تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي ثلاثون وخمس آيات
ﰡ
﴿تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم﴾
﴿ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلاَّ بالحق﴾ أَيْ: للحقِّ ولإِقامة الحقِّ ﴿وأجل مسمَّى﴾ تفنى عند انقضاء ذلك الأجل ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ أعرضوا بعدما قامت عليهم الحجَّة بخلق الله السماوات والأرض ثمَّ طالبهم بالدَّليل على عبادة الأوثان فقال:
﴿قل أرأيتم ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات﴾ أَيْ: مشاركةٌ مع الله في خلقهما لذلك أشركتموهم في عبادته ﴿ائتوني بكتاب من قبل هذا﴾ أَيْ: من قبل القرآن فهي بيان ما تقولون ﴿أو أثارة من علم﴾ روايةٍ عن الأنبياء أنَّهم أَمروا بعبادة غير الله فلمَّا قامت عليهم الحجَّة جعلهم أضلَّ الخلق فقال:
﴿ومَنْ أضلُّ ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة﴾ أَيْ: أبداً الآية
﴿وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً﴾ عادوا معبوديهم لأنهم بسبهم وقعوا في الهلكة وجحد المعبودون عبادتهم وهو قوله: ﴿وكانوا بعبادتهم كافرين﴾ كقوله: ﴿تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون﴾ وقوله:
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين﴾
﴿قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا﴾ أي: إن عذَّبني على افترائي لم تملكوا دفعه وإذا كنتم كذلك لم أفتر على الله من أجلكم ﴿هو أعلم بما تفيضون فيه﴾ تخوضون فيه من الإفك ﴿وهو الغفور﴾ لمَنْ تاب ﴿الرحيم﴾ به
﴿قل ما كنت بدعاً﴾ بديعاً ﴿من الرسل﴾ أَيْ: لستُ بأوَّل مرسل فتنكروا نبوَّتي ﴿وما أدري ما يفعل بي﴾ إلى إيش يصير أمري معكم أتقتلونني أم تخرجونني ﴿ولا بكم﴾ أَتُعذِّبون بالخسف أم الحجارة والمعنى: ما أدري إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدُّنيا
﴿قل أرأيتم إن كان﴾ القرآن ﴿من عند الله وكفرتم به وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل﴾ يعني: عبد الله بن سلام ﴿على مثله﴾ على مثل ما شهد عليه القرآن من تصديق محمَّد عليه السَّلام ﴿فآمن﴾ ذلك الرَّجل ﴿واستكبرتم﴾ عن الإيمان
﴿وقال الذين كفروا﴾ من اليهود: ﴿لو كان﴾ دين محمَّدٍ ﴿خيراً ما سبقونا إليه﴾ يعنون: عبد الله بن سلام وأصحابه ﴿وإذ لم يهتدوا به﴾ بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان ﴿فسيقولون هذا إفكٌ قديم﴾ كما قالوا: أساطير الأوَّلين
﴿ومن قبله﴾ ومن قبل القرآن ﴿كتاب موسى﴾ التَّوراة ﴿إماماً ورحمة وهذا كتاب﴾ أَيْ: القرآن ﴿مصدق﴾ أَيْ: مصدِّقٌ لما بين يديه لما تقدَّم من الكتب ﴿لساناً عربياً﴾ نصب على الحال وقوله:
﴿إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون﴾
﴿أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون﴾
﴿حملته أمه كرهاً﴾ على مشقَّةٍ ﴿ووضعته كرهاً﴾ أَيْ: على مشقَّةٍ ﴿وحمله وفصاله ثلاثون شهراً﴾ أقلُّ الحمل ستة أشهر والفِصال: الفِطام ويكون ذلك بعد حولين ﴿حتى إذا بلغ أشده﴾ غاية شبابه وهي ثلاثٌ وثلاثون سنةً ﴿وبلغ أربعين سنةً قال: ربِّ أوزعني﴾ الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه وذلك أنَّه لمَّا بلغ أربعين سنةً آمن بالنبيِّ ﷺ وآمن أبوه فذلك قوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى والدي﴾ أَيْ: بالإِيمان ﴿وأصلح لي في ذريتي﴾ بأن تجعلهم مؤمنين فاستجاب الله له في أولاده فأسلموا ولم يكن أحدٌ من الصَّحابة أسلم هو وأبوه وبنوه وبناته إلاَّ أبو بكر رضي الله عنه
﴿أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون﴾
﴿والذي قال لوالديه﴾ نزلت في كافرٍ عاقٍّ قال لوالديه: ﴿أَتَعِدانِني أن أخرج﴾ من قبري حيَّاً ﴿وقد خلت القرون من قبلي﴾ فلم يُبعث منهم أحدٌ ﴿وهما يستغيثان الله﴾ يعني: والديه يستغيثان بالله على إيمان ولدهما ويقولان له: ﴿ويلك آمن إنَّ وعد الله حق فيقول ما هذا﴾ الذي تتدعونني إليه ﴿إلاَّ أساطير الأولين﴾
﴿أولئك الذين﴾ أَيْ: مَنْ كان بهذه الصِّفة فهم الذين ﴿حق عليهم القول﴾ وجب عليهم العذاب ﴿في أمم﴾ كافرةٍ ﴿من الجن والإِنس﴾
﴿ولكلٍّ﴾ من المؤمنين والكافرين ﴿درجات﴾ منازل ومراتب من الثَّواب والعقاب ﴿ممَّا عملوا﴾
﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار﴾ فيقال لهم: ﴿أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها﴾ وذلك أنَّهم يفعلون ما يشتهون لا يتوفون حراما ولا يجتنبون مأئما ﴿فاليوم تجزون عذاب الهون﴾ الآية
﴿واذكر أخا عاد﴾ يعني: هوداً ﴿إذ أنذر قومه بالأحقاف﴾ أَيْ: منازلهم ﴿وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه﴾ أَيْ: قد أُنذروا بالعذاب أنْ عَبَدوا غيرَ الله قبل إنذار هو وبعده
﴿قالوا أجئتنا لتأفكنا﴾ لتصرفنا ﴿عن آلهتنا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصادقين﴾
﴿قال: إنما العلم عند الله﴾ هو يعلم متى يأتيكم العذاب ﴿و﴾ إنما أنا مُبلِّغٌ ﴿أبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوماً تجهلون﴾ مراشدكم حين أدلُّكم على الرَّشاد وأنتم تُعرضون
﴿فلما رأوه﴾ أَيْ: السَّحاب ﴿عارضاً﴾ قد عرض في السماء ﴿مستقبل أوديتهم﴾ يأتي من قبلها ﴿قالوا هذا عارض ممطرنا﴾ سحابٌ يمطر علينا قال الله تعالى: ﴿بل هو ما أستعجلتم به﴾ من العذاب
﴿تدمّر﴾ تُهلك ﴿كلَّ شيء﴾ مرَّت به من الرِّجال والدَّوابِّ ﴿فأصبحوا لا يُرى﴾ أشخاصهم ﴿إلاَّ مساكنهم﴾ لأنَّ الرِّيح أهلكتهم وفرَّقتهم وبقيت مساكنهم خاليةً
﴿ولقد مكَّناهم﴾ من القوَّة والعمر والمال ﴿فيما إن مكَّناكم فيه﴾ في الذي ما مكَّنَّاكم فيه
﴿ولقد أهلكنا ما حولكم﴾ يا أهل مكَّة ﴿من القرى﴾ كحجر ثمود وقرى قوم لوط ﴿وصرَّفنا الآيات﴾ بيَّنا الدَّلالات ﴿لعلهم يرجعون﴾ عن كفرهم يعني: الأمم المهلكة
﴿فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة﴾ يعني: أوثانهم الذين اتَّخذوها آلهةَ يتقرَّبون بها إلى الله ﴿بل ضلوا عنهم﴾ بطلوا عند نزول العذاب ﴿وذلك إفكهم﴾ أَيْ: كذبهم وكفرهم يعني: قولهم: إنَّها تُقرِّبنا إلى الله
﴿وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن﴾ كانوا تسعة نفرٍ من الجنِّ من نينوى من أرض الموصل وذلك أنَّه عليه السَّلام أُمر أن يُنذر الجنَّ فصرف إليه نفرٌ منهم ليتسمعوا ويبلِّغوا قومهم ﴿فلما حضروه﴾ قال بعضهم لبعض: ﴿أنصتوا﴾ أَيْ: اسكتوا ﴿فلما قضي﴾ أَيْ: فرغ من تلاوة القرآن رجعوا ﴿إلى قومهم منذرين﴾ وقالوا لهم ما قصَّ الله في كتابه وقوله:
﴿قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم﴾
﴿يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم﴾
﴿ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين﴾
﴿ولم يعي بخلقهن﴾ أَيْ: لمن يضعف عن إبداعهن
﴿ويوم يعرض الذين كفروا على النار أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾
﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل﴾ أَيْ: ذوو الرَّأي والجدِّ وكلّهم أولو العزم إلاَّ يونس وقيل: هم أصحاب الشَّرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد منهم ﷺ أجمعين ﴿ولا تستعجل لهم﴾ العذاب ﴿كأنهم يوم يرون ما يوعدون﴾ من العذاب في الآخرة ﴿لم يلبثوا﴾ في الدُّنيا ﴿إلاَّ ساعة من نهار﴾ لهولِ ما عاينوا ونسوا قدره مكثهم في الدُّنيا ﴿بلاغ﴾ أَيْ: هذا القرآن بلاغٌ أَيْ: تبْليغٌ من الله تعالى إليكم على لسان محمَّد عليه السَّلام ﴿فهل يهلك إلاَّ القوم الفاسقون﴾ أَيْ: لا يُهلك مع رحمة الله وتفضُّله إلاَّ الكافرون