تفسير سورة الصافات

تفسير السعدي
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب تيسير الكريم الرحمن المعروف بـتفسير السعدي .
لمؤلفه السعدي . المتوفي سنة 1376 هـ
تفسير سورة الصافات، وهي مكية

﴿١ - ١١﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾.
هذا قسم منه تعالى بالملائكة الكرام، في حال عبادتها وتدبيرها ما تدبره بإذن ربها، على ألوهيته تعالى وربوبيته، فقال: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ أي: صفوفا في خدمة ربهم، وهم الملائكة.
﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ وهم الملائكة، يزجرون السحاب وغيره بأمر الله.
﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ وهم الملائكة الذين يتلون كلام الله تعالى.
فلما كانوا متألهين لربهم، ومتعبدين في خدمته، ولا يعصونه طرفة عين، أقسم بهم على ألوهيته فقال: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ ليس له شريك في الإلهية، فأخلصوا له الحب والخوف والرجاء، وسائر أنواع العبادة.
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ أي: هو الخالق لهذه المخلوقات، والرازق لها، المدبر لها، فكما أنه لا شريك له في ربوبيته إياها، فكذلك لا شريك له في ألوهيته، وكثيرا ما يقرر تعالى توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية، لأنه دال عليه. وقد أقر به أيضا المشركون في العبادة، فيلزمهم بما (١) أقروا به على ما أنكروه.
وخص الله المشارق بالذكر، لدلالتها على المغارب، أو لأنها مشارق النجوم التي سيذكرها، فلهذا قال: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى﴾
ذكر الله في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين:
إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل.
والثانية: حراسة السماء عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم الملائكة، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ طردا لهم، وإبعادا عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
-[٧٠١]-
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أي: دائم، معد لهم، لتمردهم عن طاعة ربهم.
ولولا أنه [تعالى] استثنى، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا ولكن قال: ﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ أي: إلا من تلقف من الشياطين المردة، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ تارة يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه، فينقطع خبر السماء، وتارة يخبر بها قبل أن يدركه الشهاب، فيكذبون معها مائة كذبة يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء.
ولما بين هذه المخلوقات العظيمة قال: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: اسأل منكري خلقهم بعد موتهم. ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ أي: إيجادهم بعد موتهم، أشد خلقا وأشق؟. ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ من [هذه] المخلوقات؟ فلا بد أن يقروا أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
فيلزمهم إذا الإقرار بالبعث، بل لو رجعوا إلى أنفسهم وفكروا فيها، لعلموا أن ابتداء خلقهم من طين لازب، أصعب عند الفكر من إنشائهم بعد موتهم، ولهذا قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ أي: قوي شديد كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾
(١) كذا في ب، وفي أ: ما.
﴿١٢ - ٢١﴾ ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ * وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾.
﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ يا أيها الرسول وأيها الإنسان، من تكذيب من كذب بالبعث، بعد أن أريتهم من الآيات العظيمة والأدلة المستقيمة، وهو حقيقة محل عجب واستغراب، لأنه مما لا يقبل الإنكار، ﴿و﴾ أعجب من إنكارهم وأبلغ منه، أنهم ﴿يَسْخَرُونَ﴾ ممن جاء بالخبر عن البعث، فلم يكفهم مجرد الإنكار، حتى زادوا السخرية بالقول الحق.
﴿و﴾ من العجب أيضا أنهم ﴿إِذَا ذُكِّرُوا﴾ ما يعرفون في فطرهم وعقولهم، وفطنوا له، وألفت نظرهم إليه ﴿لا يَذْكُرُونَ﴾ ذلك، فإن كان جهلا فهو من أدل الدلائل على شدة بلادتهم العظيمة، حيث ذكروا ما هو مستقر في الفطر، معلوم بالعقل، لا يقبل الإشكال، وإن كان تجاهلا وعنادا، فهو أعجب وأغرب.
ومن العجب [أيضا] أنهم إذا أقيمت عليهم الأدلة، وذكروا الآيات التي يخضع لها فحول الرجال وألباب الألباء، يسخرون منها ويعجبون.
ومن العجب أيضا، قولهم للحق لما جاءهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ فجعلوا أعلى الأشياء وأجلها، وهو الحق، في رتبة أخس الأشياء وأحقرها.
ومن العجب أيضا، قياسهم قدرة رب الأرض والسماوات، على قدرة الآدمي الناقص من جميع الوجوه، فقالوا استبعادا وإنكارا: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ﴾
ولما كان هذا منتهى ما عندهم، وغاية ما لديهم، أمر الله رسوله أن يجيبهم بجواب مشتمل على ترهيبهم (١) فقال: ﴿قُلْ نَعَمْ﴾ ستبعثون، أنتم وآباؤكم الأولون ﴿وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ ذليلون صاغرون، لا تمتنعون، ولا تستعصون على قدرة الله.
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ ينفخ إسرافيل فيها في الصور ﴿فَإِذَا هُمْ﴾ مبعوثون من قبورهم ﴿يَنْظَرُونَ﴾ كما ابتدئ خلقهم، بعثوا بجميع أجزائهم، حفاة عراة غرلا وفي تلك الحال، يظهرون الندم والخزي والخسار، ويدعون بالويل والثبور.
﴿وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ فقد أقروا بما كانوا في الدنيا به يستهزءون.
فيقال لهم: ﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ بين العباد فيما بينهم وبين ربهم من الحقوق، وفيما بينهم وبين غيرهم من الخلق.
(١) كذا في ب، وفي أ: تربيتهم.
﴿٢٢ - ٢٦﴾ ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾.
أي إذا أحضروا يوم القيامة، وعاينوا ما به يكذبون، ورأوا ما به يستسخرون، يؤمر بهم إلى النار، التي بها كانوا يكذبون، فيقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم بالكفر والشرك والمعاصي ﴿وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ الذين من جنس عملهم، كل يضم إلى من يجانسه في العمل.
﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من الأصنام والأنداد التي زعموها، فاجمعوهم جميعا ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ أي: سوقوهم سوقا عنيفا إلى جهنم.
وبعد ما يتعين أمرهم إلى النار، ويعرفون أنهم من أهل -[٧٠٢]- دار البوار، يقال: ﴿وَقِفُوهُمْ﴾ قبل أن توصلوهم إلى جهنم ﴿إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ عما كانوا يفترونه في الدنيا، ليظهر على رءوس الأشهاد كذبهم وفضيحتهم.
﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾.
فيقال لهم: ﴿مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ أي: ما الذي جرى عليكم اليوم؟ وما الذي طرقكم لا ينصر بعضكم بعضا، ولا يغيث بعضكم بعضا، بعدما كنتم تزعمون في الدنيا، أن آلهتكم ستدفع عنكم العذاب، وتغيثكم وتشفع لكم عند الله، فكأنهم لا يجيبون هذا السؤال، لأنهم قد علاهم الذل والصغار، واستسلموا لعذاب النار، وخشعوا وخضعوا وأبلسوا، فلم ينطقوا.
ولهذا قال: ﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾
﴿٢٧ - ٣٩﴾ ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
لما جمعوا هم وأزواجهم وآلهتهم، وهدوا إلى صراط الجحيم، ووقفوا، فسئلوا، فلم يجيبوا، وأقبلوا فيما بينهم، يلوم بعضهم بعضا على إضلالهم وضلالهم.
فقال الأتباع للمتبوعين الرؤساء: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ أي: بالقوة والغلبة، فتضلونا، ولولا أنتم لكنا مؤمنين.
﴿قَالُوا﴾ لهم ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ أي: ما زلتم مشركين، كما نحن مشركون، فأي: شيء فضلكم علينا؟ وأي: شيء يوجب لومنا؟
﴿و﴾ الحال أنه ﴿مَا كَانَ لنا عليكم مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي: قهر لكم على اختيار الكفر ﴿بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ متجاوزين للحد (١).
﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا﴾ نحن وإياكم ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ العذاب، أي: حق علينا قدر ربنا وقضاؤه، أنا وإياكم سنذوق العذاب، ونشترك في العقاب.
﴿فـ﴾ لذلك ﴿أَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ أي: دعوناكم إلى طريقتنا التي نحن عليها، وهي الغواية، فاستجبتم لنا، فلا تلومونا ولوموا أنفسكم.
قال تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم القيامة ﴿فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ وإن تفاوتت مقادير عذابهم بحسب جرمهم.
كما اشتركوا في الدنيا على الكفر، اشتركوا في الآخرة بجزائه، ولهذا قال: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾
ثم ذكر أن إجرامهم، قد بلغ الغاية وجاوز النهاية فقال: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ فدعوا إليها، وأمروا بترك إلهية ما سواه ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عنها وعلى من جاء بها.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ معارضة لها ﴿أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا﴾ التي لم نزل نعبدها نحن وآباؤنا ﴿لـ﴾ قول ﴿شَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. فلم يكفهم - قبحهم الله - الإعراض عنه، ولا مجرد تكذيبه، حتى حكموا عليه بأظلم الأحكام، وجعلوه شاعرا مجنونا، وهم يعلمون أنه لا يعرف الشعر والشعراء، ولا وصفه وصفهم، وأنه أعقل خلق الله، وأعظمهم رأيا.
ولهذا قال تعالى، ناقضا لقولهم: ﴿بَلْ جَاءَ﴾ محمد ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: مجيئه حق، وما جاء به من الشرع والكتاب حق. ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [أي: ومجيئه صدق المرسلين] فلولا مجيئه وإرساله لم يكن الرسل صادقين، فهو آية ومعجزة لكل رسول قبله، لأنهم أخبروا به وبشروا، وأخذ الله عليهم العهد والميثاق، لئن جاءهم، ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذوا ذلك على أممهم، فلما جاء ظهر صدق الرسل الذين قبله، وتبين كذب من خالفهم،. فلو قدر عدم مجيئه، وهم قد أخبروا به، لكان ذلك قادحا في صدقهم.
وصدق أيضا المرسلين، بأن جاء بما جاءوا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وآمن بهم، وأخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم.
ولما كان قولهم السابق: ﴿إِنَّا لَذَائِقُونَ﴾ قولا صادرا منهم، يحتمل أن يكون صدقا أو غيره، أخبر تعالى بالقول الفصل الذي لا يحتمل غير الصدق واليقين، وهو الخبر الصادر منه تعالى، فقال: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الألِيمِ﴾ أي: المؤلم الموجع.
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ﴾ في إذاقة العذاب الأليم ﴿إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فلم نظلمكم، وإنما عدلنا فيكم؟
(١) كذا في ب، وفي أ: للحق.
ولما كان هذا الخطاب لفظه عاما، والمراد به المشركون، استثنى تعالى المؤمنين فقال: -[٧٠٣]-
﴿٤٠ - ٤٩﴾ ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾.
يقول تعالى: ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ فإنهم غير ذائقي العذاب الأليم، لأنهم أخلصوا لله الأعمال، فأخلصهم، واختصهم برحمته، وجاد عليهم بلطفه.
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ أي: غير مجهول، وإنما هو رزق عظيم جليل، لا يجهل أمره، ولا يبلغ كنهه.
فسره بقوله: ﴿فَوَاكِهُ﴾ من جميع أنواع الفواكه التي تتفكه بها النفس، للذتها في لونها وطعمها. ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ لا مهانون محتقرون، بل معظمون مجلون موقرون. قد أكرم بعضهم بعضا، وأكرمتهم الملائكة الكرام، وصاروا يدخلون عليهم من كل باب، ويهنئونهم ببلوغ أهنأ الثواب، وأكرمهم أكرم الأكرمين، وجاد عليهم بأنواع الكرامات، من نعيم القلوب والأرواح والأبدان.
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أي: الجنات التي النعيم وصفها، والسرور نعتها، وذلك لما جمعته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وسلمت من كل مخل بنعيمها، من جميع المكدرات والمنغصات.
ومن كرامتهم عند ربهم، وإكرام بعضهم بعضا، أنهم على ﴿سُرُرٍ﴾ وهي المجالس المرتفعة، المزينة بأنواع الأكسية الفاخرة، المزخرفة المجملة، فهم متكئون عليها، على وجه الراحة والطمأنينة، والفرح.
﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ فيما بينهم قد صفت قلوبهم، ومحبتهم فيما بينهم، ونعموا باجتماع بعضهم مع بعض، فإن مقابلة وجوههم، تدل على تقابل قلوبهم، وتأدب بعضهم مع بعض فلم يستدبره، أو يجعله إلى جانبه، بل من كمال السرور والأدب، ما دل عليه ذلك التقابل.
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي: يتردد الولدان المستعدون لخدمتهم بالأشربة اللذيذة، بالكاسات الجميلة المنظر، المترعة من الرحيق المختوم بالمسك، وهي كاسات الخمر.
وتلك الخمر، تخالف خمر الدنيا من كل وجه، فإنها في لونها ﴿بَيْضَاءَ﴾ من أحسن الألوان، وفي طعمها ﴿لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ يتلذذ شاربها بها وقت شربها وبعده، وأنها سالمة من غول العقل وذهابه، ونزفه، ونزف مال صاحبها، وليس فيها صداع ولا كدر، فلما ذكر طعامهم وشرابهم ومجالسهم، وعموم النعيم وتفاصيله داخلة في قوله: ﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾
لكن فصل هذه الأشياء لتعلم فتشتاق النفوس إليها، ذكر أزواجهم فقال: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ أي: وعند أهل دار النعيم، في محلاتهم القريبة، حور حسان، كاملات الأوصاف، قاصرات الطرف، إما أنها قصرت طرفها على زوجها، لعفتها وعدم مجاوزته لغيره، ولجمال زوجها وكماله، بحيث لا تطلب في الجنة سواه، ولا ترغب إلا به، وإما لأنها قصرت طرف زوجها عليها، وذلك يدل على كمالها وجمالها الفائق، الذي أوجب لزوجها، أن يقصر طرفه عليها، وقصر الطرف أيضا، يدل على قصر النفس والمحبة عليها، وكلا المعنيين محتمل، وكلاهما صحيح، و [كل] هذا يدل على جمال الرجال والنساء في الجنة، ومحبة بعضهم بعضا، محبة لا يطمح إلى غيره، وشدة عفتهم كلهم، وأنه لا حسد فيها ولا تباغض، ولا تشاحن، وذلك لانتفاء أسبابه.
﴿عِينٌ﴾ أي: حسان الأعين جميلاتها، ملاح الحدق.
﴿كَأَنَّهُنَّ﴾ أي: الحور ﴿بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ أي: مستور، وذلك من حسنهن وصفائهن وكون ألوانهن أحسن الألوان وأبهاها، ليس فيه كدر ولا شين.
﴿٥٠ - ٦١﴾ ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾.
لما ذكر تعالى نعيمهم، وتمام سرورهم، بالمآكل والمشارب، والأزواج الحسان، والمجالس الحسنة، ذكر تذاكرهم فيما بينهم، ومطارحتهم للأحاديث، عن الأمور الماضية، وأنهم ما زالوا في المحادثة والتساؤل، حتى أفضى ذلك بهم، إلى أن قال قائل منهم: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ في الدنيا، ينكر البعث، ويلومني على تصديقي به.
﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾.
و ﴿يَقُولُ﴾ لي ﴿أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ أي: مجازون بأعمالنا؟ أي: كيف تصدق بهذا الأمر البعيد، الذي في غاية الاستغراب، وهو أننا إذا تمزقنا، فصرنا ترابا وعظاما، أننا نبعث ونعاد، ثم نحاسب ونجازى بأعمالنا؟ ".
أي: يقول صاحب الجنة لإخوانه: هذه قصتي، وهذا خبري، أنا وقريني، ما زلت أنا مؤمنا مصدقا، وهو ما زال مكذبا منكرا للبعث، حتى متنا، ثم بعثنا، فوصلت أنا إلى ما ترون، من النعيم، الذي أخبرتنا به الرسل، وهو لا شك، أنه قد وصل إلى العذاب.
فـ ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ لننظر إليه، فنزداد غبطة وسرورا بما نحن فيه، ويكون ذلك رَأْيَ عين؟ والظاهر من حال أهل الجنة، وسرور بعضهم -[٧٠٤]- ببعض، وموافقة بعضهم بعضا، أنهم أجابوه لما قال، وذهبوا تبعا له، للاطلاع على قرينه.
﴿فَاطَّلَعَ﴾ فرأى قرينه ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ أي: في وسط العذاب وغمراته، والعذاب قد أحاط به.
فـ ﴿قَالَ﴾ له لائما على حاله، وشاكرا لله على نعمته أن نجاه من كيده: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ أي: تهلكني بسبب ما أدخلت عليَّ من الشُّبَه بزعمك.
﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ على أن ثبتني على الإسلام ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ في العذاب معك.
﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [أي: يقوله المؤمن، مبتهجا بنعمة الله على أهل الجنة بالخلود الدائم فيها والسلامة من العذاب; استفهام بمعنى الإثبات والتقرير] أي: يقول لقرينه المعذب: أفتزعم أننا لسنا نموت سوى الموتة الأولى، ولا بعث بعدها ولا عذاب (١).
وقوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ وحذف المعمول، والمقام مقام لذة وسرور، فدل ذلك على أنهم يتساءلون بكل ما يلتذون بالتحدث به، والمسائل التي وقع فيها النزاع والإشكال.
ومن المعلوم أن لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم، والبحث عنه، فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا، فلهم من هذا النوع النصيب الوافر، ويحصل لهم من انكشاف الحقائق العلمية في الجنة ما لا يمكن التعبير عنه.
فلما ذكر تعالى نعيم الجنة، ووصفه بهذه الأوصاف الجميلة، مدحه، وشوَّق العاملين، وحثَّهم على العمل فقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي حصل لهم به كل خير، وكل ما تهوى النفوس وتشتهي، واندفع عنهم به كل محذور ومكروه، فهل فوز يطلب فوقه؟ أم هو غاية الغايات، ونهاية النهايات، حيث حل عليهم رضا رب الأرض والسماوات، وفرحوا بقربه، وتنعموا بمعرفته واستروا برؤيته، وطربوا لكلامه؟
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ فهو أحق ما أنفقت فيه نفائس الأنفاس وأولى ما شمر إليه العارفون الأكياس، والحسرة كل الحسرة، أن يمضي على الحازم، وقت من أوقاته، وهو غير مشتغل بالعمل، الذي يقرب لهذه الدار، فكيف إذا كان يسير بخطاياه إلى دار البوار؟ "
(١) ما بين الخاصرتين زيادة من ب، وما بعد الحاصرة الثانية شطب عليه فيها، ورأيت إبقاءه لعدم شطبه في أ.
﴿٦٢ - ٧٤﴾ ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾.
﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نزلا﴾ أي: ذلك النعيم الذي وصفناه لأهل الجنة خير، أم العذاب الذي يكون في الجحيم من جميع أصناف العذاب؟ فأي الطعامين أولى؟ الذي وصف في الجنة ﴿أَمْ﴾ طعام أهل النار؟ وهو ﴿شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً﴾ أي عذابا ونكالا ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ أنفسهم بالكفر والمعاصي.
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ أي: وسطه فهذا مخرجها، ومعدنها أشر المعادن وأسوؤها، وشر المغرس، يدل على شر الغراس وخسته، ولهذا نبهنا الله على شرها بما ذكر أين تنبت به، وبما ذكر من صفة ثمرتها.
وأنها كـ ﴿رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ فلا تسأل بعد هذا عن طعمها، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل (١).
ولهذا قال: ﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾ فهذا طعام أهل النار، فبئس الطعام طعامهم، ثم ذكر شرابهم فقال: ﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا﴾ أي: على أثر هذا الطعام ﴿لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي: ماء حارا، قد انتهى، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ وكما قال تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾
﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ﴾ أي: مآلهم ومقرهم [ومأواهم] ﴿لإلَى الْجَحِيمِ﴾ ليذوقوا من عذابه الشديد، وحره العظيم، ما ليس عليه مزيد من الشقاء.
وكأنه قيل: ما الذي أوصلهم إلى هذه الدار؟ فقال: ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا﴾ أي: وجدوا ﴿آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ أي: يسرعون في الضلال، فلم يلتفتوا إلى ما دعتهم إليه الرسل، ولا إلى ما حذرتهم عنه الكتب، ولا إلى أقوال الناصحين، بل عارضوهم بأن قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾
﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ﴾ أي: قبل هؤلاء المخاطبين ﴿أَكْثَرُ الأوَّلِينَ﴾ وقليل منهم آمن واهتدى.
-[٧٠٥]-
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ ينذرونهم عن غيهم وضلالهم.
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ كانت عاقبتهم الهلاك، والخزي، والفضيحة، فليحذر هؤلاء أن يستمروا على ضلالهم، فيصيبهم مثل ما أصابهم.
ولما كان المنذرون ليسوا (٢) كلهم ضالين، بل منهم من آمن وأخلص الدين لله، استثناه الله من الهلاك فقال: ﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي: الذين أخلصهم الله، وخصهم برحمته لإخلاصهم، فإن عواقبهم صارت حميدة.
ثم ذكر أنموذجا من عواقب الأمم المكذبين فقال:
(١) كذا في ب، وفي أ: معدن.
(٢) كذا في ب، وفي أ: ليس.
﴿٧٥ - ٨٢﴾ ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾. يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه السلام، أول الرسل، أنه لما دعا قومه إلى الله، تلك المدة الطويلة فلم يزدهم دعاؤه، إلا فرارا، أنه نادى ربه فقال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ الآية.
وقال: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ فاستجاب الله له، ومدح تعالى نفسه فقال: ﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ لدعاء الداعين، وسماع تبتلهم وتضرعهم، أجابه إجابة طابق ما سأل، نجاه وأهله من الكرب العظيم.
﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾
وأغرق جميع الكافرين، وأبقى نسله وذريته متسلسلين، فجميع الناس من ذرية نوح عليه السلام، وجعل له ثناء حسنا مستمرا إلى وقت الآخرين، وذلك لأنه محسن في عبادة الخالق، محسن إلى الخلق، وهذه سنته تعالى في المحسنين، أن ينشر لهم من الثناء على حسب إحسانهم.
ودل قوله: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ أن الإيمان أرفع منازل العباد وأنه مشتمل على جميع شرائع الدين وأصوله وفروعه، لأن الله مدح به خواص خلقه.
﴿٨٣ - ١١٣﴾ ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ﴾ إلى آخر القصة.
أي: وإن من شيعة نوح عليه السلام، ومن هو على طريقته في النبوة والرسالة، ودعوة الخلق إلى الله، وإجابة الدعاء، إبراهيم الخليل عليه السلام.
﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ من الشرك والشبه، والشهوات المانعة من تصور الحق، والعمل به، وإذا كان قلب العبد سليما، سلم من كل شر، وحصل له كل خير، ومن سلامته أنه سليم من غش الخلق وحسدهم، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، ولهذا نصح الخلق في الله، وبدأ بأبيه وقومه فقال: ﴿إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾ هذا استفهام بمعنى (١) الإنكار، وإلزام لهم بالحجة.
﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ أي: أتعبدون [من دونه] آلهة كذبا، ليست بآلهة، ولا تصلح للعبادة، فما ظنكم برب العالمين، أن يفعل بكم وقد عبدتم معه غيره؟ وهذا ترهيب لهم بالجزاء بالعقاب على الإقامة على شركهم.
وما الذي ظننتم برب العالمين، من النقص حتى جعلتم له أندادا وشركاء.
فأراد عليه السلام، أن يكسر أصنامهم، ويتمكن من ذلك، فانتهز الفرصة في حين غفلة منهم، لما ذهبوا إلى عيد من أعيادهم، فخرج معهم.
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ في الحديث الصحيح: "لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: قوله ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وقوله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ وقوله عن زوجته "إنها أختي" والقصد أنه تخلف عنهم، ليتم له الكيد بآلهتهم.
﴿فَـ﴾ لهذا ﴿تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ فلما وجد الفرصة.
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ﴾ أي: أسرع إليها على وجه الخفية والمراوغة، ﴿فَقَالَ﴾ متهكما بها ﴿أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ﴾ أي: فكيف يليق أن تعبد، وهي أنقص من الحيوانات، التي تأكل أو تكلم؟ فهذه جماد لا تأكل ولا تكلم.
﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ أي: جعل يضربها بقوته ونشاطه، حتى جعلها جذاذا، إلا كبيرا لهم، لعلهم إليه يرجعون.
﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ أي: يسرعون ويهرعون، أي: يريدون أن يوقعوا به، بعدما بحثوا وقالوا: ﴿مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾
وقيل لهم ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ يقول: ﴿تَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ فوبخوه ولاموه، فقال: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ﴾ الآية.
و ﴿قَالَ﴾ هنا: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ أي: تنحتونه بأيديكم وتصنعونه؟ فكيف تعبدونهم، وأنتم الذين صنعتموهم، وتتركون الإخلاص لله؟ الذي ﴿خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا﴾ أي: عاليا مرتفعا، وأوقدوا فيها النار -[٧٠٦]- ﴿فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ جزاء على ما فعل، من تكسير آلهتهم.
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ ليقتلوه أشنع قتلة ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ﴾ رد الله كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردا وسلاما.
﴿وَ﴾ لما فعلوا فيه هذا الفعل، وأقام عليهم الحجة، وأعذر منهم، ﴿قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ أي: مهاجر إليه، قاصد إلى الأرض المباركة أرض الشام. ﴿سَيَهْدِينِ﴾ يدلني إلى ما فيه الخير لي، من أمر ديني ودنياي، وقال في الآية الأخرى: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾
﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ ولدا يكون ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ وذلك عند ما أيس من قومه، ولم ير فيهم خيرا، دعا الله أن يهب له غلاما صالحا، ينفع الله به في حياته، وبعد مماته، فاستجاب الله له وقال: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ﴾ وهذا إسماعيل عليه السلام بلا شك، فإنه ذكر بعده البشارة [بإسحاق، ولأن الله تعالى قال في بشراه بإسحاق ﴿فَبَشَّرْنَاهَا] بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ فدل على أن إسحاق غير الذبيح، ووصف الله إسماعيل، عليه السلام بالحلم، وهو يتضمن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر والعفو عمن جنى.
﴿فَلَمَّا بَلَغَ﴾ الغلام ﴿مَعَهُ السَّعْيَ﴾ أي: أدرك أن يسعى معه، وبلغ سنا يكون في الغالب، أحب ما يكون لوالديه، قد ذهبت مشقته، وأقبلت منفعته، فقال له إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ أي: قد رأيت في النوم والرؤيا، أن الله يأمرني بذبحك، ورؤيا (٢) الأنبياء وحي ﴿فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ فإن أمر الله تعالى، لا بد من تنفيذه، ﴿قَالَ﴾ إسماعيل صابرا محتسبا، مرضيا لربه، وبارا بوالده: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ أي: [امض] لما أمرك الله ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى.
(١) في ب: على وجه.
(٢) كذا في ب، وفي أ: ورأي.
705
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه.
﴿وَنَادَيْنَاهُ﴾ في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: ﴿أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ﴾ أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم.
﴿إِنَّ هَذَا﴾ الذي امتحنا به إبراهيم عليه السلام ﴿لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ أي: الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخلته، فإن إسماعيل عليه السلام لما وهبه الله لإبراهيم، أحبه حبا شديدا، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، وهو منصب لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب، فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفي وُدَّه ويختبر خلته، فأمره أن يذبح من زاحم حبه حب ربه، فلما قدّم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه، فلهذا قال: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي: صار بدله ذبح من الغنم عظيم، ذبحه إبراهيم، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة.
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أي: وأبقينا عليه ثناء صادقا في الآخرين، كما كان في الأولين، فكل وقت بعد إبراهيم عليه السلام، فإنه [فيه] محبوب معظم مثني عليه.
﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أي: تحيته عليه كقوله: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ في عبادة الله، ومعاملة خلقه، أن نفرج عنهم الشدائد، ونجعل لهم العاقبة، والثناء الحسن.
﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ بما أمر الله بالإيمان به، الذين بلغ بهم الإيمان إلى درجة اليقين، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ هذه البشارة الثانية بإسحاق، الذي من ورائه يعقوب، فبشر بوجوده وبقائه، ووجود ذريته، وكونه نبيا من الصالحين، فهي بشارات متعددة.
706
﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ﴾ أي: أنزلنا عليهما البركة، التي هي النمو والزيادة في علمهما وعملهما وذريتهما، فنشر الله من ذريتهما ثلاث أمم عظيمة: أمة العرب من ذرية إسماعيل، وأمة بني إسرائيل، وأمة الروم من ذرية إسحاق. ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ أي: منهم الصالح والطالح، والعادل والظالم الذي تبين ظلمه، بكفره وشركه، ولعل هذا من باب دفع الإيهام، فإنه لما قال: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إسحاق﴾ اقتضى ذلك البركة في ذريتهما، وأن من تمام البركة، أن تكون الذرية كلهم محسنين، فأخبر الله تعالى أن منهم محسنا وظالما، والله أعلم.
-[٧٠٧]-
﴿١١٤ - ١٢٢﴾ ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ إلى آخر القصة.
يذكر تعالى مِنَّتهُ على عبديه ورسوليه، موسى، وهارون ابني عمران، بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله تعالى، ونجاتهما وقومهما من عدوهما فرعون، ونصرهما عليه، حتى أغرقه الله وهم ينظرون، وإنزال الله عليهما الكتاب المستبين، وهو التوراة التي فيها الأحكام والمواعظ وتفصيل كل شيء، وأن الله هداهما الصراط المستقيم، بأن شرع لهما دينا ذا أحكام وشرائع مستقيمة موصلة إلى الله، ومَنَّ عليهما بسلوكه.
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ أي: أبقى عليهما ثناء حسنا، وتحية في الآخرين، ومن باب أولى وأحرى في الأولين ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿١٢٣ - ١٣٢﴾ ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ﴾.
يمدح تعالى عبده ورسوله، إلياس عليه الصلاة والسلام، بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله، وأنه أمر قومه بالتقوى، وعبادة الله وحده، ونهاهم عن عبادتهم، صنما لهم يقال له "بعل" وتركهم عبادة الله، الذي خلق الخلق، وأحسن خلقهم، ورباهم فأحسن تربيتهم، وأدرَّ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، وأنكم كيف تركتم عبادة من هذا شأنه، إلى عبادة صنم، لا يضر، ولا ينفع، ولا يخلق، ولا يرزق، بل لا يأكل ولا يتكلم؟ " وهل هذا إلا من أعظم الضلال والسفه والغي؟ "
﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ فيما دعاهم إليه، فلم ينقادوا له، قال الله متوعدا لهم: ﴿فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ أي يوم القيامة في العذاب، ولم يذكر لهم عقوبة دنيوية.
﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أي: الذين أخلصهم الله، ومنَّ عليهم باتباع نبيهم، فإنهم غير محضرين في العذاب، وإنما لهم من الله جزيل الثواب.
﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ﴾ أي: على إلياس ﴿فِي الآخِرِينَ﴾ ثناء حسنا.
﴿سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ أي: تحية من الله، ومن عباده عليه.
﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ فأثنى الله عليه كما أثنى على إخوانه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
﴿١٣٣ - ١٣٨﴾ ﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾.
وهذا ثناء منه تعالى على عبده ورسوله، لوط بالنبوة والرسالة، ودعوته إلى الله قومه، ونهيهم عن الشرك، وفعل الفاحشة.
فلما لم ينتهوا، نجاه الله وأهله أجمعين، فسروا ليلا فنجوا.
﴿إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ أي: الباقين المعذبين، وهي زوجة لوط لم تكن على دينه.
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ﴾ بأن قلبنا عليهم ديارهم ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ حتى همدوا وخمدوا.
﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: على ديار قوم لوط ﴿مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ﴾ أي: في هذه الأوقات، يكثر ترددكم إليها ومروركم بها، فلم تقبل الشك والمرية ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ الآيات والعبر، وتنزجرون عما يوجب الهلاك؟
﴿١٣٩ - ١٤٨﴾ ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ إلى آخر القصة.
وهذا ثناء منه تعالى، على عبده ورسوله، يونس بن متى، كما أثنى على إخوانه المرسلين، بالنبوة والرسالة، والدعوة إلى الله، وذكر تعالى عنه، أنه عاقبه عقوبة دنيوية، أنجاه منها بسبب إيمانه وأعماله الصالحة، فقال: ﴿إِذْ أَبَقَ﴾
أي: من ربه مغاضبا له، ظانا أنه لا يقدر عليه، ويحبسه في بطن الحوت، ولم يذكر الله ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذُكِّرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه الله مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيض له ما هو سبب صلاحه.
فلما أبق لجأ ﴿إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ بالركاب والأمتعة، فلما ركب مع غيره، والفلك شاحن، ثقلت السفينة، فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركبان، وكأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك، فاقترعوا على أن من قرع وغلب، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه.
فلما [اقترعوا] أصابت القرعة يونس ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ أي: المغلوبين.
فألقي في البحر ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ﴾ وقت التقامه ﴿مُلِيمٌ﴾ أي: فاعل ما يلام عليه، وهو مغاضبته لربه.
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ أي: في وقته السابق بكثرة عبادته لربه، وتسبيحه، وتحميده، وفي بطن الحوت حيث قال: ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي: لكانت مقبرته، ولكن بسبب تسبيحه وعبادته لله، نجاه الله تعالى، وكذلك ينجي الله المؤمنين، عند وقوعهم في الشدائد.
﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ﴾ بأن قذفه الحوت من بطنه بالعراء، وهي الأرض الخالية العارية من كل أحد، بل ربما كانت عارية من الأشجار والظلال. ﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ أي: قد سقم ومرض، بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.
﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ تظله بظلها الظليل، لأنها بادرة باردة الظلال، ولا يسقط عليها ذباب، وهذا من لطفه به، وبره.
-[٧٠٨]-
ثم لطف به لطفا آخر، وامْتَنَّ عليه مِنّة عظمى، وهو أنه أرسله ﴿إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ﴾ من الناس ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ عنها، والمعنى أنهم إن ما زادوا لم ينقصوا، فدعاهم إلى الله تعالى.
﴿فَآمَنُوا﴾ فصاروا في موازينه، لأنه الداعي لهم.
﴿فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ بأن صرف الله عنهم العذاب بعدما انعقدت أسبابه، قال تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾
﴿١٤٩ - ١٥٧﴾ ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾.
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: اسأل المشركين بالله غيره، الذين عبدوا الملائكة، وزعموا أنها بنات الله، فجمعوا بين الشرك بالله، ووصفه بما لا يليق بجلاله، ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ أي: هذه قسمة ضيزى، وقول جائر، من جهة جعلهم الولد لله تعالى، ومن جهة جعلهم أردأ القسمين وأخسهما له وهو البنات التي لا يرضونهن لأنفسهم، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ ومن جهة جعلهم الملائكة بنات الله، وحكمهم بذلك.
قال تعالى في بيان كذبهم: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ خلقهم؟ أي: ليس الأمر كذلك، فإنهم ما شهدوا خلقهم، فدل على أنهم قالوا هذا القول، بلا علم، بل افتراء على الله، ولهذا قال: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ أي: كذبهم الواضح ﴿لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾
﴿أَصْطَفَى﴾ أي: اختار.
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
﴿الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم الجائر
﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ وتميزون هذا القول الباطل الجائر فإنكم لو تذكرتم لم تقولوا هذا القول
﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ أي حجة ظاهرة على قولكم من كتاب أو رسول
وكل هذا غير واقع ولهذا قال ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فإن من يقول قولا لا يقيم عليه حجة شرعية فإنه كاذب متعمد أو قائل على الله بلا علم
﴿١٥٨ - ١٦٠﴾ ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾.
أي: جعل هؤلاء المشركون بالله بين الله وبين الجنة نسبا، حيث زعموا أن الملائكة بنات الله، وأن أمهاتهم سروات الجن، والحال أن الجنة قد علمت أنهم محضرون بين يدي الله، [ليجازيهم] عبادا أذلاء، فلو كان بينهم وبينه نسب، لم يكونوا (١) كذلك.
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ الملك العظيم، الكامل الحليم، عما يصفه به المشركون من كل وصف أوجبه كفرهم وشركهم.
﴿إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ فإنه لم ينزه نفسه عما وصفوه به، لأنهم لم يصفوه إلا بما يليق بجلاله، وبذلك كانوا مخلصين.
(١) كذا في ب، وفي أ: لم يكن.
﴿١٦١ - ١٦٣﴾ ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ﴾.
أي: إنكم أيها المشركون ومن عبدتموه مع الله، لا تقدرون أن تفتنوا وتضلوا أحدا إلا من قضى الله أنه من أهل الجحيم، فينفذ فيه القضاء الإلهي، والمقصود من هذا، بيان عجزهم وعجز آلهتهم عن إضلال أحد، وبيان كمال قدرة الله تعالى، أي: فلا تطمعوا بإضلال عباد الله المخلصين وحزبه المفلحين.
﴿١٦٤ - ١٦٦﴾ ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾.
هذا [فيه] بيان براءة الملائكة عليهم السلام، عما قاله فيهم المشركون، وأنهم عباد الله، لا يعصونه طرفة عين، فما منهم من أحد إلا له مقام وتدبير قد أمره الله به لا يتعداه ولا يتجاوزه، وليس لهم من الأمر شيء.
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ في طاعة الله وخدمته.
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ لله عما لا يليق به. فكيف - مع هذا - يصلحون أن يكونوا شركاء لله؟! تعالى الله.
﴿١٦٧ - ١٨٢﴾ ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ إلى آخر السورة.
يخبر تعالى أن هؤلاء المشركين، يظهرون التمني، ويقولون: لو جاءنا من الذكر والكتب، ما جاء -[٧٠٩]- الأولين، لأخلصنا لله العبادة، بل لكنا المخلصين على الحقيقة.
وهم كَذَبَة في ذلك، فقد جاءهم أفضل الكتب فكفروا به، فعلم أنهم متمردون على الحق ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ العذاب حين يقع بهم، ولا يحسبوا أيضا أنهم في الدنيا غالبون، بل قد سبقت كلمة الله التي لا مرد لها ولا مخالف لها لعباده المرسلين وجنده المفلحين، أنهم الغالبون لغيرهم، المنصورون من ربهم، نصرا عزيزا، يتمكنون فيه من إقامة دينهم، وهذه بشارة عظيمة لمن اتصف بأنه من جند الله، بأن كانت أحواله مستقيمة، وقاتل من أمر بقتالهم، أنه غالب منصور.
ثم أمر رسوله بالإعراض عمن عاندوا، ولم يقبلوا الحق، وأنه ما بقي إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، ولهذا قال: ﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ من يحل به النكال، فإنه سيحل بهم.
﴿فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ أي: نزل عليهم، وقريبا منهم ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ لأنه صباح الشر والعقوبة، والاستئصال.
ثم كرر الأمر بالتَّولي عنهم، وتهديدهم بوقوع العذاب.
ولما ذكر في هذه السورة، كثيرا من أقوالهم الشنيعة، التي وصفوه بها، نزه نفسه عنها فقال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ أي: تنزه وتعالى ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ [أي:] الذي عز فقهر كل شيء، واعتز عن كل سوء يصفونه به.
﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ لسلامتهم من الذنوب والآفات، وسلامة ما وصفوا به فاطر الأرض والسماوات.
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الألف واللام، للاستغراق، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، والأفعال التي ربى بها العالمين، وأدرَّ عليهم فيها النعم، وصرف عنهم بها النقم، ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم، وفي جميع أحوالهم، كلها لله تعالى، فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم، ورسله سالمون مسلم عليهم، ومن اتبعهم في ذلك له السلامة في الدنيا والآخرة. [وأعداؤه لهم الهلاك والعطب في الدنيا والآخرة] (١).
تم تفسير سورة الصافات في ٦ شوال سنة ١٣٤٣هـ على يد جامعه: عبد الرحمن بن ناصر السعدي وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. المجلد السابع من تيسير الكريم المنان في تفسير آيات القرآن لجامعه: عبد الرحمن بن ناصر السعدي غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين.
(١) زيادة من ب.
708
تفسير سورة ص
وهي مكية
709
Icon