تفسير سورة سورة الحديد من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـالوجيز للواحدي
.
لمؤلفه
الواحدي
.
المتوفي سنة 468 هـ
مدنية وهي عشرون وتسع آيات
ﰡ
﴿سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم﴾ ذُكر تفسيرها في قوله: ﴿إن مِنْ شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بحمده﴾
﴿له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير﴾
﴿هو الأوَّل﴾ قبل كلِّ شيءٍ فكلُّ شيءٍ دونه ﴿والباطن﴾ العالم بكلِّ شيءٍ
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ﴾ ما يدخل فيها من مطرٍِ وغيره ﴿وما يخرج منها﴾ من نباتٍ وشجرٍ ﴿وما ينزل من السماء﴾ من رزقٍ ومطرٍ ومَلكٍ وأمرٍ ﴿وما يعرج فيها﴾ يصعد إليها من عملٍ ﴿وهو معكم﴾ بالعلم والقدرة ﴿أين ما كنتم﴾
﴿له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور﴾
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الليل وهو عليم بذات الصدور﴾
﴿آمنوا بالله ورسوله﴾ صدِّقوا بأنَّ الله تعالى واحدٌ وأنَّ محمداً رسول الله ﴿وأنفقوا﴾ من المال الذي ﴿جعلكم مستخلفين فيه﴾ أَيْ: كان لغيركم فملكتموه وقوله:
﴿وقد أخذ ميثاقكم﴾ أَيْ: حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السَّلام بأنَّ الله ربُّكم لا إله لكم سواه ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي: إِن كنتم على أن تؤمنوا يوماً من الأيام
﴿هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم﴾
﴿وما لكم أنْ لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض﴾ أَيْ: أَيُّ شيءٍ لكم في ترك الإِنفاق في طاعة الله وأنتم ميِّتون تاركون أموالكم ثمَّ بيَّن فضل السَّابقين في الإنفاق والجهاد فقال ﴿لا يستوي منكم مَنْ أنفق من قبل الفتح﴾ يعني: فتح مكَّة ﴿وقاتل﴾ جاهد مع رسول الله ﷺ أعداء الله ﴿أولئك أعظم درجة﴾ يعني: عند الله ﴿من الذين أنفقوا من بعد﴾ الفتح ﴿وقاتلوا وكلاً﴾ من الفريقين ﴿وعد الله الحسنى﴾ الجنَّة
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ ذُكر تفسيره في سورة البقرة
﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات﴾ وهو يوم القيامة ﴿يسعى نورهم﴾ على الصِّراط ﴿بين أيديهم وبأيمانهم﴾ وتقول لهم الملائكة: ﴿بشراكم اليوم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلك هو الفوز العظيم﴾
﴿يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم﴾ انتظرونا وقفوا لنا تستضيء بنوركم ﴿قيل﴾ لهم ﴿ارجعوا وراءكم﴾ من حيث جئتم ﴿فالتمسوا نوراً﴾ فلا نور لكم عندنا ﴿فضرب بينهم﴾ بين المؤمنين والمنافقين ﴿بسور﴾ وهو حاجزٌ بين الجنَّة والنار وقيل: هو سور الأعراف ﴿له باب﴾ في ذلك السُّور بابٌ ﴿باطنه فيه الرحمة﴾ لأنَّ ذلك الباب يُفضي إلى الجنَّة ﴿وظاهره من قبله﴾ أَيْ: من قبل ذلك الظَّاهر ﴿العذاب﴾ وهو النَّار
﴿ينادونهم﴾ ينادي المنافقون المؤمنين: ﴿ألم نكن معكم﴾ في الدُّنيا نناكحكم ونوارثكم ﴿قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم﴾ آثمتموها بالنِّفاق ﴿وتربصتم﴾ بمحمدَّ عليه السَّلام الموت ﴿وارتبتم﴾ شككتم في الإيمان ﴿وغرَّتكم الأمانيّ﴾ ما كنتم تمنَّون من نزول الدَّوابر بالمؤمنين ﴿حتى جاء أمر الله﴾ الموت ﴿وغرَّكم بالله﴾ أَيْ: بحلمه وإمهاله ﴿الغرور﴾ الشَّيطان
﴿فاليوم لا يؤخذ منكم فدية﴾ بدلٌ ﴿ولا من الذين كفروا﴾ وهم المشركون ﴿مأواكم النار﴾ منزلكم النَّار ﴿هي مولاكم﴾ أولى بكم ﴿وبئس المصير﴾ هي
﴿ألم يأن للذين آمنوا﴾ ألم يحن ﴿أن تخشع قلوبهم﴾ ترقَّ وتلين ﴿لذكر الله وما نزل من الحق﴾ وهو القرآن وهذا حثٌّ من الله تعالى لقومٍ من المؤمنين على الرِّقة والخشوع ﴿ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل﴾ أي: اليهود والنَّصارى ﴿فطال عليهم الأمد﴾ الزَّمان بينهم وبين أنبيائهم ﴿فقست قلوبهم﴾ لم تَلِنْ لذكر الله ونسوا ما عهد الله سبحانه إليهم في كتابهم ﴿وكثير منهم فاسقون﴾ وهم الذين تركوا الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم
﴿اعلموا أنَّ الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات﴾ أي: إنَّ إحياء الأرض بعد موتها دليلٌ على توحيد الله تعالى وقدرته
﴿إن المصدقين والمصدقات﴾ الذي يتصدَّقون وينفقون في سبيل الله ﴿وأقرضوا الله قرضاً حسناً﴾ بالنَّفقة في سبيله ﴿يضاعف لهم﴾ ما عملوا ﴿ولهم أجرٌ كريم﴾ وهو الجنَّة
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ المُبالغون في الصِّدق ﴿والشهداء عند ربهم﴾ أَي: الأنبياء عليهم السَّلام ﴿لهم أجرهم ونورهم﴾ في ظلمة القبر وقيل: هم جميع المؤمنين
﴿اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو﴾ في انقضائها وقلَّة حاصلها ﴿وزينة﴾ يتزيَّنون بها ﴿وتفاخرٌ بينكم﴾ يفخر بها بعضكم على بعض ﴿وتكاثر في الأموال والأولاد﴾ مباهاةٌ بكثرتها ثمَّ ضرب لها مثلاً فقال: ﴿كمثل غيث﴾ مطرٍ ﴿أعجب الكفار﴾ أي: الزُّراع ﴿نباتُه﴾ ما أنبته ذلك الغيث ﴿ثم يهيج﴾ ييبس ﴿فتراه مصفراً﴾ بعد يبسه ﴿ثمَّ يكون حطاما﴾ هشيما متفتتا كذلك الإِنسان يهرم ثمَّ يموت ويبلى ﴿وفي الآخرة عذاب شديد﴾ للكفَّار ﴿ومغفرة من الله ورضوان﴾ لأوليائه
﴿سابقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ ذُكر في سورة آل عمران عند قوله: ﴿وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم﴾ الآية
﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض﴾ بالجدبِ ﴿ولا في أنفسكم﴾ بالمرض والموت والخسران ﴿إلاَّ في كتاب﴾ أي: اللَّوح المحفوظ ﴿من قبل أن نبرأها﴾ نخلق تلك المصيبة ﴿إنَّ ذلك على الله يسير﴾ أَيْ: خلقها في وقتها بعد أَنْ كتبها في اللَّوح المحفوظ
﴿لكي لا تأسوا على ما فاتكم﴾ من الدُّنيا ﴿ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ أعطاكم منها أَيْ: لكيلا تحزنوا حزناً يُطغيكم ولا تبطروا بالفرح بعد أَنْ علمتم أنَّ ما يصيبكم من خيرٍ وشرٍّ فمكتوب لا يخطئكم ﴿والله لا يحب كل مختال﴾ مُتكبِّرٍ بما أُوتي من الدُّنيا ﴿فخور﴾ به على النَّاس
﴿الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل﴾ ذُكر في سورة النِّساء
﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات﴾ بالدّلالات الواضحات ﴿وأنزلنا معهم الكتاب والميزان﴾ العدل ﴿ليقوم الناس بالقسط﴾ ليتعامل النَّاس بينهم بالعدل ﴿وأنزلنا الحديد﴾ وذلك أنَّ آدم عليه السَّلام نزل إلى الأرض بالعلاة والمطرقة وآلة الحدَّادين ﴿فيه بأس شديد﴾ قوَّةٌ وشدَّةٌ يُمتنع بها ويُحارب ﴿ومنافع للناس﴾ يستعملونه في أدواتهم ﴿وليعلم الله﴾ أَيْ: أرسلنا الرُّسل ومعهم هذه الأشياء ليتعامل النَّاس بالحقِّ وليرى الله مَنْ ينصر دينه ﴿ورسله بالغيب﴾ في الدنيا وقوله:
﴿ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون﴾
﴿ورهبانية ابتدعوها﴾ أَي: ابتدعوا من قبل أنفسهم رهبانيَّةً أَي: التَّرهُّب في الصَّوامع ﴿ما كتبناها عليهم﴾ ما أمرناهم بها ﴿إلاَّ ابتغاء رضوان الله﴾ لكنَّهم ابتغوا بتلك الرَّهبانيَّة رضوان الله ﴿فما رعوها حق رعايتها﴾ أي: قصورا في تلك الرَّهبانيَّة حين لم يؤمنوا بمحمد عليه السَّلام ﴿فآتينا الذين آمنوا منهم﴾ بمحمَّدٍ عليه السَّلام ﴿أجرهم وكثير منهم فاسقون﴾ وهم الذين لم يؤمنوا به
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ بالتَّوراة والإنجيل ﴿اتقوا الله وآمنوا برسوله﴾ محمد عليه السَّلام ﴿يؤتكم كفلين﴾ نصيبين ﴿من رحمته﴾ نصيباً بإيمانكم الأوَّل ونصيباً بإيمانكم بمحمَّد عليه السَّلام وكتابه ﴿ويجعل لكم نوراً تمشون به﴾ في الآخرة على الصِّراط ﴿ويغفر لكم﴾ وعدهم الله هذه الأشياء كلَّها على الإيمان بمحمد عليه السلام ثمَّ قال:
﴿لئلا يعلم﴾ أي: ليعلم ولا زائدة ﴿أهل الكتاب﴾ اليهود والنَّصارى ﴿ألا يقدرون على شيء﴾ أنَّهم لا يقدرون على شيءٍ ﴿من فضل الله﴾ يعني: إِنْ لم يؤمنوا لم يُؤتهم الله شيئاً ممَّا ذُكر ﴿وأنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذو الفضل العظيم﴾