
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ﴾
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾
﴿إلاَّ عباد الله المخلصين﴾
﴿ولقد نادانا نوح﴾ يعني: قوله: ﴿إنِّي مغلوبٌ فانتصر﴾ ﴿فلنعم المجيبون﴾ نحن
﴿ونجيناه وأهله من الكرب العظيم﴾ يعني: الغرق
﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ لأنَّ الخلق كلَّهم أُهلكوا إلاَّ مَنْ كان معه في سفينته وكانوا من ذرِّيَّته
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ فيمن يأتي بعده ثناءً حسناً وهو أن يُصلَّى عليه ويُسلَّم وهو معنى قوله: ﴿سلام على نوح في العالمين﴾
﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ في العالمين﴾
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾
﴿وإن من شيعته﴾ أهل دينه وملَّته ﴿لإِبراهيم﴾
﴿إذ جاء ربه بقلب سليم﴾ من الشرك
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾
﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾
﴿فما ظنكم برب العالمين﴾ قال إبراهيم عليه السَّلام لقومه وهم يعبدون الأصنام: أَيُّ شيءٍ ظنُّكم بربِّ العالمين وأنتم تعبدون غيره؟
﴿فنظر نظرة في النجوم﴾ وذلك أنَّه كان لقومه من الغد عيدٌ يخرجون إليه ويضعون أطعمتهم بين يدي أصنامهم لتبرِّك عليها زعموا فقالوا لإِبراهيم: ألا تخرج معنا إلى عيدنا؟ فنظر إلى نجم وقال:
﴿إني سقيم﴾ وكانوا يتعاطون علم النُّجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه واعتلَّ في التَّخلُّف عن عيدهم بأنَّه يعتلُّ وتأوَّل في قوله: ﴿سقيم﴾ سأسقم
﴿فتولوا عنه مدبرين﴾ أدبروا عنه إلى عيدهم وتركوه
﴿فراغ﴾ فمال ﴿إلى آلهتهم فقال﴾ إظهار لضعفها وعجزها: ﴿ألا تأكلون﴾ من هذه الأطعمة
﴿ما لكم لا تنطقون﴾
﴿فراغ﴾ فمال ﴿عليهم﴾ يضربهم ﴿ضرباً باليمين﴾ بيده اليمنى
﴿فأقبلوا إليه﴾ من عيدهم ﴿يزفون﴾ يسرعون فقال لهم إبراهيم محتجاً:
﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ من نحتكم وجميع أعمالكم
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾
﴿قالوا ابنوا له بنياناً﴾ حظيرة واملؤوه ناراً وألقوا إبراهيم في تلك النَّار
﴿فأرادوا به كيداً﴾ حين قصدوا إحراقه بالنَّار ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ المقهورين لأنَّه علاهم بالحجَّة والنُّصرة
﴿وقال إني ذاهب إلى ربي﴾ إلى المكان الذي أمرني بالهجرة إليه ﴿سيهدين﴾ يثبتني على الهدى
﴿رب هب لي﴾ ولداً ﴿من الصالحين﴾
﴿فبشرناه بغلام حليم﴾ سيِّدٍ يُوصف بالحلم
﴿فلما بلغ﴾ ذلك الغلام ﴿معه السعي﴾ أَيْ: أدرك معه العمل ﴿قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أني أذبحك﴾ وذلك أنَّه أُمر في المنام بذبح ولده ﴿فانظر ماذا ترى﴾ ما الذي تراه فيما أقول لك هل تستسلم له؟ فاستسلم الغلام و ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾
﴿فلما أسلما﴾ انقادا لأمر الله ﴿وتلَّه للجبين﴾ صرعه على أحد جنبيه
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ﴾ ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إنا كذلك نجزي المحسنين﴾
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إنّ هذا لهو البلاء المبين﴾ الاختيار الظاهر يعني: حين اختبره بذبح ولده فانقاد وأطاع
﴿وفديناه بذبحٍ﴾ بكبشٍ ﴿عظيم﴾ لأنَّه رعى في الجنَّة أربعين خريفاً وكان الكبش الذي تُقبِّل من ابن آدم عليه السلام
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾
﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وظالم لنفسه مبين﴾
﴿ولقد مننا على موسى وهارون﴾ بالنُّبوَّة
﴿ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم﴾ يعني: الغرق وقوله:
﴿وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾
﴿وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ﴾
﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ﴾
﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إنهما من عبادنا المؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿أتدعون بعلاً﴾ يعني: صنماً كان لهم
﴿الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾
﴿فكذبوه فإنهم لمحضرون﴾ في النَّار
﴿إلاَّ عباد الله المخلصين﴾ من قومه
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾
﴿سلام على إِلْ ياسين﴾ يعني: إلياس عليه السَّلام وقيل: يعني قومه ممَّن ينتسب إلى إتباعه
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ ز
﴿إنه من عبادنا المؤمنين﴾
﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾
﴿إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ﴾
﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ﴾
﴿وبالليل أفلا تعقلون﴾
﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾
﴿إذ أبق﴾ هرب ﴿إلى الفلك المشحون﴾ السَّفينة المملوءة حين ذهب مغاضبا فوقعت السَّفينة ولم تجرِ فقارعه أهل السَّفينة فخرجت القرعة عليه فخرج منها وألقى نفسه في البحر فذلك قوله:
﴿فساهم﴾ فقارع ﴿فكان من المدحضين﴾ المغلوبين بالقرعة
﴿فالتقمه﴾ فابتلعه ﴿الحوت وهو مليم﴾ أتى بما يُلام عليه
﴿فلولا أنَّه كان من المسبحين﴾ من المُصلِّين قبل ذلك
﴿للبث في بطنه﴾ في بطن الحوت إلى يوم القيامة
﴿فنبذناه﴾ طرحناه ﴿بالعراء﴾ وجه الأرض ﴿وهو سقيم﴾ عليلٌ كالفرخ الممعَّط
﴿وأنبتنا عليه﴾ عنده ﴿شجرة من يقطين﴾ وهو القرع ليستظلَّ بها
﴿وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون﴾ بل يزيدون
﴿فآمنوا فمتعناهم إلى حين﴾ إلى انقضاء آجالهم
﴿فاستفتهم﴾ فسل يا محمَّد أهلَ مكَّة ﴿ألربك البنات ولهم البنون﴾ وذلك أنَّهم كانوا يزعمون أنَّ الملائكة بنات الله
﴿أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون﴾ حاضرون خلقنا إياهم
﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾
﴿وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾
﴿أَصطفى البنات على البنين﴾ أتَّخذ البنات دون البنين فاصطفاها وجعل لكم البنين؟ كقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا﴾
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تحكمون﴾
﴿أفلا تتذكرون﴾
﴿أم لكم سلطان﴾ برهانٌ ﴿مبين﴾ على أنَّ لله ولداً
﴿فأتوا بكتابكم﴾ الذي فيه حُجَّتكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
﴿وجعلوا بينه وبين الجنة﴾ يعني: الملائكة ﴿نسباً﴾ حين قالوا: إنَّهم بنات الله ﴿ولقد علمت الجنة﴾ الملائكة ﴿إنهم لمحضرون﴾ أنَّ الذين قالوا هذا القول محضرون في النار
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾
﴿إلاَّ عباد الله المخلصين﴾ فإنهم ناجون من النَّار
﴿فإنكم وما تعبدون﴾ من الأصنام
﴿ما أنتم عليه بفاتنين﴾ لا تفتنون أحداً على ما يعبدون ولا تضلونه
﴿إِلا مَنْ هُوَ صال الجحيم﴾ أَيْ: إلا مَنْ هو في معلوم الله أنَّه يدخل النَّار
﴿وما منا إلاَّ له﴾ هذا من قول الملائكة والمعنى: ما منَّا مَلَكٌ إلاَّ له ﴿مقام معلوم﴾ من السَّماء يعبد الله سبحانه هناك
﴿وإنا لنحن الصافون﴾ في الصَّلاة
﴿وإنا لنحن المسبحون﴾ المُصلُّون
﴿وإن كانوا ليقولون﴾ كان كفار مكَّة يقولون: لو جاءنا كتابٌ كما جاء غيرنا من الأوَّلين لأخلصنا عبادة الله سبحانه فلمَّا جاءهم كفروا به
﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ﴾
﴿لَكُنَّا عباد الله المخلصين﴾
﴿فسوف يعلمون﴾ عاقبة كفرهم
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾
﴿وإن جندنا لهم الغالبون﴾ أَيْ: تقدَّم الوعد بنصرتهم وهو قوله: ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي﴾
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حين﴾ حتى تنقضي المدة التي أمهلوا فيها
﴿وأَبْصرْهم﴾ انظر إليهم إذا عذِّبوا ﴿فسوف يبصرون﴾ ما أنكروا
﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ وذلك أنَّهم كانوا يقولون: متى هذا الوعد؟
﴿فإذا نزل﴾ العذاب ﴿بساحتهم﴾ بِفِنائهم ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾
﴿وتول عنهم حتى حين﴾
﴿وأبصر﴾ انظر فبئس ما يصبحون عند ذلك
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾
﴿وَسَلامٌ على المرسلين﴾
﴿والحمد لله رب العالمين﴾
Icon